عبدالعزيز بن سعود عرب
:: متخصص ::
- إنضم
- 30 ديسمبر 2007
- المشاركات
- 9
- التخصص
- فقه
- المدينة
- الطائف
- المذهب الفقهي
- ما وافق الدليل
يسر الشريعة والاختلاط
إن التيسير ورفع الحرج من المقاصد العظيمة والسمات الرفيعة التي تتسم بها الشريعة الإسلامية قال تعالى : ( وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) ، وهي شاملة لجمع الجوانب العبادية والتعاملية وغيرها ، وذلك لأنها صادرة من لدن حكيم خبير بخلقه عالم بما فيه صلاحهم وفسادهم ، والأدلة على تقرير هذا المعنى كثيرة منها :
قال تعالى : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ )المائدة: ٦
قال تعالى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) لحج: ٧٨
قال تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )البقرة: ١٨٥
قال تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا )البقرة: ٢٨٦
فالمتتبع لأحكام الدين يجد أن مراعاة هذا الجانب له كبير أثر واهتمام ، ولا أدل على ذلك من مشروعية الرخص ؛ سواءً رخص تخفيف أو تبديل أو وضع ، فمثلاً نجد أن الشارع قد خفف على المسافر في شأن الصلاة فرخص له قصرها ، وعلى المريض الذي لا يستطيع الصوم بالإطعام ، وعلى فاقد الماء بالتيمم ، وعلى المرأة الحائض بإسقاط الصلاة ، وغير ذلك من الرخص الشرعية والأحوال المرعية التي يضيق المقام لذكرها .
بيد أن البعض من الناس يظن أن التيسير ورفع الحرج قرين لواجب لا يستطيع المكلف فعله أو لفرض يعجز عن أدائه أو لمشقة متوقعة ، بل إن التيسر ورفع الحرج يقع أيضاً في تحريم الحرام ؛ وذلك بحيث إذا وقع المكلف في فعل محظور أو ارتكاب محرم فإنه يصيبه عسر وحرج ومشقة ، لذا اقتضت الحكمة الإلهية والقدر الرباني تحريمه كي لا يقع الناس في حرج ، ومن أمثلة ذلك ما يلي :
- تحريم الربا ؛ فإن الربا يجعل المال دُولة بين الأغنياء ، فيهضم حق الفقير ويستهلك عمل الغير ، فيقع الناس حينئذ في حرج وعنت ومشقة من كون المال في يدي فئة تتحكم في معاشهم ومصالحهم ، فاقتضت الحكمة تحريمه وجعله من الموبقات .
- تحريم شرب الخمر ، وذلك كي لا يفقد الإنسان عقله فيجني على غيره أو يتعدى على حقه ، كما أنه سبب لتعطيل الإنتاج والسعي في عمارة ما ستخلف فيه فتفسد الأحوال وتتعطل المعاشات ، فاقتضت الحكمة الربانية تحريم ذلك كي لا يقع عموم الخلق في ضيق وحرج .
- تحريم أكل الميتة ، فإن أكل الميتة مما يفسد الأبدان ويصيب بالأوبئة والأمراض ، فاقتضت حكمة اللطيف تحريمه كي لا يقع الخلق في ضيق وحرج بسبب انتشار الأوبئة وضعف الأبدان .
إذا تقرر هذا وعلم فإن الشارع الحكيم قد حرم الزنا وجعله من الكبائر ورتب عليه الحد المغلظ ، قال تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) الإسراء: ٣٢، كما أنه حرم كل سبب يفضي إليه ، فحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية فقال رسول الله r : ( لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ) متفق عليه ، وقال أيضاً : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) رواه الترمذي وصححه الألباني ، وحرم النظر إلى المرأة الأجنبية فقال تعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور: ٣٠ ، وحرم الدخول على النساء فقال r : ( إياكم والدخول على النساء ) متفق عليه ، كما حرم مصافحة المرأة الأجنبية فقال رسول الله r : ( إني لا أصافح النساء ) رواه مالك وأحمد والنسائي وابن ماجة وصححه الألباني ، كل ذلك لأن الغريزة الفطرية مقتضية لميل الرجل إلى المرأة والمرأة إلى الرجل جبلة وخلقة كي يستمر النسل وتعمر الحياة ، وجعل الشارع حينئذ الفتنة بالنساء عظيمة ومضرة كبيرة فقال r : ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ) متفق عليه ، فالزنا لم يحرمه الرب سبحانه لأجل اختلاط الأنساب فحسب ! بل لأجل مقصد آخر وهو المحافظة على الحلال أيضاً ، وذلك لأن دافع الغريزة والجبلة يستوجب الميل ؛ فحينما يحجب عنه هذا كله ويفتح له طريق الحلال فإنه يجد فيه كمال اللذة مع الاستقرار والسكن .
ومما له كبير حماية ومحافظة على هذا المقصد ما دلت عليه عمومات الشريعة ومقاصدها من تحريم اختلاط الرجال بالنساء من غير حاجة أو ضرورة ، وذلك لما يستلزمه من مفاسد وآثار تعود على المقصد بالضرر والإخلال فتوقع عموم الناس في ضيق وحرج منها !
ووجه ذلك أن المماسة والاختلاط يحتمان قطعاً ولابد عند كل عاقل ميل الجنسين بعضهما إلى بعض جبلة وفطرة ؛ فيقع المكلف حينئذ في ضيق وعسر من جراء ميله وتحرك كوامنه مع عدم إمكانية تلبية رغباته ؛ فاقتضت حكمة الحكيم تحريم ذلك رفعا للحرج ودفعا للمشقة وسلامة للفطرة ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك : ١٤ !!
كتبه :
عبد العزيز بن سعود عرب
عضو الجمعية الفقهية السعودية