د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المفتي الماجن([1])
بقلم:
أ.د. رفيق المصربي
ثلاثة يرد ذكرهم في كتب الحنفية في باب الحجر، وهم المفتي الماجن، والمكاري المفلس، والطبيب (أو المتطبب) الجاهل.
ويرى أبو حنيفة الحجر عليهم خلافا لمذهبه في عدم الحجر على الحر البالغ:
لأن الأول: يفسد على الناس دينهم.
والثاني: يتلف أموالهم.
والثالث: يفسد أبدانهم.([2])
1- المفتي الماجن:
الماجن في اللغة: مجن الشيء يمجُن إذا صلُب وغلظ.
وربما وصف الشخص بأنه ماجن لصلابة وجهه وقلة حيائه.
والماجن عند العرب هو الذي يرتكب القبائح المزرية والفضائح المخزية، ولا يمضُّه عذل عاذل، ولا لوم لائم، ولا زجز زاجر.
وقالوا: المجون هو ألا يخشى الله ولا يخشى كلام الناس، ولا يبالي بما صنع، أو بما قال، أو بما قيل له، أو لا يبالي بتحليل الحرام أو تحريم الحلال.([3])
يقال: مَجَنَ على الكلام: مرن عليه لا يعبأ به، ومثله مرد على الكلام، وفي القرآن : {مردوا على النفاق}
والمفتي الماجن هو من يعلِّم الناس الحيل الباطلة، ويفتي بها، ولا يبالي بذلك إما بسبب من نفسه، أو بسبب من خارجه، كأن يكون مدعوما بجماعة من جماعة الضغط السياسي أو المالي.
وقد يستغرب صدور مثل هذا القول عن أبي حنيفة الذي تنسب إليه وإلى صاحبيه حيل فقهية كثيرة، يمكن الاطلاع عليها في كتاب الحيل للخصاف، أو كتاب المخارج في الحيل لمحمد بن الحسن.
والمعروف عن أبي حنيفة أنه يخالف جمهور الفقهاء في الحجر، إذ لا يرى الحجر على الحر البالغ، ولكنه يرى الحجر على هؤلاء الثلاثة فقط، ربما لأنه يعتقد أن ضررهم هنا لا يقتصر عليهم، بل يتعدى إلى غيرهم، أو لأنه يرى أن هذا من باب دفع الضرر الأعلى، أو الضرر العام، أو الضرر الخاص الذي يلحق بالمحجور.([4])
ومع ذلك فإن أتباع أبي حنيفة يقولون بأنه ليس المراد بهذا حقيقة الحجر، أي المنع الشرعي الذي يمنع نفوذ التصرف، لأن المفتي لو أفتى بعد الحجر وأصاب جاز، فدل هذا على أن المراد هو المنع الحسي([5])، وفسره بعضهم بالمنع من مزاولة المهنة.([6])
قد يبدو هذا التفسير من الأتباع أنه عودة أو حيلة أيضا للالتفاف على كلام أبي حنيفة.
فالمفتي الجاهل أو الماجن يجب أن يمنع من الفتوى ولو أصاب في بعض المرات، لأن إصابته قد تأتي من باب المصادفة لا من باب العلم، أو من باب التغطية والتستر، حتى تَحمل بعضُ فتاواه بعضَها الآخر، فتكون هناك فتاوى مقبولة في أمور عادية يغطي بها فتاوى أخرى خطيرة، وذلك من أجل التلبيس على العامة. وهذا ما يفسر ظهور بعض المشايخ والدعاة اليوم.
يقول صاحب البناية:
لقد شاهدت بالديار المصرية طائفة قد تحلوا بحلية الفقهاء ( أي يتظاهرون بأنهم فقهاء)، واستولوا على المناصب، بمخالطتهم الظلمة وأرباب الدولة ومعاونتهم لهم ومشاركتهم إياهم في ما هم فيه من الفساد، ومسايرتهم لأغراضهم وأهوائهم، فضلوا وأضلوا.
ولقد وقع سمعي على بعض الثقات:
أن واحدا منهم: قد أفتى أحد الملوك بإباحة الإتيان في مماليكه مستدلا بقول الله عز وجل: {أو ما ملكتم أيمانكم}
وآخر: قد أباح شرب الخمر مستدلا بأنها لا تقذف بالزبد، وهو شرط في الحرمة.
وآخر: أفتى بجواز السماع والرقص والملاهي، مستدلا بلعب الحبشة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالحراب والدرق (التروس ) والجاريتين المغنيتين، ونحو ذلك من الترهات والأباطيل والشعوذات، أعاذنا الله من شر هؤلاء الذين : {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا} {وما له في الآخر من خلاق}
ويدخل في المفتي الماجن: من يحرم الربا ثم يعود إليه بأبواب الحيل المختلفة، كأن يسميه بأسماء أخرى، أو يجعل القرض الربوي من باب البيع الآجل، لأن القرض يمتنع فيه الربا، والبيع الآجل تجوز فيه الزيادة في الثمن لأجل الزمن.
وقد رأيت في عصرنا هذا من لا يستحيي من طرح الحيل وتعليمها والإفتاء بها، وهي أمر سهل على مختلف الأطراف، فرجال السياسة أو المال لا يريدون أي تغيير حقيقي، وكذلك المفتوى والباحثون يرون الخوض في مثل هذه الحيل أمر سهل، لايحتاج إلى بحوث جدية وابتكارات حقيقية.
وقد يلبِّسون هذا على الناس بتغيير الأسماء، وإعطاء أسماء شرعية، أو أسماء حديثة براقة، مثل الهندسة المالية وما إلى ذلك.
وهل هذه الحيل المالية الجاهزة تحتاج إلى بحوث ومكافآت ومؤتمرات وندوات....أم أن هذا أيضا من باب الإمعان في الحيل...؟
2- المكاري المفلس:
المكاري من الكراء، وهو الإجارة، والمكاري هو الذي يكري إبلا أو غيرها، وليس له إبل، ولا مال (مفلس) ليشتري به، ويتعجل الكراء سلفا كله أو بعضه.
وإذا جاء أوان الخروج أو السفر ، للغزو أو الحج أو غيره، هرب واختفى.([7])
ومثل المكاري المفلس في الحكم من يأخذ أموال الناس لتوظيفها واستثمارها أو يأخذ معاملاتهم ثم يهرب ويختفي، أو يدخل في شراء أرض أو بستان أو عقار بالتقسيط، ولا قدرة له على وقاء الأقساط، وربما يعتمد على إعادة البيع بثمن أعلى، لكي يمكنه الوفاء.
3- الطبيب الجاهل:
أو المتطبب أي الذي يتظاهر بأنه طبيب، وبأنه لطيف حسن الكلام والمعاملة، والحال أنه دجال مشعوذ، وربما يتستر بستار الدين والخلق والتقوى والصلاح، وقد يحتمي بذوي النفوذ الذين يشاركون في كسبه، ويتسترون عليه من العقاب والملاحقة والإقفال لقاء رشوة.([8])
([1]) هذا مقال أ.د. رفيق المصري أوده في كتابه: "المجموع في الاقتصاد الإسلامي" ط. دار المكتبي.
([2]) المبسوط (24/157).
([3]) شرح المجلة لعلي حيدر 2/603
([4]) تبيين الحقائق 5/193
([5]) بدائع الصنائع 6/172، حاشية ابن عابدين 6/147
([6]) الفقه على المذاهب الأربعة 2/349
([7]) الفتاوى الهندية 5/54
([8]) البناية 8/230
التعديل الأخير: