العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

خطورة التبعية والتقليد في الدين

انضم
5 مارس 2023
المشاركات
240
الإقامة
قطر الدوحة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمار الرشيدي
التخصص
فقه وأصول
الدولة
قطر
المدينة
الدوحة
المذهب الفقهي
الحنبلي
١٥٧. كثير من أهل الملل ورثوها عن آبائهم وأمهاتهم، فكيف يأثمون وقد نشأوا في مجتمعات تدين بهذه الملل؟!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛
فنعالج في هذه السطور عائق التبعية والتقليد الحائل دون وصول الإنسان إلى الدين الصحيح الحق والصواب المراد من الله للعباد؛ فأسأل:
ما هو دينك؟ ولماذا هو دينك؟ ولماذا لا يكون غيره؟
لو وجهت هذا السؤال لأي إنسان يدين بدين ما سيجيبك بصرامة عن السؤال الأول، وسيتوقف غالبا عن إجابة السؤال الثاني، وسيضحك ساخراً من السؤال الثالث لاستنكاره واستبعاد وقوعه، فإذا ما أظهرت له الجدية والصرامة والإصرار؛ اندهش وتهرب منك، ولم يتبق لك إلا أن تقحمه رغما عنه في الحوار؛ بطرحك لكل الأجوبة المحتملة، ثم تطلب منه الاختيار من بينها، ربما عن وراثة، ربما عن دراسة، ربما عن هداية، ربما ...وجوابه غالبا بنسبة ٩٩% سيكون وراثة، وعندها تباغته بالسؤال: وهل كل ما يؤخذ بالوراثة يكون صحيحا؟ صوابا؟ هل الذين عبدوا الأصنام بالوراثة كانوا على صواب؟! والذين عبدوا البقر، الفئران، البشر، الكواكب...وتفصل له السؤال على حالته بحيث يكون جوابه:
لا لم يكونوا على صواب؛ فعندها تباغته من جديد بالسؤال: فما يدريك أنك أنت على صواب؟ أنت مثلهم، أخذت دينك بالوراثة؟ ألا يوجد نسبة ما ولو 5% أنك على خطأ؟ بلى يوجد؛ فلماذا تترك نفسك رهينة الاحتمال؟ لماذا لا تبحث عن منطقة آمنة؟
وكيف ذلك؟! بأن تتجرد من الوراثة الدينية والعقلية والروحية، التي أُضطررت وأُرغمت عليها وكنت تُعذر بها زمن طفولتك وقصور عقلك، أما الآن فأنت إنسان كبير مستقل عاقل مفكر قادر على البحث والقراءة والتمييز والاستكشاف والوصول إلى الحقيقة بشكل مستقل ومقنع وغير تابع فيه لأحد ولا مقلد فيه بجهل، سواء لوالديك أو للمجتمع أو للسلطة، أو ...الخ.
الله تعالى واحد، فينبغي أن يكون الدين واحداً، لكن الكوكب يمتلئ بمئات الملل والعقائد، ومن بينها دين واحد هو الحق والصواب، المسلم يقول هو الإسلام، والمسيحي يقول بل المسيحية، واليهودي بل اليهودية، والبوذي والهندوسي...الخ، وداخل كلٍ فصائل وفرق وجماعات وأحزاب وشيع: السنة والشيعة في الإسلام، والكاثوليك والبروستانت والأرثوذوكس في المسيحية...وهكذا!
ويوجد دين واحد وعقيدة واحدة هي الحق والخير والصواب، من يدين بها فهو المتعبد لله على الحقيقة دون غيره، فما هو هذا الدين؟
إذا مت وقابلت الله تعالى وأخبرك أنك عشت في الدنيا على الدين الخطأ والذي أخذته بالوراثة من أبيك وأمك أو مجتمعك فماذا أنت فاعل؟
هل الوراثة ستكون حجتك على الله؟ أم أن العقل سيكون حجة الله عليك؟ قدرتك على الطلب والبحث والكشف والسؤال والتمييز، كل ذلك حجج لله تعالى عليك، ومن قبل الفطرة التي خلقها الله تعالى فيك والتي كانت تحرك فيك نوازع الاعتراض على الباطل وتدعوك للعودة إلى المنبع الصافي وأنت لا تبالي.
عندما تقام عليك الحجة وتنقطع بك الأعذار ويؤمر بك إلى النار فماذا أنت فاعل؟ أنت ما زلت هنا ولم تمت بعد، ما زالت أمامك الفرصة لاستثمار عقلك الساكن، الذي يتحرك في كل مكان وصوب ومصلحة إلا في أعظمها مطلقا، علاقتك بالله. رفضت أن تعيش في جلباب أبيك مقلدًا له في حياته الدنيوية والمهنية، لكنك وافقت أن تعيش في جلبابه الديني دون أدنى اعتراض.
الله واحد، والدين واحد، ودين واحد هو الحق، فما هو؟ هل هو الإسلام أم المسيحية أم اليهودية أم البوذية أم الهندوسية، أم...كيف نعرف؟ بالوراثة؟
لا؛ لأن كلٌ سيختار دين آبائه وأجداده ولو كانت حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع.
السبيل لمعرفة الدين الحق على وجه اليقين والاستقلال هو البحث والسؤال والعودة للفطرة والاستكشاف والتمييز والمقارنة والانسجام الروحي والتناسق العقلي والارتياح القلبي، الدين الذي يمنح السعادة، الذي يطرح نفسه على العقول بالأدلة المستقيمة، والبراهين الساطعة، والتحديات الصارمة، والإعجازات القائمة المستمرة، والمرجعية الإلهية، بلا واسطة من بشر، ولا صكوك غفران من الأرض، ولا توبة واعتراف إلا لله وحده، دين لا يصادر العقول، بل يدعو للتفكر، ولا يحبس الأرواح، بل يطلقها لعنان السماء تحلق كالطير، ولا يخنق الصدور، بل يجعلها رحبة سعيدة، ولا يعكر القلوب بالمتناقضات، بل يفسح لها بالتناسق والاتساق، ولا تسألني ما هو هذا الدين حتى لا تكون مقلدا بل ابحث عنه بعقلك وقلبك وفطرتك، لتكون معه على بينة ساطعة وقناعة مستقلة. من السهل عليّ أن أقول لك ادخل الإسلام وكن مسلما، وترد عليّ بالمثل فتقول لي ادخل المسيحية وكن مسيحيا أو غيرها إن كنت من أهلها؛ بل أدعوك للبحث بنفسك بذاتك بعقلك بروحك بقلبك بضميرك عن الدين الحق قبل أن تقابل الله وأنت على دين موروث ليس لك عليه برهان ولا دليل ولا حجة، فتندم وقت فوات الندم، وليت شعري ماذا أنت فاعل بعد فوت الفوات؟ هذه دعوة للعالمين لتحريك العقول على الدين، وليس أي دين؛ بل الدين المراد من رب العالمين المراد للعباد، منهج الخلافة الخاتم إلى يوم التناد، دعوة لكل من لا زالت أمامه فرصة للتعقل والتفكر أن يستثمر نعمة العقل الموهوب له من الله تعالى في إزاحة التقليد بلا دليل إلى الإيمان عن برهان، وهذه الدعوة لا يُستثنى منها إنسانٌ على الكوكب؛ يتمتع بالقدرة على التفكر والقراءة والبحث والسؤال والمراجعة والمقارنة، واستنطاق الفطرة، واستقراء الأدلة، واستفهام الضمير، دعوة عامة للمسلم والمسيحي واليهودي والهندوسي والبوذي، دعوة للفرق والنحل والمذاهب والمعتقدات والأيديولوجيات، للعلماني والليبرالي ، للديني واللاديني، للصهيوني والماسوني، دعوة للجميع بالعودة للفطرة، والحق، والخير، عن تعقل ودليل وبرهان، باستقلال لا بتبعية وتقليد.
والله المستعان، وهو هادي السبيل.
 
أعلى