مقالة
"سنصدع بالحق" للشريف حاتم العوني
دراسة تحليلية
حتى نكون أكثر جدية في التعامل مع الواقعة، وأكثر إصلاحاً من الناحية العملية، فأجد أنه لو تم تحليل المقالة إلى ثلاث مجموعات يرتفع النزاع بإذن الله:
· نقاط إيجابية.
· نقاط جديرة بالتأمل، ويحتملها الاجتهاد.
· نقاط جديرة بالمراجعة من قبل صاحب المقالة.
وسأقتصر إجمالاً على ذكر النقاط الإيجابية وأفصل فيما يؤخذ على المقالة؛ لأنه هو المهم بنظري.
أولاً: النقاط الإيجابية:
· التنبيه على التحجر الواقع في تسويغ الخلاف.
· الصدع بالحق.
· الشجاعة في الدعوة إلى المراجعة.
· مواكبة العمل الإصلاحي للدولة بما لا يعطل برامجها.
ثانياً: يؤخذ على المقالة ما يلي:
1- اللهجة المقهورة:
فلهجة المقالة توحي بأن الشيخ كان مقهورا مغلوباً على أمره، فانتفض بهذا المقال، وأخبر الناس أنه سيصدع بالحق.
الشيخ فعلا كان مقهور وبين السبب بكلامه الاتى من المقال
ولكننا استمررنا بالتلطُّفِ في المخالفة إلى حدِّ العجز عن الإصلاح، وإلى حد ضعف التأثير، وكنا نسوّغ هذا العجز والضعف بعدة أمور، نال كلَّ واحدٍ منا نصيبٌ منها، وهي:
1- إما مجاملة للمشايخ والتيار المتوقّفِ عند اجتهاداتهم فقط، وتطييبًا لخاطرهم على حساب الإصلاح الديني! وهذه معصية لا يجوز أن تستمر؛ لأن مصلحة الدين تستوجب عدم فعل ذلك.
2- وإما رضوخًا لفكرةِ أنه لا داعي للفَتِّ في عضد المؤسسة الدينية الرسمية، وذلك من باب تقديمِ دَرْءِ مفسدةٍ أكبر بأخفّ. ولكن أثبتت الأيام أن تقدير أصحاب هذا التبرير للمفاسد والمصالح كان منكوسًا.
3- وإمّا من باب تحميل المؤسسة الدينية الرسمية مسؤوليةَ الإصلاح والتأثير, ولو برأيٍ فقهيٍّ مرجوحٍ صادرٍ منها (فالاجتماعُ على الرأي المرجوح خير من التفرق على الرأي الراجح), ولو مع مبالغةٍ من المؤسسة الدينية الرسمية في استخدام قاعدة سدّ الذرائع (الصحيحة في أصلها), ولو مع ضعف إدراك بعض أعضائها لحاجات المرحلة, ولو...! ولكن توالت خسائرنا الإصلاحية؛ لأننا بذلك قد حمّلنا المؤسسةَ الدينية الرسمية فوق طاقتها, بسبب المبالغة في تقدير حجم التأثير المتوقَّعِ لها. ولذلك تجاوزها القرارُ السياسي, الذي لا يمكنه إلاّ أن يواكب الـحَدَثَ وأن يتعايش مع الواقع, إن أمكنه ذلك بالمؤسسة الدينية (وهذا ما يتمناه), أو بدونها (وهذا ما لا يتمناه).
4- وإمّا أَخْذًا منا بنصائح الناصحين والمحبين, بتأخير بعض الآراء إلى وقتها المناسب. ولكننا أخطأنا في قبول تلك النصائح غير الموفَّقة, والتي لا تحدّد الزمنَ المناسب أبدًا, ولا تريد أن تحدّده؛ لأنها لا تريد إلاّ الاستمرار في الصمت. وقد تبيّنَ مؤخرًا أن الوقت المناسب إن لم يكن قد تجاوَزَنا, فهذا هو أوانُه المؤكّد والحاسم.
فهل آن أوانُ الصدع بالحق, والإعلان عن اجتهاداتنا الفقهية بالصوت المرتفع, وبالصوت المرتفع وحده؟
وهل آن الأوان لِنُشِيْعَ بين الناس أن الإصلاح الديني ليس محصورًا في المؤسسة الدينية الرسمية وحدها, بل قد يكون تَحَقُّقُ الإصلاح الديني في اجتهاداتٍ آتيةٍ من خارج المؤسسة الدينية الرسمية؛ لأن تلك الاجتهادات الآتية من خارجها قد تكون هي الأرجح, أوهي الأصلح لزمننا؟
لا أشك في أن هذين السؤالين التقريريين جوابهما هو: نعم, لقد آن الأوان, أو نرجو أن نستطيع إدراك أوانه الذي قد فات.
ليت الشيخ صدع بالحق، مع غير أن يثير على نفسه أو يشير إلى أنه الآن يصدع بالحق.
الموقع* ألا تكفي المناصحة أو النقاشات العلمية المغلقة؛ حتى لا تضيع هيبتهم أمام العامة؟
الشيخ -المقال ليست نصيحة، حتى تكون سرا، لكنه بيان لواقع، يجب أن يدركه عموم المسلمين، وطلبة العلم والدعاة على رأسهم، وهذا البيان يقول: “إن الإصلاح والإفتاء، يجوزان من كل عالم مؤهل صالح لذلك، فلا يصح أن نجعل اجتهادها مسقطا لاجتهاد عالم آخر، ولا أن نعتبر أي إصلاح شرعي لا يرتضيه بعض العلماء ليس شرعيا لمجرد أنه يخالفهم”، وللأسف كان هذا هو المعمول به، حتى أصبح بعض العلماء حجر عثرة تجاه بعض الاجتهادات الشرعية الإصلاحية.
ليت الشيخ خالف لكن من غير أن يقل: إني أخالفكم، فإن المخالفة شيء والمنابذة شيء آخر تماماً
الموقع في النهاية بماذا تريد أن تختم حديثك؟
الشيخ يتبين من مقالي ومن هذا الحوار أني لا أريد إسقاط بعض أهل العلم، ولا أقدر على ذلك، حتى لو أردت، ولا يجوز لي أن أقصده، فهم علماء فضلاء، ولهم جهودهم الكثيرة المشكورة، ولن يفهم أحد أن مقالي إسقاط؛ إلا من يرى أن مجرد تخطيئهم، أو مجرد ألا أحصر حق الإصلاح والإفتاء فيهم، أني بهذين الأمرين أسقطهم، كل ما في الأمر، هو أن يعلم أعضاؤها الفضلاء، وعموم الناس أن خلافهم ليس دائما خلافا للدين، ما دام اختلافا معتبرا، ومن ثم: فلا يصح أن تُصادر الاجتهادات الإصلاحية لمجرد أنها لم تخرج من علماء محددين، أو لأنها اجتهادات قد خالفوها.
ومع ذلك كله، فإني أعلن هنا: أني مستعد لإعلان أني قد أخطأت في هذا المقال، إن أثبت لي أحد أني مخطئ فيه حقا، وحينها أرجو أن يعفو الله عني إن سببتُ به مفسدة أكبر من المفسدة التي قصدتُ دَرْءَها، فما أردت إلا الإصلاح ما استطعت، وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء.
كنت أعتزم كتابة مقالة يصب في مقصد الشيخ مرامه، وأسست لها عنوانا: "إذن يشدخوا رأسي!!"
يفيد أن الإنسان إذا وثق من قدراته واستكمل عدته فلا بد أن يكون طرحه مناسباً من القوة والتصميم وإلا شدخوا رأسه، وفلقوا يافوخه!.
قال الشيخ فى حواره مع الموقع
ومع ذلك كله، فإني أعلن هنا: أني مستعد لإعلان أني قد أخطأت في هذا المقال، إن أثبت لي أحد أني مخطئ فيه حقا، وحينها أرجو أن يعفو الله عني إن سببتُ به مفسدة أكبر من المفسدة التي قصدتُ دَرْءَها، فما أردت إلا الإصلاح ما استطعت، وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء.
لكن لم أفكر يوماً ما أن أدرج فيه أي صدام مع أي جهة ما ولا أن أستعدي طائفة معينة، ولا أن أدخل في متاهات التمثيل والمسائل الشائكة التي ربما أفسدت الغرض الأساس منه، كما حدث في مقال الشيخ الكريم.
2- التوقيت:
إذ جاءت المقالة بعد انتصار ليبرالي ساحق، واجتماع غير مسبوق للإسلاميين، وقد كانت مقالة الشيخ استفتاح لأول خرق داخل الصف الإسلامي، فلو تركنا ننعم قليلاً بهذه الفرحة ولو كانت مؤقتة
قال لشيخ فى حواره مع الموقع
.
الموقع* لماذا جاء توقيت المقال في الوقت الجاري ولم يكن في عهد الشيخ ابن باز مثلا؟
الشيخ هذا التوقيت بالذات؛ لأننا نمر بمرحلة تغيير كبيرة، لو كان الشيخ عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ موجودا واضُّطررنا إلى مواجهته بهذا الكلام ـ كما اضطررنا إليه الآن ـ لقلناه، فهل أدرك الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ ما نعيشه اليوم بعد وفاته بعشر سنوات؟ وهل أدرك ما تعرضنا فيه لشتى المؤثرات القوية والتحولات العميقة في المجتمع وفي نمط الحياة؟ فليست القضية مرتبطة بشخصه، لكنها مرتبطة بتغيُّر المرحلة.
وبعبارة أخرى موجة التغيير إذا بدأت، ركبها المفسدون؛ ليفسدوا، وركبها المصلحون؛ لكي يصلحوا، والتخلّف عن ركوبها سيكون أثمن هدية للمفسدين؛ لأنهم سيستحوذون عليها، وستكون لهم وحدهم، وأكبر مشكلة عندما يكون أهل الصلاح لا يعرفون شيئا عن تلك الموجة، ولا يزالون يعيشون على آثار موجة تبددت على صخرة الماضي منذ زمن، فلا ينتبهون؛ إلا والموجة الجديدة قد جرفتهم خارج ساحة التأثير
3- إخراج المسائل عن مسارها الفقهي إلى مسارات خطيرة وخلافات جذرية.
الشيخ صرح بأن الخلل فى المنهج {ثلاث مرات فى
4- الاقتصار على علاج جزئية معينة في الهيئة وهي "مصادرة الخلاف السائغ" لا علاج المؤسسة نفسها.
5- تحميل"مصادرة الخلاف السائغ" جهة الإفتاء الرسمية مع أنها إنما تفسر تكويناتهم العلمية لا أقل ولاأكثر وهو يمثل اتجاها عريضاً، يبقى السؤال: لماذا كان هؤلاء بالذات هم أعضاء هيئةكبار العلماء، هذا السؤال لا دخل لهم به، وإنما تسأل الجهة المعينة لهم، أقول هذا من خلال دراسة مفصلة للاتجاهات الفقهية المعاصرة، وإن كنت أظن ظناً جازماً أن التكوين الجديد لهيئة كبار العلماء يحمل تغيير جذريا لتبرز أصحابه، وتعدد مذاهبهم، وهو مقصد واضح للمؤسسة الرسمية، وقد صرحوا بذلك؛ إذن الشيخ إنما يتحدث عن المكونات القديمة للهيئة
لالالا الشيخ نفى ذلك فى حواره مع الموقع فى النقل السابق .
6- مصادرة صاحب المقالة مسائل من "الخلاف السائغ" بما ينقض دعواه حرفاً بحرف.
7- قصر المشكلة بين شخصه وشخص الهيئة مما رتب على ذلك ذكر أمثلة ضعيفة الارتباط، وهناك ما هو أولى منها وأوضح.
8- تحميل المؤسسة الدينية –لوحدها- تبعة التهميش، فهو التفت إلى المهمَّش وترك المهمِّش، اقتصر في الكلام على مكونات الهيئة ، وأعرض عن الكلام عن التكوين نفسه.
هو انتقد الخطأ ولم ينفى ان غيرهم مخطئين من الليبراليين والحكومة والسعب
9- الحيدة عن العلاج الجذري للمؤسسة نفسها، وهذا تراجع في مقدار الصدع بالحق، فإن كان يحس الظن؛ فإن أهل العلم أولى بإحسان الظن لاسيما أن كثيرا من أعضاء الإفتاء الرسمي في بلاد المملكة معروفون بالديانة وأنهم لا يصدرون إلا عن ذلك؛ فلم التفريق؟ إن من أراد أن يصدع بالحق فلا بد أن يعد للمقام عدته وإلا فالسكوت أسلم.
سبق ان نقلت رجاء الشيخ فى ظهور من يبين له خطئه ليتراجع
وخلاصة ما كتبت: لقد رام الشيخ صوابا وأخفق إفصاحا.
وما دام أن المقال لم ينشر إلا على الشبكة، وقد أتت الملاحظات من قبل من يتفق مع الشيخ في أصل فكرته، وهوفي الحساسية بمكان:
فليت الشيخ يعيد النظر في صياغة مقاله بما يحقق الغرض ولا يثير البلبلة.
وكتب فؤاد بن يحيى بن هاشم
4/11/1430هـ.
وجزاكم الله خيرا