العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

العقل الإسلامي بين الجمود والاجتهاد

إنضم
5 مارس 2023
المشاركات
58
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
كلمة لأمتنا الحبيبة العزيزة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛
فقد عانى العقل المسلم ولا يزال يعاني ذلك الصراع المرير بين الجمود والاجتهاد، ومعظم هذا الصراع جاء من تداخل التخصصات الحديثية الفقهية؛ فمعظم المحدثين عندهم إنغلاق فقهي (السطحية مع المتن). ومعظم الفقهاء عندهم انفتاح حديثي (السطحية مع السند). ولا يسلم الفقه الإسلامي إلا بالإنغلاق الحديثي(الضبط) والانفتاح الفقهي (الاجتهاد).
والطامة من تعامل المحدثين مع فقه النصوص كتعاملهم مع الأسانيد، فلا يتعدون النص إلى الوقائع والقرائن وفقه المآلات، ودلالات السياق ونحوها.
وكذلك من تعامل الفقهاء مع النص دون النظر للسند فيعتمدون على الضعيف وربما الموضوع.
وكلا الظاهرتين أضعفت الفقه الإسلامي وأكثرت من الأقوال والخلافات.
ومثل أهل الحديث كمثل الصيادلة عندهم الأدوية التي هي النصوص، لكن لا يستطيعون تشخيص الداء، لأن هذا من عمل الأطباء الذين هم الفقهاء.
وصناعة الحديث تختلف عن صناعة الفقه، لأن المحدث لا يجمع النصوص والسياقات والواقع والمآلات ثم يجلس لينظر في كل هذا ثم يبني بعد ذلك حكما.
لكن الفقيه يجيد صناعة الفقه لأنه غير مشغول بالأسانيد وتتبع الرجال والجرح والتعديل، والمحدث هو صاحب الملكة في ذلك.
فكل من المحدث والفقيه قد آتاه الله الملكة في تخصصه الذي افنى عمره من أجله، فإذا قدم المحدث الحديث الصحيح سندا إلى الفقيه ثم ترك للفقيه فقه المتن، تكون البضاعة الفقهية بأجود ما يكون.
وقلة قليلة هي التي استطاعت أن تجمع بين اتقان الحديث واتقان الفقه، فجمعت بين فقه السند وفقه المتن او فقه الرواية وفقه الدراية، وهؤلاء يمثلون قمة العقل الإسلامي في مرونته وإتقانه.
ومثال على التفاوت بين المحدثين والفقهاء في التعامل مع النصوص :
فإن المحدث لا يجيز للمرأة السفر بلا محرم لوجود نص في ذلك، بينما الفقيه يجمع كل النصوص ليكتشف أن المرأة إذا توفر لها الأمان والرفقة الآمنه تسافر بلا محرم، لوجود اشارة حديثية لذلك.
والمحدث يحرم خروج زكاة الفطر نقدا، لأن الحديث ينص على الطعام، والفقيه ينظر في سياق الحديث والواقع الذي احاط به، وطرق التعامل، ومنزلة الطعام في مجتمع المدينه ومجالاته، وينظر في اختلاف الواقع بين الأمس واليوم، وينظر في المصلحة المرسلة، وينظر في مقاصد الشريعة ورحابتها واتساعها لكل زمان ومكان، وينظر في كون النص مغلقا او مفتوحا، وينظر وينظر... الخ، فيقول بإخراجها نقدا للمصلحة.
المحدث سيقول لمن سأله عن التوبة من القتل بأن باب التوبة مفتوح لأن الحديث ينص على ذلك، لكن الفقيه سينظر في حال السائل فإن كان قتل بالفعل فسيقول له باب التوبة مفتوح ولا تيأس، وإن كان يريد القتل مستقبلا فسيقول له بأن القاتل لا توبة له، ردعا وزجرا ومنعا له من الإقبال على القتل، وهذا هو فقه الواقع الذي لم ولن يفهمه المقلدون المتعصبون الذين يسمون أنفسهم بمدرسة النص والأثر، ويعتبرون فقه الواقع والمآلات من علم الكلام واللسان والفذلكة والابتداع.
ولو قلت لأحدهم ليس للقاتل توبة سيحكم عليك بالكفر ويهدر دمك لأنك خالفت الحديث والنص.
فئة سطحية منغلقة لا تنظر إلا إلى أسفل قدميها، يضيقون على الناس ويغلقون الاجتهاد ويسحبون النصوص قوالب جامدة صخرية على كل زمان ومكان دون تغيير.
المحدث سيقول بأن صلاة العصر قبل الوصول لبني قريظة حرام لأن الحديث يقول بعدم الصلاة إلا في بني قريظة
والفقيه ينظر في مقاصد النص وينظر في الواقع هل يوجد متسع من الوقت لصلاتها قبل بني قريظة، ثم يستقر اجتهاده المخلص أن المقصد هو الاستعجال والواقع يقول بوجود وقت كاف فيصليها قبل بني قريظة وكلهم على صواب.
المحدث يقول بعدم اخراج زكاة المال الا نقدا للنص عليها، والفقيه يقول بجواز اخذها ثيابا لأنها انفع وأصلح، ومدار الشريعة في الفروع على تحقيق المصالح، الأعلى فالأعلى.
وهذه الأمثلة المذكورة هي غيض من فيض، على سبيل الذكر لا الحصر
والتدليل لا التهويل.
واليوم نجد طلاب العلم الصغار يريدون سحق الأمة بمزيد من الانغلاق باسم النص،
ولا يدعون العلماء يجتهدون ليخرجوا للأمة فقه النص.
فلماذا قال الله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها)
والسؤال: لماذا لا تتدبرون الأحاديث، فهل على قلوبكم اقفالها؟
ولماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: فرب مبلغ أفقه من سامع او اوعى من سامع؟
فما قيمة الوعي او الفقه هنا إذا كان الجميع مطالب بالتعامل السطحي مع النص، او بالتعامل التعبدي مع الحديث؟
إذن الأمر بالتدبر امر قرآني
والأمر بالفقه أمر نبوي
فهل نترك أمر القرآن بتدبر النصوص وتفسيرها؟!!
ونترك امر الرسول صلى الله عليه وسلم بوعي النصوص وفقهها؟!
لنحكم على العقل المسلم بالسجن الأبدي إلى يوم الدين.
ولماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد للأمة دينها.

من ماذا؟؟؟!!!!
يجددددددددد
يجدد للأمة ماذا؟!!
هل سيجدد القرآن فيكتب قرآنا جديدا؟!!!
هل سيجدد الأحاديث فيستبدلها بأحاديث أخرى؟!!
أم سيجدد الفقه والوعي والاستنباط وينزل النصوص نزولا جديدا على النوازل والمستجدات؟!!
ويكيف المسائل تكييفا فقهيا يساير الواقع؟!!
وبين الجمود والاجتهاد يظل الصراع قائما ومستمرا إلى أن يشاء الله تعالى، وتظل الأمة تنزف من رصيد العقل والقلب والروح.
نصر الله ديننا واعز امتنا، وردنا إليه ردا جميلا.
دمتم بخير وسلام.
 
أعلى