العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)

انضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,795
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد فإني كنت دائما أعلم أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد ولكن كنت أحسب أن قضاياه صادقة لما رأيت من صدق كثير منها، ثم تبين لي فيما بعد خطأ طائفة من قضاياه وكتبت في ذلك شيئا.
ثم لما كنت بالإسكندرية اجتمع بي من رأيته يعظم المتفلسفة بالتهويل والتقليد فذكرت له بعض ما يستحقونه من التجهيل والتضليل. واقتضى ذلك أني كتبت في قعدة بين الظهر والعصر من الكلام على المنطق ما علقته تلك الساعة، ثم تعقبته بعد ذلك في مجالس إلى أن تم. ولم يكن ذلك من همتي فإن همتي إنما كانت فيما كتبته عليهم في الإلهيات.
وتبين لي أن كثيرا مما ذكروه في المنطق هو من أصول فساد قولهم في الإلهيات، مثل ما ذكروه من تركّب الماهيات من الصفات التي سموها ذاتيات، وما ذكروه من حصر طرق العلم فيما ذكروه من الحدود والأقيسة البرهانيات، بل فيما ذكروه من الحدود التي بها تعرف التصورات، بل ما ذكروه من صور القياس ومواده اليقينيات.
فأراد بعض الناس أن يكتب ما علقته إذ ذاك من الكلام عليهم في المنطق فأذنت في ذلك لأنه يفتح باب معرفة الحق، وإن كان ما فُتح من باب الرد عليهم يحتمل أضعاف ما علقته تلك الساعة.

أقول: هنا ثلاث وقفات:
الأولى: ما يتعلق بأهمية المنطق عند الشيخ فهو كان دائما يرى أن المنطق لا يحتاج إليه الذكي من الناس لأنه يملك القدرة على التفكير السليم والاستنتاج الصحيح، وأما البليد فلا ينتفع به لعسر مباحثه بالنسبة إليه، ولأن تطلب من البليد أن يحمل الصخور على كاهله أهون عليه من أن يجلس ساعة يفكر ويتأمل.
نعم لا يُنْكَر أن في المنطق ما قد يستفيدُ ببعضه من كان في كفرٍ وضلالٍ وتقليدٍ لمن نشأ بينهم من الجهَّال، كعوامِّ النصارى واليهود والرافضة ونحوهم، فأورثهم المنطقُ تركَ ما عليه أولئك من تلك العقائد... ففي الجملة، ما يحصلُ به لبعض الناس مِن شَحْذِ ذهنٍ أو رجوعٍ عن باطل أو تعبيرٍ عن حقٍّ، فإنما هو لكونه كان في أسوأ حال، لا لما في صناعة المنطق من الكمال. نقض المنطق ص 286.
الثانية: كان الشيخ لفترة من عمره يحسب أن جميع قضايا المنطق صحيحة وإن كانت لا تخلو من حشو وتطويل وكان الذكي لا يحتاج إليه وذلك لما رأى من صدق كثير من قضاياه.
وهذه النظرة للمنطق أعني اعتقاد صحة قضاياه في نفسها قد شاركه فيها كثير من العلماء فقد قال الشيخ: كان كثير من فضلاء المسلمين وعلمائهم يقولون: المنطق كالحساب ونحوه مما لا يعلم به صحة الإسلام ولا فساده ولا ثبوته ولا انتفاؤه. فهذا كلام من رأى ظاهره وما فيه من الكلام على الأمور المفردة لفظا ومعنى ثم على تأليف المفردات وهو القضايا ونقيضها وعكسها المستوي وعكس النقيض ثم على تأليفها بالحد والقياس وعلى مواد القياس وإلا فالتحقيق: أنه مشتمل على أمور فاسدة ودعاوى باطلة كثيرة. نقض المنطق 341.
ولعل سبب هذا أن الضلال الذي فيه إنما ينشأ من القول بلوازم بعض مسائله والتي لا تكاد تظهر إلا لكبار الحذاق، وهذا ما يجعل الكثير من الناس يدرس ويدرّس بعض مختصرات المنطق ولا يتغير حاله ولا يشعر في نفسه أنه مكذب بشيء من الحق الذي كان يعلمه من القرآن والسنة قبل معرفة المنطق وهذا ما أشار إليه الشيخ في موضع آخر حيث قال: ..قد يطعن في هذا من لم يفهم حقيقة المنطق وحقيقة لوازمه، ويظن أنه في نفسه لا يستلزم صحة الإسلام ولا فساده، ولا ثبوت حق ولا انتفاءه، وإنما هو آلة تعصم مراعاتها عن الخطأ في النظر، وليس الأمر كذلك، بل كثير مما ذكروه في المنطق يستلزم السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات، ويكون من قال بلوازمه ممن قال الله تعالى فيه: وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير.
والكلام في هذا مبسوط في غير هذا الموضوع، وإنما يلتبس على كثير من الناس بسبب ما في ألفاظه من الإجمال والاشتراك والإبهام، فإذا فُسر المراد بتلك الألفاظ انكشفت حقيقة المعاني المعقولة. درء التعارض 1/218.
الثالثة: ذكر الشيخ أنه تبين له لاحقا أن كثيرا من مسائل المنطق هي من أصول ضلال الفلاسفة في باب الإلهيات حينما يتكلمون على الباري سبحانه، وذكر أهم تلك المسائل التي سيدير الكلام عليها وهي:
تركب الماهيات والحقائق الخارجية من الذاتيات.
حصر طرق العلم في الحدود المنطقية والبرهان الأرسطي وأنه لا يُنال المطلوب التصوري إلا بالحد، ولا ينال المطلوب التصديقي إلا بالقياس.
كون الحدود تفيد تصور الأشياء.
ما ذكروه في صور القياس كتفريقهم بين قياس الشمول وقياس التمثيل وما ذكروه في مواده البرهانية،
مثلما ذكروه في مواد البرهان من قبول بعض القضايا التي سموها يقينية واعتقدوها كلية، وليس الأمر كذلك، وردهم لبعض القضايا التي سموها مشهورات ووهميات، مع كونها قد تكون أقوى من كثير من القضايا التي سموها يقينية. درء تعارض العقل والنقل. 7/344.
 
انضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,795
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
وكذلك قول من قال: إن الشيء هو الذي يصح عنه الخبر. فإن يصح أخفى من الشيء، والخبر أخفى من الشيء، فكيف يكون هذا تعريفا للشيء! وإنما تعرف الصحة ويعرف الخبر بعد أن يستعمل في بيان كل واحد منهما أنه شيء أو أنه أمر أو أنه ما أو أنه الذي وجميع ذلك كالمرادفات لاسم الشيء فكيف يصح أن يعرف الشيء تعريفا حقيقيا بما لا يعرف إلا به، نعم ربما كان في ذلك وأمثاله تنبيه ما، وأما بالحقيقة فانك إذا قلت أن الشيء هو ما يصح أن يخبر عنه تكون كأنك قلت أن الشيء هو الشيء الذي يصح عنه الخبر لأن معنى ما والذي والشيء معنى واحد فتكون قد أخذت الشيء في حد الشيء، على أننا لا ننكر أن يقع بهذا وما أشبهه مع فساد مأخذه تنبيه بوجه ما على الشيء ونقول أن معنى الموجود ومعنى الشيء متصوران في الأنفس وهما معنيان والموجود والمثبت والمحصل أسماء مترادفة على معنى واحد ولا شك أن معناها قد حصل في نفس من يقرأ هذا الكتاب.

أقول: من حدّ الشيء بقوله: هو الذي يصح عنه الخبر. فقد عرفه بالأخفى، و"الذي" بمعنى الشيء كأنك قلت هو: الشيء الذي يصح عنه الخبر. وهذا دور. ومع هذا قد فيه تنبيه وإخطار للمعنى في نفس مستمع التعريف، وإلا فالشيء والموجود معنيان متصوران في الأنفس بالبداهة.
 
انضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,795
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
وكذلك قال في حد الواحد والكثير قال:
"فصل في تحقيق الواحد والكثير وإبانة أن العدد عرض"
والذي يصعب علينا تحقيقه ماهية الواحد وذلك أنا إذا قلنا أن الواحد الذي لا ينقسم فقد قلنا أن الواحد الذي لا يتكثر ضرورة فأخذنا في بيان الواحد الكثرة وأما الكثرة فمن الضرورة أن تحد بالواحد لأن الواحد مبدأ الكثرة ومنه وجودها وماهيتها.
ثم أي حد حددنا به الكثرة استعملنا فيه الواحد بالضرورة فمن ذلك ما نقول أن الكثرة هو المجتمع من وحدات فقد أخذنا الوحدة في حد الكثرة ثم عملنا شيئا آخر وهو أنا أخذنا المجمتع في حدها والمجتمع يشبه أن يكون هو الكثرة نفسها وإذا قلنا من الوحدات أو الوحدان أو الآحاد فقد أوردنا بدل لفظ الجمع هذا اللفظ ولا يفهم معناه ولا يعرف إلا بالكثرة وإذا قلنا أن الكثرة هي التي تعد بالواحد فنكون قد أخذنا في حد الكثرة الوحدة ونكون أيضا أخذنا في حدها العدد والتقدير وذلك إنما يفهم بالكثرة أيضا.
فما أغنى علينا أن نقول في هذا الباب شيئا يعتد به لكنه يشبه أن تكون الكثرة أيضا أعرف عند تخيلنا ويشبه أن تكون الوحدة والكثرة من الأمور التي يتصورها بديا فذكر الكثرة نتخيلها أولا والوحدة نعقلها من غير مبدأ لتصورها ثم إن كان ولابد فخيالي ثم تعريفنا الكثرة بالوحدة تعريفا عقليا وهنالك نأخذ الوحدة متصورة بذاتها ومن أوائل التصور يكون تعريفنا الوحدة بالكثرة تنبيها يستعمل فيه المذهب الخيالي النومي إلى معقول عندنا لا يتصور حاضرا في الذهن.
فإذا قالوا إن الوحدة هي الشيء الذي ليست فيه كثرة دلوا على أن المراد بهذه اللفظة الشيء المعقول عندنا بديا الذي يقابل هذا الآخر وليس هو فينبه عليه بسلب هذا عنه.
والعجب ممن يحدد العدد ويقول أن العدد كثرة مؤلفة من وحدة أو آحاد والكثرة نفس العدد ليس كالجنس للعدد وحقيقة الكثرة أنها مؤلفة من وحدات فقولهم أن الكثرة مؤلفة من وحدات كقولهم أن الكثرة كثرة فان الكثرة ليس إلا اسما للمؤلف من الوحدات.
إن قال قائل: إن الكثرة قد تؤلف من أشياء غير الوحدات مثل الناس والدواب فنقول أنه هذه كما أن الأشياء ليست كثرات بل أشياء موضوعة للكثرة وكما أن تلك الأشياء وحدان لا وحدات فكذلك هي كثيرة لا كثرة.
خلاصته: أنهم يقولون الواحد هو: الذي لا ينقسم. وهذا كأنهم قالوا إن الواحد: الذي لا يتكثر. فأخذنا في بيان الواحد الكثرة. ثم أي حد حددنا به الكثرة استعملنا فيه الواحد بالضرورة فمن ذلك ما نقول إن الكثرة هو: المجتمع من وحدات. وهذا دور.
والجواب أن تعقل الوحدة أمر بديهي مستغن عن التعريف وإن كان منتزعا من الصور الكثيرة الخيالية، ثم نتعقل الكثرة بالواحد فلا دور. والقصد أن ذلك التعريف تنبيهي.
 
انضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,795
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
والعجب ممن يحدد العدد ويقول أن العدد كثرة مؤلفة من وحدة أو آحاد والكثرة نفس العدد ليس كالجنس للعدد وحقيقة الكثرة أنها مؤلفة من وحدات فقولهم أن الكثرة مؤلفة من وحدات كقولهم أن الكثرة كثرة فإن الكثرة ليس إلا اسما للمؤلف من الوحدات.

إن قال قائل: إن الكثرة قد تؤلف من أشياء غير الوحدات مثل الناس والدواب فنقول أنه هذه كما أن الأشياء ليست كثرات بل أشياء موضوعة للكثرة وكما أن تلك الأشياء وحدان لا وحدات فكذلك هي كثيرة لا كثرة.

والذين يحسبون أنهم إذا قالوا أن العدد كمية منفصلة ذات ترتيب فقد تخلصوا من هذا فما تخلصوا فان الكمية تحوج تصورها للنفس إلى أن تعرف بالجزء أو القسمة أو المساوة أما الجزء والقسمة فانما يمكن تصورهما بالكثرة وأما المساوة فإن الكمية أعرف منها عند العقل الصريح لأن المساواة من الأعراض الخاصة بالكمية التي يجب أن توخذ في حدها الكمية فيقال إن المساوة هي اتحاد في الكمية والترتيب الذي أخذ في حد العدد أيضا هو ما لا يفهم إلا بعد فهم العدد.

فيجب أن يعلم أن هذه كلها تنبيهات مثل التنبيهات بالأمثلة والأسماء المترادفة فإن هذه المعاني متصورة كلها أو بعضها لذواتها وإنما يدل عليها بهذه الأشياء لينبه عليها وتميز فقط.

أقول: ومن هذا الباب تعريفهم العدد بقولهم: كثرة مؤلفة من وحدات. والكثرة نفس العدد فكأنه قال العدد: عدد مؤلف من وحدات.

ومنها تعريفهم له بأنه: كمية منفصلة ذات ترتيب.

والكمية المنفصلة هي نفس العدد. فما صنعوا شيئا.

فالصواب أن ذلك كله من باب التنبيه وليس تعريفا حقيقيا.
 
انضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,795
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
قلت: فهذا الكلام الذي ذكره ابن سينا هنا قد تلقوه عنه بالقبول كما يذكر مثل ذلك أبو حامد والرازي والسهروردي وغيرهم.
فيقال: هذا الذي ذكروه في حدود هذه الأمور هو موجود في سائر ما يرومون بيانه بحدودهم عند التدبر والتأمل لكن منها ما هو بين لكل أحد كالأمور العامة ومنها ما هو بين لبعض الناس كما يعرف أهل الصناعات والمقالات أمورا لا يعرفها غيرهم فحدودها بالنسبة إلى هؤلاء كحدود تلك الأمور التي يعم علمها بالنسبة إلى العموم
وأما الأمور التي تخفى فمجرد الحدود لا تفيد تعريف حقيقتها بعينها وإنما تفيد تمييزها ونوعا من التعريف الشبهي.
أقول: هنا يقول الشيخ للمناطقة: هذا الذي ذكروه في حدود هذه الأمور هو موجود في سائر ما يرومون بيانه بحدودهم عند التدبر والتأمل. لكنه ينقسم إلى قسمين: الأول: ما هو بين لكل الناس كالأمور العامة كتعريف الموجود والشيء.
ومنها ما هو بين لبعض الناس دون البعض كما يعرف أهل الصناعات مفردات عملهم من الاكتساب والسعي والممارسة لا من الحدود، فحدود تلك الأشياء إذا جلبت من الكتب وقدمت لهم لم تكن إلا تنبيها وإخطارا للمعنى وإلا فهم قد تصوروه بدون الحدود. وأما الأمور الخفية التي لا سابق معرفة بها فيمكن حدها حدا تشبيهيا كما مضى في مثال الخمر.
 
انضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,795
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
وهذا يتبين بتقرير قاعدة في ذلك فنقول: المقول في جواب ما هو المطلوب تعريفه بالحد هو جواب لقول سائل قال: ما كذا كما يقول ما الخمر؟ أو ما الإنسان؟ أو ما الثلج؟.

فهذا الاسم المستفهم عنه المذكور في السؤال إما أن يكون السائل غير عالم بمسماه وإما أن يكون عالما بمسماه.

فالأول كالسائل عن اسم في غير لغته، أو عن اسم غريب في لغته، أو عن اسم معروف في لغته لكن مقصوده تحديد مسماه.

مثل العربي إذا سأل عن معاني الأسماء الأعجمية، والعجمي إذا سأل عن معاني الأسماء العربية، وبعض الأعاجم إذا سأل بعضا عن معاني الأسماء التي تكون في لغة المسئول دون السائل وهذا هو الترجمة.

فالمترجم لا بد أن يعرف اللغتين التي يترجمها والتي يترجم بها وإذا عرف أن المعنى الذي يقصد بهذا الاسم في هذه اللغة هو المعنى الذي يقصد به في اللغة الأخرى ترجمه كما يترجم اسم الخبز والماء والأكل والشرب والسماء والأرض والليل والنهار والشمس والقمر ونحو ذلك من أسماء الأعيان والأجناس وما تضمنته من الأشخاص سواء كانت مسمياتها أعيانا أو معاني.

والترجمة تكون للمفردات وللكلام المؤلف التام وإن كان كثير من الترجمة لا يأتي بحقيقة المعنى التي في تلك اللغة بل بما يقاربه لأن تلك المعاني قد لا تكون لها في اللغة الأخرى ألفاظ تطابقها على الحقيقة لا سيما لغة العرب فان ترجمتها في الغالب تقريب.

ومن هذا الباب ذكر غريب القرآن والحديث وغيرهما بل وتفسير القرآن وغيره من سائر أنواع الكلام وهو في أول درجاته من هذا الباب فان المقصود ذكر مراد المتكلم بتلك الأسماء أو بذلك الكلام.

وهذا الحد هم متفقون على أنه من الحدود اللفظية مع أن هذا هو الذي يحتاج إليه في إقراء العلوم المصنفة بل في قراءة جميع الكتب بل في جميع أنواع المخاطبات بتلك فان من قرأ كتب النحو والطب أو غيرهما لا بد أن يعرف مراد أصحابها بتلك الأسماء ويعرف مرادهم بالكلام المؤلف وكذلك من قرأ كتب الفقه والكلام والفلسفة وغير ذلك.

أقول: كلام الشيخ واضح وقد تقدم بيانه وهنا يقول الشيخ إن الحدود اللفظية هي التي يحتاج إليها في إقراء العلوم وفي التفسير والحديث وغيره بل في جميع الكتب، مع أن المناطقة يستهينون بهذه الحدود اللفظية.

 
انضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,795
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
وهذه الحدود معرفتها من الدين في كل لفظ هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قد تكون معرفتها فرض عين وقد تكون فرض كفاية ولهذا ذم الله تعالى من لم يعرف هذه الحدود بقوله تعالى: الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله. والذي أنزله على رسوله فيه ما قد يكون الاسم غريبا بالنسبة إلى المستمع كلفظ ضيزى وقسورة وعسعس وأمثال ذلك.
وقد يكون مشهورا لكن لا يعلم حده بل يعلم معناه على سبيل الإجمال
كاسم الصلاة والزكاة والصيام والحج فان هذه وإن كان جمهور المخاطبين يعلمون معناها على سبيل الإجمال فلا يعلمون مسماها على سبيل التحديد الجامع المانع إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي التي يقال لها الأسماء الشرعية.
كما إذا قيل صلاة الجنازة وسجدة السهو وسجود الشكر والطواف هل تدخل في مسمى الصلاة في قوله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم " فقيل هل كل ذلك صلاة تجب فيها الطهارة وهل لا تجب الطهارة لمثل ذلك فهل تجب لما تحريمه التكبير وتحليله التسليم وهي كصلاة الجنازة وسجد السهو دون الطواف سجود التلاوة.
وكذلك اسم الخمر والربا والميسر ونحو ذلك يعلم أشياء من مسمياتها ومنها ما لا يعلم إلا ببيان آخر فانه قد يكون الشيء داخلا في اسم الربا والميسر والإنسان لا يعلم ذلك إلا بدليل يدل على ذلك شرعي أو غيره.
ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن حد الغيبة فقال: "ذكرك أخاك بما يكره فقال له: أرأيت أن كان في أخي ما أقول فقال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
وكذلك قوله لما قال: "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر "
فقال رجل: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا أفمن الكبر ذلك؟ فقال: "لا الكبر بطر الحق وغمط الناس ".
وكذلك لما قيل له ما الإسلام وما الإيمان وما الإحسان ولما سئل عن أشياء أهي من الخمر وغير ذلك.
بالجملة فالحاجة إلى معرفة هذه الحدود ماسة لكل أمة وفي كل لغة فان معرفتها من ضرورة التخاطب الذي هو النطق الذي لا بد منه لبني آدم.
أقول: معرفة معاني الألفاظ الواردة في القرآن والسنة والتي قد تخفى واجبة إما وجوبا كفائيا أو عينيا. وقد يكون بيانها بلغة العرب كالعسعس والضيزى، وقد يكون بيانها من قبل الشارع كالصلاة والزكاة والربا، وقد يكون معرفتها من جهة أخرى لا من جهة المعنى الإجمالي بل من جهة تحديد أفرادها وتمييز بعضها عن بعض كمعرفة ما يدخل في الربا وما لا يدخل وما لا يدخل في الخمر المحرمة وما لا يدخل وما يعد من الكبر وما لا يعد.
 
انضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,795
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
وهذا الذي يقال له حد بحسب الاسم والمقول في جواب ما هو من هذا النوع وقد يكون اسما مرادفا وقد يكون مكافيا غير مرادف بحيث يدل على الذات مع صفة أخرى كما إذا قال: ما الصراط المستقيم؟ فقال: هو الإسلام واتباع القرآن أو طاعة الله ورسوله والعلم النافع والعمل الصالح وما الصارم فقيل هو المهند وما أشبه ذلك.

وقد يكون الجواب بالمثال كما إذا سئل عن لفظ الخبز ورأى رغيفا فقال: هذا فان معرفة الشخص يعرف منه النوع.

وإذا سئل عن المقتصد والسابق والظالم فقال: المقتصد الذي يصلي الفريضة في وقتها ولا يزيد والظالم الذي يؤخرها عن الوقت والسابق الذي يصليها في أول الوقت ويزيد عليها النوافل الراتبة ونحو ذلك من التفسير الذي هو تمثيل يفيد تعريف المسمى بالمثال لإخطاره بالبال لا لأن السائل لم يكن يعرف المصلي في أول الوقت وفي أثنائه والمؤخر عن الوقت لكن لم يكن يعرف أن هذه الثلاثة أمثلة الظالم والمقتصد والسابق فإذا عرف ذلك قاس به ما يماثله من المقتصر على الواجب والزائد عليه والناقص عنه.

ثم إن معرفة حدود هذه الأسماء في الغالب تحصل بغير سؤال لمن يباشر المتخاطبين بتلك اللغة أو يقرأ كتبهم فان معرفة معاني اللغات تقع كذلك.

وهذه الحدود قد يظن بعض الناس أنها حدود لغوية يكفي في معرفتها العلم باللغة والكتب المصنفة في اللغة وكتب الترجمة وليس كذلك على الإطلاق.

بل الأسماء المذكورة في الكتاب والسنة ثلاثة أصناف:

- منها ما يعرف حده باللغة كالشمس والقمر والكوكب ونحو ذلك.

- ومنها مالا يعرف إلا بالشرع كأسماء الواجبات الشرعية والمحرمات الشرعية كالصلاة والحج والربا والميسر.

- ومنها ما يعرف بالعرف العادي وهو عرف الخطاب باللفظ كاسم النكاح والبيع والقبض وغير ذلك.

هذا في معرفة حدود ها التي هي مسمياتها على العموم.

أقول: الحد اللفظي يقع بأمور منها:

  • المرادف مثل الليث والأسد.
  • المكافئ مثل الإسلام والصراط المستقيم فهما متغايران مفهوما متحدان مصداقا.
  • المثال نحو الاسم كالرجل.
وهذه الحدود ليست لغوية فقط بل قد تكون شرعية أو عرفية عامة أو خاصة.
 
انضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,795
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
وأما معرفة دخول الأعيان الموجودة في هذه الأسماء والألفاظ فهذا قد يكون ظاهرا وقد يكون خفيا يحتاج إلى اجتهاد وهذا هو التأويل في لفظ الشارع الذي يتفاضل الفقهاء وغيرهم فيه فإنهم قد اشتركوا في حفظ الألفاظ الشرعية بما فيها من الأسماء أو حفظ كلام الفقهاء أو النحاة أو الأطباء وغيرهم ثم يتفاضلون بأن يسبق أحدهم إلى أن يعرف أن هذا المعنى الموجود هو المراد أو مراد هذا الاسم كما يسبق الفقيه الفاضل إلى حادثة فينزل عليها كلام الشارع أو كلام الفقهاء وكذلك الطبيب يسبق إلى مرض لشخص معين فينزل عليه كلام الأطباء إذ الكتب والكلام المنقول عن الأنبياء والعلماء إنما هو مطلق بذكر الأشياء لصفاتها وعلاماتها فلا بد يعرف أن هذا المعين هو ذاك.

وإذا كان خفيا فقد يسميه بعض الناس تحقيق المناط فإن الشارع قد ناط الحكم بوصف كما ناط قبول الشهادة بكونه ذا عدل، وكما ناط العشرة المأمور بها بكونها بالمعروف، وكما ناط النفقة الواجبة بالمعروف، وكما ناط الاستقبال في الصلاة بالتوجه شطر المسجد الحرام، يبقى النظر في هذا المعين هل هو شطر المسجد الحرام وهل هذا الشخص ذو عدل وهل هذه النفقة نفقة بالمعروف وأمثال ذلك لابد فيه من نظر خاص لا يعلم ذلك بمجرد الاسم.

وقد يكون الاجتهاد في دخول بعض الأنواع في مسمى ذلك الاسم كدخول الأشربة المسكرة من غير العنب والنخل في مسمى الخمر ودخول الشطرنج والنرد ونحوهما في مسمى الميسر ودخول السبق بغير محلل في سباق الخيل ورمي النشاب في ذلك ودخول الرمل ونحوه في الصعيد الذي في قوله تعالى: فتيمموا صعيدا طيبا. ودخول من خرج منه مني فاسد في قوله: وإن كنتم جنبا فاطهروا. ودخول الساعد في قوله: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه. ودخول البياض الذي بين العذار والأذن في قوله: فاغسلوا وجوهكم. ودخول الماء المتغير بالطهارات أو ما أوقعت به نجاسة ولم تغيره في قوله: فلم تجدوا ماء. ودخول المائع الذي لم يغيره ما مات فيه من الطيبات أو الخبائث ودخول سارق الأموال الرطبة في قوله: والسارق والسارقة. ودخول النباش في ذلك ودخول الحلفة بما يلزم لله في مسمى الإيمان ودخول بنات البنات والجدات في قوله: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم .

ومثل هذا الاجتهاد متفق عليه بين المسلمين ممن يثبت القياس ومن ينفيه فإن بعض الجهال يظن أن من نفى القياس يكفيه في معرفة مراد الشارع مجرد العلم باللغة وهذا غلط عظيم جدا.

ولهذا قال ابن عباس: "التفسير على أربعة أوجه:

- تفسير تعرفه العرب من كلامها.

- وتفسير لا يعذر أحد بجهالته.

- وتفسير يعلمه العلماء.

- وتفسير لا يعلمه إلا الله".

والتفسير الذي يعلمه العلماء فيتضمن الأنواع التي لا تعلم بمجرد اللغة كالأسماء الشرعية ويتضمن أعيان المسميات وأنواعها التي يفتقر دخولها في المسمى إلى اجتهاد العلماء.

أقول: يتكلم الشيخ عن الفرق بين الحد والتأويل.

فالحد كلام مطلق يتكلم عن وصف كلي لحقيقة الشيء.

والتأويل هو تنزيل هذا الكلام المطلق على الأعيان ومعرفة ما ينطبق عليه الوصف فيدخل فيه وما لا ينطبق فيخرج منه.


وقد يكون دخول الأعيان في المحدود ظاهرا وقد يكون خفيا يحتاج إلى اجتهاد من العلماء وقد أسهب الشيخ بذكر أمثلة كثيرة لذلك.
 
أعلى