العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الاجتهاد في عصر التشريع

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,137
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
الإخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد؛ فهذا بحثٌ أحببت ألا يبقى محبوساً في ملفاتي الخاصة؛ وقد كتبته من مدة تربو على اثني عشر عاماً؛ وكان أحد أبحاثي الصفيَّة؛ فلعلَّني أستفيد قبل أن أفيد.
علماً بأنه مُناقَش من قِبَل المشرف عليه؛ وكانت مدة مناقشته لي فيه قرابة الساعتين والنصف.
وعنوانه:

[font=mcs taybah s_u normal.]الاجتهاد في عصر التشريع[/font]
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,137
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: الاجتهاد في عصر التشريع

الفصل الثاني: مسائل الاجتهاد في عصر التشريع
وفيــه مبحثــــــان : -

  • المبحث الأول : اجتهـــاد النبـــي صلى الله عليه وسلم .
  • المبحث الثاني : اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم في عصر التشريع .
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,137
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: الاجتهاد في عصر التشريع

المبحث الأول: اجتهـــاد النبـــــي صلى الله عليه وسلم
وفيـــه سبعـــة مطالـــب : -
* المطلب الأول: تحرير محل النّزاع في المسألة.
* المطلب الثاني: الجواز العقلـــــي.
* المطلب الثالث: الوقوع الشرعـــي.
* المطلب الرابع: الخلاف في وقوع اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم.
* المطلب الخامس: حكم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في اجتهاده.
* المطلب السادس: أمثلة على اجتهادات النبي صلى الله عليه وسلم.
* المطلب السابع: الحِكمة من اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم مع اتصاله بالوحي.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,137
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: الاجتهاد في عصر التشريع

المطلب الأول: تحرير محل النـّزاع في المسألة

اتفق العلماء على أنه لا يجوز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما فيه نصٌّ إلهي[SUP]([1])[/SUP].
واختلفوا في جواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم عقلًا فيما لا نصَّ فيه على مذهبين:
-المذهب الأول[SUP]([2])[/SUP]: شَذَّت طائفة، فمنعت الجواز في اجتهاده عقلًا، ومن باب أولى إنكار وقوعه شرعًا[SUP]([3])[/SUP].
-المذهب الثاني[SUP]([4])[/SUP]: مذهب جمهور العلماء[SUP]([5])[/SUP] على جواز اجتهاده عقلًا.
واختلف جمهور العلماء في وقوعه شرعًا فيما بينهم على قولين مشهورين:
*القول الأول[SUP]([6])[/SUP]: وقوع الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان مأمورًا به مطلقًا، في الأحكام الشرعية والحروب والأمور الدينية من غير تقييد بشيء منها، أو من غير تقييد بانتظار الوحي.
وهذا مذهب أكثر أهل العلم وعامة الأصوليين ومالك والشافعي وأحمد وعامة أهل الحديث[SUP]([7])[/SUP].
*القول الثاني: منهم من أنكر الوقوع مطلقًا[SUP]([8])[/SUP].
وأغلبهم فَصَّل:
- فَجَوَّز قوم اجتهاده صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بمصالح الدنيا وتدبير الحروب، وكذلك تصرفات القضاء، وفصل الخصومات[SUP]([9])[/SUP].
- ومنع آخرون وقوع اجتهاده في الأحكام الشرعية، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يصح أن يكون مأمورًا بالاجتهاد[SUP]([10])[/SUP].
وهذا مذهب الأشاعرة[SUP]([11])[/SUP] وأكثر المعتزلــــــــــــــــــــــــــــــــــة[SUP]([12])[/SUP]
والمتكلمــــــــين[SUP]([13])[/SUP].
وتَلَخـَّص مما سبق: أن جمهور العلماء الذين قالوا باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا نصَّ فيه، اتفقوا على أمرين:
-الأمر الأول: اتفقوا على جواز وقوع اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بمصالح الدنيا، وتدبير الحروب.
وممن نقل حكاية الإجماع: ابن النجار الفتوحي[SUP]([14])[/SUP] في شرحه على الكوكب المنير، والشوكاني[SUP]([15])[/SUP] في كتابه إرشاد الفحول[SUP]([16])[/SUP].
-الأمر الثاني: ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بتصرف القضاء وفصل الخصومات وأمور المحاكمات، فهو مجمع عليه أنه لا يفتقر إلى الوحي[SUP]([17])[/SUP].
*والذي اختلف فيه جمهور العلماء هو: في وقوع اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه فيما يتعلق بالأحكام الشرعية على قولين[SUP]([18])[/SUP]، يأتي بحثها في مسألتين.
أولاهما: جواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا نصّ فيه فيما يتعلق بالأحكام الشرعية.
ثانيهما: وقوع اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا نصّ فيما يتعلق بالأحكام الشرعية.



([1]) ينظر: شرح مختصر الروضة: (3/246).

([2]) المصدر السابق، الإبهاج في شرح المنهاج: (3/246)، تنقيح الفصول: ص(436)، الإحكام في أصول الأحكام: (3/398)، المُسَوَّدَة: ص(506)، مناهج العقول: (3/264، 265)، نهاية السول: (4/531)، التقرير والتحبير: (3/296)، تيسير التحرير: (4/185)، شرح الكوكب المنير: (4/474-476).

([3]) وهو قولُ أبي علي الجُبَّائي -شيخ المعتزلة- وابنه أبي هاشم.

([4]) ينظر: المنخول: ص(468)، الإحكام في أصول الأحكام: (3/398)، المُسَوَّدَة: ص(506، 507)، مناهج العقول: (3/264)، نهاية السول: (4/530، 531)، نفائس الأصول: (9/3814)، التقرير والتحبير: (4/185)، العدة: (5/1578)، شرح الكوكب المنير: (4/474، 475)، إرشاد الفحول: (3/845).

([5]) من الشافعية والحنابلة وأكثر المالكية، منهم القاضي عبدالوهاب والقاضيان أبو يوسف، وعبدالجبار، وأبو الحسين، والقاضي في التقريب.
[البحر المحيط: (8/248)، الإبهاج في شرح المنهاج: (3/246)].

([6]) ينظر: العدة: (5/1578)، شرح مختصر الروضة: (3/594)، فواتح الرحموت: (2/366)، كتاب التلخيص: (3/399، 400)، تنقيح الفصول: ص(436)، الإحكام في أصول الأحكام: (3/398)، مناهج العقول: (3/265)، نهاية السول: (4/531)، نفائس الأصول: (9/3812، 3813، 3815)، التقرير والتحبير: (3/296)، تيسير التحرير: (4/185)، شرح الكوكب المنير: (4/474-477)، إرشاد الفحول: (3/845، 846).

([7]) وهو اختيار أبي يوسف والآمدي وابن الحاجب وابن بطة والقاضي وابن عقيل وأبو الخطاب. [شرح مختصر الروضة: (3/399، 400)، الإبهاج في شرح المنهاج: (3/246)، البحر المحيط: (8/250)، المُسوَّدَة: ص(506، 507)].

([8]) ينظر: البحر المحيط: (8/250).

([9]) ونقل صاحب التقرير والتحبير: (3/296) قوله: « وذكر ابن أبي هريرة والماوردي أن في وجوب الاجتهاد عليه بعد جوازه له وجهين، وصحَّح ابن أبي هريرة الوجوب، وقال الماوردي: والأصح عندي التفصيل في حقوق الآدميين، فيجب عليه؛ لأنهم لا يَصِلُون إلى حقوقهم إلا بالاجتهاد، ولا يجب في حقوق الله » ا.هـ. وقال الغزالي في المنخول: ص(468): « أما وقوعًا، فالغالب على الظن أنه كان لا يجتهد في القواعد وكان يجتهد في الفروع » ا.هـ.

([10]) وحكاه أبو منصور عن أصحاب الرأي، وهو ظاهر اختيار ابن حزم، وقال القاضي في التقريب: « كل من نفى القياس أحال تعبده صلى الله عليه وسلم به » ا.هـ [البحر المحيط: (8/247، 248)].

([11]) الأشاعرة: فرقة كلامية إسلامية، تنسب لأبي الحسن الأشعري، الذي مرت حياته بثلاث مراحل، فعاش في أوائل حياته في كنف أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في عصره وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته، وفي مرحلته الثانية ثار فيها على مذهب الاعتزال الذي كان ينافح عنه، ودعى إلى التمسك بالكتاب والسنة على طريقة ابن كُلَّاب وهي تثبت بالعقل الصفات العقلية السبع فقط لله تعالى، (الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام)، ثم إنه رجع في آخر حياته إلى إثبات الصفات جميعها لله تعالى من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تبديل ولا تمثيل، وفي هذه المرحلة كتب كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي عبَّـر فيه عن تفضيله لعقيدة السلف ومنهجهم، والذي كان حامل لوائه الإمام أحمد بن حنبل، توفي سنة 322هـ، ودفن ببغداد، من أبرز أئمة الأشاعرة: 1) القاضي أبو بكر الباقلاني (328-403هـ). 2) أبو إسحاق الشيرازي (293-476هـ). 3) أبو حامد الغزالي (450-505هـ). 4) أبو إسحاق الإسفراييني (ت418هـ). 5) إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (419-478هـ). 6) الإمام الفخر الرازي (544-606هـ).
وعقيدة الأشاعرة تنسب إلى عقيدة أهل السنة والجماعة بالمعنى العام في مقابل الخوارج والشيعة والمعتزلة، وأن الأشاعرة وبخاصة أشاعرة العراق الأوائل أمثال: أبو الحسن الأشعري، والباهلي، وابن مجاهد، والباقلاني، وغيرهم، أقرب إلى السنة والحق من الفلاسفة والمعتزلة بل ومن أشاعرة خراسان كأبي بكر بن فورك وغيره، وإنهم ليحمدوا على مواقفهم في الدفاع عن السنة والحق في وجه الباطنية والرافضة والفلاسفة، فكان لهم جهد محمود في هتك أستار الباطنية وكشف أسرارهم، بل وكان لهم جهادهم المشكور في كسر سورة المعتزلة والجهمية، وعلى ذلك فإن حسناتهم على نوعين كما صرّح شيخ الإسلام ابن تيمية: « إما موافقة السنة والحديث، وإما الرد على من خالف السنة والحديث ببيان تناقض حججهم »، ويقول أيضًا: « ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل، وخير الأمور أوسطها » [درء التعارض]، وفي كتاب النبوات يقول: « حيث إن خطؤهم بعد اجتهادهم مغفورة »، وأخيرًا يقول في درء التعارض: « فإن الواحد من هؤلاء له مساعٍ مشكورة في نصر ما نصره من الإسلام والرد على طوائف من المخالفين لما جاء به الرسول فحمدهم والثناء عليهم بما لهم من السعي الداخل في طاعة الله ورسوله، وإظهار العلم الصحيح … وما من أحد من هؤلاء ومن هو أفضل منه إلا وله غلط في مواضع » ا.هـ. [الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب: (1/87-98)].

([12]) المعتزلة: هم إحدى الفرق التي خالفت أهل السنة والجماعة في كثير من أصول العقيدة وفروعها، وقد تعدّدت فرقها حتى بلغت عشرين فرقة، وقيل سبب تسميتهم بذلك: إن رئيس المعتزلة –واصل بن عطاء الغزال (80-131هـ)- الذي كان تلميذًا للحسن البصري، كان يقول: إن الفاسق بين منزلتين: "لا كافرًا ولا مؤمنًا"، ولما سمع منه الحسن البصري هذا طرده من مجلسه وحلقته، فاعتزل عند سارية من سواري المسجد وانضم إليه عمرو بن عبيد، فلما اعتزلا قيل لهما ولمن تبعهما: معتزلة، ويسمون أهل العدل والتوحيد، وبعض العلماء يطلق عليهم "القدرية"، من أهم علماء المعتزلة في أصول الفقه: القاضي عبدالجبار بن أحمد، وأبو علي وأبو هاشم الجبائيان، وأبو الحسين البصري، والنَّظَّام، ويلاحظ عود الفكر الاعتزالي من جديد في الوقت الحاضر، على يد بعض الكتاب والمفكرين الذين يمثلون المدرسة العقلانية الجديدة، وألبسوا هذه الدعوات ثوبًا جديدًا، وأطلقوا عليها أسماء جديدة، مثل: العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرير الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي، وحاولوا تفسير النصوص الشرعية وفق العقل الإنساني، فلجأوا إلى التأويل، كما لجأت المعتزلة من قبل، ثم أخذ ما يتلمسون في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصوّرهم، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم، فأنكروا المعجزات المادية، وما تفسير الشيخ محمد عبده لإهلاك أصحاب الفيل بِوَبَاءِ الحَصْبَة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل … إلّا من هذا القبيل، وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر، وأخطر ما في هذا الفكر الاعتزالي .. محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص اليقيني من الكتاب والسنة … مثل عقوبة المرتدّ، وفرضية الجهاد والحدود، وغير ذلك … فضلًا عن موضوع الحجاب وتعدد الزوجات والطلاق والإرث… وطلب أصحاب هذا الفكر إعادة النظر في هذا كله … وتحكيم العقل في هذه المواضيع، ومن دعاة الفكر الاعتزالي الحديث: سعد زغلول الذي نادى بنزع الحجاب عن المرأة، وقاسم أمين مؤلف كتاب "تحرير المرأة والمرأة الجديدة"، ولطفي السيد الذي أطلقوا عليه "أستاذ الجيل"، وطه حسين الذي أسموه "عميد الأدب العربي"، وأتباع المعتزلة الجدد وقعوا فيما وقع فيه أسلافهم، وذلك أن ما يعرضونه إنما الهدف منه أن يظهر الإسلام بالمظهر المقبول عند أتباع الحضارة الغربية والدفاع عن نظامه العام قولًا بأنه إن لم يكن أحسن من معطيات الحضارة الغربية فهو ليس بأقل منها، ولذا فلا بد أن يتعلم الخلف من أخطاء سلفهم ويعلموا أن عزة الإسلام وظهوره على الدين كله هي في تميز منهجه وتفرد شريعته واعتباره المرجع الذي تقاس عليه الفلسفات والحضارات في الإطار الذي يمثله الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح في شمولهما وكمالهما.
[الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب: (1/69-80)، وروضة الناظر بتحقيق د. عبدالكريم النملة: (1/158)].

([13]) ينظر: فواتح الرحموت: (2/366)، الإبهاج في شرح المنهاج: (3/247)، تنقيح الفصول: ص(436)، الإحكام في أصول الأحكام: (3/398)، المسوَّدة: ص(506، 507)، مناهج العقول: (3/264، 265)، نهاية السول: (4/531،532)، نفائس الأصول: (9/3806، 3807)، تيسير التحرير: (4/185)، العدة: (5/1581)، شرح الكوكب المنير: (4/474-477)، إرشاد الفحول: (3/844، 845).

([14]) هو: محمد بن أحمد بن عبدالعزيز الفتوحي، تقي الدين أبو البقاء، الشهير بابن النجَّار، فقيه حنبلي مصري، من القضاة، ولد سنة 898هـ، وتوفي سنة 972هـ، قال الشعراني: صحبته أربعين سنة فما رأيت عليه شيئًا يشينه، وما رأيت أحدًا أحلى منطقًا منه ولا أكثر أدبًا مع جليسه، له "منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات". [ينظر: الأعلام للزركلي: (6/233)].

([15]) هو: محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، من أهل صنعاء، ولد بهجرة شوكان، (من بلاد خولان باليمن)، سنة 1173هـ، ونشأ بصنعاء، وولي قضاءها سنة 1229هـ، ومات حاكمًا بها سنة 1250هـ، وكان يرى تحريم التقليد، توفي وله (114) مؤلفًا، منها: "نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار- ط" ثماني مجلدات، و"فتح القدير- ط" في التفسير خمسة مجلدات، و"الدرر البهية في المسائل الفقهية"، و"إرشاد الفحول- ط" في أصول الفقه، و"السيل الجرار- ط" جزآن في نقد كتاب الأزهار"، و"الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد-ط" رسالة. [ينظر: الأعلام للزركلي: (6/268)].

([16]) ينظر: شرح الكوكب المنير: (4/474)، إرشاد الفحول: (3/844-845).

([17]) ينظر: إتحاف ذوي البصائر: (8/45، 46).

([18]) -
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,137
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: الاجتهاد في عصر التشريع

المطلب الثاني: الجواز العقلـــــي[SUP]([/SUP][1][SUP])[/SUP]

*اختلف العلماء في جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم فيما لم يوح إليه فيه، على مذهبين[SUP]([2])[/SUP]:
· المذهب الأول: قالوا: إنه لا يجوز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم فيما لم يُوْحَ إليه فيه.
وذهب إلى ذلك قلة من المعتزلة[SUP]([3])[/SUP]، وبعض الشافعية، ومن شَذَّ من الحنفية[SUP]([4])[/SUP].
*واستدلوا على عدم جواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم بأدلة، من أشهرها:
-الدليل الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قادر على معرفة الحكم بالوحي الذي يفيد العلم قطعًا، وكل من كان قادرًا على العلم القطعي لا يجوز له العمل بالظن.
وعليه: فلا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم العمل بالظن الحاصل بالاجتهاد.
ويجاب عنه بجوابين:
الجواب الأول: لا يُسَلَّم لكم كون الرسول صلى الله عليه وسلم قادرًا على معرفة الحكم بالوحي؛ لأن الوحي ليس في اختياره، ينزل عليه متى شاء، فلذلك قد يضطر إلى الاجتهاد.
الجواب الثاني: أنه لا مانع من أن يأذن الله سبحانه وتعالى ويأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في بعض الأحيان، وحينئذٍ لا يسعه إلا الانقياد.

-الدليل الثاني
:
أن قول النبي صلى الله عليه وسلم نصٌّ قاطع وحجة قاطعة على من سمعه مشافهةً، أو بلَّغه عن طريق التواتر، والاجتهاد لا يفيد إلا الظن؛ لأنه يتطرق إليه احتمال الخطأ فإذا جَوَّزنا الاجتهاد للرسول صلى الله عليه وسلم حصل تضادٌّ بين أمرين، وهما:
- كون قول الرسول صلى الله عليه وسلم يفيد القطع.
- وبين اجتهاده حيث إنه لا يفيد إلّا الظن، فالقطع غير الظن فكيف يجتمعان؟!
ويجاب عن ذلك:
بأن لو قيل للرسول صلى الله عليه وسلم إنّ ظنك علامة على حكم الله سبحانه وتعالى فيكون قد استيقن الظن والحكم معًا.
وعليه: فلا تنافي بين معرفته الحكم بالوحي، ومعرفته إيّاه بالاجتهاد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما ظن الحكم بالاجتهاد فإنه يقطع بكونه حكم الله سبحانه وتعالى في الحادثة، وذلك على رأي المُصَوِّبة.
ولوجود الفارق بين اجتهاده واجتهاد غيره من أمّته على رأي المخطِّئة فإن اجتهاده صلى الله عليه وسلم لا يقبل الخطأ عند بعضهم، فتكون حصيلته القطع بالحكم.


([1]) أي: بحث مسألة الجواز العقلي في اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا نصّ فيه، فيما يتعلق بالأحكام الشرعية، أي: فهل العقل يجيز ذلك.

([2]) ينظر: الإبهاج في شرح المنهاج: (3/246)، الإحكام في أصول الأحكام: (3/398)، الوصول إلى الأصول: (2/379-382)، التبصرة: ص(521)، المسائل الأصولية لأبي يعلى: ص(82، 83)، كتاب التلخيص: (3/399، 400)، شرح المنهاج للبيضاوي: (2/823)، نهاية السول: (4/530، 531)، المستصفى: (2/355)، فواتح الرحموت: (2/366)، مناهج العقول: (3/264)، شرح الكوكب المنير: (4/475)، العدة: (5/1578-1581)، تيسير التحرير: (4/183-185)، المسوَّدة: ص(507)، التقرير والتحبير: (3/296)، البحر المحيط: (8/248)، تنقيح الفصول: ص(436)، نفائس الأصول: (9/3814-3815)، روضة الناظر: (3/969-974)، شرح مختصر الروضة: (3/593-595)، شرح اللمع: (2/1091-1095)، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام: ص(164)، إرشاد الفحول: (3/845)، تهذيب الأسنوي: (3/244-245)، مسلم الوصول لشرح نهاية السول: (4/530، 531)، الوجيز في أصول التشريع: (503، 504)، إتحاف ذوي البصائر: (8/46، 47).

([3]) منهم: أبو علي الجُبَّائي -رئيس المعتزلة- وابنه أبو هاشم.

([4]) وحُكِيَ عن أبي منصور.
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,137
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: الاجتهاد في عصر التشريع

* المذهب الثاني:
قالوا: بجواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم فيما لم يُوْحَ إليه فيه، وهو قول جمهور الفقهاء والأصوليين والمحدثين.
قال صاحب فواتح الرَّحموت: « لكن عند الحنفية كان مُتَعَبَّدًا -بجواز الاجتهاد- بعد انتظار الوحي إلى خوف فوات الحادثة؛ لأن اليقين لا يترك عند إمكانه فيذهب إلى المظنون وهذا أمر معقول ضروري، وإنكاره مكابرة » [SUP]([1])[/SUP].
واستدل الجمهور على ذلك بأدلة منها:
-الدليل الأول: أنه ليس بمحال في ذاته، ولا يفضي إلى محال ولا مفسدة فلا يلزم من فرض تعبده صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد شيء من ذلك، وكل ما كان كذلك كان جائزًا عقلًا.
-الدليل الثاني: أن الاجتهاد طريق لأمته، والنبي صلى الله عليه وسلم يشارك أمته فيما لم يرد فيه تخصيص له، أو تخصيص لهم، والاجتهاد قد أمرت أمته به لإيجاد أحكام شرعيته للحوادث المتجددة، لكي تكون الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، فهو صلى الله عليه وسلم يشارك أمته في الاجتهاد ليتم الاقتداء به.
وعليه: فيجوز له الاجتهاد صلى الله عليه وسلم مثل غيره، وليس في العقل ما يحيله في حقه، ويصححه في حق أمته.
* الترجيــــــــح:
والراجح أنه يجوز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه فيما يتعلق بالأحكام الشرعية، وهذا ما ذهب إليه جمهور علماء الأمة: من الفقهاء والأصوليين والمحدثين.
وسبب الترجيح:
ضعف القول المخالف في المسألة، والقائلين به شواذّ.
إضافة لضعف أدلتهم وورود المناقشة عليها، وسلامة قول الجمهور من المناقشة؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن مُتَعبّدًا بالاجتهاد لما وقع منه، والوقوع دليل على الجواز.
ويأتي في المسألة الآتية..


([1]) ينظر: فواتح الرحموت: (2/366)، التقرير والتحبير: (3/294)، تيسير التحرير: (4/183).
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,137
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: الاجتهاد في عصر التشريع

* المطلب الثالث: الوقوع الشرعـــي[SUP]([/SUP][1][SUP])[/SUP]

بعد عرض مسألة جواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم عقلًا وشذوذ الطائفة المانعة للجواز، فإن الجمهور لما جوَّزوا عقلًا اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في الأحكام الشرعية اختلفوا في وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم على قولين[SUP]([2])[/SUP]:
* القول الأول:
أن الاجتهاد لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مذهب بعض الحنابلة[SUP]([3])[/SUP]، وبعض الشافعية وكثير من المتكلمين[SUP]([4])[/SUP].
واستدلوا على ذلك بأدلّة منها:
-الدليل الأول: قوله تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) [النجم:3،4].
ووجهة استدلالهم بالآية: أن هذه الآية بينت أن كل ما ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم وحيٌ، وعليه فلا يبقى للاجتهاد مجال؛ لأن قوله: (إِنْ هُوَ) راجع إلى النطق، أي إنما ينطق به فهو وحي من عند الله.
ويجاب عن استدلالهم بالآية بجوابين:
الجواب الأول:
لا يُسَلَّم لكم عموم الآية حتى تشمل ما ادعيتموه، بل كان ورود هذه الآية ردًّا على ما كان يَتَفَوَّه به الكفار تجاه النبي صلى الله عليه وسلم وأن ما جاء به من القرآن لم يُوْحَ إليه من عند الله إنما افتراه من عند نفسه، كما أخبر الله تعالى عن فريتهم، بقول: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا (5) قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6))[الفرقان:4-6].
فلا يمكن حمل الآية على العموم؛ لأن بعض ما ينطق به الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من الوحي قطعًا، فلا تمنع دلالة الآية أن يتكلم الرسول صلى الله عليه وسلم بغير القرآن أو الوحي.
الجواب الثاني: على فرض التَّسليم بعموم الآية وأنها في جميع ما نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن وغيره، إلا أن ذلك لا ينفي اجتهاده صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لو كان مُتَعَبَّدًا بالاجتهاد بواسطة الوحي لما كان اجتهاده نطقًا عن الهوى بل كان بالوحي.
وحُكْمُ النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد إمّا صوابٌ من أوَّل الأمر، أو يحتمل الخطأ في بادئ أمره، لكن الله سبحانه وتعالى يرشده إلى الصواب أو يقرّه عليه، فظهر أنه لا يحتمل إلّا الحقّ.
-الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان مأمورًا بالاجتهاد ومتعبدًا به لأجاب عن كل واقعة سئل عنها، ولما انتظر الوحي؛ لأن الاجتهاد هو الوسيلة لمعرفة الحكم فيما لا قاطع فيه لكنه توقف في غير ما حادثة[SUP]([5])[/SUP] وانتظر الوحي، فانتظاره الوحي دليل على عدم أمره بالاجتهاد وأنه لم يكن متعبدًا به.
وعليه: فلم يقع منه اجتهاد.
ويجاب عنه: أن توقف النبي صلى الله عليه وسلم عن الاجتهاد في بعض الوقائع والحوادث، وانتظاره للوحي لا يلزم منه عدم تَعَبُّده بالاجتهاد في جميع الحوادث؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يجتهد حال حدوث الحادثة، بل كان ينتظر الوحي فإذا لم ينزل عليه الوحي وخشي الفوات اجتهد، وتأخره قد يكون بسبب السعة في الوقت أو أنه لم ينقدح في ذهنه اجتهاد في حينها، أو لكون المسألة لا تقبل الاجتهاد أو مما نهي فيه عن الاجتهاد.
-الدليل الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان مأمورًا بالاجتهاد لوقع منه ولاستفاض نقله، لكنه لم يستفض النقل عنه، فدلّ على أنه لم يقع منه اجتهاد.
ويجاب عنه: بأن الاجتهاد وقع منه صلى الله عليه وسلم واستفاض، ونقل إلينا بطرق مختلفة تثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد في أمورٍ كثيرة، وسبق من الأدلة، ويأتي ما يدل على وقوع الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم .
-الدليل الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان مجتهدًا ووقع منه الاجتهاد لاختلفت اجتهاداته، حالُهُ فيه كحال غيره من المجتهدين، ولو اختلفت اجتهادات النبي صلى الله عليه وسلم لترتب على ذلك اختلاف أحكامه التي يصدرها، فيتهم بسبب ذلك بتغيُّـر رأيه وبوضع الشريعة، ولكنه لم يتهمه بذلك ولم تتغيَّـر أحكامه.
دلّ ذلك: على أنه لم يقع منه الاجتهاد.
ويجاب عنه: بأن اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم مثل اجتهادات غيره تَتَغَيَّـر وتَتَبَدَّل في قضايا متشابهة حتى تُوَجَّه إليه هذه التهمة.
فهو إذ يخطئ صلى الله عليه وسلم
في بعض اجتهاداته مما يكون سببًا في تغيير نتائجها، إلّا أنه ينزل عليه الوحي مُصَحِّحًا خطأه.
وبذلك: يكون مجتهدًا من غير أن يصدر منه ما يوجب هذا الاتهام.



([1]) أي: بحث مسألة: هل وقع تَعَبُّدٌ شرعي من النبي صلى الله عليه وسلم باجتهاده في الأحكام الشرعية فيما لم يوحَ إليه فيه وحي؟

([2]) ينظر: شرح مختصر الروضة: (3/595-601)، فواتح الرحموت: (2/366-372)، التقرير والتحبير: (3/256-301)، تيسير التحرير: (4/185-193)، المستصفى: (2/356-357)، البحر المحيط: (8/250-254)، الإبهاج في شرح المنهاج: (3/246-252)، الوصول إلى الأصول: (2/379-382)، الإحكام في أصول الأحكام: (3/399-407)، المسائل الأصولية لأبي يعلى: ص(82، 83)، التبصرة: ص(521-525)، كتاب التلخيص: (3/404-410)، شرح اللمع: (2/1091-1095)، تنقيح الفصول: ص(436)، شرح المنهاج للبيضاوي: (2/823-826)، المسوَّدة: ص(507-510)، العدة: (5/1578-1587)، شرح الكوكب المنير: (4/476-480)، مناهج العقول: (3/265-268)، تهذيب شرح الأسنوي: (3/244-247)، نهاية السول: (4/534-538)، التحصيل من المحصول: (2/281-284)، نفائس الأصول: (9/3807، 3812، 3813، 3815)، إرشاد الفحول: (3/844-847)، روضة الناظر: (3/969-974)، اتحاذ ذوي البصائر: (8/51-63).

([3]) -

([4]) -

([5]) كما في اللعان والظهار.
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,137
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: الاجتهاد في عصر التشريع

* القول الثاني:
أن الاجتهاد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مذهب جمهور العلماء من الحنابلة والشافعية والمالكية وبعض الحنفية.
واستدلوا على ذلك بأدلة، من أشهرها:
-الدليل الأول: عموم قوله تعالى: ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) [الحشر:2].
ووجه الدلالة من الآية: أن الله أمر أهل البصائر أن يعتبروا ويقيسوا الأشياء بغيرها، وأن يَرُدُّوا الشيء إلى نظيره، وهو عامٌ لجميع أهل البصائر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى أهل البصائر رتبةً، وأرفعهم منزلة، فهو بالاعتبار أولى؛ لأنه أعرف الناس بما أنزل إليه وأكثرهم اطلاعًا على شرائط القياس، وبما يجوز فيه وبما لا يجوز، وهو أولى المأمورين به، فلو لم يرجح على غيره، فلا أقلَّ من أن يساويهم فيه، وهو واحد ممن شملهم الخطاب، ولو لم يأْتمر لانقدح في عصمته صلى الله عليه وسلم .
-الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لما أَسَروا الأُسارى -يوم بدر- فقال: [SUP](([/SUP] ما ترون في هؤلاء الأُسارى؟ [SUP]))[/SUP] فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العمِّ والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قُوَّة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [SUP](([/SUP] ما ترى؟ يا ابن الخطى! [SUP]))[/SUP] فقال: لا، والله! يا رسول الله! ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تُمكِّنَّا فنضرب أعناقهم … ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما قاله أبو بكر، ولم يَهْو ما قال عمر، فأنزل الله: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) إلى قوله: (فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنفال:67-69]، فأحلّ الله الغنيمة لهم. الحديث مختصرًا بنحوه[SUP]([1])[/SUP].
فعاتب الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم يوم بدر على أخذه الفداء مقابل إطلاق سراح الأسرى، وأنزل الله عليه: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:67].
ولو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عمل باجتهاده، لما عاقبه الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لا عتاب على العمل بالوحي؛ لأنه لا خطأ فيه.
-الدليل الثالث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: [SUP](([/SUP] حرَّم الله مكة، فلم تحلَّ لأحدٍ قبلي، ولا لأحدٍ بعدي، أُحِلَّت لي ساعةً من نهار: لا يـُختلَـى خلاها، ولا يُعْضَدُ شجرها، ولا يُنَفَّر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلّا لمُعرِّف [SUP]))[/SUP]، فقال العباس رضي الله تعالى عنه: إلّا الإذْخِرُ لصاغَتِنَا وقبورنا. فقال: [SUP](([/SUP] إلّا الإذْخِر [SUP]))[/SUP] [SUP]([2])[/SUP].
وفي هذا الحديث دليلٌ على أنه لما بين له الحاجة إلى الإذخر أباحه بالاجتهاد وللمصلحة.
-الدليل الرابع: أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب فقال: [SUP](([/SUP] أيها الناس! قد فرض عليكم الحج فحُجُّوا [SUP]))[/SUP] فقال رجل: أكُلّ عامٍ؟ يا رسول الله! فَسَكَت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [SUP](([/SUP] لو قلت: نعم لوجبت وَلَمـَا استطعتم [SUP]))[/SUP] [SUP]([3])[/SUP].
قال الإمام النووي[SUP]([4])[/SUP] رحمه الله: « وأما قوله صلى الله عليه وسلم: [SUP](([/SUP] لو قلت: نعم، لوجبت [SUP]))[/SUP]
ففيه دليل للمذهب الصحيح، أنه صلى الله عليه وسلم له يجتهد في الأحكام ولا يشترط في حكمه أن يكون بوحي » [SUP]([5])[/SUP].
وظاهر فعل النبي صلى الله عليه وسلم الاجتهاد، ولو لم يكن له الاختيار في الاجتهاد لما قال ما قال.
والأدلة الدالة على وقوع الاجتهاد الشرعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة كثيرة جدًّا.
وكما قال الشوكاني رحمه الله تعالى: « والاستيفاء لمثل هذا يفضي إلى بسط طويل … ، ولم يأت المانعون بحجّة تستحق المنع، أو التوقف لأجلها » [SUP]([6])[/SUP].
* الترجيــــــــح:
والراجح أن الاجتهاد وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحكام الشرعية، من غير أن يُوحى إليه بوحي.
وهذا هو القول الصواب، وهو ما عليه جماهير علماء المذاهب.
وسبب الترجيح:
وجاهة ما استدل به الجمهور.
وضعف أدلة المخالفين، لما ورد عليها من المناقشة.
إضافة لما فيها من مغالطة للحقائق، ونَسْفٍ لمدلول الوقائع.


([1]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في: كتاب الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم، حديث رقم (4563)، (12/307، 308).

([2]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، في: كتاب الجنائز، باب: الإذخر والحشيش في القبر، حديث رقم (1349).
والإذخر، هو: الحشيش الأخضر، وهو حشيش طَيِّب الرِّيح. [ينظر: القاموس المحيط: (1/559)، باب الراء، فصل الذال، مادة "ذخر"].

([3]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في: كتاب الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر، حديث رقم (3244)، وهو في المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: (9/105، 106).

([4]) هو: يحيى بن شرف بن مرّي بن حسن الخزامي الحوراني، النّووي (النواوي) الشافعي، أبو زكريا، محي الدين، علّامة بالفقه والحديث، ولد سنة 631هـ في نوا (من قرى حوران بسورية) وإليها نسبته، تعلم في دمشق، وأقام بها زمنًا طويلًا، توفي سنة 676هـ.
كتبه كثيرة مشهورة، منها: "المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج-ط" و"منهاج الطالبين-ط". [ينظر: الأعلام للرزكلي: (8/149-150)].

([5]) ينظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: (9/106).

([6]) ينظر: إرشاد الفحول: (3/847).
 
التعديل الأخير:
إنضم
25 نوفمبر 2015
المشاركات
20
الكنية
أبو عمر
التخصص
الدعوة الإسلامية
المدينة
قطاع غزة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الاجتهاد في عصر التشريع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك على هذا البحث الثمين , والله أسأل أن يكون ذخرا لك في ميزان حسناتك .
أستميحك عذراً . فلقد أوقفتني جملة في البحث جاء فيها

  • أولاً: كون الاجتهاد فرضُ عين:

وذلك في حالين:
الحال الأولى[SUP]([2])[/SUP]: اجتهاد المجتهد في حقِّ نفسه فيما نزل به من حادثة؛ لأن المجتهد لا يجوز له أن يُقَلِّد غيره في حقِّ نفسه، كما أنه لا يجوز له أن يُقَلِّد غيره في حق غيره.

____________________________________________________________
فهنا ذكرت أن المجتهد لا يجوز له أن يقلد غيره سؤاء كان الاجتهاد لمعرفة الحكم له أو لغيره ,وفيها مقال ..
أولاً : ذكر أنواع المجتهدين قبل حكم الاجتهاد عندهم , سؤاء مجتهد المسألة أو المذهب أو المطلق , ثم بيان حكم اجتهاد كل نوع .
ثانياً : المجتهد لا يجوز له أن يترك الحكم الذي توصل له إلا في أربع حالات منها وجوبا ومنها على الاستحباب وهي :
1) اذا ظهر الدليل المستند إليه بأنه أضعف من دليل المجتهد الآخر ففي هذه الحالة يحرم عليه البقاء على رأيه الذي توصل إليه بإجتهاده وهذا ما حصل مع الخلفاء الراشدين عندما يجتهدوا في مسألة ثم يتبين ضعفه , والمشهور أن الإمام على رضي الله عنه أنقد أبو بكر وعمر وعثمان من العديد من القضايا , وقد تركوا رأيهم لرأيه ... .
2)إذا ظهر أن هناك مجتهد أقوي في ربط الواقع بالليل هنا يجوزللمجتهد ترك رأيه له فقد صح عن الشعبي أن أبا موسى الأشعري كان يتركه قوله لقول على رضي الله عنه .
3) أن يتبني الإمام حكما شرعيا , حينئذ يجب على المجتهد ترك رأيه للإمام , فالقاعدة الشرعية تقول : " رأي الإمام يرفع الخلاف " وهو مشور عنذ الشافعي .
4) يجوز ترك الإجتهاد في حال إيرادة جمع كلمة المسلمين , وهذا طلب عبد الرحمن بن عوف عند مبايعة عثمان وعلى , بترك اجتهاد كل واحد وملازمة اجتهاد الشيخين .
وسامحني بارك الله فيك


 

خولة آل مزاحم

:: متابع ::
إنضم
10 أبريل 2018
المشاركات
1
الكنية
أم راشد
التخصص
شريعة و قانون
المدينة
دبي
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: الاجتهاد في عصر التشريع

السلام عليكم دكتور
عبدالحميد بن صالح الكراني ، اذا ممكن اريد من بحث الاجتهاد في عصر التشريع المبحث الاول: اجتهاد النبي عليه الصلاة والسلام ، المطلب الخامس والسادس والسابع، لم اجدهم
وجزاكم الله خيرا
 
أعلى