وجزاكَ اللهُ خيراً وبارك فيك. سؤالُكَ دقيقٌ وينمُّ عن اطلاعٍ، والجوابُ فيه تفصيلٌ يُبينُ منزلةَ عملِ البرماوي:
الجوابُ باختصار: الأصلُ والمعتمدُ هو "جمع الجوامع"، و"البحر المحيط" هو الرافدُ والمُتمم.
وإليكَ بعض تفصيل ذلك:
1. النظم (النبذة الزكية):
اعتمد فيه البرماوي اعتماداً كلياً على "جمع الجوامع" لتاج الدين السبكي. فالهيكلُ، وترتيبُ الأبوابِ، والمسائلُ الأساسيةُ هي مسائلُ "جمع الجوامع"؛ ولذلك يُعدُّ نظمهُ من أوائلِ وأهمِّ منظوماتِ هذا الكتاب.
2. الشرح (الفوائد السنية):
هنا يظهرُ دورُ "البحر المحيط" للزركشي بشكلٍ جلي، ويمكن تلخيصُ العلاقة في النقاط التالية:
أولاً: استيعابُ مادةِ الزركشي: يُعدُّ البرماوي (في شرحه) من أهمِّ مَن حفظوا لنا تراثَ الزركشي الأصولي؛ فقد غرفَ من "البحر المحيط" غرفاً، ونقلَ عنه تحريراتٍ ونقولاً عزيزةً قد لا تجدها محررةً عند غيره في ذلك الوقت.
ثانياً: التحريرُ والاستدراك: لم يكن البرماوي مجردَ ناقلٍ، بل كان مُحرراً؛ فقد يُوردُ عبارةَ السبكي في "جمع الجوامع"، ثم يشرحها ويُعمقها بما في "البحر المحيط"، وأحياناً يستدركُ على الزركشي نفسه.
ثالثاً: الحلقةُ المفقودة: كان كتابُ "البحر المحيط" موسوعةً ضخمةً لم تشتهر وتنتشر في البداية كانتشار "جمع الجوامع"، فجاء البرماوي وصهرَ فوائدَ "البحر" وقدمها مُنقحةً في شرحه على "جمع الجوامع"؛ ولذلك تجدُ المتأخرين (كالشوكانِي وغيره) إذا أعجبتهم دقةُ نقلٍ أو تحريرٍ عند البرماوي، يتبينُ غالباً أن مردَّها لسعةِ اطلاعِ الزركشي في بحره.
ولعلَّ الخلاصة: أن البرماوي نظمَ "جمع الجوامع" (متنٍ ومنهج)، ولكنه تنفَّسَ برئةِ "البحر المحيط" (في الشرحِ والتحليل)؛ فجمعَ بينَ ترتيبِ السبكيِّ المُحكَم، وموسوعيةِ الزركشيِّ الفذَّة.
وختاماً: فإن شرح البرماوي (الفوائد السنية) هو الجسرُ الذي ينبغي أن يعبرَ عليهِ مَن أرادَ فهمَ "البحر المحيط" وتفكيكَ عباراته، قبل الغوصِ فيه مباشرة.