هشام بن محمد البسام
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 22 مايو 2009
- المشاركات
- 1,011
- الكنية
- أبو محمد
- التخصص
- شريعة
- المدينة
- الدمام
- المذهب الفقهي
- حنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
عن أَبي جُحَيْفَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لا آكُلُ مُتَّكِئًا )) رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح:
وَكَانَ سَبَب هَذَا الْحَدِيث: قِصَّة الْأَعْرَابِيّ الْمَذْكُور فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بُسْر عِنْد اِبْن مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَن قَالَ " أَهْدَيْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاة فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُل, فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيّ: مَا هَذِهِ الْجِلْسَة ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّه جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا عَنِيدًا ".
قَالَ اِبْن بَطَّالٍ: إِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ. ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ طَرِيق أَيُّوب عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: " أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَك لَمْ يَأْتِهِ قَبْلهَا فَقَالَ: إِنَّ رَبّك يُخَيِّرك بَيْن أَنْ تَكُون عَبْدًا نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا نَبِيًّا, قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى جِبْرِيل كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ, فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ تَوَاضَعْ, فَقَالَ: بَلْ عَبْدًا نَبِيًّا. قَالَ فَمَا أَكَلَ مُتَّكِئًا " اهـ. وَهَذَا مُرْسَل أَوْ مُعْضَل.
وَقَدْ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق الزُّبَيْدِيّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ اِبْن عَبَّاس يُحَدِّث فَذَكَرَ نَحْوه.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ قَالَ: " مَا رُئِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُل مُتَّكِئًا قَطُّ ".
وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ مُجَاهِد قَالَ " مَا أَكَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا إِلَّا مَرَّة ثُمَّ نَزَعَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدك وَرَسُولك " وَهَذَا مُرْسَل.
وَيُمْكِن الْجَمْع: بِأَنَّ تِلْكَ الْمَرَّة الَّتِي فِي أَثَر مُجَاهِد مَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا عَبْد اللَّه بْن عَمْرو.
فَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن شَاهِينَ فِي نَاسِخه مِنْ مُرْسَل عَطَاء بْن يَسَار " أَنَّ جِبْرِيل رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُل مُتَّكِئًا فَنَهَاهُ ".
وَمِنْ حَدِيث أَنَس " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَهَاهُ جِبْرِيل عَنْ الْأَكْل مُتَّكِئًا لَمْ يَأْكُل مُتَّكِئًا بَعْد ذَلِكَ ".
وَاخْتُلِفَ فِي صِفَة الاتِّكَاء:
فَقِيلَ: أَنْ يَتَمَكَّن فِي الْجُلُوس لِلْأَكْلِ عَلَى أَيِّ صِفَة كَانَ.
وَقِيلَ: أَنْ يَمِيل عَلَى أَحَد شِقَّيْهِ.
وَقِيلَ: أَنْ يَعْتَمِد عَلَى يَده الْيُسْرَى مِنْ الْأَرْض.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَحْسَب الْعَامَّةُ أَنَّ الْمُتَّكِئ هُوَ الْآكِل عَلَى أَحَد شِقَّيْهِ, وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الْمُعْتَمِد عَلَى الْوِطَاء الَّذِي تَحْته, قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيث إِنَى لَا أَقْعُد مُتَّكِئًا عَلَى الْوِطَاء عِنْد الْأَكْل، فِعْل مَنْ يَسْتَكْثِر مِنْ الطَّعَام, فَإِنِّي لَا آكُل إِلَّا الْبُلْغَة مِنْ الزَّاد، فَلِذَلِكَ أَقْعُد مُسْتَوْفِزًا.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَحْسَب الْعَامَّةُ أَنَّ الْمُتَّكِئ هُوَ الْآكِل عَلَى أَحَد شِقَّيْهِ, وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الْمُعْتَمِد عَلَى الْوِطَاء الَّذِي تَحْته, قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيث إِنَى لَا أَقْعُد مُتَّكِئًا عَلَى الْوِطَاء عِنْد الْأَكْل، فِعْل مَنْ يَسْتَكْثِر مِنْ الطَّعَام, فَإِنِّي لَا آكُل إِلَّا الْبُلْغَة مِنْ الزَّاد، فَلِذَلِكَ أَقْعُد مُسْتَوْفِزًا.
وَفِي حَدِيث أَنَس " أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْل تَمْرًا وَهُوَ مُقْعٍ " وَفِي رِوَايَة " وَهُوَ مُحْتَفِز ". وَالْمُرَاد الْجُلُوس عَلَى وَرِكَيْهِ غَيْر مُتَمَكِّن.
وَأَخْرَجَ اِبْن عَدِيٍّ بِسَنَدٍ ضَعِيف: زَجَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَمِد الرَّجُل عَلَى يَده الْيُسْرَى عِنْد الْأَكْل, قَالَ مَالِك: هُوَ نَوْع مِنْ الِاتِّكَاء.
قُلْت: وَفِي هَذَا إِشَارَة مِنْ مَالِك إِلَى كَرَاهَة كُلّ مَا يُعَدّ الْآكِل فِيهِ مُتَّكِئًا, وَلَا يَخْتَصّ بِصِفَةٍ بِعَيْنِهَا.
وَجَزَمَ اِبْن الْجَوْزِيّ فِي تَفْسِير الِاتِّكَاء بِأَنَّهُ بِالْمَيْلِ عَلَى أَحَد الشِّقَّيْنِ, وَلَمْ يَلْتَفِت لِإِنْكَارِ الْخَطَّابِيُّ ذَلِكَ.
وَحَكَى اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة: إِنَّ مَنْ فَسَّرَ الِاتِّكَاء بِالْمِيلِ عَلَى أَحَد الشِّقَّيْنِ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَذْهَب الطِّبّ بِأَنَّهُ لَا يَنْحَدِر فِي مَجَارِي الطَّعَام سَهْلًا وَلَا يُسِيغُهُ هَنِيئًا وَرُبَّمَا تَأَذَّى بِهِ.
وَاخْتَلَفَ السَّلَف فِي حُكْم الْأَكْل مُتَّكِئًا:
فَزَعَمَ اِبْن الْقَاصّ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْخَصَائِص النَّبَوِيَّة.
وَتَعَقَّبَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ: قَدْ يُكْرَه لِغَيْرِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ فِعْل الْمُتَعَظِّمِينَ وَأَصْله مَأْخُوذ مِنْ مُلُوك الْعَجَم, قَالَ: فَإِنْ كَانَ بِالْمَرْءِ مَانِع لَا يَتَمَكَّن مَعَهُ مِنْ الْأَكْل إِلَّا مُتَّكِئًا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كَرَاهَة, ثُمَّ سَاقَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف أَنَّهُمْ أَكَلُوا كَذَلِكَ, وَأَشَارَ إِلَى حَمْل ذَلِكَ عَنْهُمْ عَلَى الضَّرُورَة, وَفِي الْحَمْل نَظَر.
وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ اِبْن عَبَّاس وَخَالِد بْن الْوَلِيد وَعَبِيدَة السَّلْمَانِيّ وَمُحَمَّد بْن سِيرِينَ وَعَطَاء بْن يَسَار وَالزُّهْرِيّ: جَوَاز ذَلِكَ مُطْلَقًا.
وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنه مَكْرُوهًا أَوْ خِلَاف الْأَوْلَى، فَالْمُسْتَحَبّ فِي صِفَة الْجُلُوس لِلْآكِلِ: أَنْ يَكُون جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَظُهُور قَدَمَيْهِ, أَوْ يَنْصِب الرِّجْل الْيُمْنَى وَيَجْلِس عَلَى الْيُسْرَى.
وَاسْتَثْنَى الْغَزَالِيّ مِنْ كَرَاهَة الْأَكْل مُضْطَجِعًا: أَكْل الْبَقْل.
وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّة الْكَرَاهَة, وَأَقْوَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ: مَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ قَالَ: " كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَأْكُلُوا اتِّكَاءَة مَخَافَة أَنْ تَعْظُم بُطُونهمْ " وَإِلَى ذَلِكَ يشير بَقِيَّة مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَخْبَار فَهُوَ الْمُعْتَمَد, وَوَجْه الْكَرَاهَة فِيهِ ظَاهِر, وَكَذَلِكَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ اِبْن الْأَثِير مِنْ جِهَة الطِّبّ وَاللَّهُ أَعْلَم. اهـ. من الفتح بحروفه.
التعديل الأخير: