العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

(مناظرة الكبار) بين القاضي عبد الجبار والاسفرايني

اخلاص

:: متخصص ::
إنضم
7 ديسمبر 2009
المشاركات
176
التخصص
أصول الفقه
المدينة
...
المذهب الفقهي
حنفي
مناظرة الكبار
مما لاشك فيه إن قواعد المناظرة تؤدي إلى معرفة الحق، والمناظرة من النظر والأصل الواحد في هذه المادة هو رؤية في تعمق وتحقيق في موضوع مادي أو معنوي ، والنظر قد يكون في شيء مادي (فنظر نظرة في النجوم ) وقد يكون في شيء معنوي ( يوم ينظر المرء ماقدمت يداه) والمناظرة في الاصطلاح هي : تردد الكلام بين شخصين يقصد كل واحد منهما تصحيح قوله وابطال قول صاحبه مع رغبة كل منهما في ظهور الحق[1].
والصواب إن هذا التعريف الاصطلاحي لم يظهر فيه قيد التعمق والتحقيق في الكلام الذي يتردد بين شخصين لذا فالمناظرة في الاصطلاح هي: الرؤية بالبصيرة من الجانبين إضهاراً للصواب. والمناظرة على وزن مفاعلة وتعني استمرار الرد بين المتناظرين فصيغة المفاعلة تدل على الاستمرارية.
أما المحاورة فهي منع جريان كلام الخصم سواء كان عن حق أو باطل
( فقال له صاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً )، (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت ) فالمحاور الأول كان مبطلاً والمحاور الثاني كان محقاً.
من هذا يتبين الفرق بين المحاورة والمناظرة ففي الأولى لايشترط وجود قيد الرؤية المعمقة أما في الثانية فينبغي ملاحظة هذا القيد، وإن الهدف من المناظرة هي اظهار الصواب فقط .
والمناظرات التي تجري بين الكبار فيها العديد من الدروس الكبيرة التي يتوقف عليها مصير الدين وثبات الأمة، وفي مقالنا هذا سنعرض بعض الملاحظات التي يمكن استقاؤها من مناظرة جرت بين اثنين من من العمالقة في علم الكلام، وهما القاضي عبد الجبار المعتزلي، وأبو اسحاق الاسفرايني[2] .
قال القاضي عبد الجبار: سبحان من تنزه عن الفحشاء
فأجابه ابو اسحاق : سبحان من لايقع في ملكه ما لايشاء
رد القاضي عبد الجبار بقوله: أفيشاء ربنا أن يعصى ؟
فقال الاسفرايني أيعصى ربنا قهراً؟
فقال عبد الجبارالمعتزلي:
أفرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالردى أحسن إلي أم أسا؟
فأجابه ابو اسحاق:
إن كان منعك ماهو لك فقد أسا، وإن كان منعك ماهو له فيختص برحمته من يشا.
والأمور التي يمكن إثارتها من خلال هذه المناظرة المهمة والعظيمة هي:
1. هذه المناظرة نابعة عن عقيدتين أحدهما تتعلق باستقلال العقل في إدراك الحسن والقبح في الأفعال وتمثل المعتزلة والثانية تتعلق بأن الشرع هو الذي يحسن ويقبح الأفعال وهي عقيدة أهل السنة والجماعة.
2. بدأت المناظرة بكلام معتزلي يتضمن كون إن الأفعال الفاحشة غير مخلوقة هذا من وجهة نظر المعتزلة لذا بدأ بقوله ((سبحان من تنزه عن الفحشاء)) أما أهل السنة فيقولون بأن أفعال العباد كلها مخلوقة ويستدلون على ذلك بالآية الكريمة ( والله خلقكم وما تعملون) لذا كان الرد عليه بأن الأفعال تجعل في ملك الله بمشيئته سبحانه فقال:
(( سبحان من لايجعل في ملكه ما لايشاء)) .
3. من حيث السجع فنرى إن المتناظرين استخدما هذا الأسلوب في جميع مقاطع المناظرة سواء في السؤال أم الجواب.
4. من حيث الموضوع نرى إنه قد تجسد في عقيدة اعتبار الفعل الفاحش غير مخلوق وقد رد عليه بعقيدة مشيئة الله سبحانه ويعني بأن ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
5. في المقطع الثاني قام القاضي عبد الجبار بتحويل المناظرة إلى سؤال يبدأ من حيث انتهى المناظر الآخر.
6. لقد استثمر أبو اسحاق اللفظة الأخيرة ( يعصى )وقذفها بعد أن ألبسها الصيغة الاستفهامية ونسجها بوصف القهرية وجعلها مشكلة كبيرة ألقاها في وجه السائل.وهذه من أبدع الاستثمارات التي تظهر سرعة البديهة .
7. نلاحظ إن رد أبو اسحاق لسؤال السائل باستفهام يمثل سؤالاً انكارياً مما يدل على تمكنه الهائل في الرد.
ومن وجهة نظري يمكن أيضاً الرد على سؤال القاضي عبد الجبار أيشاء ربنا أن يعصى؟ بأن المشيئة غير الارادة فالله سبحانه لايريد لعباده أن يعصوه ولكن إذا عصوه فإنه لايخرج عن مشيئته سبحانه .

هذا ماوددت بيانه وماتوفيقي إلا بالله وإليه ترجع الأمور.

[1] محمد محي الدين عبد الحميد ،رسالة الاداب في علم آداب البحث والمناظرة، ،ط7، 1958،ص6.

[2] نص المناظرة منشور في محاضرة الأستاذ عباس العزاوي، الجدل في الفقه، مجلة القضاء، ص141.
مقال منشور للدكتور زياد خالد المفرجي
انقله للملتقى بموافقة الكاتب
 
أعلى