سعادتك في سعادة من حولك،

[د. ياسر محمد جابر]

يااااااااااااااااااااااااارب:
إني أنا ذلك الإنسان التائه، الشارد..
ذلك العاصي الآبق..
ذلك المقصر المذنب..
أقف على رصيف الرجاء والخضوع والتذلل..
بانتظار قطار الرحمة
والعفو
والمغفرة،
أنتظر القطار الذي يأخذني إليك
وإلى جنتك
وإلى رضاك
وإلى رحمتك

تخيل معي لو كنت أنت الذي يرشد التائهين في درب الحياة ..
ويرشدهم إلى الرصيف الذي عليه القطار الموصل لمرضاة الله..
فيصلوا بسببك إلى رضاه..
وجنة مأواه..
ورحمته وعفوه وهداه..
ثم انظر بعد كل عطاء منك للحياة
كيف يكون عطاء الله.
قال تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). سورة الحديد.
وقال تعالىأَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ. فتعالى الله الملك الحق). سورة المؤمنون.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس.
وقال: كان الله في عون العبد ما كأن العبد في عون أخيه.

يقول رجل عربي يجيد التحدث بالألمانية:
في محطة القطار في مدينة ميونخ الألمانية ...قطعت تذكرة للسفر إلى إحدى المدن... وإذا بالموظف في شباك التذاكر يسألني إن كنت أعرف اللغة العربية لأتحدث مع أحد المسافرين العرب لأشرح له كيفية السفر إلى مكانه المطلوب حيث أنه لا يتحدث الألمانية ولا الإنجليزية .

المسافر كان من دول الخليج يريد أن يتابع سفره إلى مدينة فرانكفورت للعلاج، وكان أول مرة يسافر فيها إلى الغرب ولا يتكلم أي لغة أجنبية .

أحضرت ورقة وكتبت له باللغة العربية، وكتبت له تفاصيل خط سيره حتى الوصول مع الترجمة بالألمانية تحت كل جملة... ثم رافقته إلى المحطة المطلوبة وصعدنا القطار ثم تابعته إلى أن جلس، وتكلمت إلى جليس ألماني بقربه، ووعدني أن يرشده لوجهته.
لوّحت له مودعاً وتمنيت له سلامة الوصول .

انتبهت لنفسي، ونظرت إلى تذكرتي فوجدت نفسي على رصيف غير الذي يجب أن أكون عليه لأركب قطاري، وقد مضى خمس دقائق على وصول القطار المطلوب، أي أنه فاتني تقريبا، فركضت مسرعاً إلى الرصيف على أمل أن يكون قد تأخر قليلا، فإذا بالقطار متوقف في المحطة كأنه ينتظرني... وقد كُتبَ على اللوحة الإلكترونية ( تأخير خمس دقائق)، أي أنه وصل متأخرا خمس دقائق.
صعدت لاهثاً ومشى القطار ... وحمدت الله، ووصلت إلى وجهتي منتصف الليل، وأخذتُ سيارة أجرة فسار بي قليلاً للخروج من محطة القطار، ثم سألني عن وجهتي ؟ فأجبته : إلى أي فندق في المدينة.... فتوقف فجأة وقال: أعتذر منك،، فالفنادق كلها مشغولة منذ الساعة العاشرة بسبب وجود معرض كبير وضيوف من كل دول العالم ولا مكان شاغر لك فتفضل بالنزول !
قلت : إلى أين أذهب في هذه الساعة وفي هذا الطقس البارد ؟؟ فرقّ لحالي ثم اتصل عبر جهازه اللاسلكي بمكتب سيارات الأجرة الذي يتبع له، وقال للموظفة : معي راكب يريد فندقاً ، فأجابت بعصبية : ألم أقل لك من قبل بانه لا يوجد شواغر في الفنادق كلها ! وسمعنا في هذه الثانية صوت رنين الهاتف الداخلي بمكتبها فأجابت عليه ، ثم عادت إلى السائق وقالت له: انطلق إلى فندق الدولاب الذهبي، فإن نزيلاً اعتذر عن الحضور وحجزتُ للراكب الذي معك الغرفة : أعطني اسمه.
وإذا بالسائق يقول متعجباً : لا أصدق ! لا أصدق ! فقد كان مبهوتا بهذا التوقيت العجيب ولا يجد له تفسيراً .

وصلت الفندق فحيّاني موظف الاستقبال وقد كُتب على لوحة أمامه -لا أماكن شاغرة- وقال لي: أنت محظوظ جدا، العشرات ينتظرون مكانا" شاغرا، بينما اعتذر رجل عن الحضور وأخذت أنا مكانه!!!

استلمت الغرفة ونظرت من شرفتها التي تطل على البحيرة
ومناظرها الخلابة
وأضوائها الهادئة،
وسكونها المريح،
وانحدرت دمعة رقيقة من عيني،

وحدثت نفسي:
قطار بمئات الركاب يتأخر لأجل راكب؟ وغرفة مميزة في فندق مميز تُحجز في توقيت معجز لفرد معين دون العشرات؟ أمِن أجل الوقوف على رصيف محطة لمساعدة إنسان تائه،
يكون كل هذا الكرم؟

دمتم طيبين.