العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الرسول الأمي، صلى الله عليه وسلم

انضم
5 مارس 2023
المشاركات
240
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
٣٠. يقول: وصلتني هذه الرسالة ونصها: هل تعلم لماذا سمي الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمي؟ المدارس يعلمون التلاميذ لماذا سمي الرسول عليه الصلاة والسلام أُمي؟ لأنه لا يقرأ ولا يكتب!! وهذا خطأ فادح. سأل أحد الناس عالماً جليلاً فقال له: لم سمي النبي صلى الله عليه وسلم. فقال العالم: ماذا يقول الناس؟ فقال الرجل: يقولون إنه سمي الأمي لأنه لم يحسن أن يكتب. فقال له: كذبوا عليكم !! كيف والله يقول في محكم كتابه (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)، فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن؟ والله لقد كان رسول الله يقرأ ويكتب بثلاث وسبعين لساناً، وإنما سمي" الأمي " لأنه كان من أهل مكة، ومكة من أمهات القرى ويطلق عليها أم القرى، وسمي أمي: نسبة إلى أم القرى وذلك قول الله عز وجل: (ولينذر أم القرى ومن حولها)، فما صحة هذا الكلام جزاكم الله خيرا؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذا الكلام لا يصح أخي الكريم وانا أعرف إن نيته طيبة إن شاء الله، لكن النية الطيبة لا تصلح العمل غير الطيب وإن شاء الله يكون رجلاً سمحاً وصدره واسع للنصيحة وممن يرجعون للحق من قريب ولا يعاند أو يعادي.
لا يصح نشر هذا الكلام للعامة إلا بعد الرجوع لأهل العلم، وأهل الفتوى ومعرفة الأدلة، وليس كل ما يصل لأحدنا ينشره أخي الكريم: وإن كان الأمر فيه خلاف لكنه في الحقيقة خلاف لا يثبت أمام وضوح الأدلة، ولا أراه خلافا معتبراً، إنما هو خلاف بين من يأخذ بظاهر النصوص، ويعارض بها حقيقة معانيها الواضحة الجلية ليخرج لنا بحلول وسط لا تثبت أمام التحقيق العلمي، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم اقرأ قال ما أنا بقارئ وثبت في صلح الحديبية أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من سيدنا علي بن أبي طالب رضي أن يمح كلمة رسول الله فرفض، فطلب منه أن يعرفه موضعها ليمحها، وهذا يدل أنه لم يكن يعرف الكتابة ولا القراءة حتى صلح الحديبية.
وقد أثبت الله تعالى في كتابه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ولا يكتب في سورة العنكبوت آية ٤٨ بقوله تعالى: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون).
هل نصدق الله تعالى أم نصدق من لا يملك دليلاً واحداً صحيحاً؟!، فأعطني عقلك بارك الله فيك.
فالراجح المؤكد الأشبه عندي بالإجماع ورجحه علماء الأمة المشهورون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب ولم يقرأ حتى تُوفي، وما ورد من كونه كتب – كما في حديث الحديبية -، فإنما معناه أمر عليا رضي الله عنه أن يكتب.
وعلى ذلك فقوله في حديث ابن عباس: (ائْتُونِي بِكِتَابِ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا) إِنما يعنى آمر من يكتب لكم، لا أنه صلى الله عليه وسلم كان سيكتب بنفسه، وخاصة أنه في مرض الموت، وقد أصابه من التعب والضعف ما أصابه، فالمناسب - ولو كان يحسن الكتابة – أن يأمر أحدا ممن بحضرته أن يكتب فكيف والله تعالى أثبت له أنه لا يكتب، وجعل ذلك علامة على صدقه وصدق معجزته وهي القرآن. والاحتجاج بقوله تعالى: (يتلو عليهم لا يقوى على الصمود لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتلو على الناس من حفظه، ولم يكن يكتب وراء جبريل عليه السلام ودليل ذلك قوله تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به. إنا علينا جمعه وقرآنه) سورة القيامة ١٦، ١٧. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعجل حفظ القرآن عند سماعه من جبريل عليه السلام فأخبره الله تعالى بأن حفظه للقرآن مسألة مضمونة من ربه سبحانه. وما جعلني أقول بأنه أشبه بالإجماع إنكار العلماء الشديد على من قال بخلافه كما نقل ابن كثير رحمه الله تعالى: قال ابن كثير رحمه الله:
" وَهَكَذَا كَانَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَخُطُّ سَطْرًا وَلَا حَرْفًا بِيَدِهِ ، بَلْ كَانَ لَهُ كُتَابٌ يَكْتُبُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْوَحْيَ وَالرَّسَائِلَ إِلَى الْأَقَالِيمِ، وَمَنْ زَعَمَ مِنْ مُتَأَخَرِي الْفُقَهَاءِ ، كَالْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَتَبَ يَوْمَ اخْدَيْنِيَةِ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: (ثُمَّ أَخَذَ فَكَتَبَ): وَهَذِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: ( ثُمَّ أَمَرَ فَكَتَبَ) يقصد أمر علي بن أبي طالب رضي ا الله عنه أن يكتب.
وَلِهَذَا اشْتَدَّ النَّكِيرُ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَغْرِبِ وَالْمَشْرِقِ على من قال بقول الباجي، وتبرؤوا مِنْهُ، وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا وَخَطَبُوا بِهِ فِي حَافِلِهِمْ (لذلك فهو كالإجماع)، وَمَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ، عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى تَعَلَّمَ الْكِتَابَةَ، فَضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ ".
انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 285-286).
هذا والله تعالى أعلى وأعلم. وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
أعلى