العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

يسر الشريعة والاختلاط

إنضم
30 ديسمبر 2007
المشاركات
9
التخصص
فقه
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
يسر الشريعة والاختلاط

إن التيسير ورفع الحرج من المقاصد العظيمة والسمات الرفيعة التي تتسم بها الشريعة الإسلامية قال تعالى : ( وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) ، وهي شاملة لجمع الجوانب العبادية والتعاملية وغيرها ، وذلك لأنها صادرة من لدن حكيم خبير بخلقه عالم بما فيه صلاحهم وفسادهم ، والأدلة على تقرير هذا المعنى كثيرة منها :
قال تعالى : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ )المائدة: ٦
قال تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) لحج: ٧٨
قال تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )البقرة: ١٨٥
قال تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا )البقرة: ٢٨٦
فالمتتبع لأحكام الدين يجد أن مراعاة هذا الجانب له كبير أثر واهتمام ، ولا أدل على ذلك من مشروعية الرخص ؛ سواءً رخص تخفيف أو تبديل أو وضع ، فمثلاً نجد أن الشارع قد خفف على المسافر في شأن الصلاة فرخص له قصرها ، وعلى المريض الذي لا يستطيع الصوم بالإطعام ، وعلى فاقد الماء بالتيمم ، وعلى المرأة الحائض بإسقاط الصلاة ، وغير ذلك من الرخص الشرعية والأحوال المرعية التي يضيق المقام لذكرها .
بيد أن البعض من الناس يظن أن التيسير ورفع الحرج قرين لواجب لا يستطيع المكلف فعله أو لفرض يعجز عن أدائه أو لمشقة متوقعة ، بل إن التيسر ورفع الحرج يقع أيضاً في تحريم الحرام ؛ وذلك بحيث إذا وقع المكلف في فعل محظور أو ارتكاب محرم فإنه يصيبه عسر وحرج ومشقة ، لذا اقتضت الحكمة الإلهية والقدر الرباني تحريمه كي لا يقع الناس في حرج ، ومن أمثلة ذلك ما يلي :
- تحريم الربا ؛ فإن الربا يجعل المال دُولة بين الأغنياء ، فيهضم حق الفقير ويستهلك عمل الغير ، فيقع الناس حينئذ في حرج وعنت ومشقة من كون المال في يدي فئة تتحكم في معاشهم ومصالحهم ، فاقتضت الحكمة تحريمه وجعله من الموبقات .
- تحريم شرب الخمر ، وذلك كي لا يفقد الإنسان عقله فيجني على غيره أو يتعدى على حقه ، كما أنه سبب لتعطيل الإنتاج والسعي في عمارة ما ستخلف فيه فتفسد الأحوال وتتعطل المعاشات ، فاقتضت الحكمة الربانية تحريم ذلك كي لا يقع عموم الخلق في ضيق وحرج .
- تحريم أكل الميتة ، فإن أكل الميتة مما يفسد الأبدان ويصيب بالأوبئة والأمراض ، فاقتضت حكمة اللطيف تحريمه كي لا يقع الخلق في ضيق وحرج بسبب انتشار الأوبئة وضعف الأبدان .
إذا تقرر هذا وعلم فإن الشارع الحكيم قد حرم الزنا وجعله من الكبائر ورتب عليه الحد المغلظ ، قال تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) الإسراء: ٣٢، كما أنه حرم كل سبب يفضي إليه ، فحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية فقال رسول الله r : ( لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ) متفق عليه ، وقال أيضاً : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) رواه الترمذي وصححه الألباني ، وحرم النظر إلى المرأة الأجنبية فقال تعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور: ٣٠ ، وحرم الدخول على النساء فقال r : ( إياكم والدخول على النساء ) متفق عليه ، كما حرم مصافحة المرأة الأجنبية فقال رسول الله r : ( إني لا أصافح النساء ) رواه مالك وأحمد والنسائي وابن ماجة وصححه الألباني ، كل ذلك لأن الغريزة الفطرية مقتضية لميل الرجل إلى المرأة والمرأة إلى الرجل جبلة وخلقة كي يستمر النسل وتعمر الحياة ، وجعل الشارع حينئذ الفتنة بالنساء عظيمة ومضرة كبيرة فقال r : ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ) متفق عليه ، فالزنا لم يحرمه الرب سبحانه لأجل اختلاط الأنساب فحسب ! بل لأجل مقصد آخر وهو المحافظة على الحلال أيضاً ، وذلك لأن دافع الغريزة والجبلة يستوجب الميل ؛ فحينما يحجب عنه هذا كله ويفتح له طريق الحلال فإنه يجد فيه كمال اللذة مع الاستقرار والسكن .
ومما له كبير حماية ومحافظة على هذا المقصد ما دلت عليه عمومات الشريعة ومقاصدها من تحريم اختلاط الرجال بالنساء من غير حاجة أو ضرورة ، وذلك لما يستلزمه من مفاسد وآثار تعود على المقصد بالضرر والإخلال فتوقع عموم الناس في ضيق وحرج منها !
ووجه ذلك أن المماسة والاختلاط يحتمان قطعاً ولابد عند كل عاقل ميل الجنسين بعضهما إلى بعض جبلة وفطرة ؛ فيقع المكلف حينئذ في ضيق وعسر من جراء ميله وتحرك كوامنه مع عدم إمكانية تلبية رغباته ؛ فاقتضت حكمة الحكيم تحريم ذلك رفعا للحرج ودفعا للمشقة وسلامة للفطرة ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك : ١٤ !!

كتبه :
عبد العزيز بن سعود عرب
عضو الجمعية الفقهية السعودية
 
أعلى