أبوبكر بن سالم باجنيد
:: مشرف سابق ::
- انضم
- 13 يوليو 2009
- المشاركات
- 2,439
- التخصص
- علوم
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
وهي مسألة اختلف فيها العلماء منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم؛ فمنهم من حرمه لغير المجاهدين، ومنهم من كرهه،ومنهم: من أباحه.
أولاً: لا شك أن المسألة خلافية، وأن الخلاف فيها معتبر؛ إذ صح عن عدد من الصحابة –رضي الله عنهم- أنهم خضبوا بالسواد، ولم ينقل الإنكار عليهم من أحد، منهم الحسن والحسين وسعد بن أبي وقاص وعروة بن الزبير وعقبة بن عامر وأبو سلمة. وهو مذهب أبي يوسف، وممن كان يختضب بالسواد ويقول به: محمد بن شهاب الزهري، ومحمد بن إسحاق صاحب المغازي، والحافظ ابن أبي عاصم، وابن الجوزي.
ثانياً: يخرج من الخلاف ما إذا كان المقصود بالصبغ به: التدليس والغش في بيع أو نكاح ونحوهما، فهذا لا ينبغي أن يختلف في تحريمه والمنع منه.
ثالثاً: أقوى ما ورد من أدلة القائلين بالنهي عن الخضاب بالسواد حديثان:
أولهما: حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِt قَالَ: أُتِىَ بِأَبِى قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : ( غَيِّرُوا هَذَا بِشَيء وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ ) رواه مسلم وغيره.
وأجاب المخالف بأن هذا الدليل يدخله الاحتمال من وجوه: فمن أهل العلم من رأى أن لفظة (واجتنبوا السواد) مدرجة بل شاذة أيضاً، بدليل أن زهير بن معاوية سأل أبا الزبير –الراوي عن جابر بن عبد الله- : أقال: "جنبوه السواد"؟ قال: لا.
ومن وجه آخر: أن هذا قد يقال بأنه واقعة عين، وقد يحمل على من كان في مثل حال أبي قحافة كبيراً قد اشتعل شعره شيباً مستبشعاً، وأن ذلك لإبعاده عن مظاهر التصابي التي لا يحسُن بمن كان في عمره التلبس بها.
وهذه احتمالات وجيهة كما لا يخفى، وللترجيح مقام غير هذا.
ثانيهما: عن ابن عباس t مرفوعاً: ( يكون قوم في آخر الزمان يخضبونبهذا السواد كحواصل الحَمَام، لا يريحون رائحة الجنة ).أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي.
فأخذ بهذا جمع من أهل العلم، حتى عده بعضهم من كبائر الذنوب كما قال الهيتمي وابن النحَّاس.
وأجاب المخالف بأن هذا الوعيد إنما هو على معصية تصدر من أولئك القوم الذين وصفهم رسول الله r بهذا الوصف، لا أنه وعيد مترتب على الخضاب بالسواد.
ومن أقوى أدلة القائلين بالترخيص في ذلك:
1- عموم حديث أبي هريرة t أن النبي r قال: ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ) متفق عليه . واعتمدوا أن هذا العموم أقوى من دلالة النصوص السابقة في المسألة، فيجب تقديمه.
2- حديث أبي ذر t مرفوعاً: ( إن أحسن ما غيرتم به الشيب: الحناء والكتم ) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وفي هذا دليل على جواز ذلك؛ إذ الصبغ بالحناء والكتم معاً يسوِّد الشعر.
3- ما ورد من آثار صحاح عن جمع من الصحابة أنهم خضبوا بالسواد، ولم ينقَل أن أحداً أنكر عليهم، بل ادعى بعضهم أنه لم يُعلَم في الصحابة قائل بالتحريم.
4- أن الخضاب بالسواد تحصل به مقاصد حسنة حثت عليها الشريعة، ومن ذلك ما جاء في حديث صُهَيْبِ الْخَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِr: (إِنَّ أَحْسَنَ مَا اخْتَضَبْتُمْ بِهِ لَهَذَا السَّوَادُ، أَرْغَبُ لِنِسَائِكُمْ فِيكُمْ، وَأَهْيَبُ لَكُمْ فِى صُدُورِ عَدُوِّكُمْ ). رواه ابن ماجه، وقال فيالزوائد: إسناده حسن.
والحق أنه ضعيف لا يثبت، ولكنَّ إيراده لما جاء فيه من ذكر منافع الخضاب بالسواد، ولا ريب أن إدامة الود بين الزوجين وإرهاب العدو أمران محمودان مرغب فيهما شرعاً.
وقد يجيب مخالفهم بأنه مأذون فيه للمجاهدين فخرج ذلك من محل النزاع، وأن الألفة لا يجوز تحقيقها بما جاء الخبر بمنعه، كمن يجيب إلى حلق لحيته بحجة ذلك. والله أعلم.
رابعاً: أن الوسط هنا في فقه خلاف هذه المسألة هو اعتبار الخلاف دون أن يكون هوى متبع أو تتبعٌ للرخص، ودون تعصب لمذهب أو قائل، مع النظر في الأدلة وكلام الأئمة دون تشنج، وبعدئذ؛ فلا المانعُ متشدد لمنعه، ولا المجيزُ متساهل لتجويزه. وبالله التوفيق.
أولاً: لا شك أن المسألة خلافية، وأن الخلاف فيها معتبر؛ إذ صح عن عدد من الصحابة –رضي الله عنهم- أنهم خضبوا بالسواد، ولم ينقل الإنكار عليهم من أحد، منهم الحسن والحسين وسعد بن أبي وقاص وعروة بن الزبير وعقبة بن عامر وأبو سلمة. وهو مذهب أبي يوسف، وممن كان يختضب بالسواد ويقول به: محمد بن شهاب الزهري، ومحمد بن إسحاق صاحب المغازي، والحافظ ابن أبي عاصم، وابن الجوزي.
ثانياً: يخرج من الخلاف ما إذا كان المقصود بالصبغ به: التدليس والغش في بيع أو نكاح ونحوهما، فهذا لا ينبغي أن يختلف في تحريمه والمنع منه.
ثالثاً: أقوى ما ورد من أدلة القائلين بالنهي عن الخضاب بالسواد حديثان:
أولهما: حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِt قَالَ: أُتِىَ بِأَبِى قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : ( غَيِّرُوا هَذَا بِشَيء وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ ) رواه مسلم وغيره.
وأجاب المخالف بأن هذا الدليل يدخله الاحتمال من وجوه: فمن أهل العلم من رأى أن لفظة (واجتنبوا السواد) مدرجة بل شاذة أيضاً، بدليل أن زهير بن معاوية سأل أبا الزبير –الراوي عن جابر بن عبد الله- : أقال: "جنبوه السواد"؟ قال: لا.
ومن وجه آخر: أن هذا قد يقال بأنه واقعة عين، وقد يحمل على من كان في مثل حال أبي قحافة كبيراً قد اشتعل شعره شيباً مستبشعاً، وأن ذلك لإبعاده عن مظاهر التصابي التي لا يحسُن بمن كان في عمره التلبس بها.
وهذه احتمالات وجيهة كما لا يخفى، وللترجيح مقام غير هذا.
ثانيهما: عن ابن عباس t مرفوعاً: ( يكون قوم في آخر الزمان يخضبونبهذا السواد كحواصل الحَمَام، لا يريحون رائحة الجنة ).أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي.
فأخذ بهذا جمع من أهل العلم، حتى عده بعضهم من كبائر الذنوب كما قال الهيتمي وابن النحَّاس.
وأجاب المخالف بأن هذا الوعيد إنما هو على معصية تصدر من أولئك القوم الذين وصفهم رسول الله r بهذا الوصف، لا أنه وعيد مترتب على الخضاب بالسواد.
ومن أقوى أدلة القائلين بالترخيص في ذلك:
1- عموم حديث أبي هريرة t أن النبي r قال: ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ) متفق عليه . واعتمدوا أن هذا العموم أقوى من دلالة النصوص السابقة في المسألة، فيجب تقديمه.
2- حديث أبي ذر t مرفوعاً: ( إن أحسن ما غيرتم به الشيب: الحناء والكتم ) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وفي هذا دليل على جواز ذلك؛ إذ الصبغ بالحناء والكتم معاً يسوِّد الشعر.
3- ما ورد من آثار صحاح عن جمع من الصحابة أنهم خضبوا بالسواد، ولم ينقَل أن أحداً أنكر عليهم، بل ادعى بعضهم أنه لم يُعلَم في الصحابة قائل بالتحريم.
4- أن الخضاب بالسواد تحصل به مقاصد حسنة حثت عليها الشريعة، ومن ذلك ما جاء في حديث صُهَيْبِ الْخَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِr: (إِنَّ أَحْسَنَ مَا اخْتَضَبْتُمْ بِهِ لَهَذَا السَّوَادُ، أَرْغَبُ لِنِسَائِكُمْ فِيكُمْ، وَأَهْيَبُ لَكُمْ فِى صُدُورِ عَدُوِّكُمْ ). رواه ابن ماجه، وقال فيالزوائد: إسناده حسن.
والحق أنه ضعيف لا يثبت، ولكنَّ إيراده لما جاء فيه من ذكر منافع الخضاب بالسواد، ولا ريب أن إدامة الود بين الزوجين وإرهاب العدو أمران محمودان مرغب فيهما شرعاً.
وقد يجيب مخالفهم بأنه مأذون فيه للمجاهدين فخرج ذلك من محل النزاع، وأن الألفة لا يجوز تحقيقها بما جاء الخبر بمنعه، كمن يجيب إلى حلق لحيته بحجة ذلك. والله أعلم.
رابعاً: أن الوسط هنا في فقه خلاف هذه المسألة هو اعتبار الخلاف دون أن يكون هوى متبع أو تتبعٌ للرخص، ودون تعصب لمذهب أو قائل، مع النظر في الأدلة وكلام الأئمة دون تشنج، وبعدئذ؛ فلا المانعُ متشدد لمنعه، ولا المجيزُ متساهل لتجويزه. وبالله التوفيق.
التعديل الأخير: