العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ما هو مقصد الشارع من حدِّ القذف ؟

إنضم
19 مارس 2010
المشاركات
24
التخصص
فقه
المدينة
الأحساء
المذهب الفقهي
الحنبلي
هذا مقتطف من بحثٍ لي سأنشره قريبًا - بإذن الله - ، وأنتظر آراءكم :

القاعدة الرابعة : بيان مقصد الشارع من حدِّ القذف .
فإنَّ الله – سبحانه وتعالى – عندما شَرَعَ الشرائع وحدَّ الحدود إنما كان هذا من خلال مراعاته – سبحانه وتعالى – لأسرار وحِكَم ومعاني وغايات يَحصُلُ من خلالها تحقيق ما فيه خير وصلاح للعباد .

والمقصد الأساسي في تشريع حدِّ القذف بخصوصه هو : حفظ الأنساب من الطعن والتشكيك ، ويدل على أنَّ هذا هو المقصد الأساسي ما يلي :
1 – أنَّ من ادعى على آخر بعمل كلِّ شيءٍ إلا الجماع ( الزنا ) ، فإنَّ الواجبَ في حَقِّهِ التعزيرُ دونَ حَدِّ القذف في قول جمهور أهل العلم ؛ فلو كان هناك مقصد آخر غير حفظ الأنساب من الطعن والتشكيك لوجب حدُّ القذف في الرمي بالمفاخذة والخوة ونحوها .
2 – أنَّ مَنْ نَفَى نَسَبَ شخصٍ يقامُ عليه حدُّ القذف ؛ وهذا يدلُّ على أنَّ حفظ النسب هو المقصد من تشريع حدِّ القذف .
3 – أنَّ الفقهاء اشترطوا شروطًا في المقذوف منها كونُهُ بالغًا معلومًا سليم الآلة الجنسية ونحوها مما يدل على أنَّ المقصد هو حفظ الأنساب ؛ فلو كانَ المقذوف صبيًا أو غير معلوم أو مجبوبًا أو نحو ذلك لم يَجب الحد [1] .
4 – أنَّ القاذف إذا استطاع أنْ يثبتَ صحةَ كلامِهِ بشهادةِ شهودٍ أو إقرار المقذوف فلا حدَّ عليه .
5 – أنَّ الزوجَ إذا قَذَفَ امرأتَهُ – وهو مِنْ أشدِّ الناس تضررًا بزنا امرأتِهِ – ولم يستطع إثباتَ ذلك ؛ يَدرأُ عنه الحد لِعانُهُ .
وهذه الأمور الثلاثة الأخيرة تدلُّ على أنَّ القذف ليس متعلقًا بمطلق العرض ، ولو كان هذا صحيحًا لإقيم الحد على قاذف الصبية والمجبوب ، ولأقيم الحد على القاذف حتى ولو ثبت صحة كلامِهِ ، ولَمَا اُكتفي بالنسبة للزوج ملاعنته لامرأتِهِ .
6 – أنَّ الشريعةَ تتشوف إلى اتصال الأنساب وعدم التشكيك فيها ، ويدل على ذلك أمورٌ كثيرةٌ منها :
أ – تحريم الإسلام للتبني ؛ دلَّ عليه قوله تعالى : " وما جعلَ أدعيائكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل " [ الأحزاب : 4 ] .
ب – تحريمُ الطعنِ في الأنساب ؛ دَلَّ عليه حديث قوله – عليه الصلاة والسلام – : " اثنتان في الناس هما بهما كفر : النياحة ، والطعنُ في الأنساب " .
ج – أنَّه يجوز إلحاق نسب الطفل بآخر ادَّعاهُ إذا لم يكن هناك ما يعارضه .
د – تحريم انتسابِ الإنسان لغير أبيه أو مواليه ؛ دلَّ عليه حديث أبي ذر – رضي الله عنه – أنَّه سمعَ النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : " ليس من رجلٍ ادَّعَى لغير أبيهِ – وهو يعلمه – إلا كفر ، ومَنْ ادَّعَى قومًا ليس لهم فيه نسبٌ فليتبوأ مقعدَهُ من النار " [2] .
هـ - قبولُ شهادة الشاهد بأنَّ فلانًا ولدُ فلانٍ ؛ دلَّ عليه تفريق النبي – صلى الله عليه وسلم – بينَ الرجل وزوجته بكلامِ امرأةٍ أرضعتهما ، وقبول قول المرأة التي تُوَلِّدُ الحامل .
و – أنَّهُ يقبلُ في إثباتِ النسبِ واتصاله شهادةُ القائف عند جمهور أهل العلم إلا الحنفية وأصحابه ؛ دلَّ عليه حديث مجزز المدلجي [3] .
إلى آخر هذه الشواهد التي تؤكد تشوف الشارع إلى المحافظة على الأنساب وإلحاقها بمن تدل القرائن عليه كما أشار إلى ذلك ابن القيم – رحمه الله – في الطرق الحكمية ( 2 / 582 ) : والقياسُ وأصولُ الشريعةِ تشهدُ للقافةِ ؛ لأنَّ القولَ بها حكمٌ يستندُ إلى دَرَكِ أمورٍ خَفيَّةٍ وظاهرةٍ ، توجبُ سكونًا للنفسِ ، فوجبَ اعتبارُهُ كنقدِ الناقدِ ، وتقويمِ المُقَوِّمِ ... وأصول الشرع وقواعده والقياس الصحيح تقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب ، والشارع متشوف إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها ، ولهذا اكتفى في ثبوتها بأدنى الأسباب من شهادة المرأة الواحدة على الولادة ، والدعوى المجردة مع الإمكان ، وظاهر الفراش ، فلا يستبعد أنْ يكونَ الشبه الخالي عن سبب مقاوم له كافيًا في ثبوته ... والمعلوم أنَّ طرق حفظ الأنساب أوسع من طرق حفظ الأموال ، والشارع إلى ذلك أعظم تشوفًا .
ومن خلال استجلاء هذه المقاصد بالنسبة لحد القذف تظهر لنا بعض الحِكَم والأسرار :
1 – أنَّ الشارع يشدد في انتهاك الأعراض مباشرة بفعل الفاحشة ، أو عن طريق تشويه العِرْض بالقذف ونحوه ما لا يشدد في غيره صيانةً لها من التدنيس ، ومن مظاهر ذلك ما يلي :
أ – عدد الشهود ؛ ففي الزنا أربعة من الرجال بينما غيره من الحدود يكفي فيه شاهدين ... إلخ .
ب – العقوبة ؛ فالرجم حتى الموت بالنسبة للزاني المحصن ، وهي عقوبة شديدة .
ج – في شدة الجلد ؛ فنص بعض الفقهاء على أنَّ أشد الجلد في الزنا ، ثم القذف ... إلخ ، وذلك لأنَّ الزنا جنايةٌ على الأنساب ، ثم القذف جنايةٌ على الأعراض [4] .
د – نصَّ جماعةٌ من الفقهاء على أنَّ الذمي والمستأمن لا يقام عليهما إلا حدُّ القذف ، وبعضهم ينص على الزنا – أيضًا – .
2 – أنَّ الحدود منها ما ورد النصُّ عليه في القرآن ومنها ما ورد في السنة ، ولا شكَّ أنَّ ما ورد في القرآن دليل على شناعة الجريمة ، وآكديةِ عقوبتها ؛ والقذف منها .
3 – أنَّ العار اللاحق بالقذف بالزنا أعظم من العار اللاحق بالقذف بغيره ؛ ولهذا ما ورد في حدِّ القذف من النصوص متعلق بالمرأة ، وذلك لِمَا يلحقها من العارِ الذي يشمل أهلَهَا وذويها معها ؛ بل قد لا ينقطع عنها حتى بعد موتها .
4 – أنَّ المقذوف بالزنا لا يستطيع أنْ يَنفي عنه ذلك بخلاف المقذوف بالكفر – مثلاً – فإنه يستطيع أنْ ينفي عنه ذلك بالنطق بالشهادتين [5] .
5 – أنَّ الشهادة بالزنا يشترط فيها الاستفسار عن الفعل مبالغةً في الزجر عنه لكونه حق آدمي ، أما القذف فلا يشترط ذلك [6] .
6 – أنَّ الإسلام توعَّد بوعيدٍ شديد لمن أحبَّ أنْ تشيعَ الفاحشة في الذين آمنوا بأيِّ وسيلةٍ كانت ، ولا شكَّ أنَّ من أعظم وسائل وطرق إشاعتها إذاعتها بينَ الناسِ بأنَّ فلانًا يفعلها وكذلكَ فلانة ، وشيوع مثل هذا في المجتمع يَدفعُ بعضَ الناسِ إلى الاجتراء على فعل هذا المعصية واستسهالها وزوال عظمها من النفوس .
7 – أنَّ الناسَ يتجرؤون على الرمي بالزنا ما لا يتجرؤونه على الرمي بالكفر ونحوه كما قال تعالى : " إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس في قلوبكم وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم " .
______________
[1] قد يشكل على هذا بعض الشروط الأخر ؛ كالحرية والعقل ونحوها .

[2] أخرجه البخاري ( 3317 ) ، ومسلم ( 112 ) ، وهذا لفظ البخاري .

[3] أخرجه البخاري ( 6771 ) ، ومسلم ( 1459 ) من حديث عائشة – رضي الله عنها – .

[4] العقد المنظم ( 2 / 267 ) .

[5] مغني المحتاج ( 4 / 203 ) .

[6] الزواجر للهيثمي ( ) .
 
إنضم
18 يونيو 2008
المشاركات
166
التخصص
فقه وتشريع
المدينة
الضفة الغربية
المذهب الفقهي
مذهب الائمة الاربعة (اذا صح الحديث فهو مذهبي)
بارك الله فيك وجزيت كل خير
ولكن لي سؤال؟
هل قذف الرجل بكونه يعمل عمل قوم لوط والمرأة مع المراة ينطبق عليه نفس الحكم.
 

أريج العويهان

:: متابع ::
إنضم
12 يوليو 2009
المشاركات
29
التخصص
فقه مقارن وسياسة شرعية
المدينة
غير معروف
المذهب الفقهي
غير معروف
ممكن اعرف حد القذف
هل عو التغريب
أم التعزير؟؟؟
او الرجم؟؟
 
إنضم
19 مارس 2010
المشاركات
24
التخصص
فقه
المدينة
الأحساء
المذهب الفقهي
الحنبلي
بارك الله فيك وجزيت كل خير
ولكن لي سؤال؟
هل قذف الرجل بكونه يعمل عمل قوم لوط والمرأة مع المراة ينطبق عليه نفس الحكم.

وفيك بارك الله ..
هذا هو أساس البحث ،
فبالنسبة للقذف بعمل قوم لوط ففيه خلاف مشهور ؛ فالجمهور على أنه موجب للحد إلا أبا حنيفة - وخالفه صاحباه - وابن حزم فيرون فيه التعزير .
أما السحاق فالذي يظهر أنها شبه إجماع على عدم الحد ، وتحتاج مراجعة وتحرير .
 
أعلى