عبد الرحمن بن عمر آل زعتري
:: متخصص ::
- إنضم
- 25 يونيو 2008
- المشاركات
- 1,762
- الإقامة
- ألمانيا
- الجنس
- ذكر
- التخصص
- أصول الفقه
- الدولة
- ألمانيا
- المدينة
- مونستر
- المذهب الفقهي
- لا مذهب بعينه
١
تأصيل التعامل مع الاختلاف
آتبه
د/ الشريف حاتم بن عارف العوني
٢
المقدمة
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد : فإن موضوع الاختلاف موضوع قديم ، قدم البشرية . وهو من خصائص
الحياة الدنيا ، ومن صور الابتلاء فيها . فليس بحثه بالأمر الجديد ، ولا محاولة وضعه
ضمن حدِّه الطبيعي بالمحاولة الجديدة أيضًا. فقد تناول موضوع الاختلاف أآثر أهل
العلم ، وأُلّفت فيه المؤلفات الكثيرة ، وامتلأت المكتبة بالبحوث المتعلقة به .
ولكنه موضوع قديم متجدد ، وهو من حين لآخر يحتاج إلى إحياء بحثه :
- لاستمرار الحاجة إليه ، بسبب استمرار الاختلاف .. ما استمرت الحياة .
- ولظهور أخطاء في التعامل معه ، ربما تجاوزت حدود الخطأ الفردي
والتطبيقي ، إلى أن تكون أخطاء منهجية ، مبنيةً على رؤيةٍ لا تحتمل
الاختلافَ الطبيعي ، ولا تريد أن تسمح بالقدر المسموح به منه شرعا أو قدرا .
- ولأن بعض آداب الاختلاف التي حرص العلماء على ذآرها ربما عجز
آثيرون عن تطبيقها في أرض الواقع ، لكونها تحتاج : تقنينًا واضحا ، أو قدوةً
بارزةً في تلك الآداب تبين للناس المنهج العملي لتطبيقها ، أو مرجعيةً علميةً
معترفًا بها تُرجِعُ الاختلافَ إلى مساره الصحيح الملتزم بآدابه آلما خِيفَ من
شيوع ظاهرة الحيدةِ عن آدابه ، أو هذه الأمور آلها .
- ولأن مباحثه النظرية على آثرتها ، ما زالت تحتاج إلى إآمال بنائها ، وتتميم
نواحي القصور فيها ، والإجابة عن الاعتراضات التي تُوجَّهُ إلى بعض
تقعيداتها ، والاستدلالِ المقنعِ على مسائلها التي لم تأخذ حقَّها الوافيَ من
الاستدلال .
ذلك وغيره هو ما يدعو لتجديد الحديث عن هذا الموضوع من حين لآخر .
وما هذا المقال إلا خطوة من خطوات هذا المقصد الشريف ، والتي أسأل الله تعال
. ( عليها العون والتوفيق( ١
1) وحيث إن لي آتابا في هذا الباب ، فسوف أنقل منه مختصرا مما يتعلق بالمقال ، وأدع ما لا )
يدخل في موضوعه .
٣
أهمية التأصيل العلمي في بيان الموقف من الالاختلالاف
دَهِيا رًا بَ احثين أم ض الب ا بع أهمية التأصيل العلمي في مثل هذا الموضوع قد يظنه
ن أنّ أيَّ ذلك : م ة ) آ ن جه ي (م ه . وه تدلال علي ن الاس ضلا ع ر ، ف ى ذآ لا يحتاج إل
س ألةً ن م م تك تثناء ؛ وإلا ل ا ، دون اس ين له مسألةٍ علميةٍ محتاجةٌ للتأصيل العلمي الرص
و ه ، وه ةٌ ب ةٌ خاص ه أهمي علميةً أصلا . لكن موضوع التأصيل العلمي ل (الاختلاف) ل
ه ادي أن ي اعتق ل ف م . ب سائل العل محتاج إليه لغير ذلك السبب ا لذي يجم عُه وغيرَه من م
ه . لن يمكن أن يُعالَجَ هذا الموضوع ؛ إلا بعد إدراك الأهمية القصوى للتأصيل العلمي ل
ولذلك حرصت على البداية ببيان أهمية التأصيل العلمي في بحث موضوع (الاختلاف)
؛ لئؤآد على هذه الأهمية الخاصة للتأصيل العلمي فيه .
ق فَ التطبي وع : أن تخلُّ ومما يؤآد على أهمية التأصيل العلمي في مثل هذا الموض
ن أن عن التنظير التخ لُّفَ الكبير الذي نشاهده ، والذي دعا إلى إقامة هذه الندوة ، لا يمك
ن لا ين م اهرةً ب ق ظ يُحصَرَ سببُه في أمرٍ واحد ، خاصة إذا أصبح هذا التخلُّفُ للتطبي
ن ذوي صدهم مِ سْنِ مق ي حُ شكُّ ف ن لا يُ دوَّنِ ، ومَ ره الم ى تنظي م عل ي اطلاعه شكُّ ف يُ
ذي أدّى و ال ه ، وه ص في ر أو نق ي التنظي ل ف ى خل دل عل د ي الفضل . فمثل هذا الأمر ق
عف سليم ؛ لأن ض ق ال تلاف التطبي ق لآداب الاخ ى التطبي درة عل دم الق ى ع ؤلاء إل به
وضوح الرؤية في التنظير سيؤدي (ولا بُدّ) إلى خللٍ في التطبيق .
ومن أمثلة هذا النقص في التنظير ، مع بيان أثره في الممارسات العملية ، ما يلي :
أولا : عندما تقوم دعواتٌ تتناقض مع مبادئ أدب الاختلاف ، وهي دعوا تٌ لم تكن
ة امع فقهي صادرةً من أفراد يمكن تجاهلهم ، بل ربما تعالت تلك الدعوات بين أروقة مج
د مَ ب بُها ع ون س ن أن يك دعوات لا يمك ك ال ، أو جاءت على لسان بعض المفتين . مثل تل
م ل العل ن أه ك م يهم ذل صوّرُ ف ن لا يُت ادرة مم ا ص ود ( ١)؛ لأنه التنظير الموج م ب العل
ة دم آفاي و ع وى ه ال الأق ال ؛ إلا أن الاحتم ذا الاحتم تبعاد ه د اس ق بع والفضل . فلم يب
صان تلاف ، أو لنق ام الاخ ين رآ ه ب صواب في اب ال ا لغي دوّن : إم ود الم ر الموج التنظي
ر ة التنظي دم آفاي ه لع ا أوج ذه آله صواب . وه تدلال لل صور الاس ه ، أو لق ر في التحري
الموجود .
تلاف ، ة الاخ ا قِضُ فطري ي تن وى ( ٢)، والت د الفت ى توحي دعوة إل ك : ال ال ذل ومث
وحتميته ، والأدلةَ من الكتاب والسنة الدالة على إباحة أحد وجهيه (الاختلاف السائغ) ،
شروع ر الم ع غي شرعي م ايش ال ى التع ه ، وعل شروع من ول الم ى قب وإجماعَ الأمة عل
. ( منه( ٣
1) أو هذا ما يجب علينا أن نعتقده ابتداء ؛ لأن اعتقاد غير ذلك أبعد من أن نحتمل تصورَه . )
2) ليس عليك إلا أن تدخل آلمة (توحيد الفتوى) في أحد محرآات البحث الشبكية (مثل جوجل) ، )
لتقف على من نادى بهذا الرأي من أهل العلم والفضل ومن الهيئات العلمية .
3) سواء في ذلك الدعوة المطلقة إلى توحيد الفتوى ، أو في القضايا المصيرية للأمة ؛ إذ إن )
٤
ه الى ب فكيف صدرت تلك الدعوات على ذلك المستوى الرفيع ، والذي ما زالت تتع
بعض الأصوات ؟!
ه دعوات بإلغائ ت ال ل آان اهرا ، ه ر ظ تلاف المعتب شروعية الاخ فلو آان تنظير م
ستصل إلى هذا الحد من الشيوع والرفعة في مصدرها؟!
اب أدب ي غي هم ف ذي أس ر ، وال ي التنظي ع ف ل الواق ر للخل ال آخ ذا مث ا : وه ثاني
تلاف ين الاخ ق ب سألة التفري تلاف م يل لأدب الاخ سائل التأص الاختلاف : أن من أهم م
ام ن أحك ة م ا مهم سيم أحكام ذا التق ى ه وا عل المعتبر وغير المعتبر ؛ لأن العلماء قد رتّب
ر ول غي ه ، وأن الق ار في سائغ لا إنك تلاف ال هرها : أن الاخ ن أش تلاف ، م أدب الاخ
المعتبر من ضعف مكانته يُنقَضُ حكم القاضي به .. وغيرهما من أحكام .
ن ر م ي آثي اء ف تلاف : ج ن الاخ وعين م ذين الن ين ه ق ب ابط التفري ان ض ن بي لك
اج صًا يحت ابطه ناق اء ض اث ج ن الأبح الأبحاث ضبابي ا غير واضح ( ١) ، وفي المتبقي م
إلى تكميل .
تلاف ب أدب الاخ وحتى يكون الكلام واضحًا لديك ، وباستعراض ما ش ئتَه من آت
ابطا ه ض ذآر ل ذي ي د ال سائغ عن ومراتب الإنكار فيه ، تجد أن ضابط الاختلاف غير ال
ا الف حكم اني : أن يخ اع ، والث الف الإجم رطين : الأول : أن يخ ي ش صر ف نهم ينح م
ي ذي ف ال ال ع الإجم ة ) . وم وت والدلال يَّ الثب ه قطع ون دليلُ ذي يك و ال ه (وه مقطوعا ب
ي ا ف ه م ي ، ومن و ظن ا ه ه م ي ومن الشرط الأول ، حيث إن (الإجماع) منه ما هو قطع
حُجِّيَّتِه اختلاف قديم : فأي هذه الأنواع هو المقصود ؟ مع ذلك : فإن في اشتراط قطعية
هناك فرقًا بين توحيد الفتوى في القضايا المصيرية للأمة وأمرين آخرين :
الأول : ضبط الفتوى في القضايا المصيرية للأمة ، بعدم استبداد الرأي في إصدار الفتوى
فيها ، ووجوب استشارة أهل العلم والاختصاص فيها ، واستفراغ الوسع البشري الكامل في
الوصول إلى الصواب ؛ فهذا لا شك في وجوبه ، وفي ضرورة ضبطه بنظام يكفل القيام به
على وجهه . لكن لا يلزم من وجود هذا النظام ومن تطبيقه الاتفاقُ على رأي واحد ، بل قد
يختلف العلماء بعد استتمام المشورة واستفراغِ الوسع البشري الكامل في الوصول إلى
الصواب ، ويكون هذا الاختلاف مع ذلك آله اختلافا سائغا ، ولو آان في القضايا المصيرية
للأمة .
الثاني : وجوب طاعة ولي الأمر إذا اختار من ضمن الاختلاف السائغ بين العلماء في القضايا
المصيرية للأمة قولا منها ، إذا آان اختياره قائمًا على مراعاة المصلحة العامة ، وعدم جواز
شق عصا الطاعة عليه في ذلك ، لا بفتوى تحدث فتنة ، ولا بغير ذلك مما يفسد الاتفاق
والألفة ، ومما تكون مفسدته أعظم من مصلحته .
فهناك فرق بين هذين الأمرين و توحيد الفتوى في القضايا المصيرية للأمة ؛ لأن هذه القضايا
المصيرية: منها ما يسوغ فيه الاختلاف أيضا ، ومنها ما لا يسوغ ؛ إذْ لم يكن من ضوابط
الاختلاف السائغ في يوم من الأيام ولا عند عالم من العلماء : أن لا يكون من القضايا
المصيرية للأمة !
1) آمن يبين الفرق بين الاختلاف المعتبر وغير المعتبر بضرب أمثلة لكل قسم منهما من )
المسائل الفقهية الفرعية (مما يلزم منه الدور الباطل : إذ آيف عرف أن تلك المسألة من
الاختلاف غير السائغ ؟ إلا من المسألة نفسها التي جعلها ضابطا للاختلاف غير السائغ) ،
لكي يخرج القارئ بلا ضابط للتفريق ؛ إلا بالانطباعات النفسية ، التي هي من أآبر ما غيَّب
الروح العلمية عن هذا الباب .
٥
ن تهم م اع مدرس دثين وأتب د المح الثبوت في الشرط الثاني ما يتعارض مع أمر ثابت عن
الفقهاء المتقدمين والمتأخر ين والمعاصرين ، وهو أن صحة الحديث آافي ةٌ لإلزام الحجة
ه . ى ثبوت ق عل ن واف ل م د آ ةً عن ةً ملزم ون حج ثلا ليك واتر م ه الت به ، ولا يُشترط في
ر ر وغي تلاف المعتب ين الاخ ق ب فكيف تريد من هؤلاء العلماء أن يلتزموا ضابطا للتفري
المعتبر وهو ضابط لا يتفق مع ضابطهم لما تقوم به الحجة .
ر ر وغي تلاف المعتب ين الاخ ق ب ابط التفري ي ض صور ف ذا الق ى ه فتَ إل إن أض ف
رُ ضيفها التنظي زم أن ي سابقين ، يل شرطين ال وى ال روط س ة ش اك ثلاث ر : أن هن المعتب
ستحقُّ حيحا ، ي ابطا ص ق ض ابطُ التفري ون ض ي يك الذي يُحتكَمُ إليه للتفريق بي نهما ؛ لك
ضور ي ح ر ف ص التنظي أن تأتلف القلو بُ عليه ؛ لاآتمال أرآانه = يتضح عندك أثر نق
أدب الاختلاف على أرض الواقع ، وأنه سبب مهم من أسباب ذلك الغياب .
ى ا عل ر لغيابه ر الكبي ضح الأث الي سيت ث الت ي المبح شروط ف ذه ال ر ه دما أذآ وعن
تثمار وضوح الرؤية في هذا الباب ، مما آان له الأثر البالغ في عدم إحسان آ ثيرين لاس
تلاف ين الاخ ق ب ى التفري درتهم عل دم ق ن ع تلاف ، وم سيم للاخ ذا التق ه ه ي علي ا بُن م
السائغ وغير السائغ ، وما يتلو ذلك من آداب وأحكام تتعلق بكل قسم منهما .
ى ةِ عل تلاف ) الفائت ار الاخ روط اعتب ولأضرب مثلا من أمثلة تلك الشروط (من ش
ن اء م رر العلم ال : يق ذا المث ك ه ا، فإلي ت عليه ي وقف تلاف الت ب أدب الاخ ر آت أآث
المذاهب الأربعة وغيرهم : أنه لا يجوز (في مسألة خلافية ) الخروجُ عن مجموع أقوال
ذه ى ه م عل ل العل ن أه د م ر واح ل غي العلماء السالفين بقول جديد يرفع أقوالهم . وقد نق
ي (إن صحيح الآت القاعدة الأصولية الإجماع ، وهي قاعدة أصولية صحيح ة بتفصيلها ال
شاء الله تعالى) .
م ي ل ة : إلا أن ذاهب الأربع ن الم وليين م ومع آون هذا الأمر مما قرره عامة الأص
ر ر وغي تلاف المعتب ين الاخ ق ب سابقين للتفري شرطين ال ى ال د عل شرط الزائ ذا ال أجد ه
المعتبر في آتب الاختلاف ، فإن وُجد في القليل منها فقد غاب عن الكثير .
ق ياق التفري ي س وآذلك الأمر في بقية الشروط الآتية ، والتي لم أجد آتابا جمعها ف
بين الاختلاف المعتبر وغير المعتبر .
ر ر المعتب ر وغي تلاف المعتب ين الاخ ق ب ابط التفري ى ض ام إل ولذلك تجد أن الاحتك
شروح ، صه الم ه بنق ف علي ثٍ وق ل باح ة ؛ لأن آ يكاد يكون غائبً ا عند الممارسة العملي
ه ام إلي سيجد أن تطبيقه يتعارض مع قواعد أصولية أخرى . وهذا يقود إلى إلغاء الاحتك
ذا ل ه ه . ومث ام إلي يمكن الاحتك ا ، ل ون متقن ر يك يٍّ آخ ضابطٍ علم ، دون وجود البديل ل
ه ؛ إلا ح ب عور واض ر ش ان ) بغي الإلغاء للاحتكام إلى أيّ ضابط يتم (في آثير من الأحي
.( من الاحتكام للمألوفات والانطباعات غير العلمية( ١
اد ر ، لا تك ر المعتب ر وغي تلاف المعتب ين الاخ ق ب ثالثا : عندما يذآر العلماء التفري
ا تجد آلاما مكتملا في موطن واحد يتناول لوازم هذا التفريق من جميع جوانبه أو غالبه
تلاف وعي الاخ ه بن ف في و ل المختل ن الق صّل م فِ المف ا ، والموق سم منهم : آحكمِ آل ق
1) وأوضح من ذلك في الاحتكام إلى الانطباعات غير العلمية ما ذآرته في التعليقة السابقة . فإنه )
إن وقع الاحتكام إلى الانطباعات بذلك الوضوح المذآور في تلك التعليقة ، فهو في هذه
المسألة أسهل تصورا وأولى اعترافا بوقوعه .
٦
ع ب م ذي يتناس صيل ال ه بالتف ن قائل ف م و الموق ا ه ر ) ، وم ر المعتب ر وغي (المعتب
د ، وطن واح ي م سائل ف ذه الم ض ه دت بع إن وج اختلاف أحوال القائ لين ومقالاتهم . ف
ي ضا حٍ ف رٍ وإي وا تَ تحري ضها ، و ف ي بع ا ف ا تا م ة ، فَوْتً رى مهم ب أخ فاتتك منه جوان
بعضها الآخر .
ولأضرب أمثلة على ذلك :
- ما هو حكم مناقشة العالمِ العالمَ الآخر الذي خالفه اختلافا معتبرا ؟ وما هي
منطلقات النقاش معه ؟ وهل هي من باب النصيحة ؛ لأنه خالف الراجح عنده ؟
- هل يُشرع ذآر اسم العالم الذي خالف خلافا معتبرا أو غير معتبر عند الرد
عيه مطلقا؟ هل لذلك قيود معينة تدل على وجودها نصوص معروفة ، آقوله ^
؟ « ما بال أقوام قالوا آذا أو فعلوا آذا »:
- متى يجوز للحاآم المسلم أن يُلزِمَ الناسَ بقولٍ من الاختلاف المعتبر دون قول
آخر منه ؟ وما هو الموقف المطلوب من الحاآم المسلم تجاه الاختلاف غير
المعتبر ، وما هو موقفه من قائله من أهل العلم ؟ هل يعاقبه ؟ هل يترآه ينشر
قوله غير المعتبر ؟ هل يجبره على تغيير فتواه ؟
- مراعاة المفتي للاختلاف في فتواه ، وقف عندها بعض آبار الأصوليين حائرا
. ما هي أنواعها ؟ وما هي شروط آل نوع منها ؟ وما هي آيفية مراعاة
الاختلاف فيه ؟
اب ، ا آت ع تحريره اد يجم تلاف ) لا يك اب أدب الاخ مسائل عديدة من هذا الباب (ب
ولا أشبع التأصيل لها مصدرٌ من مصادر أدب الاختلاف بصورة واضحة .
يل ك التأص ل ذل اب آ ع غي تلاف م ق أدب الاخ ي تطبي ل ف ع الخل ف لا يق فكي
الضروري له؟!
الغ ره الب ه أث يله ل اب ، وأن تأص ذا الب يل ه رورة تأص ومن هذه الأمثلة تتبين ض
سب اب ح ذا الب ر له ي التنظي ر ف صور الكبي ع الق ة م ة ، خاص ات العملي ى الممارس عل
وجهة نظري ، والتي سأبين بعض جوانبه في المبحثين التاليين .
٧
تقسيمُمُ الالاختلالافِفِ إلى سائغٍغٍ وغيرِرِ سائغٍغٍ
وضابط التفريق بينهما
م ، ل أو العل زان العق ي مي ارٍ ف ذاتِ اعتب ا ب ست آلَّه ا سِ لي والَ الن دٌ أن أق لا يشك أح
ن ه . وم ه ونخطِّئُ ا نخالف و آن ى ل ارُه ، حت ه واعتب ه وجاهتُ ا ل اس م وال الن ن أق وأن م
أقوالهم ما ليس آذلك ، فلا يكون له وجاهةٌ ولا اعتبار .
وهذا الأمرُ الواضحُ يُلزِمُ بأن يكون الاختلافُ قِسْمَين : فمنه ما هو مُعْتَبَرٌ سائغ ،
ومنه ما هو غيرُ معتبرٍ ولا سائغ .
وفي ذلك قال القائل :
رِ ن النظ ظٌّ م ه ح لافٌ ل رًا إلا خ اء معتب لافٍ ج ل خ يس آ ول
قال » : وقد ذآر الإمامُ الشافعي سؤالَ أحدِ أهلِ العلم له عن أنواع الاختلاف ، فقال
سَعُهم ل يَ و رِهم ، فه ض أم ي بع ين ف دي ثًا مختلف دي مًا و ح مِ ق لَ ال عِلْ د أه لي قائل : فإني أج
ذلك؟
ر ي الآخ ك ف ول ذل رَّمٌ ، ولا أق دُهما مح ين : أح ن وجه قال: فقلت له : الاختلا فُ م
. (١)«..
الاجتهاد الواقع في الشريعة ضَرْبَان : »: ( وقال الإمام الشاطبي (ت ٧٩٠ ه
ة طلعوا بمعرف ذين اض أحدهما : الاجتهاد المع تَبَرُ شرعًا ، وهو الصادر عن أهله ال
ما يفتقر إليه الاجتهادُ .
ه ؛ ا دُ إلي ر الاجته ا يفتق ارف بم والثاني : غي رُ المعتبر ، وهو الصادر عمن ليس بع
وى . ا عٌ لله ةٍ ، وا تّب ي عَمَاي بْطٌ ف راض ، وخَ ش هِّي والأغ رَّدِ الت ه رَأْيٌ بمج لأن حقيقته أن
فكل رأ يٍ صَدَرَ على هذا الوجه ، فلا مِرْيةَ ف ي عدم اعتباره ؛ لأنه ض دُّ الح قِّ الذ ي أنزل
. (٢) « الله تعالى
. (١٦٨٠- ٥٦١ رقم ١٦٧١ - ١) الرسالة للإمام الشافعي ( ٥٦٠ )
. (١٣١/ ٢) الموافقات للشاطبي ( ٥ )
٨
والمهم في هذا الباب ذآر شروط اعتبار القول وسواغه ، وهي شروط خمسة :
ة غ رتب ه بل ه ، وأن م في ذي تكلّ العلم ال الم ب ن ع ادرًا م ون ص شرط الأول : أن يك ال
ه ، ا يجهل لام فيم ه الك ق ل ل لا يح ول ( ١) ؛ لأن الجاه ا ق ه فيه ي ل سألة الت ي الم الاجتهاد ف
فكيف بمخالفة العلماء؟!
ضاة الق » : ^ ه ه : قول دل علي ا ي ن مم تدلال ، لك ى اس اج إل اهرٌ لا يحت وهذا أمرٌ ظ
ة . ي الجن و ف ثلاثة : اثنان في النار، وواحد في الجنة. رجلٌ عرفَ الحقَّ ، فقضى به، فه
رف م يع ل ل ار . ورج ورجل عرف الحق ، فلم يق ضِ به ، وجار ف ي الحكم ، فهو في الن
ة (ت ٧٥١ ه) يم الجوزي ن ق ال اب ٢) . ق )« ار ي الن و ف ل ، فه الحقَّ ، فقضى للناس عن جه
ي ا يُفت زم بم ي يُل فالمفتون ثلاثة ، ولا فرقَ بينهما ؛ إلا في آون القاض » : عقب الحديث
ل لا ا ؛ لأن الجاه ٣) . وفي الحديث وعيدٌ شديدٌ لمن حكم بجه ل مطلقً )« ، والمفتي لا يُلزم
لٌ ذا دلي أ ؟ ! وه ف إذا أخط واه ؛ فكي ي فت اب ف مٌ إذا أص و آث لًا ، فه م أص ه الحك ق ل يح
وليين ، ١) هذا القيد مبنيٌّ على جواز تجزّؤِ الاجتهاد ، وهو الصواب ، وهو الذي عليه عامة الأص )
،(٢٦-٢٥/ رازي ( ٦ ٣٨٩ )، والمحصول لل / فانظر تفاصيل آلامهم في : المستصفى للغزالي ( ٢
ن ستفتي لاب ي والم ١٢٠٧ ) ، وأدب المفت -١٢٠٥/ ب ( ٢ ن الحاج سول لاب ى ال صر منته ومخت
ة ٥٨٨ ) ، ونهاي -٥٨٥/ ي ( ٣ وفي الحنبل ة للط صر الروض رح مخت ٩٠ ) ، وش - صلاح ( ٨٩ ال
الكي وني الم سؤول للرُّهُ ة الم ٣٨٣٣ ) ، وتحف -٣٨٣٢/ دي ( ٩ دين الهن صفي ال ول ل الوص
ر ٣٩١ ) ، والبح -٣٩٠/ ي ( ٣ اج الحنف ر الح ن أمي ر لاب ر والتحبي ٣٤٥ ) ، والتقري -٢٤٣/٤)
ول ٢١٧ ) ، وأص -٢١٦/ يم ( ٤ ن الق وقّعين لاب لام الم ٢١٠ ) ، وإع -٢٠٩/ شي ( ٦ يط للزرآ المح
. (٣٨٨٩-٣٨٨٦/ ١٤٧٠ ) ، والتحبير شرح التحرير للمرداوي ( ٨ -١٤٦٩/ الفقه لابن مفلح ( ٤
وقد برز في عصرنا التخصّصُ في الإفتاء أآثر من أي زمنٍ مضى : فهناك من برز في
الاقتصاد الإسلامي وفقهه ، ومن برز بفقه الأقليّات الإسلامية ، ومن برز في فقه السياسة
الشرعية...فيجب أن تكون منزلةُ هؤلاء في تخصّصهم محفوظةً مقدّرةً . بل الأصل أن هؤلاء
أقْدَرُ على إصابة الحق في تخصصاتهم من المفتي العام ، وإن قَصُرت علومهم في غير
تخصصاتهم .
٢) أخرجه أبو داود (رقم ٣٥٦٨ ) ، والترمذي (رقم ١٣٢٢ /م) ، والنسائي في السنن الكبرى )
٩٠ ) ، وهو جيد الإسناد . / (رقم ٥٨٩١ ) ، وابن ماجه (رقم ٢٣١٥ ) ، والحاآم وصححه ( ٤
. (١٩٤/ ٣) إعلام الموقعين لابن القيم ( ٢ )
٩
دم رعُ ع أثيم ف أ ؛ لأن الت اب، أو أخط ل : أص لام الجاه ار آ دم اعتب ى ع ح عل واض
الاعتبار!!
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع عليه .
ن لا العلم وم ف ب ستحق الوص ن ي ابطٍ لم ع ض سياق و ض ذا ال ي ه م ف ن المه وم
يستحقه ؛ لكي لا ندع الأهواء والتعصبات هي الحَكَم في ذلك .
الفَ ا خ صحيح . فم ي ال اع القطع ا للإجم ول مخالفً ون الق اني : أن لا يك شرط الث ال
ا الَ فيم لا احتم ي( ١) ، ف لٌ قطع اع دلي ه ؛ لأن الإجم ي بطلان ك ف ه لا ش ة فإن اعَ الأم إجم
خالفه أن يكون صوابًا .
١) الإجماع القطعي قسمان : )
الأول: الذي يُعلم وقوعه من الأمة ضرورةً ، وهو ما آان من قبيل نقل العامة عن العامة (مثل
إيجاب فرائض الإسلام الكبرى وتحريم الفواحش المعلومة). وقد يرد النصُّ القطعيُّ بمضمون
هذا الإجماع (آالأمثلة السابقة) ، وقد لا يرد (آتحديد موضع الكعبة بالتعيين الدقيق الذي هو
عليه اليوم ، وآإجمالِ مواضعِ المناسك). آما أن النصَّ قد لا يكون قطعيَّ الثبوت ، فيأتي
« لا وصية لوارث »: الإجماعُ القطعيُّ على حُكمه ، ليجعله حُكمًا مقطوعًا به ؛ مثل خبر الآحاد
٣٩٩ ) ، فقد صرّحَ أن حُكْمَه في زمنه آان نقلَ - ، فانظر الرسالة للإمام الشافعي (رقم ٣٩٨
، (٧٥٨/ عامةٍ عن عامّة . وانظر اختلاف مالك والشافعي للإمام الشافعي– ضمن الأم – ( ٨
١١٤ ) ، في تفريقه بين إجماع العامة -١٠٩/ واختلاف الحديث له أيضًا – ضمن الأم – ( ١٠
والإجماع السكوتي ، مع تصريحه بأنه يأخذ بالسكوتي ، لا على أنه إجماعُ عامة .
وانظر : معجم مصطلحات أصول الفقه للدآتور قطب مصطفى سانو ( ٤١ ) ، وتنبّهْ إلى جوابي
على استشكال فضيلته بما أوردته هنا .
الثاني : والإجماعُ السكوتي (وهو أن يقول بعضُ مجتهدي الأمة بحكمٍ في واقعة ، وينتشر ذلك
الحكم بين المجتهدين في ذلك العصر ، فلا يعارضه أحدٌ منهم) ، إذا احتفّت به قرائنُ تدل على
قطعيته ؛ لأن الإجماعَ السكوتي منه ما هو قطعي (وهو ما احتفّت به قرائنُ تفيد القطعَ) ، ومنه
ما هو حجة ظنيّة غير قطعية (فيما إذا لم تحتفّ به قرائن اليقين) ؛ فهو في ذلك آخبر الآحاد .
وسيأتي الحديث عن مخالفة الإجماع الظني ، في الشرط الخامس .
ولو قيل : إن الإجماعَ السكوتي القطعي الذي لا يسوغ خلافُه هو البيّنُ القطعية ، لظهور قرائنه
١٠
ره ي تحري حْذَرْ ف وده ، ولْيُ دم وج ن ع شرط وم ذا ال ود ه ويجب أن يُتَثَبَّت من وج
م ضًا . فك صحيحة أي ر ال ضِه غي اوى نَقْ من دعاوى الإجماع غير الصحيحة ، ومن دع
ا رُ فيه تلافُ المعتبَ ون الاخ د يك من قولٍ ادُّعِيَ فيه الإجماعُ ، لإسقاط قولٍ يخالفه ، وق
ا صواب أنه ة ، وال واقعًا.. وشهيرًا في آتب العلم . وآم من قولٍ سُوِّغَ بأن مسألته خلافيّ
ي ق ؛ لك إجماعيّةٌ بخلاف القول . ومثل هذا التحرير يحتاج إلى اطلاعٍ واسع ، وفقهٍ عمي
. ( يقف صاحبه على مواضع الإجماع، وليحرّر دعاوى الاختلاف( ١
ة؟ ة؟ أم ظني ة قطعي ي حج ل ه آما أن هناك اختلافًا في بعض أنواع الإجماع( ٢) ، ه
ه تلاف في عٌ، والاخ ك واق ل ذل ية . وآ ةٌ استئناس ي قرين ا ه ة ، وإنم ست بحج ا لي أم أنه
ا اع عليه ي الإجم ة ف اع المختلف واع الإجم ين أن اوي ب ضًا أن أس صحّ أي لا ي ل. ف طوي
والاختلاف فيها، ولا في جهات اختلاف العلماء فيه ، ولا في درج اته . وآل ذلك يحتاج
إلى عِلْمٍ عميق ، وقَدَمٍ راسخةٍ فيه .
دين ة ال سلف وأئم وال ال وع أق ن مجم ولُ ع ذا الق رج ه ث : أن لا يخ شرط الثال ال
والِ سألة ؛ لأنّ دَوَرَانَ أق ي الم دٍ ف ولٍ جدي داثُ ق ول إح ي الق ون ف لا يك وعين ، ف المتب
ى نهم عل ا م السلف والأئمة المتبوعين على قولين في الاخ تلاف أو ثلاثة يتضمن إجماعً
ادُ أن لالة ، واعتق ى ض ع عل ة لا تجتم ل ؛ لأن الأم ك الأقاوي ن تل رج ع ق لا يخ أن الح
ه زم من قِّ = يل ابةَ الح وا إص د أخطئ ا ق م جميعً اويلهم ، وأنه وع أق ن مجم رجَ ع الحقَّ خ
اعتقادُ أنهم قد أجمعوا على ضلالة!
دٌ ه أح سبقه إلي م ي أخِّر ، ول ه المت رد ب ولٍ ينف ل ق آ» : ة ن تيمي وقال شيخُ الإسلام اب
يس سألةٍ ل ي م تكلّم ف اك أن ت ل : إي ن حنب د ب منهم ، فإنه يكون خطأً . آما قال الإمامُ أحم
الدالّة على القطع = لكان ذلك أولى في اجتهادي ؛ لأن القطعية المستفادةَ من قرائن خفية ،
آالقطعية الخفية المستفادة من دلالة النصّ ، لا يمكن مؤاخذةُ العالمِ على عدم بلوغها .
. (٢٧٢-٢٧١/ ١) وانظر :مجموع الفتاوى لابن تيمية ( ١٩ )
٢) مثل الإجماع السكوتي ، وإجماع الخلفاء الأربعة ، والإجماع الذي خالف فيه بعضُ أهله قبل انقراض )
عصره ، والإجماع بعد الاختلاف ، وغير ذلك .
١١
. (١)« لك فيها إمام
وهذا الشرط نصّ عليه عامةُ الأصوليين من المذاهب الأربعة ( ٢)، وهو من أصح ما
اق ع اتف نُسبَ إلى الأئمة الأربعة أنفس هم من القواعد الأصولية ، ودليلُه السابق ذآره ، م
العلماء عليه:
. (١٢٥/ ٢٩١ ) وانظره أيضًا ( ٣٤ / ١) مجموع الفتاوى ( ٢١ )
٢) وهو ما صرّح به الإمام أبو حنيفة نفسه ، آما في تاريخ ابن معين برواية الدوري (رقم )
٢٦٧ )، وهو صحيح عنه ، آما قال ابن حزم في - ٣١٦٣ ) ، والانتقاء لابن عبد البر ( ٢٦٦
. (٩٥٥/ الإعراب عن الحيرة والالتباس ( ٣
ي رازي الحنف صّاص ال ر الجَ ي بك ول لأب ي الأص صول ف ة : الف ة الآتي صادر الحنفي وانظر الم
ال ر للكم ٥١٤ ) ، والتحري -٥٠٨/ صري ( ٢ سين الب ي الح د لأب ١٥٥ ) ، والمعتم -١٥٤/٢)
ي اج الحنف ر الح ن أمي ر لاب ر والتحبي رحَه : التقري رين- وش زاه للأآث ي -وع هُمَام الحنف نِ ال اب
ر سير التحري ي تي ١٤٢ ) ، ونحوه ف -١٤١/ (ت ٨٧١ ه) - وعزاه لمحمد بن الحسن الشيباني - ( ٣
،(٢٠٩- شاشي ( ٢٠٨ دين ال ام ال ول نظ ٢٥٠ ) ، وأص / ي ت ٩٧٢ ه ( ٣ اه الحنف ر بادش لأمي
.(٤٣٨-٤٣٥/ وأصول البزدوي مع شرحه آشف الأسرار لعلاء الدين البخاري ( ٣
وعند المالكية : نقله أبو الوليد الباجي عن آافة المالكية في إحكام الفصول في أحكام الأصول
٥٣١ ) ، وهو المقرّر في : مختصر منتهى السول والأمل لابن الحاجب المالكي - (رقم ٥٢٧
٤٨٩ ) ، وشرحه : تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول للرُّهُوني المالكي -٤٨٢/١)
. (٢٧٧-٢٧٣/٢)
( ٥٩٦ رقم ١٨٠١ - وعند الشافعية : ذآره الإمامُ الشافعي في الرسالة في موضعين منها ( ٥٩٥
٥٠٨ رقم ١٤٦٨ ) ، وطبّقه عمليا ، آما في مسألة فدية الحمام والجراد ، والتي نصّ فيها أنه )
ترك القياس أخذًا بأقوال الصحابة، وأنهم إذا اختلفوا لم يخرج عن مجموع أقوالهم، فانظر الأمّ
. (١٢٦٧ ، ٥٠٤ و ٥٠٦ رقم ١٢٦٥ / للإمام الشافعي ( ٣
(٩٣-٩٠/ وعليه أئمة الشافعية : فهو منسوبٌ إلى معظم العلماء في التلخيص لإمام الحرمين ( ٣
١٣٠ ) ، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي -١٢٧/ ، وانظر : المحصول للرازي ( ٤
٢٥٣٣ ) ، والبحر -٢٥٢٧/ ٣٣٤ ) ، ونهاية الوصول لصفي الدين الهندي الشافعي ( ٦ -٣٢٩/١)
. (٥٤٣-٥٤٠/ المحيط للزرآشي الشافعي ( ٤
١٦٣- وعند الحنابلة صرح به الإمام أحمد : ، فانظر مسائل صالح بن الإمام أحمد لأبيه ( ١٦٢
(١١١٣/ رقم ٥٨٧ ) ، و العدّة لأبي يعلى الفراء ( ٤
. (١٦٤٧-١٦٣٨/ وانظر أقوال أئمة الحنابلة في : التحبير شرح التحرير للمرداوي الحنبلي ( ٤
١٢
دٍ وأجمعوا على أنه لا يجوز لأح »: (# فقد قال الإمامُ أبو الحسن الأشعري (ت ٣٢٤
ه ؛ ي تأويل ه ، أو ف وا في ا اختلف ه ، وعم وا علي ا أجمع سلف : فيم أن يخرج عن أقاويل ال
. (١) « لأن الحق لا يجوز أن يخرج عن أقاويلهم
اع الشرط الرابع : أن لا يكون القول المخالِفُ صادرًا عن أصلٍ غير معتبر بالإجم
دم الذي مضى عليه سلفُ هذه الأمة قبل إحداث تلك الأصول ، أو بالدليل القاطع على ع
رَ ون غي ه أن يك يّ علي الفرع المبن أولى ب رٍ ف رَ معتب ان غي ل إذا آ اره ؛ لأن الأص اعتب
معتبرٍ أيضًا .
ر لٍ غي ن أص ي ع ول الفرع دور الق و أن ص ر ، وه ذا الأم وقد نبّهَ العلماء على ه
رهم ياق ذآ ك لا س ى ذل يههم عل اء تنب ن ج ضًا . لك رٍ أي ر معتب رعَ غي ل الف ر يجع معتب
ن شرط ع ذا ال ذلك ه دة ، ول لشروط القول المعتبر من غيره ، بل في سياقات أخرى بعي
آل ما وقفت عليه من آتب الاختلاف وآدابه !
داد دم الاعت ى ع م إل ففي الردِّ على نُفاة القياس من الظاهرية : ذهب بعض أهل العل
اس و ردّ القي دهم ، وه رٍ عن ر معتب لٍ غي ود أص ذلك ، أي لوج تلاف ل ي الاخ أقوالهم ف ب
اس يِ القي ولِ بنف الجلي . وذهب آخرون إلى الاعتداد بخلافهم مطلقًا ، لإنكارِهم نسبةَ الق
ق داد المطل دم الاعت سوّغُ ع ا ي ذا م الجلي إلى الظاهرية ، أو لأنهم لم يروا في خطئهم ه
ي ر (آنف ر معتب لًا غي ذُه أص ان مأخ بهم( ٢) . وفصّل آخرون : بأن خلاف الظاهرية إذا آ
ن م يك ذي ل رع ال ا الف ه ، وأم ي علي رع المبن ي الف م ف دُّ بخلافه لا يُعتّ ي) ، ف اس الجل القي
٣٠٧ ) ، ونقل ابنُ القطان الفاسي - ١) رسالة إلى أهل الثغر لأبي الحسن الأشعري ( ٣٠٦ )
.( (ت ٦٢٨ #) هذا الإجماعَ عن رسالة الأشعري في آتابه الإقناع في مسائل الإجماع (رقم ٢٦٥
٢) لكن هؤلاء لم يبيّنوا الموقف من خلاف الظاهرية المبني على الأصل غير المعتبر ، واآتفوا )
بالنظر إلى أن صوابَهم أآثرُ من خطئهم ، فلم يستجيزوا إطلاقَ القول بعدم الاعتدادِ بأقوالهم .
وهذا الموقف من خلاف الظاهرية وإن آان هو الأقربَ إلى الإنصاف من عدم الاعتداد
المطلق؛ لكنه أيضًا لم يُجِبْ عن إشكال بناء الظاهرية على الأصل غير المعتبر ، وما هو
الموقف الصحيح تجاهه ؟
١٣
وال ، دل الأق و أع ث ه ول الثال ذا الق ه ( ١) . وه دٌّ ب لافٌ مُعْتَ و خ ذلك فه ه آ م في خلافه
وأقواها دليلًا ونظرًا .
حابُ ه أص تصُّ ب سلكٍ يخ وآل م »: وممن فصّل في ذلك إمامُ الحرمين ، حيث قال
و ي أب ول القاض رُ الأص ال حَب قٍّ ق وضٌ . وبح سه منق الظاهر على القياسيين فالحكم بجن
. (٣) «( بكر : إني لا أعدّهم من علماء الأمة ، ولا أبالي بخلافهم ووفاقهم( ٢
د أن ه بع ك(ت ٦٤٦ ه) ، فإن ي ذل لامَ ف صلاح الك ن ال رو اب و عَم ام أب حَ الإم وأوض
تُ ذا أجب وبه » : ال ه ، ق تلافَ في ل الاخ ة ، ونق لاف الظاهري داد بخ ن الاعت دّث ع تح
اس ي القي ي نف له ف ى أص ه عل ن مذاهب اه داودُ م ا بن ستعين ا) : فم الى، م (مستخيرًا الله تع
دليل ام ال ي ق الجلي، وما اجتمع عليه القايِسُون من أنواعه ، أو على غيره من أصوله الت
ي ه ف دٌ ، وقول اعٌ منعق ه إجم ى خلاف ه عل ي مثل القاطع على بطلانها = فاتفاق من عداه ف
سائل ك الم د ، وتل اء الراآ ي الم وِّطِ ف ي المتغ مثله معدودٌ خارقًا للإجماع . وآذلك قوله ف
رُ ه غي الشنيعة فيه ، وآقوله في الربا فيما سوى الأشياء الستة ( ٤) . فخلافه في هذا وأمثال
١٣٥ ) وغيره من الأئمة إلى عدم -١٣٤/ ١) ذهب أبو بكر الجصاص في آتاب الفصول ( ٢ )
الاعتداد بخلاف الظاهرية مطلقًا ، وانظر تفصيل من فصّل في الكتب التالية : البحر المحيط
٤٧٤ ) ، وجمع الجوامع لتاج الدين السبكي - مع شرحه : البدر الطالع -٤٧١/ للزرآشي ( ٤
-٢٨٩/ ٣٨٠ ) ، وطبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي ( ٢ / لجلال الدين المحلّي ( ٢
. (١٥٦٤-١٥٦٣/ ٢٩١ ) ، والتحبير شرح التحرير للمرداوي ( ٤
٢) ينبغي أن يُقيَّدَ ثناءُ إمام الحرمين على آلام الباقلاني بما جاء في فاتحة آلامه ، وهو أنه لا يُعْتَدُّ )
بخلافهم ووِفَاقِهم فيما آان مأخذُ الظاهرية فيه أصلا غيرَ معتبر .
. (٤٧٢/ ٣) نهاية المطلب للجويني ( ١٨ )
٤) لما آان مأخذُ الظاهرية في مسألة الزيادة فيما سوى الأصناف الربوية الستة المنصوصِ عليها )
مأخذًا مبنيا على أصلٍ غيرِ معتبر ، وهو عدم الأخذ بالقياس ، أصبح هذا القولُ الفرعيُّ منهم
غيرَ معتبرٍ أيضًا . وهذا هو سبب عدم اعتبار هذا القول عند ابن الصلاح ، وهو التقرير الذي
يؤيده النظرُ السليمُ في قاعدةِ اعتبارِ القولِ أو عدمِ اعتباره .
ولذلك فقد يقول فقيهٌ آخر بقول الظاهرية غير المعتبر هذا نفسِه ، ومع ذلك فقد يُعَدُّ قولُه معتبرًا
، بل قد يجب اعتبارُه ؛ لأنه بناه على أصلٍ معتبر ، غير أصل الظاهرية . فمن حصر الربا في
الأصناف الستة الواردة في النصّ ؛ لأن علة تحريم الربا لم تظهر له ، فجعل تحريم الربا أمرًا
١٤
دليلِ لاف ال ى خ عُ عل ادُ الواق ه ، والاجته عُ ببطلان ا يُقْطَ ى م ا عل ه مبني ه ؛ لكون دٍّ ب معت
نْقَضُ ه ، ويُ دُّ ب القاطعِ آاجتهادِ من ليس من أهل الاجتهاد ، في إنزالهما بمنزلةَ ما لا يُع ت
رّرَ د تق اد ، وق صبِ الاجته زُّؤ من ولِ بِتَجَ دليلِ الق تُ ب ه يَثْبُ الحُكْمُ به . وهذا الذي اخترتُ
. (١)« جوازُ ذلك ، وأنّ العالمَ قد يكون مجتهِدًا في نوعٍ دون غيره
ولذلك أمثلةٌ عديدة ليس هذا موطن ذآرها .
ه ، ي دلالت ة ف الشرط الخامس : أن لا يكون القولُ م خالفًا لدليلٍ ثابتٍ واضحِ القطعيّ
سكوتي اع ال ا ، وآالإجم ي قطعيّته حةِ ف ةِ الواض ةِ القطعي ةِ ذاتِ الدلال صوصٍ الثابت آالن
دليلُ خالَفَ ال وز أن يُ ه لا يج ر ( ٢) ؛ لأن الاختلاف المعتب الظني المتحقِّق غير المنقوض ب
ديث ه . فالح ي دلالت ه وف ي فهم لاف ف دعوى الخ ه ؛ إلا ب الظنيُّ ممن لا يخالف في ثبوت
تعبُّديا ، يكون قوله حينئذٍ قولا معتبرًا ؛ آما ذهب إليه إمام الحرمين الجويني وتقي الدين
. (٢٣١/ السبكي ، فانظر طبقات الشافعية ( ١٠
٦٩ رقم ٥٣ ) ، مع تصويب ما ظهر أنه خطأ مطبعي . - ١) فتاوى ابن الصلاح ( ٦٨ )
٢) لم أذآر القياس الجلي : الذي يُقطَعُ فيه بنفي وجود أي فارِقٍ معتبرٍ بين الأصل والفرع ، )
ولا يُحتمَلُ فيه أن يتخلّفَ عن جميع فروعه الفقهية ؛ لأن تسمية هذا الدليل بالقياس مجرّدُ
اصطلاحٍ ، وإلا فهو في الحقيقة من دلالة النص ؛ لأنه أقوى من دلالة الظاهر ؛ ولأنه مقطوعٌ
بتناول النص له . ومثاله : دخول النساء في خطاب الذآور ؛ بالإجماع ؛ إلا ما دل النص على
استثنائهنّ فيه .
وقد وجدت أن تقي الدين السبكي قد ذآر القياس الجلي ضمن ما لا يسوغ خلافه في الفتوى،
في آتابه: السيف المسلول على من سبّ الرسول ^ ( ٣٨٨ ) ، فأحببتُ التنبيه على ذلك . وهو
مذآورٌ أيضًا فيما يُنقضُ به قضاءُ القاضي عند المالكية والشافعية والحنابلة ، آما في الحاوي
، ( ٤٧٤ رقم ١١٨٩٧ -٤٧١/ ٢٤١ ) ، ونهاية المطلب للجويني ( ١٨ -٢٣٩/ للماوردي ( ٢٠
، (٦٢/ ٣٠٦ ) ، وتبصرة الحُكّام لابن فرحون المالكي ( ١ -٣٠٥/ والوسيط للغزالي ( ٧
٣٤٥ ) . بل أضاف الماوردي قياس التحقيق (وهو من قياس ،١٥٢/ والفروع لابن مفلح ( ١١
الشّبه) إلى القياس الجلي ، فيما يُنقضُ به قضاء القاضي ؛ وفي إطلاق ذلك نظرٌ .
وانظر لتعريف القياس الجلي : معجم المصطلحات الأصولية للدآتور قطب مصطفى سانو
.(٣٤٩-٣٤٨)
١٥
دعوى ه ؛ إلا ب رف بثبوت ن يعت ة مم ه القطعي زام بدلالت دمُ الالت النبوي الثابت لا يجوز ع
ي شأنُ ف ذلك ال زاع . وآ ا الن ز فيه م يج ة ل ت قطعي ة إذا آان ه ، والدلال الخلاف في دلالت
ه ان أن الَفَ ؛ إلا ببي وز أن يُخ حيح لا يج الإجماع السكوتي الظني الثبوت ؛ فإنه دليلٌ ص
منقوض .
ون ذي تك ويتّضح من عبارة هذا الشرط : أن الاختلاف لا يكون سائغًا في الدليل ال
ست ة ، ولي ي الدلال رطٌ ف ر ش ذا التحري ى ه اءً عل ةُ بن ةِ ، فالقطعيّ حةَ القطعيّ دلالتُه واض
شرطًا في الثبوت .
لا وت ، ف يِّ الثب رَ قطع و ت أو غي يَّ الثب دليلُ قطع ان ال واء أآ رى : س ارةٍ أخ وبعب
تسوغ مخالفةُ واضِحِ قطعيّته الدلاليّة ، ما دام ثابتًا .. بمطلَقِ الثبوت .
ي اء الت ات الفقه ةَ إجماع فإذا بدأنا بالإجماع السكوتي الظني ( ١) ، فلا يخفى أن عام
رون ك ي يذآرونها في تفاريع المسائل الفقهية هي من قبيل هذا الإجماع الظني ، ومع ذل
كوتيا ا س الف إجماعً الاحتجاجَ بها لازمًا ، ويؤثِّمون من يخالفها . ولا يجوز لأحدٍ أن يخ
روج دم الخ ب (ع اع المرآّ تجّ بالإجم ن اح ل م ه ( ٢) . إذ آ قٌ علي لٌ متّف صحيحًا ؛ لأنه دلي
١) سبق التعريف بالإجماع السكوتي ، وذِآْرُ قِسْمَيْهِ : القطعي ، والظني. )
٢) الخلاف المعتبر في الإجماع السكوتي لا يخرج عن أحد أمور ثلاثة : )
أولها : الاختلاف في حقيقته ، وبالتالي في مأخذ ودليل حجيته .
وثانيها : الاختلاف في درجة حجيته ، هل هو ظني أم قطعي .
وثالثها : في المسائل الجزئية منه ، هل تحقّق في إحدى تلك المسائل الإجماعُ الذي يفيد الظن
في أقل أحواله ، أم لم تتحقّق هذه الإفادة منه .
فإن وقف ضعيفُ التحرير على نزاع أحد العلماء في حجية أحد تلك الإجماعات ، ظنّ أنه
مبنيٌّ على عدم احتجاجه بالإجماع السكوتي ، غافلا عن أن سبب نزاعه أمرٌ آخر ، وهو راجعٌ
إما إلى وجود خلافٍ ينقض دعوى الإجماع ، أو إلى عدم توفّر شروط إفادة الظن من ذلك
الإجماع السكوتي المدّعىٰ . ويدلُّ على ذلك أنك لا تجد إمامًا متبوعًا إلا وقد احتجَّ بالإجماع
السكوتي في بعض المسائل ؛ إلا الظاهرية ، حيث إنهم لا يحتجون إلا بالإجماع القطعي .
وهذا هو منهج الظاهرية : عدم الاحتجاج إلا بالقطعي : ولذلك لم يحتج ابن حزم بالقياس ، ولا
بالاستقراء ، ولذلك أيضًا ادّعى أن خبر الآحاد الذي اجتمعت فيه شروط القبول الظاهرة يفيد
١٦
ذَ صحيح ؛ لأن مأخ سكوتي ال اع ال اج بالإجم ه الاحتج سلف) يلزم وال ال وع أق ن مجم ع
م ى اس ربَ إل ه أق ع آون سكوتي ، م اع ال ي الإجم ودٌ ف الاحتجاجِ بالإجماع المرآّب موج
واغ دم س اج، وبع ب بالاحتج اع المرآّ ن الإجم ى م ان أول ورته = فك ى ص اع وإل الإجم
مخالفته.
ي الف ف ائغًا ؛ إلا إذا خ يَّ س سكوتيَّ الظن اعَ ال الف الإجم ن خ لافُ م ون خ ولا يك
ة سألة الفرعي ك الم ي تل رٍ ف لافٍ معتب ودَ خ دّعي وج أن ي ا ب صحّةِ إجماعٍ معيّنٍ منه : إم
ل التي نُقل فيها الإجماع ، يدل على عدم انعقاد الإجماع . وإما بأن تكون المسألةُ التي نُق
ابِ الُ غي ا احتم فيها اتفاقُ العلماء من المسائل التي لا تعم بها البلوى ، ولذلك فيقوى فيه
ي الِفِ ف لافُ المخ ان خ إن آ تلاف . ف ذا الاخ ا ه صل إ لين م ي ا ، وإن ل عٍ فيه لافٍ واق خ
ان ا إذا آ صحّة ذلك الإجماع المعيّن بناءً على أحد هذين الاعتراضين فخلافُه سائغ ؛ أم
دُ ذا أح لا ، وأن ه صحيح أص سكوتي ال اع ال اج بالإجم دم الاحتج ى ع ا عل ه مبني خلافُ
الفَ ه خ ائغ ؛ لأن رَ س ا غي ل خلا فً ذا الأص أصوله = فمثل هذا يكون خلافُه القائم على ه
دليلا متّفقًا عليه .
فإذا انتهينا من الإجماع السكوتي ، نقف عند الحديث النبوي الظنيِّ الثبوت :
ا لا و م ة ه ام الفقهي ولا يخفى أن عدمَ اشتراط قطعيّة الثبوت في دليل تفاريع الأحك
ةُ م وعام سلفُ آلُّه م ال ة ، وه روع الفقه ي ي الف اد ف ر الآح حْتجُّ بخب ن يَ لُّ م يخالف فيه آ
المتكلّمين من أتباع المذاهب الأربعة . وإنما خالف أآثر المتكلّمين في حجية خبر الآحاد
في العقائد فقط ، دون الفروع الفقهية .
دٌ ه أح وز أن يخالف لا يج ة ، ف روع الفقهي وما دام خبر الآحاد حجةً بالإجماع في الف
ا سائغ ، آم ر ال لاف غي م الخ و حك واز ه دمُ الج أقرَّ بثبوته وبإحكامه (عدم نَسْخِة) . وع
ي اد ف ر الآح اج بخب دم الاحتج ك أن ع اح . ذل سيأتي ، وليس حكمَ الاختلاف السائغ المب
الفروع الفقهية مخالفٌ للإجماع القطعي ، فلم يكن قولا سائغًا .
العلم مطلقًا ؛ لكي يمكنه الاحتجاج به ، على قاعدته بعدم الاحتجاج إلا بالقطعي .
انظر لموقف الظاهرية من الاستقراء : آتاب الاستقراء وأثره في القواعد الأصولية والفقهية
. (٢٦٦ ،٢٦٣ ، للطيب السنوسي ( ١٥٨
١٧
وستجد في أصل هذا المقال المختصر منه أقوال العلماء فيه .
ه ى نزاع ا عل الِفِ مبني لافُ المخ ان خ يءٌ ؛ إلا إذا آ شرطِ ش ولا يُستثنى من هذا ال
ي ه ف ون خلافُ روط ، لا يك ة ش ائغًا بثلاث تلاف س ون الاخ دها يك دليل ، فعن وت ال ي ثب ف
ثُبوت الدليل سائغًا إلا بها:
ي صًا ف ديث ، متخصِّ اء الح ن علم ا م وت عالمً ي الثب الِفُ ف ون المخ الأول : أن يك
وم ائق العل ي دق ةً ف ا ، وخاصّ وم آلِّه ي العل وضِ ف رْطُ الخ ذا شَ سنة ؛ لأن ه د ال م نق عل
وعويص مسائلها ، آنقد السنة وتمييز الصحيح من السقيم .
ة ر قطعي سنة غي لا (آال ه أص الثاني : أن يكون الدليلُ مما يجوز الاختلافُ في ثبوت
ن ة ع ل العام ن نق ا (م عُ عليه سنةِ المجتم ثُ ال ريم وأحادي الثبوت) ، أما آيات القرآن الك
العامة)( ١) فلا يجوز الخلاف في ثبوتها ؛ لأنها قطعيةُ الثبوت .
والثالث : أن يكون خلافُه في الثبوت مبنيا على منهجِ أئمة السنة في النقد والتمييز،
ا ا). وإنم سنة وعلومه صاص بال ل الاخت ر أه ن غي سنة (م ه بال مَ ل ن لا عل نهج م دون م
يُّ نهج العلم و الم دها ه ي نق سنة ف اشترطنا هذا الشرط لسببين : (أوّلاً) لأن منهج أئمة ال
نهجٌ اك م دثين ، ولا هن نهج المح وى م ديٍّ س نهجٍ نق ود لم لا وج ز ، ف الوحيد للنقد والتميي
ضينا د؛ إلا إن ارت مقترَحٌ بديلٌ عنه أصلًا، حتى يمكن أن نتخيّرَ أو نوازنَ بين مناهج النق
ت ذي أجمع نهج ال و الم منهجًا ه و الجهلُ أو الهوى . (ثانيًا) أن منهج المحدثين النقدي ه
ا ا آتاب الى هم اب الله تع د آت ابين بع الأمةُ على صحته ، بمثل إجماعها على أن أصحَّ آت
ا ، ا ومتكلّموه دِّثُوها ، أثريّوه ةِ ومح اءُ الأم اع : فقه البخاري ومسلم ، وعلى هذا الإجم
نهج ى أن م ة ) عل ة قاطب اء الأم م علم ؤلاء (وه اعَ ه ي إجم ا يعن ك .مم ى ذل جميعُهم عل
و ا ه ا ، ومنهجهم ت منه الشيخين هو أصحُّ منهجٍ لنقد السنة وتمييز الثابت من غير الثاب
منهج المحدثين المعلوم المدوَّن في مصنفات علمهم ، بالإجماع على ذلك أيضًا .
١) مثل : تخميسِ الصلوات المفروضة ، وبيانِ عدد رآعات آل فرضٍ منها ، وترتيب أوقات )
أدائها إجمالا (أن الفجر قبل الشروق ، وأن الظهر هو الذي يليه .. وهكذا) ، وأن الكعبة التي
يطوف حولها الناس إلى اليوم هي عينُها الكعبةُ التي طاف حولها النبيُّ ^ ... ونحو ذلك .
١٨
ورٍ ى أم ا إل ا) ( ١) مرجعُه وهذه الشروطُ الخمسة (آما تظهر عند إعادة التدقيق فيه
ثلاثة: أن يكون القول صادرًا ممن له حقُّ الاجتهاد (أولا)، وأن يكون صادرًا عن أصلٍ
ا) ؛ معتبرٍ (ثانيًا)، وأن لا يكون قولُه مخالِفًا لدليلٍ ثابتٍ واضحِ القطعيِّةِ في دلالته (ثالثً
ا الا راجحً إذ بمخالفته لذلك الدليل القطعي نقطع بكونه لا حظَّ له في الصواب ، لا احتم
إذا يَّ. ف تَ القطع دليلَ الثاب ه ال ى مخالفت و معن ذا ه ا ؛ لأن ه الاً مرجوحً فيه .. ولا احتم
ولا الِف ق ولُ المخ ون ق وال ، يك ن الأق ولٍ م لافِ ق ي خ ة ف ور الثلاث ذه الأم ت ه تحقّق
معتبَرًا وخلافُه سائغًا.
هذه هي شروط عدّ القول من الاختلاف المعتبر ، وهذا هو ضابط ذلك .
ا اب ، وم ذا الب ر له ي التنظي ر ف نقص الكبي ويتضح من ذآره هذه الشروط مقدار ال
تثمار تلاف الاس وعي الاخ ين ن ق ب ذا التفري تثمار ه دم اس سيؤدي إليه هذا النقص من ع
الذي وُضع التقسيم لأجله ، وجاءت أآثر آداب الاختلاف مبنية على مراعاته .
لننتقل بعد ذلك لبيان أهم الآداب التي تتعلق بهذا التقسيم .
١) آل من آتب في مسألتنا هذه (وهي شروط تسويغ الاختلاف) ، في آتابٍ مستقلّ أو ضمن آُتُبِ )
الأصول ، وحسب ما اطلعتُ عليه ، يكتفي بذآر شرطين اثنين : الأول : عدم مخالفة الإجماع
باب » ، والثاني: عدم مخالفة دليلٍ قطعيّ (في الثبوت والدلالة) . لكن علماء الأصول نصّوا في
« باب الإجماع » على شَرْطِ العلم (وهو الشرط الأول عندي) ، ونصوا في « صفات المفتي
على شرط عدم الخروج على مجموع أقوال السلف (وهو الشرط الخامس عندي) . فقمتُ
بجمع هذه الشروط ، لتكميل بعضها بعضًا في تحرير شروط القول السائغ ، وأضفتُ إليها
الشرطَ الرابع ، آما أوضحتُ ذلك في الكتاب الذي هو أصل هذا المقال ، مبيِّنا سببَ هذه
الإضافة ودليلها .
١٩
حُحُكْمُْمُ الالاختلالافِفِ السائغِغِ وغيرِرِ السائغِغِ
والموقفُفُ منهما
تلافٌ ما دمنا لم نختلف في أصل التفريق بين نوعَيِ الاختلاف ، وأن منه ما هو اخ
اك ون هن ن أن يك دّ م لا بُ ائغ ، ف رٍ ولا س رُ معتَبَ تلافٌ غي و اخ ا ه معتبَرٌ سائغ ، ومنه م
تلافَ عُ اخ ا يتب ضًا فيم ا أي رقٌ بينهم اك ف ون هن ا ، وأن يك وعٍ منهم ل ن م آ ي حك فرقٌ ف
ف راقِ الموق ن افت تلاف ، وم وعَيِ الاخ ن ن دٍ م ل واح صوّرنا لك راقِ ت ن افت م : م الحك
منهما ، ومن افتراق الموقف من صاحب آل اختلافٍ منهما .
ع ن أرب ا م ايُنَ بينهم فهنا إذن آدابٌ تخصُّ آل نوعٍ من نوعَي الاختلاف ، تُبيِّنُ التب
جهات : من جهة التصوّر ، والحكم ، والموقف من القول ، والموقف من القائل :
أولا : التصوُّر :
ون ى أن يك ي ا( ١)، بمعن ه ظنِّ رجيحُ في ون الت سائغ أن يك تلاف ال ي الاخ ل ف فالأص
بطلان ع ب صحته، ولا يقط ن ب ة الظ ى غلب ه عل ولين ، ير جّح دَ الق رجِّحُ أح ذي ي العالم ال
أ ، ل الخط وابٌ يحتم ولي ص تلاف : ق ن الاخ وع م القول المخالِف . وآما قيل في هذا الن
. ( وقولُ المخالِفِ خطأٌ يحتمل الصواب( ٢
ةٍ ه ، بأدل وعُ ببطلان لاف المقط و الخ سائغ : فه ر ال تلافِ غي صوُّرُ الاخ ا ت أم
الف ، أ المخ ة وبخط أ المقال زم بخط ا . فنج ي دَلالته ةِ ف حةِ القطعيّ ةٍ واض ثابت
ولا نتردّدُ أن الصواب في غيرها .
سائل ة الم ي أدل شقيقات ف ١) وهو الأغلب لدى العلماء المتأخ رين ، بسبب تناقص العلم ، وتزايد الت )
ول ن الوص ضلا ع لدى المتنازعين ، مما يُعَسِّرُ الوصولَ إلى الصواب بالرُّجْحان (الظني) ، ف
- تقامة ( ٦ اب الاس ي آت رّر، ف لٍ مح لامٍ طوي ة بك ن تيمي لام اب يخ الإس ه ش صّ علي ا ن إليه بالقطع . آم
.(٦٩
٢) انظر تعريف (الصواب) في التعريفات للجرجاني ( ١٧٧ رقم ٨٨٣ ) ، والأشباه والنظائر لابن )
نجيم ( ٣٨١ ) ، وهو قولٌ منسوبٌ إلى الإمام الشافعي ، ولم أجده في مصدرٍ أصيلٍ مسندًا إليه .
٢٠
ثانيا: الحُكم :
صري سن الب ه الح ا قال ه م تلاف بنوعي م الاخ ان حك ي بي سلف ف لام ال ن آ م
الى ( پ ڀ ڀ ڀ ڀ ٺ ٺ ٺٺ ٿ ٿ ) [هود: ه تع سير قول ي تف (ت ١١٠ ه) ف
يّنَ ١) . فب )« ضرّهم ا ي ون اختلافً إنهم لا يختلف ةِ الله ف لُ رحم ا أه أم »: [١١٩ - ١١٨
(رحمه الله ) أن أهل العلم والفضل يختلفون اختلافًا مباحًا لا يضرّهم . ومفهوم ذلك : أن
من سواهم يختلفون اختلافًا ضا را ، وهو الاختلاف المحرّم .
رَّمٌ ، ولا دُهما مح الاختلافُ من وجهين : أح » : وقد سَبَقَ نَقْلُ قولِ الإمامِ الشافعيِّ
. (٢)« أقول ذلك في الآخر
ثالثًا: الموقف من القول :
فالأصلُ في الاختلاف السائغ :
- أنه لا يجب الردُّ على القول الذي تخالفه منه ؛ لأنه مباحٌ لقائله أن يقوله ،
فليس منكرًا من المنكرات التي يلزم إنكارها على القادر .
- ولكن يجب على صاحب القول الآخر أن يبيّنَ ترجيحَه المخالِفَ ؛ لأن القول
الراجح عند العالم هو ما يدينُ الله تعالى به ، فيجب بيانُه ، ولا يجوز آتمانُه ؛
لقوله تعالى (ڻ ڻ ? ? ۀ ۀ ? ? ? ? ه ه ه ه ?? ۓ ۓ ڭ ڭ
ڭ) [البقرة: ١٥٩ ] ، وقوله تعالى (ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ ڀ
. [ ڀ ڀ ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿٿ ٿ ٿ ?) [آل عمران: ١٨٧
- فإن لم يتم بيان الراجح عندك إلا بالردّ على القول المخالِف وأدلته ؛ فما لا يتم
الواجب إلا به فهو واجب ؛ ولذلك يجب حينها الردُّ على القول المخالِف .
اء ى العلم ب عل لا يج ا : ف دًا فيه سألةُ مُجْتَهَ إذا آانت الم »: وقد قال إمام الحرمين
ى تّمُ عل لا يتح ا ؛ ف ا به إظهارُ إنكارٍ على من قال فيها بقولٍ لم يُراغِمْ فيها حُجّةً مقطوعً
. (٣) « بقيّة العلماء صدُّ القائل عن قوله
ان وإن آ » : وقال الإمامُ النووي ، وهو يتحدّثُ عن إنكار المنكر ودرجات ما يُنكَر
م ه ، ولا له دخ لٌ في وام م من دقائق الأ فعال والأ قوال ، ومما يتعلق بالاجتهاد ، لم يكن للع
. (٦٣٨/ ١) تفسير الطبري ( ١٢ )
. (١٦٨٠- ٥٦١ رقم ١٦٧١ - ٢) الرسالة للإمام الشافعي ( ٥٦٠ )
. (١٠١/ ٣) التلخيص لإمام الحرمين ( ٣ )
٢١
لا ه ف فُ في ا المختلَ ه ، أم عَ علي ا أُجْمِ إنكارُه ؛ بل ذلك للعلماء . ثم العلماء إنما ينكرون م
. (١)« إنكار فيه
ا ه ؛ آم ل في لاف الأ ص ا خ رى ؛ لكنه وقد يجب الردُّ على القول السائغ لأسبابٍ أخ
قدمناه .
سائغ : تلاف ال ي الاخ وح ف ولِ المرج اهَ الق وبُ تج فُ المطل و الموق ذا ه ه
دَ ب المقيّ ا أن الواج ه . وبينّ راجح بدليل انُ ال و بي ه : ه ق تجاه ب المطل ا أن الواج فبينّ
ا إذا ك فيم ه ، وذل ة إلي ه بالحاج دٌ وُجوبُ ه مقيّ وح ، وأن تجاهه: هو الرد على القول المرج
ده وحَ عن ولَ المرج ذآر الق وح ؛ في ى المرج الردّ عل تمُّ إلا ب راجح لا ي ول ال آان بيان الق
وأدلتَه بإنصافٍ ، ثم ينقضُها دليلًا دليلًا .
و : دّ ، وه ابقه وأش ن س يقَ م دٍ أض ضًا بقي دٌ أي وهناك واجبٌ آخر ، لكنه واجبٌ مقيّ
د المَ ق ول؛ لأن الع ى الق ردِّ عل ر ال يءٌ غي تسمية المردود عليه . فتسمية المردود عليه ش
.( يردُّ على القول، من دون ردٍّ على قائله، بمعنى أنه لا يُسَمِّيه( ٢
ر ن أنك رٍ مم ماء آثي ينِ أس بِ تعي ن تجنُّ ي ^ م ه النب ان علي والأصل في ذلك : ما آ
ذا ون آ ذا ، أو يفعل ذا وآ ون آ عليهم قولا أو فعلا ، وأنه ^ آان يقول : ما بال أقوامٍ يقول
ه ن عمل وآذا . آما في حديث النفر من أصحاب النبي ^ ، الذين سألوا أزواجَ النبي ^ ع
ضهم في السرّ ؟ فقال بعضُهم : لا أتزوج النساء ، وقال بعضهم : لا آآل اللحم ، وقال بع
ذا الوا آ وام ق ال أق ا ب م » : ال ه ، فق ى علي ي ^ الله وأثن د النب : لا أنام على فراش . فحم
نتي ن س ب ع ن رغ ساء ؛ فم زوج الن ر ، وأت وم وأُفط ام ، وأص لي وأن ي أص وآذا ، لكن
ن ه ^ وم ن هدي ك م رف ذل ٣) . وآذلك فعل ^ في مواقف عديدة ( ٤)، حتى عُ )« فليس مني
حُسْنِ مَعْشَرِهِ .
. ( ٢٥ شرح الحديث الذي برقم ٤٩ / ١) شرح صحيح مسلم للإمام النووي ( ٢ )
٢) أقصد بعدم التسمية العدمَ التام ، أما أن يدع التسمية الصريحة مع وصفه بما يعرفه به عامةُ من )
يقف على ردِّه ، فهذا لمزٌ ، وهو أشدّ أذى من التسمية الصريحة ، وسيأتي الحديث عن ذلك.
٣) أخرجه البخاري (رقم ٥٠٦٣ ) ، ومسلم (رقم ١٤٠١ ) ، واللفظ له . )
. ( ٦١٠١ ) ، وصحيح مسلم (رقم ٢٣٥٦ ،٧٥٠ ، ٤) انظر صحيح البخاري (رقم ٤٥٦ )
٢٢
زامُ وز إل لا يج ائغًا ف ه س ه لكون سائغ ) : أن تلاف ال ن الاخ ف م سائلِ (الموق ومن م
الناس بترآه ، لا من الحاآم ولا من غيره .
المعروف ر ب ي الأم صنفون ف اء الم ولهذا قال العلم »: وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية
ة لا سائل الاجتهادي ذه الم ل ه ره : إن مث شافعي وغي حاب ال ن أص ر م والنهي عن المنك
ة ، الحجج العلمي ا ب تك لّم فيه تُنكر باليد ، وليس لأحد أن يُلْزِمَ الناسَ باتّباعه فيها ، ولكن ي
. (١)« فمن تبيَّنَ له صحةُ أحدِ القولين تَبِعَهُ ، ومن قلَّدَ أهلَ القولِ الآخر، فلا إنكار عليه
اآم يس للح ول »: ال ك( ٢) ، فق ى ذل اعَ عل ة الإجم ن تيمي لام اب يخُ الإس ل ش د نق ل لق ب
ا ، اده : ا تِّفَاقً ه واعتق زامهم برأي سوغ و إل وغيره أن يبتدئ الناس بقهرهم على ترك ما ي
. (٣)« فلو جاز هذا ، لجاز لغيره مثلُه ، وأفضى إلى التفرُّقِ والاختلاف
ه رًا من اآم لا نظ ن الح زامُ م ان الإل و آ ا ل ى م لام عل يخ الإس لامُ ش حمَلُ آ ويُ
لاف للمصلحة العامة ، ودرءًا للمفسدة ، فهذا لا يكون إلا تسلُّطًا مفضيًا إلى التفرّق والخ
ى ه إل رًا من سائغةِ نظ وال ال د الأق اآم بأح زامُ الح (آما قال شيخ الإ سلام) . أما إذا آان إل
المصالح العامة ، فجائزٌ، وتجب طاعته فيه .
ه : ن أقوال ولٍ م أي ق ذ ب ه الأخ وز في سائغ يج تلاف ال ى أن الاخ يٌّ عل ذا مبن وه
ه ر ل م يظه ن ل ضبطًا لم دًا من رجِّح ، أو تقلي دليل الم ه ال ن لاح ل إما ترجيحًا بالدليل لم
ن وَجْهُ الرُّجحان . فلا يجوز الإنكار في مسائل الاختلاف السائغ على من اتّبعَ أيَّ قولٍ م
ا ا دام مبتغيً رًا ، م ا معتب ده عالمً ى تقلي دليل أو عل أقواله ، سواء أآان اتّباعُه بناءً على ال
الحقَّ في اتّباعه أو في تقليده .
وأما الموقف من الخلاف غير السائغ :
- ففوق الواجب المطلَقِ تجاهه (وهو بيانُ القولِ الحقِّ) .
- فهناك واجبٌ مطلقٌ آخر تجاهه ، وهو وجوب مناصحة صاحبه، ما أمكن ذلك
؛ لأن الخلاف إذا آان غير سائغ فهو محرّم (آما سبق في بيان حكمه)،
والفعل المحرّم إذا وقع من المسلم وجب على المسلمين نهيه عنه ، بما
. (٨٠/ ١) مجموع الفتاوى ( ٣٠ )
٢) سياق آلامه آان عن القُضاة ، لكن الفتوى في ذلك أولى . )
. ( ١١٠ ) ، وعنه في : الاختيارات للبعلي ( ٣٣٣ / ٣) الفروع لابن مفلح ( ١١ )
٢٣
. ( يستطيعونه من أقرب الأساليب التي تُحقِّقُ مصلحةَ الانتهاء عن المنكر( ١
فإن آان المسلم متأوّلا ، فهو أولى بالتلطّف معه ؛ لأن تأوُّلَهُ الأصلُ فيه
ومقتضاه أنه مانعٌ عنه التأثيم . فالقول حينها وإن آان إثمًا ؛ إلا أن قائله غير
آثم ، بل الأصل أنه مأجورٌ أجرَ الاجتهاد في طلب الحقّ . وتَقْوَى أولويّةُ
التلطُّفِ معه إذا آنا نتحدّث عن عالم له فضله وبلاؤه في خدمة الإسلام
والمسلمين ؛ فإن صدور القول غير سائغ منه لا يلغي محاسنه ، ولا يُسقط
حقوقَه الجليلةَ على أُمته .
- ثم للعالم أن يصف القولَ غير السائغ بالوصف المطابق لواقعه ، وبما يحقق
المصلحة ، ويدفع المفسدة . فلا يشنّع على القول بما ليس فيه ، ولا يُلزمه
اللوازم التي لا تلزم منه . آما أنه يراعي في ذلك آلّه المصلحة والمفسدة ، فقد
يسكت عن بعض الأوصاف ، بعد بيان الحق ، لكون الحق قد ظهر بدونها ، أو
لكون مفسدةِ ذِآْرِ تلك الأوصاف أعظمَ من مصلحةِ عدم الذآر .
- أما ذِآْرُ اسمِ صاحب القول غير السائغ عند الردّ عليه : فقد ذآرنا سابقًا : أن
الأصلَ فيه عدمُ ذآر اسم المردود عليه ، في الاختلافين آليهما (السائغ وغير
السائغ)؛ إلا إذا لم يتم واجب الردّ وبيان الحقّ إلا به . وقد ذآرنا أدلةَ ذلك من
السنة ، ومن فِعْلِ السلف .
ذلك، هذا إن آان صاحب القول غير السائغ عالمًا له فضله وبذله ، أما إن لم يكن آ
ى ب عل م يترتّ ه ، ول ه لجهل اس من ذير الن ه ، أو تح وآان في ذآر اسمه مصلحةٌ ، بتأديب
ذلك مفسدةٌ أآبر من مفسدة السكوت عن اسمه = فيُشرع ذآر اسمه ، بشرط أن لا ننسى
. ( أيضًا حقَّه الإسلاميّ العام ، مهما بلغ خطؤه( ٢
- والاختلاف غير السائغ لا يجوز اعتماده في الفتوى ، ولا العمل به إن أُفْتِيَ
به، لا اجتهادًا ولا تقليدًا ؛ لأنه باطلٌ شرعًا . وقد سبق ذآر بعض آلام الأئمة
١) إذا أتى المسلمُ ما يُستنكر عليه فقد وجب على المسلمين نُصْحُه ، ووجب عليهم في الوقت نفسه )
مراعاة حقوق أخوته الإسلامية ، التي لم يزل مستوجبَها . وهنا يقع الخلل عند بعض الناس من
إحدى جهتين: إما بتغليب جانب النهي عن المنكر على جانب حقِّ الأخوة ، فيقسو المُنْكِرُ على
أخيه المسلم فوق ما قد يُوجبه الإنكار ، فيقع حينئذٍ هذا المُنْكِرُ نفسُه في منكرٍ آخر ، وهو أنه
سلب أخاه المسلمَ حقا واجبًا من حقوقه الإسلامية. وإما بتغليب جانب الحقوق ، فيقصّر في
واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لأخيه . والتوفيق بينهما سبيل من أوتي
الحكمة ، وقليلٌ ما هم !
٢) وسوف يأتي الحديث عن الموقف من صاحب الاختلاف السائغ وغير السائغ . وإنما ذآرتُ هنا )
مسألةَ ذِآْرِ اسمِ المردودِ عليه ؛ لارتباطها بالردِّ على القول ، والردُّ على القول من مسائل
الموقف من القول ، لا من القائل .
٢٤
في ذلك( ١)، بما يغني عن إعادته. لكن هناك عبارات أخرى جاءت عن
وعن علماء السلف رحمهم الله تعالى ، تبيّن موقفهم الشديد من الصحابة
الخلاف غير السائغ ، وتُظهر عظيمَ خوفهم من انتشاره ، وحرصهم على
إماتته وعدم الافتتان به ، مما يدل على شِدَّتِهم الحكيمةِ في موقفهم منه .
ومن هذه العبارات : العباراتُ التالية :
اب، افق بالكت دالُ المن الم ، وج ةُ الع لامَ زل دم الإس يه » : اب قال عمر بن الخط
. (٢)« وحُكمُ الأئمة المضِلِّين
الم ، ل ع صة آ ذتَ برخ و أخ ل » : ( ي (ت ١٤٣ ه ليمان التيم ة س ابعي الثق ال الت وق
. (٣)« اجتمع فيك الشرُّ آلُّه
ه ي باب ا ف ذا وآلامً ي ه لامَ التيم رّ (ت ٤٦٣ ه) آ د الب فتعقّبَ الإمام أبو عُمر ابنُ عب
. (٤)« هذا إجماعٌ لا أعلم فيه خلافًا » : بمعناه ، بقوله
ل ول أه ن ق سًا ، وم راق خم ل الع ول أه ن ق ب م نجتن » : ي امُ الأوزاع ال الإم وق
ضان ، الحجاز خم سًا . من قول أهل العراق : شُرْبَ المسكر ، والأآ لَ في الفجر في رم
ة يء أربع ولا جمعة إلا في سبعة أمصار ، وتأخير صلاة العصر حتى يكون ظل آل ش
ين عَ ب ي ، والجم تما عَ الملاه از : اس أمثاله ، والفرار يوم الزحف . ومن قول أهل الحج
دا دينارين ي دينار بال الصلاتين من غير عذر ، والمتع ةَ بالنساء ، والدرهم بالدرهمين وال
. (١)«( بيد ، وإتيان النساء في أدبارهن( ٥
Error! Bookmark not ،Error! Bookmark not defined.) ١) انظر )
Error! Bookmark not -Error! Bookmark not defined. ،defined.
. (Error! Bookmark not defined.-٢٤ ،defined.
٢) أخرجه ابن المبارك في الزهد (رقم ١٤٧٥ ) ، والدارمي في سننه (رقم ٢٢٠ ) ، والبيهقي في )
المدخل إلى السنن ( رقم ٨٣٣ ) ، وغيرهم ممن تجدهم في تخريج الكتابين السابقين ، وإسناده
صحيح .
٣٢ ) ، وابن / ٣) أخرجه أبو القاسم البغوي في الجعديات (رقم ١٣٢٦ ) ، وأبو نعيم في الحلية ( ٣ )
. (١٧٦٧ ، عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (رقم ١٧٦٦
. (٩٢٧/ ٤) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ( ٢ )
د ةَ ق د أن الأئم ة ، نج ن الأئم ٥) في هذه العبارة ، وفي العبارات المذآورة عَقِبها في هذا ا لسياق ع )
ى ا عل لِ به أوردوا مسائ لَ خلاف ، قد يكون مقصودهم من ذآرها في هذا السياق ضَرْبَ المَثَ
٢٥
ان سمعت أبي يقول : سمعت يحيى بن سعيد القط » : وقال عبد الله بن الإمام أحمد
ي ةِ ف لِ المدين ذ ، وأه ي النبي ة ف لِ الكوف ول أه يقول : لو أن رجلًا عمل بكل رخصة : بق
. (٢)« السماع ( يعني الغناء) ، وأهلِ مكة في المتعة = آان به فاسقًا
- والاختلاف غير السائغ لا يجوز للحاآم إلزامُ الناس به ، ولا تجب طاعته
فيه( ٣)، حتى لو ادّعى الحاآمُ أن المصلحة المعتادة تستدعيه ؛ لأنها طاعةٌ في
معصية. ولا تلزم طاعة الحاآم فيما الأصل أنه معصية ؛ إلا إذا آان الحاآم قد
أخذ بها ضرورةً ، ولدفع مفسدةٍ أعظم . آأن يقتطع من أموالهم المحرّمةِ عليه
قدرًا بالعدل ، لدفع عدوّ ظالمٍ ينوي استئصالَهم . فتجب طاعته حينها ، من باب
أن الضرورات قد أباحت لهذا الحاآم المحظورات .
سائغ ، ر ال ول غي شار الق ع انت ى من اءِ عل ا للعلم ونَ مُعينً اآم أن يك ى بالح ل الأول ب
ه وب منع ي وج س لمِ ف اآمِ الم أنُ الح و ش ا ه ستطاع . آم در الم ه ، ق ل ب ع العم وعلى من
ا ه تجاهه ب علي ا يج من ليس أهلا للإفتاء ( ٤) ، وآما هو شأنه مع البدعة أيضً ا( ١) ، وم
ن مّ م و أع ا ه رادهم م ون م د يك ا . وق اراتهم هن ذلك أوردتُ عب ائغ ، ول مسائل الخلافِ غيرِ س
واء ه ، س ذلك ، وهو أنهم قصدوا بها ذمَّ من يتخيَّر بالتشهّي والهوى من أقوال الفقهاء ما يحلو ل
م م ل م أنه ه لكلامه ذا التوجي صحة ه شهد ل أآان التخيُّرُ من أقوالٍ يسوغ خلافُها أو لا يسوغ . وي
صر سائغ لا ينح ر ال لاف غي ع أن الخ شهوات ، م ة بال سائل متعلق ة وم سائل إباح ذآروا إلا م ي
شديد ور الت ن أم م م فيهما ، بل قد يكون القولُ بالتحريمِ خلافًا غيرَ سائغ أيضًا ، وقد يكون الحك
(التي تنافر الشهوات) وهو حكمٌ غير سائغ آذلك .
٢١١ ) ، والسماع لابن / ١) معرفة علوم الحديث للحاآم ( ٢٥١ ) ، والسنن الكبرى للبيهقي ( ١٠ )
-٥٨/ طاهر المقدسي [وانظر تعليقَ ابنِ طاهرٍ عليه] ( ٦٤ ) ، وتاريخ دمشق لابن عساآر ( ٥٤
٥٩ ) . وراويه عن الأوزاعي لم أجد فيه جرحًا أو تعديلًا .
٢) مسائل عبد الله بن أحمد لأبيه (رقم ١٦٣٢ ) . وتُذآر هذه العبارة منسوبة للإمام أحمد نفسه ، )
والصواب أنها من روايته عن القطان ، آما ترى .
٣) إلا خوفًا من أذى لا يطيقه المسلم ، أو خوفًا من حدوث فتنةٍ أعظم من فتنة طاعته في المعصية )
. فيجوز في الأولى أن يطيعه ؛ لأنه مُكْرَهٌ . وإن صبر على الأذى (إن آان يطيقه) فهو أفضل
، وليس بواجب . ويجب في الثانية (إن خشي الفتنة) أن يطيعه ؛ لأن دفع أعظم المفسدتين
بأخفّهما واجب . مع وجوب نصح الحاآم المسلم في الحالتين (ما أمكن ذلك)، ومحاولة إزالة
أسباب الأمر بالمعصية والإآراه عليها بالوجوه المشروعة .
،( ٤) انظر : الأحكام السلطانية للماوردي ( ٢٤٨ ) ، والأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء ( ١٩٣ )
٢٦
امٌ وآدابٌ لا ك أحك ع ذل وي . ولجمي دي النب من السعي في إماتتها وفي إنعاش السنة واله
ى ر دِّ عل ين ال قُ ب ا : التفري ن أهمه ا( ٢) . م ى عليه ينبغي أن تُتجاوَزَ ، ولا يجوز أن يُبغ
رّد سلم بمج ب للم ق الواج ن الح ة ع دم الغفل أوّل ، وع ه المت ن قائل فِ م ول والموق الق
دة ن قاع ل ع ذر ، وأن لا نغف ر ع ذرٍ أو بغي أ بع و أخط سلمين ول ة الم ى بقي لام عل الإس
الدعوة إلى الله تعالى ، وهي أن تكون بالحسنى ؛ وأن لا ننسى أبدًا بأن القناعات لا تتبدّل
إلا بالأدلة ، دون قسرٍ عليها ولا إرهابٍ .
رابعًا : الموقف من القائل :
ا. ل مباحً سلم إذا فع أما الموقف من صاحب الاختلاف السائغ : فهو الموقف من الم
ا اص . آم شتم أو انتق ه ب اول علي لا يجوز أن يُعنّفَ ، ولا أن يُنكر عليه ، فضلا عن يُتط
لا يُلزمُ بغير القول الذي مال إليه ، سواء أمال إليه اجتهادًا أو تقليدًا .
ائغ ، رَ س أً غي أ خط ن أخط ماء م شهير بأس ي الت ي ^ ف نة النب ان س بق بي د س وق
ى سائغ أول أ ال ا أن الخط م ذآرن ه . ث يهم بدون وأنه ^ آان يتجنّبُ ذلك ، ما أمكن الردُّ عل
بمثل هذا التعامل ، وهو آذلك ولا شك .
ر ، هٍ آخ ن وج ه م يٌ علي اك بغ ون هن ن يك ه ، لك ردود علي مُ الم رُ اس د لا يُذآَ وق
را دُّ) سمِّه ال م يُ ذي ل ة (ال ل المقال ف قائ ه ، بوص ى مقالت ردِّ عل ن ال ه أذىً م صل ل ويح
را دُّ: ول ال أن يق الى . آ ن الله تع ي دي ا ف م قائله بأوصافٍ لا يستحقُّها شرعًا ، ولا هو حُك
، « دع الٌّ مبت ا ض قائله » : ول لا . أو يق ةً أص ولا تكون المقالةُ آُفريّ ، « قائل ذلك آافر »
ع م ، « لا يقول بها إلا جاهل لا علمَ لديه » : ولا يكون ذلك من لوازمها شرعًا . أو يقول
ي ردِّ ف صَدَّى لل ن تَ ذرْ م أن الواقع يكذِّبُه ، من جهة أن بعضَ قائليها علماءُ جِلّ ةٌ( ٣) . فليح
. (١٠٩/ ١٥٤ ) ، والفروع لابن مفلح ( ١١ / والفقيه والمتفقه للخطيب ( ٢
، ( ١) انظر : الأحكام السلطانية للماوردي ( ١٥ ) ، والأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء ( ٢٧ )
. (٢٧٦- ١٨٩ رقم ٢٦٩ - والغياثي للجويني ( ١٨٤
٢) انظر مقالة (التعامل مع المبتدع : بين ردّ بدعته ومراعاة حقوق إسلامه) ، لي ، ففيه تأصيلٌ )
لهذا الأمر .
٣) وأنبّهُ هنا : أنه ليس من المنهيِّ عنه وَصْفُ المخطئ بأنه قد جهل تلك المسألة ؛ إذ إن مجرّدَ )
٢٧
مسألةٍ ما ، وخاصة في مسائل الاختلاف السائغ ، من أن يتجاوز في ردِّه بالاعتداء على
الى (? ? گ گ گ گ ڳ ڳ ڳ ڳ ڱ ال الله تع د ق ذائهم ، وق سلمين وإي الم
ن ه م اء في ذي ج ر ، ال ةَ التكفي ذاء درج ڱ) [الأحزاب : ٥٨ ]. فكيف إذا بلغ الإي
الوعيد ما لم يأتِ في غيره من أنواع أذى المسلمين .
ذا ي ه سائغ ، فف تلاف ال ن الاخ فإذا عُدنا إلى استكمال الموقف من صاحب القول م
،« اد سائلِ الاجته ي م ارَ ف لا إنك »: ةَ شهيرةَ القائل ارتَهم ال اءُ عب ق العلم تلاف أطل الاخ
ويعنون بها مسائلَ الاختلافِ السائغ .
قُّ فَحَ » : ويقول الإمام أبو العباس القرطبي (ت ٦٥٦ ه) في المختلفَين اختلافًا سائغًا
ه ، ولا ر ، ولا يلوم ى الآخ رِّب عل ه ، ولا يُثَ ر ل ا ظه ى م صيرَ إل دٍ أن ي لِّ واح آ
. (٢)«( يجادله( ١
ال ه ، ق سوغ خلاف ا ي ى م اظرة عل ي المن اء ف ض الفقه ن بع ل م وع الخل ولكثرة وق
ى صم إل دعوة الخ اظرون ل اء يتن عَفَةِ الفقه ن ضَ ةً م ر أن جماع لا ننك » : الإمام الغزالي
صيبون ، وأن م الم سهم أنه ي أنف ادهم ف ل لاعتق دٌ ، ب صيب واح نهم أن الم ال ؛ لظ الانتق
ذلك . روع ؛ ل خصمهم مخطيءٌ على التعيين ( ٣) . أما المُحَصِّلون فلا يتناظرون في الف
لكن يعتقدون وجوبَ المناظرة لغرضين ، واستحبابَها لستّةِ أغراض:
أما الوجوب ، ففي موضعين :
تخطيئه مستلزِمٌ ذلك التجهيلَ المقيّدَ .
١) المقصود بالجدل الذي يُنهى عنه في هذا السياق جدلُ الإنكارِ (آأنّ المجادَل قد أتى أمرًا )
منكرًا)، وآذلك جدلُ الإلزامِ بالتراجع عن الرأي ، وآلُّ جدلٍ لم يَتَحَلَّ بأدب الجدل العلمي.
أما النقاش العلمي ، الذي لا يأبهُ فيه آل طرفٍ أين يكون الحق : أآان عنده ، أم صار عند
الطرف الآخر ؛ لأن غرضَ المتجادِلِينَ جميعِهم معرفةُ الحقِّ والوصولُ إليه= فهذا مأمورٌ به
مرغوبٌ فيه مطلقًا .
. (٦٩٩/ ٢) المفهم للقرطبي ( ٦ )
-٤٠/ ٣) انظر الصياغة التي صاغ بها الونشريسي عبارةَ الغزالي هذه ، في المعيار المعرب ( ١٢ )
.(٤١
٢٨
ى ي معن ا ف ص أو م ن ن اطع م لٌ ق سألة دلي ي الم ون ف وز أن يك ه يج دهما : أن أح
ه ر علي و عُث م ، ول اط الحك ق من ي تحقي ه ف ازَعُ في ا يُتن اطعٌ فيم ي ق النص ، أو دليلٌ عقل
ذي اطعِ ال اءُ الق شف انتف ى ينك اظرة ، حت ةُ والمن ه المباحث اد . فعلي لامتنعَ الظنُّ والاجته
يأثمُ ويعصي بالغفلة عنه .
الثاني : أن يتعارض عنده دليلان ، ويَعْسُرَ عليه الترجيح ، فيستعين بالمباحثة على
أس صل الي ر إذا ح ا يتخيّ رُ ؛ فإنم ه يتخيَّ ى رأ يٍ) : إن ا (عل طلب الترجيح ؛ فإنا وإن قلن
عن طلب الترجيح ، وإنما يحصل اليأس بكثرة المباحثة .
وأما الندب ، ففي مواضع :
الأول : أن يُعْتَقَدَ فيه أنه معاندٌ فيما يقوله غيرُ معتقدٍ له ، وأنه إنما يخالف حسدًا أو
ن ه ع ه يقول يِّنَ أن ن ، ويب وء الظ صيةَ س نهم( ١) مع ل ع اظر ؛ ليزي كَدًا ، فين ادًا أو نَ عن
اعتقادٍ واجتهاد .
اظر؛ م ، فين يعلم جه لَه الثاني : أن يُنْسَبَ إلى الخطأ ، وأنه قد خالف دليلا قاطعًا ، ف
ليزيل عنهم الجهل ، آما أزال في الأول معصيةَ التُّهمة .
م ده ، ل ا عن سد م ى إذا ف اد ، حت ي الاجته هِ ف ى طريقِ صمَ عل هَ الخ ث : أن يُنَبِّ الثال
ده ، ا عن سد م ه ، إذا ف ع إلي دًا ، يرج ده عتي ه عن ان طريقُ ر( ٢) ، وآ م يتخي ف ، ول يتوق
. ( وتغيَّرَ فيه ظنُّه( ٣
ةٍ ن طبع وابه م أ ، وص وهو خط ، « ليزيل عن نفسه معصية سوء الظن » : ١) في الطبعة المعتمدة )
ة : ب العلمي ى : ١٤١٣ # . دار الكت ة الأول شافي . الطبع د ال سلام عب د ال د عب ق محم بتحقي
. (٣٨٥/ بيروت: ( ١
ولم »: ٢) آذا في الطبعتين (المعتمدة ، والمذآورة في الحاشية السابقة) ، والأوجه أن تكون )
بالحاء المهملة ، من الحَيرة والتردّد . ، « يتحيَّر
٣) المعنى : أنه يُستحبُّ للفقيه مناظرةُ الفقيه ، على أن يكون مقصودُ المناظِر بيانَ قوةِ اجتهاده، )
فإذا ما راجع الفقيهُ المناظَرُ نفسَه ، وأعاد التأمُّلَ في اجتهاده ، وظهر له ضعفُه ، وأنه قد أخطأ
فيه = لاحَ له اجتهادُ الذي ناظره اجتهادًا قائمًا ، واجتهادًا بديلا عن اجتهاده ، فلم يتوقّف في
اختيار قولٍ جديد ، ولم يتحيّر بين المذاهب ؛ لأن تلك المناظرة قد آشفت له أولى الأقوال
٢٩
الرابع : أن يعتقد أن مذهبه أثقل وأشدّ ، وهو لذلك أفضل وأجزل ثوابًا . فيسعى في
استجرار الخصم من الفاضل إلى الأفضل ، ومن الحقّ إلى الأحق .
الخامس : أنه يفيد المستمعين معرفةَ طُرُقِ الاجتهاد ، ويُذَلّلُ لهم مسلَكَه ، ويحرّكُ
ات ى الطاع دواعيهم إلى نيل رُتبةِ الاجتهاد ، ويهديهم إلى طريقه . فيكون آالمعاونة عل
، والترغيب في القربات .
دليل، ي ال ر ف رُ قِ النظ ذليلَ طُ صمه ت السادس (وهو الأه مّ) : وهو أن يستفيد هو وخ
صّل لام . فيتح ول والك ن الأص دٌ م ه واح قُّ في ا الح ى م يّات إل ن الظّنّ ى م ى يترقَّ حت
بالرُّجحان ، وأولاها بالاعتماد .
لاحظْ هذا اللطف في التعبير عن فكرةِ المناظرة وداعيها ، فلقد بلغت من اللطف إلى حدّ خفاء
معناها على محقِّقِ (المستصفى) الفاضل : د/محمد بن سليمان الأشقر ؛ حيث خطّأ الغزاليَّ في
بل المناظِرُ يبيّنُ وجهةَ » : أول تعليقه على هذا الكلام ، وختم تعليقه عليه في آخر آلامه بقوله
إلى آخر استغرابه من آلام الإمام ، «... نظره ومستنده في مذهبه ، ليقتنع ، فيغيّر اجتهاده
الغزالي .
وأنت تلاحظ أن الغزالي لا يعارضَ المناظرة من أجل أنها تعين على معرفة الحقّ واستجلائه
، لكنه يعارض أن يُقدم المتناظران بغرض أن يغيّرَ آل واحد منهما رأيَ الآخر ، وآأن المسألة
مقطوعٌ فيها بالحق . أما أن يقدما من منطلَقِ : قولي صواب يحتمل الخطأ ، وقول غيري خطأ
آما آان ، « ما ناظرتُ أحدًا قط فأحببتُ أن يخطئ » : يحتمل الصواب ، وأن يُقدما من منطلَقِ
الإمام الشافعي يقول = فلا يعارضها الإمامُ الغزاليُّ ، بل ها هو يستحبّها!!
وأتمنى من القارئ الكريم أن يعيد تأمل عبارة الإمام الغزالي ، ليظهر له بليغُ لُطفها وعظيمُ
دقّتها ، حتى في تصوير رجوع الفقيه عن اجتهاده ، بعد سماعه حُججَ الذي يناظره : فهذا
الرجوعُ في عبارة الغزالي ليس انكسارًا أمام الخصم ، وتلك الموافقة ليست هزيمةً بعد إفحامِ
المناظِرِ خصمَه ، ولا تقليدًا من الموافِقِ لخصمه ، ولا أنه بذلك قد تتلمذ عليه في هذه المسألة
!! لم يُرد الإمامُ الغزالي أن نفهم ذلك التغيُّرَ في الاجتهاد الذي قد يحصل عقب المناظرة على
هذا الوجه ، ولا أن يكون هذا هو تصوُّرُنا عنه . بل هو يريد منا أن نفهمَه على أنه قد حصل
للمتراجِعِ عن قوله اجتهادٌ جديدٌ مكانَ اجتهادِه القديم ، وأنه قد أعاد الفقيهُ النظرَ في اجتهاده،
وتغيّر رأيه فيه ، مستعينًا بالأدلة التي بدت له من تلك المناظرة !!
لو أقدم الناسُ على المناظرة بهذا الفهم ، ولو فهمها الناس على هذا المنحى : هل آان أحدٌ
سيصرّ على الخطأ خوفًا من معرّة التخطيء وانتقاصِ الاستجهال؟!!
٣٠
بالمناظرة نوعٌ من الارت ياضِ وتشحيذِ الخاطرِ وتقويةِ المُنَّةِ في طلب الحقائق ؛ ليترقَّى
ي شك ف به إلى نظرٍ هو فرضُ عينه ( إن لم يكن في البلد من يقوم به ، أو آان قد وقع ال
الم ن ع دٍ م ل بل ي آ د ف ة ؛ إذ لا ب ى الكفاي رضٌ عل أصل من الأصول ) ، أو إلى ما هو ف
بٌ و واج ه، فه ب إلا ب ى الواج ل إل ا لا يُتَوصَّ دين . وم ول ال مليءٍ بكشف معضلات أص
دى و إح ون ه واه ، فيك ق س ه طري ان إلي واه ، وإن آ قٌ س ه طري ن إلي م يك يّنٌ؛ إن ل متع
خصال الواجب . فهذا (في بعض الصور) يلتحق بالمناظرة الواجبة .
ن ون م ين يطلب رّين ، ح ضعفاء المغت صِّلين ، دون ال اظرات المح د من ذه فوائ فه
و ه ل ه ، وأن ى ظن ب عل ا غل الخصم الانتقالَ ، ويُفتونَ بأنه يجب على خصمهم العملُ بم
رُ اقُضٌ أظه مِ الله تن ي عالَ ل ف مَ ، وه صى وأثِ سِه ع ادِ نف لاف اجته ى خ ه عل وافق
.(١)«!؟ منه
ب سلم إذا ارتك ن الم ف م أما الموقف من صاحب الخلاف غير السائغ : فهو الموق
. ( أمرًا محرّمًا يغلب على الظن تأوُّلُه فيه . فنصيحته واجبة ، ما أمكن ذلك( ٢
صيحة ، د الن سائغ بع ر ال لاف غي احب الخ ن ص ف م ب الموق ة جوان ثم تختلف بقي
ر سب أث ل ) . وبح ك آالجاه ي ذل الم ف يس الع لاف (فل بحسب مكانة الذي صدر منه الخ
مقالته على الحق وأهله (فليست المسألة العظيمة في إفسادها آالتي لا تبلغ حدَّها فيه) .
لُ: يأتي ) ، والعق شرعُ (وس راتبهم : ال سب م اس ح والأصل في هذا التفريق بين الن
ين وازن ب أن لا ن ول ب ل العق ا لا تقب ساويين ، آم ر المت ين غي ساواة ب وّزُ الم ذي لا يُج ال
ا ت عليه ن غلب سناتُه وم ه ح ى أعمال ت عل ن غلب ين م حسنات وسيئات المرء ، لنفرّق ب
سيئاتُه.
ه اختلاف حال وبذلك نعلم أن مَنْ وقع منه القولُ غيرُ السائغ يختلف التعامل معه ب
جِيزُ سب ، ولا يُ شتم وال ه بال لُهُ عِرْضَ : فإن آان من أهل العلم والفضل ، فلا يُبيحُ زَلَ
. (٤٢٤-٤٢٢/ ١) المستصفى للغزالي ( ٢ )
. ( ٢) سبق الحديث عن ذلك ، فانظره ( ٢٢ )
٣١
شذوذُه في رأيٍ تنقُّصَه والاستهانةَ به ، ولا هو بالأمر الكافي لإسقاط ذلك العالم وعدم
قبول الحقّ والخير الذي عنده .
ذوذات ن ش ار وم اء الكب ن زلات العلم ذير م ي التح ة ف اراتٌ للأئم بقت عب د س وق
م ةً ، ول اءَ وأئم ه علم انوا علي ا آ ى م ك عل الأئمة الأعلام ؛ فما زالوا مع وقوعهم في ذل
دِ لا لِ ومزي يمِ الإج رَ عظ يهم غي دٌ ف از أح يئًا ، ولا أج ر ش ضلهم الكبي يُنقصهم ذلك من ف
التوقير .
رُ آما أن أحدًا لو أراد الطعن في عالِمٍ لشذوذِ رأيٍ له في مسألة ، فلن يصفوَ له آبي
دٌ المٌ مجته و ع لا يخل إلى يوم الناس هذا ؛ ف .. أحدٍ من أئمة الدين ، من لدن الصحابة
قوطً ا: رأيٍ س ا، و ب مكثرٌ من الفتوى من خطأٍ آبيرٍ وقولٍ قد لا يسوغ!! وآفى بقولٍ بطلانً
ذه لَفِ ه ن سَ هُدى م لامِ ال قاطَ أع ةً ، وإس لام قاطب ة الإس ى أئم نُ عل أن يكون مآلَه الطَّع
الأُمّة وخَلَفِها!!!
إِنَّ » : ال ه ق أن ومن عبارات السلف عن هذا الأدب : ما صحَّ عن معاذ بن جبل
افِقُ مُؤْمِنُ والمن ذَهُ الْ ى يَأْخُ رْآنُ ، حت ا الْقُ تَحُ فيه ال ، وَيُفْ ا الم رُ فيه ا يَكْثُ مْ فِتَنً ن وَرَائِكُ م
اسِ ا لِلنَّ ولَ : م لٌ أَنْ يَقُ وَالرَّجُلُ وَالمرأَ ةُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ ، وَالْعَبْدُ وَالحُرُّ . فَيُوشِكُ قَائِ
دَعُ؛ ا يُبت لَا يَتَّبِعُونِي ، وقد قرأت الْقُرْآنَ ؟ ! ما هُمْ بِمُتَّبِعِيَّ حتى أَبْتَدِعَ لهم غَيْرَهُ ! فَإِيَّاآُمْ وم
ى ضَّلَالَةِ عل ةَ ال فإن ما ابْتُدِعَ ضَلَالَةٌ . وَأُحَذِّرُآُمْ زَيْغَةَ الحكِيمِ ، فإن الشَّيْطَانَ قد يقول آَلِمَ
لِسَانِ الحكِيمِ، وقد يقول المنافِقُ آَلِمَةَ الح قِّ. فقال يزيد بن عَميرة (راويه عن معاذ): قلت
ول د يق افِقَ ق ضَّلَالَةِ ، وَأَنَّ المن ةَ ال لمعَاذٍ : ما ندري (يرحمكَ الله ) أَنَّ الحكِيمَ قد يقول آَلِمَ
ذه؟ !! ا ه ا : م الُ له آَلِمَةَ الحقِّ ! قال : بَلَى، اجْتَنِبْ من آَلَامِ الحكِيمِ الْمُشْتَهِرَا تِ، التي يُقَ
قِّ ى الح إن عل هُ ؛ ف قَّ إذا سَمِعْتَ قَّ الح عَ ، وَتَلَ هُ أَنْ يُرَاجِ ه لَعَلَّ ولا يَثْنِيْكَ ذلك عنه ؛ فإن
. (١)« نُورًا
دة ، رُقٌ عدي اظٌ وطُ ه ألف ر ل ل الخب حيح . وأص ناد ص م ٤٥٩٦ ) ، بإس و داود (رق ه أب ١) أخرج )
ه : ر تخريج ٤٦٦ ). وانظ ،٤٦٠ /٤) (٩٨/ منها ما صححه ابن حبان (رقم ٧١٦٥ )، والحاآم ( ١
. (١٣٣/ في حاشية الموافقات للشاطبي ( ٥
٣٢
ه ه ؛ فإن ك عن ك ذل ولا يثني »: ه و قول ل ، ه ر الجلي ذا الأث ن ه وموطن الشاهد م
ه . ر بملازمت ل أم فلم يأمر بهجر العالم إذا زلّ الزلل الكبير في فتواه ، ب ، « لعلّه يُراجع
ا ي مٌ) ، آم ه (حك و أن ريم : وه ف الك ذا الوص وفًا به وما زال بعد وقوعه في الزلل موص
آان موصوفًا به قبل وقوعه فيه!
ن شنعُه م ا يست ةً لم دما أوردَ أمثل ومن ذلك أيضًا : ما نراه عند الإمام الشافعي ، عن
مُفْتِي مُ تْعَةِ ، وَال احِ ال سْتَحِلُّ لِنِكَ وَالمُ » : ال الأقوال، مبيِّنًا الموقفَ منها ومن قائليها ، فق
سْتَحِلا ةً مُ نَكَحَ أَمَ رًا ، فَ ان مُوسِ و آ ذَلِكَ ل هَادَتُهُ . وَآَ رَدُّ شَ ا تُ ن لَ بها ، وَالعَامِلُ بها = ممّ
ذا . سْتَحِلُّ ه ن يَ امِهِمْ م اسِ وَأَعْلَ ي الن ن مُفْتِ دُ م ا نَجِ شْرِآَ ةً( ١) ؛ لِأَنَّ سْلِمَةً أو مُ لِنِكَاحِهَا ، مُ
دُ ا نَجِ وَهَكَذَا المُسْتَحِلُّ الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَالدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ ، يَدًا بِيَدٍ ، وَالعَامِلُ بِهِ ؛ لِأَنَّ
ي سَاءِ ف انِ النِّ سْتَحِلُّ لِإِتْيَ ذَلِكَ المُ من أَعْلَامِ الناس من يُفْتِي بِهِ ، وَيَعْمَلُ بِهِ ، وَيَرْوِيه . وَآَ
وْلِهِمْ ، ن قَ ا ع ه ، فَرَغِبْنَ أَدْبَارِهِنَّ = فَهَذَا آُلُّهُ عِنْدَنَا مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ ؛ وَإِنْ خَالَفَنَا الناسُ في
م أْتم ؛ لأنه رَّمَ الله ، وَأَخْطَ ا حَ ولم يَدْعُنَا هذا إلَى أَنْ نَجْرَحَهُمْ ، وَنَقُولَ لهم : إنَّكُمْ حَلَّلْتُمْ م
لَّ الله ا أَحَ رَّمَ م هُ حَ يَدَّعُونَ عَ لَيْنَا الخَطَأَ آما نَدَّعِيه عليهم ، وَيَنْسِبُونَ من قال قَوْلَنَا إلَى أَنَّ
. (٢)«
م) أن ةَ عل اءَ وطلب صرنا (علم ل ع ن أه تلاف م سائل الاخ ي م ائضٍ ف ل خ ى آ وعل
ا ة رب ن إ باح ه الأول : م ي آلام ة ف شافعي ، خاص ام ال ا الإم ي ذآره ة الت ينتبّهوا للأمثل
روفين رين مع الفضل ، ونكاح المتعة ، وإتيان النساء في أدبارهنّ ؛ فلو أن فقهاءَ معاص
ا م آم ون له يقول المعارض بالعلم والفضل أوصلهم اجتهادُهم إلى شيءٍ من ذلك ، هل س
رَّمَ ا حَ تُمْ م مْ حَلَّلْ م : إنَّكُ ولَ له رَحَهُمْ ، وَنَقُ لم يَدْعُنَا هذا إلَى أَنْ نَجْ » : قال الإمام الشافعي
نَا ال قَوْلَ ن ق سِبُونَ م يهم ، وَيَنْ ه عل ا نَدَّعِي أَ آم الله ، وَأَخْطَأْتمْ ؛ لأنهم يَدَّعُونَ عَلَيْنَا الخَطَ
ى رَ عل ا أغْيَ ي زمانن دُنا ف أم من المحتمل أن يكون أح !؟ « إلَى أَنَّهُ حَرَّمَ ما أَحَلَّ الله
ستوجبه ا ي ة بم ك الأئم ن أولئ رف م ه أع شافعي)؟!! أم أن سلف (آال ة ال ن أئم دِّينِ م ال
الموقفُ من الاختلاف غير السائغ ؟!!
.[ ١) لأنه مخالفٌ للآية ( ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ? ? ژ ژ ? ? ? ? ? ? ) [النساء: ٢٥ )
. (٥١١/ ٢) الأم للشافعي ( ٧ )
٣٣
وهناك أمثلة عديدة ذآرتها في أصل هذا المقال .
ر ، ر المعتب ر وغي تلاف المعتب ع الاخ ذه الآداب م وللقارئ أن يتصور أثر التزام ه
وآم سيكون حال الوسط العلمي أآثر سخاء وعطاء وصفاء لو لم تحصل مخالفتها فيه .
٣٤
وخلاصة المقال ما يلي :
تلاف اب آداب الاخ باب غي ر أس ن أآب تلاف م وع الاخ ي موض ي ف ١- أن نقص التأصيل العلم
عن الممارسات العملية .
٢- أن الاختلاف في الشريعة منه ما هو اختلافٌ معتبر ، وغيرُ معتبر .
٣- لاعتبار القول وسواغه شروطٌ خمسة ، مرجعها إلى ثلاثة أمورٍ :
• أن يكون القول صادرًا ممن له حقُّ الاجتهاد .
اع ، الف الإجم لا يخ ه : (ف ي دلالت ةِ ف حِ القطعيِّ • وأن لا يكون قولُه مخالِفًا لدليلٍ ثابتٍ واض
ولا يخرج عن مجموع أقوال السلف ، ولا يخالف دليلا ثابتًا واضحَ القطعية في دلالته) .
• وأن يكون صادرًا عن أصلٍ معتبرٍ .
٤- الموقف من الاختلاف السائغ :
• الترجيحُ فيه ظنيٌّ غالبًا ، وإن قُطع به أحيانًا ، فلا يكون واضحَ القطعية .
• هو اختلافٌ مباحٌ .
دًا ، ادًا أو تقلي ه اجته ذ ب وز الأخ ه ، ويج ه ، ولا منع دٍ بترآ زام أح اره ، ولا إل وز إنك • لا يج
ويجب أن يُراعى بعد الوقوع فيه ، ولا يُنقَضُ الحكم به .
ار ى الإنك • لا يحق لأحدٍ أن يُنكر على الآخذ به اجتهادًا ولا تقليدًا ، ولا أن يناصحه على معن
تثارةِ ثِ واس ى التباحُ ى معن اء عل ين العلم ه ب اقش في ستحبُّ التن ن يُ ه . لك زام بترآ ولا الإل
الفوائد .
• لعامة ذلك استثناءات ، هي خلاف الأصل فيه .
٥- الموقف من الخلاف غير السائغ :
• الحكم فيه واضحُ القطعيةِ بتصويبِ قولٍ وتخطيءِ قولٍ .
• هو اختلاف محرّم ممنوع .
ه ذ ب لانِ الأخ ع إع اآم من ى الح • يجب إنكاره ، والتحذير منه ، ويُنقضُ الحكم به ، ويجب عل
اجتهادًا أو تقليدًا ، ما دام منعُ إعلانه مقدورًا عليه .
٣٥
اة احبه، بمراع ستحقُّه ا ص ي ي ار الت ة الإنك زام بمرتب وب الالت ع وج ه ، م ل ب ى القائ • يُنكَرُ عل
ه درجة إعذاره ، ومكانته في العلم والفضل ؛ فلا يلزم من الإنكار عليه إسقاطُه والتحذير من
.
• لعامة ذلك استثناءات ، هي خلاف الأصل فيه .
W א
١- إشاعة روح التسامح مع فكرة الاختلاف ، و أنه لا بُدّ من الإقرار بضرورة التعايش معه ،
على أنه واقعٌ قدريّ ، ومنه ما هو شرعي .
ا ٢- تنظيم علاقة الناس بالاختلاف ، من خلال ذآر الطرائق المتعدّدة للتعامل معه، والتي إنم
تعدّدت بسبب تباينِ أنواعه ودرجاته .
واهم . ن س دهم ، دون م ص ين وح شريعة المتخص اء ال ا لعلم ٣- إبرازُ مرجعيةِ الإفتاء ، وأنه
بابٍ ع لأس ا وق ا فيه تلاف علمائه ا ، وأن اخ اهي عُمقه شريعة وتن وم ال ة عل ار عظم لال إظه ن خ م
وم ة العل اء بقي اختلاف علم طبيعية ، لا لنقص علم المختلِفين ، ولا لضعف انضباط علومهم ، وأنه آ
.
الخلاف سمح ب سائغ ، ولا ن ٤- ضرورةُ ضبطِ الاختلاف (لا منعه ) ، بأن نسمح بالاختلاف ال
تلافٍ ة أيّ اخ ي م حاآم ا ف غير السائغ . من خلال بيان ضوابط سَوَاغِ القول ، والتعاون على التزامه
وقع ، أو سيقع.
سائغ ٥- وجوب تحكيم الشرع (نقله وعقله ) في موقفنا من الاختلاف بقسميه : السائغ وغير ال
. وأن يكون العلماء قدوةً للناس في هذا المجال ، ليتأدب الناس بأدب الاختلاف عمليا .
يعُ ا توس ب علين ؤهّلين : يج ين الم ن المفت رٍ م ددٍ آبي ودِ ع ٦- مع الحاجة البالغة للأمة إلى وُجُ
ة دائرة الإفتاء لكل من تحقّقت فيه شروطُه ، وعدم محاولة احتكار الفتاوى في : ذوي المناصب الديني
يم دون ي إقل ة ، أو ف ة دون طائف ي طائف ، أو أصحاب الشهادات ، أو مذهبٍ فقهي دو ن مذهب ، أو ف
آخر ؛ ما دام يُوجدُ في غيرهم من هو أهلٌ للإفتاء واجتمعت فيه شروطُه .
٣٦
ي ٧- دعوةُ دُورِ الإفتاء وهيئاته ومجامعه في بلاد المسلمين بحلّ معضلة اختلاف المفتين الت
ا رت أخطارُه أشكلت على عموم المسلمين ، بأن ينقذوا المسلمين من سلب يات الاختلاف، التي قد ظه
اليب ام أس دم قي ضاياه ، أو لع ض ق ة بع دم معالج سبب ع ان ؛ ب حةً للعي دُها واض دو مفاس دأت تب وب
العلاج الموجودة بحاجة المسلمين الواجبة .
ادة ن الإف سلمين م هذه هي أهم نتائج هذا المقال ، الذي لا حرمني الله أجره ، ولا منع عمومَ الم
منه.
والله أعلم .
والحمد لله ذي الجلال ، والصلاة والسلام على رسوله وأزواجه والآل .
وآتب
الشريف حاتم بن عارف العوني
تأصيل التعامل مع الاختلاف
آتبه
د/ الشريف حاتم بن عارف العوني
٢
المقدمة
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد : فإن موضوع الاختلاف موضوع قديم ، قدم البشرية . وهو من خصائص
الحياة الدنيا ، ومن صور الابتلاء فيها . فليس بحثه بالأمر الجديد ، ولا محاولة وضعه
ضمن حدِّه الطبيعي بالمحاولة الجديدة أيضًا. فقد تناول موضوع الاختلاف أآثر أهل
العلم ، وأُلّفت فيه المؤلفات الكثيرة ، وامتلأت المكتبة بالبحوث المتعلقة به .
ولكنه موضوع قديم متجدد ، وهو من حين لآخر يحتاج إلى إحياء بحثه :
- لاستمرار الحاجة إليه ، بسبب استمرار الاختلاف .. ما استمرت الحياة .
- ولظهور أخطاء في التعامل معه ، ربما تجاوزت حدود الخطأ الفردي
والتطبيقي ، إلى أن تكون أخطاء منهجية ، مبنيةً على رؤيةٍ لا تحتمل
الاختلافَ الطبيعي ، ولا تريد أن تسمح بالقدر المسموح به منه شرعا أو قدرا .
- ولأن بعض آداب الاختلاف التي حرص العلماء على ذآرها ربما عجز
آثيرون عن تطبيقها في أرض الواقع ، لكونها تحتاج : تقنينًا واضحا ، أو قدوةً
بارزةً في تلك الآداب تبين للناس المنهج العملي لتطبيقها ، أو مرجعيةً علميةً
معترفًا بها تُرجِعُ الاختلافَ إلى مساره الصحيح الملتزم بآدابه آلما خِيفَ من
شيوع ظاهرة الحيدةِ عن آدابه ، أو هذه الأمور آلها .
- ولأن مباحثه النظرية على آثرتها ، ما زالت تحتاج إلى إآمال بنائها ، وتتميم
نواحي القصور فيها ، والإجابة عن الاعتراضات التي تُوجَّهُ إلى بعض
تقعيداتها ، والاستدلالِ المقنعِ على مسائلها التي لم تأخذ حقَّها الوافيَ من
الاستدلال .
ذلك وغيره هو ما يدعو لتجديد الحديث عن هذا الموضوع من حين لآخر .
وما هذا المقال إلا خطوة من خطوات هذا المقصد الشريف ، والتي أسأل الله تعال
. ( عليها العون والتوفيق( ١
1) وحيث إن لي آتابا في هذا الباب ، فسوف أنقل منه مختصرا مما يتعلق بالمقال ، وأدع ما لا )
يدخل في موضوعه .
٣
أهمية التأصيل العلمي في بيان الموقف من الالاختلالاف
دَهِيا رًا بَ احثين أم ض الب ا بع أهمية التأصيل العلمي في مثل هذا الموضوع قد يظنه
ن أنّ أيَّ ذلك : م ة ) آ ن جه ي (م ه . وه تدلال علي ن الاس ضلا ع ر ، ف ى ذآ لا يحتاج إل
س ألةً ن م م تك تثناء ؛ وإلا ل ا ، دون اس ين له مسألةٍ علميةٍ محتاجةٌ للتأصيل العلمي الرص
و ه ، وه ةٌ ب ةٌ خاص ه أهمي علميةً أصلا . لكن موضوع التأصيل العلمي ل (الاختلاف) ل
ه ادي أن ي اعتق ل ف م . ب سائل العل محتاج إليه لغير ذلك السبب ا لذي يجم عُه وغيرَه من م
ه . لن يمكن أن يُعالَجَ هذا الموضوع ؛ إلا بعد إدراك الأهمية القصوى للتأصيل العلمي ل
ولذلك حرصت على البداية ببيان أهمية التأصيل العلمي في بحث موضوع (الاختلاف)
؛ لئؤآد على هذه الأهمية الخاصة للتأصيل العلمي فيه .
ق فَ التطبي وع : أن تخلُّ ومما يؤآد على أهمية التأصيل العلمي في مثل هذا الموض
ن أن عن التنظير التخ لُّفَ الكبير الذي نشاهده ، والذي دعا إلى إقامة هذه الندوة ، لا يمك
ن لا ين م اهرةً ب ق ظ يُحصَرَ سببُه في أمرٍ واحد ، خاصة إذا أصبح هذا التخلُّفُ للتطبي
ن ذوي صدهم مِ سْنِ مق ي حُ شكُّ ف ن لا يُ دوَّنِ ، ومَ ره الم ى تنظي م عل ي اطلاعه شكُّ ف يُ
ذي أدّى و ال ه ، وه ص في ر أو نق ي التنظي ل ف ى خل دل عل د ي الفضل . فمثل هذا الأمر ق
عف سليم ؛ لأن ض ق ال تلاف التطبي ق لآداب الاخ ى التطبي درة عل دم الق ى ع ؤلاء إل به
وضوح الرؤية في التنظير سيؤدي (ولا بُدّ) إلى خللٍ في التطبيق .
ومن أمثلة هذا النقص في التنظير ، مع بيان أثره في الممارسات العملية ، ما يلي :
أولا : عندما تقوم دعواتٌ تتناقض مع مبادئ أدب الاختلاف ، وهي دعوا تٌ لم تكن
ة امع فقهي صادرةً من أفراد يمكن تجاهلهم ، بل ربما تعالت تلك الدعوات بين أروقة مج
د مَ ب بُها ع ون س ن أن يك دعوات لا يمك ك ال ، أو جاءت على لسان بعض المفتين . مثل تل
م ل العل ن أه ك م يهم ذل صوّرُ ف ن لا يُت ادرة مم ا ص ود ( ١)؛ لأنه التنظير الموج م ب العل
ة دم آفاي و ع وى ه ال الأق ال ؛ إلا أن الاحتم ذا الاحتم تبعاد ه د اس ق بع والفضل . فلم يب
صان تلاف ، أو لنق ام الاخ ين رآ ه ب صواب في اب ال ا لغي دوّن : إم ود الم ر الموج التنظي
ر ة التنظي دم آفاي ه لع ا أوج ذه آله صواب . وه تدلال لل صور الاس ه ، أو لق ر في التحري
الموجود .
تلاف ، ة الاخ ا قِضُ فطري ي تن وى ( ٢)، والت د الفت ى توحي دعوة إل ك : ال ال ذل ومث
وحتميته ، والأدلةَ من الكتاب والسنة الدالة على إباحة أحد وجهيه (الاختلاف السائغ) ،
شروع ر الم ع غي شرعي م ايش ال ى التع ه ، وعل شروع من ول الم ى قب وإجماعَ الأمة عل
. ( منه( ٣
1) أو هذا ما يجب علينا أن نعتقده ابتداء ؛ لأن اعتقاد غير ذلك أبعد من أن نحتمل تصورَه . )
2) ليس عليك إلا أن تدخل آلمة (توحيد الفتوى) في أحد محرآات البحث الشبكية (مثل جوجل) ، )
لتقف على من نادى بهذا الرأي من أهل العلم والفضل ومن الهيئات العلمية .
3) سواء في ذلك الدعوة المطلقة إلى توحيد الفتوى ، أو في القضايا المصيرية للأمة ؛ إذ إن )
٤
ه الى ب فكيف صدرت تلك الدعوات على ذلك المستوى الرفيع ، والذي ما زالت تتع
بعض الأصوات ؟!
ه دعوات بإلغائ ت ال ل آان اهرا ، ه ر ظ تلاف المعتب شروعية الاخ فلو آان تنظير م
ستصل إلى هذا الحد من الشيوع والرفعة في مصدرها؟!
اب أدب ي غي هم ف ذي أس ر ، وال ي التنظي ع ف ل الواق ر للخل ال آخ ذا مث ا : وه ثاني
تلاف ين الاخ ق ب سألة التفري تلاف م يل لأدب الاخ سائل التأص الاختلاف : أن من أهم م
ام ن أحك ة م ا مهم سيم أحكام ذا التق ى ه وا عل المعتبر وغير المعتبر ؛ لأن العلماء قد رتّب
ر ول غي ه ، وأن الق ار في سائغ لا إنك تلاف ال هرها : أن الاخ ن أش تلاف ، م أدب الاخ
المعتبر من ضعف مكانته يُنقَضُ حكم القاضي به .. وغيرهما من أحكام .
ن ر م ي آثي اء ف تلاف : ج ن الاخ وعين م ذين الن ين ه ق ب ابط التفري ان ض ن بي لك
اج صًا يحت ابطه ناق اء ض اث ج ن الأبح الأبحاث ضبابي ا غير واضح ( ١) ، وفي المتبقي م
إلى تكميل .
تلاف ب أدب الاخ وحتى يكون الكلام واضحًا لديك ، وباستعراض ما ش ئتَه من آت
ابطا ه ض ذآر ل ذي ي د ال سائغ عن ومراتب الإنكار فيه ، تجد أن ضابط الاختلاف غير ال
ا الف حكم اني : أن يخ اع ، والث الف الإجم رطين : الأول : أن يخ ي ش صر ف نهم ينح م
ي ذي ف ال ال ع الإجم ة ) . وم وت والدلال يَّ الثب ه قطع ون دليلُ ذي يك و ال ه (وه مقطوعا ب
ي ا ف ه م ي ، ومن و ظن ا ه ه م ي ومن الشرط الأول ، حيث إن (الإجماع) منه ما هو قطع
حُجِّيَّتِه اختلاف قديم : فأي هذه الأنواع هو المقصود ؟ مع ذلك : فإن في اشتراط قطعية
هناك فرقًا بين توحيد الفتوى في القضايا المصيرية للأمة وأمرين آخرين :
الأول : ضبط الفتوى في القضايا المصيرية للأمة ، بعدم استبداد الرأي في إصدار الفتوى
فيها ، ووجوب استشارة أهل العلم والاختصاص فيها ، واستفراغ الوسع البشري الكامل في
الوصول إلى الصواب ؛ فهذا لا شك في وجوبه ، وفي ضرورة ضبطه بنظام يكفل القيام به
على وجهه . لكن لا يلزم من وجود هذا النظام ومن تطبيقه الاتفاقُ على رأي واحد ، بل قد
يختلف العلماء بعد استتمام المشورة واستفراغِ الوسع البشري الكامل في الوصول إلى
الصواب ، ويكون هذا الاختلاف مع ذلك آله اختلافا سائغا ، ولو آان في القضايا المصيرية
للأمة .
الثاني : وجوب طاعة ولي الأمر إذا اختار من ضمن الاختلاف السائغ بين العلماء في القضايا
المصيرية للأمة قولا منها ، إذا آان اختياره قائمًا على مراعاة المصلحة العامة ، وعدم جواز
شق عصا الطاعة عليه في ذلك ، لا بفتوى تحدث فتنة ، ولا بغير ذلك مما يفسد الاتفاق
والألفة ، ومما تكون مفسدته أعظم من مصلحته .
فهناك فرق بين هذين الأمرين و توحيد الفتوى في القضايا المصيرية للأمة ؛ لأن هذه القضايا
المصيرية: منها ما يسوغ فيه الاختلاف أيضا ، ومنها ما لا يسوغ ؛ إذْ لم يكن من ضوابط
الاختلاف السائغ في يوم من الأيام ولا عند عالم من العلماء : أن لا يكون من القضايا
المصيرية للأمة !
1) آمن يبين الفرق بين الاختلاف المعتبر وغير المعتبر بضرب أمثلة لكل قسم منهما من )
المسائل الفقهية الفرعية (مما يلزم منه الدور الباطل : إذ آيف عرف أن تلك المسألة من
الاختلاف غير السائغ ؟ إلا من المسألة نفسها التي جعلها ضابطا للاختلاف غير السائغ) ،
لكي يخرج القارئ بلا ضابط للتفريق ؛ إلا بالانطباعات النفسية ، التي هي من أآبر ما غيَّب
الروح العلمية عن هذا الباب .
٥
ن تهم م اع مدرس دثين وأتب د المح الثبوت في الشرط الثاني ما يتعارض مع أمر ثابت عن
الفقهاء المتقدمين والمتأخر ين والمعاصرين ، وهو أن صحة الحديث آافي ةٌ لإلزام الحجة
ه . ى ثبوت ق عل ن واف ل م د آ ةً عن ةً ملزم ون حج ثلا ليك واتر م ه الت به ، ولا يُشترط في
ر ر وغي تلاف المعتب ين الاخ ق ب فكيف تريد من هؤلاء العلماء أن يلتزموا ضابطا للتفري
المعتبر وهو ضابط لا يتفق مع ضابطهم لما تقوم به الحجة .
ر ر وغي تلاف المعتب ين الاخ ق ب ابط التفري ي ض صور ف ذا الق ى ه فتَ إل إن أض ف
رُ ضيفها التنظي زم أن ي سابقين ، يل شرطين ال وى ال روط س ة ش اك ثلاث ر : أن هن المعتب
ستحقُّ حيحا ، ي ابطا ص ق ض ابطُ التفري ون ض ي يك الذي يُحتكَمُ إليه للتفريق بي نهما ؛ لك
ضور ي ح ر ف ص التنظي أن تأتلف القلو بُ عليه ؛ لاآتمال أرآانه = يتضح عندك أثر نق
أدب الاختلاف على أرض الواقع ، وأنه سبب مهم من أسباب ذلك الغياب .
ى ا عل ر لغيابه ر الكبي ضح الأث الي سيت ث الت ي المبح شروط ف ذه ال ر ه دما أذآ وعن
تثمار وضوح الرؤية في هذا الباب ، مما آان له الأثر البالغ في عدم إحسان آ ثيرين لاس
تلاف ين الاخ ق ب ى التفري درتهم عل دم ق ن ع تلاف ، وم سيم للاخ ذا التق ه ه ي علي ا بُن م
السائغ وغير السائغ ، وما يتلو ذلك من آداب وأحكام تتعلق بكل قسم منهما .
ى ةِ عل تلاف ) الفائت ار الاخ روط اعتب ولأضرب مثلا من أمثلة تلك الشروط (من ش
ن اء م رر العلم ال : يق ذا المث ك ه ا، فإلي ت عليه ي وقف تلاف الت ب أدب الاخ ر آت أآث
المذاهب الأربعة وغيرهم : أنه لا يجوز (في مسألة خلافية ) الخروجُ عن مجموع أقوال
ذه ى ه م عل ل العل ن أه د م ر واح ل غي العلماء السالفين بقول جديد يرفع أقوالهم . وقد نق
ي (إن صحيح الآت القاعدة الأصولية الإجماع ، وهي قاعدة أصولية صحيح ة بتفصيلها ال
شاء الله تعالى) .
م ي ل ة : إلا أن ذاهب الأربع ن الم وليين م ومع آون هذا الأمر مما قرره عامة الأص
ر ر وغي تلاف المعتب ين الاخ ق ب سابقين للتفري شرطين ال ى ال د عل شرط الزائ ذا ال أجد ه
المعتبر في آتب الاختلاف ، فإن وُجد في القليل منها فقد غاب عن الكثير .
ق ياق التفري ي س وآذلك الأمر في بقية الشروط الآتية ، والتي لم أجد آتابا جمعها ف
بين الاختلاف المعتبر وغير المعتبر .
ر ر المعتب ر وغي تلاف المعتب ين الاخ ق ب ابط التفري ى ض ام إل ولذلك تجد أن الاحتك
شروح ، صه الم ه بنق ف علي ثٍ وق ل باح ة ؛ لأن آ يكاد يكون غائبً ا عند الممارسة العملي
ه ام إلي سيجد أن تطبيقه يتعارض مع قواعد أصولية أخرى . وهذا يقود إلى إلغاء الاحتك
ذا ل ه ه . ومث ام إلي يمكن الاحتك ا ، ل ون متقن ر يك يٍّ آخ ضابطٍ علم ، دون وجود البديل ل
ه ؛ إلا ح ب عور واض ر ش ان ) بغي الإلغاء للاحتكام إلى أيّ ضابط يتم (في آثير من الأحي
.( من الاحتكام للمألوفات والانطباعات غير العلمية( ١
اد ر ، لا تك ر المعتب ر وغي تلاف المعتب ين الاخ ق ب ثالثا : عندما يذآر العلماء التفري
ا تجد آلاما مكتملا في موطن واحد يتناول لوازم هذا التفريق من جميع جوانبه أو غالبه
تلاف وعي الاخ ه بن ف في و ل المختل ن الق صّل م فِ المف ا ، والموق سم منهم : آحكمِ آل ق
1) وأوضح من ذلك في الاحتكام إلى الانطباعات غير العلمية ما ذآرته في التعليقة السابقة . فإنه )
إن وقع الاحتكام إلى الانطباعات بذلك الوضوح المذآور في تلك التعليقة ، فهو في هذه
المسألة أسهل تصورا وأولى اعترافا بوقوعه .
٦
ع ب م ذي يتناس صيل ال ه بالتف ن قائل ف م و الموق ا ه ر ) ، وم ر المعتب ر وغي (المعتب
د ، وطن واح ي م سائل ف ذه الم ض ه دت بع إن وج اختلاف أحوال القائ لين ومقالاتهم . ف
ي ضا حٍ ف رٍ وإي وا تَ تحري ضها ، و ف ي بع ا ف ا تا م ة ، فَوْتً رى مهم ب أخ فاتتك منه جوان
بعضها الآخر .
ولأضرب أمثلة على ذلك :
- ما هو حكم مناقشة العالمِ العالمَ الآخر الذي خالفه اختلافا معتبرا ؟ وما هي
منطلقات النقاش معه ؟ وهل هي من باب النصيحة ؛ لأنه خالف الراجح عنده ؟
- هل يُشرع ذآر اسم العالم الذي خالف خلافا معتبرا أو غير معتبر عند الرد
عيه مطلقا؟ هل لذلك قيود معينة تدل على وجودها نصوص معروفة ، آقوله ^
؟ « ما بال أقوام قالوا آذا أو فعلوا آذا »:
- متى يجوز للحاآم المسلم أن يُلزِمَ الناسَ بقولٍ من الاختلاف المعتبر دون قول
آخر منه ؟ وما هو الموقف المطلوب من الحاآم المسلم تجاه الاختلاف غير
المعتبر ، وما هو موقفه من قائله من أهل العلم ؟ هل يعاقبه ؟ هل يترآه ينشر
قوله غير المعتبر ؟ هل يجبره على تغيير فتواه ؟
- مراعاة المفتي للاختلاف في فتواه ، وقف عندها بعض آبار الأصوليين حائرا
. ما هي أنواعها ؟ وما هي شروط آل نوع منها ؟ وما هي آيفية مراعاة
الاختلاف فيه ؟
اب ، ا آت ع تحريره اد يجم تلاف ) لا يك اب أدب الاخ مسائل عديدة من هذا الباب (ب
ولا أشبع التأصيل لها مصدرٌ من مصادر أدب الاختلاف بصورة واضحة .
يل ك التأص ل ذل اب آ ع غي تلاف م ق أدب الاخ ي تطبي ل ف ع الخل ف لا يق فكي
الضروري له؟!
الغ ره الب ه أث يله ل اب ، وأن تأص ذا الب يل ه رورة تأص ومن هذه الأمثلة تتبين ض
سب اب ح ذا الب ر له ي التنظي ر ف صور الكبي ع الق ة م ة ، خاص ات العملي ى الممارس عل
وجهة نظري ، والتي سأبين بعض جوانبه في المبحثين التاليين .
٧
تقسيمُمُ الالاختلالافِفِ إلى سائغٍغٍ وغيرِرِ سائغٍغٍ
وضابط التفريق بينهما
م ، ل أو العل زان العق ي مي ارٍ ف ذاتِ اعتب ا ب ست آلَّه ا سِ لي والَ الن دٌ أن أق لا يشك أح
ن ه . وم ه ونخطِّئُ ا نخالف و آن ى ل ارُه ، حت ه واعتب ه وجاهتُ ا ل اس م وال الن ن أق وأن م
أقوالهم ما ليس آذلك ، فلا يكون له وجاهةٌ ولا اعتبار .
وهذا الأمرُ الواضحُ يُلزِمُ بأن يكون الاختلافُ قِسْمَين : فمنه ما هو مُعْتَبَرٌ سائغ ،
ومنه ما هو غيرُ معتبرٍ ولا سائغ .
وفي ذلك قال القائل :
رِ ن النظ ظٌّ م ه ح لافٌ ل رًا إلا خ اء معتب لافٍ ج ل خ يس آ ول
قال » : وقد ذآر الإمامُ الشافعي سؤالَ أحدِ أهلِ العلم له عن أنواع الاختلاف ، فقال
سَعُهم ل يَ و رِهم ، فه ض أم ي بع ين ف دي ثًا مختلف دي مًا و ح مِ ق لَ ال عِلْ د أه لي قائل : فإني أج
ذلك؟
ر ي الآخ ك ف ول ذل رَّمٌ ، ولا أق دُهما مح ين : أح ن وجه قال: فقلت له : الاختلا فُ م
. (١)«..
الاجتهاد الواقع في الشريعة ضَرْبَان : »: ( وقال الإمام الشاطبي (ت ٧٩٠ ه
ة طلعوا بمعرف ذين اض أحدهما : الاجتهاد المع تَبَرُ شرعًا ، وهو الصادر عن أهله ال
ما يفتقر إليه الاجتهادُ .
ه ؛ ا دُ إلي ر الاجته ا يفتق ارف بم والثاني : غي رُ المعتبر ، وهو الصادر عمن ليس بع
وى . ا عٌ لله ةٍ ، وا تّب ي عَمَاي بْطٌ ف راض ، وخَ ش هِّي والأغ رَّدِ الت ه رَأْيٌ بمج لأن حقيقته أن
فكل رأ يٍ صَدَرَ على هذا الوجه ، فلا مِرْيةَ ف ي عدم اعتباره ؛ لأنه ض دُّ الح قِّ الذ ي أنزل
. (٢) « الله تعالى
. (١٦٨٠- ٥٦١ رقم ١٦٧١ - ١) الرسالة للإمام الشافعي ( ٥٦٠ )
. (١٣١/ ٢) الموافقات للشاطبي ( ٥ )
٨
والمهم في هذا الباب ذآر شروط اعتبار القول وسواغه ، وهي شروط خمسة :
ة غ رتب ه بل ه ، وأن م في ذي تكلّ العلم ال الم ب ن ع ادرًا م ون ص شرط الأول : أن يك ال
ه ، ا يجهل لام فيم ه الك ق ل ل لا يح ول ( ١) ؛ لأن الجاه ا ق ه فيه ي ل سألة الت ي الم الاجتهاد ف
فكيف بمخالفة العلماء؟!
ضاة الق » : ^ ه ه : قول دل علي ا ي ن مم تدلال ، لك ى اس اج إل اهرٌ لا يحت وهذا أمرٌ ظ
ة . ي الجن و ف ثلاثة : اثنان في النار، وواحد في الجنة. رجلٌ عرفَ الحقَّ ، فقضى به، فه
رف م يع ل ل ار . ورج ورجل عرف الحق ، فلم يق ضِ به ، وجار ف ي الحكم ، فهو في الن
ة (ت ٧٥١ ه) يم الجوزي ن ق ال اب ٢) . ق )« ار ي الن و ف ل ، فه الحقَّ ، فقضى للناس عن جه
ي ا يُفت زم بم ي يُل فالمفتون ثلاثة ، ولا فرقَ بينهما ؛ إلا في آون القاض » : عقب الحديث
ل لا ا ؛ لأن الجاه ٣) . وفي الحديث وعيدٌ شديدٌ لمن حكم بجه ل مطلقً )« ، والمفتي لا يُلزم
لٌ ذا دلي أ ؟ ! وه ف إذا أخط واه ؛ فكي ي فت اب ف مٌ إذا أص و آث لًا ، فه م أص ه الحك ق ل يح
وليين ، ١) هذا القيد مبنيٌّ على جواز تجزّؤِ الاجتهاد ، وهو الصواب ، وهو الذي عليه عامة الأص )
،(٢٦-٢٥/ رازي ( ٦ ٣٨٩ )، والمحصول لل / فانظر تفاصيل آلامهم في : المستصفى للغزالي ( ٢
ن ستفتي لاب ي والم ١٢٠٧ ) ، وأدب المفت -١٢٠٥/ ب ( ٢ ن الحاج سول لاب ى ال صر منته ومخت
ة ٥٨٨ ) ، ونهاي -٥٨٥/ ي ( ٣ وفي الحنبل ة للط صر الروض رح مخت ٩٠ ) ، وش - صلاح ( ٨٩ ال
الكي وني الم سؤول للرُّهُ ة الم ٣٨٣٣ ) ، وتحف -٣٨٣٢/ دي ( ٩ دين الهن صفي ال ول ل الوص
ر ٣٩١ ) ، والبح -٣٩٠/ ي ( ٣ اج الحنف ر الح ن أمي ر لاب ر والتحبي ٣٤٥ ) ، والتقري -٢٤٣/٤)
ول ٢١٧ ) ، وأص -٢١٦/ يم ( ٤ ن الق وقّعين لاب لام الم ٢١٠ ) ، وإع -٢٠٩/ شي ( ٦ يط للزرآ المح
. (٣٨٨٩-٣٨٨٦/ ١٤٧٠ ) ، والتحبير شرح التحرير للمرداوي ( ٨ -١٤٦٩/ الفقه لابن مفلح ( ٤
وقد برز في عصرنا التخصّصُ في الإفتاء أآثر من أي زمنٍ مضى : فهناك من برز في
الاقتصاد الإسلامي وفقهه ، ومن برز بفقه الأقليّات الإسلامية ، ومن برز في فقه السياسة
الشرعية...فيجب أن تكون منزلةُ هؤلاء في تخصّصهم محفوظةً مقدّرةً . بل الأصل أن هؤلاء
أقْدَرُ على إصابة الحق في تخصصاتهم من المفتي العام ، وإن قَصُرت علومهم في غير
تخصصاتهم .
٢) أخرجه أبو داود (رقم ٣٥٦٨ ) ، والترمذي (رقم ١٣٢٢ /م) ، والنسائي في السنن الكبرى )
٩٠ ) ، وهو جيد الإسناد . / (رقم ٥٨٩١ ) ، وابن ماجه (رقم ٢٣١٥ ) ، والحاآم وصححه ( ٤
. (١٩٤/ ٣) إعلام الموقعين لابن القيم ( ٢ )
٩
دم رعُ ع أثيم ف أ ؛ لأن الت اب، أو أخط ل : أص لام الجاه ار آ دم اعتب ى ع ح عل واض
الاعتبار!!
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع عليه .
ن لا العلم وم ف ب ستحق الوص ن ي ابطٍ لم ع ض سياق و ض ذا ال ي ه م ف ن المه وم
يستحقه ؛ لكي لا ندع الأهواء والتعصبات هي الحَكَم في ذلك .
الفَ ا خ صحيح . فم ي ال اع القطع ا للإجم ول مخالفً ون الق اني : أن لا يك شرط الث ال
ا الَ فيم لا احتم ي( ١) ، ف لٌ قطع اع دلي ه ؛ لأن الإجم ي بطلان ك ف ه لا ش ة فإن اعَ الأم إجم
خالفه أن يكون صوابًا .
١) الإجماع القطعي قسمان : )
الأول: الذي يُعلم وقوعه من الأمة ضرورةً ، وهو ما آان من قبيل نقل العامة عن العامة (مثل
إيجاب فرائض الإسلام الكبرى وتحريم الفواحش المعلومة). وقد يرد النصُّ القطعيُّ بمضمون
هذا الإجماع (آالأمثلة السابقة) ، وقد لا يرد (آتحديد موضع الكعبة بالتعيين الدقيق الذي هو
عليه اليوم ، وآإجمالِ مواضعِ المناسك). آما أن النصَّ قد لا يكون قطعيَّ الثبوت ، فيأتي
« لا وصية لوارث »: الإجماعُ القطعيُّ على حُكمه ، ليجعله حُكمًا مقطوعًا به ؛ مثل خبر الآحاد
٣٩٩ ) ، فقد صرّحَ أن حُكْمَه في زمنه آان نقلَ - ، فانظر الرسالة للإمام الشافعي (رقم ٣٩٨
، (٧٥٨/ عامةٍ عن عامّة . وانظر اختلاف مالك والشافعي للإمام الشافعي– ضمن الأم – ( ٨
١١٤ ) ، في تفريقه بين إجماع العامة -١٠٩/ واختلاف الحديث له أيضًا – ضمن الأم – ( ١٠
والإجماع السكوتي ، مع تصريحه بأنه يأخذ بالسكوتي ، لا على أنه إجماعُ عامة .
وانظر : معجم مصطلحات أصول الفقه للدآتور قطب مصطفى سانو ( ٤١ ) ، وتنبّهْ إلى جوابي
على استشكال فضيلته بما أوردته هنا .
الثاني : والإجماعُ السكوتي (وهو أن يقول بعضُ مجتهدي الأمة بحكمٍ في واقعة ، وينتشر ذلك
الحكم بين المجتهدين في ذلك العصر ، فلا يعارضه أحدٌ منهم) ، إذا احتفّت به قرائنُ تدل على
قطعيته ؛ لأن الإجماعَ السكوتي منه ما هو قطعي (وهو ما احتفّت به قرائنُ تفيد القطعَ) ، ومنه
ما هو حجة ظنيّة غير قطعية (فيما إذا لم تحتفّ به قرائن اليقين) ؛ فهو في ذلك آخبر الآحاد .
وسيأتي الحديث عن مخالفة الإجماع الظني ، في الشرط الخامس .
ولو قيل : إن الإجماعَ السكوتي القطعي الذي لا يسوغ خلافُه هو البيّنُ القطعية ، لظهور قرائنه
١٠
ره ي تحري حْذَرْ ف وده ، ولْيُ دم وج ن ع شرط وم ذا ال ود ه ويجب أن يُتَثَبَّت من وج
م ضًا . فك صحيحة أي ر ال ضِه غي اوى نَقْ من دعاوى الإجماع غير الصحيحة ، ومن دع
ا رُ فيه تلافُ المعتبَ ون الاخ د يك من قولٍ ادُّعِيَ فيه الإجماعُ ، لإسقاط قولٍ يخالفه ، وق
ا صواب أنه ة ، وال واقعًا.. وشهيرًا في آتب العلم . وآم من قولٍ سُوِّغَ بأن مسألته خلافيّ
ي ق ؛ لك إجماعيّةٌ بخلاف القول . ومثل هذا التحرير يحتاج إلى اطلاعٍ واسع ، وفقهٍ عمي
. ( يقف صاحبه على مواضع الإجماع، وليحرّر دعاوى الاختلاف( ١
ة؟ ة؟ أم ظني ة قطعي ي حج ل ه آما أن هناك اختلافًا في بعض أنواع الإجماع( ٢) ، ه
ه تلاف في عٌ، والاخ ك واق ل ذل ية . وآ ةٌ استئناس ي قرين ا ه ة ، وإنم ست بحج ا لي أم أنه
ا اع عليه ي الإجم ة ف اع المختلف واع الإجم ين أن اوي ب ضًا أن أس صحّ أي لا ي ل. ف طوي
والاختلاف فيها، ولا في جهات اختلاف العلماء فيه ، ولا في درج اته . وآل ذلك يحتاج
إلى عِلْمٍ عميق ، وقَدَمٍ راسخةٍ فيه .
دين ة ال سلف وأئم وال ال وع أق ن مجم ولُ ع ذا الق رج ه ث : أن لا يخ شرط الثال ال
والِ سألة ؛ لأنّ دَوَرَانَ أق ي الم دٍ ف ولٍ جدي داثُ ق ول إح ي الق ون ف لا يك وعين ، ف المتب
ى نهم عل ا م السلف والأئمة المتبوعين على قولين في الاخ تلاف أو ثلاثة يتضمن إجماعً
ادُ أن لالة ، واعتق ى ض ع عل ة لا تجتم ل ؛ لأن الأم ك الأقاوي ن تل رج ع ق لا يخ أن الح
ه زم من قِّ = يل ابةَ الح وا إص د أخطئ ا ق م جميعً اويلهم ، وأنه وع أق ن مجم رجَ ع الحقَّ خ
اعتقادُ أنهم قد أجمعوا على ضلالة!
دٌ ه أح سبقه إلي م ي أخِّر ، ول ه المت رد ب ولٍ ينف ل ق آ» : ة ن تيمي وقال شيخُ الإسلام اب
يس سألةٍ ل ي م تكلّم ف اك أن ت ل : إي ن حنب د ب منهم ، فإنه يكون خطأً . آما قال الإمامُ أحم
الدالّة على القطع = لكان ذلك أولى في اجتهادي ؛ لأن القطعية المستفادةَ من قرائن خفية ،
آالقطعية الخفية المستفادة من دلالة النصّ ، لا يمكن مؤاخذةُ العالمِ على عدم بلوغها .
. (٢٧٢-٢٧١/ ١) وانظر :مجموع الفتاوى لابن تيمية ( ١٩ )
٢) مثل الإجماع السكوتي ، وإجماع الخلفاء الأربعة ، والإجماع الذي خالف فيه بعضُ أهله قبل انقراض )
عصره ، والإجماع بعد الاختلاف ، وغير ذلك .
١١
. (١)« لك فيها إمام
وهذا الشرط نصّ عليه عامةُ الأصوليين من المذاهب الأربعة ( ٢)، وهو من أصح ما
اق ع اتف نُسبَ إلى الأئمة الأربعة أنفس هم من القواعد الأصولية ، ودليلُه السابق ذآره ، م
العلماء عليه:
. (١٢٥/ ٢٩١ ) وانظره أيضًا ( ٣٤ / ١) مجموع الفتاوى ( ٢١ )
٢) وهو ما صرّح به الإمام أبو حنيفة نفسه ، آما في تاريخ ابن معين برواية الدوري (رقم )
٢٦٧ )، وهو صحيح عنه ، آما قال ابن حزم في - ٣١٦٣ ) ، والانتقاء لابن عبد البر ( ٢٦٦
. (٩٥٥/ الإعراب عن الحيرة والالتباس ( ٣
ي رازي الحنف صّاص ال ر الجَ ي بك ول لأب ي الأص صول ف ة : الف ة الآتي صادر الحنفي وانظر الم
ال ر للكم ٥١٤ ) ، والتحري -٥٠٨/ صري ( ٢ سين الب ي الح د لأب ١٥٥ ) ، والمعتم -١٥٤/٢)
ي اج الحنف ر الح ن أمي ر لاب ر والتحبي رحَه : التقري رين- وش زاه للأآث ي -وع هُمَام الحنف نِ ال اب
ر سير التحري ي تي ١٤٢ ) ، ونحوه ف -١٤١/ (ت ٨٧١ ه) - وعزاه لمحمد بن الحسن الشيباني - ( ٣
،(٢٠٩- شاشي ( ٢٠٨ دين ال ام ال ول نظ ٢٥٠ ) ، وأص / ي ت ٩٧٢ ه ( ٣ اه الحنف ر بادش لأمي
.(٤٣٨-٤٣٥/ وأصول البزدوي مع شرحه آشف الأسرار لعلاء الدين البخاري ( ٣
وعند المالكية : نقله أبو الوليد الباجي عن آافة المالكية في إحكام الفصول في أحكام الأصول
٥٣١ ) ، وهو المقرّر في : مختصر منتهى السول والأمل لابن الحاجب المالكي - (رقم ٥٢٧
٤٨٩ ) ، وشرحه : تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول للرُّهُوني المالكي -٤٨٢/١)
. (٢٧٧-٢٧٣/٢)
( ٥٩٦ رقم ١٨٠١ - وعند الشافعية : ذآره الإمامُ الشافعي في الرسالة في موضعين منها ( ٥٩٥
٥٠٨ رقم ١٤٦٨ ) ، وطبّقه عمليا ، آما في مسألة فدية الحمام والجراد ، والتي نصّ فيها أنه )
ترك القياس أخذًا بأقوال الصحابة، وأنهم إذا اختلفوا لم يخرج عن مجموع أقوالهم، فانظر الأمّ
. (١٢٦٧ ، ٥٠٤ و ٥٠٦ رقم ١٢٦٥ / للإمام الشافعي ( ٣
(٩٣-٩٠/ وعليه أئمة الشافعية : فهو منسوبٌ إلى معظم العلماء في التلخيص لإمام الحرمين ( ٣
١٣٠ ) ، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي -١٢٧/ ، وانظر : المحصول للرازي ( ٤
٢٥٣٣ ) ، والبحر -٢٥٢٧/ ٣٣٤ ) ، ونهاية الوصول لصفي الدين الهندي الشافعي ( ٦ -٣٢٩/١)
. (٥٤٣-٥٤٠/ المحيط للزرآشي الشافعي ( ٤
١٦٣- وعند الحنابلة صرح به الإمام أحمد : ، فانظر مسائل صالح بن الإمام أحمد لأبيه ( ١٦٢
(١١١٣/ رقم ٥٨٧ ) ، و العدّة لأبي يعلى الفراء ( ٤
. (١٦٤٧-١٦٣٨/ وانظر أقوال أئمة الحنابلة في : التحبير شرح التحرير للمرداوي الحنبلي ( ٤
١٢
دٍ وأجمعوا على أنه لا يجوز لأح »: (# فقد قال الإمامُ أبو الحسن الأشعري (ت ٣٢٤
ه ؛ ي تأويل ه ، أو ف وا في ا اختلف ه ، وعم وا علي ا أجمع سلف : فيم أن يخرج عن أقاويل ال
. (١) « لأن الحق لا يجوز أن يخرج عن أقاويلهم
اع الشرط الرابع : أن لا يكون القول المخالِفُ صادرًا عن أصلٍ غير معتبر بالإجم
دم الذي مضى عليه سلفُ هذه الأمة قبل إحداث تلك الأصول ، أو بالدليل القاطع على ع
رَ ون غي ه أن يك يّ علي الفرع المبن أولى ب رٍ ف رَ معتب ان غي ل إذا آ اره ؛ لأن الأص اعتب
معتبرٍ أيضًا .
ر لٍ غي ن أص ي ع ول الفرع دور الق و أن ص ر ، وه ذا الأم وقد نبّهَ العلماء على ه
رهم ياق ذآ ك لا س ى ذل يههم عل اء تنب ن ج ضًا . لك رٍ أي ر معتب رعَ غي ل الف ر يجع معتب
ن شرط ع ذا ال ذلك ه دة ، ول لشروط القول المعتبر من غيره ، بل في سياقات أخرى بعي
آل ما وقفت عليه من آتب الاختلاف وآدابه !
داد دم الاعت ى ع م إل ففي الردِّ على نُفاة القياس من الظاهرية : ذهب بعض أهل العل
اس و ردّ القي دهم ، وه رٍ عن ر معتب لٍ غي ود أص ذلك ، أي لوج تلاف ل ي الاخ أقوالهم ف ب
اس يِ القي ولِ بنف الجلي . وذهب آخرون إلى الاعتداد بخلافهم مطلقًا ، لإنكارِهم نسبةَ الق
ق داد المطل دم الاعت سوّغُ ع ا ي ذا م الجلي إلى الظاهرية ، أو لأنهم لم يروا في خطئهم ه
ي ر (آنف ر معتب لًا غي ذُه أص ان مأخ بهم( ٢) . وفصّل آخرون : بأن خلاف الظاهرية إذا آ
ن م يك ذي ل رع ال ا الف ه ، وأم ي علي رع المبن ي الف م ف دُّ بخلافه لا يُعتّ ي) ، ف اس الجل القي
٣٠٧ ) ، ونقل ابنُ القطان الفاسي - ١) رسالة إلى أهل الثغر لأبي الحسن الأشعري ( ٣٠٦ )
.( (ت ٦٢٨ #) هذا الإجماعَ عن رسالة الأشعري في آتابه الإقناع في مسائل الإجماع (رقم ٢٦٥
٢) لكن هؤلاء لم يبيّنوا الموقف من خلاف الظاهرية المبني على الأصل غير المعتبر ، واآتفوا )
بالنظر إلى أن صوابَهم أآثرُ من خطئهم ، فلم يستجيزوا إطلاقَ القول بعدم الاعتدادِ بأقوالهم .
وهذا الموقف من خلاف الظاهرية وإن آان هو الأقربَ إلى الإنصاف من عدم الاعتداد
المطلق؛ لكنه أيضًا لم يُجِبْ عن إشكال بناء الظاهرية على الأصل غير المعتبر ، وما هو
الموقف الصحيح تجاهه ؟
١٣
وال ، دل الأق و أع ث ه ول الثال ذا الق ه ( ١) . وه دٌّ ب لافٌ مُعْتَ و خ ذلك فه ه آ م في خلافه
وأقواها دليلًا ونظرًا .
حابُ ه أص تصُّ ب سلكٍ يخ وآل م »: وممن فصّل في ذلك إمامُ الحرمين ، حيث قال
و ي أب ول القاض رُ الأص ال حَب قٍّ ق وضٌ . وبح سه منق الظاهر على القياسيين فالحكم بجن
. (٣) «( بكر : إني لا أعدّهم من علماء الأمة ، ولا أبالي بخلافهم ووفاقهم( ٢
د أن ه بع ك(ت ٦٤٦ ه) ، فإن ي ذل لامَ ف صلاح الك ن ال رو اب و عَم ام أب حَ الإم وأوض
تُ ذا أجب وبه » : ال ه ، ق تلافَ في ل الاخ ة ، ونق لاف الظاهري داد بخ ن الاعت دّث ع تح
اس ي القي ي نف له ف ى أص ه عل ن مذاهب اه داودُ م ا بن ستعين ا) : فم الى، م (مستخيرًا الله تع
دليل ام ال ي ق الجلي، وما اجتمع عليه القايِسُون من أنواعه ، أو على غيره من أصوله الت
ي ه ف دٌ ، وقول اعٌ منعق ه إجم ى خلاف ه عل ي مثل القاطع على بطلانها = فاتفاق من عداه ف
سائل ك الم د ، وتل اء الراآ ي الم وِّطِ ف ي المتغ مثله معدودٌ خارقًا للإجماع . وآذلك قوله ف
رُ ه غي الشنيعة فيه ، وآقوله في الربا فيما سوى الأشياء الستة ( ٤) . فخلافه في هذا وأمثال
١٣٥ ) وغيره من الأئمة إلى عدم -١٣٤/ ١) ذهب أبو بكر الجصاص في آتاب الفصول ( ٢ )
الاعتداد بخلاف الظاهرية مطلقًا ، وانظر تفصيل من فصّل في الكتب التالية : البحر المحيط
٤٧٤ ) ، وجمع الجوامع لتاج الدين السبكي - مع شرحه : البدر الطالع -٤٧١/ للزرآشي ( ٤
-٢٨٩/ ٣٨٠ ) ، وطبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي ( ٢ / لجلال الدين المحلّي ( ٢
. (١٥٦٤-١٥٦٣/ ٢٩١ ) ، والتحبير شرح التحرير للمرداوي ( ٤
٢) ينبغي أن يُقيَّدَ ثناءُ إمام الحرمين على آلام الباقلاني بما جاء في فاتحة آلامه ، وهو أنه لا يُعْتَدُّ )
بخلافهم ووِفَاقِهم فيما آان مأخذُ الظاهرية فيه أصلا غيرَ معتبر .
. (٤٧٢/ ٣) نهاية المطلب للجويني ( ١٨ )
٤) لما آان مأخذُ الظاهرية في مسألة الزيادة فيما سوى الأصناف الربوية الستة المنصوصِ عليها )
مأخذًا مبنيا على أصلٍ غيرِ معتبر ، وهو عدم الأخذ بالقياس ، أصبح هذا القولُ الفرعيُّ منهم
غيرَ معتبرٍ أيضًا . وهذا هو سبب عدم اعتبار هذا القول عند ابن الصلاح ، وهو التقرير الذي
يؤيده النظرُ السليمُ في قاعدةِ اعتبارِ القولِ أو عدمِ اعتباره .
ولذلك فقد يقول فقيهٌ آخر بقول الظاهرية غير المعتبر هذا نفسِه ، ومع ذلك فقد يُعَدُّ قولُه معتبرًا
، بل قد يجب اعتبارُه ؛ لأنه بناه على أصلٍ معتبر ، غير أصل الظاهرية . فمن حصر الربا في
الأصناف الستة الواردة في النصّ ؛ لأن علة تحريم الربا لم تظهر له ، فجعل تحريم الربا أمرًا
١٤
دليلِ لاف ال ى خ عُ عل ادُ الواق ه ، والاجته عُ ببطلان ا يُقْطَ ى م ا عل ه مبني ه ؛ لكون دٍّ ب معت
نْقَضُ ه ، ويُ دُّ ب القاطعِ آاجتهادِ من ليس من أهل الاجتهاد ، في إنزالهما بمنزلةَ ما لا يُع ت
رّرَ د تق اد ، وق صبِ الاجته زُّؤ من ولِ بِتَجَ دليلِ الق تُ ب ه يَثْبُ الحُكْمُ به . وهذا الذي اخترتُ
. (١)« جوازُ ذلك ، وأنّ العالمَ قد يكون مجتهِدًا في نوعٍ دون غيره
ولذلك أمثلةٌ عديدة ليس هذا موطن ذآرها .
ه ، ي دلالت ة ف الشرط الخامس : أن لا يكون القولُ م خالفًا لدليلٍ ثابتٍ واضحِ القطعيّ
سكوتي اع ال ا ، وآالإجم ي قطعيّته حةِ ف ةِ الواض ةِ القطعي ةِ ذاتِ الدلال صوصٍ الثابت آالن
دليلُ خالَفَ ال وز أن يُ ه لا يج ر ( ٢) ؛ لأن الاختلاف المعتب الظني المتحقِّق غير المنقوض ب
ديث ه . فالح ي دلالت ه وف ي فهم لاف ف دعوى الخ ه ؛ إلا ب الظنيُّ ممن لا يخالف في ثبوت
تعبُّديا ، يكون قوله حينئذٍ قولا معتبرًا ؛ آما ذهب إليه إمام الحرمين الجويني وتقي الدين
. (٢٣١/ السبكي ، فانظر طبقات الشافعية ( ١٠
٦٩ رقم ٥٣ ) ، مع تصويب ما ظهر أنه خطأ مطبعي . - ١) فتاوى ابن الصلاح ( ٦٨ )
٢) لم أذآر القياس الجلي : الذي يُقطَعُ فيه بنفي وجود أي فارِقٍ معتبرٍ بين الأصل والفرع ، )
ولا يُحتمَلُ فيه أن يتخلّفَ عن جميع فروعه الفقهية ؛ لأن تسمية هذا الدليل بالقياس مجرّدُ
اصطلاحٍ ، وإلا فهو في الحقيقة من دلالة النص ؛ لأنه أقوى من دلالة الظاهر ؛ ولأنه مقطوعٌ
بتناول النص له . ومثاله : دخول النساء في خطاب الذآور ؛ بالإجماع ؛ إلا ما دل النص على
استثنائهنّ فيه .
وقد وجدت أن تقي الدين السبكي قد ذآر القياس الجلي ضمن ما لا يسوغ خلافه في الفتوى،
في آتابه: السيف المسلول على من سبّ الرسول ^ ( ٣٨٨ ) ، فأحببتُ التنبيه على ذلك . وهو
مذآورٌ أيضًا فيما يُنقضُ به قضاءُ القاضي عند المالكية والشافعية والحنابلة ، آما في الحاوي
، ( ٤٧٤ رقم ١١٨٩٧ -٤٧١/ ٢٤١ ) ، ونهاية المطلب للجويني ( ١٨ -٢٣٩/ للماوردي ( ٢٠
، (٦٢/ ٣٠٦ ) ، وتبصرة الحُكّام لابن فرحون المالكي ( ١ -٣٠٥/ والوسيط للغزالي ( ٧
٣٤٥ ) . بل أضاف الماوردي قياس التحقيق (وهو من قياس ،١٥٢/ والفروع لابن مفلح ( ١١
الشّبه) إلى القياس الجلي ، فيما يُنقضُ به قضاء القاضي ؛ وفي إطلاق ذلك نظرٌ .
وانظر لتعريف القياس الجلي : معجم المصطلحات الأصولية للدآتور قطب مصطفى سانو
.(٣٤٩-٣٤٨)
١٥
دعوى ه ؛ إلا ب رف بثبوت ن يعت ة مم ه القطعي زام بدلالت دمُ الالت النبوي الثابت لا يجوز ع
ي شأنُ ف ذلك ال زاع . وآ ا الن ز فيه م يج ة ل ت قطعي ة إذا آان ه ، والدلال الخلاف في دلالت
ه ان أن الَفَ ؛ إلا ببي وز أن يُخ حيح لا يج الإجماع السكوتي الظني الثبوت ؛ فإنه دليلٌ ص
منقوض .
ون ذي تك ويتّضح من عبارة هذا الشرط : أن الاختلاف لا يكون سائغًا في الدليل ال
ست ة ، ولي ي الدلال رطٌ ف ر ش ذا التحري ى ه اءً عل ةُ بن ةِ ، فالقطعيّ حةَ القطعيّ دلالتُه واض
شرطًا في الثبوت .
لا وت ، ف يِّ الثب رَ قطع و ت أو غي يَّ الثب دليلُ قطع ان ال واء أآ رى : س ارةٍ أخ وبعب
تسوغ مخالفةُ واضِحِ قطعيّته الدلاليّة ، ما دام ثابتًا .. بمطلَقِ الثبوت .
ي اء الت ات الفقه ةَ إجماع فإذا بدأنا بالإجماع السكوتي الظني ( ١) ، فلا يخفى أن عام
رون ك ي يذآرونها في تفاريع المسائل الفقهية هي من قبيل هذا الإجماع الظني ، ومع ذل
كوتيا ا س الف إجماعً الاحتجاجَ بها لازمًا ، ويؤثِّمون من يخالفها . ولا يجوز لأحدٍ أن يخ
روج دم الخ ب (ع اع المرآّ تجّ بالإجم ن اح ل م ه ( ٢) . إذ آ قٌ علي لٌ متّف صحيحًا ؛ لأنه دلي
١) سبق التعريف بالإجماع السكوتي ، وذِآْرُ قِسْمَيْهِ : القطعي ، والظني. )
٢) الخلاف المعتبر في الإجماع السكوتي لا يخرج عن أحد أمور ثلاثة : )
أولها : الاختلاف في حقيقته ، وبالتالي في مأخذ ودليل حجيته .
وثانيها : الاختلاف في درجة حجيته ، هل هو ظني أم قطعي .
وثالثها : في المسائل الجزئية منه ، هل تحقّق في إحدى تلك المسائل الإجماعُ الذي يفيد الظن
في أقل أحواله ، أم لم تتحقّق هذه الإفادة منه .
فإن وقف ضعيفُ التحرير على نزاع أحد العلماء في حجية أحد تلك الإجماعات ، ظنّ أنه
مبنيٌّ على عدم احتجاجه بالإجماع السكوتي ، غافلا عن أن سبب نزاعه أمرٌ آخر ، وهو راجعٌ
إما إلى وجود خلافٍ ينقض دعوى الإجماع ، أو إلى عدم توفّر شروط إفادة الظن من ذلك
الإجماع السكوتي المدّعىٰ . ويدلُّ على ذلك أنك لا تجد إمامًا متبوعًا إلا وقد احتجَّ بالإجماع
السكوتي في بعض المسائل ؛ إلا الظاهرية ، حيث إنهم لا يحتجون إلا بالإجماع القطعي .
وهذا هو منهج الظاهرية : عدم الاحتجاج إلا بالقطعي : ولذلك لم يحتج ابن حزم بالقياس ، ولا
بالاستقراء ، ولذلك أيضًا ادّعى أن خبر الآحاد الذي اجتمعت فيه شروط القبول الظاهرة يفيد
١٦
ذَ صحيح ؛ لأن مأخ سكوتي ال اع ال اج بالإجم ه الاحتج سلف) يلزم وال ال وع أق ن مجم ع
م ى اس ربَ إل ه أق ع آون سكوتي ، م اع ال ي الإجم ودٌ ف الاحتجاجِ بالإجماع المرآّب موج
واغ دم س اج، وبع ب بالاحتج اع المرآّ ن الإجم ى م ان أول ورته = فك ى ص اع وإل الإجم
مخالفته.
ي الف ف ائغًا ؛ إلا إذا خ يَّ س سكوتيَّ الظن اعَ ال الف الإجم ن خ لافُ م ون خ ولا يك
ة سألة الفرعي ك الم ي تل رٍ ف لافٍ معتب ودَ خ دّعي وج أن ي ا ب صحّةِ إجماعٍ معيّنٍ منه : إم
ل التي نُقل فيها الإجماع ، يدل على عدم انعقاد الإجماع . وإما بأن تكون المسألةُ التي نُق
ابِ الُ غي ا احتم فيها اتفاقُ العلماء من المسائل التي لا تعم بها البلوى ، ولذلك فيقوى فيه
ي الِفِ ف لافُ المخ ان خ إن آ تلاف . ف ذا الاخ ا ه صل إ لين م ي ا ، وإن ل عٍ فيه لافٍ واق خ
ان ا إذا آ صحّة ذلك الإجماع المعيّن بناءً على أحد هذين الاعتراضين فخلافُه سائغ ؛ أم
دُ ذا أح لا ، وأن ه صحيح أص سكوتي ال اع ال اج بالإجم دم الاحتج ى ع ا عل ه مبني خلافُ
الفَ ه خ ائغ ؛ لأن رَ س ا غي ل خلا فً ذا الأص أصوله = فمثل هذا يكون خلافُه القائم على ه
دليلا متّفقًا عليه .
فإذا انتهينا من الإجماع السكوتي ، نقف عند الحديث النبوي الظنيِّ الثبوت :
ا لا و م ة ه ام الفقهي ولا يخفى أن عدمَ اشتراط قطعيّة الثبوت في دليل تفاريع الأحك
ةُ م وعام سلفُ آلُّه م ال ة ، وه روع الفقه ي ي الف اد ف ر الآح حْتجُّ بخب ن يَ لُّ م يخالف فيه آ
المتكلّمين من أتباع المذاهب الأربعة . وإنما خالف أآثر المتكلّمين في حجية خبر الآحاد
في العقائد فقط ، دون الفروع الفقهية .
دٌ ه أح وز أن يخالف لا يج ة ، ف روع الفقهي وما دام خبر الآحاد حجةً بالإجماع في الف
ا سائغ ، آم ر ال لاف غي م الخ و حك واز ه دمُ الج أقرَّ بثبوته وبإحكامه (عدم نَسْخِة) . وع
ي اد ف ر الآح اج بخب دم الاحتج ك أن ع اح . ذل سيأتي ، وليس حكمَ الاختلاف السائغ المب
الفروع الفقهية مخالفٌ للإجماع القطعي ، فلم يكن قولا سائغًا .
العلم مطلقًا ؛ لكي يمكنه الاحتجاج به ، على قاعدته بعدم الاحتجاج إلا بالقطعي .
انظر لموقف الظاهرية من الاستقراء : آتاب الاستقراء وأثره في القواعد الأصولية والفقهية
. (٢٦٦ ،٢٦٣ ، للطيب السنوسي ( ١٥٨
١٧
وستجد في أصل هذا المقال المختصر منه أقوال العلماء فيه .
ه ى نزاع ا عل الِفِ مبني لافُ المخ ان خ يءٌ ؛ إلا إذا آ شرطِ ش ولا يُستثنى من هذا ال
ي ه ف ون خلافُ روط ، لا يك ة ش ائغًا بثلاث تلاف س ون الاخ دها يك دليل ، فعن وت ال ي ثب ف
ثُبوت الدليل سائغًا إلا بها:
ي صًا ف ديث ، متخصِّ اء الح ن علم ا م وت عالمً ي الثب الِفُ ف ون المخ الأول : أن يك
وم ائق العل ي دق ةً ف ا ، وخاصّ وم آلِّه ي العل وضِ ف رْطُ الخ ذا شَ سنة ؛ لأن ه د ال م نق عل
وعويص مسائلها ، آنقد السنة وتمييز الصحيح من السقيم .
ة ر قطعي سنة غي لا (آال ه أص الثاني : أن يكون الدليلُ مما يجوز الاختلافُ في ثبوت
ن ة ع ل العام ن نق ا (م عُ عليه سنةِ المجتم ثُ ال ريم وأحادي الثبوت) ، أما آيات القرآن الك
العامة)( ١) فلا يجوز الخلاف في ثبوتها ؛ لأنها قطعيةُ الثبوت .
والثالث : أن يكون خلافُه في الثبوت مبنيا على منهجِ أئمة السنة في النقد والتمييز،
ا ا). وإنم سنة وعلومه صاص بال ل الاخت ر أه ن غي سنة (م ه بال مَ ل ن لا عل نهج م دون م
يُّ نهج العلم و الم دها ه ي نق سنة ف اشترطنا هذا الشرط لسببين : (أوّلاً) لأن منهج أئمة ال
نهجٌ اك م دثين ، ولا هن نهج المح وى م ديٍّ س نهجٍ نق ود لم لا وج ز ، ف الوحيد للنقد والتميي
ضينا د؛ إلا إن ارت مقترَحٌ بديلٌ عنه أصلًا، حتى يمكن أن نتخيّرَ أو نوازنَ بين مناهج النق
ت ذي أجمع نهج ال و الم منهجًا ه و الجهلُ أو الهوى . (ثانيًا) أن منهج المحدثين النقدي ه
ا ا آتاب الى هم اب الله تع د آت ابين بع الأمةُ على صحته ، بمثل إجماعها على أن أصحَّ آت
ا ، ا ومتكلّموه دِّثُوها ، أثريّوه ةِ ومح اءُ الأم اع : فقه البخاري ومسلم ، وعلى هذا الإجم
نهج ى أن م ة ) عل ة قاطب اء الأم م علم ؤلاء (وه اعَ ه ي إجم ا يعن ك .مم ى ذل جميعُهم عل
و ا ه ا ، ومنهجهم ت منه الشيخين هو أصحُّ منهجٍ لنقد السنة وتمييز الثابت من غير الثاب
منهج المحدثين المعلوم المدوَّن في مصنفات علمهم ، بالإجماع على ذلك أيضًا .
١) مثل : تخميسِ الصلوات المفروضة ، وبيانِ عدد رآعات آل فرضٍ منها ، وترتيب أوقات )
أدائها إجمالا (أن الفجر قبل الشروق ، وأن الظهر هو الذي يليه .. وهكذا) ، وأن الكعبة التي
يطوف حولها الناس إلى اليوم هي عينُها الكعبةُ التي طاف حولها النبيُّ ^ ... ونحو ذلك .
١٨
ورٍ ى أم ا إل ا) ( ١) مرجعُه وهذه الشروطُ الخمسة (آما تظهر عند إعادة التدقيق فيه
ثلاثة: أن يكون القول صادرًا ممن له حقُّ الاجتهاد (أولا)، وأن يكون صادرًا عن أصلٍ
ا) ؛ معتبرٍ (ثانيًا)، وأن لا يكون قولُه مخالِفًا لدليلٍ ثابتٍ واضحِ القطعيِّةِ في دلالته (ثالثً
ا الا راجحً إذ بمخالفته لذلك الدليل القطعي نقطع بكونه لا حظَّ له في الصواب ، لا احتم
إذا يَّ. ف تَ القطع دليلَ الثاب ه ال ى مخالفت و معن ذا ه ا ؛ لأن ه الاً مرجوحً فيه .. ولا احتم
ولا الِف ق ولُ المخ ون ق وال ، يك ن الأق ولٍ م لافِ ق ي خ ة ف ور الثلاث ذه الأم ت ه تحقّق
معتبَرًا وخلافُه سائغًا.
هذه هي شروط عدّ القول من الاختلاف المعتبر ، وهذا هو ضابط ذلك .
ا اب ، وم ذا الب ر له ي التنظي ر ف نقص الكبي ويتضح من ذآره هذه الشروط مقدار ال
تثمار تلاف الاس وعي الاخ ين ن ق ب ذا التفري تثمار ه دم اس سيؤدي إليه هذا النقص من ع
الذي وُضع التقسيم لأجله ، وجاءت أآثر آداب الاختلاف مبنية على مراعاته .
لننتقل بعد ذلك لبيان أهم الآداب التي تتعلق بهذا التقسيم .
١) آل من آتب في مسألتنا هذه (وهي شروط تسويغ الاختلاف) ، في آتابٍ مستقلّ أو ضمن آُتُبِ )
الأصول ، وحسب ما اطلعتُ عليه ، يكتفي بذآر شرطين اثنين : الأول : عدم مخالفة الإجماع
باب » ، والثاني: عدم مخالفة دليلٍ قطعيّ (في الثبوت والدلالة) . لكن علماء الأصول نصّوا في
« باب الإجماع » على شَرْطِ العلم (وهو الشرط الأول عندي) ، ونصوا في « صفات المفتي
على شرط عدم الخروج على مجموع أقوال السلف (وهو الشرط الخامس عندي) . فقمتُ
بجمع هذه الشروط ، لتكميل بعضها بعضًا في تحرير شروط القول السائغ ، وأضفتُ إليها
الشرطَ الرابع ، آما أوضحتُ ذلك في الكتاب الذي هو أصل هذا المقال ، مبيِّنا سببَ هذه
الإضافة ودليلها .
١٩
حُحُكْمُْمُ الالاختلالافِفِ السائغِغِ وغيرِرِ السائغِغِ
والموقفُفُ منهما
تلافٌ ما دمنا لم نختلف في أصل التفريق بين نوعَيِ الاختلاف ، وأن منه ما هو اخ
اك ون هن ن أن يك دّ م لا بُ ائغ ، ف رٍ ولا س رُ معتَبَ تلافٌ غي و اخ ا ه معتبَرٌ سائغ ، ومنه م
تلافَ عُ اخ ا يتب ضًا فيم ا أي رقٌ بينهم اك ف ون هن ا ، وأن يك وعٍ منهم ل ن م آ ي حك فرقٌ ف
ف راقِ الموق ن افت تلاف ، وم وعَيِ الاخ ن ن دٍ م ل واح صوّرنا لك راقِ ت ن افت م : م الحك
منهما ، ومن افتراق الموقف من صاحب آل اختلافٍ منهما .
ع ن أرب ا م ايُنَ بينهم فهنا إذن آدابٌ تخصُّ آل نوعٍ من نوعَي الاختلاف ، تُبيِّنُ التب
جهات : من جهة التصوّر ، والحكم ، والموقف من القول ، والموقف من القائل :
أولا : التصوُّر :
ون ى أن يك ي ا( ١)، بمعن ه ظنِّ رجيحُ في ون الت سائغ أن يك تلاف ال ي الاخ ل ف فالأص
بطلان ع ب صحته، ولا يقط ن ب ة الظ ى غلب ه عل ولين ، ير جّح دَ الق رجِّحُ أح ذي ي العالم ال
أ ، ل الخط وابٌ يحتم ولي ص تلاف : ق ن الاخ وع م القول المخالِف . وآما قيل في هذا الن
. ( وقولُ المخالِفِ خطأٌ يحتمل الصواب( ٢
ةٍ ه ، بأدل وعُ ببطلان لاف المقط و الخ سائغ : فه ر ال تلافِ غي صوُّرُ الاخ ا ت أم
الف ، أ المخ ة وبخط أ المقال زم بخط ا . فنج ي دَلالته ةِ ف حةِ القطعيّ ةٍ واض ثابت
ولا نتردّدُ أن الصواب في غيرها .
سائل ة الم ي أدل شقيقات ف ١) وهو الأغلب لدى العلماء المتأخ رين ، بسبب تناقص العلم ، وتزايد الت )
ول ن الوص ضلا ع لدى المتنازعين ، مما يُعَسِّرُ الوصولَ إلى الصواب بالرُّجْحان (الظني) ، ف
- تقامة ( ٦ اب الاس ي آت رّر، ف لٍ مح لامٍ طوي ة بك ن تيمي لام اب يخ الإس ه ش صّ علي ا ن إليه بالقطع . آم
.(٦٩
٢) انظر تعريف (الصواب) في التعريفات للجرجاني ( ١٧٧ رقم ٨٨٣ ) ، والأشباه والنظائر لابن )
نجيم ( ٣٨١ ) ، وهو قولٌ منسوبٌ إلى الإمام الشافعي ، ولم أجده في مصدرٍ أصيلٍ مسندًا إليه .
٢٠
ثانيا: الحُكم :
صري سن الب ه الح ا قال ه م تلاف بنوعي م الاخ ان حك ي بي سلف ف لام ال ن آ م
الى ( پ ڀ ڀ ڀ ڀ ٺ ٺ ٺٺ ٿ ٿ ) [هود: ه تع سير قول ي تف (ت ١١٠ ه) ف
يّنَ ١) . فب )« ضرّهم ا ي ون اختلافً إنهم لا يختلف ةِ الله ف لُ رحم ا أه أم »: [١١٩ - ١١٨
(رحمه الله ) أن أهل العلم والفضل يختلفون اختلافًا مباحًا لا يضرّهم . ومفهوم ذلك : أن
من سواهم يختلفون اختلافًا ضا را ، وهو الاختلاف المحرّم .
رَّمٌ ، ولا دُهما مح الاختلافُ من وجهين : أح » : وقد سَبَقَ نَقْلُ قولِ الإمامِ الشافعيِّ
. (٢)« أقول ذلك في الآخر
ثالثًا: الموقف من القول :
فالأصلُ في الاختلاف السائغ :
- أنه لا يجب الردُّ على القول الذي تخالفه منه ؛ لأنه مباحٌ لقائله أن يقوله ،
فليس منكرًا من المنكرات التي يلزم إنكارها على القادر .
- ولكن يجب على صاحب القول الآخر أن يبيّنَ ترجيحَه المخالِفَ ؛ لأن القول
الراجح عند العالم هو ما يدينُ الله تعالى به ، فيجب بيانُه ، ولا يجوز آتمانُه ؛
لقوله تعالى (ڻ ڻ ? ? ۀ ۀ ? ? ? ? ه ه ه ه ?? ۓ ۓ ڭ ڭ
ڭ) [البقرة: ١٥٩ ] ، وقوله تعالى (ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ پ پ پ پ ڀ
. [ ڀ ڀ ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿٿ ٿ ٿ ?) [آل عمران: ١٨٧
- فإن لم يتم بيان الراجح عندك إلا بالردّ على القول المخالِف وأدلته ؛ فما لا يتم
الواجب إلا به فهو واجب ؛ ولذلك يجب حينها الردُّ على القول المخالِف .
اء ى العلم ب عل لا يج ا : ف دًا فيه سألةُ مُجْتَهَ إذا آانت الم »: وقد قال إمام الحرمين
ى تّمُ عل لا يتح ا ؛ ف ا به إظهارُ إنكارٍ على من قال فيها بقولٍ لم يُراغِمْ فيها حُجّةً مقطوعً
. (٣) « بقيّة العلماء صدُّ القائل عن قوله
ان وإن آ » : وقال الإمامُ النووي ، وهو يتحدّثُ عن إنكار المنكر ودرجات ما يُنكَر
م ه ، ولا له دخ لٌ في وام م من دقائق الأ فعال والأ قوال ، ومما يتعلق بالاجتهاد ، لم يكن للع
. (٦٣٨/ ١) تفسير الطبري ( ١٢ )
. (١٦٨٠- ٥٦١ رقم ١٦٧١ - ٢) الرسالة للإمام الشافعي ( ٥٦٠ )
. (١٠١/ ٣) التلخيص لإمام الحرمين ( ٣ )
٢١
لا ه ف فُ في ا المختلَ ه ، أم عَ علي ا أُجْمِ إنكارُه ؛ بل ذلك للعلماء . ثم العلماء إنما ينكرون م
. (١)« إنكار فيه
ا ه ؛ آم ل في لاف الأ ص ا خ رى ؛ لكنه وقد يجب الردُّ على القول السائغ لأسبابٍ أخ
قدمناه .
سائغ : تلاف ال ي الاخ وح ف ولِ المرج اهَ الق وبُ تج فُ المطل و الموق ذا ه ه
دَ ب المقيّ ا أن الواج ه . وبينّ راجح بدليل انُ ال و بي ه : ه ق تجاه ب المطل ا أن الواج فبينّ
ا إذا ك فيم ه ، وذل ة إلي ه بالحاج دٌ وُجوبُ ه مقيّ وح ، وأن تجاهه: هو الرد على القول المرج
ده وحَ عن ولَ المرج ذآر الق وح ؛ في ى المرج الردّ عل تمُّ إلا ب راجح لا ي ول ال آان بيان الق
وأدلتَه بإنصافٍ ، ثم ينقضُها دليلًا دليلًا .
و : دّ ، وه ابقه وأش ن س يقَ م دٍ أض ضًا بقي دٌ أي وهناك واجبٌ آخر ، لكنه واجبٌ مقيّ
د المَ ق ول؛ لأن الع ى الق ردِّ عل ر ال يءٌ غي تسمية المردود عليه . فتسمية المردود عليه ش
.( يردُّ على القول، من دون ردٍّ على قائله، بمعنى أنه لا يُسَمِّيه( ٢
ر ن أنك رٍ مم ماء آثي ينِ أس بِ تعي ن تجنُّ ي ^ م ه النب ان علي والأصل في ذلك : ما آ
ذا ون آ ذا ، أو يفعل ذا وآ ون آ عليهم قولا أو فعلا ، وأنه ^ آان يقول : ما بال أقوامٍ يقول
ه ن عمل وآذا . آما في حديث النفر من أصحاب النبي ^ ، الذين سألوا أزواجَ النبي ^ ع
ضهم في السرّ ؟ فقال بعضُهم : لا أتزوج النساء ، وقال بعضهم : لا آآل اللحم ، وقال بع
ذا الوا آ وام ق ال أق ا ب م » : ال ه ، فق ى علي ي ^ الله وأثن د النب : لا أنام على فراش . فحم
نتي ن س ب ع ن رغ ساء ؛ فم زوج الن ر ، وأت وم وأُفط ام ، وأص لي وأن ي أص وآذا ، لكن
ن ه ^ وم ن هدي ك م رف ذل ٣) . وآذلك فعل ^ في مواقف عديدة ( ٤)، حتى عُ )« فليس مني
حُسْنِ مَعْشَرِهِ .
. ( ٢٥ شرح الحديث الذي برقم ٤٩ / ١) شرح صحيح مسلم للإمام النووي ( ٢ )
٢) أقصد بعدم التسمية العدمَ التام ، أما أن يدع التسمية الصريحة مع وصفه بما يعرفه به عامةُ من )
يقف على ردِّه ، فهذا لمزٌ ، وهو أشدّ أذى من التسمية الصريحة ، وسيأتي الحديث عن ذلك.
٣) أخرجه البخاري (رقم ٥٠٦٣ ) ، ومسلم (رقم ١٤٠١ ) ، واللفظ له . )
. ( ٦١٠١ ) ، وصحيح مسلم (رقم ٢٣٥٦ ،٧٥٠ ، ٤) انظر صحيح البخاري (رقم ٤٥٦ )
٢٢
زامُ وز إل لا يج ائغًا ف ه س ه لكون سائغ ) : أن تلاف ال ن الاخ ف م سائلِ (الموق ومن م
الناس بترآه ، لا من الحاآم ولا من غيره .
المعروف ر ب ي الأم صنفون ف اء الم ولهذا قال العلم »: وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية
ة لا سائل الاجتهادي ذه الم ل ه ره : إن مث شافعي وغي حاب ال ن أص ر م والنهي عن المنك
ة ، الحجج العلمي ا ب تك لّم فيه تُنكر باليد ، وليس لأحد أن يُلْزِمَ الناسَ باتّباعه فيها ، ولكن ي
. (١)« فمن تبيَّنَ له صحةُ أحدِ القولين تَبِعَهُ ، ومن قلَّدَ أهلَ القولِ الآخر، فلا إنكار عليه
اآم يس للح ول »: ال ك( ٢) ، فق ى ذل اعَ عل ة الإجم ن تيمي لام اب يخُ الإس ل ش د نق ل لق ب
ا ، اده : ا تِّفَاقً ه واعتق زامهم برأي سوغ و إل وغيره أن يبتدئ الناس بقهرهم على ترك ما ي
. (٣)« فلو جاز هذا ، لجاز لغيره مثلُه ، وأفضى إلى التفرُّقِ والاختلاف
ه رًا من اآم لا نظ ن الح زامُ م ان الإل و آ ا ل ى م لام عل يخ الإس لامُ ش حمَلُ آ ويُ
لاف للمصلحة العامة ، ودرءًا للمفسدة ، فهذا لا يكون إلا تسلُّطًا مفضيًا إلى التفرّق والخ
ى ه إل رًا من سائغةِ نظ وال ال د الأق اآم بأح زامُ الح (آما قال شيخ الإ سلام) . أما إذا آان إل
المصالح العامة ، فجائزٌ، وتجب طاعته فيه .
ه : ن أقوال ولٍ م أي ق ذ ب ه الأخ وز في سائغ يج تلاف ال ى أن الاخ يٌّ عل ذا مبن وه
ه ر ل م يظه ن ل ضبطًا لم دًا من رجِّح ، أو تقلي دليل الم ه ال ن لاح ل إما ترجيحًا بالدليل لم
ن وَجْهُ الرُّجحان . فلا يجوز الإنكار في مسائل الاختلاف السائغ على من اتّبعَ أيَّ قولٍ م
ا ا دام مبتغيً رًا ، م ا معتب ده عالمً ى تقلي دليل أو عل أقواله ، سواء أآان اتّباعُه بناءً على ال
الحقَّ في اتّباعه أو في تقليده .
وأما الموقف من الخلاف غير السائغ :
- ففوق الواجب المطلَقِ تجاهه (وهو بيانُ القولِ الحقِّ) .
- فهناك واجبٌ مطلقٌ آخر تجاهه ، وهو وجوب مناصحة صاحبه، ما أمكن ذلك
؛ لأن الخلاف إذا آان غير سائغ فهو محرّم (آما سبق في بيان حكمه)،
والفعل المحرّم إذا وقع من المسلم وجب على المسلمين نهيه عنه ، بما
. (٨٠/ ١) مجموع الفتاوى ( ٣٠ )
٢) سياق آلامه آان عن القُضاة ، لكن الفتوى في ذلك أولى . )
. ( ١١٠ ) ، وعنه في : الاختيارات للبعلي ( ٣٣٣ / ٣) الفروع لابن مفلح ( ١١ )
٢٣
. ( يستطيعونه من أقرب الأساليب التي تُحقِّقُ مصلحةَ الانتهاء عن المنكر( ١
فإن آان المسلم متأوّلا ، فهو أولى بالتلطّف معه ؛ لأن تأوُّلَهُ الأصلُ فيه
ومقتضاه أنه مانعٌ عنه التأثيم . فالقول حينها وإن آان إثمًا ؛ إلا أن قائله غير
آثم ، بل الأصل أنه مأجورٌ أجرَ الاجتهاد في طلب الحقّ . وتَقْوَى أولويّةُ
التلطُّفِ معه إذا آنا نتحدّث عن عالم له فضله وبلاؤه في خدمة الإسلام
والمسلمين ؛ فإن صدور القول غير سائغ منه لا يلغي محاسنه ، ولا يُسقط
حقوقَه الجليلةَ على أُمته .
- ثم للعالم أن يصف القولَ غير السائغ بالوصف المطابق لواقعه ، وبما يحقق
المصلحة ، ويدفع المفسدة . فلا يشنّع على القول بما ليس فيه ، ولا يُلزمه
اللوازم التي لا تلزم منه . آما أنه يراعي في ذلك آلّه المصلحة والمفسدة ، فقد
يسكت عن بعض الأوصاف ، بعد بيان الحق ، لكون الحق قد ظهر بدونها ، أو
لكون مفسدةِ ذِآْرِ تلك الأوصاف أعظمَ من مصلحةِ عدم الذآر .
- أما ذِآْرُ اسمِ صاحب القول غير السائغ عند الردّ عليه : فقد ذآرنا سابقًا : أن
الأصلَ فيه عدمُ ذآر اسم المردود عليه ، في الاختلافين آليهما (السائغ وغير
السائغ)؛ إلا إذا لم يتم واجب الردّ وبيان الحقّ إلا به . وقد ذآرنا أدلةَ ذلك من
السنة ، ومن فِعْلِ السلف .
ذلك، هذا إن آان صاحب القول غير السائغ عالمًا له فضله وبذله ، أما إن لم يكن آ
ى ب عل م يترتّ ه ، ول ه لجهل اس من ذير الن ه ، أو تح وآان في ذآر اسمه مصلحةٌ ، بتأديب
ذلك مفسدةٌ أآبر من مفسدة السكوت عن اسمه = فيُشرع ذآر اسمه ، بشرط أن لا ننسى
. ( أيضًا حقَّه الإسلاميّ العام ، مهما بلغ خطؤه( ٢
- والاختلاف غير السائغ لا يجوز اعتماده في الفتوى ، ولا العمل به إن أُفْتِيَ
به، لا اجتهادًا ولا تقليدًا ؛ لأنه باطلٌ شرعًا . وقد سبق ذآر بعض آلام الأئمة
١) إذا أتى المسلمُ ما يُستنكر عليه فقد وجب على المسلمين نُصْحُه ، ووجب عليهم في الوقت نفسه )
مراعاة حقوق أخوته الإسلامية ، التي لم يزل مستوجبَها . وهنا يقع الخلل عند بعض الناس من
إحدى جهتين: إما بتغليب جانب النهي عن المنكر على جانب حقِّ الأخوة ، فيقسو المُنْكِرُ على
أخيه المسلم فوق ما قد يُوجبه الإنكار ، فيقع حينئذٍ هذا المُنْكِرُ نفسُه في منكرٍ آخر ، وهو أنه
سلب أخاه المسلمَ حقا واجبًا من حقوقه الإسلامية. وإما بتغليب جانب الحقوق ، فيقصّر في
واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لأخيه . والتوفيق بينهما سبيل من أوتي
الحكمة ، وقليلٌ ما هم !
٢) وسوف يأتي الحديث عن الموقف من صاحب الاختلاف السائغ وغير السائغ . وإنما ذآرتُ هنا )
مسألةَ ذِآْرِ اسمِ المردودِ عليه ؛ لارتباطها بالردِّ على القول ، والردُّ على القول من مسائل
الموقف من القول ، لا من القائل .
٢٤
في ذلك( ١)، بما يغني عن إعادته. لكن هناك عبارات أخرى جاءت عن
وعن علماء السلف رحمهم الله تعالى ، تبيّن موقفهم الشديد من الصحابة
الخلاف غير السائغ ، وتُظهر عظيمَ خوفهم من انتشاره ، وحرصهم على
إماتته وعدم الافتتان به ، مما يدل على شِدَّتِهم الحكيمةِ في موقفهم منه .
ومن هذه العبارات : العباراتُ التالية :
اب، افق بالكت دالُ المن الم ، وج ةُ الع لامَ زل دم الإس يه » : اب قال عمر بن الخط
. (٢)« وحُكمُ الأئمة المضِلِّين
الم ، ل ع صة آ ذتَ برخ و أخ ل » : ( ي (ت ١٤٣ ه ليمان التيم ة س ابعي الثق ال الت وق
. (٣)« اجتمع فيك الشرُّ آلُّه
ه ي باب ا ف ذا وآلامً ي ه لامَ التيم رّ (ت ٤٦٣ ه) آ د الب فتعقّبَ الإمام أبو عُمر ابنُ عب
. (٤)« هذا إجماعٌ لا أعلم فيه خلافًا » : بمعناه ، بقوله
ل ول أه ن ق سًا ، وم راق خم ل الع ول أه ن ق ب م نجتن » : ي امُ الأوزاع ال الإم وق
ضان ، الحجاز خم سًا . من قول أهل العراق : شُرْبَ المسكر ، والأآ لَ في الفجر في رم
ة يء أربع ولا جمعة إلا في سبعة أمصار ، وتأخير صلاة العصر حتى يكون ظل آل ش
ين عَ ب ي ، والجم تما عَ الملاه از : اس أمثاله ، والفرار يوم الزحف . ومن قول أهل الحج
دا دينارين ي دينار بال الصلاتين من غير عذر ، والمتع ةَ بالنساء ، والدرهم بالدرهمين وال
. (١)«( بيد ، وإتيان النساء في أدبارهن( ٥
Error! Bookmark not ،Error! Bookmark not defined.) ١) انظر )
Error! Bookmark not -Error! Bookmark not defined. ،defined.
. (Error! Bookmark not defined.-٢٤ ،defined.
٢) أخرجه ابن المبارك في الزهد (رقم ١٤٧٥ ) ، والدارمي في سننه (رقم ٢٢٠ ) ، والبيهقي في )
المدخل إلى السنن ( رقم ٨٣٣ ) ، وغيرهم ممن تجدهم في تخريج الكتابين السابقين ، وإسناده
صحيح .
٣٢ ) ، وابن / ٣) أخرجه أبو القاسم البغوي في الجعديات (رقم ١٣٢٦ ) ، وأبو نعيم في الحلية ( ٣ )
. (١٧٦٧ ، عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (رقم ١٧٦٦
. (٩٢٧/ ٤) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ( ٢ )
د ةَ ق د أن الأئم ة ، نج ن الأئم ٥) في هذه العبارة ، وفي العبارات المذآورة عَقِبها في هذا ا لسياق ع )
ى ا عل لِ به أوردوا مسائ لَ خلاف ، قد يكون مقصودهم من ذآرها في هذا السياق ضَرْبَ المَثَ
٢٥
ان سمعت أبي يقول : سمعت يحيى بن سعيد القط » : وقال عبد الله بن الإمام أحمد
ي ةِ ف لِ المدين ذ ، وأه ي النبي ة ف لِ الكوف ول أه يقول : لو أن رجلًا عمل بكل رخصة : بق
. (٢)« السماع ( يعني الغناء) ، وأهلِ مكة في المتعة = آان به فاسقًا
- والاختلاف غير السائغ لا يجوز للحاآم إلزامُ الناس به ، ولا تجب طاعته
فيه( ٣)، حتى لو ادّعى الحاآمُ أن المصلحة المعتادة تستدعيه ؛ لأنها طاعةٌ في
معصية. ولا تلزم طاعة الحاآم فيما الأصل أنه معصية ؛ إلا إذا آان الحاآم قد
أخذ بها ضرورةً ، ولدفع مفسدةٍ أعظم . آأن يقتطع من أموالهم المحرّمةِ عليه
قدرًا بالعدل ، لدفع عدوّ ظالمٍ ينوي استئصالَهم . فتجب طاعته حينها ، من باب
أن الضرورات قد أباحت لهذا الحاآم المحظورات .
سائغ ، ر ال ول غي شار الق ع انت ى من اءِ عل ا للعلم ونَ مُعينً اآم أن يك ى بالح ل الأول ب
ه وب منع ي وج س لمِ ف اآمِ الم أنُ الح و ش ا ه ستطاع . آم در الم ه ، ق ل ب ع العم وعلى من
ا ه تجاهه ب علي ا يج من ليس أهلا للإفتاء ( ٤) ، وآما هو شأنه مع البدعة أيضً ا( ١) ، وم
ن مّ م و أع ا ه رادهم م ون م د يك ا . وق اراتهم هن ذلك أوردتُ عب ائغ ، ول مسائل الخلافِ غيرِ س
واء ه ، س ذلك ، وهو أنهم قصدوا بها ذمَّ من يتخيَّر بالتشهّي والهوى من أقوال الفقهاء ما يحلو ل
م م ل م أنه ه لكلامه ذا التوجي صحة ه شهد ل أآان التخيُّرُ من أقوالٍ يسوغ خلافُها أو لا يسوغ . وي
صر سائغ لا ينح ر ال لاف غي ع أن الخ شهوات ، م ة بال سائل متعلق ة وم سائل إباح ذآروا إلا م ي
شديد ور الت ن أم م م فيهما ، بل قد يكون القولُ بالتحريمِ خلافًا غيرَ سائغ أيضًا ، وقد يكون الحك
(التي تنافر الشهوات) وهو حكمٌ غير سائغ آذلك .
٢١١ ) ، والسماع لابن / ١) معرفة علوم الحديث للحاآم ( ٢٥١ ) ، والسنن الكبرى للبيهقي ( ١٠ )
-٥٨/ طاهر المقدسي [وانظر تعليقَ ابنِ طاهرٍ عليه] ( ٦٤ ) ، وتاريخ دمشق لابن عساآر ( ٥٤
٥٩ ) . وراويه عن الأوزاعي لم أجد فيه جرحًا أو تعديلًا .
٢) مسائل عبد الله بن أحمد لأبيه (رقم ١٦٣٢ ) . وتُذآر هذه العبارة منسوبة للإمام أحمد نفسه ، )
والصواب أنها من روايته عن القطان ، آما ترى .
٣) إلا خوفًا من أذى لا يطيقه المسلم ، أو خوفًا من حدوث فتنةٍ أعظم من فتنة طاعته في المعصية )
. فيجوز في الأولى أن يطيعه ؛ لأنه مُكْرَهٌ . وإن صبر على الأذى (إن آان يطيقه) فهو أفضل
، وليس بواجب . ويجب في الثانية (إن خشي الفتنة) أن يطيعه ؛ لأن دفع أعظم المفسدتين
بأخفّهما واجب . مع وجوب نصح الحاآم المسلم في الحالتين (ما أمكن ذلك)، ومحاولة إزالة
أسباب الأمر بالمعصية والإآراه عليها بالوجوه المشروعة .
،( ٤) انظر : الأحكام السلطانية للماوردي ( ٢٤٨ ) ، والأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء ( ١٩٣ )
٢٦
امٌ وآدابٌ لا ك أحك ع ذل وي . ولجمي دي النب من السعي في إماتتها وفي إنعاش السنة واله
ى ر دِّ عل ين ال قُ ب ا : التفري ن أهمه ا( ٢) . م ى عليه ينبغي أن تُتجاوَزَ ، ولا يجوز أن يُبغ
رّد سلم بمج ب للم ق الواج ن الح ة ع دم الغفل أوّل ، وع ه المت ن قائل فِ م ول والموق الق
دة ن قاع ل ع ذر ، وأن لا نغف ر ع ذرٍ أو بغي أ بع و أخط سلمين ول ة الم ى بقي لام عل الإس
الدعوة إلى الله تعالى ، وهي أن تكون بالحسنى ؛ وأن لا ننسى أبدًا بأن القناعات لا تتبدّل
إلا بالأدلة ، دون قسرٍ عليها ولا إرهابٍ .
رابعًا : الموقف من القائل :
ا. ل مباحً سلم إذا فع أما الموقف من صاحب الاختلاف السائغ : فهو الموقف من الم
ا اص . آم شتم أو انتق ه ب اول علي لا يجوز أن يُعنّفَ ، ولا أن يُنكر عليه ، فضلا عن يُتط
لا يُلزمُ بغير القول الذي مال إليه ، سواء أمال إليه اجتهادًا أو تقليدًا .
ائغ ، رَ س أً غي أ خط ن أخط ماء م شهير بأس ي الت ي ^ ف نة النب ان س بق بي د س وق
ى سائغ أول أ ال ا أن الخط م ذآرن ه . ث يهم بدون وأنه ^ آان يتجنّبُ ذلك ، ما أمكن الردُّ عل
بمثل هذا التعامل ، وهو آذلك ولا شك .
ر ، هٍ آخ ن وج ه م يٌ علي اك بغ ون هن ن يك ه ، لك ردود علي مُ الم رُ اس د لا يُذآَ وق
را دُّ) سمِّه ال م يُ ذي ل ة (ال ل المقال ف قائ ه ، بوص ى مقالت ردِّ عل ن ال ه أذىً م صل ل ويح
را دُّ: ول ال أن يق الى . آ ن الله تع ي دي ا ف م قائله بأوصافٍ لا يستحقُّها شرعًا ، ولا هو حُك
، « دع الٌّ مبت ا ض قائله » : ول لا . أو يق ةً أص ولا تكون المقالةُ آُفريّ ، « قائل ذلك آافر »
ع م ، « لا يقول بها إلا جاهل لا علمَ لديه » : ولا يكون ذلك من لوازمها شرعًا . أو يقول
ي ردِّ ف صَدَّى لل ن تَ ذرْ م أن الواقع يكذِّبُه ، من جهة أن بعضَ قائليها علماءُ جِلّ ةٌ( ٣) . فليح
. (١٠٩/ ١٥٤ ) ، والفروع لابن مفلح ( ١١ / والفقيه والمتفقه للخطيب ( ٢
، ( ١) انظر : الأحكام السلطانية للماوردي ( ١٥ ) ، والأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء ( ٢٧ )
. (٢٧٦- ١٨٩ رقم ٢٦٩ - والغياثي للجويني ( ١٨٤
٢) انظر مقالة (التعامل مع المبتدع : بين ردّ بدعته ومراعاة حقوق إسلامه) ، لي ، ففيه تأصيلٌ )
لهذا الأمر .
٣) وأنبّهُ هنا : أنه ليس من المنهيِّ عنه وَصْفُ المخطئ بأنه قد جهل تلك المسألة ؛ إذ إن مجرّدَ )
٢٧
مسألةٍ ما ، وخاصة في مسائل الاختلاف السائغ ، من أن يتجاوز في ردِّه بالاعتداء على
الى (? ? گ گ گ گ ڳ ڳ ڳ ڳ ڱ ال الله تع د ق ذائهم ، وق سلمين وإي الم
ن ه م اء في ذي ج ر ، ال ةَ التكفي ذاء درج ڱ) [الأحزاب : ٥٨ ]. فكيف إذا بلغ الإي
الوعيد ما لم يأتِ في غيره من أنواع أذى المسلمين .
ذا ي ه سائغ ، فف تلاف ال ن الاخ فإذا عُدنا إلى استكمال الموقف من صاحب القول م
،« اد سائلِ الاجته ي م ارَ ف لا إنك »: ةَ شهيرةَ القائل ارتَهم ال اءُ عب ق العلم تلاف أطل الاخ
ويعنون بها مسائلَ الاختلافِ السائغ .
قُّ فَحَ » : ويقول الإمام أبو العباس القرطبي (ت ٦٥٦ ه) في المختلفَين اختلافًا سائغًا
ه ، ولا ر ، ولا يلوم ى الآخ رِّب عل ه ، ولا يُثَ ر ل ا ظه ى م صيرَ إل دٍ أن ي لِّ واح آ
. (٢)«( يجادله( ١
ال ه ، ق سوغ خلاف ا ي ى م اظرة عل ي المن اء ف ض الفقه ن بع ل م وع الخل ولكثرة وق
ى صم إل دعوة الخ اظرون ل اء يتن عَفَةِ الفقه ن ضَ ةً م ر أن جماع لا ننك » : الإمام الغزالي
صيبون ، وأن م الم سهم أنه ي أنف ادهم ف ل لاعتق دٌ ، ب صيب واح نهم أن الم ال ؛ لظ الانتق
ذلك . روع ؛ ل خصمهم مخطيءٌ على التعيين ( ٣) . أما المُحَصِّلون فلا يتناظرون في الف
لكن يعتقدون وجوبَ المناظرة لغرضين ، واستحبابَها لستّةِ أغراض:
أما الوجوب ، ففي موضعين :
تخطيئه مستلزِمٌ ذلك التجهيلَ المقيّدَ .
١) المقصود بالجدل الذي يُنهى عنه في هذا السياق جدلُ الإنكارِ (آأنّ المجادَل قد أتى أمرًا )
منكرًا)، وآذلك جدلُ الإلزامِ بالتراجع عن الرأي ، وآلُّ جدلٍ لم يَتَحَلَّ بأدب الجدل العلمي.
أما النقاش العلمي ، الذي لا يأبهُ فيه آل طرفٍ أين يكون الحق : أآان عنده ، أم صار عند
الطرف الآخر ؛ لأن غرضَ المتجادِلِينَ جميعِهم معرفةُ الحقِّ والوصولُ إليه= فهذا مأمورٌ به
مرغوبٌ فيه مطلقًا .
. (٦٩٩/ ٢) المفهم للقرطبي ( ٦ )
-٤٠/ ٣) انظر الصياغة التي صاغ بها الونشريسي عبارةَ الغزالي هذه ، في المعيار المعرب ( ١٢ )
.(٤١
٢٨
ى ي معن ا ف ص أو م ن ن اطع م لٌ ق سألة دلي ي الم ون ف وز أن يك ه يج دهما : أن أح
ه ر علي و عُث م ، ول اط الحك ق من ي تحقي ه ف ازَعُ في ا يُتن اطعٌ فيم ي ق النص ، أو دليلٌ عقل
ذي اطعِ ال اءُ الق شف انتف ى ينك اظرة ، حت ةُ والمن ه المباحث اد . فعلي لامتنعَ الظنُّ والاجته
يأثمُ ويعصي بالغفلة عنه .
الثاني : أن يتعارض عنده دليلان ، ويَعْسُرَ عليه الترجيح ، فيستعين بالمباحثة على
أس صل الي ر إذا ح ا يتخيّ رُ ؛ فإنم ه يتخيَّ ى رأ يٍ) : إن ا (عل طلب الترجيح ؛ فإنا وإن قلن
عن طلب الترجيح ، وإنما يحصل اليأس بكثرة المباحثة .
وأما الندب ، ففي مواضع :
الأول : أن يُعْتَقَدَ فيه أنه معاندٌ فيما يقوله غيرُ معتقدٍ له ، وأنه إنما يخالف حسدًا أو
ن ه ع ه يقول يِّنَ أن ن ، ويب وء الظ صيةَ س نهم( ١) مع ل ع اظر ؛ ليزي كَدًا ، فين ادًا أو نَ عن
اعتقادٍ واجتهاد .
اظر؛ م ، فين يعلم جه لَه الثاني : أن يُنْسَبَ إلى الخطأ ، وأنه قد خالف دليلا قاطعًا ، ف
ليزيل عنهم الجهل ، آما أزال في الأول معصيةَ التُّهمة .
م ده ، ل ا عن سد م ى إذا ف اد ، حت ي الاجته هِ ف ى طريقِ صمَ عل هَ الخ ث : أن يُنَبِّ الثال
ده ، ا عن سد م ه ، إذا ف ع إلي دًا ، يرج ده عتي ه عن ان طريقُ ر( ٢) ، وآ م يتخي ف ، ول يتوق
. ( وتغيَّرَ فيه ظنُّه( ٣
ةٍ ن طبع وابه م أ ، وص وهو خط ، « ليزيل عن نفسه معصية سوء الظن » : ١) في الطبعة المعتمدة )
ة : ب العلمي ى : ١٤١٣ # . دار الكت ة الأول شافي . الطبع د ال سلام عب د ال د عب ق محم بتحقي
. (٣٨٥/ بيروت: ( ١
ولم »: ٢) آذا في الطبعتين (المعتمدة ، والمذآورة في الحاشية السابقة) ، والأوجه أن تكون )
بالحاء المهملة ، من الحَيرة والتردّد . ، « يتحيَّر
٣) المعنى : أنه يُستحبُّ للفقيه مناظرةُ الفقيه ، على أن يكون مقصودُ المناظِر بيانَ قوةِ اجتهاده، )
فإذا ما راجع الفقيهُ المناظَرُ نفسَه ، وأعاد التأمُّلَ في اجتهاده ، وظهر له ضعفُه ، وأنه قد أخطأ
فيه = لاحَ له اجتهادُ الذي ناظره اجتهادًا قائمًا ، واجتهادًا بديلا عن اجتهاده ، فلم يتوقّف في
اختيار قولٍ جديد ، ولم يتحيّر بين المذاهب ؛ لأن تلك المناظرة قد آشفت له أولى الأقوال
٢٩
الرابع : أن يعتقد أن مذهبه أثقل وأشدّ ، وهو لذلك أفضل وأجزل ثوابًا . فيسعى في
استجرار الخصم من الفاضل إلى الأفضل ، ومن الحقّ إلى الأحق .
الخامس : أنه يفيد المستمعين معرفةَ طُرُقِ الاجتهاد ، ويُذَلّلُ لهم مسلَكَه ، ويحرّكُ
ات ى الطاع دواعيهم إلى نيل رُتبةِ الاجتهاد ، ويهديهم إلى طريقه . فيكون آالمعاونة عل
، والترغيب في القربات .
دليل، ي ال ر ف رُ قِ النظ ذليلَ طُ صمه ت السادس (وهو الأه مّ) : وهو أن يستفيد هو وخ
صّل لام . فيتح ول والك ن الأص دٌ م ه واح قُّ في ا الح ى م يّات إل ن الظّنّ ى م ى يترقَّ حت
بالرُّجحان ، وأولاها بالاعتماد .
لاحظْ هذا اللطف في التعبير عن فكرةِ المناظرة وداعيها ، فلقد بلغت من اللطف إلى حدّ خفاء
معناها على محقِّقِ (المستصفى) الفاضل : د/محمد بن سليمان الأشقر ؛ حيث خطّأ الغزاليَّ في
بل المناظِرُ يبيّنُ وجهةَ » : أول تعليقه على هذا الكلام ، وختم تعليقه عليه في آخر آلامه بقوله
إلى آخر استغرابه من آلام الإمام ، «... نظره ومستنده في مذهبه ، ليقتنع ، فيغيّر اجتهاده
الغزالي .
وأنت تلاحظ أن الغزالي لا يعارضَ المناظرة من أجل أنها تعين على معرفة الحقّ واستجلائه
، لكنه يعارض أن يُقدم المتناظران بغرض أن يغيّرَ آل واحد منهما رأيَ الآخر ، وآأن المسألة
مقطوعٌ فيها بالحق . أما أن يقدما من منطلَقِ : قولي صواب يحتمل الخطأ ، وقول غيري خطأ
آما آان ، « ما ناظرتُ أحدًا قط فأحببتُ أن يخطئ » : يحتمل الصواب ، وأن يُقدما من منطلَقِ
الإمام الشافعي يقول = فلا يعارضها الإمامُ الغزاليُّ ، بل ها هو يستحبّها!!
وأتمنى من القارئ الكريم أن يعيد تأمل عبارة الإمام الغزالي ، ليظهر له بليغُ لُطفها وعظيمُ
دقّتها ، حتى في تصوير رجوع الفقيه عن اجتهاده ، بعد سماعه حُججَ الذي يناظره : فهذا
الرجوعُ في عبارة الغزالي ليس انكسارًا أمام الخصم ، وتلك الموافقة ليست هزيمةً بعد إفحامِ
المناظِرِ خصمَه ، ولا تقليدًا من الموافِقِ لخصمه ، ولا أنه بذلك قد تتلمذ عليه في هذه المسألة
!! لم يُرد الإمامُ الغزالي أن نفهم ذلك التغيُّرَ في الاجتهاد الذي قد يحصل عقب المناظرة على
هذا الوجه ، ولا أن يكون هذا هو تصوُّرُنا عنه . بل هو يريد منا أن نفهمَه على أنه قد حصل
للمتراجِعِ عن قوله اجتهادٌ جديدٌ مكانَ اجتهادِه القديم ، وأنه قد أعاد الفقيهُ النظرَ في اجتهاده،
وتغيّر رأيه فيه ، مستعينًا بالأدلة التي بدت له من تلك المناظرة !!
لو أقدم الناسُ على المناظرة بهذا الفهم ، ولو فهمها الناس على هذا المنحى : هل آان أحدٌ
سيصرّ على الخطأ خوفًا من معرّة التخطيء وانتقاصِ الاستجهال؟!!
٣٠
بالمناظرة نوعٌ من الارت ياضِ وتشحيذِ الخاطرِ وتقويةِ المُنَّةِ في طلب الحقائق ؛ ليترقَّى
ي شك ف به إلى نظرٍ هو فرضُ عينه ( إن لم يكن في البلد من يقوم به ، أو آان قد وقع ال
الم ن ع دٍ م ل بل ي آ د ف ة ؛ إذ لا ب ى الكفاي رضٌ عل أصل من الأصول ) ، أو إلى ما هو ف
بٌ و واج ه، فه ب إلا ب ى الواج ل إل ا لا يُتَوصَّ دين . وم ول ال مليءٍ بكشف معضلات أص
دى و إح ون ه واه ، فيك ق س ه طري ان إلي واه ، وإن آ قٌ س ه طري ن إلي م يك يّنٌ؛ إن ل متع
خصال الواجب . فهذا (في بعض الصور) يلتحق بالمناظرة الواجبة .
ن ون م ين يطلب رّين ، ح ضعفاء المغت صِّلين ، دون ال اظرات المح د من ذه فوائ فه
و ه ل ه ، وأن ى ظن ب عل ا غل الخصم الانتقالَ ، ويُفتونَ بأنه يجب على خصمهم العملُ بم
رُ اقُضٌ أظه مِ الله تن ي عالَ ل ف مَ ، وه صى وأثِ سِه ع ادِ نف لاف اجته ى خ ه عل وافق
.(١)«!؟ منه
ب سلم إذا ارتك ن الم ف م أما الموقف من صاحب الخلاف غير السائغ : فهو الموق
. ( أمرًا محرّمًا يغلب على الظن تأوُّلُه فيه . فنصيحته واجبة ، ما أمكن ذلك( ٢
صيحة ، د الن سائغ بع ر ال لاف غي احب الخ ن ص ف م ب الموق ة جوان ثم تختلف بقي
ر سب أث ل ) . وبح ك آالجاه ي ذل الم ف يس الع لاف (فل بحسب مكانة الذي صدر منه الخ
مقالته على الحق وأهله (فليست المسألة العظيمة في إفسادها آالتي لا تبلغ حدَّها فيه) .
لُ: يأتي ) ، والعق شرعُ (وس راتبهم : ال سب م اس ح والأصل في هذا التفريق بين الن
ين وازن ب أن لا ن ول ب ل العق ا لا تقب ساويين ، آم ر المت ين غي ساواة ب وّزُ الم ذي لا يُج ال
ا ت عليه ن غلب سناتُه وم ه ح ى أعمال ت عل ن غلب ين م حسنات وسيئات المرء ، لنفرّق ب
سيئاتُه.
ه اختلاف حال وبذلك نعلم أن مَنْ وقع منه القولُ غيرُ السائغ يختلف التعامل معه ب
جِيزُ سب ، ولا يُ شتم وال ه بال لُهُ عِرْضَ : فإن آان من أهل العلم والفضل ، فلا يُبيحُ زَلَ
. (٤٢٤-٤٢٢/ ١) المستصفى للغزالي ( ٢ )
. ( ٢) سبق الحديث عن ذلك ، فانظره ( ٢٢ )
٣١
شذوذُه في رأيٍ تنقُّصَه والاستهانةَ به ، ولا هو بالأمر الكافي لإسقاط ذلك العالم وعدم
قبول الحقّ والخير الذي عنده .
ذوذات ن ش ار وم اء الكب ن زلات العلم ذير م ي التح ة ف اراتٌ للأئم بقت عب د س وق
م ةً ، ول اءَ وأئم ه علم انوا علي ا آ ى م ك عل الأئمة الأعلام ؛ فما زالوا مع وقوعهم في ذل
دِ لا لِ ومزي يمِ الإج رَ عظ يهم غي دٌ ف از أح يئًا ، ولا أج ر ش ضلهم الكبي يُنقصهم ذلك من ف
التوقير .
رُ آما أن أحدًا لو أراد الطعن في عالِمٍ لشذوذِ رأيٍ له في مسألة ، فلن يصفوَ له آبي
دٌ المٌ مجته و ع لا يخل إلى يوم الناس هذا ؛ ف .. أحدٍ من أئمة الدين ، من لدن الصحابة
قوطً ا: رأيٍ س ا، و ب مكثرٌ من الفتوى من خطأٍ آبيرٍ وقولٍ قد لا يسوغ!! وآفى بقولٍ بطلانً
ذه لَفِ ه ن سَ هُدى م لامِ ال قاطَ أع ةً ، وإس لام قاطب ة الإس ى أئم نُ عل أن يكون مآلَه الطَّع
الأُمّة وخَلَفِها!!!
إِنَّ » : ال ه ق أن ومن عبارات السلف عن هذا الأدب : ما صحَّ عن معاذ بن جبل
افِقُ مُؤْمِنُ والمن ذَهُ الْ ى يَأْخُ رْآنُ ، حت ا الْقُ تَحُ فيه ال ، وَيُفْ ا الم رُ فيه ا يَكْثُ مْ فِتَنً ن وَرَائِكُ م
اسِ ا لِلنَّ ولَ : م لٌ أَنْ يَقُ وَالرَّجُلُ وَالمرأَ ةُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ ، وَالْعَبْدُ وَالحُرُّ . فَيُوشِكُ قَائِ
دَعُ؛ ا يُبت لَا يَتَّبِعُونِي ، وقد قرأت الْقُرْآنَ ؟ ! ما هُمْ بِمُتَّبِعِيَّ حتى أَبْتَدِعَ لهم غَيْرَهُ ! فَإِيَّاآُمْ وم
ى ضَّلَالَةِ عل ةَ ال فإن ما ابْتُدِعَ ضَلَالَةٌ . وَأُحَذِّرُآُمْ زَيْغَةَ الحكِيمِ ، فإن الشَّيْطَانَ قد يقول آَلِمَ
لِسَانِ الحكِيمِ، وقد يقول المنافِقُ آَلِمَةَ الح قِّ. فقال يزيد بن عَميرة (راويه عن معاذ): قلت
ول د يق افِقَ ق ضَّلَالَةِ ، وَأَنَّ المن ةَ ال لمعَاذٍ : ما ندري (يرحمكَ الله ) أَنَّ الحكِيمَ قد يقول آَلِمَ
ذه؟ !! ا ه ا : م الُ له آَلِمَةَ الحقِّ ! قال : بَلَى، اجْتَنِبْ من آَلَامِ الحكِيمِ الْمُشْتَهِرَا تِ، التي يُقَ
قِّ ى الح إن عل هُ ؛ ف قَّ إذا سَمِعْتَ قَّ الح عَ ، وَتَلَ هُ أَنْ يُرَاجِ ه لَعَلَّ ولا يَثْنِيْكَ ذلك عنه ؛ فإن
. (١)« نُورًا
دة ، رُقٌ عدي اظٌ وطُ ه ألف ر ل ل الخب حيح . وأص ناد ص م ٤٥٩٦ ) ، بإس و داود (رق ه أب ١) أخرج )
ه : ر تخريج ٤٦٦ ). وانظ ،٤٦٠ /٤) (٩٨/ منها ما صححه ابن حبان (رقم ٧١٦٥ )، والحاآم ( ١
. (١٣٣/ في حاشية الموافقات للشاطبي ( ٥
٣٢
ه ه ؛ فإن ك عن ك ذل ولا يثني »: ه و قول ل ، ه ر الجلي ذا الأث ن ه وموطن الشاهد م
ه . ر بملازمت ل أم فلم يأمر بهجر العالم إذا زلّ الزلل الكبير في فتواه ، ب ، « لعلّه يُراجع
ا ي مٌ) ، آم ه (حك و أن ريم : وه ف الك ذا الوص وفًا به وما زال بعد وقوعه في الزلل موص
آان موصوفًا به قبل وقوعه فيه!
ن شنعُه م ا يست ةً لم دما أوردَ أمثل ومن ذلك أيضًا : ما نراه عند الإمام الشافعي ، عن
مُفْتِي مُ تْعَةِ ، وَال احِ ال سْتَحِلُّ لِنِكَ وَالمُ » : ال الأقوال، مبيِّنًا الموقفَ منها ومن قائليها ، فق
سْتَحِلا ةً مُ نَكَحَ أَمَ رًا ، فَ ان مُوسِ و آ ذَلِكَ ل هَادَتُهُ . وَآَ رَدُّ شَ ا تُ ن لَ بها ، وَالعَامِلُ بها = ممّ
ذا . سْتَحِلُّ ه ن يَ امِهِمْ م اسِ وَأَعْلَ ي الن ن مُفْتِ دُ م ا نَجِ شْرِآَ ةً( ١) ؛ لِأَنَّ سْلِمَةً أو مُ لِنِكَاحِهَا ، مُ
دُ ا نَجِ وَهَكَذَا المُسْتَحِلُّ الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَالدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ ، يَدًا بِيَدٍ ، وَالعَامِلُ بِهِ ؛ لِأَنَّ
ي سَاءِ ف انِ النِّ سْتَحِلُّ لِإِتْيَ ذَلِكَ المُ من أَعْلَامِ الناس من يُفْتِي بِهِ ، وَيَعْمَلُ بِهِ ، وَيَرْوِيه . وَآَ
وْلِهِمْ ، ن قَ ا ع ه ، فَرَغِبْنَ أَدْبَارِهِنَّ = فَهَذَا آُلُّهُ عِنْدَنَا مَكْرُوهٌ مُحَرَّمٌ ؛ وَإِنْ خَالَفَنَا الناسُ في
م أْتم ؛ لأنه رَّمَ الله ، وَأَخْطَ ا حَ ولم يَدْعُنَا هذا إلَى أَنْ نَجْرَحَهُمْ ، وَنَقُولَ لهم : إنَّكُمْ حَلَّلْتُمْ م
لَّ الله ا أَحَ رَّمَ م هُ حَ يَدَّعُونَ عَ لَيْنَا الخَطَأَ آما نَدَّعِيه عليهم ، وَيَنْسِبُونَ من قال قَوْلَنَا إلَى أَنَّ
. (٢)«
م) أن ةَ عل اءَ وطلب صرنا (علم ل ع ن أه تلاف م سائل الاخ ي م ائضٍ ف ل خ ى آ وعل
ا ة رب ن إ باح ه الأول : م ي آلام ة ف شافعي ، خاص ام ال ا الإم ي ذآره ة الت ينتبّهوا للأمثل
روفين رين مع الفضل ، ونكاح المتعة ، وإتيان النساء في أدبارهنّ ؛ فلو أن فقهاءَ معاص
ا م آم ون له يقول المعارض بالعلم والفضل أوصلهم اجتهادُهم إلى شيءٍ من ذلك ، هل س
رَّمَ ا حَ تُمْ م مْ حَلَّلْ م : إنَّكُ ولَ له رَحَهُمْ ، وَنَقُ لم يَدْعُنَا هذا إلَى أَنْ نَجْ » : قال الإمام الشافعي
نَا ال قَوْلَ ن ق سِبُونَ م يهم ، وَيَنْ ه عل ا نَدَّعِي أَ آم الله ، وَأَخْطَأْتمْ ؛ لأنهم يَدَّعُونَ عَلَيْنَا الخَطَ
ى رَ عل ا أغْيَ ي زمانن دُنا ف أم من المحتمل أن يكون أح !؟ « إلَى أَنَّهُ حَرَّمَ ما أَحَلَّ الله
ستوجبه ا ي ة بم ك الأئم ن أولئ رف م ه أع شافعي)؟!! أم أن سلف (آال ة ال ن أئم دِّينِ م ال
الموقفُ من الاختلاف غير السائغ ؟!!
.[ ١) لأنه مخالفٌ للآية ( ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ? ? ژ ژ ? ? ? ? ? ? ) [النساء: ٢٥ )
. (٥١١/ ٢) الأم للشافعي ( ٧ )
٣٣
وهناك أمثلة عديدة ذآرتها في أصل هذا المقال .
ر ، ر المعتب ر وغي تلاف المعتب ع الاخ ذه الآداب م وللقارئ أن يتصور أثر التزام ه
وآم سيكون حال الوسط العلمي أآثر سخاء وعطاء وصفاء لو لم تحصل مخالفتها فيه .
٣٤
وخلاصة المقال ما يلي :
تلاف اب آداب الاخ باب غي ر أس ن أآب تلاف م وع الاخ ي موض ي ف ١- أن نقص التأصيل العلم
عن الممارسات العملية .
٢- أن الاختلاف في الشريعة منه ما هو اختلافٌ معتبر ، وغيرُ معتبر .
٣- لاعتبار القول وسواغه شروطٌ خمسة ، مرجعها إلى ثلاثة أمورٍ :
• أن يكون القول صادرًا ممن له حقُّ الاجتهاد .
اع ، الف الإجم لا يخ ه : (ف ي دلالت ةِ ف حِ القطعيِّ • وأن لا يكون قولُه مخالِفًا لدليلٍ ثابتٍ واض
ولا يخرج عن مجموع أقوال السلف ، ولا يخالف دليلا ثابتًا واضحَ القطعية في دلالته) .
• وأن يكون صادرًا عن أصلٍ معتبرٍ .
٤- الموقف من الاختلاف السائغ :
• الترجيحُ فيه ظنيٌّ غالبًا ، وإن قُطع به أحيانًا ، فلا يكون واضحَ القطعية .
• هو اختلافٌ مباحٌ .
دًا ، ادًا أو تقلي ه اجته ذ ب وز الأخ ه ، ويج ه ، ولا منع دٍ بترآ زام أح اره ، ولا إل وز إنك • لا يج
ويجب أن يُراعى بعد الوقوع فيه ، ولا يُنقَضُ الحكم به .
ار ى الإنك • لا يحق لأحدٍ أن يُنكر على الآخذ به اجتهادًا ولا تقليدًا ، ولا أن يناصحه على معن
تثارةِ ثِ واس ى التباحُ ى معن اء عل ين العلم ه ب اقش في ستحبُّ التن ن يُ ه . لك زام بترآ ولا الإل
الفوائد .
• لعامة ذلك استثناءات ، هي خلاف الأصل فيه .
٥- الموقف من الخلاف غير السائغ :
• الحكم فيه واضحُ القطعيةِ بتصويبِ قولٍ وتخطيءِ قولٍ .
• هو اختلاف محرّم ممنوع .
ه ذ ب لانِ الأخ ع إع اآم من ى الح • يجب إنكاره ، والتحذير منه ، ويُنقضُ الحكم به ، ويجب عل
اجتهادًا أو تقليدًا ، ما دام منعُ إعلانه مقدورًا عليه .
٣٥
اة احبه، بمراع ستحقُّه ا ص ي ي ار الت ة الإنك زام بمرتب وب الالت ع وج ه ، م ل ب ى القائ • يُنكَرُ عل
ه درجة إعذاره ، ومكانته في العلم والفضل ؛ فلا يلزم من الإنكار عليه إسقاطُه والتحذير من
.
• لعامة ذلك استثناءات ، هي خلاف الأصل فيه .
W א
١- إشاعة روح التسامح مع فكرة الاختلاف ، و أنه لا بُدّ من الإقرار بضرورة التعايش معه ،
على أنه واقعٌ قدريّ ، ومنه ما هو شرعي .
ا ٢- تنظيم علاقة الناس بالاختلاف ، من خلال ذآر الطرائق المتعدّدة للتعامل معه، والتي إنم
تعدّدت بسبب تباينِ أنواعه ودرجاته .
واهم . ن س دهم ، دون م ص ين وح شريعة المتخص اء ال ا لعلم ٣- إبرازُ مرجعيةِ الإفتاء ، وأنه
بابٍ ع لأس ا وق ا فيه تلاف علمائه ا ، وأن اخ اهي عُمقه شريعة وتن وم ال ة عل ار عظم لال إظه ن خ م
وم ة العل اء بقي اختلاف علم طبيعية ، لا لنقص علم المختلِفين ، ولا لضعف انضباط علومهم ، وأنه آ
.
الخلاف سمح ب سائغ ، ولا ن ٤- ضرورةُ ضبطِ الاختلاف (لا منعه ) ، بأن نسمح بالاختلاف ال
تلافٍ ة أيّ اخ ي م حاآم ا ف غير السائغ . من خلال بيان ضوابط سَوَاغِ القول ، والتعاون على التزامه
وقع ، أو سيقع.
سائغ ٥- وجوب تحكيم الشرع (نقله وعقله ) في موقفنا من الاختلاف بقسميه : السائغ وغير ال
. وأن يكون العلماء قدوةً للناس في هذا المجال ، ليتأدب الناس بأدب الاختلاف عمليا .
يعُ ا توس ب علين ؤهّلين : يج ين الم ن المفت رٍ م ددٍ آبي ودِ ع ٦- مع الحاجة البالغة للأمة إلى وُجُ
ة دائرة الإفتاء لكل من تحقّقت فيه شروطُه ، وعدم محاولة احتكار الفتاوى في : ذوي المناصب الديني
يم دون ي إقل ة ، أو ف ة دون طائف ي طائف ، أو أصحاب الشهادات ، أو مذهبٍ فقهي دو ن مذهب ، أو ف
آخر ؛ ما دام يُوجدُ في غيرهم من هو أهلٌ للإفتاء واجتمعت فيه شروطُه .
٣٦
ي ٧- دعوةُ دُورِ الإفتاء وهيئاته ومجامعه في بلاد المسلمين بحلّ معضلة اختلاف المفتين الت
ا رت أخطارُه أشكلت على عموم المسلمين ، بأن ينقذوا المسلمين من سلب يات الاختلاف، التي قد ظه
اليب ام أس دم قي ضاياه ، أو لع ض ق ة بع دم معالج سبب ع ان ؛ ب حةً للعي دُها واض دو مفاس دأت تب وب
العلاج الموجودة بحاجة المسلمين الواجبة .
ادة ن الإف سلمين م هذه هي أهم نتائج هذا المقال ، الذي لا حرمني الله أجره ، ولا منع عمومَ الم
منه.
والله أعلم .
والحمد لله ذي الجلال ، والصلاة والسلام على رسوله وأزواجه والآل .
وآتب
الشريف حاتم بن عارف العوني