د. ياسر محمد جابر
:: مشارك ::
- انضم
- 5 مارس 2023
- المشاركات
- 240
- الإقامة
- قطر الدوحة
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو عمار الرشيدي
- التخصص
- فقه وأصول
- الدولة
- قطر
- المدينة
- الدوحة
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
١٧. يُفتي البعض بأن الترحم على المسيحي المتوفى أو اليهودي جائز بخلاف الاستغفار المنهي عنه في النصوص، وأنه يُحكم للكتابي المقتول ظلما وهو يجاهد بأنه شهيد، فما صحة ذلك؟  
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالجواب على هذا السؤال يتضمن عناصر عدة: أولها مهابة الموت واحترام الإنسان كإنسان، وأنه نفس ذاقت الموت، أو نفس تفلتت من الإسلام وللموت هيبته، وحرمته وقد ورد في السنة قوله عليه الصلاة والسلام: إذا رأيتم الجنازة فقوموا وجاء في بعض الروايات: قالوا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال: أليست نفسًا، وفي لفظ: إنما قمنا للملائكة، وفي لفظ: إن للموت لفزعا. ويدخل في ذلك مراعاة أهل الميت ومصابهم وحزنهم عليه، وهذا يدخل في أخلاق الإسلام، سيما لو كان الميت الكتابي من أهل السلم وليس من أهل الحرب فله حق البر والصلة والإحسان والقسط والعدل والمعاملة بالأخلاق الطيبة دون المودة القلبية لأن المودة القلبية من حب ووئام وتوافق تكون من المسلم للمسلم.
وعليه فيراعى حق الميت في حرمة الموت ثم أهل الميت في مصابهم فلا نشغلهم بما يزيد من حزنهم أكثر وأكثر وهم مسالمون لنا، فيؤجل الكلام عن كون الميت كتابيا وهل يعد شهيدا ام لا وهل تجوز عليه الرحمة والمغفرة أم لا لأن ذلك يؤذي أهل الميت ويزيد من مصابهم. وإن كان ولابد للجواب على أسئلة شرعية أو استفتاءات عاجلة بشأن ذلك فيراعى في الجواب الجمع بين العاطفة وبيان الحكم الشرعي، وإظهار المقابلة في الأحكام في الملتين على السواء، للقضاء على حالة الجزع والاحتقان والدخول في الدائرة النفسية، فإن كانت الفتوى بأن المتوفى الكتابي لا يُستغفر له ولا يُدعى له بالرحمة من قبل المسلم، ولا يعد شهيداً إن قتل مجاهدا، فالسؤال: ما حكم المسلم المجاهد المقتول في شريعة اليهودية أو المسيحية وهل يدعون له بالرحمة والمغفرة؟
سنجد أن الأحكام واحدة هنا وهناك بالتبادل فهم يعتبرون المسلم كافراً بدينهم لأنه لا يؤمن بالثالوث الآب والابن والروح القدس، وإذا مات على ذلك فهو كافر في النار لا تجوز عليه الرحمة. فهناك مقابلة مماثلة في الأحكام الشرعية.
والمسلم يعتبر أن الكتابي غير المؤمن بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته المنكر للإسلام منهجاً وشريعة من رب العالمين هو في النار بحكم الشرع والنص فالمقابلة متماثلة فلا يجب المجاملة على حساب الشرع، لكن ينبغي مراعاة السياق الذي تُدار فيه مثل هذه الفتاوى، ويجب أن تدار بذكاء حتى لا تستغل من قبل المغرضين والمرجفين فيروجوا للعامة البسطاء أن الإسلام متشدد وأن أهل الفتوى متطرفون، استغلالا لعدم درايتهم بهذه المقابلة في الأحكام هنا وهناك.
وللأسف أن بعض أهل العلم يحاولون تخفيف أو تلطيف الفتوى فيقعون في تشويه الحكم الشرعي أو إلغائه أو تمييعه.
العنصر الثاني: القول بأن الكتابي دون المشرك، والله تعالى قال (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) سورة النساء. والمسيحية واليهودية دون ذلك. والجواب على هذه الشبهة: أن العبرة بمجموع النصوص لا بأفرادها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: والذي نفسي بيده؛ لا أحد يسمع بي من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم وغيره.
لذلك الاستنباط القياسي بأن المسيحية دون الشرك تجعلنا نقابله باستنباط مقابل أن المسلم الصائم المتصدق لكنه تارك للصلاة جحوداً هو أدنى من الشرك ومن المسيحية لأنه ينطق الشهادتين، ورغم ذلك حكم عليه بالنص أنه كافر في النار لأنه نقض الشهادتين بجحوده ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فضلاً عن أما المسيحي فهو جاحد للإسلام وللشهادتين اعتقاداً وابتداء جحوده التكاليف الشرعية جميعها بما فيها الصلاة والصيام ...الخ.
العنصر الثالث: التفرقة بين المغفرة والرحمة فقالوا بأن الدعاء بالرحمة جائز لأنه لم يرد النهي عنه، بل عن المغفرة، وأن الرحمة قد تفيد تخفيف العذاب عنه في النار ولا يلزم منها دخوله الجنة، وقد يكون هذا صحيحا لكن في الإشهار به فتنة لعامة المسلمين الذين لا يفرقون بين التعريفات الشرعية للمصطلحات، فالإسرار به أولى من الإشهار، وتجنبه أولى، وإذا كان ولابد من تعزيتهم كأن يكونوا جيراناً أو زملاء في العمل فيكفي أن يقول: ألهمكم الله الصبر والسلوان وأعانكم على مصابكم. فيكون قد دعا لأهل الميت بالصبر ولم يدع للميت غير المسلم بالمغفرة والرحمة، وخروجا من الخلاف، والله أعلم.
والخلاصة: يجب مراعاة الموت ومهابته وفزعته وحزن أهل الميت على ميتهم، وألا نزيد في جراحهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يهودي ولم يسأله الصحابة أنترحم عليه أم لا، ولم يدع له النبي صلى الله عليه وسلم بالمغفرة ولا بالرحمة رغم حزنه وأسفه على تفلته من الإسلام.
كذلك إذا كان ولابد من الجواب على استفتاءات فيراعى فيها التوازن والذكاء وعدم المداهنة، أو التحايل أو التلفيق، لأن حرمة الدين مقدمة، واستغلال الأحداث لصالح الدين والعقيدة والمقدسات، لأن الإعلام سلاح عصري نافذ الحرب على أعداء الدين. هذا والله أعلم.
			
			الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالجواب على هذا السؤال يتضمن عناصر عدة: أولها مهابة الموت واحترام الإنسان كإنسان، وأنه نفس ذاقت الموت، أو نفس تفلتت من الإسلام وللموت هيبته، وحرمته وقد ورد في السنة قوله عليه الصلاة والسلام: إذا رأيتم الجنازة فقوموا وجاء في بعض الروايات: قالوا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال: أليست نفسًا، وفي لفظ: إنما قمنا للملائكة، وفي لفظ: إن للموت لفزعا. ويدخل في ذلك مراعاة أهل الميت ومصابهم وحزنهم عليه، وهذا يدخل في أخلاق الإسلام، سيما لو كان الميت الكتابي من أهل السلم وليس من أهل الحرب فله حق البر والصلة والإحسان والقسط والعدل والمعاملة بالأخلاق الطيبة دون المودة القلبية لأن المودة القلبية من حب ووئام وتوافق تكون من المسلم للمسلم.
وعليه فيراعى حق الميت في حرمة الموت ثم أهل الميت في مصابهم فلا نشغلهم بما يزيد من حزنهم أكثر وأكثر وهم مسالمون لنا، فيؤجل الكلام عن كون الميت كتابيا وهل يعد شهيدا ام لا وهل تجوز عليه الرحمة والمغفرة أم لا لأن ذلك يؤذي أهل الميت ويزيد من مصابهم. وإن كان ولابد للجواب على أسئلة شرعية أو استفتاءات عاجلة بشأن ذلك فيراعى في الجواب الجمع بين العاطفة وبيان الحكم الشرعي، وإظهار المقابلة في الأحكام في الملتين على السواء، للقضاء على حالة الجزع والاحتقان والدخول في الدائرة النفسية، فإن كانت الفتوى بأن المتوفى الكتابي لا يُستغفر له ولا يُدعى له بالرحمة من قبل المسلم، ولا يعد شهيداً إن قتل مجاهدا، فالسؤال: ما حكم المسلم المجاهد المقتول في شريعة اليهودية أو المسيحية وهل يدعون له بالرحمة والمغفرة؟
سنجد أن الأحكام واحدة هنا وهناك بالتبادل فهم يعتبرون المسلم كافراً بدينهم لأنه لا يؤمن بالثالوث الآب والابن والروح القدس، وإذا مات على ذلك فهو كافر في النار لا تجوز عليه الرحمة. فهناك مقابلة مماثلة في الأحكام الشرعية.
والمسلم يعتبر أن الكتابي غير المؤمن بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالته المنكر للإسلام منهجاً وشريعة من رب العالمين هو في النار بحكم الشرع والنص فالمقابلة متماثلة فلا يجب المجاملة على حساب الشرع، لكن ينبغي مراعاة السياق الذي تُدار فيه مثل هذه الفتاوى، ويجب أن تدار بذكاء حتى لا تستغل من قبل المغرضين والمرجفين فيروجوا للعامة البسطاء أن الإسلام متشدد وأن أهل الفتوى متطرفون، استغلالا لعدم درايتهم بهذه المقابلة في الأحكام هنا وهناك.
وللأسف أن بعض أهل العلم يحاولون تخفيف أو تلطيف الفتوى فيقعون في تشويه الحكم الشرعي أو إلغائه أو تمييعه.
العنصر الثاني: القول بأن الكتابي دون المشرك، والله تعالى قال (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) سورة النساء. والمسيحية واليهودية دون ذلك. والجواب على هذه الشبهة: أن العبرة بمجموع النصوص لا بأفرادها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: والذي نفسي بيده؛ لا أحد يسمع بي من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم وغيره.
لذلك الاستنباط القياسي بأن المسيحية دون الشرك تجعلنا نقابله باستنباط مقابل أن المسلم الصائم المتصدق لكنه تارك للصلاة جحوداً هو أدنى من الشرك ومن المسيحية لأنه ينطق الشهادتين، ورغم ذلك حكم عليه بالنص أنه كافر في النار لأنه نقض الشهادتين بجحوده ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فضلاً عن أما المسيحي فهو جاحد للإسلام وللشهادتين اعتقاداً وابتداء جحوده التكاليف الشرعية جميعها بما فيها الصلاة والصيام ...الخ.
العنصر الثالث: التفرقة بين المغفرة والرحمة فقالوا بأن الدعاء بالرحمة جائز لأنه لم يرد النهي عنه، بل عن المغفرة، وأن الرحمة قد تفيد تخفيف العذاب عنه في النار ولا يلزم منها دخوله الجنة، وقد يكون هذا صحيحا لكن في الإشهار به فتنة لعامة المسلمين الذين لا يفرقون بين التعريفات الشرعية للمصطلحات، فالإسرار به أولى من الإشهار، وتجنبه أولى، وإذا كان ولابد من تعزيتهم كأن يكونوا جيراناً أو زملاء في العمل فيكفي أن يقول: ألهمكم الله الصبر والسلوان وأعانكم على مصابكم. فيكون قد دعا لأهل الميت بالصبر ولم يدع للميت غير المسلم بالمغفرة والرحمة، وخروجا من الخلاف، والله أعلم.
والخلاصة: يجب مراعاة الموت ومهابته وفزعته وحزن أهل الميت على ميتهم، وألا نزيد في جراحهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يهودي ولم يسأله الصحابة أنترحم عليه أم لا، ولم يدع له النبي صلى الله عليه وسلم بالمغفرة ولا بالرحمة رغم حزنه وأسفه على تفلته من الإسلام.
كذلك إذا كان ولابد من الجواب على استفتاءات فيراعى فيها التوازن والذكاء وعدم المداهنة، أو التحايل أو التلفيق، لأن حرمة الدين مقدمة، واستغلال الأحداث لصالح الدين والعقيدة والمقدسات، لأن الإعلام سلاح عصري نافذ الحرب على أعداء الدين. هذا والله أعلم.
 
				
 
		