منهجية علمية متكاملة لكتابة التوصيات في الرسائل والأبحاث العلمية

[أ.د. عبدالحميد بن صالح الكراني(أ.د. عبدالحميد بن صالح الكراني) عضو موثق.]

منهجية علمية متكاملة لكتابة التوصيات في الرسائل والأبحاث العلمية​

تُعدّ التوصيات من أهم عناصر الرسائل العلمية، فهي تمثل ثمرة الجهد البحثي، وترجمان نتائجه إلى خطوات عملية، وتكون مؤشرًا على وعي الباحث بامتداد أثر بحثه وأبعاده المستقبلية؛ ولهذا يجب أن تُكتب التوصيات بمنهجية دقيقة، قائمة على الواقعية والاحتياج الفعلي، لا على الخيال النظري أو الأمنيات العامة.

وينبغي أن تضبط التوصيات بميزان يمكِّن من تحويلها إلى تطبيقات عملية؛ لتكون حلقة الوصل الضرورية بين المعرفة والعمل، وبين النظرية والتأثير. ويتطلب هذا التحويل منظومة متكاملة من الفهم، والتقويم، والربط؛ بحيث يكون البحث العلمي منارة تهدي إلى صناعة المعرفة وتأسيسها.

عناصر التوصيات الرئيسة:
أولاً: التوصيات المباشرة المرتبطة بالبحث ذاته
ينبغي أن تبدأ التوصيات العلمية بتغطية الثغرات التي كشف عنها البحث نفسه، وهي الثغرات التي وُضعت في الإشكالية أو ظهرت خلال التحليل. ويجب أن تكون هذه التوصيات محددة، قابلة للتطبيق، نابعة من نتائج البحث مباشرة، لا من تصورات خارجية.

مثال:
إذا تناولت الدراسة مسألة ضعف إلمام بعض طلاب العلم بأحكام المعاملات المالية المعاصرة، فلا بد أن تكون أولى التوصيات هي إعداد منهج دراسي خاص يراعي الأسس الفقهية التقليدية ويُدرج فيه مستجدات المعاملات المالية الحديثة بطريقة سلسة وميسرة، بناءً على ما كشفته الدراسة من ثغرات معرفية.

ثانيًا: التوصيات التي تغطي الثغرات في التخصص العلمي
بعد معالجة الثغرات الخاصة بالبحث، يُنتقل إلى دائرة أوسع تشمل تخصص الباحث في هذه المرحلة، بحيث يمكن للباحث أن يوصي بتوسيع نطاق البحث ليشمل عينات أو بيئات أخرى، أو يقترح تطوير أدوات بحثية جديدة تساعد في سد النقص المعرفي في المجال.

مثال:
إذا تناولت الدراسة مسألة فقهية تتعلق بأحكام الزكاة في المال النقدي، فيمكن التوصية بإجراء دراسات مماثلة تتناول أحكام الزكاة في أنواع الأموال الأخرى، مثل الأنعام أو الزروع والثمار، أو في سياقات مجتمعية واقتصادية مختلفة.

ثالثًا: التوصيات في إطار العلوم البينية
في العصر الحديث، أصبحت البحوث البينية من أهم مسارات الإنتاج المعرفي، لذا يُستحسن أن تشير التوصيات إلى فرص التكامل بين التخصصات. فالبحث الجيد هو ما يمكن أن يُستثمر في أكثر من مجال.

مثال:
التوصية بدراسة فقهية يمكن أن تُسهم في مجالات الاقتصاد الإسلامي، أو تُفيد الباحثين في سن القوانين من خلال إبراز البدائل الشرعية، أو في تطوير حلول تمويلية متوافقة مع الشريعة في المصارف والمؤسسات المالية

رابعًا: التوصيات ذات الطابع التطبيقي والتحويلي
لا تكتمل التوصيات إلا إذا تمت ترجمتها إلى ممارسات عملية. فالأبحاث العلمية لا يجب أن تظل حبيسة الأدراج أو تقتصر على النشر الأكاديمي، بل ينبغي أن تتحول إلى:

• ورش عمل لتدريب المعنيين بنتائج البحث.
• ندوات علمية لمناقشة النتائج مع أصحاب القرار أو المهتمين.
• مؤتمرات تخصصية تهدف إلى توسيع أثر البحث.
• أدلة إجرائية توضح خطوات تطبيق النتائج في الواقع العملي.
• تمارين ومناهج تعليمية مشتقة من النتائج لتطبيقها في الفصول الدراسية أو البيئات التدريبية.
• مسابقات تحفيزية لتشجيع الفئات المستهدفة على التفاعل مع أفكار البحث.
• جوائز لأبحاث تشجيعية لخلق بيئة تنافسية بناءة تدعم نشر البحث العلمي وتحيي الممارسات المثلى.

نصيحة ختامية للباحث:
كل توصية تضعها ينبغي أن تكون:
• مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بنتائج دراستك.
• مبنية على تحليل علمي دقيق.
• قابلة للتطبيق أو التطوير.
• قادرة على إحداث أثر حقيقي في الميدان أو في المعرفة.