بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
الشيخ الكريم فؤاد وفقني الله وإياك لكل خير
لا يخفاكم ان مسألة تخصيص العموم بالسبب مسألة مشهورة لكن مراد ابن دقيق العيد هنا التفريق بين تخصيص العموم بالسبب وبين تخصيص العموم بالسياق والقرائن فالأول هو المسألة الخلافية المشهورة عند الأصوليين وفيها التفصيل المشهور والجمهور على ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب بعد اتفاق الجميع على دخول السبب في الحكم ودخول أقل ما يطلق عليه اللفظ .
أما مسألة تخصيص العموم بالسياق فهذه مسألة أخرى وهي التي أشار إليها ابن دقيق العيد ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن دقيق عند شرح حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال: "ما هذا؟" قالوا: صائم, قال: " ليس من البر الصيام في السفر "
قال ابن دقيق العيد رحمه الله : ( أخذ من هذا: أنه كراهة الصوم في السفر لمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم ويشق عليه أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من القربات ويكون قوله: "ليس من البر الصيام في السفر", منزلا على مثل الحالة والظاهرية المانعون من الصوم في السفر يقولون: إن اللفظ عام والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ويجب أن تتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن الدالة على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم وبين مجرد ورود العام على السبب لا يقتضي التخصيص به كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} بسبب سرقة رداء صفوان وأنه لا يقتضي التخصيص به بالضرورة والإجماع أما السياق والقرائن: فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه وهي المرشدة إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات فاضبط هذه القاعدة فإنها مفيدة في مواضع لا تحصى وانظر في قوله عليه السلام: "ليس من البر الصيام في السفر" مع حكاية هذه الحالة مع أي القبيل هو؟ فنزله عليه ) إحكام الأحكام ( 1 / 273 )
ومما يدخل في القرائن الجمع بين الأحاديث عند التعارض كما صنع الشافعي في حديث بئر بضاعة ، ومن أمثلة ذلك ايضا حديث النهي عن قتل النساء حينما رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة لا يدخل في ذلك قتل المرتدة لحديث " من بدل دينه فاقتلوه " .
وما قرره ابن دقيق من التخصيص بسبب القرائن قد ذكره الباقلاني وأبو الحسين البصري والفخر الرازي والزركشي وغيرهم
أما حديث " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ففيه عمومان :
العموم الأول : الطهور ماؤه وهذا الذي يجري فيه الخلاف .
الثاني : الحل ميتته وهذا خارج عن محل النزاع فهو يفيد العموم عند الجميع لأنه مستقل مبتدأ ولم يسأل عنه في السؤال المذكور .
وأما العموم الأول وهو قوله : " الطهور ماؤه " فهل هو مستقل عن السؤال اولا ؟ بمعنى هل يمكن الابتداء به بدون السؤال فيفيد بنفسه اولا؟
بعض الأصوليين يرى انه غير مستقل لوجود الضمير وهو ما ذهب إليه الباقلاني في موضع واختار أكثر الأصوليين أنه مستقل والضمير هنا ضمير الشأن ومن شأنه صدر الكلام وإن لم يتعلق بما قبله وقد رجع القاضي في موضع آخر فجعله مما يستقل وهو اختيار الغزالي وابن برهان والرازي والآمدي والزركشي وغيرهم ، بل نقل بعضهم انه يحمل على العموم بلا خلاف كابن فورك والرازي في المحصول والصواب انه داخل في النزاع كما سبق لكن الأكثر على أنه يحمل على عمومه .
وادلة ترجيح قول الجمهور في مثل هذه الحالة كثيرة لا تخفى ولا اظنها محل سؤال الشيخ فؤاد فيما يظهر لكن من اقوى ما يستدل به على ذلك:
1 - أن النبي صلى الله عليه وسلم استدل بعمومات النصوص ولم يقتصر فيها على السبب .
2 - وكذلك الصحابة رضي الله عنهم حملوا النصوص على عمومها في كثير من المسائل ولم يقصروها على أسبابها .
3 - أن عدول الشارع عن الجواب الخاص إلى الجواب العام يدل على انه يريد العموم والقرآن نزل بلسان عربي مبين والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق وأعلمهم وأنصحهم فإذا أجاب بالعموم علم أن هذا مراده .