العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

كتب الأحكام وفقهها : نظرة تاريخية

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد r وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعدُ :
فإن "فقه الدليل" من أعظم أنواع الفقه ، إن لم يكن أعظمها على الإطلاق ، ذلك أن الفقه عبارة عن قوانين تستند إلى نصوص الوحي : الكتاب والسنة . ولا خلاف في أن ما انبنى على الكتاب والسنة فهو الحق المطلق إن شاء الله.
ولقد اهتم أئمة العلم بهذا الفقه واحتفوا به أيما احتفاء ، فصنفوا فيه التصانيف العظيمة ، وفي تضاعيف ذلك أبدعوا ما شاء الله لهم أن يبدعوا مما سيأتي بيانه وتفصيله...
وإنه لمن البدهي أن يسأل المرء أثناء المفاتشة في هذا العلم أسئلة ذات مغزى علمي كبير، يمكن حصرها في الآتي :
* لماذا وقعت العناية من أهل العلم بهذا الصنف من الفقه؟
* وما هي أنواع التصنيف فيه؟
* وكيف تطور؟
فهذه ثلاثة أسئلة كبرى تمثل ثلاثة أبواب يتشكل منها هذا الموضوع ، ومن الله تعالى نستمد العون .
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
رد: كتب الأحكام وفقهها : نظرة تاريخية

أولا : عناية أهل العلم بفقه الدليل.
كان الأثر والنظر يسيران في خطين متوازيين لا يغلب أحدهما على الآخر في أيام المسلمين الأولى ، وكان ذلك طبيعيا لمِا كان الصحابة الكرام يقومون به من دور التفقيه للناس وتعليمهم أساليب الاستنباط من النصوص مع تعظيم قدرها والائتمار بأمرها على ما وعَوه من منهج النبي r ، حيث كان الأثر هو الأساس ثم يقع الاعتماد على الرأي بالقدر الذي يفسر الحديث ، وهذا ما رواه ابن عبد البر عن ابن المبارك رحمهما الله : "ليكن الذي تعتمد عليه الأثر ، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث"([1]) .
ويروى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه لقي جابر بن زيد وهو يطوف بالكعبة فقال:"يا جابر ، إنك من فقهاء البصرة ، وإنك تُستفتى : فلا تفتينَّ إلا بقرآن ناطق ، أو سُنة ماضية ، فإنك إن فعلتَ ذلك ، وإلا فقد هلكتَ وأهلكت"([2]).
إلا أن الحال لم يستمر كذلك طويلا حتى افترق الناس إلى طائفتين : فطائفة انحازت إلى "الفقهاء" وأخرى إلى "أهل الحديث" .
أما الفقهاء
: فقد كان الغالب عليهم – ليسوا كلهم- سوء الحفظ لمتون السنة ، والعناية بالنظر في الحوادث المستجدة المتكاثرة مع رصيد ضعيف من أدلة الشريعة الأصلية لأسباب موضوعية : ذلك أن جمع السنة وتدوينها لم يكن قد اكتمل بعدُ ، إضافة إلى ما يعانيه هؤلاء الفقهاء من سوء الحفظ أثَّرا في منهجهم الفقهي أثرا بالغا تجلى في توسلهم بأساليب من الرأي كالقياس والاستحسان..وتوسعهم فيها.
ولعل الإمام ابن أبي ليلى من الأمثلة البارزة في الدلالة على المقصود ، فقد قال الترمذي رحمه الله في حقه : "ويُروى عن ابن أبي ليلى نحو هذا غيرُ شئ ، كان يروي الشئ مرة هكذا ومرة هكذا ، يغيرُ الإسناد ، وإنما جاء هذا من قبل حفظه ... وسمعتُ أحمد بن الحسن يقول : سمعتُ أحمد بن حنبل يقول : ابن أبي ليلى لا يُحتجُّ به"([3]).
ولأجل هذا الذي كان في أهل العراق ، بدأ تدوين الحديث ، يقول الإمام الزهري :"لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها لا نعرفها ما كتبتُ حديثا ولا أذنتُ في كتابته"([4])
إلا أن هذا الأمر ليس على إطلاقه ، خاصة إذا استحضرنا أسماء لامعة من حفاظ الحديث العراقيين كعبد الرحمن بن مهدي وشعبة بن الحجاج ومسدد بن مسرهد والربيع بن صبيح...، وأبو حنيفة نفسُه كان من حفاظ الحديث فقد قال في حقه محمد بن يوسف الصالحي : "كان أبو حنيفة من كبار حفاظ الحديث وأعيانهم ، ولولا كثرة اعتنائه بالحديث ما تهيأ له استنباط مسائل الفقه".
وأما المحدثون
: فقد كانوا أهل عناية بالأسانيد والتفتيش عن رجالها وضبط ألفاظ الحديث ، إلا أنه كان فيهم الفقيه وغير الفقيه ، وهؤلاء كان كل همهم جمع الطرق والبحث عن الغريب ...مع إهمال منهم لجانب التفقه الذي هو الغاية والثمرة.
هذا ، مع العداوة الظاهرة ، والإحن المستحكمة بين الفريقين : فأهل الحديث يذمون الفقهاء ويصمونهم باتباع الهوى والرأي ، والفقهاء يتهمون أهل الحديث بالجهل بالأحكام وحمل الأسفار ...، وقد وصف الإمام الخطَّابي رحمه الله هذه الحالة بين الطائفتين في مقدمة كتابه "معالم السنن" أبلغ وصف([5]).
ولا ينبغي أن يُظن أن التأليف في الأحكام قد بدأ على إثر هذه الأوضاع ، فلقد كان قديما ، ويدل على هذا ما وراه ابن عبد البر عن أبي الزناد قال :"كنا نكتب الحلال والحرام ، وكان الزهري يكتب كل ما سمع..."([6])
إلا أن هذا التأليف أخذ منحى آخر من حيث وتيرة السرعة في التأليف ، وأنماطه ومناهجه ، كل ذلك بما يتناسب وطبيعة الخطر المتنامي المهدد لكيان السنة النبوية.
فما أنواع التصنيف في الأحكام ؟ وكيف تطور التأليف فيه؟

 
التعديل الأخير:
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
رد: كتب الأحكام وفقهها : نظرة تاريخية

ثانيا : أنواع التصنيف في "الأحكام وفقهها".
قُلنا إن تدوين أحاديث الحلال والحرام قد بدأ قديما كما دل على ذلك أثر أبي الزناد رحمه الله ، واستمر التدوين فيه بطريقة تناسب كل مرحلة علمية كان يعيشها المسلمون.
ولو عمدنا إلى محاولة حصر هذه الأنواع من التأليف لوجدناها لا تخرج عن أربعة أنواع، نعرضها في الآتي :
1-الموطأ.
2-المصنفات والجوامع.
3-الصحاح.
4-السنن.
5-كتب أحاديث الأحكام.
6-شروحات المتون الحديثية.
أولا : الموطئات.
لقد كانت الموطآت عبارة عن إرهاصات أولى للتأليف في الأحكام الفقهية على الأبواب، إذ كان التدوين معروفا قبل ذلك ، لكن التأليف على الأبواب لم يكن معروفا آنذاك ، وهذا ما أشار إليه ابن حجر بقوله :"...وهذا بالنسبة إلى الجمع بالأبواب (يقصد الأولية) أما جمعُ حديث إلى مثله في باب واحد فقد سبق إليه الشعبي..."([1]).
وقد صنف بعضُ أهل العلم موطآت خاصة بهم على غرار صنيع مالك رحمه الله ، كابن أبي ذئب الذي صنف موطأ أكبر من موطأ مالك ، فقيل لمالك – إن صحت الرواية- : ما الفائدة من تصنيفك؟ قال : ما كان لله بقي([2]).
وموطأ مالك كتابُ حديث ونظر فقهي ، يذكر فيه الإمام في الغالب أحاديث الباب ، ثم يردفها بموافقة عمل أهل المدينة أومخالفته ، وينقل رأي فقهاء الصحابة وأئمة التابعين ، كسعيد بن المسيِّب ، وكثيرا ما يذكر ملخص ما يراه في المسألة([3]).
ثانيا : المصنفات والجوامع.
والمصنفات هي :"كتب مرتبة على الأبواب الفقهية مشتملة على السنن وما في حيزها أوله تعلق بها ، بعضها يسمى مصنفا وبعضها جامعا"([4]).
وأشهرها مصنف ابن أبي شيبة ، حتى قال فيه ابن كثير :"لم يصنف أحد مثله قط لا قبله ولا بعده"([5]) ، يليه في الشهرة "مصنف عبد الرزاق" وهو أصغر من مصنف ابن أبي شيبة ، و"الجامع" له أيضا([6]) ، ومصنف بقي بن مخلد قال فيه ابن حزم رحمه الله :"أربى فيه على مصنف ابن أبي شيبة وعلى مصنف عبد الرزاق وعلى مصنف سعيد بن منصور"([7]) إلى غير ذلك من المصنفات والجوامع التي لا تُحصى ولا تُعَد.
ومن أهم ميزات المصنفات : ترتيبها على الأبواب الفقهية ، إيراد الموقوف والمقطوع إلى جانب المرفوع، ذكر آراء أهل العلم.
ثالثا : الصحاح.
تُعبر الصحاح عن مرحلة مهمة من مراحل التصنيف الحديثي ، ذلك أن الحدث الأكبر فيها هو "اشتراط الصحة" ، ويصحُّ أن تسمى "الجوامع" لأنها حوت جميع أبواب الدين([8]). ولعل من أهمها "الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله r وسننه وأيامه" لمحمد بن إسماعيل البخاري ، وقد كان الملحظ الفقهي في هذا الكتاب قويا ، يقول ابن حجر :"رأى البخاري أن لا يخلي صحيحه من الفوائد الفقهية ، والنكت الحكمية "([9]) ، ولأجل هذا الملحظ احتل صحيح البخاري مكانة سامقة جدا في التراث الإسلامي عند الفقهاء والمحدثين على السواء.
ثم يليه صحيح الإمام مسلم ، واسمه كما عند ابن خير في فهرسته – على خلاف فيه - :"المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله r "([10]).
وقد جعل ابن حزم رحمه الله بعد الصحيحين : "صحيح ابن السكن والمنتقى لابن الجارود والمنتقى لقاسم بن أصبغ"([11]) ، كما أدرج هذه الكتب ضمن الكتب التي التزم أهلها الصحة محمد بن جعفرالكتاني رحمه الله([12]) وزاد صحيح ابن خزيمة وغيره...
وكل الصحاح كان يلتفت أصحابها للملحظ الاستنباطي إما بالتنصيص على هذه الاجتهادات في تراجم الأبواب ، أو يرتبونه على الأبواب الفقهية ترتيبا محكما حتى يتيسر لكل أحد النظر فيه ، إلا "التقاسيم والأنواع" لابن حبان فقد نحى منحى آخر ، إذ قسَّم صحيحه : إلى الأوامر والنواهي والأخبار والإباحات وأفعال النبي r ([13])ويغلب عليه الطابع الأصولي كما هو واضح.
رابعا : السنن.
وهي في اصطلاح أهل الحديث : "الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية ، وليس فيها شئ من الموقوف"([14]).
فعلى هذا المعنى تكون السنن خاصة بالأحاديث المسندة إلى رسول الله r .
ومن أشهر كتب هذا النوع وأعظمها : "سنن أبي داود" رحمه الله ، فإنه ألف كتابه على سبيل الاستقصاء لأحاديث الأحكام ، وفي هذا يقول في رسالته إلى أهل مكة :"ولا اعرف أحدا جمعَ على الاستقصاء غيري"([15]) ، وقد قصدَ رحمه الله إلى تدوين كل الأحاديث التي تُعتبر أصولا في الفقه – وهذه ميزة كبرى- ، يقول الإمام الخطابي :"وقد جمع أو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه مالا نعلم متقدما سبقه إليه ولا متأخرا لحقه فيه"([16]).
ثم يليه "سنن الترمذي" واسمه :"الجامع المختصر من السنن عن رسول الله r ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل" ، ويظهر من العنوان أن الترمذي لم يشترط الصحة في كتابه ، وإنما كان ملحظه فقهيا بجمع ما كان عليه عمل الفقهاء ، وقد كان رحمه الله أثناء ذكره الحديث يتبعه بما عليه عمل أهل العلم.
على أن تميز الترمذي يكون من جهتين : الأولى عنايته بالكلام على الصحة والضعف ، الثانية جودة التبويب واختيار التراجم . وهذا دال على الهم الفقهي عند الإمام الترمذي.
وقد ألحق بعض أهل العلم كتاب الترمذي بالجوامع لأنه شامل لأبواب أخرى غير الفقه.

ثم "سنن النسائي" و"سنن ابن ماجه"وسنن البيهقي" المرتبة على أبواب مختصر المزني ، وهو شامل لأكثر أحاديث الأحكام([17]) و"سنن الدارمي"...
5-كتب أحاديث الأحكام
وهذا الاصطلاح خاص بالكتب التي اعتنت بذكر أحاديث الحلال والحرام ومرتبة على الأبواب الفقهية ، لكنها مجردة من الأسانيد، ولم يشذ عن هذه القاعدة كتاب ما خلا الأحكام الكبرى لعبد الحق رحمه الله.
وقد بدأ هذا النوع من التأليف بعد أن استقر تدوين السنة في الدواوين الكبار([18]).
ولعل الحافظ ابن السكن من أوائل من صنف في هذا النوع ، وقد اعتبر ابن حزم رحمه الله كتاب ابن السكن في الدرجة الثانية بعد الصحيحين ، ثم توالى هذا النوع من التأليف بين:
*
مستوعب لأغلب الأحاديث كالأحكام الوسطى للإمام عبد الحق الإشبيلي و"الإمام" لابن دقيق العيد و"المنتقى من أخبار المصطفى" لابن تيمية الجدّ ...
*
وبين مقتصر على الأصح كالعمدة في الأحكام لعبد الغني المقدسي .
*
وبين مختصر لها أو معتمد على الأصول كبلوغ المرام من أحاديث الأحكام لابن حجر ، وكتاب "المختصر في أحاديث الأحكام" ليوسف بن عبد الهادي المقدسي (المبرد) .
6-شروحات المتون الحديثية.
لقائل أن يقول لم أتبعتَ ما تقدم من الأصناف بهذا القسم الذي لا يناسب موضعه هذا؟ ولعل جزءا من الحق معه ، لكن لاعتبارات أخرى أدرجته هنا...وأرى أنه مناسب في كل الأحوال.
بالعودة إلى الموضوع :
بعد
أن جمعت السنن واستقر التصنيف فيها ، ابتدأت مرحلة جديدة من التصنيف الفقهي ، فمع تراجع المستوى العلمي لعموم الناس ، ظهرت الحاجة إلى مصنف يشرح المتن الحديثي من مختلف جوانبه : اللغوية والفقهية والأصولية ، ويقرب المادة إلى الطلبة فيدرسون الفقه بتوازن : أعني عدم الميل إلى جهة التفقه على حساب الحديث أو العكس...
وقد ابتدأ هذا النوع من التصنيف متقدما ، ولعل بداياته ترجع إلى الإمام حمد بن محمد الخطابي (388هـ) في شرحه لسنن أبي داود ، والذي سماه "معالم السنن" ، ثم الإمام ابن حزم في شرحه على الموطأ فيما ذُكر عنه ، وكذلك الإمام ابن عبد البر في شرحه على الموطأ أيضا في كتابين عظيمين "الاستذكارلمذاهب علماء الأمصار" و"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" ، والإمام أبي الوليد الباجي في شرحه على الموطأ "المنتقى" ، وأحمد بن نصر الداودي في شرحه على الموطأ ، وابن العربي في شرحه على الترمذي "عارضة الأحوذي" وعلى الموطأ الذي سماه "المسالك شرح موطأ مالك" وآخر كالمختصر "القبس على موطأ مالك بن أنس" ، وابن رجب في شرحه على البخاري "فتح الباري" ، ومثله ابن حجر العسقلاني ، و"إحكام الأحكام في شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد ، و"النفح الشذي في شرح سنن الترمذي" لابن سيد الناس اليعمري و"نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار" للشوكاني ...إلى غير ذلك من الشروحات الكثيرة التي لا تُعد ولا تحصى.
 
التعديل الأخير:
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
رد: كتب الأحكام وفقهها : نظرة تاريخية

تطور التصنيف في كتب الأحكام وفقهها.
أ- التصنيف في كتب الأحكام.
ينبغي أثناء الحديث عن تطوُّر التصنيف في أحاديث الأحكام وفقهها استحضار جملة أمور تعين الدارس على الوعي بحقيقة الموضوع :
ذلك أن كل مرحلة من الحياة السياسية للأمة تستدعي جملة من التغيرات العلمية والاقتصادية والاجتماعية تواكب تحديات المرحلة ، ولتقريب المعنى أضرب مثلا من واقعنا المعاصر:
بعد ظهور الدول القطرية : ألم تحدث تغيرات جذرية في البنية الفكرية لكل دولة ، وفي طريقة البحث الفقهي ، وفي البنية الاجتماعية والاقتصادية ؟ إنه من لمن العبث أن ننكر الواقع بجرة قلم!
بالعودة إلى الموضوع :
كان الناس فيما مضى يتلقون الفقه من أوعيته : فقد كان التابعون يلازمون أصحاب رسول الله r لتعلم أحكام الشرع ، فكانوا يتعلمون من موسوعة علمية كل ما يتعلق بالشريعة من لغة وحديث وفقه ، ثم ابتدأ الوضع و"ركب الناس الصعب والذلول" فاحتاج أهل العلم إلى جمع السنة وتدوينها لقطع دابر المفترين وهذا ما يدلُّ عليه أثر الزهري السابق إيراده "لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها ولا نعرفها ما كتبت الحديث ولا أمرت بكتابته" فشرع في كتابة كل الأحاديث في دواوين خاصة ، انتشرت بين أهل العلم في مختلف الأقطار ، والرحلة التي كان يقوم بها أهل الحديث قد أفادت كثيرا في انتقال المعارف وتبادل الخبرات فقد "قدم إسحاق بن راشد الري فجعل يقول : أخبرنا الزهري ، فسئل : أين لقيته ؟ فقال : لم ألقه ، مررت ببيت المقدس فوجدتُ كتابا له ثمَّ"([1]).
فكان الناس يتفقهون اعتمادا على هذه الدواوين وعلى سماعاتهم الخاصة ، لكن كثرة الدغل الواقع في حديث بعض المناطق الإسلامية جعل التحقُّق من صحة هذه الأخبار غاية في العسر على من ليس من أهل الصنعة من الفقهاء وغيرهم ، فأدى هذا إلى انتشار الأحاديث الضعيفة على ألسنتهم والاحتجاج بها([2]) ، كما أن انتشار البدع أدى إلى انتشار الوضع للأحاديث التي تناصر أهل الملل من قدرية وجبرية وسواهم.
فظهر نوعان من التصنيف :
النوع الأول
: المسانيد ، إذ قصد أصاحبها من ورائها جمع كل المتون المسندة بغض النظر عن حكمها قطعا لدابر الوضع وحسما له ، حتى لا يأتي آت ويقول : أنا أحدثكم بحديث لا يعرفه أحد غيري!
النوع الثاني
: المصنفات والجوامع، وقد جمع فيها أصحابها معظم أو كل ما علموه من أحاديث مسندة وموقوفات ومذاهب أهل العلم على الأبواب كمصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق ومصنف بقي بن مخلد ،والغرض من ذلك : معرفة مواقع الاختلاف والاتفاق بين أصحاب رسول الله وتابعيهم , ومعرفة الأحاديث التي عليها العمل إذ كانوا يكرهون الغريب ، ولعل هذا يكون واضحا في صنيع الإمام الترمذي في جامعه إذ سماه "الجامع المختصر من السنن عن رسول الله r ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل".
ويقول الإمام أبو داود أيضا :"والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير ،...والفخر بها أنها مشاهير ، فإنه لا يُحتَجُّ بحديث غريب"([3]).
حتى إذا استقر هذا النوع من التآليف، وحُصِرت المتون في المسانيد والجوامع ، التُفِتَ إلى ما كانت عليه الحالة العلمية من قطع الأواصر بين أهل الفقه وأهل الحديث ، وفشو الرأي في الأولين ، ومخالفة السنن ، فقصد المحدثون إلى تأليف حديثية تتميز بما يأتي :
1-سهولة الوصول إلى الحديث : فإن المسانيد والمصنفات كانت سمتها الغالبة هي الطول ، وصعوبة الوصول إلى المطلوب وسط ركام من الموقوفات المقطوعات ، أضف إلى صعوبة ترتيب بعض تلك الكتب.
2-حسن التبويب بما يناسب الأبواب الفقهية : وذلك لإغراء الفقهاء على العناية بها .
3-الاختصار في الأسانيد: لأن طول السند وذكر الطرق والشواهد ... إنما يصلح للمتخصص .
4-الاقتصار على محل الشاهد : إلا إذا كان في تمامه سبب ورود ، أو زيادة علم.
5-الاقتصار على ماصح أو يصلح للاحتجاج : لأن المصنفات والمسانيد وغيرها كانت لا تشترط الصحة للسباب التي ذكرت في محلها ، أما بعد جمع السنة وانتهاء زمن الوضع ، فالحاجة إلى ذكر الصحيح الذي لامغمز فيه اصبح أمرا متعينا تسهيلا للأمر على غير المحدث ، ولبناء الأحكام الفقهية على ما يصح أو يصلح دون غيره ، وحتى من لم يشترط الصحة كالترمذي مثلا فإنه كان يشير إلى حكم كل حديث ودرجته .
6-ترجمة الأبواب بما يناسب وإثبات مذاهب أهل العلم: وفي هذا يقول الإمام ابو داود :"وأما هذه المسائل مسائل الثوري ومالك والشافعي ، فهذه الأحاديث أصولها.ويعجبني أن يكتب الرجل مع هذه الكتب من رأي أصحاب رسول اللهr "([4]).
ونحنُ إذا نظرنا إلى صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود وابن ماجه والترمذي : وجدنا أن هذه الشروط تنطبق عليها في الغالب الأعم.

ب- التصنيف في فقه الدليل.
ثم إنه لما زال الخطر الذي كان محدقا بالسنة النبوية ، واستقرت السنن والتصنيف فيها ، وانتهى عصر التدوين ، رأى أهل العلم أن الاشتغال بالأسانيد فيما صح وقُطع بصحته أو تُلُقي بالقبول – كما هو مذهبهم- مضيعة للوقت ، فألفوا كتبا في أحاديث الأحكام جردوها عن أسانيدها تقريبا للسنن من طلبة الفقه فكان مؤلف ابن السكن وابن الخراط وابن حجر وابن الملقن وابن جماعة وعبد الغني...
لكن هذا النوع كان مجردا كذلك من آراء أهل العلم ومذاهبهم ومن التبويبات الدالة على الحكم إلا في اليسير النادر ، فكتب أهل العلم في شرح هذه المتون كتبا عرفت باسم "كتب فقه الدليل" كإحكام ابن دقيق العيد واستذكار بن عبد البر ونيل الشوكاني وغيرها كثير.
والغرض من هذه التصانيف ما يذكره الإمام الخطابي :"...ورجوت أن يكون الفقيه إذا ما نظر إلى ما أثبتُّ في هذا الكتاب ...دعاه ذلك إلى طلب الحديث وتتبع علمه وإذا تأمله صاحب الحديث رغبه في الفقه وتعلمه"([5]).
وقد سارت كتب فقه الدليل على منهج مستقيم في عرض المادة العلمية – كما هو الحال عند المصنفين في كتب الأحكام- ، ويوضح لنا الإمام الخطابي رحمه الله منهجه في عرض المادة العلمية فيقول :"أما بعد فقد فهمت مسائلكم إخواني أكرمكم الله ، وما طلبتموه من تفسير كتاب السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث :
1.وإيضاح ما يشكل من متون ألفاظه.
2.وشرح ما يستغلق من معانيه .
3.وبيان وجوه أحكامه.
4.والدلالة على مواضع الانتزاع والاستنباط من أحاديثه.
5.والكشف عن معاني الفقه المنطوية في ضمنها"[6].
فتفسير كتاب السنن – حسب الخطابي- يقتضي الإتيان بهذه الشروط :
الأول
: إيضاح المشكل من متون الألفاظ بمعرفة الغريب وغير ذلك.
الثاني
: ثم شرح المعاني المستغلقة من التراكيب العربية المكونة للنص النبوي ، وهي خطوة لا تكون إلا بعد الوفاء بالأولى.
الثالث
: بيان وجوه الأحكام التي يحتملها النص ، وهذا لا يكون إلا بعرض ما رآه النظار من الفقهاء والسلف.
الرابع
: فإذا عرضنا ما سبق ، لزم ذكر مواطن الانتزاع والاستنباط بالتنبيه على ما أوجب الخلاف في الاستنباطات من قواعد الأصول واللغة والحديث وغيرها.
الخامس
: وهي المرحلة الأخيرة ، معرفة مواطن الفقه المخفية في النص عن طريق الاجتهاد بالأقيسة والمصالح وغيرها فيما يحدث...
 
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
رد: كتب الأحكام وفقهها : نظرة تاريخية

بورك فيك ،،
ولكن أين الهوامش ؟؟
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
رد: كتب الأحكام وفقهها : نظرة تاريخية

أعتذر لك أخي زايد فإنني لم أنتبه لمشاركتك إلا البارحة!

وتجد العرض في المرفقات مع هوامشه


وملاحظاتك تهمني...
 

المرفقات

  • تاريخ التصنيف في فقه الدليل.pdf
    194.6 KB · المشاهدات: 0

بنت من السويس

:: مطـًـلع ::
إنضم
26 فبراير 2011
المشاركات
147
التخصص
فلسفه
المدينة
السويس
المذهب الفقهي
الدليل
رد: كتب الأحكام وفقهها : نظرة تاريخية

ماهو انفع كتاب للمبتدئين بوركتم
 
إنضم
9 يونيو 2011
المشاركات
25
التخصص
شريعة
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: كتب الأحكام وفقهها : نظرة تاريخية

عرض جيد ومختصر مفيد
بارك الباري فيك
 

أم إبراهيم

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
6 أغسطس 2011
المشاركات
746
التخصص
:
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: كتب الأحكام وفقهها : نظرة تاريخية

ماهو انفع كتاب للمبتدئين بوركتم

المرحلة الأولى :
يدرس فيها الطالب واحداً من الكتب التالية :
(١) الدرر البهية للشوكاني طبعة - دار العاصمة .
* ومن شروحها :
١ - الدراري المضية للشوكاني - طبعة دار الآثار .
٢ - الروضة الندية لصديق حسن خان - طبعة دار الكوثر

(٢) الوجيز في الفقه للشيخ عبد العظيم بدوي .
(٣) فقه السنة الميسر للشيخ عبد الله المطلق - نشر دار إشبيليا.
(٤) الفقه الميسر - نشر مجمع الملك فهد .
(٥) بداية المتفقه للشيخ وحيد عبد السلام بالي
وله شرحان لتلميذين من تلاميذ الشيخ ، الأول نشر دار ابن عمر ، والثاني دار ابن رجب .
* وهذا الكتاب الأخير هو ما أرشحه مع الاستعانة بالشرحين .

المرحلة الثانية:
يدرس فيها الطالب واحداً من الكتب التالية :
(١) فقه السنة للشيخ سيد سابق - نشر دار الفتح للإعلام العربي
(٢) تمام المنة للشيخ عادل العزازي - نشر دار العقيدة .
(٣) صحيح فقه السنة لأبي مالك كمال سالم - نشر المكتبة التوفيقية .
(٤) الموسوعة الفقهية الميسرة لحسين العوايشة - نشر دار ابن حزم ٠
(٥) الفقه الميسر للشيخ عبد الله الطيار وزميليه - نشر دار الوطن .
* وهذا الكتاب الأخير هو ما أرشحه

المرحلة الثالثة:

يدرس فيها الطالب كتاباً واحداً :
١ - نيل الاوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني - نشر دار ابن الجوزي .

قائمة المطالعة
١ - سبل السلام للصنعاني - نشر دار ابن الجوزي .
٢ - بداية المجتهد لابن رشد - نشر مكتبة ابن تيمية .
٣ - التمهيد لابن عبد البر - طبعة دار الفاروق .
٤ - فتح الباري لابن حجر العسقلاني - نشر دار طيبة .
٥ - فتح الباري لابن رجب الحنبلي - طبعة دار ابن الجوزي .
٦ - عمدة القاري للبدر العيني
٧ - شرح صحيح البخاري لابن بطال - طبعة مكتبة الرشد .
٨ - شرح صحيح مسلم للنووي - نشر دار ابن رجب أو مؤسسة قرطبة .
٩ - إكمال المعلم للقاضي عياض - طبعة دار الوفاء .
٠ ١ - جامع أحكام النساء لمصطفى العدوي - نشر دار ابن عفان.

المصدر:
"
السبل المرضية لطلب العلوم الشرعية" ص 478 - 479
 
أعلى