العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الرد الشافي على ما ذكره الشنقيطي رحمه الله في كلامه عن الظاهرية

إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
بسم الله الرحمن الرحيم ..

الحمد لله حمداً كثيراً يليق بجلاله وعظمته وسلطانه ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله ، وصلاة وسلاماً منا إلى أزواجه وأصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدين ..

أما بعد ..
فمقالي عن بيان خطأ الشنقيطي رحمه الله في نقله مذهب الإمام ابن حزم في مسائل فقهية ذكرها في بعض مؤلفاته ..

ومن أراده فليدخل هنا ..

http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php/-785/index
ولا أدري حقيقة ممن نشأ الخطأ .. ؟!

هل هو من الشيخ الشنقيطي أو من تلامذته ..
والذي يقرأ كلام الشيخ فيما حكاه من مسائل الفقه عن الإمام ابن حزم الظاهري يظهر له أمور لا بد منها ..

إما أن الشيخ لم يطلع على كلام الإمام في هذه المسائل واكتفى بنقل تلامذته أو بعض الكتب .. !
وإما أنه حكم على هذه المسائل بحسب تفسيره لمعنى الظاهر الذي عمل به الإمام ابن حزم الظاهري ..

وكلا الأمرين خطأ في منهجية البحث العلمي ..
وإذا قلت أنا مثلا ..

يستنبط من مذهب الإمام أحمد بن حنبل ومن خلال أصل له أن يقول بكذا في الفرع الفقهي ..
وهذا لا بأس به إن كانت حكايتي عنه بمعنى أنه يحتمل أصله الفلاني كذا في مسائل الفقه ..

لكن إطلاق القول وكأن الإمام أحمد بن حنبل قد قال بما استنبطته أو حكي لي فلا يعتبر مقبولا في مناهج البحث عامة ..
والعتب أيضاً هنا على من نقل هذه الكلمات عن الشنقيطي وحتى لم يكلف نفسه تحري ما جاء فيها .. !

سواء من تلامذته المقربين أو من غيرهم من ممن نقل مقاله ..
أو من بارك هذا النقل ممن لا يعتني بأمانة النقل إلا إن كان عن شيخ مذهبه أو إمام مذهبه الذي يقلده ..
أما من خالفهم في المنهج فيستسهلون النقل دون تمييز للحق منه أو للباطل استكثاراً للتشنيع ..
وهو كما ستري تشنيع بغير وجه حق ..

فإما أن يكون ناقلها يعلم أنها خطأ ولكن المراد من نقلها التشنيع على الإمام ابن حزم الظاهري ..
وبيان تناقضه وذكر ما يجعله أضحوكة بين طلبة العلم اليوم ..
وهذا لا نظنه فيهم ..

وإما أن يكون ناقلها مؤيداً لها ويقول بما جاء فيها ..
وهذا يتبين فيه الخطأ والعوار بعد تحريري لمسائله التي نقلت عنه ..

وإما أن يكون ناقلها ومؤيدها ومباركها لم يكلف نفسه الوقوف على هذه المسائل أو فتح كتاب المحلى للإمام للتحقق من هذه النقول ..

فالناقل لكلام الإمام ابن حزم لا بد أن يكون له قصد من ذكر هذا المقال ..
ولا يعقل أن ينقله لمجرد النقل لأن الكتاب موجود وفيه جزء كبير من هذا الكلام ..
ولماذا كان النقل لهذا الموضوع أولى من نقل موضوع غيره .. ؟!

وعلى كل حال ..
ينتج عن ذلك ضرورة التثبت من نقل هؤلاء أو غيرهم أو كل أحد نقل لكلام الإمام ابن حزم الظاهري وغيره في مسائل الدين وهو يخالفه في المنهج .. فمن يستسهل النقل عن غيره دون تحقيق هذه النسبة لا يحل الأخذ عنه بإطلاق حتى نعلم صحة ما نقل خاصة إن كان مقلداً أو يعتبر أهل الظاهر ليسوا من جملة أهل الحق ..

ولا يهمني أنا إن كان الإمام أخطأ في مسألة أو مسائل ..
لكن يهمني أن ننسب القول الصحيح لمن أصدره ..

ثم نصدر الأحكام عليه إن كان قد أخطأ أو أصاب ..
وأن لا نجعل تقليدنا وعصبيتنا لمذاهبنا تطغى على فكرنا ..
ولا نجعل غيرنا يقود عقولنا دون تبصر ونظر ثم ندعي أننا من جملة أصحاب الحديث الذين يرفضون التمذهب والعصبية .. !

لكن ثمة حقيقة ..
أن الإمام ابن حزم الظاهري إمام رغم أنف من يأبى ..

لم يقلد أصحاب مالك في أصولهم ..
ولا قلد أصحاب أحمد ولا أصحاب الشافعي ولا داود نفسه ولا غيره ..

فاجتهد فيما اجتهد به وهو مصيب في هذا وله أجران إن وافق الحق وأجر واحد إن لم يوافقه ..
أما مستسهل التقليد والتبعية لمذاهب يبرأ منها أئمتها فهذه النقيصة التي تعاب ووجب أن تصحح ..

حتى أني مرة ذكر أحد طلبة العلم خطأ الشنقيطي في نفس المسائل فقال أحد المقلدة المالكيين ..
أتنكر على الشنقيطي وهو من هو وأنت من أنت .. ؟!

قال سبحان الله ..
أينكر الشنقيطي على الإمام ابن حزم وهو من هو .. ؟!

قال ..
فهل أنت كالشنقيطي حتى تنتقده كما انتقد ابن حزم .. ؟!

قال ..
لا لست مثله ولا قريب منه ..
لكن الحق حق .. والباطل باطل ..
سواء تقلده الشنقيطي أو غيره ..
فمتى ما أخطأ عالم مهما كانت درجته فحق لكل من وقف على بطلان كلامه أن ينبه عليه ..

فكما استباح الشنقيطي لنفسه أن ينتقد الإمام ابن حزم فيما لم يخطئ فيه يقيناً وظن الشنقيطي أنه خطأ ..
فكذلك على قياسكم نقد ما أخطأ فيه الشخص أولى وأحق من نقد لم يخطئ فيه ..

فلجلج ..

تلك تذكرة ..
فمن شاء أخذها من شاء سار على درب من ينقل دون تحقيق ويشنع على خصومه وهو أولى بالتشنيع على نفسه ..

وأما المسائل التي ذكرها الشيخ الشنقيطي في مسائل الفقه والتي أخطأ فيها فهي ..

المسألة الأولى ..
اجتهاد الإمام ابن حزم في العول ..

أول خطأ من الشنقيطي القول بأن الإمام ابن حزم خطأ ابن عباس في اختياره في هذه المسألة ثم نقل أنه صحح قوله ..
والصواب أن الإمام ابن حزم كان قوله موافقاً لقول ابن عباس وصحح قوله ولم ينسبه للخطأ إطلاقاً ..

الخطأ الثاني ..
يقول الشنقيطي ..
اجتهاد ابن عباس واختياره وكذلك الإمام ابن حزم الظاهري ما هو إلا عمل يناقض القرآن وتلاعب في كتاب الله تعالى .. !
لأنهم قدموا ما كان أقوى سبباً وأخروا من كان أضعف سبباً ..

ولا أدري هل التلاعب بكتاب الله تعالى هذا الاجتهاد أو تحميل النصوص ما لا تحتمل وإستنطاقها بما لا تنطق به .. ؟!
ولماذا لم يكن اجتهاد زيد بن ثابت ومن وافقه في هذه المسألة هي التلاعب .. ؟!
إن كان ذلك عن نص ثابت لما اختلف أحد ..
لكن الدعوى لا يوجد أسهل منها ..

فإن جهل عمر بن الخطاب من قدم الله تعالى من وأخر ثم اجتهدوا للصواب مع عدم علمه بالمقدم والمؤخر ..
فقد علم ابن عباس من قدم الله ومن أخر وقال بنفس ما جهله عمر ..

فكيف ينكر على ابن عباس والإمام ابن حزم الظاهري لا أدري ..

فمن قال : قد جهلت هذا الشيء لذلك سأحكم بناء على سبق جهلي به بكذا ..
ومن قال قد علمت هذا الشيء لذلك سأحكم بناء على سبق علمي به بكذا ..

فأيهما أوفق .. ؟!
لا يعنيني هنا أي القولين صحيح ..
وإنما تعنيني الكيفية التي استخرج بها هذا الحكم الذي اختاره ابن عباس والإمام ابن حزم الظاهري ..
فطريقهم كان أدق وأقرب للصواب لأنهم علموا من أخر الله ومن قدم ..
والعلم بالمقدم والمؤخر هو ما صدر به عمر بن الخطاب كلامه واختياره ..
فقد قال بأنه لم يعلم لذلك سيختار قول زيد بن ثابت ..
وفي هذا عظة لم كان له قلب ..

فبكل حال سواء رجحنا القول الأول أو الثاني فمنهجية الإمام ابن حزم الظاهري لم تكن كما صورها الشنقيطي من أنها تلاعب في كتاب الله وتناقض ..

فإن كان ثمة تلاعب في كتاب الله فقد صدر من ابن عباس قبل الإمام ابن حزم الظاهري وفي حضرة كثير من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكروا هذا التلاعب .. !!

فلا يوجد أسهل من الدعوى ..

وقد ذكر تناقض الإمام ابن حزم الظاهري في مسألة وهي ..
أب ، وأم ، زوجة أو زوج ، بنتين ..

وقال هذه المسألة المنبرية التي تبطل قول ابن عباس والإمام ابن حزم الظاهري ..

ولو كان الشنقيطي قد قرأ كلام الإمام هنا في هذه المسألة تحديداً لما قال بهذا القول إطلاقاً ..
ولكان إنكاره من جهة أخرى إن أراد أن ينكر عليه ..
لكن أظن التبعة على الناقل له .. !

فقال الإمام ابن حزم الظاهري .. ..
(( فالزوجين والأبوين يرثون أبدا على كل حال ، والأخوات قد يرثن وقد لا يرثن ، والبنات لا يرثن إلا بعد ميراث من يرث معهم )) ..

أي أن الأبوين مقدمان ، والزوج أو الزوجة مقدمان ، والبنتين وأكثر يأخذان بعد هؤلاء ..
فلم يتناقض هذا ما ما أصله من قاعدته في مسألة العول إطلاقاً ..

فالإمام هنا يقرر أن هناك من قدمه الله ، وهناك من أخره الله تعالى ..
وأن من المقدمين أنفسهم من يقدم على غيره أيضاً رغم أنهم مقدمون جميعاً ..

فأما التناقض أو التلاعب في كتاب الله فهو مبعد عن الإمام ابن حزم كما هو مبعد عن ابن عباس رضي الله عنه ..
* المصدر بعض الردود من موقع أهل الظاهر​
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
المسألة الثانية ..
قول الشنقيطي أن الإمام ابن حزم الظاهري قال بجواز إحراق وإتلاف مال اليتيم ..
وأحسن حال مقولته أن المحرم هو الأكل فقط دون غيره من الإحراق والإغراق .. !!!!!

والذي قال به الإمام ابن حزم الظاهري يكذب ما نقل عنه ..
ويكفينا ذكر مسائله التي ذكر فيها مال اليتيم وكذلك عموم ما ورد فيه النهي عن الأكل للأموال بالباطل ..

فالإمام يقول أن لفظ الأكل خاص بما هو معروف في اللغة وقد يرد في اللغة على معنى آخر وهو الإتلاف والإفناء ..
فورد في الشرع ما ينقل هذا اللفظ إلى معنى آخر ..
وحتى لو لم يرد النص في تحريم الأموال جملة فالإجماع قاض بتحريم كل ذلك ..
فعلمنا أن ثمة نقل للمعنى المراد إلى معنى آخر ..
فقول من قال أكلتنا الهموم أو السنة مثلاً .. نقل له إلى معنى : أفنتنا وأفنت أموالنا أو أتلفتنا ..
والأكل أكلان : أكل بحق ، وأكل بالباطل .. وكل ما أباح الشارع من الأموال المأخوذة بعوض أو بغيرها فهو أكل مباح ..
وكل ما ورد في الشرع النهي عنه وإلزم الغرامات فيه بأخذه أو بإتلافه فهو أكل بالباطل ..
وهذا يدركه من يعلم هذه المسائل وقرأها في المحلى والإحكام للإمام لا من يستسهل النقل للتشنيع أو لغيره .. !

ومن تلك النصوص ..

أولا ..


مسألة ( 1402 ) ..
مستدركة ولا يحل للوصي أن يأكل من مال من إلى نظره مطارفة ، لكن إن احتاج استأجره له الحاكم بأجرة مثل عمله لقول الله تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } ، فإن ذكروا قول الله تعالى : { ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } النساء .
قلنا قد قال بعض السلف إن هذا الأكل المأمور به إنما هو في مال نفسه لا في مال اليتيم وهو الأظهر لأن الله تعالى يقول : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } النساء .
فهي حرام أشد التحريم إلا على سبيل الأجرة أو البيع اللذين أباحهما الله تعالى وبالله تعالى التوفيق .



ثانيا ..

مسألة ( 1480 ) ..
(( والربا من أكبر الكبائر قال تعالى الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس )) ...


ثالثاً ..

مسألة (1261) ..
(( قال أبو محمد ما في المجاهرة بكيد الدين أكثر من هذا ولا في تعليم الظلمة أكل أموال الناس أكثر من هذا فيقال لكل محمود إذا أردت أخذ قمح يتيم أو جارك وأكل غنمه واستحلال ثيابه وقد امتنع من أن يبيعك شيئا من ذلك فاغصبها واقطعها ثيابا على رغمه واذبح غنمه واطبخها واغصبه حنطته واطحنها وكل كل ذلك حلالا طيبا وليس عليك إلا قيمة ما أخذت وهذا خلاف القرآن في نهيه تعالى أن نأكل أموالنا بالباطل وخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) ...

مسألة (1851) ..
وهي في مسألة عن جواز كون المهر تعليما للقرآن ..
(( الأكل أكلان : أكل بحق ، وأكل بباطل ، فالأكل بحق حسن وقد مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة كمصعب بن عمير وغيره يعلمون الأنصار وينفق الأنصار عليهم )) ...

مسألة (2027) ..
(( ولو أنهم احتجوا على أنفسهم بهذين النصين حيث أوجبوا الدية على عاقلة الصبي والمجنون وإن كرهوا ولم تطب أنفسهم ولا رضوا ولا أوجبها الله تعالى قط ولا رسوله عليه الصلاة والسلام لكان أولى بهم وهذا هو الأكل للمال الباطل حقا )) ...

في الإحكام في دليل الخطاب وإبطاله ..
(( وأما قوله عز وجل ولا تأكلوا أموالكم بينكم بلباطل وتدلوا بها إلى لحكام لتأكلوا فريقا من أموال لناس بلإثم وأنتم تعلمون فإنما علمنا أن ما عدا الأكل حرام بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام وبآيات أخر وأحاديث أخر فبالحديث المذكور حرم التصرف في أموال الناس بغير ما أمر الله تعالى به بالأكل وغير الأكل ولو تركنا والآية المذكورة ما حرم بها الأكل ولكان ما عدا الأكل موقوفا على طلب الدليل فيه إما بمنع وإما إباحة من غيرها ولما وجب أن تحكم فيما عدا الأكل من الآية لا بتحريم ولا بتحليل كما إن الله حرم الأكل على الصائم ولم يحل عليه تملك الطعام ولا ما عدا الأكل من بيه وهبة وغير ذلك فأي فرق بين الأكل المحرم على الصائم وبين الأكل المحرم على الناس في أموالهم وكما أباحوا هم ونحن الأكل من بيت الأب والأم والصديق والأقارب المنصوصين فهلا أباحوا أخذ ما وجدوا للأقارب ما عدا الأكل قياسا على الأكل المباح أهلا حرموا على الصائم تملك الطعام وبيعه قياسا على ما صح من تحريم الأكل عليه كما زعموا أنهم إنما حرموا تملك الأموال بالظلم والباطل قياسا على تحريم الله تعالى أكلها بالباطل فإذ لم يفعلوا ذلك فقد تركوا القياس الذي يقرون أنه حق فظهر تناقضهم والحمد لله رب العالمين ، وحتى لو لم يرد نص جلي في تحريم الأموال جملة لكان الإجماع على تحريمها كافيا ولعلمنا حينئذ أن اسم الأكل موضوع على أخذ منقول عن موضوعه المختص له في اللغة كما تقول العرب أكلتنا السنة أي أفنت أموالنا وكما قال الشاعر فإن قومي لم تأكلهم الضبع يريد لم تفنهم )) ...


فيكون حينئذ نقل الشنقيطي ناقص وخطأ بيقين ..
وما قال الإمام ابن حزم إنما المحرم من أكل أموال اليتيم هو الأكل فقط البتة ..
بل هذا والله أعلم فهم الشنقيطي للظاهر ومحاولة تطبيقه على الإمام ابن حزم وهو بريء منه كبراءة الذئب يقيناً ..
أو كما قلت آنفا نقل تلامذته أو من كتاب لم يحقق ما نقل عن الإمام ..

والله الموفق ..
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
الحكم بين اثنين في الغضب : هل العطش والجوع والفرح واحتقان البول والغائط نفس الحكم ما دام العقل قد ذهل


يقول الشيخ الشنقيطي ..
ليس من المسلمين عاقل يقول للقاضي ..
أحكم بين الناس وأنت في غاية تشويش الفكر والخاطر لا يمكن أن تتعقل حجج الخصوم من جوع أو عطش أو حزن أو سرور مفرطين أو احتقان غائط أو بول ..


فالإمام ابن حزم الظاهري إما أن يقول بكل ذلك وإما أنه ليس بعاقل بنظر الشنقيطي ..!

فالإمام ابن حزم الظاهري قال في محلاه عن حديث : (( لا يحكم القاضي بين اثنين وهو غضبان )) ..
لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان ..

فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول بهذا الحكم ..
وقال به الإمام أيضاً حرفاً حرفاً ..

وهل يقول الإمام ابن حزم بناء على هذا الحديث وأنه يبطل دليل الخطاب أنه يحل للقاضي أن يحكم وهو مشوش الفكر مذهول العقل لا يعي حجج الخصوم .. ؟!

هذا تمويه فاسد على الإمام رحمه الله ..
هم يريدون أن يتقولوا على الإمام ما لم يقله ليدعوا عليه التناقض ..

فإن قال كقولهم قالوا من أين أتيت بهذا الحكم ..
لا بد أنه من دليل الخطاب الذي أخذناه من حديث القاضي الغضبان ..

وإن لم يحكم بما حكموا به قالوا هذا كلام من غير العقلاء ..

وتالله ليس لهم لا هذا ولا ذاك ..
وكل هذه الإلزامات فاسدة باطلة راجعة عليهم بإذن الله تعالى ..

فقد علمنا أنه لا يحل لأحد أن يحكم إلا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..
والإمام قدّم هذا الأصل في أول كتاب الأقضية ..

فكل ما كان صادراً من القاضي من حكم دون أن يعي حجج الخصوم فهو باطل ..
وبطلانه ليس بعمل دليل الخطاب الذي يدعيه الشنقيطي وغيره ..

بل من نصوص أخرى يقيناً ..

لأن الحكم من القاضي هو إيصال لحكم الله تعالى والإلزام به بعد ظهور البينة ..
فإن لم تظهر البينة للقاضي لأنها كانت خفية أصلاً أو غير واضحة ..
أو لأنه لم يعقل البينات ولا فهمها ولا قدر على استيعابها ..
فحكمه هنا حكم بغير ما أنزل الله تعالى ..

ويبطل حكمه لأجل هذا عند الشنقيطي وعند كل أحد يقول أنه مسلم ..
وليس لأجل دليل الخطاب من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في منع القاضي من الحكم عند الغضب ..

وهل يعني إن كان القاضي غاضب أنه مشوش الفكر ..
أو هل كل غاضب لا ينطق بالحق لأنه مشغول الفكر ومشوش الذهن .. ؟!

قد نسبوا بهذا الافتراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم القبائح ليفروا من قولهم الفاسد هذا ..

ألم يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم أحيانا وهو غاضب ..
وقال لكاتبه أكتب ..
فاستغرب الكاتب وقال إنك أحيانا تتكلم وأنت غاضب ..
فقال له أكتب فما أنطق إلا بالحق ..

فهذا غاضب يتكلم بالحق ..
ولم يكن ذهنه مشوشاً ولا مشغولاً بحجج القوم ..

فإن قالوا ..
لأنه معصوم ويتكلم بالوحي ..

فكذلك نقول ..
هو معصوم ويتكلم بالوحي وقال القاضي لا يحكم مع الغضب ..

ومن طريق آخر غير هذا الحديث فهمنا مراده ..
من أن لا يحكم أيضاً إلا إذا أدرك حجج القوم وميز الحجة والبينة الصحيحة شرعاً وميز الحجة الفاسدة ..
وإلا فقد حكم بغير ما أمره الله تعالى به ..

لكن ما الذي دفع الشنقيطي وغيره ممن قال للقاضي لا تحكم وأنت مشوش الفكر والخاطر بمدافعة البول أو بالفرح والحزن المذهب للعقل .. ؟!
باعتبار أن الغضب تشويش الفكر والخاطر وهذه الأمور مثل الغضب في ذلك ..

ألا يمكن أن نقول للقاضي اذهب إلى الخلاء أو الحمام فاقض حاجتك .. !
ألا يستطيع القاضي أن يذهب لقضاء حاجته أو أكل غداءه قبل الحكم .. ؟!
فما الذي منعه من ذلك وهو يعلم أنه يصبح مجنوناً فاقد الأهلية إن لم يفعل ذلك .. ؟!

وحق هذا إن حكم وهو فاقد لعقله أن يضرب بالعصي ويضرب أيضاً من جعله قاً ..
بأن نصب قاً يكون تارة عالماً بأحكام الله وتارة من أهل الجنون وفاقدي الأهلية بنوعيها ..

بل نقول له افعل كل ما من شأنه أن يجعلك تحكم بين الناس مع إدراك الحكم المحكوم فيه وبراهين الخصوم ..
فإن حكم بغير ذلك أساء وأخطأ ..

ولا عبرة بقوله عند الخطأ ..

قد حكمت وأنا أدافع الغائط أو البول ..
أو حكمت وأنا شديد الجوع في الحقيقة ..

لأني رأيت حنيذاً قبل قليل وأنا قادم إلى مجلس القضاء فاشتهيته ..
فلم أميز تمييز العقلاء حين حكمت بحكمي ..

وما فعلت ذلك وما حكمت بحكمي هذا ..
إلا لأذهب سريعاً لأقضي حاجتي ..
أو لأغرف من الحنيذ هذا قبل أن ينتهي منه الآكلون ..

فهل هذا كلام يقولون به إن وقع أيضاً كما قالوا به بداية ..
أم يقولون حكمه الذي حكم به وهو بهذه الحال فاسد باطل لارتفاع القلم عنه حينها .. ؟!
أو لأنه لم يحكم بما أنزل الله تعالى ..
ولم يتبع طرق الحكم المشروعة بأن يحكم بالبينة والإقرار والشهود ..

فتأمل ..

فالحمد لله رب العالمين على التوفيق ..
فإنه عزيز جداً ..
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
مسألة التضحية بالعمياء ..

يقول الشنقيطي رحمه الله ما معناه ..
أن النبي صلى الله عليه وسلم منع من التضحية بالشاة العوراء ..
فلا يصح أن نقول يجوز التضحية بالعمياء ..
فهذا لا يقوله عاقل ..


هو يريد أن يقول ..
إن الإمام ابن حزم الظاهري عندما أبطل دليل الخطاب ..
وجب أن يقول بجواز التضحية بالعمياء ..
لأن النص ورد في العوراء ..

فإن قال بعدم الجواز وقع في دليل الخطاب ..
وإن لم يقل ذلك فقد صار من جملة من سماه ( غير العقلاء ) ..

وتالله أيضاً فليس لهم ذلك البتة ..

والإمام ابن حزم الظاهري قوله أوفق وأبعد من التناقض الذي وقع فيه غيره ..

وإذا عدنا إلى المحلى ذاك الكتاب الذي أعجز مخالفي أهل الظاهر ..
وجعلهم يبترون نصوصه عندما ينقلون عنه ..
أو يستدلون على تناقض أهل الظاهر بجزء من كلامهم ..
تمويهاً على الغافل الذي لم يقف على ذلك ..

نجد ما يشرح الصدر ..
وهو الوقوف على النص وإبطال دليل الخطاب وسلامة القضايا ..

فنجد الإمام رحمه الله وأبرد قبره يقول ما يلي إذا جمعنا كلامه في ثاني مسألة في كتاب الأضحية ..
سواء في المسألة الثانية أو في أثناء شرحه للنصوص ..

نجد ما يلي ..

مسألة 974

ولا تجزئ في الأضحية العرجاء البين عرجها ، بلغت المنسك أو لم تبلغ ، مشت أو لم تمش ، ولا المريضة البين مرضا ، والجرب مرض ، فإن كان كل ما ذكرنا لا يبينُ أجزأ ، ولا تجزئ العجفاء التي لا تنقي ، وهي التي لا شحم لها ، فإن كان لها شحم وإن قلّ أجزأت عنه وإن كانت عجفاء ، ولا تجزي التي في أذنها شيء من النقص أو القطع ، أو الثقب النافذ ، ولا التي في عينها شيء من العيب ، أو في عينيها كذلك ، ولا البتراء في ذنبها .
ثم كل عيب سوى ما ذكرنا فإنها تجزي به الأضحية كالخصي ، وكسر القرن – دمى أو لم يدم ، والهتماء ، والمقطوعة الألية ، وغير ذلك لا تحاش شيئاً غير ما ذكرنا .

فالعمياء والتي في عينها عيب أو عينيها كذلك لا تجزئ في الأضحية ..
وكل ما يسمى مرضاً ، وبان للمضحي كذلك ..

وعدم إجزاء العمياء والتي في عينيها عيب لم يأت من دليل الخطاب في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (( أربع لا تجزي في الأضاحي : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين عرجها ، والكسير التي لا تنقي )) ..

وإنما من روايات أخرى ..
كحديث : (( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ، وأن لا نضحي بمقابلة ، ولا بمدابرة ، ولا بتراء ، ولا خرقاء )) ..

فاشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم سلامة العين والأذن من العيب ..
وهذا نص صحيح صريح في عدم إجزاء التضحية بالعمياء وليس بدليل خطاب كما يدعي الشنقيطي ..

فإن وقف هو وغيره ولم يجد هذه النصوص المبينة للحكم في العمياء ..
فقد وجدها غيره ووفق إليها دون التقول على الله تعالى بالظن وإن وافق الصواب ..

فموافقة الصواب قد تقع من العامي والجاهل والمقلد والمجنون أيضاً ..
ولا تدل على سلامة الطريق الموصل إليها أصلاً ..

وكذلك لو أردنا أن نطبق الحديث الأول ..
فالعمى قد يكون مرضاً وقد لا يكون ..
وهذا لا بد أن يكون متصوراً ..
سواء وقع أو لم يقع ..

فهناك من قد يولد وهو أعمى وأدوات النظر سليمة ..
وهذا من إعجاز الله تعالى ..

ومن قال لا يولد أحد هكذا ولا يمكن أن يوجد ..
فقد قال بما لا يطيق نتائجه في ربه سبحانه وتعالى ..

وهناك من يولد وهو أعمى لمرض في أدوات النظر لديه ..
إما لمرض أو لعيب خلقي فيها ..

فيدخل العمى في المرض ..
ما دام العمى يأتي أحد أقسامه لأجل المرض ..

وفي الحديث الثاني كفاية لمن حفظ عقله ودينه ..

فلا تحتاج هذه المسألة أكثر من هذا البيان ..
لإيضاح فساد طريق الشيخ الشنقيطي ..

فلله الحمد في الأولى والآخرة ..
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
مسألة قذف الرجال والإحصان ..

هذه المسألة لخصتها من كتب الإمام ابن حزم الظاهري ..
لأن كلامه فيما وجد له كلام فيه أولى من كلام غيره عنه ..

وسأختصر وأصيغ بعض عباراته بأسلوبي ..
والبقية سأتركها كما هي ..

والله المستعان ..

يقول الشنقيطي محتجاً على الإمام ابن حزم الظاهري بما يلي ..

قال الله : { والذين يرمون المحصنات } ولم يصرح في الآية إلا بأن يكون القاذف ذكراً والمقذوفة أنثى ، فلو قذفت أنثى ذكراً : فلا مؤاخذة فيه ؛ لأن الله إنما نص على قذف الذكور بالأناث ؛ لأنه قال : { والذين يرمون المحصنات } ..
وأراد ابن حزم هنا إدخال الجميع من الذكور والإناث في عموم المحصنات ..
وقال الإحصان هنا هو نعت للفروج فقط ، فيشمل الرجال والنساء ..
ورد عليه الشنقيطي بأن قال ..
يرد عليه أن المحصنات في القرآن لم تأت قط للفروج ، وإنما جاءت للنساء ، وكيف يأتي ذلك في قوله : { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } ، فهل يمكن أن تكون الفروج غافلات مؤمنات ..!
هذا مما لا يعقل .. !


يقول الشنقيطي محتجاً على الإمام ابن حزم الظاهري بما يلي ..
قال الله : { والذين يرمون المحصنات } ولم يصرح في الآية إلا بأن يكون القاذف ذكراً والمقذوفة أنثى ، فلو قذفت أنثى ذكراً : فلا مؤاخذة فيه ؛ لأن الله إنما نص على قذف الذكور بالأناث ؛ لأنه قال : { والذين يرمون المحصنات } ..
وأراد ابن حزم هنا إدخال الجميع من الذكور والإناث في عموم المحصنات ..
وقال الإحصان هنا هو نعت للفروج فقط ، فيشمل الرجال والنساء ..
ورد عليه الشنقيطي بأن قال ..
يرد عليه أن المحصنات في القرآن لم تأت قط للفروج ، وإنما جاءت للنساء ، وكيف يأتي ذلك في قوله : { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } ، فهل يمكن أن تكون الفروج غافلات مؤمنات ..!
هذا مما لا يعقل .. !
وبيان كلام الشيخ الشنقيطي كالتالي ..
1- إدخال الرجال في حكم القذف والحكم الشرعي وارد في النساء فقط دون الرجال من ظاهر اللفظ ..
2- تعريف الإحصان بمعنى الفروج ولم يأت بشرع مثل هذا .
فإما أن يقول ابن حزم بدليل الخطاب لتسلم له هذه الأحكام ..
وإما أن لا يقول به فيكون من غير العقلاء .. !
وتالله أيضاً لا يكون هذا ولا ذاك ..
بل قوله بخلاف كل ذلك ..
فنأتي للقضايا التي اعترض عليها الشنقيطي ..
القضية الأولى ..
ما زعمه أن الإمام ابن حزم أراد إدخال الرجال في حكم القذف ..
مما جعله يقول بأن معنى الإحصان هنا هو الفروج ..
وجواب هذه الشبهة التي علقت في ذهن من قال بهذا القول هو ..

فالإمام رحمه الله لم يقل أن معنى الإحصان هو الفروج ليدخل الرجال في حكم القذف ..
بل حكم القذف على من قذف رجلاً قد ثبت عند الإمام من وجه آخر ليس هذا ..

فالإمام يقول بثبوت الإجماع على قذف الرجل عنده وعند مخالفه ..
وما اختلفوا في الرجال إلا في العبد المسلم والكافر ..
والمجنون والصغير فقط ..
وكذلك في النساء الكوافر وغيرهن ..
فدخول الرجال لا يحتاج تكلف من الإمام أصلاً ..
وهذا ما استدل به أهل الظاهر قبل الإمام ابن حزم ..
أما الخلاف في العبد والكافر والمجنون والصغير فهذا ما يحتاج توضيح وبرهان ..
وليس هذا مقامه الآن ..
وإنما التنبيه لخطأ الشنقيطي في زعمه على الإمام في هذه المسألة فقط ..
القضية الثانية ..
الزعم أن الشرع لم يستعمل لفظ الإحصان للفروج وإنما استعمله بمعنى النساء فقط ..
فقد ورد في الشريعة استخدام الإحصان للفروج بخلاف ما زعمه الشنقيطي ..
وقد قال تعالى عن مريم : { ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها } فصح أن الفرج هو المحصن ، وصاحبه هو المحصن له بنص القرآن ..
وما دام قد استعمل لفظ الإحصان للفروج فكلام الشنقيطي باطل ..
ودعوى فاسدة قام البرهان على إبطالها يقيناً ..
وكلام الإمام ابن حزم الظاهري لا إشكال فيه ولا خطأ ..
وقد صح أن لفظ الإحصان يراد به الفروج ..
وهذه مريم وهي أنثى قد استعمل لفظ الإحصان لفرجها ..
وكذلك فإن الرمي في آيات القذف هذه يراد منه عضو من أعضاء الإنسان يقيناً ..

فلفظ الإحصان لفظ شريعي ..
والواجب في اللفظ الشريعي أن ننظر في معانيه في النصوص كلها لنعرف على ماذا يطلق ومتى ..
فالإحصان في لغة العرب هو المنع ..
وبه سمي الحصن حصنا ..
ويقال درع حصينة ، وقد أحصن فلان ماله : إذا أحرزه ومنع منه ..
وفي الشريعي يطلق على العفة والإسلام والنكاح ..
ولكن في حد الزنى والشهادة فيه والقذف أيضاً والشهادة فيه كان الرمي هنا لمعنى واحداً بلا شك ..
وهو العفة فقط ..
وكذلك في القذف ..
وإنما هذه يلتفت لها في غير هذا الموضع ..
لتقرير أمور أخرى غير هذه الأمور ..
وما دام الشيخ الشنقيطي ينتقد إدخال الرجال في حد القذف فقد اقتصرت عليها فقط دون غيرها ..
قال الإمام ابن حزم الظاهري معلقاً على مثل هذا ..
( الإحكام : فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن ) ..

يقال لمن قال مثل هذا وفرق بين معنى ومعنى في الإحصان ..
إذا جوزت خروج حكم ما من أجل خروج حكم آخر بدليل ..
فلا ننكر على أبي حنيفة قوله من تزوج أمه وهو يعلم أنها أمه فوطئها خارج عن حكم الزناة ..
ولا ننكر على مالك قوله إن من وطىء عمته وخالته بملك اليمين وهو يعلم أنهما محرمتان عليه خارج عن حكم الزناة ..

قلت ..
ليت شعري .. !
هذا الذي يجب أن ينكره الشنقيطي لا هذه المسائل التي لها وجه صحيح ودليل لا شك فيه ..
ولم نجده وغيره من المالكيين وغيرهم يشنعون على هذه الأقوال الفاسدة التي لا يحتاج تكلف برهان على فسادها وبطلانها البتة ..
فحد القذف إذا وقع من أحد وقال عن رجل أو امرأة أنه قد زنى ..
فهذا هو القذف فقط ولا يعتبر رميه بغير الزنى قذفاً أصلاً ..
أي أن حد القذف فيه تهمة لهذا الفرج أو ذاك ..
والشهادة عليه لتبيين صحة هذه التهمة المنسوبة لهذا الفرج من عدم ذلك ..

فإذا جاء الشهود ليشهدوا بصحة هذا القذف فإنهم يشهدون على رؤية هذا الفرج يدخل في الفرج الآخر ويخرج ولا يشهدون إلا على هذا ..
وهذا باتفاق بين جميع الأمة ..
فصح أن ما عدا هذه الشهادة بهذه الكيفية ليست شهادة بزنى ..
ولا يبرأ بها القاذف من الحد ..
فصح أن الرمي المذكور في النصوص إنما هو للفروج فقط ..
وأن لفظ الزنى في الشريعة يحتاج التصديق بالفعل ليلزم حكم الشرع فيه ..
ف تزني واللسان يزني والنفس تشتهي وتتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه ..
فلم يكن معنى الزنى الذي يجب فيه حد الزنا أو حد القذف إلا ما كان متعلقاً بالفروج فقط ..
فكل الأعضاء الأخرى من أو النفس أو القلب وغيرها لا ترمى بالزنى أصلاً ..
وثبت يقيناً أن العضو الذي رمي بالزنى هو الفرج وحده ..
فالمراد من الإحصان والرمي هنا هو الفروج بلا شك ..
فقول الله عز وجل : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } ..
عموم لا يجوز تخصيصه إلا بنص أو إجماع ..
فقد يكون خطاب الله للنساء المحصنات كما قلتم ..
وممكن أن يريد الفروج المحصنات ..
وهذا غير منكر في اللغة التي بها نزل القرآن وخاطبنا بها الله تعالى ..
وقد قال تعالى : { وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا } يريد من السحاب المعصرات ..
والمحصنات وإن كانت نعتاً إلا أن النعت يصح أن يفرد في لغة القرآن ولغة العرب أيضاً ..
وقد ذكر الله تعالى كثيراً من الآيات التي ذكر فيها النعت دون ذكر المنعوت ..
ومنه ..
قول الله تعالى : { والصائمين والصائمات } ..
وقوله تعالى : { والصادقين والصادقات } ..
وقال الشاعر ..
ولا جاعلات العاج فوق المعاصم ..
فذكر النعت ولم يذكر المنعوت ..
وما نعلم نحوياً منع من هذا أصلا وإنما ذكرنا هذا لئلا يموهوا به ..
ولا فرق بين أن يقتصر الله تعالى على ذكر المحصنات ويحذف الفروج ..
أو يحذف النساء أيضاً ..
فقلنا نحن ..
إنه أراد الفروج المحصنات ..
وقلتم أنتم ..
إنه أراد النساء المحصنات ..
فوجب علينا ترجيح دعوانا بالبرهان الواضح فقلنا ..
إن الفروج أعم من النساء لأن الاقتصار بمراد الله تعالى على النساء خاصة تخصيص لعموم اللفظ وتخصيص العموم لا يجوز إلا بنص أو إجماع .
فأوجبنا كلنا معشر القائلين بالظاهر إلا قوما توقفوا دون قطع وقلنا بإيجاب حد القذف كاملاً على كل قاذف محصنة بأي معنى وقع عليها اسم محصنة من عفاف أو إسلام أو زواج فأوجبنا الحد على قاذف الأمة والكافرة والصغيرة ..
وأيضا ..
فإن الفروج هي المرمية لا غير ذلك من الرجال والنساء ..
وبرهان ذلك ..
ما قاله تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } ..
وقال تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون } ..
وقوله : { قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } ..
وقوله تعالى : { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما } ..
وقال تعالى : { ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها }
فصح من كل ذلك أن الفرج هو المحصن وصاحبه هو المحصن له بنص القرآن ..

وصح أيضاً أن الأعضاء الأخرى لا مدخل لها بالزنى الذي يجب فيه الحد ..
أو القذف الذي يجب فيه الحد ..
ودليل ذلك ..
ما رويناه عن ابن عباس قال ما رأيت أن شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي  قال : (( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فزنى ين النظر وزنى اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه )) ..
وبه إلى مسلم عن أبي هريرة أيضاً : (( كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك لا محالة فان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطأ والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه )) ..
فصح يقينا أن المرمية هي الفروج خاصة ..
وأن المحصنة على الحقيقة هي الفروج لا ما عداها ..
وصح أن الزنى الواجب فيه الحد هو زنى الفروج خاصة لا زنى سائر الأعضاء ولا زنى النفس دون الفرج فلا حد في النص كما أوردنا في زنى ين ولا في الرجلين ولا في زنى اللسان ولا في زنى الأذنين ولا في زنى القلب الذي هو مبعث الأعمال ..
وصح أن من رمى ين بالزنى أو رمى الرجلين بالزنى أو رمى القلب بالزنى أو رمى الأذنين بالزنى أو رمى اليدين بالزنى أو رمى أي عضو كان بالزنى ما عدا الفرج فليس راميا ولا حد عليه بالنص لأن الفرج إن كذب فهو كله لغو ..
وصح يقينا أن الرمي الذي يحد فيه الحدود ورد الشهادة والتفسيق إنما رمي الفروج بلا شك بيقين لا مرية فيه ..
فإذ ذلك كذلك ..
فقد صح أن مراد الله تعالى بالحدود ورد الشهادة في الآية المتلوة إنما هي رمي الفروج فقط ..
فصح قولنا بيقين لا مجال للشك فيه وهذا إذ هو كذلك ففروج الرجال والنساء داخلات في الآية دخولا مستوياً ..
وما قلناه يشهد له النص والإجماع بخلاف دعواهم العارية من كل برهان ..
وهي أنهم قالوا أن الله تعالى أراد بذلك النساء فقط وخصصوا المراد بنساء دون نساء ..
لأنهم يخصون تأويلهم ويسقطون الحد عن قاذف نساء كثيرة ..
كالإماء المسلمات والكوافر والصغار والمجانين أيضاً ..
سواء كانوا من الحنفيين أو المالكيين أو الشافعيين ..
أم من غيرهم كالأوزاعي والثوري والبتي والحسن بن حي ..
فقد أفسدوا دعواهم من قرب مع تعريها من البرهان ..
وبالله تعالى التوفيق ..
قال الإمام ابن حزم الظاهري أيضاً ..

ثم نسألهم فنقول ..
أخبرونا عن قول الله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } ..
إذ قلتم أنه تعالى أراد بهذه اللفظة ههنا النساء فقط ..
هل أراد الله أن يحد قاذف الرجل أم لا .. ؟!
ولا بد من إحداهما ..
فإن قالوا : لم يرد بقوله تعالى ..
فقد حكموا على أنفسهم أنهم يحكمون بخلاف ما أراد الله تعالى وكفونا أنفسهم ..
وإن قالوا : إن الله تعالى أراد أن يحد قاذف الرجل ..
قلنا لهم إن هذا عجب أن يكون تعالى يريد في دينه وعلمه من عباده أن يحد قاذف الرجل ثم لا يأمرنا إلا بحد قاذف النساء فقط .. !
حاشا لله من ذلك فإنه تلبيس لا بيان ..
فإن قالوا اقتصر على النساء ونبهنا بذلك على حكم قاذف الرجال ..
قلنا لهم ..
هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ..
ولم تأتوا بأكثر من الدعوى الكاذبة التي فيها خالفناكم ..
فإن كانت عندكم حجة من نص جلي على صحة هذه الدعوى وإلا فهي كذب بحت ولستم بصادقين فيها بنص القرآن ..
قالوا الإجماع قد صح على وجوب حد قاذف الرجل ..
قلنا لهم وأي دليل لكم في الإجماع .. ؟!
والإجماع لنا لا لكم لأن الإجماع إنما كان من هذا النص المذكور ..
فهاتوا دليلا على أنه كان عن قياس ولا سبيل لهم إلى دليل ذلك أصلا لا برهاني ولا إقناعي ولا شغبي وظهر بطلان قولهم ..
والحمد لله رب العالمين ..
قال غير الشنقيطي بهذا القول ليوهم القارئ أن الإمام وأهل الظاهر ناقضوا أنفسهم بعملهم بالقياس في هذا الباب ..
وقد تنبه الإمام ابن حزم الظاهري إلى هذا ورد هذه الفرية على أهل الظاهر وقال باختصار ..

هذا ظن فاسد منهم وحاشا لله أن يكون قياسا ، ونحن نبدأ فنبين بحول الله وقوته من أين أوجبنا جلد قاذف الرجال من نص القرآن والسنة لائحا بحول الله وقوته وأنه من النص ..

وقال أيضاً ..
ثم نعود إلى بيان أنه لا يجوز أن يكون قياسا وأنه لو استعمل ههنا القياس لكان حكمه غير ما قالوا وبالله تعالى التوفيق فنقول وبالله تعالى نتأيد ..

وجدنا أحكام الرجال والنساء تختلف في مواضع ..
فالرجال عليهم الجمعات والجماعات فرضا ..
والنساء لا تلزمهن جمعة ولا جماعة فرضا ..
وقد استووا في حكم سائر الصلاة والزكاة ..

والمرأة لا تسافر في غير واجب إلا مع زوج أو ذي محرم ..
والرجل يسافر حيث شاء دون زوجة ودون ذي محرم ..
والخوف عليه من أن يزني كالخوف عليها من أن تزني ولا فرق ..
لأن زناها لا يكون إلا مع رجل ..

وحكمهن في اللباس مخالف لحكم الرجل ..
فلا يجوز للرجل لباس القمص والعمائم والسراويل في الإحرام ..
وهذا مباح للنساء ..

واستووا في تحريم الطيب عليهم وعليهن في الإحرام ..
والرجال عليهم الصلاة مع الإمام بمزدلفة صلاة الصبح ..
ومباح للنساء السفر قبل ذلك فاستووا فيما عدا ذلك ..
والجهاد على الرجال ..
ولا جهاد على النساء ..
وشهادة المرأتين تعدل شهادة الرجل ..
وخصومنا ههنا لا يقبلون النساء أصلا إلا في الأموال مع رجل ولا بد وفي عيوب النساء والولادات فقط ..
ويقبلون الرجال فيما عدا ذلك ولا يقيسون الرجال عليهن ولا يقيسوهن على الرجال وليس هذا إجماعا ..
ودية المرأة نصف دية الرجل ..
وكثير من الحاضرين من خصومنا ههنا يسوون بينهن وبين الرجال في مقدور محدود من الديات ويفرقون بين أحكامهم وأحكامهن في سائر ذلك ولا يقيسون النساء على الرجال ولا الرجال على النساء ..
وحد المرأة كحد الرجل في القذف والخمر والزنى والقتل والقطع في السرقة ..
وفرق الحاضرين من خصومنا بين التغريب في الزنى بين الرجال والنساء ..
وفرق آخرون منهم في حد الردة بين الرجال والنساء ..
فرأوا قتل الرجل في الردة ..
ولم يروا قتل المرأة في الردة ..
وتركوا القياس ههنا ..

وللرجل أن ينكح أربعا ويتسرى ..
ولا يحل للمرأة أن تنكح إلا واحدا ولا تتسرى ..
ولم يقيسوا عليهن إلى كثير مثل هذا اكتفينا منه بهذا المقدار ..

فقال رحمه الله تعالى ..
(( فلما وجدنا أحكام الرجال وأحكام النساء تختلف كثيرا وتتفق كثيرا على حسب ورود النص في ذلك فقط ..
فقد بطل أن يقاس حكم الرجال على النساء إذا اقتصر النص عن ذكرهن أو أن تقاس النساء على الرجال إذا اقتصر النص على ذكرهم ..

إذ ليس الجمع بين أحكامهن وأحكام الرجال حيث لم يأت النص بالتفريق قياسا على ما جاء النص فيه متساويا بين أحكامهن وأحكامهم أولى من التفريق بين أحكامهن وأحكام الرجال حيث لم يأت النص بالجمع قياسا على ما جاء النص فيه مفرقا بين أحكامهن وأحكامهم وهذا في غاية الوضوح

والحقيقة التي لا شك فيها ..
لو كان القياس حقا لكان قياس قاذف الرجل في إيجاب الحد عليه على قاذف المرأة باطلا متيقنا لا يجوز الحكم به أصلا فارتفع توهمهم جملة والحمد لله رب العالمين ))
هكذا قال رحمه الله ..
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
مسألة طلاق المبتوتة ..

قال الشنقيطي رحمه الله ..

وكذلك نص الله جل وعلا على أن المبتوتة اذا نكحت زوجاً غير زوجها الأول نص على أنها ان طلقها الزوج الأخير طلقها الأول ثلاث طلقات فصارت مبتوتة حراماً عليه الا بعد زوج ثم تزوجها زوج فدخل بها ثم طلقها هذا الزوج الأخير فانه يجوز للأول أن ينكحها لأنها حلت بنكاح الثاني ، والله انما صرح في هذه السورة بنص واحد وهو أن يكون الزوج الذي حللها انما طلقها لأنه قال في تطليق الأول ، فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره .

ثم قال في تطليق الزوج الذي حللها ، فان طلقها فلا جناح عليهما أي على الزوجة التي كانت حراماً والزوج الذي كانت حراماً عليه أن يتراجعا ان ظنا أن يقيما حدود الله ، فنص على طلاق المحلل خاصة فان طلقها أرأيتم لو حللها وجامعها مائة مرة حتى حلت وكانت كماء المزن ثم مات قبل أن يطلقها أو فسخ حاكم عقدهما بموجب آخر كالاعسار بنفقة أو غير ذلك من أسباب الفسخ أيقول مسلم هذه لا تحل للأول لأن الله ما نص الا على قوله فان طلقها فان مات لم تحل لأن الموت ليس بطلاق ، هذا مما لا يقوله عاقل . وأمثال ذلك كثيرة جداً . فنحن نقول ان هذا الذي يقول ابن حزم ان الوحي سكت عنه ، ان الوحي لم يسكت عنه وانما أشار إليه لتنبيهه ببعضه على بعضه فالغضب يدل على تشويش الفكر والمحصنات لا فرق بين المحصنات والمحصنين ، وقوله فان طلقها لا فرق بين مالو طلقها أو مات عنها فبعد أن جامعها وفارقها تحل للأول سواء كان الفراق بالطلاق المنصوص في القرآن أو بسبب آخر كالموت والفسخ
وهذا مما لا ينازع فيه عاقل وان نازع فيه ابن حزم **********
هذه مسألة لا معنى لها وليست قول الإمام ابن حزم أصلاً ..
وقول الإمام ابن حزم في هذا الموضع في كتابه الإحكام هو ..


واحتجوا بقول الله تعالى في المطلقة ثلاثاً: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } قالوا: فقستم وفاة هذا الزوج الثاني وفسخ نكاحه عنها على علاقة لها في كونها إذا مسها في ذلك حلالاً المطلِّق ثلاثاً، قالوا لنا: بل لم تقنعوا بذلك حتى قلتم إن كانت ذمية طلقها مسلم ثلاثاً فتزوجها ذمي، فطلقها بعد أن وطئها لم تحل بذلك لمطلقها ثلاثاً، ولا تحل إلا بموته عنها، أو بفسخ نكاحه منها.
قال أبو محمد: فالجواب وبالله تعالى التوفيق: أننا أبحنا لها الرجوع إليه بالوفاة وبالفسخ لوجهين: أحدهما: الإجماع المتيقن، والثاني: النص الصحيح الذي عنه تم الإجماع، وهو قول رسول الله للقرظية المطلقة ثلاثاً: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَىٰ رفَاعَةَ؟ لاَ، حَتَّىٰ تَذُوقِي عَسِيلَتَهُ وَيَذُوقَ عَسِيلَتَكِ» .

قال علي: فهذا الحديث أعم من الآية، وزائد على ما فيها، فوجب الأخذ به، ووجب أن كل ما كان بعد ذوق العسيلة، مما يبطل به النكاح، فهي به حلال رجوعها إلى الزوج المطلق ثلاثاً، لأنه إنما جعل الحكم الرافع للتحريم ذوق العسيلة في النكاح الصحيح، فإذا ارتفع بذلك التحريم فقد صارت كسائر النساء، فإذا خلت من ذلك الزوج بفسخ أو وفاة أو طلاق كان لها أن تنكح من شاءت من غير ذوي محارمها، ولم يشترط النبي بعد ذوق العسيلة طلاقاً من فسخ أو من وفاة، وأيقنا أنه لم يبحها للزوج الأول، وهي بعد في عصمة الزوج الثاني، ولا خلاف بين أحد في ذلك.


وقال أبو محمد في محلاه ..​


مسألة 1959: فلو رغب المطلق ثلاثاً إلى من يتزوجها ويطأها ليحلها له فذلك جائز إذا تزوجها بغير شرط لذلك في نفس عقده لنكاحه إياها، فإذا تزوجها فهو بالخيار إن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها، فإن طلقها حلت للأول، فلو شرط في عقد نكاحها أنه يطلقها إذا وطئها، فهو عقد فاسد مفسوخ أبداً، ولا تحل له به، ولا فرق بين هذا وبين ما ذكرنا قبل في كل نكاح فاسد.
وقال في محلاه ..


مسألة 1958: ومن طلق امرأته ثلاثاً كما ذكرنا لم يحل له زواجها إلا بعد زوج يطأها في فرجها بنكاح صحيح في حال عقله وعقلها ولا بد ولا يحلها له وطء في نكاح فاسد، ولا وطء في دبر، ولا وطئها في نكاح صحيح وهي في غير عقلها بإغماء أو بسكر أو بجنون، ولا هو كذلك فإن بقي من حسه أو من حسها في هذه الأحوال، أو في النوم ما تدرك به اللذة أحلها ذلك إذا مات ذلك الزوج أو طلقها، أو انفسخ نكاحها منه بعد صحته.


وقال بعد أسطر ..​


فوجدنا ما رويناه من طريق أبي داود السجستاني نا مسدد نا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته تعني ثلاثاً فتزوجت غيره فطلقها قبل أن يواقعها، أتحل لزوجها الأول؟ قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها.
ففي هذا الخبر زيادة عموم حلها له بالوطء لا بغيره، فدخل في ذلك موته، وانفساخ نكاحه بعد صحته، ودخل في عموم ذوق العسيلة كل ما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق.


وقال بعده ..​


قال أبو محمد: كان ينبغي لمن يقول في رده حديث المسح على العمامة وحديث الخمس رضعات، إن هذا زائد على القرآن فلا يجوز أن يؤخذ منه إلا ما جاء مجيء تواتر أن يقول بقول سعيد ههنا، لأن خبر عائشة في ذوق العسيلة زائد على مافي القرآن لم يأت إلا من طريق عائشة رضي الله عنها التي من قبلها جاء خبر الخمس رضعات ولا فرق.
ومن طريق ابن عباس، وروى غير صحيح من طريق أنس، وابن عمر.
وكذلك ينبغي لمن قال برد السنة الثابتة في أن لا يتم بيع إلا بأن يفترقا عن موضعهما فإنه مما تكثر به البلوى أن يقول بقول سعيد، ويقول؛ هذا مما تكثر به البلوى، فلو صح ما خفى عن سعيد وجاء عن الحسن : أنها لا تحل لزوجها الأول وإن وطئها الثاني إلا حتى ينزل فيها.
ولقد ينبغي للمالكيين القائلين: إن التحريم يدخل بأرق الأسباب، ولا يدخل التحليل إلا بأغلظ الأسباب، أن يقول بقول الحسن هذا ولكن تناقضهم أكثر من ذلك.
******

هنا يعترض أصحاب القياس على ابن حزم في أنه قال بأن الموت أو الفسخ أو الطلاق يبيح رجوع الزوجة المطلقة ثلاثاً إلى زوجها ..
مع أن النص ورد بالتطليق فقد فأدخلوا المسكوت عنه برأيهم في حكم المنطوق ..
والمسكوت عنه هو الموت والفسخ والمنطوق به هو الطلاق ..
لأن النص لم يرد في الموت والفسخ هكذا يرون ..!

أما عند أبي محمد ..
فإن النص وهو الآية قد ذكرت التطليق ..
وأما الحديث فإنه عام لم يخصص بتطليق ولا موت ولا فسخ وإنما قيد بذوق العسيلة ..
وهذا الحديث زائد على ما في الآية فوجب الأخذ به ..
فكل ما كان إبطالاً للنكاح بعد ذوق العسيلة يبيح لها أن تنكح من شاءت ..
لأن نكاحها من شاءت لا يكون مع استمرارها في نكاح آخر ..
لذلك قال كل ما كان مبطلاً للنكاح بعد ذوق العسيلة ..

هكذا قال أبو محمد ..

فلا تصح نسبة هذه المسألة إلى الإمام ابن حزم بحال ..
وغفر الله للشيخ الشنقيطي ما أخطأ فيه وحكاه عنه وهو ليس قوله ..
وهذا طبع الشر ..

وبعض طلبة العلم يأنف من بيان خطأ الشيخ الشنقيطي ويعتبر هذا طعناً فيه - معاذ الله - ..
وأني لم أبلغ علم الشيخ الشنقيطي فلا ينبغي أن أرد ما أخطأ فيه .. !

فقلت ..
نعم لم أذكر أني بلغت منزلته ألبتة ..
ولكني قلت أن الشيخ أخطأ في حكاية أقوال نسبها إلى الإمام ابن حزم وهي لا تصح ..
فالواجب بيان ما نسب إلى الإمام وهو خطأ ..

فلا عبرة بالراد ولا بمن رد عليه بل بمحتوى الرد ..
فإذا كان نقلي من كلام الإمام ابن حزم مبطلاً لما حكاه الشيخ فلا عبرة بكوني الناقل ..
وإنما العبرة بكلام الإمام نفسه هل ورد فيه ما ذكره الشيخ الشنقيطي أو لم يرد ..

وبعض طلبة العلم أخذتهم حمية التقليد والتعصب لرد كلام الإمام ابن حزم وقبول قول الشيخ الشنقيطي بحجة أنه عالم ..
فما علمت أفسد من هذه المناهج التي يكون فيها قول المتكلم عليه مهمل وقول المتكلم في غيره هو المقبول دون تمييز .. !

وهل الإمام ابن حزم كان جاهلاً وليس له كتب ذكر فيها المسائل التي نقلت عنه خطأ .. ؟!

فلأن الظاهري مخطئ هكذا من أصل خلقته عندهم .. !
فالإمام مخطئ وابن تميم مقلد متعصب .. !
فهذه عنقاء الظاهرية ..

فالحمد لله على السلامة من هذا التعصب المقيت ..
فلو كان ما ذكره الشيخ الشنقيطي مذكوراً عند أبي محمد فكيف أخفيه وكتبه منشورة مطبوعة ..
والواجب على طالب العلم المنصف أن يعذر الشيخ الشنقيطي في نقله حين يقرأ كلام الإمام ابن حزم في المسائل التي نسبها إليه ..

وأن لا يتمسك بتلك المسائل للتشنيع على الظاهرية في شيء لم يقله أحد منهم .. !
ومن فعل ذلك فهو متلاعب مبطل في الشريعة ..
فالحمد لله على نعمة التوفيق ..

 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
بسم الله الرحمن الرحيم ..




أولا ..
لا بد من فهم بعض الأمور قبل الكلام عن أدلة المجيز للقياس ..

الأمر الأول ..
لا بد من التفريق بين دليل الخطاب والقياس عند أصحاب القياس ..

فكلاهما يتفق على أن هناك مسكوت عنه ..
لكنهما يختلفان في ..

أن القياس إدخال المسكوت عنه في حكم المنطوق ..
وأن دليل الخطاب إخراج المسكوت عنه عن حكم المنطوق ..

وذكرت هذا لأني رأيت الخلط من بعض الأحبة الذين حاورني في القياس ..


الأمر الثاني ..
لا بد من فهم أن القياس هو إدخال الفرع كما يسمونه في حكم الأصل الذي ورد حكمه في الشرع ..
فإن كان الفرع هذا قد ذكر في النص نفسه أو غيره فلا يسمى قياساً بالمعنى الأصولي المعمول به ..

فلا يأت أحد يستدل بدليل لفرع كان حكمه مذكوراً في نفس النص أو نص غيره ..

الأمر الثالث ..
تعريف القياس وشروطه عند القائلين به باختصار ..

تعريف القياس ..

مجمل تعريفهم له بما يلي ..
إثبات مثل حكم الأصل للفرع ..

وكلها يدور حول هذا التعريف ..


شروط الأصل ..
والمراد من الأصل محل خلاف بينهم لكنه خلاف لفظي ..
فالأصل الحكم الثابت في المحل ، أي التحريم أو الإيجاب ..
أو نقول : الأصل هو دليل الحكم ، أي الدليل الدال على حكم المحل هذا ..
أو نقول : الأصل هو محل الحكم المشبه به ، وهذا يسمى أصل الأصل ..
فالخمر أو الخنزير مثلاً هما محل للفعل الموصوف بالتحريم أو الإيجاب ..

وعند جمهورهم أيضاً ..
أنهم لا يشترطون قيام دليل على جواز القياس على الأصل ..
كما لا يشترطون أن حكم الأصل ثبت النص على تعليل حكمه ..
كما لا يشترطون أن يكون حكم الأصل مجمع على تعليل حكمه ..
فيكفي أن ثتبت العلة بالطرق الاجتهادية الظنية ..

شروط الفرع ..
والمراد من الفرع هو المحل الذي لم ينص الشارع على حكمه ..

ومن شروطه عندهم ..
أن تكون العلة الموجودة في الفرع مثل العلة الموجودة في حكم الأصل من غير تفاوت ..
فإن كانت علة الفرع أنقص من علة الحكم فلا يأخذون بها ويطلقون عليها القياس مع الفارق ..

وإن كانت علة الفرع أزيد من علة الحكم فيأخذون بها وتكون قياس الأولى ..
مع ملاحظة أنهم يبطلون هذا المعنى بذكر مثال التأفف وسيأتي بعد بيان كيف تم ذلك ..

وشرط الفرع كذلك ..
أن لا يكون حكم الفرع منصوصاً عليه أو مجمعاً عليه ..

واشترطوا أيضاً ..
أن يكون حكم الفرع مماثلاً لحكم الأصل في العين أو الجنس ..

واشترطوا أيضاً ..
أن يكون حكم الفرع غير متقدم على حكم الأصل ..

ولم يشترط جمهورهم أن تكن العلة في الفرع معلومة قطعاً ..
بل يكتفون بظن وجودها في الفرع ..

شروط العلة الجامعة ..
وهي الوصف المناسب الجامع بين الأصل والفرع ..

وهم هنا نقلوا معنى العلة في اللغة إلى معنى السبب ..
وذلك لا يصح ويأتي بيانه قريباً بعد الانتهاء من أدلتهم ..

والاجتهاد في العلة لا يكون إلا في ..

1- تخريج المناط ..
وهو أن لا ينص ولا يومئ الشارع على علة ولا حكمة لحكم الأصل فيقوم المجتهد باستنباط واستخراج علة حكم الأصل ، ثم يتحقق من وجود هذه العلة في الفرع ..

2- تحقيق المناط ..
وهذا إذا اتفقوا على أن العلة وردت بالنص أو بالإجماع فيقوم المجتهد بالتحقق من وجود العلة في الفرع ..

3- تنقيح المناط ..
وهو أن ينص الشارع على العلة نصاً غير صريح ، فيأتي المجتهد إلى علة الأصل ويعينها ، ثم يحذف ما علق بها من أوصاف ، ثم يجتهد في تحقيق هذه العلة في الفرع ..

والعلة عندهم تثبت بما يلي ..
إما عن طريق النص ..
ويشمل النص الصريح والظاهر والإجماع ..

وإما عن طريق الاجتهاد ..
وهذه تنقسم عندهم إلى أقسام كثيرة ..

1- الإيماء إلى العلة ..
وهو اقتران وصف بحكم لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيداً فيحمل على التعليل دفعاً للاستبعاد ..

2- المناسبة والإخالة ..
وهو الوصف الظاهر المنضبط الذي يحصل عقلاً من ترتب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصوداً للعقلاء من حصول المصلحة أو دفع المفسدة ..
والمصلحة هي اللذة ووسائلها ، والمفسدة هي الألم ووسيلته ..

3- الدوران ..
وهو أن يوجد الحكم عند وجود الوصف وينعدم عند عدمه ..
ويسميه البعض ( الدوران الوجودي والعدمي ) أو ( الدوران المطلق ) ..

فإذا وجد الحكم بوجود الوصف كان دوراناً وجودياً ..
وإذا انعدم الحكم بانعدام الوصف كان دوراناً عدمياً ..

اختلفوا بينهم في كونه يفيد العلية ..
وجمهوهم على أنه يفيد العلية ظناً إذا عدم المزاحم وعدم المانع ..

4- تنقيح المناط ..
وهو أن ينص الشارع على الحكم ويضيفه إلى وصف فيقترن به أوصاف لا مدخل لها في الإضافة ، فيقوم المجتهد بحذف ما لا يصلح علة ليتسع الحكم ..
فهو حصر العلل التي وردت في النص في ذلك الحكم ثم اختبار وسبر تلك العلل من قبل المجتهد فيحذف ويبطل ما لا يصح أن يكون علة للحكم ، فلا يتبقى له إلا على ..
ويسميه البعض ( الاستدلال ) .

والفرق بينه وبين السبر : أن تنقيح المناط خاص في الأوصاف التي دل عليها ظاهر النص ..
أما السبر والتقسيم فهو خاص في الأوصاف المستنبطة الصالحة للعلية ..
وهذا قول طائفة من أهل القياس وهناك من يخالف ذلك ..

5- السبر والتقسيم ..
وهو حصر الأوصاف المحتملة للتعليل بأن يقال مثلاً : العلة في حرمة ربا الفضل في الذهب والفضة إما كذا وإما كذا ..
فيحصرون الأوصاف التي تحتمل أن يعلل بها حكم الأصل في عدد معين ثم إبطال ما لا يصح بدليل ، فيتعين أن يكون الباقي علة ..

6- الشبه أو الوصف الشبهي ..
وهو الوصف الذي لم تظهر فيه مناسبة بعد البحث والتقصي التام من المجتهد ، لكن ألف واعتاد من الشارع الالتفات إلى هذا الوصف في بعض الأحكام ..

وحقيقته ..
أن الوصف إن ظهرت فيه المناسبة كان من المناسة والإخالة ..
فإن لم تظهر المناسبة ..

فإن كان الوصف الشبهي لم يعتد المجتهد التفات الشارع إليه كان وصفاً طردياً ..
وإن كان قد اعتاد التفات الشارع إليه كان وصفاً شبهيا ..

وهنا يلحقون قياس الشبه بالأكثر شبهاً ..
فإن وجدوا في الفرع شبهاً مع أكل من أصل نظروا في الفرع وهذه المشابهة ..
فإن كانت أكثر من المشابهة الأخرى بالأوصاف ألحقوه بالأصل المقارب له ..

واختلفوا في اشتراط كون العلة ظاهرة جلية ليجوز القياس أو لا يشترط فيجوز التعليل بالوصف الجلي والخفي أيضاً ..
وجمهورهم يشترطون أن تكون العلة ظاهرة جلية ..


شروط حكم الأصل ..
وهو : الحكم الذي ثبت شرعاً بكتاب أو سنة أو إجماع ، وهذا الحكم يريد أهل القياس نقله وإثباته لحكم الفرع .

ومن شرطه أن يكون حكم الأصل حكم عملي ليس اعتقادي ..
لأن القياس لا يستعمل عند أهل القياس إلا في الأحكام التكليفية العملية لا الاعتقادية ..

وكذلك من شرطه ..
أن يكون حكم الأصل ثابتاً محكماً وليس بمنسوخ أو لا يصح من طرق التصحيح للنصوص ..

وكذلك من شرطه ..
أن يكون حكم الأصل معقول المعنى ؛ لأن القياس مبني على إدراك العلة ..
فإن كان لا يعقل المعنى ولا تدرك علته فلا يجوز القياس فيه عندهم ..

وكذلك من شرطه ..
أن لا يكون حكم الفرع ذكر في حكم الأصل بعمومه ..
فيقولون أن حديث : (( كل مسكر حرام )) لا يصح قياس النبيذ على الخمر هنا ؛ لأن النص قد تناوله بعمومه ، فالنبيذ محرم بالنص لا بالقياس ..
وهذا ما نبهت عليه أولا ..

هذا مجمل كلامهم باختصار وحذف لعدم الإكثار ..

وسيلي هذا رأينا في القياس ودليل المجيز له ..

والله تعالى الموفق ..​
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290

بسم الله الرحمن الرحيم ..


سأجعل الكلام على كل دليل باللون الأحمر ليتضح للقارئ ..

وبعد ما قدمته آنفاً نأتي إلى بيان رأينا في القياس ..
وهو قول عموم أهل الظاهر الذين نقل عنهم هذا القول ..
أما المعاصرين فلا يلزمنا ذكرهم لأننا لم نقف على قول لهم بعد ..
أما شيخنا العلامة ابن عقيل الظاهري فهو داخل أيضاً في عموم أهل الظاهر لنصه على بطلان القياس في أكثر من موضع ..


فالقياس عند أهل الظاهر لا يحل القول به في أي أمر ديني شريعي البتة ..
ولم يأمرنا الله تعالى بالقياس بمعناه الذي يقول به أهل القياس وهو إثبات حكم الأصل لفرع لعلة جامعة ..

ولم يأمرنا بإيجاد علل أو أسباب شيء من الأحكام بالاستنباط والظن ..

وإنما أمرنا بالالتزام بالسبب متى ما ورد ورد حكمه فقط ..
وذلك ليس بقياس عندنا وعند أصحاب القياس للنص على حكم الأصل وحكم الفرع بعموم اللفظ ..

ولم يستعمل الله تعالى القياس في شيء من الأحكام ..
ولا استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الشرع البتة ..

ولم يستعمل الصحابة رضي الله عنهم القياس هذا ..
ولا ثبت عنهم إلا بأسانيد لا تصح وإن صحت فلم يقولوا أن القياس علينا واجب ونتائجه يجب اتباعها ..
وإن سلمنا أن أحدهم فعله - ولم يصح هذا - فإنهم لم يلزموا بها الناس ولا قالوا هذا شرع الله البتة ..

فلا يحل جعل القياس دليلاً ثالثاً أو رابعاً في الشريعة ومصدراً من مصادر التشريع ..
ولا يحل أن يحكم بين الناس بناء على القياس الفقهي ولا يلزم حكمه أصلاً ..

فإن حكم فيه أحد الناس لنفسه فهذا شأنه ولا يجعله ملزماً للناس والأمة ..

وهذا ما يدين به أهل الظاهر عامة ..

ونأتي بعد بيان قولنا إلى ما استدل به أهل القياس وقالوا أن هذه النصوص أمرت بالقياس في الدين ..

وسأذكر دليلاً خفيفاً اليوم بعد هذه المقدمات ..

وهو قوله تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً ، واخفض لهما جناج الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } سورة الإسراء آية 23-24

يقول أهل القياس ..
ذكر الله تعالى الأف للتنبيه على أمر ما ..
وهو أنه إذا كان الأف يحرم فما كان أشد منه حرام مثله ..
وهذا قياس ..

ويطلقون عليه قياس الأولى ..
فهذه إشارة للعمل بالقياس بأن نقيس الذي لم يذكر على ما ذكر ..
وأن نقيس الحكم الأولى المسكوت عنه على الحكم الأدنى المنطوق به ..

ونقول نحن في هذه الدليل ..

أنتم توجبون على أنفسكم أنه لو كان حكم الفرع مذكوراً في النص فلا يجوز عندكم القياس ..
وحكم الفرع وارد في النص فكيف تقولون أن ذلك قياس وتناقضون ما أوجبتموه على أنفسكم .. ؟!

وإن قال أحدهم ..
أنا لم أوجب هذا الشرط فلا يلزمني هذا الاعتراض ..

فنغير السؤال لأنه لم يفهم ..
إن كنت تقول أنك لا توجب على نفسك هذا الشرط فيلزمك أمر آخر بتبسيط عبارته ..
وهو أن القياس عندكم كلكم إدخال المسكوت عنه في حكم المنطوق به (1) ..

وهنا لا مسكوت عنه أصلاً ..

فإن قلتم ..
الضرب والسب والشتم وغيرها لم تذكر ..
وهي مسكوت عنها في النص لعدم ذكرها ..

قلنا لكم ..
بل كلها مذكورة في النص ولم يخرج من هذه المعاني شيء أصلاً حتى نحتاج إلى قياسكم لنعرف حكم هذه الأشياء ..

فإن قال ..
أين ذكرها الله تعالى ..

قلنا وبالله التوفيق ..

قدّم الله تعالى قوله : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً } وقضاؤه ههنا فرض لا يحل منا ولا منكم صرفه إلا الندب أو الإباحة أصلاً ..
فكلانا يتفق على هذا ..

ثم أوجب علينا أن نوحده ولا نشرك به شيئاً ..
وأن نحسن إلى والدينا ..

فكل هذه فروض عندنا وعندكم ..

والإحسان تكفل بتحريم كل فعل يضاده ..
فالإساءة ضد الإحسان ..
والضرب إساءة وليس بإحسان ..
والتأفف إساءة وليس بإحسان ..
والسب إساءة وليس بإحسان ..

وكل معنى يضاد الإحسان فهو محرم لمخالف الأمر الوارد نصاً ..
فكل هذه المعاني تدخل في عموم لفظ الإحسان ..

فلم نحتاج إلى قياس لنخرج حكم التأفف أصلاً ..
وإنما ورد التأفف هنا بعد أن نبهنا الله تعالى إلى أنهما إذا كبرا وصارا يبولان دون شعور أو يفعلان ما يضجرك فلا تتأفف منهما ..

وليس هذا الحكم بخارج عن معنى الإحسان أصلاً ..
إلا إن قلتم أن التأفف لا يضاد الإحسان ..
وليس لكم في هذا القول تأييد من نص ولا لغة ولا إجماع ولا برهان أصلاً ..

فيجب عليكم أن تصيروا إلى القول بأن الآية لا قياس فيها أصلاً ..
فحكم الأصل والفرع مذكور في النص هذا وغيره من النصوص الآمرة بالإحسان إلى الوالدين ..
وأن كل فعل يضاد الإحسان وهو الإساءة فيحرم سواء بالضرب أو الشتم أو الانتهار وغير هذه الأفعال والأقوال ..

فلا معنى للقول بأنه ما دام ذكر التأفف وهي أدنى أذى أن يكون ما هو أعلى منه محرم ..
فكأن النص لم يأت بذكر تحريم هذه التي تطلقون عليها أنها أعلى من التأفف ..

فالنص كفانا جميعاً مؤنة تكلف قياس أو غيره ..
وأعملنا عموم النص وأخذنا بمعنى الإحسان فعلمنا أنه يخالف الأذى والإساءة ..
فكان كل أذى محرم وكل إساءة محرمة وليس ذلك قياس البتة ..

كالأمر بالصدق والنهي عن الكذب ..
فكل ما كان من قول أو فعل يضاد الصدق فإنه يحرم ..
لأنه كذب ..

وكذلك غير هذه الأفعال والأقوال ولا فرق البتة ..

فبطل ههنا استدلالهم بهذه الآية على جواز العمل بالقياس ..
وهذه من الأدلة التي يهوّل بها أهل القياس على أهل الظاهر ..
ومن أهل الظاهر من لا يعرف الحقائق ولا يميز كيف تثبت فيبهت منها ..
ويظن أن خصمه قد قطعه بهذا الاستدلال ..

وهو استدلال فاسد لا يصح ..

فأبنا لمن أنصف نفسه أن الدعوى التي يريدون لا تصح بوجه من الوجوه بناء على مذاهبهم في القياس ..
فألزمناهم بما يلتزمون ولم نتقول عليهم بشيء أصلاً ..

وبينا كيفية العمل في النصوص لأصحابنا من أهل الظاهر الذين خفي عليهم هذا الأمر وكيفية استخراج حكم السب والضرب والشتم وغيرها من أنواع الإساءة والأذى ..

لأنا سمعنا الكثير من أصحابنا لا يعرف كيف يخرج حكم الضرب والشتم ..

وزدناه تأكيداً للعالم منهم ..


والحمد لله رب العالمين ..
والله تعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل ..


فمن أراد أن يعقب فليقعب بعد فهم كلامنا ..
وأن يقتصر في اعتراضه على ما ذكرت من كلام على إفساد الدلالة التي قال بها أهل القياس ..


ولن أضع دليلاً آخراً حتى ننتهي من هذا الدليل ..
ومن وضع دليلاً يستبق الترتيب فسأرفعه حتى نأتي إليه ..
وكذلك كل رد ليس في محل كلامنا فسيرفع لئلا يشغب بعضنا على بعض ..
وتحصل الفائدة من النقاش للطرفين ..

وبالله تعالى التوفيق ..

ــــــــــــــــــــ
(1) اعتبار حكم الفرع مسكوتاً عنه لا يعني أنه دليل الخطاب عندهم ، بل قد بينت آنفاً أن هناك فرق بينهما ، وذلك البيان وهو قولي أن القياس إدخال المسكوت عنه في حكم المنطوق به للتقريب فقط حين تكلمت عن الفرق بينه وبين دليل الخطاب .
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
بسم الله الرحمن الرحيم ..

الدليل الثاني عند من يجيز العمل بالقياس ..
وهو مناسب لما قبله ..

فهذا والذي قبله وما سيأتي كلها أدلة متشابهة في المعنى ..
فسأذكرها أولاً ثم أبدأ في بيان باقي أدلته التي لا تشابه هذه الأدلة ..

فقد نقل شيخنا الإمام ابن حزم الظاهري بعض الأدلة التي يستدل بها أهل القياس لإثباته ..
وقد يكون هذا استدلال من عاصره ..

لأني لم أقف على هذه الأدلة في باب الاستدلال لجواز القياس عند أهله ..
وإنما قد تذكر في باب إثبات جواز العمل بدليل الخطاب أحياناً ..
وقد يكون فاتني كتاب من استدل بها ..

لذلك سأذكرها تتمة للفائدة وأتكلم عليها وأبين قول أهل القياس وكذلك قول أهل الظاهر فيها ..

وسأقتصر من كلام شيخنا بنقل الدليل الذي ذكره لهم ..
ثم سأتكلم بلساني وقلمي عن كل ما جاء في ذلك ..
فإن وافق قلمي قلم شيخي في تحرير معنى أو جملة ..
فلا مناقضة لما شرطته على نفسي من أنني سأتكلم بلساني وقلمي وفهمي ..

وبالله تعالى التوفيق ..

فقد استدل بعض أهل القياس لجواز العمل بالقياس ..
بقوله تعالى : { وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً } سورة النساء آية 20

قال أهل القياس ..
نبه الله تعالى على العمل بالقياس في هذه الآية ..
وهو أنه عز وجل نبهنا على أن ما كان أقل من القنطار داخل في حرمة الأخذ ..
وكذلك ما كان أكثر من القنطار داخل في حرمة الأخذ ..

فنبه على الأعلى بذكر الأدني ..
ونبه على الأدني بذكر الأعلى ..

فحكم ما كان أكثر من القنطار وما كان أقل لم ذكر ..
فوجب إلحاق المسكوت عنه ههنا في حكم المنطوق به وهو القنطار ..
فيحرم أخذ كل كثير أو قليل بناء على القياس على المذكور ..

وإن لم نستعمل القياس ههنا فسنسقط بعض ما يحرم لأنه لم يذكر في النص ..
وهو ما كان أكثر من القنطار وما كان أقل منه ..

وأما نحن فنقول ..
إن أردتم إثبات حرمة ما فوق القنطار وما دونه في الكمية والوزن فقد ذكر الله تعالى كل ذلك ولا يحتاج الناظر إلى قياس ليثبت هذه الأحكام ..

وهذا يخالف شرطكم في القياس في حكم الفرع ..
وهو ههنا منطوق به مشمول باللفظ لم يسكت عنه النص ..
فالقياس في مقابلة النص عندكم قياس فاسد ..

فأنتم أخذتم بتحديد معنى القنطار بالظن لا بالنص ولا بالإجماع ولا باللغة ..
فوقعتم بما ترون .. فاضطررتم إلى القياس لتثبتوا بعض ما خرج عن تحديدكم لمعنى القنطار ..
ولو رجعتم إلى القطع واليقين في معنى القنطار لما احتجتم إلى هذا القياس أصلاً ..

وبالله تعالى التوفيق ..

فهذه الجملة كافية ليفهمها من له علم في مسألة القياس وتفسير هذه الآية وحكمها الفقهي ..

أما من لم يفهم هذه الجملة فسنزيده بياناً جلياً ليعلم حقيقة قولهم وقولنا ..

فلبيان ذلك نقول ..
الآية تتكلم عن حكم أخذ الزوج ما أعطى لزوجته إن أراد طلاقها مما هو ليس بخلع ..
ولا تتكلم عن كل أخذ للزوج لما أعطاه لزوجته كما في الخلع والافتداء ..

ولبيان ذلك لا بد أن تعلم ما يلي ..

أن في الشريعة الإسلامية طلاق ..
وأن فيها أيضاً خلع ..

والطلاق هو غير الخلع من جهة إباحة أخذ الزوج لما أعطاه للزوجة ..

فالطلاق لا يحل فيه أخذ الزوج ما أعطى زوجته قل أو كثر ..
أما الخلع فيجوز للزوج أخذ ما أعطى زوجته وما افتدت به ..

وعند الحديث على هذه الآية فلا بد أن نذكرها كاملة لتتضح معالمها ..

قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً (19) وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً (20) وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً (21) } سورة النساء آية 19-21

فيقول تعالى ..
يحرم أخذ مال الزوجة بالإكراه ..
وعلى الزوج ألا يعضلها ويأخذ مالها كرهاً حتى يرد بعض ما أعطاها ..
إلا في حال إتيان الفاحشة المبينة ..

فإن لم تأت بتلك الفاحشة ..
فلا بد أن نعاشر الزوجات بالمعروف وإن كرهناهن ..
فقد يكون فيهن الخير الكثير ..
ولا يحل لنا أخذ ما أعطيناهن بالإكراه ..

فإن أردنا أن نطلقهن لنتزوج بغيرهن ..
وهن على المعروف ولم يفعلن ما يوجب أو يبيح أخذ مالهن بالإكراه ..

والأخذ المنهي عن هنا كل أخذ بالبهتان والإثم الذي نبه عليه تعالى ..
أي كل أخذ بلا وجه حق ..
لأنه ينكر عليهم هذا الأخذ بلا وجه حق ..

فيكون القنطار هذا مأخوذ بغير وجه حق لإحسان الزوجة وعدم إتيانها ما يبيح أخذ الزوج ما أعطاها إياه ..

فلا يحل لنا أخذ ذلك المال بالغ ما بلغ ..
كثيراً كان أو قليلاً ولا فرق ..

فالمرأة الخالية من كل ذنب ومعصية في حق زوجها ..
وقد أطاعته وأحصنت فرجها ..

فلا تأت أيها الزوج فتسيئ معاملتها لتسترجع ما أخذته منك من مهر أو نفقة أو غيرها ..
أي لا تقوم بأفعال أو أوقوال تسيء بها إلى الزوجة لتضجر ثم توافق على دفع ذلك المال وهي كارهة لتفر بنفسها من سوء عملك معها ..

فذلك محرم لا يحل لك ..
فكيف تأخذه منها ولم تأت بما يوجب أو يبيح أخذ ذلك المال .. ؟!
وقد بينا لك متى يحل أن تأخذ هذا المال ومتى لا يحل لك فالتزم به ..
وهو بيان النصوص الأخرى في جواز الخلع إن لم يكن الزوج هو المسيء المتعمد لكي يأخذ ما أعطاه للزوجة ..
إما إن تعمد الإساءة فهو داخل في هذا اللفظ ولا يحل له أخذ ما أخذه وإن سموه خلعاً ..
وهو للزوجة بالغ ما بلغ من حقها ويطالب به من يرثها لأنه أخذ هذا المال منها بغير وجه حق ..

وليس في الآية بيان عن حكم الخلع أصلاً ..
هذا بيان هذه الآية منفردة عن النصوص الأخرى ..

ونأت الآن إلى تفسير القنطار الذي تنازعنا فيه مع أهل القياس ..

لفظ القنطار لا يستعمله العرب على وزن معين مخصوص في أصل اللغة ..
ويستعمل في اللغة عادة ككناية على المال الكثير ..

حتى أن بعض أهل اللغة قال أنه لفظ دخيل وليس بعربي استعمل في الكناية على المال الكثير ..
وقد يستعمله أهل زمان ومكان على وزن يخالف ما يستعمله فيه غيرهم ممن عاصرهم ..
وقال شيخنا العلامة الدكتور محمد رواس قلعه جي أنه يطلق اليوم في الشام ومصر على مائة رطل .. ا.هـ
ولم يرد استعمال شريعي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على وزن مخصوص معين ..
وكل ما روي في ذلك فهو ضعيف لا يصلح للاستدلال به ..

وقد اختلف الصحابة ومن تبعهم رضي الله عنهم جميعاً في تحديد المراد من القنطار (1) ..
ولا دليل عند أحدهم ..

ولا يمكن اعتبار أن قول أحدهم هو المعمول به في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ..
وإلا ما حصل الخلاف بينهم بعد أن تقوم حجة أحدهم بالنص ..
ولما قلنا من عدم صحة تحديد ذلك المعنى من قبل الشارع نفسه ..
فإن كان لا دليل على تحديد معنى القنطار ..
فنرجع إلى استعمال أهل اللغة الذين اتفقوا على أن هذا اللفظ يطلق على المال الكثير ..
ونهمل كل تحديد له بناء على الرأي المحض ..
أو تحديد بعض البلدان لهذا اللفظ دون بعض ..

فيكون قول أهل القياس أن ما كان فوق القنطار يحرم كما حرم القنطار ..
لا يحتاج فيه إلى قياس وليست قياساً في الحقيقة عندهم ..

فهم أرادوا إدخال ما كان فوق القنطار الذي حددوه بأوزان معينة بحكم التحريم ..
ولا حاجة لهم لكل هذا التكلف أصلاً ..

فمعنى القنطار الذي عرفته اللغة هو المال الكثير ..
وجملة المال الكثير لا فوق ولا أعلى لها أصلاً إلا إذا قلناها ونحن نعني شخصاً معيناً علمنا حاله من الغنى والفقر ..

فإن قلت ..
مليار .. فهو مال كثير ..
ألف مليار .. فهو مال كثير ..
ألف دينار .. فهو مال كثير ..
ألف ألف مليار .. فهو مال كثير ..
مائة دينار .. فهو مال كثير ..
عشرة دنانير .. فهو مال كثير ..

فالكثرة تختلف باختلاف حال الشخص من الغنى والفقر ..
وليست معياراً عاماً يطلق على كل أحد ..

فهناك من نشاهده ينفق ألف ألف وهو عنده قليل ..
ونشاهد من ينفق المائة وهو عنده كثير لا يطيقه ..
وهناك الذي ينفق عشرة دنانير وهي كثيرة عنده ..

فناسب إطلاق لفظ القنطار باعتبار الشخص نفسه ..
فكل واحد منا له اعتبار بالمال الكثير يخالف غيره بحسب غناه وفقره ..

ولو كان معنى القنطار مثلاً أنه ألف درهم أو ألف دينار من الذهب لكان هذا قليلاً عند بعض الناس ..
وهذا مشاهد لا ينكره أحد إلا من يعاند نفسه ..

وهذا معلوم حاولت تبسيطه ليكون واضحاً لكل أحد ..

فصار قنطار كل أحد بحسبه لا بحسب تحديد معين بالظن ..
فقنطاري أنا يخالف قنطار غيري ممن هو أكثر مني مالاً أو أقل في الوزن والكمية ..

فيشمل التحذير في النص لكل من أخذ قنطاراً باعتبار حاله ..
وإلا خرج الذي يملك أكثر من الحد الذي حددوه في معنى القنطار ..
فمن قال القنطار هو ألف دينار من الذهب ..
فهناك من ينفق هذه الألف في جلسة أو لحظات ولا يلتفت إليها ..

فلو كان أحدنا قد أعطى زوجته ما هو أكثر من تحديد أهل القياس لحد القنطار ووزنه ..
فهل نقول أنه خارج عن هذا الحكم ويحل له أن يأخذ ما كان فوق تحديدهم .. ؟!

فمن أخذ بتحديد أن القنطار هو ألف دينار ذهب ..
وبعملتنا نحن تساوي 10 آلاف دينار كويتي تقريباً أو 30 ألف دولار ..

فإن أصدق الزوج هذا المبلغ وهو القنطار فلا يحل له أن يأخذه ..
فأرادوا تحريم أخذ من أعطى ضعف هذا المبلغ بهذا الطريق ..
وكان بإمكانهم إبطال التحديد الذي كان بناء على ظن ورأي ..
والعمل بعموم النص وبما عرفه العرب من ذلك اللفظ ..
فلا يقولون بقياس في هذه المسألة ولا غيرها ..

فليس لهم ههنا بعد أن تورطوا في تحديد وزن معين أن يقولوا بباقي النصوص في عموم حرمة الأخذ لما الغير بغير وجه حق ..

ولقالوا أن الأخذ هنا كان بهتانا وإثماً فلا بد أن يكون محرماً ..

فلا يكون تنبيه الله تعالى بلفظ القنطار له معنى حينئذ ..
أي إن جعلنا له تحديداً معيناً عاماً لكل الناس ..
كما قالوا بناء على تقليدهم لأقوال بعض أهل العلم وهم مختلفون - فانظر الهامش - ..

فهم تارة يطلقون لفظ القنطار بلا حد بوزن معين وتارة يحددونه بحد معين ..

ونحن لم نحتج إلى كل ذلك ولا يلزمنا البتة ..

أما قولهم ..
أننا نقيس ما كان أقل من القنطار على القنطار ..

فكذلك لا يصح لهم هذا باعتبار أن تحديد معنى القنطار لم يأت به شرع ..
وما دام لم يأت به شرع فلا يكون تحديد أحد هو الصواب والقطع دون غيره ..

فنحن نريد أن نصل إلى القطع في حكم هذا اللفظ لا الظن والرأي المحض ..

فنقول ..
إن ما كان دون القنطار بمعناه عندكم وعندنا يدخل في الآية وليس بخارج عنها أصلاً ..

وقد ذكر الله تعالى المال الكثير في لفظ القنطار وكذلك ذكر المال القليل ..

وقال : { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } ..
وقال تعالى : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً } ..

فقد كافانا الله تعالى تكلّف قياس وظنون في دينه والحمد لله رب العالمين ..

فبعض ما آتيناهن يطلق على القليل من المال ..
لأن ما آتيناهن مال ..
وهناك من يعطي الزوجة الكثير منه ..
وهناك من يعطيها القليل ..

فبعض المال سواء كان كثيراً أو قليلاً ..
هو جزء منه ولا بد ..

والجزء يدخل في المال القليل كما يدخل في المال الكثير دخولاً متساوياً بلا فرق ..

والخاتم من الحديد يكون قليلاً في نظرنا إن كنا أغنياء ..
ويكون كثيراً في نظر الفقراء ..
كما كان كثيراً على أحد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ..

فسواء أعطيناهن الكثير من المال باعتبار غنانا ..
أم أعطيناهن القليل من المال باعتبار فقرنا ..

أم أعطيناهن الكثير من المال باعتبار فقرهن والقليل باعتبار غنانا ..
أم أعطيناهن القليل من المال باعتبار غناهن والكثير باعتبار فقرنا ..

فكله محرم لا يحل إكراه النساء عليه ولا أخذه منهن إلا بما شرطه الله تعالى علينا ..
وبما أباحه لنا في جواز الأخذ إن أحسنا إليهن ولم نعضلهن ولا آذيناهن وهن طائعات محسنات بما تراضينا به ولكن خفنا أو خاف أحدنا ألا يقيم حدود الله تعالى في شريكه وزوجه ..
سواء كان قنطاراً أي مالاً كثيراً عندنا أو عندهن أو بعض ما آتيناهن وكان قليلاً عندنا أو عندهن ..

ولنا أن نأكل مما عندهن أو مما أعطيناهن إن كان برضا وطيب نفس فقط ..

وتصديقاً لقولنا هذا ..
قوله تعالى : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا إن خفتم ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } سورة البقرة آية 229

فقد أباح الأخذ لما أعطيناهن بشرطه الذي ذكره ..
كما أباح لنا الأكل من مالهن إن كان برضا وطيب نفس ..
بقوله تعالى : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ، فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً } سورة النساء آية 4

فهنا كنا من أهل القطع يقيناً ..
وما تحكمنا بقول دون قول ..

وأخذنا أصل استعمال العرب لهذا اللفظ ( القنطار ) وأهملنا ما كان تحديداً بناء على الظن والرأي ..
فما خالفنا مراد الله تعالى في هذه الآية ولا أنقصنا أي حكم قال به أهل القياس ..
إلا أن طريقنا لم يكن طريقهم والحمد لله رب العالمين ..

فأرادوا تحريم ما فوق القنطار الذي حددوه وما دونه ..
فاستعملوا القياس لأنهم ظنوا أن النص لم يذكر كل ما قالوه ..

وأردنا تحريم ما فوق القنطار بما عرفه العرب بلا تحديد والتزام لقول أحد دون أحد ..
فاستعملنا النص وحده ثم ضممنا له نصوصاً أخرى لنعلم العموم والخصوص ..
واستعملنا المعنى الذي عرفه أهل اللغة ..

فبان الفرق بين قولنا وقولهم ..
وثبوت الأحكام التي قالوا أنها مسكوت عنها وليس في النص حكم الفرع نصاً ..
وكل ذلك بالقطع لا بالظن ..

فقضيتنا هنا ..
أن أهل القياس اضطروا بلا اضطرار إلى تحديد لفظ القنطار بوزن معين ..
أما نحن فلم نحتج لتحديد وزنه أصلاً لذلك لم نأخذ بقول أحد دون أحد ما دامت الأقوال كلها بالظن ..

وحقيقة الحكم الذي يريدون الكلام فيه وتقريره بناء على القياس ..
يثبت بلا تكلف تحديد لوزنه أو تكلف قياس ..

ونزيد بياناً لئلا يظن أحد أننا نسينا شيئاً ..

فإن صح تحديد شرعي للفظ القنطار (2) فلن يخالف ما قلناه أصلاً ..
فقد يتوهم مخالفنا أنه قد يشكل علينا هذا في حال كان المال هذا فوق القنطار الذي حدده الشرع ..
أما ما كان أقل من ذلك التحديد فلا يشكل علينا ولا يتوهمه أحد لأنه مذكور بالنص ..

فيكون النص هذا قد ذكر التحديد الذي ثبتت صحته فقط ..
فإن ورد أن القنطار هو مثلاً ( ألف دينار من الذهب ) ..
كان النص هنا ذاكراً للألف دينار من الذهب فقط ..

والنصوص الأخرى قد زادت على هذا النص ..
فثبت أن ما فوق القنطار داخل في التحريم بما ثبت في الآيات التي حرمت أكل مال الناس بالباطل ..
وحرمت أبشار الناس وأموالهم ودماءهم إلا بحقها فقط ..

وعلمنا أن من عضل الزوجة وآذاها لأخذ ما أعطها فهو آخذ لمال غيره بغير وجه حق ..
فيدخل في عموم المنع من أكل أموال الناس وأخذها بغير وجه حق ..

وهذا باتفاق بيننا وبين مخالفنا من أهل القياس ..
فلا يصح توهم هذا الإشكال عندنا ..

فاستقصينا كل ما يظنه الظان وما قد يتوهمه ..
وأبنا الحق من كل ذلك بطرق لا مدخل للظن فيها البتة ..

وأبنا فساد الاستدلال بهذه الآية لمرادهم بما يلتزمون به في شروط حكم الفرع الذي يريدون نقل مثل حكم الأصل إليه ..

ولم نتقول عليه في شيء البتة ..

وهذه من الأدلة التي يرددها بعضهم من أن عدم القول بالقياس يوجب على أهل الظاهر إخراج هذه المسكوت عنها بظنهم من حكم النص ..

وقد أبعد كل من ظن ذلك وبان الخطأ في قوله ببياننا ..
والحمد لله رب العالمين ..

هذا ما يتعلق بالدليل الثاني ..

وبالله تعالى التوفيق ..

ثم استدركنا ما نسيناه بعد أن أدرجت المقال ..

وهو ما وقع في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ..
بأن أراد تحديد المهور ..
وقد قال على المنبر : [ ألا لا تغالوا في صدقات النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا من بناته فوق اثنتي عشرة أوقية ] (3) فقامت إليه امرأة فقالت : يا عمر ، يعطينا الله وتحرمنا أنت ! أليس الله سبحانه يقول : { وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } فقال عمر امرأة أصابت وأمير أخطأ ..

وهذه المقولة قالها على المنبر كما ترى ..
فلم ينكر أحد من الصحابة على المرأة التي أرادت الزيادة على هذا التحديد باستدلالها بلفظ القنطار الذي عهده العرب أنه يطلق على المال الكثير ..

ولو كان فيها تحديد معلوم منصوص عليه شرعاً ومعمول به في الأوزان الشرعية لما سكت الصحابة رضي الله عنهم عن هذا ..

ولا يعننا إن اصطلح أو اعتاد أهل محلة أو زمان على تسمية وزن معين على أنه قنطار ..
فلا يحكم بهذا التواضع منهم ما أطلق في النص وفق عرف العرب الصحيح ..

فإن اختلفوا وكان جميعهم يقول إما أن يطلق على قدر من الذهب أو قدر من الفضة ..
فإن هناك من البلدان ما أطلقوا القنطار على الثياب واللباس ..
وهذه ليست من الفضة والذهب ..

فقد نقل الولاة والحكام أوزان مختلف فيها بحسب المكان إلى أوزان أخرى ..
لعدم تعلقها بالحكم الشريعي وهذا لا محارجة فيه ..



ـــــــــــــ هامش ـــــــــــــــ
(1) اختلف العلماء في تحديد المراد من القنطار على أقوال كثيرة ، منها :
المذهب الأول : القنطار هو 1200 أوقية ..
وهو قول معاذ بن جبل ، بن عمر ، عاصم بن أبي النجود ، أبي هريرة ، أبي بن كعب ..
المذهب الثاني : القنطار ألف دينار ومائتا دينار ..
وهو قول الحسن البصري ورفعه ، وهو مرسل ..
المذهب الثالث : القنطار اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار ..
وهو قول ابن عباس ، الضحاك بن مزاحم ، والحسن البصري ورفعه وهو مرسل لا يصح .
المذهب الرابع : هو ثمانون ألفا من الدراهم أو مائة رطل من الذهب ..
وهو قول سعيد بن المسيب ، قتادة ، السدي ..
المذهب الخامس : القنطار سبعون ألف دينار ..
وهو قول مروي لابن عمر ، ومجاهد ..
المذهب السادس : ملء مسك ثور ذهبا
وهو مروي عن أبي نضرة ..
المذهب السابع : القنطار هو المال الكثير .
الربيع بن أنس ، ابن جرير الطبري وقولنا أيضاً ..
وقال ابن جرير الطبري في تفسير الآية : ولو كان القنطار محدودا قدره في النص ، لم يكن بين متقدمي أهل التأويل فيه كل هذا الاختلاف ، فالصواب في ذلك أن يقال هو المال الكثير كما قال الربيع بن أنس وغيره ولا يحد قدر وزنه بحد على تعنف ..
وكذلك نقول أن الصواب أن تهمل كل هذه التحديدات للفظ ويرجع إلى استعمال العرب لها ، فقد قالوا أنها تطلق على المال الكثير ، وقد يستخدمها قوم أو محلة بغير ما تستخدمها به المحلة الأخرى بما اصطلحوا عليه من وزنها ، ولا اعتبار لذلك الاصطلاح الحادث بينهم لإسقاط الحكم الشرعي في حرمة أخذ ما أعطى الزوج لزوجته كثيراً كان أو قليلاً ..

(2) وارجع في ذلك إلى كتب اللغة كاللسان وغيره في مادة : قنطر ، وكذلك تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان ، وكذلك كتب التفسير كتفسير القرطبي والشوكاني وابن كثير وغيرهم .
ولفظ المقنطرة : فهو المكلمة أو المضعفة ، كقوله : ألوف مؤلفة أو مألفة ..

(3) الأوقية : أوقية الذهب تساوي : 32 غرام تقريباً ، وأوقية الفضة تساوي : 113 غرام تقريباً ، ويحسبونها بالحبة : فأوقية الذهب فيها : 540 حبة ، وبالغرام تساوي : 31.7475 غرام ، أما أوقية الفضة ففيها : 1920 حبة أي بالغرام تساوي : 112.512 غرام ، والحبة هنا من الخردل ..

وهذا يكون باستقصاء المقادير الشريعة مع مقارنتها بما نجده من الذهب والفضة والحبة ..
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
استدل أهل القياس بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال المستدل ..
ثبت في الصحيحين أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أمها أنها ماتت وكان عليها صوم أتصوم عنها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: [أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟] قالت:نعم. قال: [فدين الله أحق بالقضاء] (رواه البخاري (1953) ورواه مسلم (1148) من حديث ابن عباس)

وقال المستدل في أول كلامه ..
أن أهل القياس استدلوا بأدلة كثيرة في السنة ومنها هذا الخبر ..!

فقال أهل القياس ..
هذا الدليل يدل على مشروعية القياس بل ووجوب مقايسة النظير بنظيره كثيرة ومنها هذا الخبر ..
فأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ( أرأيت إن كان على أمك دين ) أي لبشر فكما أن الدين للبشر يقضى عن الميت فقضاؤه عن الميت لله من باب الأولى والأحرى وهذا قياس الأولى ..

قال ابن تميم الظاهري ..

من يستدل بهذا الخبر من أهل القياس ليقول أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح القياس أو استمعله ليؤيد ما ذهب إليه من إباحة القياس تلحقه بلايا لا بد له من أحدها ..
وغالب من يستدل بهذه الأخبار لا يدرك هذه البلايا ..
بل يعتمد على نقل أهل الأصول لهذه الأوابد دون تمييز وتحقيق ما فيها ..

فنقول بعد أن نسأل الله السلامة من هذه البلايا إجمالاً ثم نفصله ..

كلنا يتفق أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل برأيه في دين ولا حكم بشيء لم يخبره الله تعالى به ..

وكلنا يتفق أن القياس عند أهل القياس إلحاق فرع مجهول حكمه بحكم الأصل المعلوم لعلة جامعة بينهما ..

فإن قال قائل أن هذه الأخبار قياس ..

فإما أن يقول أن حكم الفرع كان معلوماً ..
وإما أن يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على أشياء لم يكن فيها حكم لله تعالى ..

فإن قال ..
حكم الفرع معلوم ..
ارتفع الخلاف وبطل الاستدلال بهذه الأخبار على جواز العمل بالقياس ..
لأن القياس عند أهله لا يجوز مع وجود النص بحكم الذي يسمونه فرع ..
وقد أقر القائس هنا بوجود نص في الفرع ..

وإن قال بأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بشيء لم يكن فيه حكم الله ..
فقد أتى بالباطل الذي لا يجد له برهانا يصححه البتة ..

ومن بلغ هذا المقام فلا يشتغل المرء في بيان فساد قوله ..
إلا بإيراد النصوص التي تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل بدين الله تعالى برأيه في شيء البتة ..

وبيان أنه صلى الله عليه وسلم رسول الله ..
أتى يبلغ ما أمره به سبحانه وتعالى ..

ولو كان بيننا رسول ينقل رسالة المُرسِل إلى المرسَل إليه ..
ثم سأله المرسَل إليه عن أمر ليس في رسالة المرسِل ..
فزاد الرسول فيها الرسول برأيه لم يكن مبلغاً بما في الرسالة ..
بل زائداً في الرسالة ما ليس فيها ..

وهذا يعتبره أهل القياس باطلاً كما نحن بلا شك ..
فكيف نستجيز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما لم يأمره الله تعالى ببلاغه .. ؟!
فهذا الفساد المبين الذي ليس له برهان البتة ..

وقد شغب بعض أهل الكلام في هذا وراموا إدخال هذا النوع في جملة الاجتهاد وقالوا ..

إذا كان الاجتهاد جائز لنا وللصحابة ولكل من ملك أداوته ..
فالنبي صلى الله عليه وسلم أولى منا بالاجتهاد لأنه معصوم ..

وتناسوا أو أخفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الحاكم إذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ورغم ذلك فحكمه مردود وباطل متى ما تبين لنا أنه خطأ ..

فاستدلوا بحديث الحاكم وخطئه وأجر المخطئ ..
وتركوا حديث من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ..!
وتغافلوا بعمد أو بغيره أن الحاكم ليس له أن يجتهد في إثبات شيء قد ثبت بالنص ..
فاجتهاد الحاكم لا يعني إلا أن يبلغ وسعه في الوقوف على دليل شرعي ليقول به ..
فإن وقف عليه وحكم به ثم ظهر أن الدليل منسوخ أو مخصص أو مقيد فله أجر واحد فقط ويرد حكمه هذا بلا شك ..

فكيف يستجيز من يقول بهذا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داخل تحت هذا .. ؟!

أليس هذا تلبيس .. ؟!
ألم يقل الله تعالى أنه أرسل النبي صلى الله عليه وسلم للتبيين ورفع الإشكال .. ؟!
فأين هم من هذا .. ؟!
أهذا تلبيس على الناس أم تبيين .. ؟!

نسأل الله السلامة من هذه الأقوال ..
ونشهد الله على براءة النبي صلى الله عليه وسلم من القول في دينه بالرأي والزيادة ..

فإذا ثبت عند الناظر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل بشيء في دين الله برأيه وأنه كان ينتظر نزول الوحي فيما كل أحكام الديانة وأنه مبلغ عن ربه سبحانه وتعالى ..

فاعلم أن القول بأن هذه أقيسة قول باطل لا يحل نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ..

فالقياس عندهم ما كان حكم الفرع غير ثابت في نص ..
والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين للسائلة أن حقوق الله تعالى هي ديون ..
فالدين هو كل ما ثبت في الذمة من حقوق ..
سواء حق لعبد أو حق لله تعالى ..
وبين أن حق الله تعالى مُقدّم على حق العبد ..

فبيانه كان في أن حق الله مقدم على حق العبد فقط ..
لأنه قد قال تعالى : { من بعد وصية يوصى بها أو دين } ..
أي لا تقسم المواريث إلا بعد الوصية التي أوصى بها أو الدين الذي تركه الميت ..
فلا يحل تفسير الدين بما ثبت للناس فقط وهذا تحكم باطل ..

فالدين كما قلنا كل ما ثبت في الذمة من حقوق ..
ومن لم يصم أو من لم يحج أو من نذر لله ثم مات فكل هذه حقوق ثبتت في الذمة مذ تركها المكلف أو نذرها ..

فالتحكم بإخراجها لا يحل ..
وهذا تفسير الآية الذي لا يحل غيره ..

ولا يلتفت المحقق لتفسير أهل القياس للدين هنا وجعله خاصاً في الديون في الأموال بين الناس ..
فهذا كما يرى المحقق المنصف تحكم لا يحل في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
إلا أن يأتي نص يخصص هذا اللفظ وهو ( دين ) بما يذكرونه فنصير إليه ..
وليس لهم برهان في هذا ..

وبالله تعالى نتأيد ..

* * *

أما التفصيل في كل هذه الأخبار فنقول وبالله تعالى التوفيق ..

يبدو لي أن المستدل بهذا الخبر لا يعرف قول أهل القياس في الخبر هذا ودلالته والديون ..
ولو علم هذا لما ذكر هذه الأدلة للاستدلال بها للقياس عند أهل القياس ..
وسأبين بحول الله وقوته بطلان الاستدلال به لوجوب أو مشروعية القياس كما قال المستدل ..!

الوجه الأول ..
في بيان الأخبار الواردة في هذا المعنى ..

فأولها الخبر المذكور وهو ..
ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما : أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن أمي ماتت وعليها صوم شهر , فقال عليه السلام : أرأيت لو كان عليها دين ، أكنت تقضينه ؟ قالت : نعم . قال : ( فدين الله أحق بالقضاء ) وهذا لفظ مسلم ..

وأخرج البخاري نحوه وقال ..

روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله . إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ قال : ( نعم ) . قال : ( فدين الله أحق أن يقضى ) .

وأخرج أيضاً ..

عن ابن عباس قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أختي ماتت ..

وأخرج أيضاً ..

عن ابن عباس قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي ماتت وعليها صوم نذر ..

وأخرج أيضاً ..

عن ابن عباس قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم : ماتت أمي وعليها صوم خمسة عشر يوما ..

وأخرج البخاري أيضاً ..

عن ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج ، أفأحج عنها ؟ قال : ( نعم حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ ) . قالت : نعم . فقال : ( فاقضوا الله الذي له فإن الله أحق بالوفاء ) ..

وأخرج ابن ماجه أيضاً ..

عن الفضل بن عباس أنه كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة النحر ، فأتته امرأة من خثعم فقالت : يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده ، أدركت أبي شيخا كبيراً لا يستطيع أن يركب ، أفأحج عنه ؟ قال : ( نعم فإنه لو كان على أبيك دين فقضيته ) وهذا لفظ ابن ماجه وصححه الألباني ..

الوجه الثاني ..
بيان فساد الاستدلال بهذه الأخبار على مشروعية أو وجوب القياس كما يستدل به أهل القياس ..
ولبيان ذلك لا بد من توضيح أمور ..

الأمر الأول ..
لا بد أن نعرف أن الكلام ههنا في هذه الأحاديث ليس مع كل أهل القياس ..
لأن أهل القياس يبطلون الاستدلال به أصلاً فيما يستنصرون به ..
ولا أشد عجباً ممن يستدل بخبر ويزعم أنه قياس أولى في أصول الفقه ..
ثم يبطل معناه في الفقه ومسائله في الحج والصوم والدين .. !
يأتي بيان هذا في آخر المقال إن شاء الله تعالى ..

الأمر الثاني ..
بيان بطلان الاستدلال بهذه الأخبار على جواز أو وجوب القياس ..

أولا ..
لو كان هذا الخبر دليلاً على جواز أو وجوب القياس فأين شروطه وأنواعه وأركانه التي ثبتت في هذه الأخبار .. ؟!

وهذا لا يجدونه البتة ..
فرجعوا بعد أن استدلوا بهذه الأخبار إلى تركها في الفقه ..
وإلى استحداث ما ليس في الخبر هذا من أركان وشروط للقياس ..
بعدما أرادوا أن يقولوا أن هذا دليل على جوازه من الحديث بما تسلمون بسنده وصحته ..
وأرادوا الاحتجاج به علينا بما ليس فيه البتة ..
فإن كان المستدل ينعم في ذكر شروط وأركان القياس المذكور هذا لكان نافعاً جداً .. !
إلا أنهم لا يجدون هذا في أي خبر يستدلون به لهذه الدعوى ..
فاضطروا إلى القول بالرأي والظن ثم نسبته إلى الشرع ..!

ولو كان عندهم لقدموا ذكره ولما كان مخفياً عنا وعن الاستدلال للقياس ..
ولو كانت هذه الشروط والأركان تدرك بداهة لما قال الغزالي وهو من زعماء القياس الذي يقر بصعوبته على العلماء فكيف بغيرهم .. !

فنحن في منازعة مع هذه الدعوى ..
فمن قال بها عليه أن يبين برهانها من النص ..
وإلا فما يوجد أسهل من الدعوى ..

ثانيا ..
المجمل لا يعمل به حتى يأتي مفسراً هذا عندكم وعندنا ..
وهذا إجمال رغم أنه لم يقل بأن هذا قياس ..
لكن تجوزاً منا نقول هذا ..
فكيف نعمل بالمجمل هذا .. ؟!
وما هي الأدلة التي بينت شروط العلة والأصل والفرع والحكم .. ؟!
وما هي الأدلة التي بينت متى نعرف الصحيح من القياس من الباطل الفاسد .. ؟!
اذكروا ذلك لنا كله بما نقطع به فنصير إلى قولكم ..
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
ثالثا ..
أصحاب القياس أو جملتهم لا يعملون بقاعدة أصولية إن لم تكن قطعية ..
ومعلوم أن هذه النصوص ليست قطعية عندهم في الدلالة على القياس ..
بل هي ظنية في شقيها هكذا يقولون ..

فكيف صارت هذه الأخبار عندهم مما يستدل به لجواز القياس فهذا غريب .. !
رابعاً ..
بناء على قاعدة أهل القياس فإنه لا قياس مع وجود النص ..
وهذا يتفقون عليه بحسب علمي وعلى المخالف لهذا أن يذكر لنا خلافه ووجه خلافه لنعرف كيف نجيبه ..

فنقول وبالله تعالى نتأيد ..

النبي صلى الله عليه وسلم مثّل للسائلة بأشياء مذكورة في النصوص الاخرى لتعلم السائلة حكم ما سألت عنه ..
فالسائلة تسأل عن حقوق الله تعالى وهي الصيام أو الحج ..
فلو كانت قد استحضرت قوله تعالى ..
{ من بعد وصية يوصى بها أو دين } لما احتاجت للسؤال أصلاً ..
لأن الدين هنا عام ..
فبالضرورة نعلم أن كل ما أوجبه الله تعالى علينا في أموالنا فهو دين ..
وكذلك بالنصوص والضرورة أيضاً ..
علمنا أن أمر الله أولى بالانقياد له وأحق بالتنفيذ وأوجب علينا من أمر الناس ..
وأن ما أوجبه الله تعالى علينا فهو حق له ويجب علينا قضاؤه ..
لذلك قال صلى الله عليه وسلم ..
( فاقضوا الله الذي له فإن الله أحق بالوفاء ) ..

فعلمنا أن كل حق لله علينا فإنما هو دين له بهذا النص الذي لا يحل تأويله إلى غير هذا ..

وما زاد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأخبار إلا أمر وهو أن حقوق وديون الله أحق بالوفاء من ديون وحقوق الناس ..

فالأخبار هذه من باب العموم وليست من باب القياس البتة ..
فالسائلة تعلم أن أهل الميت يؤدون عن الميت دينه لذلك قالت : ( نعم ) في الخبر ..
لكن حصل عندها شك وإشكال في كون هذه العبادات والحقوق والديون مؤداة ..

فأخبرها المعصوم صلى الله عليه وسلم بأن دين الله أحق بالقضاء ..
وهذا عموم في وجوب أداء وقضاء الديون ..
سواء كانت هذه الديون مالاً أو عبادة بين الشارع أنها تقضى وتؤدى بعد موت المكلف بها ..

فالأخبار تقول للسائلة ..
دين العبد تقضينه .. وهي تعلم هذا ..
وأن حقوق الله ديون .. وهي تعلم هذا ..
ولكن شكت في ديون الله إن كانت تقضى أو لا ..
فقال لها ..
فكما تقضين دين العبد فتضين دين الله في القضاء ..
ذكر ذلك تمثيلاً لها فقط لكون ذلك معلوم ..

فلا فرق بين الديون في القضاء ..
إلا أن ديون الله أحق بالقضاء من ديون العبد ..
هذا ما يقوله الخبر فقط ..

ولو كان تجهل أن هذه الحقوق لله تعالى وديون لما سألت بقولها ..
( أفأقضيه عنها ) ..

فلا يوجد قضاء إلا عن شيء نعتبره ديناً ..
هكذا يفهم العربي ..

وكذلك في النذر والحج ..
فإنها تعلم أن هذه الحقوق لله تعالى ..
فشكها كان من جهة كون هذا القضاء منها مجزئ عن الميت فقط ..
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن لا فرق بين الديون في هذا ..
فالواجب قضاء دين الله تعالى وحقه ودين الناس مع تقديم حق الله على حق الناس ..

خامساً ..
والعجب ممن قال أن هذه الأدلة توجب القياس .. !
فإنهم – أي أهل القياس – يقولون كقولنا في أن الأمر يدل على الوجوب ..
فأين الأمر بالقياس الذي جاء في هذا الخبر ليقول أن القياس واجب بهذه الأخبار وغيرها .. ؟!

هذا يحتاج تنبيه لئلا يُشكل على أحد ..

سادساً ..
احتج بعض أصحابنا على أهل القياس بأن قال ..
إذا كان هذا قياس بحسب دعواكم فإنه قد صدر ممن كان معصوماً في أمر الديانة ..
وكان له الحق في التشريع وفق ما أمره الله تعالى به ..
وليست هذه المنزلة لأحد من البشر غيره صلى الله عليه وسلم ..
فإن كان قياساً كما تدعون فقد أمنا من الخطأ والظن فيه يقيناً ..
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم إلا من وحي في أمر الديانة ..
فهل لكم من الأئمة من له هذه المنزلة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

أما نحن فلا نقول بهذا ..
بل نقول ليس هذا قياس من النبي صلى الله عليه وسلم البتة ..
ولا فيه أثر للقياس أصلاً ..

فهنا دين للناس ودين لله تعالى ..
وشكت السائلة في كون الصوم والحج وهما ديون وحقوق لله ثبتت في ذمة الميت إن كان يطلب الشارع من قريب الميت قضاء هذه الديون أو لم يطلب ..
فأرشدها وفهمها النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجب قضاء كل دين وكل ما ثبت في الذمة من حقوق لله تعالى أو للعبد مع تقديم حق الله ودينه بالقضاء على حق العبد ..

وقد كان الحكم الأول معلوم مبين ..
وكذلك الحكم الثاني معلوم مبين ..

حتى أن البخاري عندما ذكر هذه الأحاديث تنبه إلى مسألة قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون برأي ولا بظن ولا بقياس ..
وقال في تبويب كتابه الصحيح ..
باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكمهما ليفهم السائل ..
ليدفع قول من قال أن ذلك رأي وظن لنفي كونه صلى الله عليه وسلم يبلغ بما لم يؤمر به من الأحكام ..

فمن قال أنه قاس بمعنى أن الحكم الثاني لم يكن مذكوراً فقاس النبي صلى الله عليه وسلم المجهول على المعلوم برأيه وظنه ..

فقد نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم القول على الله بلا يقين وقطع ..
وقد شهد أهل القياس وأهل الظاهر على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الرأي في الدين إلا طائفة قليلة شذت عن الحق في هذا نصرة لإباحة القول بالرأي والظن ..
ولا يلتفت أهل الحق من الطائفتين لقولها لمعارضة النصوص الصحيحة ..

فما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن شيء فيجيب برأيه وظنه البتة في شيء من أحكام الديانة ..
ومن قال بغير هذا فعليه بالبرهان لنصحح دعواه ..
فإن لم يكن له برهان فذلك تقوّل على النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل ..

وقد قال تعالى : { بما أراك الله } ..

وقال عز وجل : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ..

وقال ابن مسعود : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح فسكت حتى نزلت الآية ..

وصح عن جابر بن عبد الله من طريق البخاري يقول ..

مرضت فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان ، فأتاني وقد أغمي علي ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صب وضوءه علي فأفقت ، فقلت : يا رسول الله . كيف أقضي في مالي كيف أصنع في مالي ؟ قال جابر : فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث .

وهذه براهين كالشمس للمنصف الناظر بعين وبصيرة كافية لمن وقف عند ما وقف عليه من كان أفضل من الأئمة الأربعة وداود وابن حزم وكل أحد وهو النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ..

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول برأيه في الدين البتة إلا عن طريق الوحي ..
فبطل أن يكون هذا قياس لمجهول على معلوم كما هو عند أهل القياس ..
بل هو تمثيل بأصل معلوم فيه حكم الله تعالى بأصل آخر معلوم فيه حكم الله ليقرب على السامع ويفهمه ..

فمن كان عنده برهان بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال برأيه فليبرزه لنا لننظر فيه فنقول به أو نجيب عليه إن لم يصح ..

سادساً ..
إذا كانت هذه الأخبار فيها قياس الأولى عند أهل القياس فإن جملتهم يبطلونه كما بين شيخنا أبو محمد بن حزم الظاهري رحمه الله ..

فأي معنى في الاستدلال بهذه الأخبار .. ؟!
فما لنا لا نرى تطبيق هذا الذي سموه قياس الأولى ويستنصرون به في إباحة القياس .. ؟!
فإنهم يبطلون دلالة هذه الأخبار في الفقه في باب الحج والصوم والنذر وديون الله وغيرها .. !
ويقولون ..
حقوق الناس أولى من حق الله .. !
ويقولون قاعدتهم المشهورة ..
حقوق الناس مبناها المشاحة وحقوق الله مبناها المسامحة ..
أي نُقَدِّم حق العباد على حق الله لهذه العلة الباطلة المعارضة لما رود في الأخبار التي احتجوا بها .. !

وقد أجاد شيخنا أبو محمد بن حزم الظاهري في بيان هذا في الإحكام والمحلى ..

وهذا من أعجب ما احتجوا به وأشده فضيحة لأقوالهم وهتكا لمذاهبهم الفاسدة ..
أما الشافعيون والحنفيون والمالكيون فينبغي لهم أن يستحيوا من ذكر حديث الصوم ..
لأنهم مخالفون لما فيه من قضاء الصيام عن الميت .. !
فكيف تواتيهم ألسنتهم بإيجاب القياس من هذا الحديث .. ؟!
وليس فيه للقياس أثر البتة .. !
ويقدمون على خلافه فيقولون : لا يصوم أحد عن أحد ..
أما المالكيون والحنفيون فإنهم زادوا ..
فلا يقولون بقضاء ديون الله تعالى من الزكاة والنذور والكفارات من رأس مال أحد ..
ويقولون ديون الناس أحق بالقضاء من ديون الله تعالى ..
واقضوا الناس فهم أحق بالوفاء ..
وأن ديون الناس من رأس المال ..
وديون الله من الثلث إن أوصى بها وإلا فلا تؤدى البتة لا من الثلث ولا من غيره ..

قال أبو محمد : والله إن الجلود لتقشعر من أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( اقضوا الله فهو أحق بالوفاء ) و ( دين الله أحق أن يقضى ) ..
فيقول هؤلاء المساكين بآرائهم المخذولة تقليدا لمن لم يعصم من الخطأ ولا أتته براءة من الله تعالى بالصواب من أبي حنيفة ومالك وأصحابهما دعوا كلام نبيكم صلى الله عليه وسلم ولا تلتفتوه وخذوا قولنا فاقضوا ديون الناس فدينهم أحق من دين الله تعالى .. !
قال أبو محمد : ما نعلم في البدع أقبح من هذا ولا أشنع منه لأن أهل البدع لم يصححوا الأحاديث فهم أعذر في تركها وهؤلاء يقولون بزعمهم بخبر الواحد العدل وأنه حق لا يجوز خلافه وليس لهم في هذه الأسانيد مطعن البتة ثم يقدمون على المجاهرة بخلافها
والذي لا يشك فيه أن من بلغته هذه الآثار
وصحت عنده ثم استجاز خلاف ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إتباعا لقول أبي حنيفة ومالك فهو كافر مشرك حلال الدم والمال لاحق باليهود النصارى ، وأما من صحح مثل هذا الإسناد وحكم به في الدين ثم قال في هذه لا يصح فهو فاسق وقاح قليل الحياء بادي المجاهرة نعوذ بالله من كلتي الخطتين فهما خطتا خسف ..
ثم تركهم كلهم أن يقيسوا الصوم عن الميت وإن أوصى به على الحج عنه إذا أوصى به وهم يدعون أنهم أصحاب قياس فهم أول من ترك القياس في الحديث الذي احتجوا به مع تركهم لحديث الصوم وقياسهم عليه وهم لا يأخذون به ..
وقال في موضع آخر ..
فإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصام عن الميت ويحج عنه وأخبر أنه دين الله تعالى وهو أحق بالقضاء من ديون الناس فترك ذلك واجب ولا يجوز أن يصام عن ميت ولا يستعمل هذا الحديث فيما جاء يه لكن منه استدللنا على على أن بيع العسل في قيره بعسل في قيره لا يجوز ..
وأن بيع رطل لحم تيس برطلي لحم أرنب لا يجوز ..
وأن رطل قطن برطلي قطن لا يجوز ..
تبارك الله .. !
ما أقبح هذا وأشنعه لمن نظر بعين الحقيقة ..
ونعوذ بالله من الخذلان ..

وقال في محلاه أيضاً ..

وكلهم يقول يحج عن الميت إن أوصى بذلك ثم لا يرون أن يصام عنه وإن أوصى بذلك وكلاهما عمل بدن وللمال في إصلاح ما فسد منهما مدخل بالهدي وبالإطعام وبالعتق فلا القرآن اتبعوا ولا بالسنن أخذوا ولا القياس عرفوا ..

وقال أيضاً ..

قال أبو محمد : ومن عجائب الدنيا احتجاجهم بهذا الحديث في القول بالقياس في تحريم التين بالتين متفاضلا ثم يخالفونه فيما جاء فيه أقبح خلاف فيقولون ..
لا يحج عن ميت ودين الله لا يقضي وديون الناس أحق منه فأي قول أقبح من قول من قال من أهرق خمر اليهودي أو النصراني ومات قضى دين الخمر من رأس ماله أوصى به أو لم يوص ولا يقضي دين الله تعالى في الحج إلا أن يوصى به فيكون من الثلث ..

هذا جواب شيخنا رحمه الله باختصار وجمع ..

هذا ما أوقفنا الله عليه وقد نستدرك عليه أو نضيف ما نسيناه حين تحريره ..
فحسبنا الله ونعم والوكيل لا إله إلا هو عليه نتوكل وهو ولينا ونصيرنا ..
 
أعلى