العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

التعصب المذهب- لشيخنا الدكتور عبدالرحمن بن إبراهيم الخميسي- حفظه الله.

إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
677
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
برمنجهام
المذهب الفقهي
شافعي

أولاً: تعــريفه:

هو تقليد أحد الأئمة المتبوعين من أصحاب المذاهب المشهورة كأبي حنيفة والشافعي وزيد بن علي وغيرهم في اجتهاداته الخاطئة المخالفة لظاهر الكتاب أو صحيح السنة، وعدم التزحزح عن ذلك حتى بعد ظهور الحق له.



ثانياً: حكــمه:

هو غير جائز؛ لأن فيه اتباعاً للجهل والباطل والضلالة قال تعالى: [..فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ..] {يونس:32}، وقال عز وجل: [اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ..] {الأعراف:3}.



وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: « خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً، ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم تلا: [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ..] {الأنعام:153} » رواه أحمد والنسائي، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: « إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين » رواه الترمذي، فهذه النصوص وغيرها مما في معناها كلها تدل على أن من يتعصب لرأي أو لإمام أو لمذهب وهو يعلم أن الحق في خلافه فإنه متبع للباطل زائغ عن الحق وسالك لسبل الشيطان، وقد يشغّب بعض هؤلاء المتعصبين على من ينكر عليهم تعصبهم بأن إمامهم الذي تعصبوا لرأيه هو أعلم من هذا المنكِر -بكسر الكاف-، وأنه لا يمكن أن يخالف الحق أو يتبع هواه، وأنه إنما لم يقل بهذا القول أو لم يفعل هذا الفعل إلا لعلمه أن الحق في غيره ولو كان حقاً أو صواباً لأخذ به إلى غير ذلك من الأمور التي لا يلزم منها المنكِر شيئاً.





والجواب عن هذه التشغيبات ببساطة هو: أن هذا الإمام ليس معصوماً عن الخطأ ولا محيطاً بجميع مسائل العلم، ومن ثم إذا جاز عليه الخطأ والنسيان والجهل جاز عليه المخالفة واتباع الهوى.



ثالثاً: مظاهــره:

وللتعصب المذهبي مظاهر كثيرة يمكن إجمالها فيما يلي:

1- الجمود على المذهب والعمل به وعدم الخروج عليه قيد أنملة سواء كان حقاً أم باطلاً.

2- الفتوى على ضوء المذهب وإن خالف الحق، وفي الحديث الحسن الذي رواه ابن ماجه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذم ذلك حيث قال: « من أُفتي بفتيا غير ثبْت فإنما إثمه على من أفتاه ».



3- الدعوة إلى التمذهب دون ضوابط، والقول بوجوبه على جميع الناس، وأن من لم ينتسب منهم إلى مذهب معين فإنه آثم، وهذا لا شك عندي هو عين التعصب والتقليد الأعمى؛ لأن الخلق مأمورون باتباع الحق الذي جاء به القرآن والسنة المطهرة قال تعالى: [..وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا..] {الحشر:7}، وقال صلى الله عليه وسلم: « إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم » [ مسلم: (2/592) (867)، النسائي: (3/188) (1578) ] وليسوا مأمورين باتباع الآراء والمذاهب التي قد تشتمل على اجتهادات خاطئة بعيدة عن الصواب.



4- المحاجة والمناظرة على صحة الرأي المنسوب إلى المذهب وإن كان باطلاً، وهذا من أسوأ التعصب وأقبحه وأشده إثماً؛ لأن فيه مداهنة وترويجاً للباطل وكتماً للحق وإزهاقاً له، والذي أمر الله أن يزهق هو الباطل وليس الحق كما قال تعالى:[وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا] {الإسراء:81}، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار » رواه أحمد وغيره.



5- التأليف في الدفاع أو في نشر آراء المذهب الباطلة كأغلب تأليفات الرافضة، فإنها من هذا القبيل، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم سبب هذا التعصب بأنه ناشئ عن الفتن والجهل فقال: « تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفاء فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادّاً -متغيراً - كالكوز مجخياً -أي مائلاً- لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه » رواه مسلم.



رابعاً: آثار التعصب المذهبي على الفرد والمجتمع، وهي كثيرة منها:

1- التفرق والاختلاف بين الأمة الواحدة؛ فهذا شيعي، وهذا سني، وهذا شافعي، وهذا زيدي، والله سبحانه وتعالى أمر بالاعتصام بكتابه وسنة نبيه، ونهى عن الاختلاف الذي يؤدي إلى تفرق الكلمة فقال: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا..] {آل عمران:103}، وقال صلى الله عليه وسلم: « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ...إلخ » [ أبو داود: (2/610) (4607)، الترمذي: (5/44) (2676) ]، وقال صلى الله عليه وسلم: « تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي » [ مسلم: (2/886) (1218) ].



2- الحقد والغل والكراهية، وهذا أمر حتمي ينتج عن التعصب ويتولد عنه، حيث أن كل طائفة تنظر إلى الطائفة المخالفة بعين السخط لا بعين الرضا بدعوى تنكبها عن الحق ومخالفتها له، فيحملها ذلك على كراهيتها والحقد عليها، وهذا ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث حيث قال: « لا تباغضوا » وقال صلى الله عليه وسلم: « وكونوا عباد الله إخوانا » رواه مسلم.



3- التراشق بألفاظ التعصب والجهل والعمى والزيغ والضلال، وغير ذلك من الألفاظ التي يطلقها بعضهم على بعض، وهذا من التنابز بالألقاب الذي نهى عنه القرآن الكريم قال تعالى: [..وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ] {الحجرات:11}،
وفي الحديث الصحيح: « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » متفق عليه.



خامساً: المعــالجات:

في اعتقادي أن العلاج لمثل هذه القضية يمكن أن نجمله فيما يلي:

1- تقوى الله تعالى والخوف منه، فإذا علم المتعصب أن الله مطلع عليه ومراقب له، ومحاسبه على تعصبه للباطل فلا شك أن ذلك سيثنيه عن تعصبه، ويزجره عن تماديه في الباطل .

2- التجرد والإنصاف، وهي صفة عزيزة عند الناس ومتى ما حمل الفرد نفسه عليها، أنصف من نفسه، وقبل الحق ولو كان مراً، وابتعد عن الهوى والتعصب المذموم.



3- الاتباع والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيجعل المسلم المنصف همه هو اتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم والإقتداء به؛ لأن في ذلك النجاة والرشد والهدى والفلاح في الدنيا والآخرة قال تعالى: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ..] {الأحزاب:21}، وقال صلى الله عليه وسلم: « من يطع الله ورسوله فقد رشد » رواه مسلم.



4- طلب العلم بأدلته، وهذا هو حقيقة العلم الذي يريد الله بصاحبه الخير، والذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالنضارة حيث قال: « من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين »رواه البخاري، وقال عليه الصلاة والسلام: « نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع » رواه أحمد وغيره.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
جزاك الله خيرا على حضورك ومتابعتك التي تحمد عليها
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
جزاك الله خيرا على حضورك ومتابعتك التي تحمد عليها
 
أعلى