العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المنطق الباطل: البحث عن الحق والوصول لغيره

إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
58
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
يقول الحق سبحانه وتعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) فصلت.
هذه الآية دلالة على إقامة البرهان للخلق بآيات الكون وآيات النفس، وأن إقامة البرهان من الله على الحق للخلق، ليست قضية ظنية ولا جزئية، بل هي قضية يقينية، حتمية، كلية، شاملة.
تبقى قضية البحث عن الحق في إطار الآيات البرهانية الحجية، واليقين في ذلك انه من اجتهد وجاهد للوصول للحقيقة لا يمكن أن يتركه الله تعالى للضلال.
وسيقيم الله تعالى الحجة على الناس بالرسل وبالكتب وبالآيات في الآفاق وفي النفوس حتى تنقطع حجتهم بالجهل، فلا يدعي مدع أنه بذل وسعه وجهده في معرفة الحقيقة فلم يؤده البحث إلا إلى النصرانية او اليهودية أو غيرهما، لأن مجرد رضاه بالضلال يعني انه لم يبذل الجهد الكافي للبحث عن الحق، فإن بحثه عن الحقيقة مع عدم تجرده من هواه لا يوصله إلى الحقيقة، بل يتحتم عليه التجرد لاستقبال الحقيقة بغير تحيز مسبق.
ومن رحمة الله تعالى ألا يعذب المخالفين بمجرد إقامة البرهان الكوني او النفسي، بل بعد إرسال الرسل والكتب، (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)
(وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في امها رسولا)
لكن يبقى أن الله تعالى يبرهن على الحق ولو من غير الرسل، بآيات الكون والنفس، ثم يرسل الرسل ليتلوا على الناس آياته ويذكرونهم بقدرته، وينذرونهم عذابه، ويبينون لهم شرائعه، وأحكامه.
( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )
( ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ) ·
ولقد عجبت ممن قال إن الإنسان إذا بذل ما في وسعه من جهد للبحث عن الدين الصحيح ثم أداه جهده إلى الدين الخطأ فهو في الجنة لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلى وسعها، وهو قد بذل وسعه وجهده، فليس عليه بعد ذلك مساءلة ولا عقاب.
وهؤلاء وغيرهم لا ينتبهون لقضية التناقض المنطقي في الاستدلال، ولا أدري كيف غفلوا عنها ولهم في العلم باع طويل، فما هو التناقض المنطقي او التمنطق بالباطل؟
التناقض المنطقي يتركب من مقدمات لا يمكنها الاجتماع ليعطينا نتيجة لا يمكنها الوجود،
مثل هذه القضية:
م١. الله قادر على كل شيء
م ٢. لا يمكنك الخروج من ملك الله إلا بقدرته
..........
نتيجة: الله قادر على ان يخرجك من ملكه
فهذا بناء منطقي من مقدمات متناقضة أخرجت نتيجة لا تقبل الوجود؛
لأن الله قادر، وكل الوجود ملكه،
فالله تعالى إذا أخرجك من ملكه سيخرجك إلى ملكه،
كقول عمر رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله.
والبناء المنطقي الخاص ببذل الجهد في معرفة الحقيقة ثم الوصول إلى الباطل هو بناء منطقي متناقض.
لذا اعجب ممن اشتهرت أسماؤهم في الآفاق كيف لم ينتبهوا وهم يشتدون في ذكر ذلك إلى ان القرآن الكريم أبطل هذا البناء المنطقي بالنص الصريح ولم يجعل منه حجة لأصحابه، بل جعله حجة عليهم، فقال تعالى:
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)
فالله تعالى وعد الذي يجاهد بحثا عن الحق ان يهديه إليه.
(والذين اهتدوا زادهم هدى)
(ويزيد الله الذين اهتدو هدى)
(إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى)
لاحظ الهداية الزائدة من الله لمن خطى نحو الحقيقة أو آمن بها،
فكيف يصح في عقول هؤلاء أن الله تعالى يؤدي بالمخلص في البحث عن الحقيقة إلى سبل الضلال، وهو سبحانه الذي وعد أن يهديه سبله (لنهدينهم سبلنا)
وفي الحديث القدسي: (إن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا)
فكيف يتقرب الإنسان بالبحث عن الحقيقة فيتركه الله بعيدا عنها في الضلال؟
(لله افرح بتوبة أحدكم .....)
فكيف يفرح الله بالتائب الباحث بنفسه أو العائد إلى الدين الصحيح ثم يتركه يقضي حياته مع دين باطل أو منهج باطل؟!!
ودخول آلاف الناس وغيرهم في الإسلام، ومنهم العشرات من العلماء المتخصصين، يدل على أن العلم المجرد مع التنزه عن الهوى والتعصب، وبعد توفيق الله تعالى يوصل بأصحابه إلى الحق المبين بفضل الله تعالى وتوفيقه ومنه وكرمه، فإن لم يتجرد الإنسان لمعرفة الحقيقة، فإنه وإن أشرقت له الحقيقه شروق الشمس، وإن علا له الحق علوها في وضح النهار، فلن يفيده ذلك، وإلا كان استفاد به عمُّ النبي صلى الله عليه وسلم، الذي عرف الحقيقة معاينة، أو استفاد بها أبو إبراهيم عليه السلام وهو يرى النار بردا وسلاما على إبراهيم، او استفاد بها حيي بن أخطب زعيم اليهود وهو يشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبي حقا وصدقا، ثم يقول: عداوته ما حييت.
من هذا وغيره نعلم يقينا ما يلي:
١. أن الله تعالى سيقيم البرهان على الحق للخلق بالآيات في الآفاق والنفوس:
(وفي الأرض آيات للموقنين، وفي انفسكم أفلا تبصرون).
٢. أن الله تعالى لا يترك المجاهد المخلص في طلب الحق إلى غيره من الضلال والباطل كما وعد سبحانه في أكثر من نص صريح، والله لا يخلف وعده، (ومن أوفى بعهده من الله).
(ومن اصدق من الله قيلا).
٣. معنى اجتهاد الإنسان في طلب الحق ثم وصوله إلى الضلال والباطل انه لم يكن مخلصا في هذا الاجتهاد، وعدم إخلاصه أبطل أجتهاده، فلم ينفعه، ولم تقم له به حجة على الله، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
٤. على العلماء ألا يؤتوا من قبل التمنطق الباطل المركب من قضايا عقلية ظاهرها الإتساق وباطنها التتناقض، فيقعوا في فخ النتائج الباطلة وهم يحسبونها صحيحة.
هدانا الله للحق وبصرنا صراطه المستقيم.
 
أعلى