رد: خطبة الجمعة بـ البوربوينت! ما رأيكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقول - وبالله التوفيق -: أن الله - عز جلاله - أوحى إلى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -من غير استخدام أي وسيلة من الوسائل التي ذكرت في هذه المناقشة, بل بقي الأمر شفويا, ولكنه أثر كلام الله في روح النبي - عليه الصلاة والسلام - أشد تأثير, لأنه - صلى الله عليه وسلم - هيئ قلبه على قبول كلمات الله - جل وعلا - لتمازج شاشة قلبه, وهكذا الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم -, بل وقد أثر القران الكريم في نفوس المشركين المعاندين المستكبرين, حتى وصلت بهم الحالة إلى أن سجدت أجسامهم وقلوبهم خاضعين, متذللين, مخلصين لله لما تلى عليهم النبي الأكرم - عليه الصلاة والسلام- قول الحق - سبحانه -: (فاسجدوا لله واعبدوا)
ذكر ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره: "قال البخاري: حدثنا معمر, حدثنا عبد الوارث, حدثنا أيوب, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنجم, وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس."
وفي هذه الآية دليل - وأي دليل وتوكيد - على أن القران الكريم يكفي الناس, فإن الشافعي - رحمه الله - قال: (لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة - أي: سورة العصر - لكفتهم.) يعني: كموعظة. قال مسلم في صحيحه: (أخبرنا جرير, عن محمد بن إسحاق, عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم, عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة, عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان, قالت: "لقد مكثنا سنة أو سنتين, وإن تنورنا تنور رسول الله صلى الله عليه وسلم لواحد, وما تعلمت (ق, والقران المجيد) إلا من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان يعلم الناس, يقرأها كل جمعة على المنبر.)
إذن, لا حاجة لنا إلى أي برنامج أو جهاز, بل الأمر لا يخلو من حالتين :
أولا: إن الخطيب هـــو المحرك المجذب الذي من خلال تفاعلاته قد يتأثر السامعين, وسبب هذا أنه يعيش مع الآيات القرانية والسنية النبوية والحياة المصطفوية, حتى يؤثر هذا في أقواله وأفعاله, فتصدر منه قوة إيمانية وهيبة ربانية (انظر كلام ابن قيم الجوزية في الطب النبوي عن العين), التي تؤثر في نفوس السامعين لخطابه, وهذا مشاهد في خطب الشيخ صالح المغامسي وعلي القرني مثلا. فمن آفة الخطيب أن يخطب وهو لا يعيش مع تلك الآيات, بل إن بعض الخطباء لا يفقهون ما يقولون, خاصة إذا قرؤوا من ورق.
ثانيا: إن كثيرا من السامعين - إلا أنهم ليسوا مستمعين - لا يأتون الجمعة إلا وهم منشغلون - خاصة في بلاد الغرب - عن العبادة وأي انشغال, فلا تؤثر الخطب في نفوسهم إلا قليلا, وقد يكون السامع متأثرا إثر الخطبة, ثم يخرج من المسجد وقد عاد إلى حالته الأولى.
وفي كلام ابن الجوزي - رحمه الله - في صيد الخاطر كلاما نفيسا عن هذه المسألة. فالواجب على الخطيب أن يربي نفسه على أن يعيش مع القران وفي ظلاله, حتى يمكن له أن يؤثر في نفوس المستمعين تأثيرا جيدا, وعلى كل مأموم أيضا أن يهيئ نفسه على ما سيأتي في الخطبة وأن يستحضر الآيات في نفسه وأن يعمل بما علم, وهذا هو العزم, ثم يتوكل على الله.
فمن ظن أن تلك الوسائل هي خلاص المأمومين من غفلتهم - وربما غيبوبتهم -, فقد أخطأ, لأنه لم يعالج أصل المرض, كمن حاول مكافحة الفصام بالأدوية, والهرم أو الشيخوخة بالعمليات التجميلية. ومن خلال هذا الكلام يتبين للقارئ الفاضل أن هذه الطرق والوسائل ليست معينة, بل هي مسببة لارتكاب أفعال, نهى الشارع عنها.
الله أعلم