د. ياسر محمد جابر
:: مشارك ::
- انضم
- 5 مارس 2023
- المشاركات
- 240
- الإقامة
- قطر الدوحة
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو عمار الرشيدي
- التخصص
- فقه وأصول
- الدولة
- قطر
- المدينة
- الدوحة
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
١٥٥. ما مصدر عزة النفس؟ هل الدين أم القوة أم المال أم ماذا؟!
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
فقد شاهدت مقطعا مصورا لرجل يمد يده ليأخذ بيضة ترقد عليها دجاجة، وهي تمنعه بقوة واستماتة، ففتح يده الأخرى وقدمها رويدا لها لتأكل ما فيها من حب، ثم بعد أن انتهت؛ مد الرجل يده ليأخذ البيضة فبدت الدجاجة مترددة ومتوترة ومنكسرة ولم تمنع الرجل هذه المرة من أخذ بيضتها، التي ربما تثمر عن روح جديدة تمنحها سعادة الأمومة.
وهذا يدل دلالة واضحة على أنه حتى في عالم الحيوان تضعف النفس إذا أُدينت لغيرها برشوة أو صدقة أو عطاء، فما بالك بعالم الإنسان حيث إنّ المرتشي يصغر ويذلّ للإنسان الراشي، ويتنازل عن قيمه ومبادئه ولو مؤقتاً، ويصبح الضابط لديه تحقيق المصلحة على حساب القيم والمبادئ.
يظل الإنسان عزيزًا ما لم يدان لأحد، وكانت العزة شيمته والإيمان حصنه، والمروءة ديدنه، إن الشعور بالدونيّة والهزيمة النفسية لهي شرُّ هزيمة تُمْنى بها أمة من الأمم؛ إذ تفت في عضدها، وتفلّ من حدها، وتهضم قدَرَها، وتجرّئ عُداتها عليها، ولا تقوم معه للحق قائمة. أما الله جل في علاه، فقد أراد لأمة الإسلام أن تكون أمة عزيزة، وللمؤمن أن يكون مرفوع الهامة:﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]؛ فمهما بلغ القرح، وغار الجرح، واستشرس عدوها، فالله يقول لها: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم عزيز النفس يطوي اليوم جائعا ويربط حجرين على بطنه لا يشكو لأحد، ولا يدين بالسؤال لأحد بل يصبر ويصوم،
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه" قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: "يتعرض من البلاء لما لا يطيق".
وبعد جوع ثلاثة أيام يضع الصديق لقمة في فمه ويبتلعها ثم يسأل عن مصدرها، ويشتبه عليه الأمر فيضع أصبعه في فيه ويتقيؤها.
ويقول عمر رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أزلنا الله.
العزة ارتباط بالله، وارتفاع بالنفس عن مواضع المهانة، والتحرر من رق الأهواء، ومن ذل الطمع، وعدم السير إلا وفق ما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وتنقسم العزة إلى قسمين: عزة شرعية، وعزة غير شرعية.
فالقسم الأول: العزة الشرعية: وهي التي ترتبط بالله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيعتز المرء بدينه، ويرتفع بنفسه عن مواضع المهانة، فهو لا يريق ماء وجهه، ولا يبذل عرضه فيما يدنسه، فيبقى موفور الكرامة، مرتاح الضمير، مرفوع الرأس، شامخ العرين، سالما من ألم الهوان، متحررا من رق الأهواء، ومن ذل الطمع، لا يسير إلا وفق ما يمليه عليه إيمانه، والحق الذي يحمله ويدعو إليه.
والثاني: العزة غير الشرعية: كاعتزاز الكفار بكفرهم، وهو في الحقيقية ذل، أو الاعتزاز بالنسب على جهة الفخر والخيلاء، أو الاعتزاز بالوطن، والمال ونحوها، وكل هذه مذمومة. ولها صور منها:
- الاعتزاز بالآباء والأجداد.
- الاعتزاز بالكثرة، سواء كان بالمال، أو العدد.
- الاعتزاز بالأصنام والأوثان.
- الاعتزاز بالجاه والمنصب.
واعلم أن للعزة الدنيوية مصادر شتى، لكنها مثل السراب لا حقيقة لها، والعزة الحقيقية لها مصدر واحد وهو الله جل جلاله، والالتجاء إلى جنابه، فهو سبحانه يذل من يشاء، ويعز من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير؛ يقول الله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) {آل عمران:26}. فالله سبحانه هو المعز الحقيقي لمن يشاء إعزازه من البشر، بما يقيض له من الأسباب الموجبة للعز، كالقوة، وحماية الذمار، ونصرة الحق، وكثرة الأعوان، ونفاذ الكلمة، وغير ذلك من الصفات التي تجعل الحاصل عليها عزيزا.
وهذه الحقيقة هي التي دل عليها قول الله تعالى: من كان يريد العزة فلله العزة جميعا {فاطر:10}. فإذا استقرت في القلوب، كانت كفيلة بأن تبدل معايير العزة الناقصة، وتبدل مفاهيمها الخاطئة. ولا سبيل لتحصيلها إلا بطاعة الله تعالى.
			
			الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
فقد شاهدت مقطعا مصورا لرجل يمد يده ليأخذ بيضة ترقد عليها دجاجة، وهي تمنعه بقوة واستماتة، ففتح يده الأخرى وقدمها رويدا لها لتأكل ما فيها من حب، ثم بعد أن انتهت؛ مد الرجل يده ليأخذ البيضة فبدت الدجاجة مترددة ومتوترة ومنكسرة ولم تمنع الرجل هذه المرة من أخذ بيضتها، التي ربما تثمر عن روح جديدة تمنحها سعادة الأمومة.
وهذا يدل دلالة واضحة على أنه حتى في عالم الحيوان تضعف النفس إذا أُدينت لغيرها برشوة أو صدقة أو عطاء، فما بالك بعالم الإنسان حيث إنّ المرتشي يصغر ويذلّ للإنسان الراشي، ويتنازل عن قيمه ومبادئه ولو مؤقتاً، ويصبح الضابط لديه تحقيق المصلحة على حساب القيم والمبادئ.
يظل الإنسان عزيزًا ما لم يدان لأحد، وكانت العزة شيمته والإيمان حصنه، والمروءة ديدنه، إن الشعور بالدونيّة والهزيمة النفسية لهي شرُّ هزيمة تُمْنى بها أمة من الأمم؛ إذ تفت في عضدها، وتفلّ من حدها، وتهضم قدَرَها، وتجرّئ عُداتها عليها، ولا تقوم معه للحق قائمة. أما الله جل في علاه، فقد أراد لأمة الإسلام أن تكون أمة عزيزة، وللمؤمن أن يكون مرفوع الهامة:﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]؛ فمهما بلغ القرح، وغار الجرح، واستشرس عدوها، فالله يقول لها: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم عزيز النفس يطوي اليوم جائعا ويربط حجرين على بطنه لا يشكو لأحد، ولا يدين بالسؤال لأحد بل يصبر ويصوم،
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه" قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: "يتعرض من البلاء لما لا يطيق".
وبعد جوع ثلاثة أيام يضع الصديق لقمة في فمه ويبتلعها ثم يسأل عن مصدرها، ويشتبه عليه الأمر فيضع أصبعه في فيه ويتقيؤها.
ويقول عمر رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أزلنا الله.
العزة ارتباط بالله، وارتفاع بالنفس عن مواضع المهانة، والتحرر من رق الأهواء، ومن ذل الطمع، وعدم السير إلا وفق ما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وتنقسم العزة إلى قسمين: عزة شرعية، وعزة غير شرعية.
فالقسم الأول: العزة الشرعية: وهي التي ترتبط بالله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيعتز المرء بدينه، ويرتفع بنفسه عن مواضع المهانة، فهو لا يريق ماء وجهه، ولا يبذل عرضه فيما يدنسه، فيبقى موفور الكرامة، مرتاح الضمير، مرفوع الرأس، شامخ العرين، سالما من ألم الهوان، متحررا من رق الأهواء، ومن ذل الطمع، لا يسير إلا وفق ما يمليه عليه إيمانه، والحق الذي يحمله ويدعو إليه.
والثاني: العزة غير الشرعية: كاعتزاز الكفار بكفرهم، وهو في الحقيقية ذل، أو الاعتزاز بالنسب على جهة الفخر والخيلاء، أو الاعتزاز بالوطن، والمال ونحوها، وكل هذه مذمومة. ولها صور منها:
- الاعتزاز بالآباء والأجداد.
- الاعتزاز بالكثرة، سواء كان بالمال، أو العدد.
- الاعتزاز بالأصنام والأوثان.
- الاعتزاز بالجاه والمنصب.
واعلم أن للعزة الدنيوية مصادر شتى، لكنها مثل السراب لا حقيقة لها، والعزة الحقيقية لها مصدر واحد وهو الله جل جلاله، والالتجاء إلى جنابه، فهو سبحانه يذل من يشاء، ويعز من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير؛ يقول الله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) {آل عمران:26}. فالله سبحانه هو المعز الحقيقي لمن يشاء إعزازه من البشر، بما يقيض له من الأسباب الموجبة للعز، كالقوة، وحماية الذمار، ونصرة الحق، وكثرة الأعوان، ونفاذ الكلمة، وغير ذلك من الصفات التي تجعل الحاصل عليها عزيزا.
وهذه الحقيقة هي التي دل عليها قول الله تعالى: من كان يريد العزة فلله العزة جميعا {فاطر:10}. فإذا استقرت في القلوب، كانت كفيلة بأن تبدل معايير العزة الناقصة، وتبدل مفاهيمها الخاطئة. ولا سبيل لتحصيلها إلا بطاعة الله تعالى.
 
				
 
		