شكر الله لكم هذه الفوائد ..،
و هذا نص في غاية من النفاسة حوى فوائد و دررا ،لقرين الإمام ابن حزم و نده الحافظ الإمام الأصولي ابن الفخار القرطبي - رحمه الله - نقلا عن رسالته الرائقة (التبصرة في نقد رسالة ابن أبي زيد القيراوني،98)، وسأتجشم نقل النص بتمامه لدلالته على ان الإمام ابن حزم لم يحد عن ظواهر النصوص في هاته المسألة.
قال الإمام ابن الفخار - رحمه الله - معلقا على قول صاحب (الرسالة) :"يغسل الذكر كله من المذي" : (( و هذا قول من لا نظر له، و لا معرفة بالحقيقة في لغة العربي، و إنما اعتمد فيه على قول سحنون،وسحنون معذور لأنه كان لا يحسن لغة العرب، و أبو محمد غير معذور لأنه كان بصيرا بلغة العرب، و هو منسوب إلى لغة العرب و الخرق(الصواب الحذق)و الجدل.
و قد أخبر أبو محمد الأصيلي عن الأبهري الصغير، قال لي: يا أبا محمد طرأت لنا من المغرب شريعة شرعها رجل اسمه سحنون بأن قال: "إن الذكر يغسل كله من المذي"، قال الأصيلي:" فأبعدت الأمر لسقوط المسألة و عارها بأن يغسل الذكر كله، هذا موضع الأذى قد غسل فما بال بقية الذكر، و هو طاهر لا نجاسة عليه، هل هذا إلا تعبد؟ و لا يتعبد الخلق إلا لله وحده في كتابه ، أو على لسان رسوله الذي لا حرج فيما قضى به. "
و الحرج فيما قضى به سحنون ، و ابن أبي زيد ، و الدليل على نفي غسل ما عدا مخرج المذي عند مالك و سائر العلماء حديث رسول الله-صلى الله عليه و سلم – إذ سأله المقداد عن المذي فقال: (( إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه)) ، يعني : يغسله و ليتوضأ، و الفرج في اللغة: الشق نفسه، قال الله تعالى : (و ما لها من فروج) ، يعني: من شقوق، هكذا قال أهل التأويل، فلا يجب في المذي إلا غسل الفرج الذي هو موضع الأذى.
فإن قال قائل : ما وجه قول مالك : " إن المذي عندنا أشد من الودي لأن الفرج يغسل عندنا من المذي، و الودي بمنزلة البول".
قيل له: لو تدبرت قول مالك لبان لك خلاف ما قلت، أليس مالك قد قال: يغسل الفرج من المذي، و الفرج: هو الشق نفسه، و معنى أنه أشد من البول ، لأن البول يستجمر منه بالحجارة مع وجود الماء، و المذي لا يجوز ذلك أن يزال إلا بالماء ، و فرق بين ذلك أن رسول الله – صلى الله عليه و سلم- سئل عن الاستطابة فقال: (( أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؟)).و لم يشترط عدم الماء من وجوده،و سئل في المذي: فأمر بغسل الفرج منه، و لم يأمر فيه بالحجارة، فلذلك كان أكثر من البول، و أما أن يرقى إلى ما ليس بنجس، فهذا مما لم يأت فيه سنة ، فإن توهم فيه متوهم بقول عمر:" يغسل الذكر من المذي"، قيل له: قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم- في ذلك ينضح الفرج، و لا يقع الفرج إلا على الشق، فقد خص موضعا من الذكر و هو الفرج، **و الخصوص يدخل على العموم، و لا يدخل العموم على الخصوص**))
و الإمام ابن الفخار المالكي– رحمه الله – كان من المعظمين للإمام داود الظاهري و الآخذين ببعض أقواله ، مع جنوحه إلى الحجة و الدليل.
و مما يفيده هذا النص : أن الصحيح من مذهب مالك غسل موضع الأذى من الذكر لا الذكر كله، و لعل الإمام ابن حزم نسب ذلك للإمام مالك اتباعا لسحنون و من معه.