العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مذهب علماء ديوبند فيما يتعلق بالعلماء والمؤلفين ..

موسى البلوشي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
7 فبراير 2010
المشاركات
12
التخصص
.
المدينة
.
المذهب الفقهي
الحنفي

الحقيقة أن العلماء والفقهاء ، والمحدثين والمفسرين ، والأصوليين والمتكلمين ، والراسخين في العلم من العلماء الربانيين هم مدار الدين؛ لأنهم أمناء على قوانين الدين وأحكام الشريعة والذوق الديني السليم. ومكانتُهم في الدين وكونُهم نائبين عن النبي s في تبليغ الدين وتفريع الأحكام ، ليسا قضية معقدة أو مسألة نظرية تحتاج إلى دلائل ؛ لأنه من المعلوم لدى الخاصة والعامة حتى الجهلاء أن بقاء الدين مربوط بالعلم بالدين، والدينُ الذي يندثر العلم به ، يندثر هو بدوره. والدين السماوي هو الوحي الإلهي في الواقع، والوحيُ هو العلم بكلمة أخرى، وقد جُعِلَ علماء الأمة أمناء على هذا العلم ؛ فالأمناء الحقيقيون على الدين هم العلماء؛ حيث إنهم حافظوا على الوحي الإلهي حفاظاً مدهشاً للعقول، كما أنهم قاوموا الفتن التي اعترضت الدين. وقد قاوموا كل فتنة، واتخذوا لذلك تدابير اقتضتها المقاومة لكل فتنة حَسَبَ نوعيتها وشكلها. ولم تكن مقاومتهم موقتة، وإنما استخرجوا لذلك علماً مستقلاً من الكتاب والسنة وأبرزوا شلكه، فصار سلاحاً ماضياً لمقاومة تلك الفتنة بشكل ثابت . وظلت الأمة تتقدم إلى شكل أشمل فيما يتعلق بالعلم والمعرفة ، وظل علمها يتفرع ويتشعّب . ولما قامت الفتنة على أساس عقلاني، نهض العلماء والمتكلمون وأفحموها بالحكمة القرآنية والمنطق الإسلامي. ولما ثارت الفتنة عن طريق الرواية والدراية ، وقف المحدثون في طريقها بعلوم الرواية والإسناد التي استنبطوها من الكتاب والسنة. ولما ظهرت الفتنة عن طريق الدراية ، ضربها الفقهاء بالاجتهاد والاستنباط اللذين قعّدوهما على أساس الكتاب والسنة . ولما برزت في شكل المرض الأخلاقي ، داسها الربانيون والزهاد ورجال التزكية والإحسان والصوفية بعلم الأخلاق القرآني المُطَعّم بالأسوة النبوية والسيرة المحمدية . ولما اعترضت الفتنة عن طريق السياسة والحكم سدّ الخلفاء طريقها بالسياسة القرآنية والإرشادات النبوية .
فسواء كانت الفتنة ظاهرة أوباطنة ، تعرّف عليها العلماء وقمعوها بما أُكرِموا به من العلوم التي تفجرت ينابيعه من ظاهر الآيات والروايات وباطنها. فما يجب على الأمة نحوهم من الاحترام والتقدير والعرفان بالجميل، لا يحتاج إلى إيضاح أو تفصيل . أما علماء ديوبند فإن موقفهم هو الاعتراف بعظمتهم ونشر علومهم تدريساً وتأليفاً باعتبارها وعاءً لعلوم الدين وأحكام الإسلام. وليس يتوقف الأمر على جامعة ديوبند، وإنّما يتعداها إلى جميع المدارس والكتاتيب التابعة لجمامعة ديوبند؛ حيث إنها تعكف كل وقت على الاستفادة من علومهم وتوزيعها بين النشء الإسلامي ؛ فصحيحُ البخاري وصحيح مسلم ودواوينُ الأحاديث الأخرى، وتفسير الجلالين وتفسير البيضاوي وتفاسير غيرهما من المفسرين الكرام ، وكتاب الهداية والوقاية، وكتاب النسفي والدواني، وشرح معاني الآثار للطحاوي، وحجة الله بالغة، وما إلى ذلك من مئات الكتب في شتى العلوم والفنون المقرة للتدريس أو غير المقررة له؛ كل ذلك من مؤلفات أولئك العلماء الفضلاء العظام، وكل ذلك فيض من قرائحهم ونتائج أفكارهم وصرير أقلامهم. وكل هؤلاء الكتب يتوفر عليها العلماء والمدرسون والطلاب في مدارسنا وجامعاتنا كلّ وقت، مدفوعين بالحب والإعجاب والتقدير. فلا يُتَصَوَّرُ أن لا نكن الاحترام وعواطف الحب نحو هؤلاء المؤلفين ومشايخهم وأساتذتهم و من قبلهم من الأسلاف ومن قبلهم من الأئمة ورجال الاجتهاد. فحبهم مركوز طبعاً في القلوب؛ لأنهم كانوا – بلا ريب – مخلصين محتسبين ربانيين لا يبتغون من غير ربهم جزاء أو شكوراً.
ولو لم يكن لهم احترام وتقدير في قلوبنا ، لما كان احترامٌ لكتبهم والعلوم التي تنطوي عليها، ولما تَوفَّرْنا عليها متعلمين ومعلمين ، وعكفنا عليها مستفيدين ومفيدين؛ فلا يُتَصَوَّرُ أن نسيء الظن بهم فضلاً عن أن نسيء القول فيهم. ولو جاء من أحد منهم ما يخالف الرأي العام لدى العلماء، لا نقف نحن علماء ديوبند منه موقف الخصم العنيد، وإنما نتأدب معه، ونحاول أن نلتمس لفكرته تلك معنى مناسباً إذا كان – ذلك العالم – ممن تتفق الأمة على مكانته العلمية الدينية. على أن مثل هذه التفردات الفكرية لا تتأتى إلا قليلاً نادراً. أما الخلاف في مسائل الفن وأصول المسائل وقوعدها و وجوهها وعللها، واختلاف الفقهاء في فروع المسائل ، فذلك أمر معتاد يحدث كل يوم ، ويتكرر على الألسنة في فصول الدرس ومحاضرات المدرسين ومذاكرات الطلاب؛ فلو كان مجرد الخلاف مقتضياً لإساءة الادب أو إساءة الظن ، لما عاد أيّ من هؤلاء المؤلفين العظام والأئمة الكرام والفقهاء الجديرين بالاحترام، مستحقاً للاحترام والتقدير. بل إن الاختلاف الذي يدور بين العلماء على أساس من المبادئ والأصول ، يزيدهم عظمة ومكانة في نظرنا؛ لأن خلافاتهم وتأويلاتها تفتح أبواباً من العلوم كثيرة، وتوسع آفاقاً من الأفكار جديدة، تدل من جديد على أن خلافاتهم رحمة.
وخلافات هؤلاء السف، لا ينهض علماء ديوبند لإبطالها والردّ عليها، وإنما يتناولونها بتأويل حسن وإيضاح مُسْتَحْسَن. أما النوادر من أفكارهم ، فهم يفوضونها إلى الله تعالى ولا يسيئون الظن بهم، ويتركون المتشابهات من أقوالهم إلى المحكمات من أفكارهم ، ولا يتناولونهم بالجرح والطعن. وفي مثل هذه المناسبة ينبغي أن نضع في الاعتبار المبدأ الذي قال به الإمام الأوزاعي (عبد الرحمن) المتوفى 157هـ / 774م:
mمن أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام. (سير أعلام النبلاء، 7/125، ط: بيروت 1996م).
ولكن العلماء الذين أشار إليهم الإمام الأوزاعي إنما هم من أنكروا ضروريات الدين، أو لم يبالوا بقطعيات الكتاب والسنة أو كذبوها، فقد خرجوا عن دائرة الإسلام؛ فلا يجوز التماس تأويل لأقوالهم، فضلاً عن التماس العذر لهم.
موقفهم من الفقه والفقهاء
يقف علماء ديوبند فيما يتعلق بالفقه والفقهاء نفس الموقف المعتدل الشامل الذي يقفونه في شأن العلماء والصلحاء. ويتخلص موقفهم من الفقه والفقهاء في أنهم من أجل التفادي من أهواء النفس ومن اللاالتقيد الديني ومن الإعجاب بالرأي الشخصي، ومن أجل صيانة دينهم من التشتت والاضطراب ؛ يرون من اللازم أن يتبعوا فقهاً معيناً وأن يلتزموا الإطار المذهبي لإمام مجتهد واحد. فعلماءُ ديوبند حنفيون في المذهب الفقهي؛ غير أن هذا التقليد والمذهبية أيضاً يتسمان بالتوسط والجامعية ويتنزهان من الإفراط والتفريط. فبينا هم لا يقولون بالحرية الزائدة التي تجعل صاحبها يرفض مبادئ التفقه والاستنباطات النابعة من اجتهادات السلف، إذاً هم لا يتصدّون لإنشاء فقه جديد مستقل مُؤَسَّس على كل قضية مستحدثة ونظراً لظروف كل عهد من العهود ، وبكلمة أخرى لا ينهضون ليعلنوا إصابة رأيهم وفهمهم وحدهما حتى يدّعوا بكونهم مجتهدين مستقلين. وعلى العكس من ذلك لا يقولون في الفقهيات بالجمود والتزمت ، حتى لا يجيزوا الرجوع إلى الكتاب والسنة والمصادر الإسلامية الأصيلة من أجل البحث والتحقيق فيما يتصل بالقضايا الفقهية والمسائل الفرعية أوالتوصل إلى مصادرها ، أو يروا أن وصل المسائل المستنبطة بالكتاب والسنة أو الاطلاع على مزيد من دلائلها، إنما يرادف الإعجاب بالرأي أو الاقتصار على الهوى الفكري.
إنهم مقلدون ومتقيدون بفقه معيّن ؛ ولكنهم في هذا التقليد أيضاً محققون وليسوا بجامدين ؛ إنه تقليد؛ ولكنه ليس تقليداً أعمى. ورغم ما يتمتعون به من التوفيق للتحقيق والدراسة والتفكير، لا يرون أنهم مؤهلون للاجتهاد المطلق.
نعم: ولكنهم في إطار فقه معين لا يرون من الحرام أن يفضّلوا المسائل بعضها على بعض ، أو يأخذوا بعضها ويتركوا بعضها حَسَبَ إيحاءات الزمان والمكان وإملاءات الظروف والمناسبات. ولا يرون الاجتهاد منقطعاً في خصوص الأخذ ببعض المسائل وترك بعض المسائل المماثلة أو المتعارضة في دائرة مذهب فقهي واحد. فجاء مذهبهم متوسطاً بين التقليد الأعمى والاجتهاد المطلق.
علماء ديوبند ليسوا فريسةً للتقليد العشوائي:
فهم ليسوا فريسة للتقليد العشوائي ولا مزاعم الاجتهاد المطلق؛ لأنهم يرون من أجل التحاشي عن الإعجاب بالذات والاستبداد بالرأي واتباع الهوى التقيدَ – إلى جانب الكتاب والسنة – بأقوال السلف وذوقهم الديني . وفي جانب آخر؛ من أجل أن يظلوا على نجوة من الجمود الفكري، يرون من اللازم أن تصدر الفتاوى عن مصادر شرعية أصيلة، وأن يبنى الإفتاء على المبادئ الشرعية المقررة المعتمدة ، وأن يأتي إصدار الحكم في قضية مطروحة مقيساً على الأحكام الفرعية المماثلة المعمول بها من قبل.
فهم لا يقولون بالاجتهاد المطلق بعد المجتهدين في الدين، على أن الاجتهاد المطلق لم يعد له وجود؛ ولكنهم لا يرفضون جنس الاجتهاد، ولا يمنعون عن استخراج العلل والدلائل للفتاوى ، ولا عن استخراج الجزئيات المؤيدة المماثلة لها، ولا عن قياس القضايا الفرعية المستجدة على القضايا المماثلة المتواجدة في المصادر الأصلية ؛ فهم يجمعون بين التقليد والتحقيق.
وبأخذهم بمذهب فقهي معين مهما كانوا غير متعلقين بالمذاهب الأخرى عملاً ، فإنهم متعلقون بها جميعاً علماً و دراسةً وفهماً و مقارنة و تحليلاً . وإذا كانوا يتبعون المذهب الحنفي ويصوّبون المسائل المجتهدة لديه؛ فإنهم في الوقت نفسه يدافعون عن المسائل المعارضة في المذاهب الفقهية الأخرى. وكل ذلك عن علم و بصيرة ودراسة ، وكل ذلك في تأدب بالغ و توسّط كامل واعتدال لا مزيد عليه. وتصويبُهم للمذهب الحنفي لا يعني أبداً أنهم يرون أن الحق الصراح ينحصر في المذهب الحنفي ، وأن المذاهب الأخرى باطلة متعارضة مع الكتاب والسنة ، وإنما يعني أنهم ليسوا مبتدعين ، وإنما مذهبهم هو الآخر يرجع إلى الكتاب والسنة، و يصدرون في المسائل كلها عن مصادر الشرعية الأساسية الموثوق بها لدى الأمة.
إنهم يقلدون المذهب الحنفي ولكنهم يحترمون جميع المذاهب:
فهم يرمون إلى تقديم مذهبهم عى غيره من المذاهب ، ولا يهدفون إلى إبطال المذاهب الأخرى ؛ لأنهم يرون أنها جميعاً مذاهب ترجيحيةً أي يجوز تفضيل بعضها على بعض عن الدراسة والتفكير. وليست تبليغية فلا يجوز التبليغ بها والدعوة إليها والإرشاد بها مقابل التشنيع على غيرها؛ لأن الدعوة إنما تُمارَس إلى الحق الذي يقابله باطل؛ حتى يقبله الناس تاركين وراءهم الباطل ؛ ولا تجوز الدعوة إلى حق يحاذيه حق؛ حيث إن ذلك يكون مرادفاً لإبطال الحق، ولا يكون تقديم حق على حق. والفرق بين هذه المذاهب الفقهية وبين المسائل المنصوص عليها في الكتاب والسنة ، أن الحق يكون في الثانية أصيلاً ، فمقابله يكون باطلاً بالتأكيد ويجب إبطاله والردّ عليه. أما المسائل المجتهدة التي حصلت باجتهاد المجتهد وبتقديمه لنص على نص من النصوص المتعارضة في المصادر الأساسية للشريعة ، فإنما يكون الحق فيها إضافياًّ ؛ حيث يحتمل أن يوجد في النصين كليهما؛ المقدم والمقدم عليه؛ فلا يجوز أن تُجْرَى ههنا عملية الإبطال والرد.
وخلاصة القول أنه سواء أكانت المسألة ثابتة بالاجتهاد ، أو كانت مُرَجَّحَةً بالاجتهاد، كلتا المسألتين تكونان متلبستين بالحق الذي يوصف بـ mالصوابl ويسمى مقابله بـ mالخطأl الذي يُطْلَقُ عليه اسم mالمرجّح عليهl أيضاً، ولا يُطْلَقُ عليه اسم mالباطلl وإلا فلم يكن المجتهد المخطئ ليثاب، بل لابد أن يكون آثماً في كل حل، على حين إنه يثاب في حالة الإصابة وحالة الخطأ معاً. فإذا سمينا قضية اجهادية صواباً، فإنما نصنع ذلك مع احتمال الخطأ، وإذا وصفنا مقابله بكونه mخطأl فإنما نصنع ذلك مع احتمال كونه صواباً.
فعلماءُ ديوبند إنما يضعون نصب أعينهم العمل بالمذهب الحنفي ، ولا يحتمون به ليبطلوا المذاهب الأخرى، ولا يتخذونه وسيلةً إلى الطعن على الأئمة ، ولا يَشْقَوْنَ بتقزيم العمالقة في الإسلام ؛ لأنهم جيمعاً أئمتنا نحن ، نستفيد كل وقت من علمهم، و مدينون نحن لمنتهم الثقافية الدينية بشكل لا نقدر على أن نوفّيهم حقهم من الشكر والتقدير.
وعلى ذلك فالتقليد لإمام إنما يُحَدِّدُ العمل بمذهبه ، ولا يمنع عن العلم بالمذاهب الأخرى والاعتراف بفضلها؛ وإنما يعزز جانباً واحداً من العمل، فيصله بشتى العلوم ، مما يؤدي إلى علوم جديدة توسّع دائرة المعلومات والمعارف. وبذلك يأتي اختلاف الأئمة رحمة واسعة لدوائر العلم والعمل.
إنهم لا يتخذون التقيد بمذهب ذريعة إلى التشنيع على أئمة المذاهب الأخرى:
إن مذهب علماء ديوبند لا يرى من مقتضيات أداء حقوق الحبّ وضرائب التقدير والإعجاب نحو أئمة الاجتهاد ، أن يقوم الإنسان بالتزكية على مذهبه وحده ودعوة الناس إليه، ومنعهم عن المذاهب الأخرى؛ أو أن يكثف المساعي لإحقاقه مقابل إبطالها؛ أو يتصدى للتشنيع على الأئمة الآخرين والسلف الصالحين مقابل إمامة المُتَّبَع وعالمه المقتدي؛ أو ينهض للاستهزاء بمجتهداتهم والمسائل التي عملوا على استنباطها؛ لأن ذلك مدعاة إلى الشقاء في الدنيا والآخرة ؛ لكونه صادراً عن الغرور العلمي، أو عن الشعور بانحصار الحق في المذهب المتبع لدى من يصنع ذلك. وذلك هوالإفراط والتفريط اللذين يتنزّه عنهما مذهب علماء ديوبند ، الذي يرى الاستهزاء بأي قضية مجتهدة – مهما كانت صغيرة – لدى أي من الفقهاء المجتهدين ، أو التعرض لها بإساءة أدب أو بلون من عملية الإبطال والردّ ، يرى ذلك شقاء وضلالاً.
إن احترام الفقهاء والأئمة لا يعني في مذهب علماء ديوبند أن فقههم شريعة أصلية يجب تبليغها إلى الناس، وأن الإمام – معاذ الله – صاحب شريعة جاء بهذه الشريعة الفقهية المستقلة ؛ بل إن مذهبهم يرى أن المجتهدات هذه شرائع فرعية نبعت عن الشرائع الأصلية ، باجتهاد المجتهدين الذي يعرضونها مُسْتَخْرِجِيْنَ من الشرائع الأصلية تلك بعملية الاسنتباط ، ولا يخترعون ولا يتقولون شيئا من عندهم؛ فلا يجوز أن تُمَارَسُ الإهانة في حقهم ، وإنما يجب أن يُقَابَلُوْا بوافي الشكر وكامل التقدير من قبل الأمة جميعاً ؛ حيث إن فراستهم و بصيرتهم ومواهبم – التي أكرمهم الله بها – قد جعتلهم يُجَلُّوْنَ للأمة هذه المسائل المستورة المطوية في كلمات الشريعة . فالواجب علىالأمة معرفة الجميل تجاههم وإزجاء الشكر إليهم ومقابلتهم بضريبة التقدير والأخذُ بتلك المسائل وقاية لدينها من الضياع والاضطراب والتميّع . ولا يجوز لها أبداً أن تتخذ ذلك كله طريقاً إلى التخاصم والتناحر، والاستهزاء والتفاخر. ولا يجوز لها أن تصوّت بالاستنكار في حق من لا يتجاوبون مع ذلك الموقف المزري اللامعقول.
فاتباعُ إمام مجتهد في القضايا المختلف فيها شيء، واتخاذ فقهه ذريعة إلى الرد على فقه الأئمة الآخرين شيء آخر؛ والاقتناعُ بتقديم الفقه المتبع لديه على فقه الأئمة الآخرين شيء، والاستشفاء بالطعن والملام على الأئمة شيء آخر. وعلماءُ ديوبند يتّخذون الموقف الأول، ويتبرؤون بجميع معاني التبرئ من الموقف الثاني.
 
إنضم
29 مارس 2010
المشاركات
133
الجنس
ذكر
التخصص
الشريعة
الدولة
بريطانيا
المدينة
لندن
المذهب الفقهي
حنفي
رد: مذهب علماء ديوبند فيما يتعلق بالعلماء والمؤلفين ..

السلام عليكم

لماذا لم تتحفنا من أين نقلت كلام القارئ المقرئ الشيخ طيب القاسمي الديوبندي رحمه الله؟

كلامه موجود هنا:
http://www.darululoom-deoband.com/arabic/3.htm

ولمشاهدة بقية الصفحات غيِّر الرقم في الرابط.

قال الشيخ غفر الله لنا وله:

فعند التعارض بين الروايات يتركّز الاهتمام لدى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى على صحّة الروايات وقوة السند؛ فهو يأخذ بأصحّ ما في الباب من الروايات ، ويترك الروايات الضعيفة لديه ، أو يجعلها تابعةً للرواية القوية عن طريق التأويل.

وعند الإمام مالك رحمه الله تعالى تتوجه العناية في هذه الحالة إلى الأخذ بعمل أهل المدينة أو بعمل أهل الحرمين ؛ فهو يأخذ بالرواية التي تتفق وعملَهم ، ويردّ ما سواها أو يؤوّلها.

أما الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، فهو عند تعارض الروايات يبحث عن كثرة فتاوى الصحابة رضي الله عنهم؛ فالرواية التي تحظى بهذه الكثرة يأخذ بها، ويترك ما سواها، أو يؤوّلها تأويلاً لائقاً.

ولكن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى يركّز الاهتمام على الجمع بين الروايات...

http://www.darululoom-deoband.com/arabic/9.htm


ومن باب الإنصاف، الشيخ رحمه الله لم يقصد التعصب للمذهب الحنفي، ولكن كلامه يشعر بذلك، وكان قد كتب هذا الكتاب "مذهب علماء ديوبند" في إثبات وسطية الديوبندية في أمور الدين كلها، فبالتالي وقع في نسبة عدم الوسطية إلى الآخرين من الفرق والجماعات والمذاهب شيئا ما، وإن لم يقصد ذلك. ففي الكلام الذي سبق مدح المذهب الحنفي على حساب المذاهب الثلاثة الأخرى كما هو ظاهر.

ولا أدري ماذا سيشعر إخواننا المالكية والشافعية والحنابلة حينما سيسمعون مثل هذا الكلام - أيرضونه أم يأبونه؟

الحقيقة أن إثبات وسطية الديوبندية أو الحنفية لا يصح إطلاقا بهذه الطريقة، غفر الله لنا وله.
 
أعلى