العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في شرح نهج الطالب في الفقه الشافعي ( كتاب الصوم).

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,627
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
كتابُ الصَّوْم



تعريف الصوم:

الصَّوْم والصِّيَام مصدران للفعل >صَامَ<؛ يقال: >صَامَ يَصُومُ صَوْمًا وصِيَامًا<.

ومعناهما لغة: الإمساك مطلقًا ولو عن نحو الكلام، ومنه قوله تعالى حكاية عن مريم: ﴿إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡمٗا فَلَنۡ أُكَلِّمَ ٱلۡيَوۡمَ إِنسِيّٗا﴾.

وشرعًا: إمساك عن المفطِّر بوجه مخصوص.

والمقصود بكونه بوجه مخصوص: أنه يكون في زمن مخصوص وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، بنية مخصوصة كأن ينوي الصيام عن رمضان أو عن كفارة مثلًا، من شخص مخصوص وهو المسلم العاقل الطاهر عن الحيض والنفاس.

حكم صوم رمضان:

فُرض صوم رمضان في شعبان في السنة الثانية من الهجرة، والأصل في وجوبه قبل الإجماع آية ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ﴾ وخبر الصحيحين: >بُني الإسلام على خمس< وذكر منها صوم رمضان.

وهو معلوم من الدين بالضرورة فيكفر جاحده، إلا أن كان قريب عهد بالإسلام أو نشأ بعيدًا عن العلماء.

ومن تركه غير جاحد لوجوبه من غير عذر حبسه الحاكم ومن ينوب عنه، ومُنع من الطعام والشراب نهارا؛ ليحصل له صورة الصوم؛ ولأنه إذا عرف أنه يعامل بذلك نوى من الليل فتحصل له حقيقة الصيام.

ثبوت شهر رمضان:

يجب صوم رمضان إما بسبب عام، وإما بسبب خاص، فالسبب العام يلزم به جميع المكلَّفين صيامه، والسبب الخاص يلزم من علم به بمفرده دون أن يلزم بقية الناس.

· فالأسباب العامة هي:

الأول: علم الهلال، إما بالتواتر بأن رآه عدد يحصل العلم الضروري برؤيتهم ولو من كفار، وإما بالآحاد إذا اجتمعت الشروط التالية:

١- أن يكون بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من شعبان.

٢- أن تكون الرؤية ممكنة؛ فإن استحالت الرؤية إما لكون السماء غائمة تتعذر معها الرؤية، وإما لكون الحساب الفلكيّ يقطع بشكل يقيني لا ظني بعدم إمكانها في ذلك الوقت، فمن ادعى رؤية في وقت عدم إمكانها لم تقبل شهادته.

٣- أن يشهد بالرؤية رجل حرّ عدل -بأن لا يُعرَف منه مفسِّق-؛ فلا تقبل شهادة امرأة أو عبد أو فاسق، ولا بد أن يأتي بلفظ فيه مادة الشهادة كأن يقول: >أَشْهَدُ أني رأيتُ الهلال<، ولا يكفي: >رأيتُ الهلال<.

٤- أن يحكم الحاكم برؤية الهلال بناء على تلك الرؤية كأن يقول: >حكمتُ بثبوت هلال رمضان<.

الثاني: استكمال شعبان ثلاثين يومًا إن لم تثبت الرؤية قبله، والأمارات الدالة على دخول رمضان في حكم الرؤية فيجب على الناس الصوم بها، كإيقاد القناديل المعلقة بالمنائر، وضرب المدافع والطبول ونحو ذلك مما جرت به العادة.

· والأسباب الخاصة هي:

الأول: أن يراه بنفسه، ولو لم يأخذ الحاكم برؤيته كأن كان فاسقًا.

الثاني: أن يخبره برؤيته له عدل أو من يقع في القلب صدقه، كأن لم يجرب عليه كذبًا من زوجة، أو جارية، أو صبي، أو فاسق، بل وكافر([1]).

الثالث: علمه بالحساب بأن يعتمد منازل القمر وتقدير سيره لمعرفة دخول شهر رمضان، أو بالنظر في النجوم. ولا يجوز أن يثبت شهر رمضان على عامة الناس بالأمارات الظنية المبنية على الحساب الفلكي والنظر في النجوم، ولكن الحاسب والناظر في النجوم يجب عليه الصوم باعتقاد نفسه دخول رمضان، وكذا من اعتقد صدقه من الناس فيجب عليه الصوم.

الرابع: ظن دخول بالاجتهاد عند الاشتباه؛ فلو اشتبه عليه رمضان بغيره لنحو حبس اجتهد، فإن ظن دخوله بهذا الاجتهاد صام، فإن تبين له وقوع صومه في رمضان أجزأه، أو قبله فيقع نفلًا ويلزمه الصيام في وقته، أو بعده فيقع قضاءً عن رمضان، ولا إثم فيه.

فلو اجتهد وتحيَّر فلم يظهر له شيء لم يلزمه الصوم.

وإن صام من غير اجتهاد لم يُجزِه؛ لتردُّده في النيّة وإن وافق رمضانَ.

اختلاف المَطالع:

اعلم أنه متى ثبت رؤية هلال رمضان في محلّ لزم الصوم جميع أهل ذلك المحل، وكذا من اتحد معهم في مطلعهم وإن لم يروه بأنفسهم؛ لوجوب الاعتماد على رؤية من سبقهم في الرؤية.

وأما من اختلف مطلعهم عن محل الرؤية فلا يلزمهم الصوم؛ لأنه لا يلزم من طلوع الهلال في بلد طلوعه في بلد آخر إذا بعدت المسافة بينهم كما هو مشاهد.

· واتحاد المحلين مطلعًا يتحقق بأن يتحدا في مطلع الشمس وفي غروبها، كبغداد والكوفة.

· واختلاف المطالع يكون بتقدم طلوع الشمس وغروبها في محل على محل آخر، كالمدينة المنورة ودمشق.

ويرجع في اتحاد المطالع واختلافها إلى الحُسَّاب والمنجِّمين، ولا يضرّ ذلك؛ لأنَّه من الأمور الخاصَّة التابعة دون العامّة المستقلَّة التي أُلغِي قولهم فيها([2]).

واختلاف المطالع -كما قال بعضهم- لا يمكن أن يحصل في أقلّ من 24 فرسخًا تحديدًا (120،96 كيلو).

وقدّره بعض المعاصرين بالوقت فقال: لا يوجد بين بلدين إلا إذا كان بين غروبهما في أيّ يوم من السنة وقت يزيد على 32 دقيقة.

〇 ويترتب على ذلك مسائل:

الأولى
: من سافر من المحل الذي رُئي فيه الهلال إلى محل يخالفه في المطلع لزمه موافقة أهله في آخر الصوم.

مثال: سافر شخص من المدينة المنورة وقد صاموا يوم الجمعة إلى الشام وقد صاموا يوم السبت، فبقي معهم إلى أن عيّدوا وقد صاموا 30 يومًا؛ فيجب عليه أن يفطر معهم وإن لزم أنه سيصوم 31 يومًا؛ لأنه بانتقاله إلى بلد صار واحدًا منهم فيلزمه حكمهم.

الثانية: لو عيّد في بلده ثم سافر إلى محل آخر فوجد أهله صائمين أمسك معهم.

مثال: سافر شخص من المدينة المنورة وقد عيّد فيها لرؤيتهم هلال شوال إلى الشام فوجد أهلها صائمين؛ فيجب عليه أن يمسك عن الطعام والشراب معهم إلى غروب الشمس وإن كان قد أتم صيام 30 يومًا؛ لأنه صار بالانتقال إليهم واحدًا منهم.

الثالثة: لو صام في محل ثم سافر إلى محل آخر فوجد أهله قد عيّدوا أفطر معهم.

مثال: سافر شخص من الشام وكان صائمًا لعدم تمام رمضان عندهم إلى المدينة فوجدهم قد عيّدوا؛ فيفطر معهم.

وهنا ننظر: إن كان قد صام 30 يوماً أو 29 يومًا في بلده فلا قضاء عليه، وإن كان قد صام 28 يومًا فعليه قضاء يوم؛ لأن رمضان لا يكون أقل من 29 يومًا.

〇 مسألة: لا أثر لرؤية الهلال نهارًا. فلو صام شخص 30 يومًا وفي نهار الثلاثين رأى الهلال فلا يفطر سواء رأى الهلال قبل الزوال أم بعده، وكذلك لو رأى الهلال نهار الثلاثين من شعبان فلا يمسك بقية اليوم.



* * *

خلاصة الباب



الصوم لغة: الإمساك، وشرعًا: إمساك عن المفطّر بوجه مخصوص.

ويجب صوم رمضان إما بسبب عام، وإما بسبب خاص.

فالأسباب العامة هي: الأول: علم الهلال، إما بالتواتر بأن رآه عدد يحصل العلم الضروري برؤيتهم ولو من كفار، وإما بالآحاد إذا اجتمعت الشروط التالية: ١- أن يكون بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من شعبان. 2-أن تكون الرؤية ممكنة. ٣- أن يشهد بالرؤية رجل حر عدل. ٤- أن يحكم الحاكم برؤية الهلال. الثاني: استكمال شعبان ثلاثين يومًا.

والأمارات الدالة على دخول رمضان في حكم الرؤية، فيجب على الناس الصوم بها.

والأسباب الخاصة هي: الأول: أن يراه بنفسه. الثاني: أن يخبره بالرؤية إما موثوق به، أو من يقع في القلب صدقه. الثالث: علمه بالحساب. الرابع: ظن دخول بالاجتهاد عند الاشتباه.

ومتى ثبت رؤية هلال رمضان في محل لزم الصوم جميع أهل ذلك المحل، وكذا من اتحد معهم في مطلعهم، وأما من اختلف مطلعهم عن محل الرؤية فلا يلزمهم الصوم.

ويترتب على ذلك مسائل: الأولى: من سافر من المحل الذي رئي فيه الهلال إلى محل يخالفه في المطلع لزمه موافقة أهله في آخر الصوم. الثانية: لو عيّد في بلده ثم سافر إلى محل آخر فوجد أهله صائمين أمسك معهم. الثالثة: لو صام في محل ثم سافر إلى محل آخر فوجد أهله قد عيّدوا أفطر معهم.

ولا أثر لرؤية الهلال نهارًا.



* * *



تعليقات على النص



كِتَابُ الصَّوْمِ

يَجِبُ رَمَضَانُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ، أَوْ عِلْمِ الهِلَالِ، أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ، فَإِنْ رُئِيَ بِمَحَلٍّ لَزِمَ القَرِيبَ وَهُوَ مَا اتَّحَدَ مَطْلَعُهُ مَعَهُ، فَإِنْ سَافَرَ إِلَى بَعِيدٍ وَافَقَ فِي الصَّوْمِ آخِرًا، فَلَوْ عَيَّدَ ثُمَّ وَصَلَ أَمْسَكَ، أَوْ عَكْسُهُ عَيَّدَ وَقَضَى يَوْمًا إِنْ صَامَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، وَلَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا، وَلَوِ اشْتَبَهَ اجْتَهَدَ: فَإِنْ وَافَقَ أَوْ تَأَخَّرَ أَجْزَأَ وَإِلَّا لَزِمَهُ.




(كِتَابُ الصَّوْمِ) هو لغةً: الإمساك، وشرعًا: إمساك عن المفطِّر على وجه مخصوص، والأصل في وجوبه قبل الإجماع آية: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ﴾، وخبر: >بني الإسلام على خمس<.

(يَجِبُ رَمَضَانُ) أي: صومه (بِكَمَالِ شَعْبَانَ) ثلاثين يومًا (أَوْ عِلْمِ الْهِلَالِ) بأن رآه أو أخبره به عدد التواتر أو عدلٌ أو مَن اعتَقد صدقَه وإن كان فاسقًا، أو ظنَّه بحساب أو تنجيم، أو غلَب على ظنه صدقُ مُخْبِره بالحساب أو التنجيم (أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ) ولو مستورًا غير مزكًّى بأن لم يُعرَف له مفسِّق ولا خارمُ مروءة؛ احتياطًا للصوم، فيشهد عند القاضي برؤية الهلال ليلة الثلاثين من شعبان ثم يحكم القاضي بدخول رمضان، فيجب صومه حينئذ على العموم.

(فَإِنْ رُئِيَ) الهلالُ (بِمَحَلٍّ لَزِمَ) حكمُه (الْقَرِيبَ) منه (وَهُوَ) أَي: القريب (مَا اتَّحَدَ مَطْلَعُهُ مَعَهُ) بخلاف البعيد، وهو ما اختلف مطلعه معه، ويُرجَع في ذلك إلى قول الحُسَّاب والمنجِّمين، ولا يضرّ ذلك؛ لأنَّه من الأمور الخاصَّة التابعة دون العامّة المستقلَّة التي أُلغِي قولهم فيها، وقد نبَّه التاجُ التِّبْرِيزِيُّ على أنّ اختلاف المطالع لا يمكن في أقلّ من أربعة وعشرين فرسخًا، والأوجَه أنّها تحديديّة كما أفتى به الشِّهَابُ الرَّمْليّ.

(فَإِنْ سَافَرَ) الشَّخصُ الّذي صام في ذلك المحلِّ الَّذي رُئي فيه الهلال (إِلَى بَعِيدٍ) منه وهو ما اختلف مطلعه معه (وَافَقَ) أهلَه (فِي الصَّوْمِ آخِرًا) وإن كان قد أتمَّ ثلاثين؛ لأنّه بالانتقال إليهم صار منهم (فَلَوْ عَيَّدَ) قبل سفره (ثُمَّ وَصَلَ) بعده (أَمْسَكَ) معهم وإن أتمَّ العدد ثلاثين؛ لأنّه صار منهم (أَوْ عَكْسُهُ) بأن سافر من البعيد إلى محلِّ الرؤية (عَيَّدَ) معهم سواء صام ثمانية وعشرين بأن كان رمضانُ عندهم ناقصًا فوقع عيدهم تاسعَ عشرين من صومه، أم صام تسعة وعشرين بأن كان رمضانُ تامًّا عندهم (وَقَضَى يَوْمًا إِنْ صَامَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ) فقط؛ لأنّ الشهر لا يكون كذلك، فإن صام تسعة وعشرين فلا قضاء؛ لأنّ الشهر يكون كذلك.

(وَلَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ) أي: الهلالِ (نَهَارًا) فلو رُئي يوم الثّلاثين ولو قبلَ الزّوال لم يُفطِر إن كان في ثَلاثِي رمضانَ، ولا يُمْسِك إن كان في ثَلاثِي شعبانَ (وَلَوِ اشْتَبَهَ) شهرُ الصَّوم عليه (اجْتَهَدَ) بأمارة كخَريف أو حَرٍّ أو برد (فَإِنْ وَافَقَ) صومُه الشّهر (أَوْ تَأَخَّرَ) عنه (أَجْزَأَ) ووقع في الأُولى أداءً وفي الثَّانية قضاءً (وَإِلَّا) بأن لم يوافِق ولم يتأخّر بل سبَق صومُه الشهر (لَزِمَهُ) الصّوم، فإن أدركه صامه وإلّا قضاه وجوبًا، فلو اجتهد وتحيَّر فلم يظهر له شيء لم يلزمه الصوم، فإن صام من غير اجتهاد لم يُجزِه؛ لتردُّده في النيّة وإن وافق رمضانَ.



* * *





([1]) هذا إذا اعتقد صدقهم، أما إذا ظن ذلك من غير اعتقاد تسكن له النفس فيجوز الصوم ولا يجب.
([2]) يقصد أنه سيقال: لِمَ قُبل قولهم هنا في تحديد المطلع ولم يُقبَل قولهم في الهلال؟، فيجاب بأنه أمرٌ تابعٌ للصوم لا مستقلٌّ، وخاصٌّ يحتاج لخبرة لا عامٌّ يعرفه الناس بالمشاهدة كالهلال.
 

علي مجدي علي

:: متابع ::
إنضم
29 نوفمبر 2020
المشاركات
10
الجنس
ذكر
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعي
جزاكم الله خيراً، وأثابكم الله.
زادكم الله توفيقاً.

واصل وصلكم الله بوصله
 

علي مجدي علي

:: متابع ::
إنضم
29 نوفمبر 2020
المشاركات
10
الجنس
ذكر
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعي
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ، شيخنا صفاء الدين العراقي
بالنسبة لتعريف الصيام شرعا ، هل جملة وجه مخصوص شاملة النية المخصوص والشخص المخصوص ، ام لا بد من الزيادة هذه في التعريف ؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,627
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
نعم شاملة والتعاريف تبنى على الاختصار.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,627
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
أركان الصَّوْم​



للصوم ثلاثة أركان: النية، والإمساك عن المفطّرات، والصائم([1]).

الركن الأول: النيّة:

أي: قصد الصوم، وهي ركن في كل صوم فرضًا كان أم نفلًا لقوله ﷺ: >إنما الأعمال بالنيات<، متفق عليه.

· ويشترط فيها ما يلي:

١- أن تكون لكل يوم من أيام الصيام؛ فلا تكفي نية عامة لجميع شهر رمضان([2])؛ لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة. فلو نوى أول ليلة من رمضان صوم الشهر كله لم تكف لغير اليوم الأول.

٢- التبييت في صوم الفرض: ولو نذرًا أو قضاءً أو صوم استسقاء أمر به الإمام، وهو: إيقاع النية ليلًا في أيّ جزء منه من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ولو أثناء صلاة المغرب. فلو قارنت النية الفجر لم يصح صومه؛ لعدم التبييت؛ وذلك لخبر أبي داود والنسائي: >من لم يبيّت الصيام قبل الفجر فلا صيامَ له< أي: صحيحَ، كما هو الأصل في النفي من توجّهه إلى الحقيقة.

والتبييت شرط ولو لصبي صغير أراد الصوم؛ فلا يصح صومه بدون تبييت.

· وأما في صوم النفل فلا يشترط التبييت بل يمتدّ وقتها إلى قبل زوال الشمس، بشرط عدم منافٍ للصوم كأكل وشرب وجماع؛ فلو نام شخص واستيقظ في الحادية عشر صباحًا ونوى الصوم اليوم تطوعًا لله صحّ صومه، لكن إن كان قد أكل أو شرب قبل النية فلا يصح الصوم، وكذا لا يصح الصوم لو نوى بعد الزوال. وذلك لحديث عائشة i قالت: >كان النبي ﷺ يأتيني فيقول: أعندكِ غَداء؟ فأقول: لا، فيقول: إني صائم<، رواه الترمذيّ وقال: >هذا حديث حسن<. والغَداء -بفتح الغين- اسم لما يُؤكَل قبل الزوال، والعَشاء اسم لما يُؤكَل بعده.

٣- التعيين في صوم الفرض: بأن ينوي أن يكون عن رمضان، أو كفارة، أو نذر. وخرج بالفرض النفل؛ فلا يجب التعيين فيه، بل يصح بنية مطلقة بأن يقول: >نويتُ الصوم غدًا لله تعالى<.

· وأكمل النية أن يقول: >نويتُ صومَ غدٍ عن أداء فرضِ رمضانِ هذه السنةِ إيمانًا واحتسابًا لوجه الله الكريم<. وأما أقل النية فهو أن يقول: >نويتُ صوم رمضان<، أو >نويتُ الصوم عن رمضان<؛ فلا تجب نية الغد، ولا الأداء، ولا الفرضية، ولا تعيين السنة، ولا الإضافة لله تعالى.

٤- ألّا يأتي بعدها بمنافٍ لها: كرفضها ليلًا، أي: أن يقطع نيته ولا يريد الصوم؛ فحينئذ لا تكفي لو صام ولا بد من تجديدها ليلًا، وكذا لو نوى الصيام ثم ارتدّ -والعياذ بالله- ثم عاد إلى الإسلام؛ فيجب تجديد نية الصيام.

〇 مسألتان:

الأولى
: تصح النية في الليل وإن أتى بعدها ليلًا بما ينافي الصوم أي: بمفطِّر، كأن نوى في نصف الليل صوم غد، ثم أكل بعدها أو شرب أو جامع قبل الفجر؛ فهذا لا يضر النية ولا يحتاج لتجديدها. وكذا لو نام بعد النية ثم تنبّه ليلًا، فلا يجب التجديد؛ لأن النوم ليس منافيًا للصوم.

ولو نوت الحائض حال حيضها صوم الغد وهي تعلم أن دم الحيض سينقطع قبيل الفجر كأن مضى أكثر الحيض وهو 15 يومًا، أو كانت تعلم قدر عادتها كل شهر وأنه سينقطع، فتصح نيتها ولا يجب تجديدها. فإن لم يمض أكثر الحيض ولا قدر العادة منه ليلًا لم يصح صومها وإن انقطع الدم؛ لأنها لم تجزم بالنية ولم تبن على أصل تعتمد عليه.

الثانية: لا أثر للتردد الذي قد يكون في النفس ليلة الثلاثين من رمضان في صحة النية والصوم على اعتبار أن الشهر قد يكون 29 يومًا، فلو قال شخص ليلة الثلاثين من رمضان: >أصوم غدًا إن كان من رمضان< صحّ؛ لأن الأصل بقاء رمضان.

وهذا بخلاف ما لو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صيام غد؛ فلو قال شخص ليلة الثلاثين من شعبان: >أصوم غدًا إن كان من رمضان< لم يصح صومه إن بان أنه من رمضان؛ لانتفاء الأصل الذي يستصحبه، مع عدم الجزم بالنية.

ويستثنى ما لو قال ذلك ظنًّا في نفسه لخبر من يظن صدقه كعبد وامرأة وفاسق؛ فإنه يجوز حينئذ الصوم، ولا يجب لما تقدم من أن الوجوب مخصوص بما إذا اعتقد صدق مَن ذكر.

الركن الثاني: الإمساك عن مفطِّر:

والمفطّرات هي:

١- الجماع: وهو إدخال الحَشَفَة أو قدرِها مِن فاقدها، في فرج ولو دبرًا، مِن آدميٍّ أو غيرِه، أنزل أم لا.

· وإنما يكون مفطّرًا للصائم بشروط هي:

أ- أن يكون ذاكرًا لصومه: فيجامع عن عمد، بخلاف الناسي لصومه؛ فلا يفطر؛ لخبر الصحيحين: >من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتمّ صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه<، وفي رواية صححها ابن حبان وغيره: >ولا قضاء عليه<. فقد نص على الأكل والشرب، فعُلم غيرهما بالأَوْلى.

ب- أن يكون عالمًا بالتحريم: بخلاف الجاهل المعذور بجهله بأن كان حديث عهد بإسلام أو نشأ بعيدًا عن العلماء. وأما غير المعذور بجهله فيفطر.

ج- أن يكون مختارًا، بخلاف المكرَه على الوطء؛ فلا يفطر.

· واعلم أنّ كون المكرَه على الجماع لا يفطر مقيَّد بقيدين:

أ- كون الإكراه بغير حق: بخلاف ما لو أكره به زوجته أو جاريته في صيام نفل؛ فإنها تفطر به.

ب- كونه على غير الزنا: بخلاف ما لو أكره على الزنا؛ فإنه يفطر؛ لأن الإكراه على الزنا لا يبيحه بخلافه على الأكل ونحوه فإنه يجعله مباحًا.

٢- الإنزال: أي: خروج المنيّ، إما باستمناء مطلقًا، أو بمباشرة على تفصيلٍ حاصلُه:

· إن كان الإنزال بالاستمناء أي: بطلب خروج المني سواء كان بيده، أو يد زوجته، أو بغيرهما، بحائل أو لا.. أفطر مطلقًا.

· إن كان الإنزال باللمس فتارة يكون الملموس مما تشتهيه الطباع السليمة -وهن النساء- أو لا؛ فإن كان مما لا تشتهيه الطباع السليمة كالأمرد الجميل.. فلا يفطر مطلقًا أي: سواء كان اللمس بشهوة أم لا، بحائل أم لا.

· وأما إذا كان الإنزال بلمس ما يشتهى طبعًا فتارة يكون الملموس محرَّما وتارة لا؛ فإن كان محرَّما -كالأخت وأمّ الزوجة- ولمسها بشهوة وبلا حائل.. أفطر بالإنزال، وإلا فلا يفطر به كأن لمسها بلا شهوة فأنزل، أو لمسها بشهوة مع حائل فأنزل.

· وأما إذا كان غير محرَّم -كزوجة وأجنبية- فإن لمسها بحائل فلا يفطر وإن كان بشهوة، وإن كان بغير حائل فيفطر بالإنزال سواء لمسها بشهوة أم لا.

〇 وهنا مسائل:

الأولى
: يحرم على الصائم صيام فرض مباشرة المرأة بنحو لمس ومعانقة وتقبيل إذا خيف منه إنزال ومع ذلك فصيامه صحيح إذا لم ينزل.

الثانية: لا يفطر بسبب نزول المني بالاحتلام.

الثالثة: إذا أنزل بسبب نظره أو فكره لم يفطر، إلا إذا علم أنه ينزل بسبب ذلك النظر والفكر بأن جرت عادته بالإنزال بهما، فإنه يفطر؛ لأن ذلك في معنى طلب خروج المني. ولو أحس بانتقال المني وتهيئه للخروج بسبب استدامة النظر فاستدامه حتى أنزل.. أفطر.

٣- الاستقاءة: أي: طلب خروج القيء مع خروجه بالفعل؛ فإن طلب خروج القيء بدون خروجه من جوفه بالفعل فلا يفطر، بخلاف من غلبه القيء فقاء.. فلا يفطر؛ لخبر أبي داود: >من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض<. ويجب عليه أن يغسل فمه بعد القيء ويبالغ في المضمضة حتى ينغسل جميع ما في فمه، ولا يبطل الصوم في حالة أن غلبه القيء وسبقه ماء المضمضة إلى الجوف بدون تعمد؛ لأن إزالة النجاسة مأمور بها.

· وأما النخامة وهي: ما يخرج من صدر الإنسان أو خيشومه من البلغم عند التنحنح، فقلعها أي: إخراجها من محلها الأصلي، ومجّها أي: إخراجها من الفم لا يفطر الصائم.

وأما ابتلاع النخامة فيبطل الصوم بها إذا تحقق ما يلي:

أ- أن تصل إلى حد ظاهر الفم: وأول ظاهر الفم من الشفتين، وآخره مخرج الحاء من الحلق. أما إذا لم تصل إلى الظاهر كأن وصلت إلى مخرج الهمزة فابتلعها.. فلا يفطر.

ب- أن تجري نازلة إلى الجوف، مع القدرة على مجها: بخلاف ما لو سبقت نازلة ولم يقدر على مجها.

فإذا وصلت النخامة إلى ظاهر الفم ثم نزلت إلى الجوف مع تمكنه من مجها فيبطل صومه؛ لتقصيره.

٤- وصول عين يمكن الاحتراز عنها، إلى ما يسمَّى جوفًا، من منفذ مفتوح عرفًا.

· فقولنا: >عين<: يشمل المأكول ولو قليلًا كحبة سمسم، وغير المأكول كخيط أو حصاة.

وخرج بالعين الأثر؛ فلا يضر وصول الريح بالشمّ إلى الدماغ، ولا وصول الطعم بالذوق إلى الجوف بدون وصول عين من ذلك المذوق. ولا يضر الدخان الذي فيه رائحة البخور أو غيره إذا دخل الجوف؛ لأنه ليس عينًا.

وأما دخان التتن فهو مفطر؛ لأنه يتولّد منه عين؛ إذ أنّ له أثرًا يحسّ كما يشاهد في باطن الآلة التي يشرب بها.

· وقولنا: >يمكن الاحتراز عنها<: يخرج ما لا يمكن الاحتراز عنها كغبار الطريق، وما يمكن أن يدخل للجوف عند غربلة الدقيق.

مثل ذلك ابتلاع ريق نفسه بشرط أن يكون:

أ- خالصًا غير مختلط بغيره كصبغ وحبر مثلًا.

ب- طاهرًا غير مختلط بنجس كدم([3])؛ فلا بد من غسل فمه بالماء وإن نقاه من الدم؛ وذلك حتى يزيل النجاسة.

ج- مِن معدنه؛ فاللسان والفم كله معدن. أما لو ابتلع الريق الذي وصل حمرة الشفاه فيبطل صومه.

فلا بد من توافر هذه الشروط في الريق حتى لا يضر. وأما ابتلاع ريق غيره كزوجة فإنه يفطر به؛ لأنه عين داخلة إلى جوف.

· وقولنا: >إلى ما يسمَّى جوفًا<: أي: أن يكون مجوَّفًا من الداخل كالمعدة، والرأس أي: تجويف الجُمْجُمة، والمريء، وباطن الأذن، والإحليل، والدبر، والمثانة.

قال في المختار: >والإحليل: مخرج البول، ومخرج اللبن من الضرع والثدي<.

فما دخل الفم وجاوز الحلق بوصوله إلى مخرج الهمزة والهاء أفطر به، ولو لم يستمر نازلًا إلى المعدة، كأن أدخل خيطًا أو أدخل الطبيب نحو ناظور للفحص.

ولو أدخل ميلًا في إحليل ذكره.. أفطر به ولو لم يتجاوز الحشفة.

ولو وصل شيء إلى الرأس عن طريق الأنف بالاستعاط وغيره كماء أو دواء.. أفطر به.

ولو أدخل أصبعه في دبره أثناء الاستنجاء.. أفطر به. وضابط الدخول المفطر هنا: أن يجاوز الداخلُ ما لا يجب غسله في الاستنجاء، بخلاف ما يجب غسله في الاستنجاء؛ فلا يفطر إذا أدخل أصبعه قليلًا ليغسل الطيات التي فيه.

وخرج به ما لا يسمّى جوفًا؛ فإذا وصلت إليه عين فإنه لا يفطر به، كما لو أدخل إبرة في جلده، أو غرز سكيّنًا فوصلت إلى مخ ساقه، فلا يفطر؛ لأنه لا يعدّ عضوًا مجوّفًا.

· وقولنا: >من منفذ مفتوح<: كالفم والأنف، بخلاف غير المفتوح؛ فلا يضر وصول الماء إلى الجوف بتشرب المسام كما يحصل عند الاستحمام ولو أحس ببرودة في جوفه.

· وقولنا: >عرفًا<: أي: انفتاحًا ظاهرًا يُدرَك بالعين، واحترز به عن نحو العين الباصرة فإنها وإن كانت من حيث التشريح الطبيّ مفتوحة تصل إلى الجوف إلا أن انفتاحها ليس ظاهرًا. فلو اكتحل في عينه فلا يضر ولو وجد طعمه في الحلق، أو قطر في عينه فوجد طعمه في الحلق؛ لأن انفتاح العين ليس انفتاحًا ظاهرًا في الحس.

ومن هذا القبيل الحقنة في العضلة والوريد ولو كانت مغذّية، فإنها لا تضر؛ لأنها لا تدخل من منفذ مفتوح، كما أن العضل والوريد لا يسمَّى جوفًا.

تنبيه: حصول الفطر بالجماع والإنزال والاستقاءة ودخول العين إلى الجوف إنما يكون إذا كان ذلك مع العمد والاختيار والعلم بالتحريم في الكل؛ فإن فقد شرط منها فلا فطر؛ فلو أكل ناسيًا مثلًا قليلًا كان المأكول أو كثيرًا لم يفطر وأتم صيامه. لكن لا يعذر الجاهل إلا إن قرب عهده بالإسلام ولم يكن مخالطًا لأهله بحيث لم يعرف منهم أن ذلك لا يفطر، أو نشأ ببادية أو بلدة بعيدة عن العلماء بحيث لا يستطيع النقلة إليهم.

〇 مسائل:

الأولى
: لو سبق ماء إلى الجوف بفعل غير مأمور به أفطر.

مثال: لو توضأ وأثناء المضمضة أو الاستنشاق دخل الماء إلى جوفه؛ فإن كان بالغ فيهما فقد أفطر؛ لأن هذه المبالغة غير مأمور بها بل قد نهي عنها في أثناء الصوم، بخلاف ما لو سبق الماء بدون مبالغة.

مثال: اغتسل شخص لجنابة أو جمعة فغسل أذنيه فسبق الماء إلى الجوف؛ فلا يفطر؛ لأن ذلك الماء دخل بسبب فعل واجب أو مسنون، بخلاف ما لو دخل بغسل تبرّد أو تنظيف، فإن ذلك مباح لا مأمور به فيفطر به.

الثانية: إنما يحل الفطر عند اشتباه غروب الشمس باجتهاد. بمعنى أن نهاية الصوم إنما تكون بغروب الشمس، فإذا علم غروب الشمس برؤيتها غاربة، أو علم وقت غروبها بنحو ساعة أو أذان فقد حل له الإفطار، ولكن إذا اشتبه عليه الحال فحينئذ عليه أن يتحرى ويجتهد بوسيلة ما وبعدها يفطر.

مثال: أن يكون له ورد يعتاده بين العصر والمغرب من قراءة أجزاء من القرآن أو أذكار، فإذا انتهى منها تكون الشمس قد غربت؛ فحينئذ في اليوم الذي اشتبه عليه الحال لنحو غيم أو غيره إن أتم ورده في الوقت المعتاد يكون قد غلب على ظنه أن الشمس قد غابت؛ فيحل له الإفطار.

مثال: أن يكون خيّاطًا مثلًا وقد اعتاد أن يخيط بين العصر والمغرب ثوبًا؛ فإنه إذا خاط الثوب يغلب على ظنه أن المغرب قد حان.

ولا يفطر بدون تحرّ ولو ظن الغروب؛ لأن الأصل بقاء النهار، فيحرم عليه أن يهجم على الطعام جزافًا بلا تحرّ.

ثم إذا أفطر وتبيّن غلطه وأن الشمس لم تغرب وجب عليه القضاء، وإذا بان صوابه أو لم يبن شيء صحّ صومه.

الثالثة: يجوز السحور بدون تحرٍّ ولو مع الشك في طلوع الفجر. وذلك لأن الأصل بقاء الليل، ولا يزول إلا بدليل يدل على طلوع الفجر، وهذا الدليل لم يوجد. نعم، إذا أخبره عدل بطلوع الفجر لزمه الإمساك.

ثم إذا تبين الحال وظهر له غلطه فقد بطل صومه ووجب عليه القضاء، وإذا بان صوابه أو لم يبن شيء صح صومه.

الرابعة: يصح صوم من طلع عليه الفجر وهو يجامع إذا نزع فورًا بقصد ترك الجماع حال الطلوع؛ فإن استدام وجب عليه القضاء والكفارة.

وقولنا: >بقصد ترك الجماع<: يخرج ما لو نزع بقصد التلذذ فيفطر به، ولا يضر لو نزع بقصد ترك الجماع وأنزل؛ لأن الإنزال تولّد من مباشرة مباحة.

ومثل هذه المسألة ما لو طلع عليه الفجر وفي فمه طعام فلفظه في الحال؛ فإن صومه صحيح، ويعذر حينئذ إن سبق إلى جوفه شيء منه.



* * *

خلاصة الباب​



أركان الصوم ثلاثة: النية، والإمساك عن المفطرات، والصائم.

الركن الأول: النية أي: قصد الصوم. ويشترط فيها ما يلي: 1- أن تكون لكل يوم من أيام الصيام. 2- التبييت في صوم الفرض. 3- التعيين في صوم الفرض بأن ينوي أن يكون عن رمضان أو كفارة أو نذر.

وأكمل النية أن يقول: >نويتُ صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة إيمانًا واحتسابًا لوجه الله الكريم<.

مسألتان: الأولى: تصح النية في الليل وإن أتى بعدها ليلًا بما ينافي الصوم. الثانية: لا أثر للتردد الذي قد يكون في النفس ليلة الثلاثين من رمضان في صحة النية والصوم على اعتبار أن الشهر قد يكون 29 يومًا.

الركن الثاني: الإمساك عن مُفَطِّر: والمفطّرات هي:

١- الجماع وهو: إدخال الحشفة أو قدرها من فاقدها، في فرج ولو دبرًا، من آدمي أو غيره، أنزل أم لا. وإنما يكون مفطرًا للصائم بشروط هي: أ- أن يكون ذاكرًا لصومه فيجامع عن عمد. ب- أن يكون عالمًا بالتحريم، بخلاف الجاهل المعذور بجهله بأن كان حديث عهد بإسلام أو نشأ بعيدًا عن العلماء. ج- أن يكون مختارًا.

٢- الإنزال: أي: خروج المني، إما باستمناء مطلقًا، أو مباشرة على تفصيل حاصله: أن الإنزال إن كان بالاستمناء.. أفطر مطلقًا. وأما إذا كان الإنزال باللمس فتارة يكون الملموس مما تشتهيه الطباع السليمة أو لا؛ فإن كان مما لا تشتهيه الطباع السليمة.. فلا يفطر مطلقًا. وأما إذا كان الإنزال بلمس ما يشتهى طبعًا فتارة يكون الملموس محرَّمًا وتارة لا؛ فإن كان محرَّمًا ولمسه بشهوة وبلا حائل.. أفطر بالإنزال، وإلا فلا يفطر به. وأما إذا كان غير محرَّم فإن لمسها بحائل فلا يفطر وإن كان بشهوة، وإن كان بغير حائل فيفطر بالإنزال سواء لمسها بشهوة أم لا.

وهنا مسائل: الأولى: يحرم على الصائم مباشرة المرأة بنحو لمس ومعانقة وتقبيل إذا خيف منه إنزال. الثانية: لا يفطر بسبب نزول المني بالاحتلام. الثالثة: إذا أنزل بسبب نظره أو فكره لم يفطر، إلا إذا علم أنه ينزل بسبب ذلك النظر والفكر.

3- الاستقاءة: وقلع النخامة ومجها لا يفطر الصائم. وأما ابتلاع النخامة فيبطل الصوم بها إذا تحقق ما يلي: أ- أن تصل إلى حد ظاهر الفم، وأول ظاهر الفم من الشفتين، وآخره مخرج الحاء من الحلق. ب- أن تجري نازلة إلى الجوف، مع القدرة على مجها.

4- وصول عين يمكن الاحتراز عنها، إلى ما يسمَّى جوفًا، من منفذ مفتوح عرفًا.

تنبيه: حصول الفطر بالجماع والإنزال والاستقاءة، ودخول العين إلى الجوف إذا كان ذلك مع العمد والاختيار والعلم بالتحريم في الكل؛ فإن فقد شرط منها فلا فطر.

مسائل: الأولى: لو سبق ماء إلى الجوف بفعل غير مأمور به أفطر. الثانية: إنما يحل الفطر عند اشتباه غروب الشمس باجتهاد. ولا يفطر بدون تحر ولو ظن الغروب، إذا أفطر وتبين غلطه وجب عليه القضاء، وإذا بان صوابه أو لم يبن شيء صحّ صومه. الثالثة: يحل السحور ولو بشك في طلوع الفجر. ثم إذا تبين الحال وظهر له غلطه فقد بطل صومه ووجب عليه القضاء، وإذا بان صوابه أو لم يبن شيء صح صومه. الرابعة: يصح صوم من طلع عليه الفجر وهو يجامع إذا نزع فورًا بقصد ترك الجماع حال الطلوع، فإن استدام وجب عليه القضاء والكفارة. ومثل هذه المسألة ما لو طلع عليه الفجر وفي فمه طعام فلفظه في الحال؛ فإن صومه صحيح، ويعذر حينئذ إن سبق إلى جوفه شيء منه.

تعليقات على النص​



فَصْلٌ: أَرْكَانُهُ: نِيَّةٌ، وَيَجِبُ لِفَرْضِهِ، تَعْيِينٌ، وَتَبْيِيتٌ وَإِنْ أَتَى بِمُنَافِيهِ أَوْ نَامَ أَوْ كَانَتْ فِي نَحْوِ حَيْضٍ تَمَّ أَكْثَرُهُ أَوْ قَدْرُ الْعَادَةِ بَعْدَهَا لَيْلًا، وَلِنَفْلِهِ كَوْنُهَا قَبْلَ الزَّوَالِ بِلَا مُنَافٍ مِنْ فَجْرِهِ، وَلَوْ نَوَى غَدًا عَنْ رَمَضَانَ فَكَانَ مِنْهُ صَحَّ فِي آخِرِهِ لَا أَوَّلِهِ إِلَّا إِنْ ظَنَّهُ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ وَإِمْسَاكٌ عَنْ مُفَطِّرٍ كَجِمَاعِ أَوِ اسْتِقَاءَةِ غَيْرِ جَاهِلٍ مَعْذُورٍ ذَاكِرًا مُخْتَارًا، لَا قَلْعِ نُخَامَةٍ وَمَجِّهَا فلو نَزَلَتْ فِي ظَاهِرٍ فَجَرَتْ مَعَ تَمَكُّنِ مَجِّهَا أَفْطَرَ وَكَوُصُولِ عَيْنٍ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ جَوْفَ مَنْ مَرَّ وَلَوْ بِسَبْقِ مَاءٍ مِنْ غَيْرِ مَأْمُورٍ بِهِ وَكَإِنْزَالِهِ بِنَحْوِ لَمْسٍ نَاقِضٍ أَوِ اسْتِمْنَاءٍ وَلَوْ بِاسْتِدَامَةِ نَحْوِ نَظَرٍ، وَحَرُمَ نَحْوُ لَمْسٍ خِيفَ مِنْهُ إِنْزَالٌ. وَحَلَّ فِطْرٌ بِتَحَرٍّ وَسُحُورٌ وَلَوْ بِشَكٍّ فَلَوْ بَانَ غَلَطُهُ قَضَى، فَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّ فِيهِمَا وَلَمْ يَبِنِ الْحَالُ قَضَى فِي الْأَوَّلِ، وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَنَزَعَ صَحَّ.




(فَصْلٌ) في أركان الصَّوم: (أَرْكَانُهُ) ثلاثة أحدها: (نِيَّةٌ) لكلِّ يوم، كغيره من العبادات (وَيَجِبُ لِفَرْضِهِ) كنفله الذي له سبب (تَعْيِينٌ) لجنسه ككونه عن رمضان أو نذر أو قضاء؛ فعُلم أنّه لا يجب التعيين في نفل الصوم غير ذي السبب ولو راتبًا (وَتَبْيِيتٌ) لنيّته كلَّ ليلة ولو من صبيٍّ؛ لخبر: >مَن لم يبيِّت الصيامَ قبل الفجر فلا صيامَ له<، رواه النسائي، وهو محمول على الفرض. فإن لم يبيِّت لم يقع عن رمضان بلا خلاف ولا نفلًا؛ لأنّ رمضان لا يَقبل غيرَه. ولا بدّ أن تكون بين الغروب والفجر؛ فلا يكفي مقارنتها لأحدهما. ويُشترط في النية ألّا يأتي بعدها بمنافٍ لها كرفضها ليلًا وردّته بعدها (وَإِنْ أَتَى) بعدها ليلًا (بِمُنَافِيهِ) أي: الصّومِ كأكل وشرب وجماع (أَوْ نَامَ) كذلك (أَوْ كَانَتْ فِي نَحْوِ حَيْضٍ) كنفاس (تَمَّ أَكْثَرُهُ أَوْ قَدْرُ الْعَادَةِ) منه (بَعْدَهَا لَيْلًا) فلا يجب تجديدها، فإن لم يَتمّ أكثرُ ما ذُكر ولا قدرُ العادة منه ليلًا لم يصحّ صومها؛ لأنّها لم تجزم بالنية ولم تَبْنِ على أصل.

تنبيه: أقلّ النية في رمضان: >نويتُ الصوم عن رمضان< وإن لم يقلْ: >غدًا<، لا: >نويتُ صومَ غدٍ< إذا لم يقلْ: >عن رمضان<. وكمالها أن ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السَّنة إيمانًا واحتسابًا لوجه الله الكريم. (وَ) يجب (لِنَفْلِهِ) أي: يُشترَط (كَوْنُهَا قَبْلَ الزَّوَالِ) من ذلك اليوم (بِلَا مُنَافٍ) له (مِنْ) طلوعِ (فَجْرِهِ) كأكل وجماع وكفر وحيض ونفاس وجنون، وإلّا فلا يصحّ.

(وَلَوْ نَوَى غَدًا) أي: صومَه (عَنْ رَمَضَانَ) سواء قال: >إن كان منه< أم لا (فَكَانَ مِنْهُ) وصامه (صَحَّ) ووقع عنه (فِي آخِرِهِ) لأنّ الأصل بقاؤه (لَا) في (أَوَّلِهِ) لانتفاء الأصل مع عدم جزمه بالنية (إِلَّا إِنْ ظَنَّهُ) أي: كونَه منه (بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ) أي: يَظنّ صدقَه، كعبد وامرأة ومراهق وفاسق؛ فيصحّ صومه وإن لم يجب؛ إذ الوجوب مخصوص بما إذا اعتقد الصّدق، ويقع عنه إن تبيَّن كونه منه؛ لجزمه بالنية.

(وَ) ثانيها (إِمْسَاكٌ عَنْ مُفَطِّرٍ) وذلك (كَجِمَاعِ) أي: تغييب الحَشَفة أو قدرها مِن مقطوعها بفرج (أَوِ اسْتِقَاءَةِ غَيْرِ جَاهِلٍ مَعْذُورٍ) بأن قَرُب عهدُه بالإسلام أو نشَأ بعيدًا عن العلماء، فصومُ مَن جامَع أو استَقاء (ذَاكِرًا) للصَّوم (مُخْتَارًا) للفعل عالمًا بتحريمه أو جاهلًا غيرَ معذور باطلٌ، بخلاف النَّاسي والمكرَه المستبيحِ لفعله بالإكراه ومَن غلَبه القيءُ والجاهلِ المعذور (لَا) كـ(ـقَلْعِ نُخَامَةٍ) من رأسه أو باطنه (وَمَجِّهَا) فلا يُفطر بهما؛ لأنَّ الحاجة إليهما ممَّا تَتكرَّر فرُخِّص فيه (فَلَوْ نَزَلَتْ) مِن رأسه (فِي) حَدِّ (ظَاهِرٍ) وهو مَخْرَج الخاء المُعْجَمة وكذا الحاء المُهْمَلة عند النَّوويِّ (فَجَرَتْ مَعَ تَمَكُّنِ مَجِّهَا) بأن قدَر عليه (أَفْطَرَ) لتقصيره، بخلاف ما إذا عجَز عنه. (وَكَوُصُولِ عَيْنٍ) وإن قلَّت كسمسمة، بخلاف الأثر كالطَّعم إذا وصل بالذَّوق إلى حلقه والرِّيح إذا وصل بالشَّمِّ إلى دماغه، ومنه يؤخذ أنَّ وصول دخان البَخُور أو غيرِه إلى الجوف لا يُفطر به وإن تعمَّد فَتْحَ فيه لأجل ذلك، وفرضُ المسألة إذا لم يُعلم انفصال عين منها، ولا بُدَّ أن يكون وصولها (مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ) بخلاف وصولها من المسامِّ (جَوْفَ مَنْ مَرَّ) وهو غير الجاهل المعذور حال كونه ذاكرًا مختارًا، والمرادُ بالجوف داخلُ البطن والدماغ وإن لم يكن مُحيلا كحلق وباطن أذن وإحليل ومثانة وهي مجمع البول فيَضر وصول شيء إليه (وَلَوْ بِسَبْقِ مَاءٍ) نَشأ (مِنْ غَيْرِ مَأْمُورٍ بِهِ) كمبالغة في مضمضة أو استنشاق أو غسلة رابعة أو غُسْل تبرُّد (وَكَإِنْزَالِهِ) أي: إخراجِ منيه (بِنَحْوِ لَمْسٍ) كقبلة أو مسٍّ (نَاقِضٍ) بأن يكون لأجنبية بلا حائل (أَوِ اسْتِمْنَاءٍ) أي: طلبِ خروج المني (وَلَوْ) بنحو ضمٍّ أو لمس بحائل؛ إذ الاستمناء لا يعتبر فيه حائل ولا عدمه، أو (بِاسْتِدَامَةِ نَحْوِ نَظَرٍ) كفكر، وخرج بذلك مجرد النظر والفكر إذا لم يَعلم من عادته أنه يُنزل بهما فإنه لا يفطر.

(وَحَرُمَ نَحْوُ لَمْسٍ) بيدٍ كمعانقة أو تقبيل (خِيفَ مِنْهُ إِنْزَالٌ) وهو ضابط تحريك الشهوة المذكور في عباراتهم.

(وَحَلَّ فِطْرٌ) من الصوم إذا ظن دخول الليل (بِتَحَرٍّ) بوِرْد وغيره كما في أوقات الصلاة، لا بغير تحرٍّ ولو بظن؛ لأنّ الأصل بقاء النهار (وَ) حلَّ (سُحُورٌ وَلَوْ بِشَكٍّ) في بقاء الليل؛ لأن الأصل بقاؤه، نعم، لو أخبره عدل بطلوع الفجر أمسك وجوبً (فَلَوْ بَانَ غَلَطُهُ) في الأول بأن أفطر بعد غروب الشمس، أو في الثاني بأن تسحّر بعد طلوع الفجر (قَضَى) صومه فيهما؛ لبطلانه؛ إذ لا عبرة بالظن البيِّنِ خطؤُه. (فَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّ فِيهِمَا وَلَمْ يَبِنِ الْحَالُ) أي: هل كان ذلك ليلًا أو نهارًا (قَضَى فِي الْأَوَّلِ) أعني الفطر؛ لأن الأصل بقاء النهار ولم يَستند إلى اجتهاد في انقضائه، دون الثاني؛ لأن الأصل بقاء الليل ولا موجِب للحكم بدخول النهار، فإن بان الصواب فيهما صحّ صومهما، أو الغلطُ فيهما لم يصحّ.

(وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَنَزَعَ) حالًا عقب ابتداء الطلوع (صَحَّ) صومُه إن قصد به ترك الجماع وإن أنزل؛ لتولّده من مباشرة مباحة. فإن مَكث لم يصحّ صومه.


([1]) وبعضهم لم يعد الصائم ركنا في الصوم.
([2]) ولكن تسن نية عامة في أول الشهر بأن ينوي صيام شهر رمضان كاملًا، وفيها فائدتان: الأولى: صحة صوم يوم من نسي تبييت النية فيه على مذهب الإمام مالك رحمه الله؛ فيصح صوم من قلّده، والثانية: أخذه الأجر كاملًا لو مات قبل تمام الشهر؛ اعتبارًا بنيته.
([3]) قال العلامة الباجوري في حاشية شرح ابن قاسم: >يُعفَى عنه في حق من ابتُلى بدم لثته<.
 

علي مجدي علي

:: متابع ::
إنضم
29 نوفمبر 2020
المشاركات
10
الجنس
ذكر
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعي
شيخنا صفاء الدين العراقي ، فضلا وليس أمرا ، نرجو إكمال باقي الدروس ، رزقكم الله الفردوس الاعلى
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,627
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
الركن الثالث: الصائم​



ويشترط في صحة صومه في رمضان ما يلي:

١- الإسلام جميع وقت الصوم: فلا يصح صوم كافر بأيّ كفر كان إجماعًا، ولو ارتد ولو للحظة في النهار بطل صومه.

٢- العقل جميع وقت الصوم: فلو جنّ ولو للحظة أثناء النهار بطل صومه.

· وأما من فقد تمييزه دون عقله فينظر:

أ- فإن كان بالنوم فلا يضر؛ لبقاء أهلية الخطاب معه؛ لأنه يتنّبه من نومه إذا نُبِّه؛ فلو استغرق نوم شخص جميع النهار صحّ صومه؛ لأنه مميز حكمًا.

ب- وإن كان بالإغماء أو السكر فيصح صومه إن أفاق لحظة من النهار، فإن استغرق النهار كله لم يصح صومه.

مثال: شرب شخص مسكرًا ليلًا وصَحَا في بعض النهار وهو صائم وقد بيَّت النيةَ؛ فيصحّ صومه.

٣- النقاء من الحيض والنفاس جميع وقت الصوم: وكذا الولادة ولو لعلقة أو مضغة بدون دم نفاس. فلو طرأ الحيض والنفاس ولو لحظة بطل الصوم، ولو ولدت ولم تر دمًا بطل الصوم.

ويحرم على الحائض والنفساء الإمساك بنية الصوم، ولا يجب عليهما تناول مفطر.

· ويزاد على هذه الشروط بالنسبة لصوم غير رمضان شرط رابع وهو: كون الوقت قابلًا للصوم بأن لا يكون من الأوقات التي يحرم صومها.

وهذه الأوقات هي:

1- يوما العيد وأيام التشريق؛ لخبر أبي سعيد h: >نهى ﷺ عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى<، رواه الشيخان. وأيام التشريق هي الثلاثة بعد يوم الأضحى، ويحرم صومها مطلقًا سواء صامه بسبب ككونه عن نذر أو قضاء، أو بدون سبب كأن كان نفلًا مطلقًا؛ للنهي عن صيامها، رواه أبو داود بإسناد صحيح.

2- يوم الشك؛ لخبر عمار بن ياسر h: >من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم ﷺ<، رواه أصحاب السنن الأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.

ومحل حرمته: إذا أراد صومه بلا سبب؛ فإن كان بسبب كالقضاء فيجوز، وكذا إن وافق عادة تطوعه كصوم الاثنين والخميس، وتثبت العادة هنا بمرة.

· ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان في حالة من الحالات التالية:

أ- إذا كانت السماء صحوًا، وتحدث الناس برؤية الهلال ليلته، ولم يشهد بالرؤية أحد.

ب- إذا شهد بالرؤية اثنان فأكثر ممن تردّ شهادته -كنساء أو فسقة أو صبيان أو عبيد- واستوى عنده الأمران الصدق والكذب أي: شكَّ، بخلاف ما لو قطع بصدق واحد ممن تردّ شهادته أو غلب على ظنه صدقه؛ فإنه يجب صومه، أو ظن صدقه ظنًّا غير غالب؛ فإنه يجوز صومه ولا يعتبر في حقه يومَ شكٍّ.

وأما إذا لم يتحدث الناس برؤيته ولم يشهد بها أحد، أو شهد بها واحد([1]) ممن ترد شهادتهم فليس اليوم يوم شك، بل هو من شعبان؛ لخبر: >فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا<، رواه النسائي.

3- يوم السادس عشر من شعبان وما بعده إلى رمضان: أي: النصف الأخير من شعبان؛ لخبر: >إذا انتصف شعبان فلا تصوموا<، رواه أبو داود والترمذي.

ومحل حرمته: إذا لم يصله بما قبله، ولم يكن له سبب.

وفهم منه أنه لو صام الخامس عشر وتاليه ثم أفطر السابع عشر حرم عليه صوم الثامن عشر؛ لأنه صوم يوم بعد النصف لم يوصل بما قبله.

فإن وصله بما قبله كأن صام اليوم الخامس عشر ثم السادس عشر إلى آخر شعبان، أو لم يصله بما قبله ولكن كان له سبب كقضاء، أو عادة كمن يصوم الاثنين والخميس.. فلا حرمة ويصح الصوم؛ لخبر الصحيحين: >لا تقدّموا أي: لا تتقدّموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجلًا كان يصوم صومًا؛ فليصمه<.

سنن الصوم:

وهي كثيرة منها:

١- التسحّر: وهو الأكل في السحر؛ لخبر الصحيحين: >تسحّروا، فإن في السحور بركة<.

ويدخل وقته بنصف الليل؛ فالأكل قبله لا يعد سحورًا ولا تحصل به السنة، ويحصل بقليل المطعوم وكثيره، ويحصل أصل السنة بجرعة ماء؛ ففي صحيح ابن حبان: >تسحّروا ولو بجرعة ماء<.

ويسن أيضًا تأخير السحور بحيث يكون بينه وبين الفجر ما يسع قراءة خمسين آية تقريبًا أي: ربع ساعة تقريبًا؛ قال ﷺ: >لا تزال أمتي بخير ما عجّلوا الفطر وأخّروا السحور<، رواه الإمام أحمد في مسنده. وفي الصحيحين عن زيد بن ثابت قال: >تسحرنا مع رسول الله ﷺ ثم قمنا إلى الصلاة، وكان قدر ما بينهما خمسين آية<.

· ومحل ندب تأخير السحور: ما لم يقع في شك في طلوع الفجر؛ فالأفضل حينئذ تركه.

٢- تعجيل الفطر: ومحل ندبه: عند تيقن دخول الليل أو ظنه بأمارة، وإلا كان التعجيل حرامًا. ويسن التعجيل ولو لمار في الطريق، ولا تنخرم به المروءة.

واعلم أنه عند غروب الشمس يجب إمساك جزء يسير بعده؛ ليتحقق استكمال النهار، ونظيره غسل أعضاء الوضوء، فيجب غسل جزء من الرأس؛ ليتحقق به استكمال حد الوجه.

ويسن أن يكون الإفطار على الرُّطَب، وإن لم يجده فعلى العجوة -لريّها وليونتها-، فالبُسْر -أي: الأصفر قبل أن يرطب-، فالتمر، فالماء -وزمزم مقدّم على غيره-، فالحلو كزبيب وعسل، ثم الحلوى؛ لقوله ﷺ: >إذا كان أحدكم صائمًا فليفطر على تمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء؛ فإنه طهور<، صححه الترمذي وابن حبان والحاكم، وقال: >على شرط البخاري<.

ويستحب التثليث فيما يفطر به، كأن يأكل ثلاث رطبات.

٣- ترك الفحش من الكلام: ككذب وغيبة ومشاتمة، وترك هذه الأمور واجب في نفسه ولكن القصد هو أنها تسن من حيث الصوم لحفظ ثوابه؛ وذلك لخبر البخاري: >من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه<.

4- ترك الحجم والفصد: فالحجم يسن تركه للحاجم والمحتجم؛ للاختلاف في كونهما مفطرين، والفصد -وهو شق العرق وإخراج الدم منه- يسن تركه لغير حاجة بالنسبة لضعيف البدن. فالحجم والفصد مكروهان، إلا إذا كانا لحاجة أو لغير حاجة وهو قوي البدن؛ فلا كراهة حينئذ.

٥- ترك عَلك العِلك: أي: الذي لا يتحلّل منه جرم، وإلا أفطر به.

٦- ترك ذوق لطعام أو غيره: لخوف وصوله لحلقه، فالذوق مكروه، إلا إن كان لنحو معرفة إصلاح الطعام؛ فلا كراهة.

٧- ترك الشهوات التي لا تبطل الصوم: أي: من مسموعات ومبصرات ومشمومات وملابس؛ لأن مقصود الصيام هو كف الناس عن شهواتها. أما التي تبطله فيجب تركها.

شروط وجوب صوم رمضان:

يجب صوم رمضان بالشروط التالية:

١- الإسلام ولو فيما مضى: فيجب صوم رمضان على المرتد أي: وجوبَ مطالبةٍ منا في الدنيا بأن يقال له أسلمْ وصمْ، ويجب عليه قضاء ما فاته منه زمن ردّته متى عاد للإسلام، بخلاف الكافر الأصلي؛ فلا يطالب به في الدنيا، ولكنه إن مات على كفره يُحاسَب عليه يوم القيامة زيادة على كفره كغيره من الواجبات، وإذا أسلم لم يطالب بقضاء ما فاته من الصيام زمن كفره بل يسقط عنه.

2- الإطاقة له حسًّا وشرعًا بلا مشقة: فلا يجب على من لا يطيقه حسًّا أو شرعًا؛ فمن لا يطيقه حسًّا كالمريض والكبير، ومن لا يطيقه شرعًا كالحائض والنفساء.

3- التكليف: أي: البلوغ والتمييز.

فخرج بالبلوغ: الصبي أي: الذكر والأنثى ولو مراهقًا قارب البلوغ، لكنه إن كان مميزًا صح منه وإلا لم يصح.

واعلم أن الصبي إذا بلغ سبع سنين وميّز وأطاق الصوم أمره وليّه به وجوبًا، فإن بلغ عشر سنين ضربه على تركه كالصلاة. والضرب لا نسلّم كونه عقوبة، وإلا لتقيّد بالتكليف والمعصية، وإنما القصد مجرّد الإصلاح بإلف العبادة؛ لينشأ عليها كما قد يضربه على تقصيره في واجبات المدرسة.

وخرج بالتمييز: المجنون، والمغمَى عليه، والسكران؛ فلا يجب عليهم أداء الصوم.

· وأما وجوب القضاء عليهم ففيه تفصيل:

فالمغمى عليه يجب عليه القضاء بعد الإفاقة، سواء تعدى بالإغماء أم لا.

والمجنون لا يجب عليه القضاء إلا إذا تعدى بفعل شيء يذهب عقله، كأن تناول شيئًا ليذهب عقله؛ فيجب عليه القضاء بعد الإفاقة.

والسكران كالمجنون([2]) إن سكر بلا تعد كأن شرب شيئًا يظنه ماء فبان خمرًا فسكر؛ فلا يلزمه القضاء، وإن تعدى بسكره بأن شرب المسكر باختياره فيلزمه القضاء بعد الإفاقة إن عمّ السكر جميع النهار.

مبيحات الفطر:

يجوز ترك الصوم لما يلي:

١- المرض إذا كان يضر معه الصوم: وهو ما تلحق بصاحبه بسبب الصوم مشقة شديدة لا تحتمل عادة، أو هو الذي يخاف معه تأخر الشفاء أو زيادة المرض. وذلك ما يسمّى عندهم بـ >مبيح التيمم<([3])، سواء كان المرض قبل الصيام أو طرأ عليه أثناء الصوم، وسواء كان المريض متعديًا بسبب مرضه أو لا.

· وتجب عليه نية الترخص أي: أن يفطر باعتقاد أن الإفطار جائز له برخصة الشرع؛ وذلك ليتميز الفطر المباح من غيره.

وإذا خشي المريض الهلاك بسبب الصوم فيجب عليه الفطر، فلو عصى وصام صح صومه.

ولا تتوقف إباحة الفطر على إخبار طبيب عدل بحصول المشقة، بل يكفي أن يعمل بعلم نفسه وتجربتها.

٢- السفر بثلاثة شروط:

أ- كونه سفر مباحًا طويلًا تقصر فيه الصلاة؛ لأنه من شأنه أن تحصل معه المشقة المذكورة، بخلاف القصير الذي لم يبلغ مسافة القصر.

ب- أن يسبق السفر الصوم بأن يقع السفر ليلًا أي: يفارق العمران في البلدة التي لا سور لها أو يفارق السور في البلدة المسورة قبل الفجر؛ فإن ابتدأ السفر أثناء النهار وجب إتمام الصوم؛ تغليبًا لحكم الحضر، فالسفر إذا طرأ أثناء الصوم لم يجز الفطر به بخلاف المرض كما تقدم.

ثم الأفضل للمسافر الصوم إن لم يخف أن يشق عليه بحيث يصعب عليه تعاطي الصوم صعوبة لا تحتمل غالبًا؛ فإن خافه فالفطر أفضل.

ويجب على المسافر نية الترخص أيضًا.

ج- أن يرجو المسافر إقامة يقضي فيها هذا الصوم: فمن يديم السفر لا يباح له الفطر؛ لأنا لو أبحنا له الفطر لسقط عنه الفرض بالكلية، لكن لو قصد دائم السفر أن يقضي في بعض أيام سفره جاز له الفطر.

〇 مسألة: لو زال المرض والسفر في أثناء اليوم -وقد بيّت النية ولم يكن قد تعاطى مفطرًا- حرم الفطر.

مثال: أصبح شخص مريضًا فجاز له الفطر، ثم بعد ساعتين زال مرضه ولم يكن أفطر من قبل؛ فلا يجوز له الفطر الآن؛ وذلك لزوال العذر المبيح له.

مثال: سافر شخص قبل الفجر فحل له الفطر، وبعد خمس ساعات أقام ولم يفطر من قبل؛ فلا يجوز له الفطر اعتمادًا على الرخصة التي كانت له أول اليوم؛ وذلك لزوال العذر المبيح.

قضاء رمضان:

يجب قضاء من أفطر في رمضان لعذر كالمريض الذي يُرجَى برؤه، والمسافر، والحائض والنفساء ومن ولدت بغير نفاس.

ويجب القضاء على المغمى عليه سواء تعدى بإغمائه أم لا، وعلى المجنون إذا تعدى بفعل شيء يذهب عقله، وعلى السكران إن تعدى بسكره، وعلى المرتد.

ويسن تتابع قضاء رمضان، ولا يجب فورٌ في قضائه، إلا إن ضاق الوقت، أو تعدى بالفطر.

· ولا يجب القضاء على كل ممن يأتي:

1- الكافر الأصلي: بل لا يصح منه لو نوى بعد الإسلام الصيام عما فاته في زمن كفره.

٢- الصبي: لأنه ليس مكلفًا.

3- المجنون بثلاثة شروط:

أ- ألّا يكون متعديًا بجنونه بأن فعل فعلًا ليذهب عقله كتناول دواء ما.

ب- ألّا يكون قد جن في زمن ردّته، وإلا قضى.

ج- ألّا يكون قد جن في زمن سكره الذي تعدى به، وإلا قضى.

〇 مسائل:

الأولى
: لو صام الصبي وأثناء صيامه بلغ فيجب عليه إتمام ذلك اليوم؛ لأنه صار من أهل الوجوب، ولا يجب عليه قضاؤه ويكون صيامه مجزيًا.

ولو أفطر الصبي في يوم وبلغ في أثناء نهار رمضان فإنه لا قضاء عليه؛ لأن ما أدركه من وقت الصيام لا يمكن الصوم فيه؛ لأن الصوم لا يتبعض في اليوم، ولكن يستحب له الإمساك بقية النهار.

الثانية: لو أفاق المجنون في أثناء نهار رمضان، أو أسلم الكافر في أثنائه، فلا يجب عليهما قضاؤه، ويستحب لهما الإمساك بقيته.

الثالثة: لو شفي المريض وهو مفطر في أثناء نهار رمضان، أو أقام المسافر سفرًا طويلًا، استحب لهما الإمساك بقيته.

الرابعة: الحائض والنفساء إذا طهرتا أثناء النهار فيستحب لهما الإمساك.

من يلزمه الإمساك:

يلزم الإمساك مَن أخطأ بفطره كأن أفطر بلا عذر، أو نسي نية الصيام في الليل -فمن نسي التبييت ولو جهلًا لزمه الإمساك-، أو ظن بقاء الليل فتسحر فبان طلوع الفجر، أو أفطر يوم الشك وبان أنه من رمضان، أو خرج من الإسلام ثم عاد؛ وذلك لحرمة الوقت.

ويجب مع الإمساك القضاء كما هو ظاهر.

· واحترزنا بقولنا: >من أخطأ بفطره< عمن لم يخطئ؛ فلو طهرت نحو حائض في أثناء النهار لم يلزمها الإمساك.

وإمساك بقية اليوم من خواص رمضان، بخلاف النذر والقضاء؛ فلا إمساك على متعد بالفطر فيهما. ثم الممسك ليس في صوم؛ فلو ارتكب محظورًا فلا شيء عليه سوى الإثم.



* * *





خلاصة الباب​



الركن الثالث من أركان الصوم:
الصائم، ويشترط في صحة صومه ما يلي: ١- الإسلام جميع وقت الصوم. ٢- العقل جميع وقت الصوم. وأما من فقد تمييزه دون عقله فينظر: فإن كان بالنوم فلا يضر، وإن كان بالإغماء أو السكر فيصح صومه إن أفاق لحظة من النهار. ٣- النقاء من الحيض والنفاس، وكذا الولادة جميع وقت الصوم. ٤- كون الوقت قابلًا للصوم -في غير رمضان- بأن لا يكون من الأوقات التي يحرم صومها.

وهذه الأوقات هي: ١- يوما العيد، وأيام التشريق مطلقًا. ٢- يوم الشك إذا أراد صومه بلا سبب. ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان في حالة من الحالات التالية: أ- إذا تحدث الناس برؤية الهلال ليلته ولم يشهد بالرؤية أحد. ب- إذا شهد بالرؤية اثنان فأكثر ممن ترد شهادته. ٣- يوم السادس عشر من شعبان وما بعده إلى رمضان أي: النصف الأخير من شعبان إذا لم يصله بما قبله، ولم يكن له سبب.

وسنن الصوم كثيرة منها: 1- التسحّر، ويدخل وقته بنصف الليل. ويسن تأخير السحور بحيث يكون بينه وبين الفجر ما يسع قراءة خمسين آية تقريبًا. ٢- تعجيل الفطر عند تيقن دخول الليل. ويسن أن يكون الإفطار على الرُّطَب، فالعجوة، فالبُسر، فالتمر، فالماء، فالحلو، ثم الحلوى. ٣- ويسن ترك الفحش من الكلام ككذب وغيبة ومشاتمة حفظًا لثواب صومه. ٤- يسن ترك الحجم والفصد؛ لأن ذلك يضعفه. ٥- يسن ترك العلك. ٦- يسن ترك ذوق لطعام أو غيره خوف وصوله لحلقه. ٧- يسن ترك الشهوات؛ لأن مقصود الصيام هو كف الناس عن شهواتها.

وشروط وجوب صوم رمضان: ١- الإسلام ولو فيما مضى. 2- الإطاقة له حسًّا وشرعًا بلا مشقة. ٣- التكليف أي: البلوغ والتمييز، فخرج بالبلوغ الصبي، ثم إن كان مميزًا صح منه وإلا لم يصح، وهو إذا بلغ سبع سنين وميز وأطاق الصوم أمره وليه به، فإن بلغ عشر سنين ضربه على تركه كالصلاة. وخرج بالتمييز المجنون والمغمى عليه والسكران فلا يجب عليهم أداء الصوم.



ومبيحات الفطر
: ١- المرض إذا كان يضر معه الصوم، وهو: الذي يخاف معه الهلاك أو تأخر الشفاء أو زيادة المرض. وذلك ما يسمى عندهم بمبيح التيمم. ٢- السفر بثلاثة شروط: أ- كونه سفر طويلًا تقصر فيه الصلاة. ب- أن يسبق السفر الصوم بأن يقع السفر ليلًا، ج- أن يرجو المسافر إقامة يقضي فيها هذا الصوم.

مسألة: لو زال المرض والسفر في أثناء اليوم حرم الفطر. ويجب قضاء من أفطر في رمضان لعذر كالمريض الذي يرجى برؤه، والمسافر، والحائض والنفساء ومن ولدت بغير نفاس. و يجب على المغمى عليه، وعلى المجنون إذا تعدى بفعل شيء يذهب عقله، وعلى السكران إن تعدى بسكره، وعلى المرتد.

ولا يجب القضاء على كل ممن يأتي: ١- الكافر الأصلي، بل لا يصح منه لو نوى بعد الإسلام الصيام عما فاته في زمن كفره. ٢- الصبي. لأنه ليس مكلفًا. 3- المجنون بثلاثة شروط: أ- ألّا يكون متعديًا بجنونه بأن فعل فعلًا ليذهب عقله كتناول دواء ما. ب- ألّا يكون قد جن في زمن ردته وإلا قضى. ج- ألّا يكون قد جن في زمن سكره الذي تعدى به وإلا قضى.

مسائل: الأولى: لو صام الصبي وأثناء صيامه بلغ فيجب عليه إتمام ذلك اليوم، ولا يجب عليه قضاؤه ويكون صيامه مجزيًا. ولو أفطر الصبي في يوم وبلغ في أثناء نهار رمضان فإنه لا قضاء عليه، ولكن يستحب له الإمساك بقية النهار. الثانية: لو أفاق المجنون في أثناء نهار رمضان، أو أسلم الكافر في أثنائه، فلا يجب عليهما قضاؤه، ويستحب لهما الإمساك بقيته. الثالثة: لو شفي المريض وهو مفطر في أثناء نهار رمضان، أو أقام المسافر سفرًا طويلًا، استحب لهما الإمساك بقيته. الرابعة: الحائض والنفساء إذا طهرتا أثناء النهار، فيستحب لهما الإمساك.

ويلزم الإمساك مَن أخطأ بفطره، كأن أفطر بلا عذر، أو نسي نية الصيام في الليل -فمن نسي التبييت ولو جهلًا لزمه القضاء والإمساك-، أو ظن بقاء الليل فتسحر فبان طلوع الفجر، أو أفطر يوم الشك وبان أنه من رمضان؛ وذلك لحرمة الوقت.

* * *

تعليقات على النص


وَصَائِمٌ وَشَرْطُهُ: إِسْلَامٌ وَعَقْلٌ وَنَقَاءٌ كُلَّ الْيَوْمِ، وَلَا يَضُرُّ نَوْمُهُ كَإِغْمَاءِ بَعْضِهِ وَسُكْرِهِ وَيَمْتَنِعُ فِي عِيدٍ وَتَشْرِيقٍ، وَبِلَا سَبَبٍ فِي شَكٍّ وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ إِذَا تُحُدِّثَ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ شَهِدَ بِهَا عَدَدٌ يُرَدُّ وَسُنَّ تَسَحُّرٌ كَتَأْخِيرِهِ، وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ عِنْدَ تَيَقُّنِ لَيْلٍ وَبِنَحْوِ رُطَبٍ فَمَاءٍ فَحُلْوٍ وَتَرْكُ فُحْشٍ وَنَحْوِ حَجْمٍ وَعَلْكٍ وَذَوْقٍ وَشَهَوَاتٍ.

فَصْلٌ: شَرْطُ وُجُوبِهِ: إِسْلَامٌ، وَإِطَاقَةٌ وَتَكْلِيفٌ، وَيُبَاحُ تَرْكُهُ بِمُبِيحِ تَيَمُّمٍ أَوْ سَفَرِ قَصْرٍ أَوْ سَفَرِ قَصْرٍ، لَا إِنْ طَرَأَ أَوْ زَالَا، وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ وَلَوْ بِعُذْرٍ، لَا بِكُفْرٍ أَصْلِيٍّ وَبِصِبًا وَجُنُونٍ فِي غَيْرِ رِدَّةٍ أَوْ سُكْرٍ، كَمَا لَوْ بَلَغَ صَائِمًا -وَيَجِبُ الْإِتْمَامُ- أَوْ مُفْطِرًا أَوْ أَفَاقَ أَوْ أَسْلَمَ وَسُنَّ لَهُمْ كَمَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ زَالَ عُذْرُهُمَا مُفْطِرَيْنِ إِمْسَاكٌ فِي رَمَضَانَ، وَيَلْزَمُ مَنْ أَخْطَأَ بِفِطْرِهِ.




(وَ) ثالثها أعني الأركان (صَائِمٌ وَشَرْطُهُ: إِسْلَامٌ وَعَقْلٌ وَنَقَاءٌ) عن نحو حيض كنفاس (كُلَّ الْيَوْمِ) قيدٌ في الثلاثة قبله؛ فإن طرأ في أثناء اليوم ردّة أو جنون أو نحو حيض بطل صومه كما لو جُنَّ في خلال صلاته، ولو ولدت ولم تر دمًا بطل صومها أيضًا. (وَلَا يَضُرُّ نَوْمُهُ) أي: كلِّ اليوم (كَإِغْمَاءِ بَعْضِهِ وَسُكْرِهِ) أي: البعضِ، بخلاف إغماءِ أو سكرِ كلِّه؛ لأن الإغماء والسكر يُخرِجان الشخصَ عن أهليّة الخطاب بخلاف النوم؛ فمن شرب مسكرًا ليلًا وصَحَا في بعض النهار صحّ صومه. (وَيَمْتَنِعُ) الصوم فرضًا أو نفلًا؛ فلا يجوز ولا يصح (فِي) يومِ (عِيدٍ) فطرٍ أو أضحى؛ للنهي عن صيامهما في خبر الصحيحين (وَ) أيامِ (تَشْرِيقٍ) وهي ثلاثة بعد الأضحى؛ للنهي عنه في خبر أبي داود بإسناد صحيح، والنهي للزمن يقتضي الفساد كما هو مقرَّر في الأصول؛ فلا يصح صيام الخمسة مطلقًا. (وَ) يمتنع الصوم أيضًا لكن إذا كان (بِلَا سَبَبٍ) يقتضيه، كقضاء ونذر (فِي) يومِ (شَكٍّ) لقول عمّار بن ياسر: >من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم ﷺ<، رواه التِّرمذي وغيرُه وصحَّحوه؛ فيحرم صومه ولا يصحّ (وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ) من شعبان (إِذَا تُحُدِّثَ بِرُؤْيَتِهِ) أي: تحدَّث الناس بها ولم تثبت (أَوْ شَهِدَ بِهَا) عند القاضي (عَدَدٌ) اثنان فأكثر ممن (يُرَدُّ) شهادتهم بأن يكونوا من صبيان أو نساء أو عبيد أو فسقة ظُنَّ صدقهم أي: استوى صدقهم وعدمه عنده. وإنما لم يصحّ صومه عن رمضان؛ لأنه لم يتبيَّن كونه منه. نعم، من اعتقد صدق من قال إنه رآه ممن ذُكر يصحُّ منه صومه بل يجب عليه، والاعتقاد جزم القلب وتصميمه. أما إذا لم يتحدَّث الناس برؤيته ولم يشهد بها أحد أو شهد بها واحد ممن ذُكر فليس اليوم يومَ شكٍّ بل هو من شعبان وإن أَطبق الغيم؛ لخبر: >فإن غمّ عليكم<.

(وَسُنَّ تَسَحُّرٌ) لخبر الصحيحين: >تَسحَّرُوا فإن في السّحور بركة<، ويدخل وقته بنصف الليل، ويحصل بقليل المطعوم وكثيره؛ لخبر: >تَسحَّروا ولو بجرعة ماء<، رواه الترمذي عن أنس وقال: >حديث أنس حديث حسن صحيح< (كَتَأْخِيرِهِ) فإنه مسنون أيضًا؛ لخبر: >لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر وأخَّروا السّحور<، رواه أحمد بزيادة: >وأخّروا السحور<، وأصله في الصحيحين (وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ عِنْدَ تَيَقُّنِ لَيْلٍ)؛ إذ يجب إمساك جزء منه ليتحقّق به استكمال النهار. (وَ) سُنَّ أيضًا كونه أعني الفطر (بِنَحْوِ رُطَبٍ) كعجوة، فبُسْرٍ، فتمرٍ، (فَمَاءٍ) وتقديمُ زمزمَ منه فغيرِ زمزم، (فَحُلْوٍ) كزبيب ونحوه، ثم حلواءَ وهي ما دخلها النار، ومنه السُّكَّر المعروف. والأصل في ذلك ما ورد من أنه ﷺ >كان يفطر قبل أن يصلي على رُطبات، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم يكن حَسَا حسَوات من ماء<، رواه أبو داود. وقضيته سَنُّ تثليثِ ما يفطر به مما ذكر وهو كذلك.

(وَ) سُنّ أيضًا من حيث الصوم وإن كان واجبًا في نفسه (تَرْكُ فُحْشٍ) ككذب وغيبة ومشاتمة ونحوها (وَ) تركُ (نَحْوِ حَجْمٍ) كفصد؛ لأن ذلك يُضعِفه (وَ) تركُ (عَلْكٍ) بفتح العين؛ لأنه يجمع الريق؛ فإن بلعه أفطر في وجه في المذهب، وإن ألقاه عطَّشه، وهو مكروه، (وَ) تركُ (ذَوْقٍ) لطعام أو غيره خوفَ وصولِه لحلقه، (وَ) تركُ (شَهَوَاتٍ) من مسموعات ومبصَرات ومشمومات وملابسَ؛ إذ ذاك سرّ الصوم ومقصوده الأعظم؛ لتنكسر نفسه عن الهوى ويقوى على التّقوَى بكفِّ جوارحه عن تعاطي ما يشتهيه، والله أعلم.

(فَصْلٌ) في شروط وجوب صوم رمضان، وما يُبيح تركه. (شَرْطُ وُجُوبِهِ) وجوبَ مطالَبةٍ منّا في الدّنيا: (إِسْلَامٌ) أي: تحقُّقه ولو فيما مضى (وَإِطَاقَةٌ) له حسًّا أو شرعًا؛ فلا يجب على من لا يطيقه حسًّا أو شرعًا لكبر أو مرض لا يُرجى برؤه أو حيضٍ أو نحوِه، ولا على مريض ومسافر (وَتَكْلِيفٌ) فلا يجب على مجنون ومغمًى عليه وسكران وكافر (وَيُبَاحُ) بنية الترخُّص أي: نية الخروج من العبادة للعذر (تَرْكُهُ) أي: الصومِ (بِمُبِيحِ تَيَمُّمٍ) وهو: الذي يخاف معه الهلاك، أو تأخر الشفاء، أو زيادة المرض (أَوْ سَفَرِ قَصْرٍ) فإن تضرَّر به فالفطر أفضل، وإلا فالصوم، (لَا إِنْ طَرَأَ) السفر في أثناء الصوم (أَوْ زَالَا) أي: المبيحُ المذكور والسفر عن صائم؛ فلا يباح تركه.

(وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ) من الصوم الواجب (وَلَوْ) فات (بِعُذْرٍ) كمرض وسفر، و(لَا) يجب قضاء ما فاته (بِكُفْرٍ أَصْلِيٍّ) ولا يُسَنّ ولا يصح؛ ترغيبًا له في الإسلام (وَ) لا ما فاته (بِصِبًا، وَجُنُونٍ فِي غَيْرِ رِدَّةٍ أَوْ سُكْرٍ) لعدم موجِب القضاء. أما ما فاته بالجنون في زمن أحدهما فيقضيه كما مرّ نظيره في الصلاة، (كَمَا لَوْ بَلَغَ) الصبيّ بنهار (صَائِمًا) فإنه لا قضاء عليه (وَيَجِبُ) عليه (الْإِتْمَامُ) لصومه؛ لأنه صار من أهل الوجوب (أَوْ) بلغ في أثناء النهار (مُفْطِرًا أَوْ أَفَاقَ) فيه المجنون (أَوْ أَسْلَمَ) فيه الكافر؛ فإنّه لا قضاء عليهم؛ لأنّ ما أدركوه منه لا يمكنهم صومه فصار كمن أدرك مِن أوّل وقت الصلاة قدرَ ركعة ثم طرأ المانع؛ فإنه لا يجب عليه القضاء. (وَسُنَّ لَهُمْ) أي: من بلغ مفطرًا والمجنونِ والكافرِ (كَمَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ) سفرَ قصرٍ إذا (زَالَ عُذْرُهُمَا) حالَ كونهما (مُفْطِرَيْنِ إِمْسَاكٌ) لبقيّة النهار (فِي رَمَضَانَ وَيَلْزَمُ) أي: الإمساك (مَنْ أَخْطَأَ بِفِطْرِهِ) كأن أفطر بلا عذر، أو نسي النيّة، أو ظنّ بقاء الليل فبان خلافه، أو أفطر يوم الشكّ وبان أنّه من رمضان؛ لحرمة الوقت. وخَرَج بـ >رمضان< غيره كنذر وقضاء؛ فلا إمساك فيه لو أفطر.



* * *​



([1]) فلمْ تمتنع عبادة الصوم يوم الشك إلا بعدد، بخلافها في الإثبات فتصح بخبر واحد.
([2]) وقيل: يجب عليه القضاء مطلقا تعدى أم لا.
([3]) نعم، إذا خاف هلاك نفسه أو فوت منفعة عضوه وجب الإفطار.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,627
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
الموت قبل القضاء​



من فاته صوم واجب فينظر فيه:

١- إن مات قبل تمكنه من قضائه: نظر:

أ- إن كان فاته بسبب عذر: فلا شيء عليه.

مثال: أن يمرض في العشر الأواخر من رمضان فيفطر، ويستمر به المرض بعد رمضان ويموت به؛ فهذا لا إثم عليه، ولا تَدَارُكَ أي: لا يفعل وليُّه شيئًا ليتدارك ذلك الصيام الفائت.

ب- إن فاته بلا عذر: أثم ووجب التدارك.

مثال: أن يفطر في رمضان بالطعام والشراب من غير عذر، ثم يموت في يوم عيد الفطر؛ فيجب تدارك ما فاته.

٢- إن مات بعد تمكنه من القضاء: لزم التدارك، سواء فاته بعذر أم لا.

كيفية التدارك:

ويحصل التدارك لصيام الميت بواحد مما يلي:

١- يُخرِج وليُّه مِن تَرِكَتِه مُدًّا من طعام عن كل يوم فاته من غالب قوت البلد كالفطرة تمامًا؛ لخبر ابن عمر h: >من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينًا<، رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: >الصحيح وقفه على راويه<.

٢- يصوم قريبه عنه -سواء كان ذا قرابة قريبة أم بعيدة، ذكرًا أم أنثى، حرًّا أم عبدًا- ما فاته من أيام؛ لخبر: >من مات وعليه صيام صام عنه وليّه<، رواه الشيخان من حديث عائشة i.

٣- يصوم أجنبيّ عنه بشرط أن يكون قد أذن له الميت بأن أوصى أن يصوم عنه، أو يأذن له قريبه سواء بأجرة أو بدونها. ولا يحصل بلا إذن.

فأيّ واحدة من هذه الأمور فُعلت فقد أجزأت وحصل التدارك.

· وإذا لم يخلِّف الميت تركة فلا يلزم الوارث إطعام ولا صوم بل يسنّ له ذلك.

وإذا مات العبد فسيده يطعم عنه أو يصوم عنه، أو قريب العبد يفعل ذلك، أو يصوم أجنبي بإذن من العبد، أو إذن قريبه، أو يطعم الأجنبي عنه.

تدارك أصحاب الأعذار:

أولًا
: من يلزمه الفدية فقط: أي: لا يلزمه القضاء أيضًا، وذلك في الشيخ الهرم الذي لا يطيق الصوم في زمن من الأزمان، والمريض مرضًا لا يرجئ شفاؤه بأن يلحقه بالصوم مشقة شديدة لا تطاق عادة، فعليه مد عن كل يوم كما سبق؛ لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖ﴾، والمراد: لا يطيقونه. ولو تكلَّف الصوم فلا فدية عليه.

ثانيًا: من يلزمه الفدية والقضاء معًا: ويشمل:

١- من أفطر لخوف على غيره: كمن يفطر لإنقاذ حيوان محترم مشرف على الهلاك بسبب كغرق أو حريق أو هدم؛ فهذا يباح له الفطر إذا لحقه مشقة شديدة بسبب الصوم يعجز معها عن الإنقاذ، ويلزمه القضاء والفدية. وخرج بالمحترم غير المحترم كالمرتد والخنزير.

والشرط أن يكون المنقِذ لا يباح له الفطر لولا الإنقاذ. أما من يباح له الفطر لعذر كسفر فأفطر فيه عند الإنقاذ لا لأجل الإنقاذ بل للسفر، أو أطلق بأن لم يرد بالفطر خصوص السفر أو الإنقاذ.. فلا فدية عليه. فالشرط أن يكون قصده متعينًا لأجل الإنقاذ.

وكفطر الحامل لخوفها على جنينها، والمرضع لخوفها على الرضيع بأن تكونا قد أفطرتا بسبب الحمل والإرضاع. فالشرط أن تكون الحامل والمرضع قد أفطرتا لأجل الولد بأن خافت الحامل من إسقاطه، والمرضع من أن يقلّ اللبن فيهلك الولد. أما لو كانتا مسافرتين أو مريضتين فأفطرتا لأجل السفر أو المرض أو أطلقتا بأن لم تريدا بالفطر خصوص الولد ولا السفر أو المرض.. فلا فدية عليهما.

أما إذا أفطرتا خوفًا على أنفسهما وعلى طفلهما معًا.. فليس عليهما إلا القضاء دون الفدية.

· ثم الكلام في غير المتحيرة؛ أما المتحيرة إذا أفطرت لأجل الولد أو لأجل الإنقاذ، فلا فدية عليها؛ للشك.

مثال: لو كانت امرأة مرضع وهي متحيرة -وهي التي نسيتْ عادتها قدرًا ووقتًا واستمر بها الدم طوال الشهر؛ فلم تعد تميز الحيض من الاستحاضة- فهذه يصح لها من صوم الشهر 14 يومًا تكون فيه طاهرة بيقين، وحينئذ إذا أرضعت الولد في الستة عشر يومًا الأولى فإنها لا تكون مفطرة لأجل الولد بل هي بسبب الحيض المشكوك فيه، فهي إذن ليست مفطرة لأجل الولد بيقين، فحالها كحال ما لو أرضعت امرأة حائض بيقين الولد فلا يلزمها الفدية جزمًا؛ فإن الحائض لا فدية عليها.

٢- من أفطر مع تأخير القضاء مع تمكنه منه حتى دخل رمضان آخر: كحائض تفطر ستة أيام في رمضان ثم يأتي رمضان آخر ولم تقض ما عليها؛ فيلزمها القضاء بعد رمضان الآخر، وست فديات، مع الإثم للتأخير. فإن لم يتمكن من قضائه فلا فدية عليه ولا إثم ولو استمر سنينًا، كمن يفطر بسبب مرض ويستمر به المرض حتى رمضان القادم. ومن العذر أن يكون ناسيًا لتلك الأيام، أو جاهلًا بوجوب القضاء؛ فلا تلزمه الفدية؛ لما روى الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة: >من أدركه رمضان فأفطر لمرض ثم صح، ولم يقضه حتى أدركه رمضان آخر، صام الذي أدركه، ثم يقضي ما عليه ثم يطعم عن كل يوم مسكينًا<، وضعفاه؛ قالا: >وروي موقوفًا على راويه بإسناد صحيح<.

〇 مسألة: يتكرر المد بتكرر السنين.

مثال: أفطر شخص في رمضان ولم يقض حتى دخل رمضان ورمضان آخر؛ فهذا يلزمه مد عن كل سنة؛ فلو فاته 10 أيام فيلزمه مع قضائها 20 مدًّا.

مثال: لو مات شخص وعليه صيام قد أخره مع دخول رمضانين؛ فهذا يخرج من تركته مدّان عن كل يوم: مد للصيام الفائت ومد للتأخير تُدفَعان لفقير أو مسكين. هذا إن لم يصم وليّه عنه؛ فإن صام أخرج مدًّا واحدًا للتأخير.

〇 مسألة: يجوز صرف الأمداد لواحد ولا يجوز التبعيض فيها، أي: يجوز لمخرج الفدية أن يدفع أمداده لشخص واحد، ولا يجوز أن يدفع مدًّا واحدًا لشخصين.

وجنسها جنس الفطرة فيعتبر غالب قوت البلد ولا يجزئ الدقيق.

ثالثًا: من يلزمه القضاء دون الفدية: كالمغمى عليه وناسي النية، والمفطر بغير جماع.

〇 مسألة: القضاء على التراخي فيمن أفطر بعذر، لكن يسن التعجيل، وإنما يجوز التأخير إذا كان قبل رمضان الثاني بزمن يسع القضاء. ويستحب له موالاة القضاء.

أما من أفطر بلا عذر فيجب عليه الفور؛ فيبدأ بعد يوم عيد الفطر، والموالاة؛ فلا يفطر بينها.

المفطر بالجماع:

من أفطر بجماع في نهار رمضان فقد ترتّب عليه خمسة أشياء:

١- لحوق الإثم.

٢- وجوب الإمساك بقية النهار.

٣- وجوب التعزير: وهو التأديب من الحاكم بما يراه مناسبًا، ويكون لغير تائب.

٤- وجوب القضاء على الفور.

٥- وجوب الكفارة العظمى: وهي أحد ثلاثة أشياء مرتَّبة؛ فلا ينتقل إلى الخصلة الثانية إلا إذا عجز عما قبلها:

أ- عتق رقبة مؤمنة.

ب- صيام شهرين متتابعين.

ج- إطعام ستين مسكينًا لكل مسكين مد.

· وإنما يكون الجماع موجبًا للكفارة بأحد عشر شرطًا:

1- أن يكون على الواطئ: ولو في دبر أو لبهيمة، بخلاف الموطوء؛ فلا تجب الكفارة على موطوء في قبل أو دبر رجل أو امرأة.

2- أن يكون مفسدًا للصوم: بأن يكون من عامد مختار عالم بتحريمه، بخلاف ما لا يكون مفسدًا كأن صدر من ناس أو مكره أو جاهل معذور.

3- أن يستمر على الأهلية كل اليوم الذي أفسده: بخلاف ما إذا لم يستمر كأن جن أو مات بعد الجماع.

4- أن يكون الصوم الذي أفسده صوم نفسه: بخلاف ما لو أفسد صوم غيره في رمضان، كأن وطئ مسافر أو مريض امرأته فأفسد صومها؛ فلا تجب الكفارة.

٥- أن يكون في صوم رمضان: بخلاف إفساد صوم غير رمضان به؛ فلا تجب الكفارة إذا أفسد صوم غير رمضان ولو كان واجبًا، من نذر أو قضاء أو كفارة.

٦- أن يكون إفساده بالجماع: فلا تجب الكفارة إذا أفسده بغير جماع كأن أكل ثم جامع.

7- أن يأثم بجماعه: بخلاف الصبي، وكذا المسافر والمريض إذا جامعا بنية الترخص.

8-أن يكون إثمه به لأجل الصوم: بخلاف ما إذا كان الإثم لا لأجل الصوم، كما إذا كان مسافرًا أو مريضًا ووطئ بالزنا.

9- أن يكون الجماع تامًّا: وهو أن يدخل جميع الحشفة -وهو رأس الذكر- في الفرج؛ فلا تجب الكفارة إذا أدخل جزءًا من الحشفة بل ولا يبطل صومه، لكن يبطل صوم الموطوء لدخول عين إلى ما يسمى جوفًا.

١٠- أن يكون ما أفسده من أداء رمضان يقينًا: بخلاف ما إذا كان الصوم الذي أفسده من قضاء رمضان، أو من أداء رمضان لكن لم يتيقن كونه من رمضان كأن صامه بالاجتهاد ولم يتحقق أنه من رمضان.

١١- عدم الشبهة: بخلاف ما إذا وجدت شبهة، كأن ظن بقاء الليل فجامع فبان نهارًا؛ لأن الإفطار مباح له فيصير شبهة في درء الكفارة.





〇 مسألتان:

الأولى
: تتكرر الكفارة بالإفساد: فلو وطئ في يومين لزمه كفارتان؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، بخلاف من وطئ في يوم واحد مرتين فلا تلزمه إلا كفارة واحدة.

الثانية: لا تسقط الكفارة بحدوث عذر بعد وطئ: فمن وطئ في رمضان ثم حدث له في اليوم مرض يبيح فطره فلا تسقط عنه الكفارة؛ لهتكه حرمة الصوم بفعله، بخلاف ما لو تعاطى مفطرًا أولًا كالأكل والشرب ثم وطئ؛ فلا تلزمه كفارة؛ لأنه لا يصدق عليه أنه أفسده بوطء.



* * *

















خلاصة الباب​



من فاته صوم واجب فينظر فيه:

إن مات قبل تمكنه من قضائه نظر: إن كان فاته بسبب عذر فلا شيء عليه. وإن فاته بلا عذر وجب التدارك. وإن مات بعد تمكنه من القضاء لزم التدارك سواء فاته بعذر أم لا.

والتدارك يحصل بواحد مما يلي: 1- يخرج وليه من تركته مدًّا من طعام عن كل يوم فاته من غالب قوت البلد كالفطرة تمامًا. 2- يصوم قريبه عنه -سواء كان ذا قرابة قريبة أم بعيدة، ذكرًا أم أنثى، حرًّا أم عبدًا- ما فاته من أيام. 3- يصوم أجنبي عنه بشرط أن يكون قد أذن له الميت بأن أوصى أن يصوم عنه، أو يأذن له قريبه سواء بأجرة أو بدونها، ولا يحصل بلا أذن.

وإذا لم يخلّف الميت تركة فلا يلزم الوارث إطعام ولا صوم بل يسنّ له ذلك.

وإذا مات العبد فسيده يطعم عنه أو يصوم عنه، أو قريب العبد يفعل ذلك، أو يصوم أجنبي بإذن من العبد أو إذن قريبه أو يطعم الأجنبي عنه.

تدارك أصحاب الأعذار:

أولًا: من يلزمه الفدية فقط: وذلك في الشيخ الهرم الذي لا يطيق الصوم في زمن من الأزمان، والمريض مرضًا لا يرجئ شفاؤه بأن يلحقه بالصوم مشقة شديدة لا تطاق عادة، فعليه مد عن كل يوم كما سبق، ولو تكلّف الصوم فلا فدية عليه.

ثانيًا: من يلزمه الفدية والقضاء معًا: وذلك فيمن: ١- أفطر لخوف على غيره. 2- أفطر مع تأخير القضاء مع تمكنه منه حتى دخل رمضان آخر.

مسألة: يتكرر المد بتكرر السنين.

مسألة: يجوز صرف الأمداد لواحد ولا يجوز التبعيض فيها.

ثالثًا: من يلزمه القضاء دون الفدية: كالمغمى عليه وناسي النية، والمفطر بغير جماع.

مسألة: القضاء على التراخي فيمن أفطر بعذر، أما من أفطر بلا عذر فيجب عليه الفور.

المفطر بالجماع:

من أفطر بجماع في نهار رمضان فقد ترتب عليه خمسة أشياء
:

١- لحوق الإثم. ٢- وجوب الإمساك بقية النهار. ٣- وجوب التعزير وهو التأديب من الحاكم بما يراه مناسبا، ويكون لغير تائب. ٤- وجوب القضاء على الفور. ٥- وجوب الكفارة العظمى، وهي أحد ثلاثة أشياء مرتبة؛ فلا ينتقل إلى الخصلة الثانية إلا إذا عجز عما قبلها: أ- عتق رقبة مؤمنة. ب- صيام شهرين متتابعين. ج- إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد.

وإنما يكون الجماع موجبا للكفارة بأحد عشر شرطًا:

1- أن يكون على الواطئ ولو في دبر أو لبهيمة. 2- أن يكون مفسدا للصوم بأن يكون من عامد مختار عالم بتحريمه. 3- أن يستمر على الأهلية كل اليوم الذي أفسده. 4- أن يكون الصوم الذي أفسده صوم نفسه. 5- أن يكون في صوم رمضان. ٦- أن يكون إفساده بالجماع. 7- أن يأثم بجماعه. 8-أن يكون إثمه به لأجل الصوم. ٩- أن يكون الجماع تامًّا. 10- أن يكون ما أفسده من أداء رمضان يقينًا. 11- عدم الشبهة.

مسألتان: الأولى: تتكرر الكفارة بالإفساد. الثانية: لا تسقط الكفارة بحدوث عذر بعد وطئ.



* * *









تعليقات على النص​



فَصْلٌ: مَنْ فَاتَهُ وَاجِبُ صَوْمٍ فَمَاتَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ فَلَا تَدَارُكَ وَلَا إِثْمَ إِنْ فَاتَ بِعُذْرٍ، أَوْ بَعْدَهُ فَمِنْ تَرِكَتِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ كَالْفِطْرَةِ، أَوْ يَصُومُ قَرِيبٌ، أَوْ بِإِذْنٍ، وَيَجِبُ الْمُدُّ بِفِطْرٍ لِعُذْرٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، وَمَعَ قَضَاءٍ بِفِطْرٍ يَقِينًا لِإِنْقَاذِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ أَشْرَفَ عَلَى تَلَفٍ، أَوْ خَوْفِ ذَاتِ وَلَدٍ عَلَيْهِ، كَمَنْ أَخَّرَ رَمَضَانَ مَعَ تَمَكُّنِهِ حَتَّى دَخَلَ آخَرُ، وَيَتَكَرَّرُ بِالسِّنِينَ، فَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يُصَمْ عَنْهُ أُخْرِجَ مِنْ تَرِكَتِهِ مُدَّانِ لِفَقِيرٍ أَوْ مِسْكِينٍ، وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ لِوَاحِدٍ لَا تَبْعِيضٌ، وَيَجِبُ مَعَ قَضَاءٍ كَفَّارَةٌ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ فِي رَمَضَانَ بِوَطْءٍ أَثِمَ بِهِ لِلصَّوْمِ بِلَا شُبْهَةٍ، وَتَتَكَرَّرُ بِالْإِفْسَادِ، وَلَا تَسْقُطُ بِحُدُوثِ عُذْرٍ كَمَرَضٍ بَعْدَ وَطْءٍ.




(فَصْلٌ) في فدية فوت الصوم الواجب (مَنْ فَاتَهُ وَاجِبُ صَوْمٍ) ولو نذرًا أو كفارةً (فَمَاتَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ) من قضائه (فَلَا تَدَارُكَ) له (وَلَا إِثْمَ إِنْ فَاتَ بِعُذْرٍ) كمرض استمرّ إلى الموت، فإن فات بلا عذر أثم ووجب تداركه بما سيأتي (أَوْ) مات (بَعْدَهُ) سواء فاته بعذر أم بغيره (فَمِنْ تَرِكَتِهِ) يُخرَج (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ) فاته صومه (مُدٌّ) وهو رِطْل وثلث كما مرّ، ويكون من غالب قوت المحَلّ (كَالْفِطْرَةِ) حملًا على الغالب بجامع أنّ كلًّا منهما طعام واجب شرعًا؛ فلا يجزئ نحو دقيق (أَوْ يَصُومُ) عنه (قَرِيبٌ) وإن لم يكن عاصبًا (أَوْ) شخص أجنبيّ (بِإِذْنٍ) منه بأن أوصى به، أو مِن قريبه بأجرة أو دونِها، بخلافه بلا إذن؛ لأنّه ليس في معنى ما ورد به الخبر، وظاهرٌ أنه لو مات مرتدًّا لم يُصَم عنه، وبخلاف غير الصوم من صلاة أو اعتكاف؛ لعدم ورودهما (وَيَجِبُ الْمُدُّ) بلا قضاء لكل يوم (بِفِطْرٍ لِعُذْرٍ لَا يُرْجَى) أي: لا يُظَنّ ولا يُؤمَل (زَوَالُهُ) ككبَر ومرض لا يُرجَى برؤُه، ولو تكلَّف الصومَ فلا فدية عليه (وَ) يجب المد أيضًا (مَعَ قَضَاءٍ) لكل يوم (بِفِطْرٍ يَقِينًا) لا المتحيرة للشك في أنها حائض أو لا، وكان الفطر (لِإِنْقَاذِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ) ولو لغيره إذا (أَشْرَفَ عَلَى تَلَفٍ) لنفس أو عضو أو منفعة (أَوْ) بفطرٍ يقينًا لِـ (خَوْفِ ذَاتِ وَلَدٍ) حاملٍ أو مرضعٍ (عَلَيْهِ) ولو كان من زنًا أو كان الرضيعُ من غيرها (كَمَنْ أَخَّرَ رَمَضَانَ) أي: قضاءَه عامدًا عالمًا مختارًا (مَعَ تَمَكُّنِهِ) منه (حَتَّى دَخَلَ) عليه رمضان (آخَرُ) فإنه يجب عليه مع القضاء المدّ عن كل يوم، وهو آثم بذلك أيضًا (وَيَتَكَرَّرُ) المدّ عن كل يوم (بِـ) تكرُّر (السِّنِينَ) لأنّ الحقوق الماليّة لا تتداخل (فَلَوْ مَاتَ) مَن ذُكر بلا قضاء (وَلَمْ يُصَمْ عَنْهُ أُخْرِجَ مِنْ تَرِكَتِهِ مُدَّانِ) مدٌّ للفوات ومد للتأخير (لِفَقِيرٍ أَوْ مِسْكِينٍ) ولا يجب الجمع بينهما (وَلَهُ) أي: للمخرِج (صَرْفُ أَمْدَادٍ لِوَاحِدٍ) منهما؛ لأنّ كلَّ يوم عبادة مستقلة؛ فالأمداد بمنزلة الكفّارات (لَا تَبْعِيضٌ) لمدٍّ كأن يعطي مدًّا لاثنين أو مدًّا ونصفًا لواحد (وَيَجِبُ مَعَ قَضَاءٍ كَفَّارَةٌ) يأتي بيانها في بابها (عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ فِي رَمَضَانَ بِوَطْءٍ أَثِمَ بِهِ لِلصَّوْمِ) أي: لأجله ولو لِواطًا، أو إتيانَ بهيمة، أو في ميت وإن لم يُنزِل حالَ كونه (بِلَا شُبْهَةٍ) له في ذلك كأن ظنّ وقتَ الوطءِ بقاءَ الليل أو دخوله (وَتَتَكَرَّرُ) الكفّارة (بِالْإِفْسَادِ) فلو وطئ في يومين لزمه كفّارتان؛ لأن كلّ يوم عبادة مستقلة، بخلاف من وطئ مرّتين في يوم (وَلَا تَسْقُطُ) الكفّارةُ (بِحُدُوثِ عُذْرٍ كَمَرَضٍ) وسفرٍ حدث في اليوم (بَعْدَ وَطْءٍ) فيه؛ لهتكه حرمة الصوم بفعله؛ فلا تسقط عنه بلحوق عذره، بخلاف ما لو كان مفطِّرًا أوّلًا ثم وطئ؛ لأنه لم يَصدُق عليه أنه أفسده بوطء وإن وجب كتمان ذلك عن العوامّ، والله أعلم.



* * *

















صيام التطوّع​



يسن صيام الأيام التالية:

١- يوم عرفة: وهو اليوم التاسع من ذي الحجة.

· وإنما يسن صيامه بشرطين:

أ- إذا لم يشك بكونه يوم العيد: كأن تحدّث الناس برؤية هلال ذي الحجة ولم يثبت وظن صدقهم؛ فهنا يتعارض أمران: جلب مصلحة صوم عرفة، ودرء مفسدة صوم العيد، فيحرم صومه؛ لأن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح.

ب- ألّا يكون الصائم مسافرًا، أو مريضًا، أو حاجًّا:

فالمسافر -سواء أكان سفره طويلًا أم قصيرًا- السنّة في حقه الفطر مطلقًا أي: سواء كان حاجًّا أم لا، وذلك إذا كان يجهده السفر أي: يتعبه؛ فإن لم يجهده فالصوم أفضل.

والمريض الذي يشق عليه الصوم يسن له الفطر.

· وأما الحاجّ ففيه تفصيل:

فيسن الصوم لحاجّ لم يصل عرفة إلا ليلًا بأن كان مقيمًا في مكة أو في غيرها وقصد أن يقف في عرفة ليلة العيد وسار بعد الغروب، وإلا لم يسنّ له.

مثال: حاجٌّ مقيم في مكة صام يوم عرفة وأفطر عند الغروب، ثم ذهب إلى عرفة ليقف هنالك؛ فهذا صيامه على السنة.

وأما إذا كان مقيمًا وقصد أن يحضر عرفة نهارًا فيسن له الفطر؛ ليتقوى به على الاجتهاد في الدعاء هنالك. وكذا إذا كان مسافرًا؛ لما تقدّم من أن المسافر يسن له الفطر.

· واعلم أن الأحوط أن يصوم يوم الثامن من ذي الحجة معه ليتحقق صيام التاسع؛ لأنه ربما يكون هو التاسع في الواقع، بل يسن صيام الأيام الثمانية التي قبله.

٢- عاشوراء وتاسوعاء: وهما العاشر والتاسع من محرّم، ويسن مع صومهما صوم الحادي عشر من محرّم أيضًا؛ لحديث: >صوموا يوم عاشوراء، وصوموا يومًا قبله ويومًا بعده<، رواه أحمد.

٣- الاثنين والخميس.

٤- الأيام البِيض من كل شهر: وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر. ووصفها بالبياض مجاز عن بياض لياليها؛ لتعميمها بالنور.

٥- الأيام السُّود من كل شهر: وهي الثامن والعشرون، والتاسع والعشرون، والثلاثون، وسمّيت كذلك؛ لأن ليلتها سوداء ويختفي فيها القمر.

وإذا كان الشهر ناقصًا فينبغي التعويض عنه بأول الشهر الذي يليه. ويستحب أن يصوم معها أيضًا السابع والعشرون؛ للاحتياط.

٦- صيام ستة من شوّال: وتحصل السنة بصيامها متفرقة، ولكن صيامها متصلة بالعيد -بعد فطر أول يوم من شوال- أفضل.

٧- صيام الدهر: أي: العمر غير ما يحرم صومه من يومي العيد وأيام التشريق، بشرط ألّا يخاف به ضررًا على جسمه، أو فوات حق واجب أو مندوب.

٨- صيام داود n: وهو صيام يوم وفطر يوم، وهو أفضل من صيام الدهر.

الأيام التي يكره فيها الصوم:

يكره إفراد الجمعة والسبت والأحد بالصيام؛ قال ﷺ: >لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده<، رواه الشيخان. فإن لم يحصل إفراد فلا كراهة. وإنما يكره إفراد تلك الأيام بلا سبب بأن قصد التطوع بها، أما إذا وجد سب فلا كراهة بالإفراد، كأن اعتاد صوم يوم وفطر يوم فوافق صومه يومًا منها.

〇 مسألة: يكره قطع نفل غير حجّ وعمرة بلا عذر؛ قال ﷺ: >الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر<، رواه الحاكم من حديث أم هانئ، وقال: >صحيح الإسناد<.

فيكره لمن صام يومًا أن يفطر في أثنائه بلا عذر، وأما مع العذر فلا كراهة، كأن يفطر من أجل ضيفه إذا عزّ عليه أن يأكل هو دون صاحب البيت، ويسن قضاء ما فاته وإن خرج منه بعذر؛ خروجًا من خلاف من أوجبه.

وأما الحج والعمرة ولو كانا نفلين فيحرم قطعهما.

〇 مسألة: يحرم قطع فرض عينيّ تلبَّس به.

مثال: أن يصوم شخص قضاءً ليوم من رمضان؛ فيحرم عليه قطعه أثناء اليوم.

وخرج بالفرض العيني الفرض الكفائي؛ فلا يحرم إلا الجهاد إذا حضر الصف؛ فلا يجوز له الرجوع، وصلاة الجنازة؛ لأن تركها هتك لحرمة الميت، وكذا الحج والعمرة.

〇 مسألة: يحرم على المرأة صوم تطوّع مما يتكرر غير نحو عرفة وعاشوراء مما لا يكثر وقوعه بغير إذن زوجها وهو حاضر، بخلافه إذا كان غائبًا؛ فلو صامت بغير إذنه صح وإن كان حرامًا. أما صوم ما لا يتكرر في العام كعرفة وعاشوراء وستة شوال فلا تحتاج إلى إذنه فيها. نعم، إن منعها من ذلك لم تصم.



* * *















خلاصة الباب​



يسن صيام الأيام التالية: ١- يوم عرفة بشرطين: أ- إذا لم يشك بكونه يوم العيد. ب- ألّا يكون الصائم مسافرًا أو مريضًا أو حاجًّا. ٢- عاشوراء وتاسوعاء، وهما العاشر والتاسع من محرّم، ويسن مع صومهما صوم الحادي عشر. ٣- الاثنين والخميس. ٤- الأيام البيض من كل شهر وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. ٥- الأيام السود من كل شهر، وهي الثامن والعشرون والتاسع والعشرون والثلاثون، وإذا كان الشهر ناقصًا فينبغي التعويض عنه بأول الشهر الذي يليه. ٦- صيام ستة من شوال. ٧- صيام الدهر غير ما يحرم صومه من يومي العيد وأيام التشريق، بشرط أن لا يخاف به ضررا على جسمه، أو فوات حق واجب أو مندوب. ٨- صيام داود وهو صيام يوم وفطر يوم، وهو أفضل من صيام الدهر.

ويكره إفراد الجمعة والسبت والأحد بالصيام بلا سبب.

مسائل: الأول: يكره قطع نفل غير حجّ وعمرة بلا عذر. الثانية: يحرم قطع فرض عيني تلبّس به. الثالثة: يحرم على المرأة صوم تطوّع بغير إذن زوجها وهو حاضر.



* * *











تعليقات على النص



بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

سُنَّ صَوْمُ عَرَفَةَ لِغَيْرِ نَحْوِ مُسَافِرٍ وَحَاجٍّ وَعَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ وَاثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ وَأَيَّامِ بِيضٍ وَسُودٍ وَسِتَّةِ شَوَّالٍ وَاتِّصَالُهَا أَفْضَلُ، وَدَهْرٍ إِنْ لَمْ يَخَفْ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ وَإِلَّا كُرِهَ وَصِيَامُ دَاوُدَ أَفْضَلُ، وَكُرِهَ إِفْرَادُ جُمُعَةٍ وَتَالِيَيْهَا بِلَا سَبَبٍ كَقَطْعِ نَفْلٍ بِلَا عُذْرٍ وَسُنَّ قَضَاؤُهُ، وَحَرُمَ قَطْعُ فَرْضٍ عَيْنِيّ.




(بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) الأصل فيه خبر الصحيحين: >من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا< (سُنَّ صَوْمُ) يومِ (عَرَفَةَ) وهو تاسع ذي الحجّة، يقينًا بألّا يقع فيه شكٌّ، وإنَّما يُسَنُّ (لِغَيْرِ نَحْوِ مُسَافِرٍ) ولو سفرًا قصيرًا كمريض، أمّا هما فالسنة في حقهما فطره مطلقًا (وَ) غيرِ (حَاجٍّ) يصل عرفة يومَها؛ فإنه يُسنّ له فطره، فإن كان لا يصلها إلا ليلًا سُنّ له صومه، والأحوط صوم الثّامن معه، بل يُسَنّ صوم الثّمانية قبله (وَعَاشُورَاءَ) وهو عاشر المحرَّم (وَتَاسُوعَاءَ) وهو تاسعه؛ لقوله ﷺ: >صيام يوم عرفة أَحتسِب على الله أن يكفِّر السنة الّتي قبله والسنة التي بعده، وصيامُ يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله<، وقال ﷺ: >لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع<. رواهما مسلم، ويُسَنّ أيضًا صوم الحادي عشر معهما.

(وَ) صومُ (اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ) لأنه ﷺ كان يتحرى صومهما، رواه الترمذي (وَ) صومُ (أَيَّامِ) ليالٍ (بِيضٍ) وهي الثالث عشر وتالياه من كل شهر؛ لأنه ﷺ أمر بصيامها، رواه ابن حبّان وغيرُه، والأحوط صوم الثاني عشر معها (وَ) صومُ أيامِ ليالٍ (سُودٍ) وهي الثامن والعشرون وتالياه، وينبغي صوم السابع والعشرين معها؛ احتياطًا، وأن تُكمَل بأوّل الشهر إن كان شهرها ناقصًا (وَ) صومُ (سِتَّةِ شَوَّالٍ) وتحصل السنة بصومها متفرِّقة (وَ) لكن (اتِّصَالُهَا) بيوم العيد (أَفْضَلُ) مبادرةً للعبادة، ولما في التأخير من الآفات (وَ) صومُ (دَهْرٍ) غير ما يحرم صومه من عيد وتشريق، ومحلُّ سَنِّ صومه (إِنْ لَمْ يَخَفْ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ) واجبٍ أو مندوب (وَإِلَّا) بأن خاف به ذلك (كُرِهَ) وعليه حُمل خبر مسلم: >لا صام من صام الأبد< (وَصِيَامُ دَاوُدَ) وهو صوم يوم وفطر يوم (أَفْضَلُ) منه كما صرّح به؛ وذلك لخبر الصحيحين: >أفضل الصيام صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا< (وَكُرِهَ إِفْرَادُ جُمُعَةٍ وَتَالِيَيْهَا) من سبت وأحد بالصوم (بِلَا سَبَبٍ) فلو جمعها أو اثنين منها لم يكره؛ لأنه خال عن معنى ما في الأخبار، أمّا إذا صامه بسبب كأن اعتاد صوم يوم وفطر يوم فوافق صومه يومًا منها فلا كراهة كما في صوم يوم الشكِّ، ومثله ما لو وافق يوم عرفة أو عاشوراء؛ فإنه لا يكره إفراده بالصوم وإنما الكراهة في غير ذلك (كَقَطْعِ نَفْلٍ) غيرِ حج وعمرة؛ فإنه مكروه، أما هما فيحرم قطعهما؛ لمخالفتهما غيرَهما في لزوم الإتمام وإن فسدَا ولزومِ الكفارة بإفسادهما بجماع، ومحلّ ذلك حيث كان القطع (بِلَا عُذْرٍ) أمّا به كمساعدة ضيفه إذا عزّ عليه امتناع مُضيفه منه، أو عكسِه؛ فلا يكره (وَسُنَّ قَضَاؤُهُ) وإن خرج منه بعذر؛ خروجًا من خلاف من أوجبه.

(وَحَرُمَ) على المكلَّف (قَطْعُ فَرْضٍ عَيْنِيٍّ) تلبَّس به، وخرج بالعينيِّ فرضُ الكفاية؛ فلا يحرم قطعه إلا الجهادَ، ووظائفَ الجنازة، والحجَّ والعمرةَ. ويَحرم على المرأة صوم تطوع غير نحو عرفة وعاشوراء مما لا يكثر وقوعه بغير إذن زوجها وهو حاضر؛ فلو صامت بغير إذنه صحّ وإن كان حرامًا كالصلاة في دار مغصوبة، وعلمُها برضاه كإذنه. أما صومها في غَيْبته عن بلدها فجائز قطعًا، والله أعلم.



* * *​
 

علي مجدي علي

:: متابع ::
إنضم
29 نوفمبر 2020
المشاركات
10
الجنس
ذكر
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعي
أعلى