العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أبو زيد البلخي : "الدواء الأكبر هو العلم"

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
الحمد لله بما أنعم على الإسلام وأهله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين : جاءنا بالحق المبين ، فمن امتثل الأوامر فالجنة مثواه ، ومن أعرض ونافق فالنار الحامية ملقاه ، فاللهم إنا نسألك هداية للحق تثلج الصدور وثباتا عليه يضمن حسن العاقبة؛ أما بعدُ :
فإن أقل الناس قيمة : أقلهم علما ، وما قيمة كل امرء إلا بما يحسنه من أصناف العلوم وأنواع المعارف[FONT=خط لوتس الجديد][1]http://www.mmf-4.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=37#_ftn1 ، وما ساد جاهل في قوم قط بجهله ، وإنما تساعده في ذلك الذي حصل : مشرفات طينية ، تنطوي على ذوي العقول الطينية[FONT=خط لوتس الجديد][2][/FONT] ممن قلت عقولهم وضاقت حيلهم على أنفسهم وعلى غيرهم ممن خلق الله [/FONT]! .
ولقد فشى بين ذوي الحكم العالية أن يقول الواحد لصاحبه –على سبيل المذاكرة- : تعلموا العلم وإن لم تنالوا به حظا ، فلئن يذم الزمان لكم أحسن من أن يذم بكم[FONT=خط لوتس الجديد][3]http://www.mmf-4.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=37#_ftn3 . [/FONT]
ونحن اليوم لا نولي الكلام شطر أقوام من ضخام الجثث ، كأنما دسوا في ثوب الواحد منهم سرحة من طوله ! لا يحسن أكثر من كلام قيمته ليست بأكثر من قيمة الهواء الذي خرج من فيه وهو يتكلم ، قد امتلئت بهم جنبات الأرض فمادت بأثقالهم ؛ بل نقصد إلى من انتسب إلى العلم : فضاعف من هم أطباء الأدواء العلمية أن أعجزتهم أمراض لا عهد لهم بها أصابت غشاء أدمغتهم فبدلت الإستقامة العلمية اعوجاجا ..ثم تشعبت هذه الأدواء ، وتناسلت إلى ما لا يعد من الأسقام التي تفتت من عضد الأوضاع العلمية لصاحبها ، ولمن أخذ عنه أو سمع منه...
وقد حاولتُ أمرا يمكن من استرجاع ما انقرض من السير الحميدة : من التجارة في العلم والحكمة ، وإحسان النظر فيه ، والإنقياد لما يرشد إليه...

[1] - عن علي عليه السلام ، بإسناد لا أدري درجته ، يمكنك مراجعة كلام علي : ربيع الأبرار لجار الله الزمخشري-رحمه الله- 4/16.

[2] - جوهر الفكرة من حكمة الإمام مصطفى صادق الرافعي في بعض ما قرأته له في وحي القلم.

[3] - ربيع الأبرار : 4/ 16.
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
شوامل المعاني.
كل من سأل عن دواء الجهل ، قيل له نفس ما قال أبو زيد البلخي : "الدواء الأكبر هو العلم"[1] .
وإنما يسأل السائل عن دواء الجهل ، لأجل ما في الجاهل من صفاقة تلجئه إلى منازعة أهل العلم فيما هم عالمون به ، وفيما هو جاهل به ! ولقد قال أمير المؤمنين علي في رسالة -نسبت إليه- إلى خال المؤمنين معاوية –عليهما السلام- : "واعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون ، وأن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ، فإن للعالم بعلمه فضلا ، وإن الجاهل لا يزداد بمنازعته العالم إلا جهلا"[2].
وما جرأ هذا الجاهل على صنائعه إلا لجهله ب : 1-مقدار نفسه 2-ومقدار العالم الذي جادله 3-ومقدار المسألة في العلم .
وقد استعجب بعض من يحاول التهذب بالحكمة ، فقال لفيلسوف : "مابال المريض إذا داواه الطبيب ودخل عليه فرح به وقبل منه وكافأه على ذلك ، والجاهل لا يفعل ذلك بالعالم إذا علمه وبين له ؟ فقال : لأن المريض عالم بما عند الطبيب ، وليس الجاهل كذلك ، لأنه لا يعلم ما عند العالم[3].
وقد تأملتُ –بما يسر الله- سبب معرفة المريض بواسع علم طبيبه ، وجهل الجاهل بعلم العالم : فظهر أن عالم المعاني لا زال أمره في خفاء على متبلّد الطبع ، ولذلك ترى المصائب واقعة –أكثر ما تقع- فيه ، ولعلك تنتبه إلى حال الطالبين للعلم فإنهم يستثقلون طريق العلم ويستصعبونها ، ولا تجدهم يستصعبون طريق تقوية الأبدان بأنواع الرياضات ! وتجدهم يستغرقون في سبيل الرياضة أوقاتا طويلة ، وأعمارا مديدة مدركين أن : القوة العضلية تأتي على سبيل التدرج والمواضبة وإجهاد النفس.
ولا تراهم متفطنين لهذا المعنى في العلم ، وما ذلك إلا لقصور عقولهم التي ينبغي أن يدركوا بها هذا المعنى الجليل! . والوقوف عند منتهى علم المرء علم غزير! فقد سأل قيصر الروم قس بن ساعدة :" ما أفضل العقل؟ قال: معرفة المرء بنفسه، قال: فما أفضل العلم؟ قال: وقوف المرء عند علمه"[4].
فإذا حصَل وتعلم علما لا تجد لعلمه أثرا في حسن سياساته ، ولا في ذائقته ، بل تجده في منزلة الجاهل نفسه : لم يعله إلا بمرتبة تخزين جملة معلومات في الذهن ! .
وما كان الأمر هكذا إلا لأن الناس أحد رجلين :
1-متعلم لم يُلهم حكمة العلم : فهو مؤد لمعلوماته التي حفظ ، مع شائبة حمق لا تفارقه.
2-متعلم قد ألهم هذه الحكمة : فيكون بقليل ما يتعلم مكثرا بقوة ما يلهم من دقيق الأساليب ، وراقي السياسة[5].
أما الثاني فقلة من خلق الله على مر الأزمان ، وأما الأول فكثرة كاثرة : قد أهلكت كل ما وقع تحت يدها ! فليس أضر على العلوم وأهلها من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون"[6].
وأما عن سبب هذه العجائب من أهل الجهل ، فمحبة الإنسان نفسه، وشعوره بموضع الفضيلة، فهو لأجل المحبة يدعى لها ما ليس لها؛ لأن صورة النفس التي بها تحسن، وعليها تحصل ومن أجلها تسعد - هي العلوم والمعارف، وإذا عريت منها أو من جلها حصلت له من المقابح ووجوه الشقاء بحسب ما يفوتها من ذلك.
ومن شأن المحبة أن تغطي المساوىء، وتظهر المحاسن إن كانت موجودة، وتدعيها إن كانت معدومة، فإن كان هذا من فعل المحبة معلوماً، وكانت النفس محبوبة لا محالة، عرض لصاحبها عارض المحبة، فلم ينكر ادعاء الإنسان لها المعارف التي هي فضائلها ومحاسنها وإن لم يكن عندها شيء من ذلك[7].
===============
وإنني لم أجد من يعالج أمر كل ما سبق ، بواضح القول ، وفصيح الكلام ، وقوي التعليل أكثر من أربعة كتب :
أولها : الأخلاق والسير لأبي محمد بن حزم –رحمه الله-.
ثانيها : أدب الدنيا والدين للماوردي –رحمه الله-.
ثالثها : الصوارف عن الحق لحمد آل عثمان –وفقه الله-.
رابعها : ما نثر في كتب الأدب من أمثال سائرة عن حكماء العرب والعجم. كربيع الأبرار للزمخشري ، وأمالي القالي ، والبصائر والذخائر للتوحيدي وغيرهم : ففيها من بارع الآداب وبليغ الأقوال ما يشفي أصحاب الأسقام والعلل.

[1] - ظهير الدين البيهقي ، تتمة صوان الحكمة : (ترجمة أبي زيد البلخي).

[2] - ابن أبي الحديد الرافضي ثم المعتزلي ، شرح نهج البلاغة : 3/ 210.

[3] - أبو حيان التوحيدي ، الإمتاع والمؤانسة : الجزء2 /185.

[4] - الأمالي ، أبو علي القالي.

[5] - أصل الفكرة من : الإمتاع والمؤانسة ، الجزء2 /185.

[6] - أبو محمد بن حزم ، الأخلاق والسير : 67.

[7] - أبو حيان التوحيدي ، الهوامل والشوامل (والنص المنقول من كلام مسكويه) .
 
أعلى