رد: ماذا يقصد الشاطبي بـ [ الديـن ] المذكور في الضروريات الخمس ؟
السلام عليكم ورحمة الله .... الفاضل أبو عبد الله
إن من أعظم المقاصد وأجل المطالب حفظ الدين، بمعنى تجريد العبودية لله _تعالى_ لا شريك له. يشير إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "معرفة رب العالمين غاية المعارف وعبادته أشرف المقاصد والوصول إليه غاية المطالب، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبده الرسالة الإلهية"
ومقصد حفظ الدين يقوم على أصلين – كما يقرر ذلك الشاطبي - رحمه الله- في الموافقات:
الأول: حفظ الدين من جانب الوجود، وذلك بالمحافظة على ما يقيم أركانه ويثبت قواعده.
الثاني: حفظ الدين من جانب العدم وذلك برفع الفساد الواقع أو دفع الفساد المتوقع
الأصل الأول حفظه من جانب الوجود يكون بخمسة أمور:
العلم... والعمل به... والدعوة إليه... والحكم به... والجهاد من أجله.
والعمل بالدين - يدخل في ذلك العلم والدعوة والتحاكم والجهاد - له حد أدنى لا يسع أحدا تركه وهو القيام بالواجبات وترك المحرمات وحد أعلى وهو فعل المندوبات وترك المكروهات.
كما أن هناك أمور في الشريعة واجبٌ فعلها على كل مكلف، وهو ما يعرف عند الأصوليين بـ(الواجب العيني)، وهناك أمور في الشريعة يكون فعلها واجب على الجميع ويسقط بفعل البعض لها وهو ما يعرف عند أهل الأصول بـ(الواجب الكفائي).
ثم الناس في القيام بالشريعة على مراتب ثلاث - هي مراتب الدين -: مسلمون ومؤمنون ومحسنون.
قال الشاطبي : فإن حفظ الدين حاصله في ثلاثة معان وهى الإسلام والإيمان والإحسان فأصلها في الكتاب وبيانها في السنة ومكمله ثلاثة أشياء وهى الدعاء إليه بالترغيب والترهيب وجهاد من عانده أو رام إفساده وتلافي النقصان الطارئ في أصله وأصل هذه في الكتاب وبيانها في السنة على الكمال"..." فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود كالإيمان ....."
ويشمل حفظ الدين العبادات والعادات و المعاملات ويتداخل مع المقاصد الأخرى في حفظها.
فمثلا :
في باب العبادات: أصول العبادات كالصلاة والصيام جاءت لحفظ الدين من جانب الوجود.
باب العادات: الأكل والشرب أبيح لحفظ النفس والعقل.
باب المعاملات: النكاح لحفظ النسل، البيع والشراء لحفظ المال وتنميته.
والأصل الثاني هو: حفظ الدين من جانب العدم.
والعلم بهذا الأصل من الضرورة بمكان، ولا بد من تفعيل تلك الوسائل التي من شأنها صيانة الملة وسد أبواب الذرائع المفضية إلى ذهاب الدين بالكلية أو ضعفه في نفوس أتباعه.
وهذا الجانب- أعني حفظ الدين من جانب العدم – مما شهدت له النصوص الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة النبوية المطهرة.
ومثال ذلك :يتضح في باب الجنايات والحدود فهناك حدود شرعت لحفظ الدين مثل حد الردة وحدود شرعت لحفظ المال كحد السرقة، حد شرب الخمر شرع لحفظ العقل وحد الزنا شرع لحفظ النسل حتى لا تختلط الأنساب, كذلك الجهاد بالسلاح أو باللسان أو بالقلم شرع لحفظ الدين حتى لا يعدم.
فكتاب الله الكريم قد بين ضلال أهل الكتاب وكشف زيفهم وأنهم ليسوا على شيء، وحاجهم وأبطل زعمهم في القول بأن الله هو المسيح بن مريم أو القول بأن المسيح ابن الله ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ــ وفي دعوى الصلب والفداء.
والسنة النبوية المطهرة تعرضت لمذهب المخالف من اليهود والنصارى وعباد الأوثان ومن لا دين له وحذرت من مسالكهم بل ونهت عن التشبه بهم.
وفي هذا - وغيره - دليل على أن حفظ الدين من هذا الباب مقصود للشارع بل عده شيخ الإسلام مقصدا مستقلا لعظيم وقعه وخطورة أثره. وقد أولاه علماء الإسلام عناية عظيمة وسطروا في ذلك أروع المواقف في الذب عن حمى الدين عقيدة وشريعة.