د. ياسر محمد جابر
:: مشارك ::
- انضم
- 5 مارس 2023
- المشاركات
- 240
- الإقامة
- قطر الدوحة
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبو عمار الرشيدي
- التخصص
- فقه وأصول
- الدولة
- قطر
- المدينة
- الدوحة
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
١٦٤. كثير من المناظرات يحصل فيها انفعالات وتوتر، وربما يصاب أحدهم بارتفاع في السكر أو يخرج إلى المشفى، فهل من كلمة موجهة في هذا الشأن؟  
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
فمناظرة العالِم مثمرة، ومناظرة الجاهل مُقبِرة، بضم الميم وكسر الباء، أي قد تدخله القبر، لأن مناظرة الجاهل متعبة للأعصاب وقد تصيب بالمرض خاصة من كان معه ضغط أو سكر أو مرض في القلب مثلًا، وذلك بسبب الجهل من الخصم أو لهوى في نفسه، أو للرغبة في تلبيس الحق بالباطل والعكس، أو لسياسة متبعة، أو للتكسب والتربّح مما يقول، أو لطلب الشهرة كغاية في ذاتها…إلخ.
وقد مات بعضُ أهل العلم بسبب الجدال الحاد في المناظرة أو الخصومة الفكرية، ومنهم الشيخ محمد الغزالي، فقد شاء الله أن يُدعى الشيخ إلى مؤتمر في الرياض عام 1996، وطلب منه تلامذته ألا يسافر خوفًا من التعرض للنقد، خاصة أن طبيبه أوصاه بعدم الانفعال، فرفض وسافر، وأثناء المؤتمر اتهمه أحد الحاضرين بمعاداة السُّنة بسبب أحد مؤلفاته، فانفعل عليه، وأخذ يدافع عن موقفه من السُنة وحبه لها، حتى أصيب بذبحة صدرية، وكانت آخر كلماته: «نريد أن نعلو، لا إله إلا الله» ثم خرّ ميتًا. وقيل إن سيبويه مات بسبب الظلم في المناظرة، حيث جرت مناظرة بينه وبين الكسائي في مسألة الرفع والنصب، وكان من مؤيدي الكسائي رجل يسمى يحيى البرمكي، وكان حاضرًا المناظرة، وكان وزيرًا للرشيد، واتفق مُسبقًا مع رجال من العرب العارفين بالنحو على تأييد الكسائي، بعد طلب الاحتكام.
ودخل الأعرابُ فسُئلوا عن المسائل التي جرت بينهما وتابَعوا الكسائيَّ على قوله بإجازة النصب، بينما يقول سيبويه بالرفع فقط، وقالوا في كلّ المسائل بلا تريث: «القول ما قال الكسائي».
فانصرف الناس يتحدَّثون بهذه الهزيمة التي مُني بها سيبويه، فجعل يهيمُ على وجهه في الأرض ويعود أدراجَه إلى منبته في بلاد فارس، ليموتَ هناك بعدها بأيام وهو في ريعان شبابه، وكم من سيبويه مقهور في أمتنا صوته خافت، مظلوم مكلوم.
لذلك رفض - ولا يزال يرفض - الكثير من أهل العلم المناظرة، ويطلبون الرد على الأفكار بما يقابلها عن طريق الكتابة، فتحولت المناظرات بين كثير منهم إلى مناظرات كتابية، لأنها أبعد عن التوتر العصبي والضيق النفسي، ولكون الكتابة ذات أفق واسع رحب، فصارت الكتب تلقى ردًا عليها بكتب مقابلة، تناقش وتفند وتنقد، وتؤيد أو تعارض، ثم تُقرأ في تؤدة وتروٍ وتمهل، ومشاورة للعقل، ومراجعة للفكر. نسأل الله العافية.
			
			الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
فمناظرة العالِم مثمرة، ومناظرة الجاهل مُقبِرة، بضم الميم وكسر الباء، أي قد تدخله القبر، لأن مناظرة الجاهل متعبة للأعصاب وقد تصيب بالمرض خاصة من كان معه ضغط أو سكر أو مرض في القلب مثلًا، وذلك بسبب الجهل من الخصم أو لهوى في نفسه، أو للرغبة في تلبيس الحق بالباطل والعكس، أو لسياسة متبعة، أو للتكسب والتربّح مما يقول، أو لطلب الشهرة كغاية في ذاتها…إلخ.
وقد مات بعضُ أهل العلم بسبب الجدال الحاد في المناظرة أو الخصومة الفكرية، ومنهم الشيخ محمد الغزالي، فقد شاء الله أن يُدعى الشيخ إلى مؤتمر في الرياض عام 1996، وطلب منه تلامذته ألا يسافر خوفًا من التعرض للنقد، خاصة أن طبيبه أوصاه بعدم الانفعال، فرفض وسافر، وأثناء المؤتمر اتهمه أحد الحاضرين بمعاداة السُّنة بسبب أحد مؤلفاته، فانفعل عليه، وأخذ يدافع عن موقفه من السُنة وحبه لها، حتى أصيب بذبحة صدرية، وكانت آخر كلماته: «نريد أن نعلو، لا إله إلا الله» ثم خرّ ميتًا. وقيل إن سيبويه مات بسبب الظلم في المناظرة، حيث جرت مناظرة بينه وبين الكسائي في مسألة الرفع والنصب، وكان من مؤيدي الكسائي رجل يسمى يحيى البرمكي، وكان حاضرًا المناظرة، وكان وزيرًا للرشيد، واتفق مُسبقًا مع رجال من العرب العارفين بالنحو على تأييد الكسائي، بعد طلب الاحتكام.
ودخل الأعرابُ فسُئلوا عن المسائل التي جرت بينهما وتابَعوا الكسائيَّ على قوله بإجازة النصب، بينما يقول سيبويه بالرفع فقط، وقالوا في كلّ المسائل بلا تريث: «القول ما قال الكسائي».
فانصرف الناس يتحدَّثون بهذه الهزيمة التي مُني بها سيبويه، فجعل يهيمُ على وجهه في الأرض ويعود أدراجَه إلى منبته في بلاد فارس، ليموتَ هناك بعدها بأيام وهو في ريعان شبابه، وكم من سيبويه مقهور في أمتنا صوته خافت، مظلوم مكلوم.
لذلك رفض - ولا يزال يرفض - الكثير من أهل العلم المناظرة، ويطلبون الرد على الأفكار بما يقابلها عن طريق الكتابة، فتحولت المناظرات بين كثير منهم إلى مناظرات كتابية، لأنها أبعد عن التوتر العصبي والضيق النفسي، ولكون الكتابة ذات أفق واسع رحب، فصارت الكتب تلقى ردًا عليها بكتب مقابلة، تناقش وتفند وتنقد، وتؤيد أو تعارض، ثم تُقرأ في تؤدة وتروٍ وتمهل، ومشاورة للعقل، ومراجعة للفكر. نسأل الله العافية.
 
				
 
		