العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الرجم ثابت بالأدلة

انضم
5 مارس 2023
المشاركات
240
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
21. هل حكم الرجم من المنسوخ في القرآن؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فقد ذكر أهل العلم أن عقوبة الزنى نزلت بالتدرج.
١. عقوبة الزنا بالإيذاء والتوبيخ والتعنيف: بقول الله سبحانه وتعالى: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَاتِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا {النساء: 16}.
٢. الحبس في البيوت
بقول الله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ هُنَّ سَبِيلًا {النساء: 15}.
٣. مائة جلدة للبكر، والرجم للثيب حتى يموت
كما في حديث عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم". رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
وقد ذكر أهل العلم أن الرجم ثابت بالقرآن والسنة وإجماع الصحابة:
أولا. في القرآن ما ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما . قال : قال عمر: إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، وقد قرأتها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، نكالاً الله، والله عزيز من حكيم. متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فخطب الجمعة ، وكان مما قال رضي الله عنه فقال : (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا ، وَعَقَلْنَاهَا، وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوْ الِاعْتِرَافُ). صحيح.
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه - قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، فكان فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، ابن حبان.
قال البيهقي في سننه، بعد ذكر الأحاديث الواردة في ذلك: في هذا وما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت وتلاوتها منسوخة، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا.
فدل على أن آية الرجم من المنسوخ تلاوة وليست منسوخة حكما بل الحكم ثابت ومعمول به شرعا إذا وصل إلى الحاكم بالدليل، ولم يستر الزاني على نفسه أو لم يخف امره، لأنه يجوز له أن يتوب إلى الله ويستر على نفسه، وباب التوبة مفتوح، فإذا افتضح امره ووصل للحاكم أو طلب بنفسه إقامة الحد عليه وجب على الحاكم فعل ذلك إذا عجز عن دفع الحد عنه بشبهة أو جنون، أو هروب...الخ.
فإن تمكن من الهرب جاز للحاكم تركه عساه يتوب، وإذا ظهر منه جنون أو سفه او عته فكذلك، وإذا كان الفعل مصافحة لا مواقعة ولم يحدث جماع بالتقاء الختانين فكذلك لا يقيم عليه الحد في كل ذلك.
ثانيا. السنة
١. أخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه: أن رجلاً من أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال: إنه قد زنى فأعرض عنه فتنحى لشقه الذي أعرض فشهد على نفسه أربع شهادات، فدعاه فقال: هل بك جنون؟ هل أحصنت؟ قال نعم فأمر به أن يرجم بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدرك بالحرة فقتل.
وفي رواية بإسناد حسنه الألباني:
قال: نعيم الأسلمي: كان ماعز بن مالك يتيمًا في حِجرِ أبي؛ فأصاب جاريةً من فقال له أبي: انتِ رسول الله - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فأخبره بما صنعت ؛ لعله يستغفرُ له - وإنما يريد بذلك رجاءَ أن يكون له مخرجًا - ؛ فأتاه فقال: يا رسولَ اللهِ ! إني زنيتُ، فأقم عليَّ كتابَ اللهِ، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله! إني زنيتُ، فأقِمْ عليَّ كتاب الله، حتى قالها أربع مرات، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنك قد قلتها أربع مراتٍ فيمن؟، قال: بفلانة، قال: هل ضاجعتها ؟، قال: نعم، قال: هل باشرْتَها؟، قال: نعم، قال: هل جامعتها؟ قال: نعم، قال: فأمر به أن يُرجم، فأخرج به إلى الحرَّةِ، فلما رُجم، فوجد مس الحجارة، فجزع، فخرج يشتد، فلقيه عبد الله بن أُنيس – وقد عجز -؛ فنزع له بوظيف بعير فرماه فقتله، ثم أتى النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلم -، فذكر ذلك له، فقال: هلا تركتموهُ؛ لعله أن يتوب فيتوب الله عليه؟!
فدل ذلك على جواز ترك الزاني إذا هرب رجاء توبته، وليس فيه دليل على إبطال حكم الرجم في الإسلام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برجمه فدل على ان الأصل إقامة الحد، وتركه يهرب طالما أراد الهرب هو فرع عن الأصل. وللأسف فإن بعض من يدعون لأنفسهم انهم علماء ويتصدرون الفضائيات يستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: هلا تركتموه على انه لا. الإسلام والبديهة تسأل كل ذي عقل فلماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه ابتداء.
لكن كما قال القائل:
ولا يصح: في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
٢ . أخرج مسلم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
أخرج مسلم من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قال عليه الصلاة والسلام واعدُ يا أُنيس - أنس بن مالك رضي الله عنه – إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت.
في البخاري عن عبد ا الله بن عمر - رضي الله عنهما: أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم، فقالوا نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام أرفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم.
ثالثا. الإجماع:
قال النووي: أجمع العلماء على أن الرجم لا يكون إلا على من زنى وهو محصن، وأجمعوا على أنه إذا قامت البيئة بزناه وهو محصن يرجم.
وقد نقل الإجماع عليه ابن قدامة فقال: الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة أحدهما في وجوب الرجم على الزاني المحصن، رجلاً كان أو امرأة وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفاً إلا الخوارج فإنهم قالوا: الجلد للبكر والثيب. وقال العيني في عمدة القاري: وقد وقع ما خشيه عمر - رضي الله تعالى عنه، فإن طائفة من الخوارج أنكروا الرجم، وكذا بعض المعتزلة أنكروه.
وقال ابن عبد البر: ومعنى قول الله عز وجل: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، معناه الأبكار دون من قد أحصن، وأما المحصن فحده الرجم إلا عند الخوارج، ولا يعدهم العلماء - أي لا يعتبرون بقولهم - لخروجهم عن جماعة المسلمين.
وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصنين فمن رجم ماعز الأسلمي والغامدية، والجهنية والتي بعث إليها أنيسا. ورجم عمر بن الخطاب سخيلة بالمدينة ورجم بالشام، وقصة الحبلى التي أراد رجمها فقال له معاذ بن جبل ليس لك ذلك؛ للذي في بطنها، فإنه ليس لك عليه سبيل. ورجم عليّ رضي الله عنه، شراحة الهمدانية.
ورجم أيضا في مسيره إلى صفين رجلا أتاه مقرا بالزنا. وهذا كله مشهور عند العلماء.
وعرض مثل ذلك لعثمان عفان وعلي رضي الله عنهما في المجنونة الحبلى.
يبقى القول:
إذا كان القانون في الدولة لا ينص على إقامة الحد وينص على السجن ووصل الأمر إلى الحاكم فعليه ان يطبق عقوبة السجن تعزيرا لا حدا، فإن كان بمقدوره إقامة الحد وتخلف عنه فإنه آثم وإن لم يفتضح امر الزاني او لم يصل إلى الحاكم ليحكم عليه بالسجن فمستحب له ان يستر على نفسه ويتوب ويصلح ما أفسد. والله اعلم.
 
أعلى