العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فتوى لابن تيمية بين فيها مسالك الأئمة في إخراج القيمة في الزكاة مع استظهاره للراجح.

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
فتوى مختصرة لابن تيمية
بين فيها مسالك الأئمة
في إخراج القيمة في الزكاة
مع استظهاره للراجح في المسألة

سئل رحمه الله:
عمن أخرج القيمة في الزكاة فانه كثيرا ما يكون أنفع للفقير: هل هو جائز أم لا؟
فأجاب:
وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك فالمعروف منم ذهب مالك والشافعي:
أنه لا يجوز.
وعند أبى حنيفة:
يجوز.
وأحمد رحمه الله:
قد منع القيمة في مواضع وجوزها في مواضع.
فمن أصحابه:
من أقر النص.
ومنهم:
مَن جعلها على روايتين.
والأظهر في هذا:
أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه.
ولهذا:
قدَّر النبي صلى الله عليه و سلم الجيران بشاتين أو عشرين درهما ولم يعدل إلى القيمة.
ولأنه:
متى جوِّز إخراج القيمة مطلقا فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة وقد يقع في التقويم ضرر؛ لأن الزكاة مبناها على المواساة وهذا معتبر في قدر المال وجنسه.
وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل:
فلا بأس به.
مثل:
أن يبيع ثم بستانه أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عشر الدراهم يجزيه ولا يكلف أن يشتري ثمرا أو حنطة إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه.
وقد نص أحمد على جواز ذلك
ومثل:
أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل وليس عنده من يبيعه شاة فإخراج القيمة هنا كاف ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة.
ومثل:
أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها
أو:
يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء كما نقل عن معاذ بن جبل أنه كان يقول لأهل اليمن: "ائتونى بخميص أو لبيس أسهل عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار."
وهذا قد قيل:
إنه قاله في الزكاة.
وقيل:
في الجزية."([1])

([1]) مجموع الفتاوى - (ج 25 / ص 82)
 
التعديل الأخير:

شهاب الدين الإدريسي

:: عضو مؤسس ::
إنضم
20 سبتمبر 2008
المشاركات
376
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
مكناس
المذهب الفقهي
مالكي
قال يحي بن معين في زكاة الفطر لا بأس أن تُعطى فضة هـ.
ويقول أيضا :
قال يحي بن معين في زكاة الفطر لا بأس أن تُعطى فضة هـ.
أورده عنه الذهبي في ترجمته من السير 11/93، وهو نص مهم فقد افتى به يحي وهو من أساطين العلم في بغداد حيث الحبوب رائجة وهي العمدة في التغذية وأمرها ميسّر لوفرة الأرحية في الدور، فكيف لو رأى يحي زماننا الذي لا ينفع الحَب فيه صاحبه، حتى يبيعه ليشترى بثمنه مايأكله لاقتضاء الحال ذلك .والعجب أن هذه المسألة مازالت موضع أخذ ورد بين العلماء ومنهم من يوجب إخراج القمح والشعير في المغرب وحواضره ، وفي السعودية يفتي عبد العزيز بن باز بوجوب إخراج الحَب وأحسنه الأُرز لأنه غالب طعام أهل البلد، وأخبرني غير واحد هناك أن المساكين وأغلبهم الآن من الأفارقة السود المهاجرين بسبب المجاعات، يأخذون الأرز من المتصدقين صباح العيد وقد اشتروه بخمسة ريال مثلا.. فيبيعونه في نفس المكان بريالين أو ثلاثة وهذا يتكرر كل عام على مرأى ومسمع من العلماء، ومثله ما كان يقع بالمغرب عندنا كل عام فيخرج الباعة الحبوب بالأكياس وتباع عشية آخر يوم أو قبله من رمضان ويخرج اليهود منتهزين الفرصة ويشترون الزرع والشعير من الفقراء برُبع الثمن، هذا والفقهاء في المساجد يفتون بحرمة إخراج القيمة بل لا بد من الحَب رغم هذا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن زكاة الفطر شُرعت لأمرين طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ، ولو كان لفقهائنا أو بهائمنا على أصح تعبير استقلال في الفهم لعلموا دون شك أن طعمة المساكين لا تتحقق الآن ولاسيما في الحواضر بإخراج الحبوب بل بالقيمة، إلا في القرى النائية والجبال البعيدة حيث تطحن المرأة برحاها الحَب وتأكل الدقيق، وهذا غير متيّسر بالحواضر والناس فيه يحتاجون إلى أنواع من المطاعم الضرورية الأولية ، وقد كان حدث بتطوان في الأربعينات من القرن الميلادي الماضي أثناء وبعد الحرب العالمية أن قّلَّ الدقيق وانعدم الحَب وتسائل الناس عن إخراج القيمة وهي متعينة فتردد الأنعام رُغم هذا كله وتعصبوا وأصَّر كثير منهم على قوله وهم يعلمون أن في مذهبهم المالكي كما في غيره، قولا بجواز إخراج القيمة، أما الحديث وتحقيق الحكمة من تشريع زكاة الفطر فلا يجوز الاشتغال به عند هؤلاء ، وبعث محمد بن عبد الصمد التجكاني سؤالا إلى ابن خاله شيخنا أحمد بن الصديق حول الموضوع فأفتى بجواز إخراج القيمة وألف:" تحقيق الآمال بإخراج زكاة الفطر بالمال" ، ولم يستطع أحد من هؤلاء نقضه وقد طبع يومئذ وأعيد طبعه بالشرق .


نقل النديم ص:227
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
ولو كان لفقهائنا أو بهائمنا على أصح تعبير استقلال في الفهم لعلموا دون شك

فتردد الأنعام رُغم هذا كله وتعصبوا وأصَّر كثير منهم على قوله وهم يعلمون أن في مذهبهم المالكي كما في غيره، قولا بجواز إخراج القيمة،


نقل النديم ص:227

عفا الله عن الشيخ أبي أويس لتجاوزه الخلاف إلى هذه السُّبّة ...
والأمر أهون من أن يصل إلى هذا القدر من الغليان ...
وما كان بودي أن تسطر في صحيفة الشيخ مثل هذه العبارات النابية؛ ولو راجعته لتعديلها لكانت حسنة من حسناتك؛ وفضل تسوقه إلى شيخك ...
وهذا يوقف المرء على حقيقة العصمة؛ وأن المعصوم من عصمه الله من أنبيائه ورسله عليهم صلوات الله وسلامه ...
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
شيخنا الكريم عبدالحميد بن صالح الكراني
حقيقة أشعر (بالاستغراب الشديد) من كلام العلامة أبي أويس
أنا لا أشكك في نقل الأخ الفاضل الإدريسي بل أظن أن كتابة الشيخ هذه قديمة في بادئ أمره وأيام تتلمذه على الشيخ أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله وعفا عنه فهو ربما تأثر بأسلوبه .
كذلك مما يقوي ظنى أن الشيخ أبا أويس من أشد المتأثرين بفقه الإمام ابن حزم فيستبعد أن يلتقى كلامه هذا مع فكر الظاهرية وأهل النص عموماً ... مع احترامى للرأي المخالف في هذه المسألة .
وسأرجع إلى الشيخ الحبيب طارق الحمودى لسؤاله عن هذا الأمر فهو من أخص تلاميذه ليتبين لنا حقيقة الأمر .

http://www.aldahereyah.net/forums/showthread.php?p=22755#post22755
 

شهاب الدين الإدريسي

:: عضو مؤسس ::
إنضم
20 سبتمبر 2008
المشاركات
376
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
مكناس
المذهب الفقهي
مالكي
لا تستغرب أخي المشرف العام، فالشيخ تلميذ للغماري رحمه الله، هذا الأخير الذي كان شديد اللهجة به عصبية بل يتعداها إلى السبة -غفر الله له- وهذا ليس غريبا على أصحاب هذا المنهج إلا من رحم الله ...
ولو كان بيدي لشققت صدر كل عالم ونزعت منه بذرة الشدة والسبة في الردود، فاللين هو الأصل، والشدة لا تكون إلا مع كافر معاند محارب .. لكن لا حول ولا قوة إلا بالله حتى طلبة العلم بدؤوا يتأثرون بهذا المنهج المذموم ...

أما الشيخ الحسني حفظه الله، فبدأت حدته في الرد تنقص كلما تقدم في العمر واستزاد علما..

وكما هو معلوم أن الحسني له ميل فقط لمنهج ابن حزم، وليس هذا أول رأي يخالف فيه الظاهرية .. وقد وافق شيخه الغماري رحمه الله في المسألة، والذي له كتاب جميل ماتع موسوم بـ "تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال" لكن للأسف كتاب نفذت طبعاته وندرت ... وقد وقفت عليه في مكتبة الشيخ عبد الحميد الرافعي -حفظه الله - .

وفقكم الله
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
يقول الحافظ ابن حجر في الفتح (3 /373، 374):

قوله: ( صاعا من طعام أو صاعا من تمر )
هذا يقتضي المغايرة بين الطعام وبين ما ذكر بعده

وقد حكى الخطابي:

أن المراد بالطعام هنا الحنطة وأنه اسم خاص له

قال:

ويدل على ذلك ذكر الشعير وغيره من الأقوات والحنطة أعلاها فلولا أنه أرادها بذلك لكان ذكرها عند التفصيل كغيرها من الأقوات ولا سيما حيث عطفت عليها بحرف أو الفاصلة

وقال هو وغيره :

وقد كانت لفظه الطعام تستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل أذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه لأن ما غلب استعمال اللفظ فيه كان خطوره عند الإطلاق أقرب
انتهى

وقد رد ذلك بن المنذر وقال:
ظن بعض أصحابنا أن قوله في حديث أبي سعيد صاعا من طعام حجة لمن قال صاعا من حنطة وهذا غلط منه

وذلك أن أبا سعيد أجمل الطعام ثم فسره

يقول ابن حجر:

ثم أورد طريق حفص بن ميسرة المذكورة في الباب الذي يلي هذا وهي ظاهرة فيما قال ولفظه:

( كنا نخرج صاعا من طعام وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر )

وأخرج الطحاوي نحوه من طريق أخرى عن عياض وقال فيه ولا يخرج غيره قال :

وفي قوله فلما جاء معاوية وجاءت السمراء دليل على أنها لم تكن قوتا لهم قبل هذا فدل على أنها لم تكن كثيرة ولا قوتا فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجودا
انتهى كلامه

قال ابن المنذر أيضا :

لا نعلم في القمح خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه و سلم يعتمد عليه ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير
وهم الأئمة فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم

ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وبن عباس وبن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة:

أنهم رأوا أن في زكاة الفطرة نصف صاع من قمح انتهى

يقول الحافظ ابن حجر:
وهذا مصير منه إلى اختيار ما ذهب إليه الحنفية لكن حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك وكذلك ابن عمر فلا إجماع في المسألة خلافا للطحاوي

وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان فلا فرق بين الحنطة وغيرها هذه حجة الشافعي ومن تبعه

وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد بناء منه على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن لكن يلزم على قولهم أن تعتبر القيمة في كل زمان فيختلف الحال ولا ينضبط وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع من حنطة

ويدل على أنهم لحظوا ذلك ما روى جعفر الفريابي في كتاب صدقة الفطر:
أن بن عباس لما كان أمير البصرة أمرهم بإخراج زكاة الفطر وبين لهم أنها صاع من تمر إلى أن قال أو نصف صاع من بر

قال:
فلما جاء علي ورأى رخص أسعارهم قال اجعلوها صاعا من كل

فدل على أنه كان ينظر إلى القيمة في ذلك
ونظر أبو سعيد إلى الكيل.
 
التعديل الأخير:
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
رســالة

القول العطِر

في جواز إخراج القيمة
في زكاة الفطر



كتبها

ماجد الدرويش
الطرابلسي الحنفي

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
هذه رسالة مختصرة في جواز إخراج الدراهم في زكاة الفطر أسميتها بـ «القول العطِر في جواز إخراج الدراهم في زكاة الفطر»، وضعتها تعقيباً على بيان وزع في مدينتنا طرابلس الشام في شهر رمضان المبارك من سنة 1418 هـ، اعتبر كاتبه أن إخراج الدراهم لا يجوز، وأن على المسلم أن يقتصر على إخراج الطعام من غالب قوت البلد، ثم أرشد إلى عدّة مساجد تقوم بجمع مال الصدقة –صدقة الفطر- لشراء الطعام وتوزيعه على المستحقين. ثم ختم بتوجيه نداء حار إلى المسلمين بعدم الاغترار بكثرة المخالفين الذين يخرجون الدراهم في زكاة الفطر، فالله تعالى يقول :]فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ الآية 36/النور.
ولا شك أن كاتب البيان قد جانب الصواب عندما قطع بعدم جواز إخراج الدراهم بدل الطعام، إذ القضية محض خلافية بين المذاهب، ومن المعلوم أنّه لا إنكار في الخلافيّات، وكل ما فعله كاتب البيان أنّه نصر مذهب القائلين بعدم إجزاء الدراهم، ولكنه أخطأ في جعله ذلك الحق الذي لا يخالف فخرج بذلك على طريقة طلبة العلم، بَلْهَ أهله، وأساء الظنّ بالأئمّة الأجلّة الذين جوّزوا إخراج القيمة النقدية، ومنهم: الخليفتان الراشدان العمران: ابن الخطاب، وابن عبد العزيز، والإمام الحسن البصري، والإمام سفيان الثوري، والإمام أبو حنيفة، والإمام البخاري رحمهم الله تعالى ورضي عنهم.
وبيان ذلك على التفصيل الآتي:
اعتبار القيمة في زكاة رمضان
إن مبدأ إخراج البدل القيمي في زكاة رمضان أمر متفق عليه بيننا وبين صاحب البيان، وهو في الحقيقة خروج عن المنصوص عليه، فالأحاديث تكلمت عن التمر والشعير، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الذي ذكره صاحب البيان، غير أن للحديث طريقاً آخر في نفس الكتاب عند الإمام البخاري فيها زيادة: قال عبد الله رضي الله عنه: فجعل الناس عِدلَهُ مُدَيْن من حنطة.اهـ. وقبله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «كنّا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير من أَقِط أو صاعاً من زبيب»،اهـ. وفي رواية عنه أيضاً: « كنّا نعطيها في زمان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب. فلما جاء معاوية وجاءت السمراء – حنطة الشام – قال –أي معاوية- أرى مُداً من هذا يعدِلُ مُدَّين.اهـ. ولا بد أن هذا كان في محضر من الصحابة رضوان الله عليهم ولم ينكر عليه أحد فصار بذلك إجماعاً معتبراً. وفي بعض طرق حديث ابن عمر رضي الله عنهما « فرض النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صدقة الفطر، أو قال رمضان، على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، فعدل الناس به نصف صاع من بُرّ. فكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطي التمر فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيراً…» الحديث. والناس في الحديث الصحابةُ رضي الله عنهم، ومع تقيّد ابن عمر بالنص لم ينكر عليهم اعتبارهم القيمة فيما عدا التمر والشعير.
فهذه أحاديث كلها من صحيح البخاري، باب فرض صدقة الفطر، يظهر من خلالها أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يخرجون العِدل في الصدقة، والعدل: النظير، وهذا على أساس القيمة، فهم كانوا يحسبون قيمة صاع الطعام، ويعدلون بثمنه سمراء الشام - القمح الشامي…
قال الحافظ في الفتح (3/438): « إن جعفر الفريابي روى في كتاب (صدقة الفطر) أن ابن عباس – رضي الله عنهما – لمّا كان أمير البصرة أمرهم بإخراج زكاة الفطر، وبيّن لهم أنها صاع من تمر، إلى أن قال: أو نصف صاع من بُرّ. قال: فلما جاء عليّ رضي الله عنه، ورأى رُخصَ أسعارهم قال: اجعلوها صاعاً من كُلَ. فدل على أنه كان ينظر إلى القيمة في ذلك».اهـ. وهذا كله اجتهاد منهم رضي الله عنهم. بل إن العدل ليس محصوراً في الطعام وإنما تعداه إلى العَرْض- بفتح العين وسكون الراء.
إخراج العَرْض في زكاة الفطر
أخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، كتاب الزكاة، باب العَرْض في الزكاة، معلّقاً عن طاوس، قال: « قال معاذ- بن جبل- رضي الله عنه، لأهل اليمن: ائتوني بعَرْضٍ، ثياب: خميص أو لبيس، في الصدقة. مكان الشعير والذرة، أهون عليكم وخير لأصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم».اهـ. وفيه أمور، منها:
1-قال الحافظ رحمه الله: « إن إيراد الإمام البخاري له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده».اهـ. وكلام الحافظ أولى من كلام الألباني. ثم إن الاحتجاج أو التحجج بالانقطاع بين طاوس ومعاذ مدفوع بداهة، إذ أن معاذاً رضي الله عنه كان قاضياً على اليمن، ولولا أن هذا القضاء قد اشتهر عنه لما نقله طاوس الذي لا يحتاج إلى صلة بينه وبين معاذ الذي كان يملي على الناس أحكامه بحكم موقعه. ولذلك فهذا ما يأخذ حكم التواتر المعنوي. والله أعلم ولولا ذلك لما ذكره الإمام البخاري على سبيل التقرير والاستشهاد.
2-أن العَرْض – وهو ما سوى النقدين: الذهب والفضّة – يجزئ في زكاة الفطر، وهو ليس طعاماً ولا نقداً كما ظنه صاحب البيان.
3-أن معاذاً رضي الله عنه علّل ذلك بكونه أهون على أهل اليمن، وأنفع لمن ستؤدّى إليهم الصدقة. وهي علّة صالحة للقياس في كل عصر.
4-لا يقال إن هذا في الزكاة سوى صدقة الفطر، إذ السياق يشعر بأنها في زكاة الفطر، ذلك أنه لا خلاف أن زكاة الثياب تخرج من جنسها، فلو كان الكلام في معرض زكاة العروض، والثياب منها، لما كان من فائدة في قوله: "مكان الشعير والذرة". ومع هذا فنقول ما قاله الإمام ابن حجر رحمه الله: "إن البخاري فيما عرف عنه بالاستقراء من طريقته يتمسك بالمطلقات تمسك غيره بالعمومات".اهـ. ويقصد الحنفية. وعليه فإن الزكاة هنا مطلقة وليست مقيدة بنوع دون آخر.
5-أن معاذاً اعتبر أن جامع إخراج زكاة الفطر هو القيمة ولا بد: أي المال المقوَّم. فيدخل في ذلك النقد. وإلا كيف حسبَت؟
النقد بدلٌ معتبرٌ في القيمة
ودخول النقد بجامع (القيمة)، رآه من الصحابة: عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ومن التابعين: عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى. ومن تابع التابعين: سفيان الثوري. ومن أهل الحديث: الإمام البخاري رحمهم الله تعالى.
أما الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد ذكر الإمام ابن قُدامة المقدسي في المغني (3/65) أن سعيد بن منصور أخرج في سننه عن عطاء، قال: "كان عمر بن الخظاب يأخذ العَروض في الصدقة من الدراهم".اهـ. وهو يقوم على اعتبار القيمة بلا ريب.
وأما الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقد أخرج الحافظ ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الزكاة، باب: إعطاء الدراهم في زكاة الفطر –هكذا عنونه- عن ابن عون، قال: "سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يُقرأ إلى عَدِيٍّ بالبصرة: يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم عن كل إنسان نصف درهم".
وعن قرّة – بن خالد (154 هـ) – قال: "جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم".اهـ.
وفي مصنّف عبد الرزاق (3/316): عن معمر، قال: كتاب عمر بن عبد العزيز: "على كل اثنين درهم –يعني في زكاة الفطر- قال معمر: هذا على حساب ما يُعطى من الكيل".اهـ.
فهذا معمر بن راشد، وهو من هو، يُعلّل إخراج الدراهم أنه على حساب ما يعطى من الكيل، وهو القيمة. وهذه أيضاً علّةٌ لها قوة النص تصلح للقياس في كل عصر، ومعلوم أن قوّة القياس من قوّة علته.
ويبدو أن إخراج القيمة النقديّة كان منتشراً في زمن التابعين، أقلُّه في الكوفة، فقد أخرج ابن أبي شيبة في الكتاب والباب السالفين عن أبي إسحاق السَّـبيْعي قوله: "أدركْتُهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام".اهـ. والسَّبيعي حافظ كبير وهو شيخ الكوفة وعالمها ومحدثها، كما قال الذهبي في السير (5/392) وكان رحمه الله من العلماء العاملين، ومن جِلَّةِ التابعين، وقد وُلِد لسنتين خلتا من خلافة عثمان، ورأى الإمام علياً يخطب. ورأى أيضاً أسامة بن زيد. وقد روى عن كبار التابعين. فعندما يقول: أدركتهم، فهذا يعني أن كبار التابعين في الكوفة كانوا على هذا المذهب، وهم بدورهم أخذوه عن الصحابة والسَّبيْعي متوفّى سنة 127 هـ.
وأما كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عماله في الأمصار فيما يتعلّق بزكاة الفطر، فقد ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد (4/436) وهذا نصُّه:
« وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عُمّاله: مُروا من كان قِبَلَكُم، فلا يبقى أحدٌ من أحرارهم ولا مماليكهم، صغيراً ولا كبيراً، وذكراً ولا أُنثى، إلا أخرج عنه صدقة فطر رمضان: مُدَين من قمح، أو صاعاً من تمر، أو قيمة ذلك نصف درهم… الخ» ومعلوم أن (أو) للتخبير.
فهذه النقول تثبت أن إخراج الدراهم بدلاً عن الطعام في زكاة الفطر: هو مذهب بعض الصحابة وتابعي أهل الكوفة.
وأما سفيان الثوري –رحمه الله- فقد ذكر النووي مذهبه في المجموع (5/429)، فقال:
« وقال سفيان الثوري يجزئ إخراج العُروض عن الزكاة إذا كانت بقيمتها. قال النووي: وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه، وهو وجه لنا – أي الشافعية».اهـ. ولكن الإمام النووي لم يرتَضِ هذا الوجه، غير أنه ذكر ما يفيد أن الشافعيّة يعدلون إلى القيمة لضرورة، وهذا نص كلامه في المجموع (5/431): « قد ذكرنا أنّه لا يجوز عندنا إخراج القيمة في الزكاة. قال أصحابنا –أي الشافعية-: هذا إذ لم تكن ضرورة».اهـ. وهذه علّة أخرى.
الردّ على نقول صاحب البيان
من هذا يتبيّن أن ما نقله صاحب البيان عن المجموع موجّه وغير أمين، فهو قال:
« وقال الإمام النووي رحمه الله: لا يجزئ القيمة عندنا، وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر (المجموع 6/85)».اهـ.
وبالرجوع إلى المجموع – طبعة دار الفكر- عند هذا الرقم من الجزء والصفحة لم أجد هذا النص، فرجعت صفحات إلى الوراء فلم أعثر عليه، ثم تقدمت صفحات، فوجدت ص132 ما يشبه ذلك، قال النووي: « قال الشافعي والأصحاب لا يجزئ إخراج القيمة، وبه قال الجمهور، وجوّزها أبو حنيفة، وسبقت دلائل المسألة في آخر باب (صدقة الغنم)».اهـ.
وباب صدقة الغنم في نسخة دار الفكر – في الجزء الخامس ص417، ومنه أخذت الكلام السابق، والذي مفاده أن الشافعية يعدلون إلى القيمة إذا دعت لذلك ضرورة. وهو أيضاً مذهب المالكية لما ذُكر في المدونة أن من جبره المصدق على أخذ ثمن الصدقة، قال مالك: رجوت أن تجزيه. قال الشيوخ: لأنّه حاكم، وحكم الحاكم يرفع الخلاف».اهـ.
فهم اعترفوا أن المسألة خلافيّة، فلم يلغوا قول الآخر، بل لجأوا إليه عند الضرورة، موافقين في ذلك الشافعية، بل تكاد تكون الصورة واحدة، قال النووي في المجموع (5/431): « ومن مواضع الضرورة التي تجزئ فيها القيمة ما إذا ألزمهم السلطان بالقيمة وأخذها منهم فإنها تجزئهم».اهـ. ولو كان في ذلك مخالفة لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، هل كانوا يقولون به؟: حاشاهم ذلك…
وفي مذهب الإمام أحمد قولان نقلهما صاحب كتاب (التمام) القاضي أبو الحسين الفراء، حيث قال (1/272) نقلاً عن ابن شاقِلاّ: « وقد أخرجنا هذه المسألة عن الكوسج: أن الزكاة في الثمن. وإذا باعها –أي العين- فقال: يجيء على هذا روايتان، لأن من أصلنا لا تؤخذ القيمة في الزكاة. قال الوالد –القاضي أبو يعلى الفراء- والأمر على ما قاله أبو إسحاق، وأنه متى ثبت جواز إخراج القيمة إذا باع النِّصابَ ثبت جوازه إذا كان باقياً ولا فرق».اهـ. والكلام هذا في الزكاة عامة فتدخل فيها زكاة الفطر. وهذا يدل على أن مذهب الإمام أحمد أوسع مما ذكره صاحب البيان. ويمكن مراجعة المغني (4/171-172) والإنصاف للمرداوي (3/66). فقد نقلوا أن في مذهب الإمام قولان. وقد جمع شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- بينهما، فقال في الاختيارات الفقهية: « ويجوز إخراج القيمة في الزكاة لعدم العدول عن الحاجة والمصلحة، مثل أن يبيع ثمرة بستانه أو زرعه، فهذا إخراج عشر الدراهم يجزئه، ولا يكلف أن يشتري تمراً أو حنطة، فإنه قد ساوى الفقير بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك، ومثل أن تجب عليه شاة في الإبل، وليس عنده شاة فإخراج القيمة كاف، ولا يكلف السفر لشراء شاة، أو أن يكون المستحقون طلبوا القيمة لكونها أنفع لهم، فهذا جائز».اهـ. (يُنظر تمام المِنَّة للشيخ الألباني ص379-380) ويراجع (مجموع الفتاوى 25/82). ولا يعترض بأن هذا في الزكاة دون زكاة الفطر، لأننا سنقول: من أين جئتم بقول الأئمة: لا تجزئ القيمة؟!!.. فهذه وردت في معرض الكلام عن الزكاة مطلقاً، ولم يُذكر شيء في أبواب صدقة الفطر.
صاحب البيان يُناقضُ نفسـَه
إذا عُلمَ هذا أدركنا كم كان خطأ صاحب البيان كبيراً بسبب عدم اطلاعه على المذاهب في هذه المسألة، وإنما عمد إلى القفز فوق النصوص على طريقة الكلمات المتقاطعة، فحيث وجد كلمة (لا تجزئ) ظنها المقصود.
هذا مع العلم أنه ناقد نفسه بشكل مريع عندما قال: « إنّ عدّة مساجد تقوم بتطبيق هذه السنة المهجورة(!) وذلك بجمع المال وشراء الطعام…الخ» فأيُّ هذيان هذا؟ فهو اختار مذهباً ولكنه لا يعرف كيفيّة تطبيقه لأن إخراج الطعام يكون مما يدخر في البيت، يدل على ذلك حديث البخاري في كتاب (الوكالة)، باب (إذا وكّل رجلاً فترك الوكيل شيئاً…) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وكّله بحفظ زكاة رمضان، وأن الشيطان أتاه يسرق منه… الحديث. فدلّ على أنّ زكاة رمضان كانت تجمع من بيوت المسلمين مما يدّخرونه ويقتاتونه في بيوتهم.
وأما الذي قاله صاحب البيان فهو تناقض وتهافت، ذلك أن الناس إذا دفعوا إلى المساجد التي ذكرها مالَ الفِطرة، فإنهم أخرجوا على الحقيقة قيمة الفطرة مالاً، وهو ما نفاه صاحب البيان ولم يجوّزه!!… ثم يا ترى ما الذي سيصنعه أي فقير أو مسكين أخرجنا له زكاة فطرتنا مالاً سوى أن يشتري به طعاماً أو ثياباً؟!!… وممّا يشبه ذلك ردّ العلاّمة أحمد شاكر رحمه الله على الإمام ابن حزم رحمه الله (هامش المحلى 6/131-132)، في قَصْرِه إخراج الزكاة تمراً أو شعيراً فقط. وهو تضييق ما بعده تضييق… وقد استشهد صاحب البيان بمذهب ابن حزم مع مخالفته له. فابن حزم اقتصر على التمر والشعير. وصاحب البيان عدل إلى الحمص والأرز والحبوب، وهي لم ترد في أي نص. وهذا يؤكد ما ذكرته عن قفزه فوق الكلمات قفزاً دون إدراك لحقيقة المذاهب. ولكي أوضح له كيف يفكر أهل الفقه، أقول: إن الطعام كان زمن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، مالاً مقوماً يشكل مع النقدين والعَرْض، الأثمان المتداولة في المعاوضات. وهذا معلوم من النظر إلى أحاديث الربا، ومنها حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: « الذهب بالذهب، والفضّة بالفضّة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير،…»الحديث. وحديث رافع بن خديج رضي الله عنه عند البخاري أيضاً في كتاب المزارعة، قال: « كنّا أكثر أهل المدينة مزدرعاً: كُنا نُكْري – أي نؤَجِّر- الأرض بالناحية منها مسمّى لسيد الأرض، قال: فمما يصاب ذلك وتسلم الأرض، ومما يصاب الأرض، ويسلم ذلك، فنهينا، وأما الذهب والوَرِق فلم يكن يومئذ».اهـ. فدل على أن الزرع كان ثمناً متبادلاً في المعاوضات وأن النقدين لم يكونا متداولين بشكل واسع فيما بينهم لندرته، وهو ما ليس متوافراً في زماننا، بل العكس تماماً حاصل، إذ المتعارف عليه أن المعاوضات لا تتم إلا عن طريق النقد، لا التمر ولا الحبوب والأطعمة، بل حتى الذهب والفضة تحولا إلى ما يشبه السلعة أكثر من كونها نقداً.
فالذي يريد الإفتاء يقبح به أن لا يقرأ زمانه ويفهم عصره ليعرف كيف يوائم بين النص والواقع، هذا في حال كان أميناً على النص.!!…
وأما ما ختم البيانَ به من قوله: « أخي الحبيب ساهم في إحياء هذه السنّة واتباعها ولو كنت وحدك ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك ومخالفتها ولا تغتر بكثرة المخالفين، قال الله تعالى: ]فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [.اهـ.
فهذا يدفعنا إلى الإشفاق عليه فهو في الحقيقة حريص على الاتباع ولكنه يحتاج إلى من يعلمه كيفية الاتباع، إلا إذا كان على مذهب من يفوّضون الكيف دون المعنى (!) وهو يحتاج إلى من يرشده إلى مواطن الخلاف ومسالكه بين العلماء، وقديماً قيل: (من لا يعرف الخلاف لا يعرف الفقه)…
هذا آخر ما كتبته في هذه العجالة ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
قال الشيخ أبو أويس محمد بوخبزة الحسني :

قال يحي بن معين في زكاة الفطر لا بأس أن تُعطى فضة هـ.
ويقول أيضا :
قال يحي بن معين في زكاة الفطر لا بأس أن تُعطى فضة هـ.
أورده عنه الذهبي في ترجمته من السير 11/93، وهو نص مهم فقد افتى به يحي وهو من أساطين العلم في بغداد حيث الحبوب رائجة وهي العمدة في التغذية وأمرها ميسّر لوفرة الأرحية في الدور، فكيف لو رأى يحي زماننا الذي لا ينفع الحَب فيه صاحبه، حتى يبيعه ليشترى بثمنه مايأكله لاقتضاء الحال ذلك .والعجب أن هذه المسألة مازالت موضع أخذ ورد بين العلماء ومنهم من يوجب إخراج القمح والشعير في المغرب وحواضره ، وفي السعودية يفتي عبد العزيز بن باز بوجوب إخراج الحَب وأحسنه الأُرز لأنه غالب طعام أهل البلد، وأخبرني غير واحد هناك أن المساكين وأغلبهم الآن من الأفارقة السود المهاجرين بسبب المجاعات، يأخذون الأرز من المتصدقين صباح العيد وقد اشتروه بخمسة ريال مثلا.. فيبيعونه في نفس المكان بريالين أو ثلاثة وهذا يتكرر كل عام على مرأى ومسمع من العلماء، ومثله ما كان يقع بالمغرب عندنا كل عام فيخرج الباعة الحبوب بالأكياس وتباع عشية آخر يوم أو قبله من رمضان ويخرج اليهود منتهزين الفرصة ويشترون الزرع والشعير من الفقراء برُبع الثمن، هذا والفقهاء في المساجد يفتون بحرمة إخراج القيمة بل لا بد من الحَب رغم هذا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن زكاة الفطر شُرعت لأمرين طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ، ولو كان لفقهائنا أو بهائمنا على أصح تعبير استقلال في الفهم لعلموا دون شك أن طعمة المساكين لا تتحقق الآن ولاسيما في الحواضر بإخراج الحبوب بل بالقيمة، إلا في القرى النائية والجبال البعيدة حيث تطحن المرأة برحاها الحَب وتأكل الدقيق، وهذا غير متيّسر بالحواضر والناس فيه يحتاجون إلى أنواع من المطاعم الضرورية الأولية ، وقد كان حدث بتطوان في الأربعينات من القرن الميلادي الماضي أثناء وبعد الحرب العالمية أن قّلَّ الدقيق وانعدم الحَب وتسائل الناس عن إخراج القيمة وهي متعينة فتردد الأنعام رُغم هذا كله وتعصبوا وأصَّر كثير منهم على قوله وهم يعلمون أن في مذهبهم المالكي كما في غيره، قولا بجواز إخراج القيمة، أما الحديث وتحقيق الحكمة من تشريع زكاة الفطر فلا يجوز الاشتغال به عند هؤلاء ، وبعث محمد بن عبد الصمد التجكاني سؤالا إلى ابن خاله شيخنا أحمد بن الصديق حول الموضوع فأفتى بجواز إخراج القيمة وألف:" تحقيق الآمال بإخراج زكاة الفطر بالمال" ، ولم يستطع أحد من هؤلاء نقضه وقد طبع يومئذ وأعيد طبعه بالشرق .
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
قال تعالى و لا يحض على طعام المسكين
وقال فك رقبة او اطعام في يوم ذي مسغبة
و قال انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جازاء و لا شكورا .

و قال و لا تحضون على طعام المسكين.

ذكر الله سبحانه و تعالى في هذه الآيات الغالب في الصدقة لكن المعنى عام فهو من باب الخاص اريد به العام اي كل انواع التصدق و يدخل في ذلك المال لأن الأصل في الصدقة المال لقوله تعالى خد من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها فان فهمنا ذلك فهمنا ان زكاة الفطر نقدا داخلة في حديث رسول الله عليه الصلاة و السلام و انما ذكر الاطعمة المشهورة بين قومه و الدليل انه لم يذكر الارز و الذرة و اللحم و اللبن .



قال الحافظ في الفتح (3/438): « إن جعفر الفريابي روى في كتاب (صدقة الفطر) أن ابن عباس – رضي الله عنهما – لمّا كان أمير البصرة أمرهم بإخراج زكاة الفطر، وبيّن لهم أنها صاع من تمر، إلى أن قال: أو نصف صاع من بُرّ. قال: فلما جاء عليّ رضي الله عنه، ورأى رُخصَ أسعارهم قال: اجعلوها صاعاً من كُلَ. فدل على أنه كان ينظر إلى القيمة في ذلك».اهـ. وهذا كله اجتهاد منهم رضي الله عنهم. بل إن العدل ليس محصوراً في الطعام وإنما تعداه إلى العَرْض- بفتح العين وسكون الراء.

أخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، كتاب الزكاة، باب العَرْض في الزكاة، معلّقاً عن طاوس، قال: « قال معاذ- بن جبل- رضي الله عنه، لأهل اليمن: ائتوني بعَرْضٍ، ثياب: خميص أو لبيس، في الصدقة. مكان الشعير والذرة، أهون عليكم وخير لأصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم».اهـ. وفيه أمور، منها:


قال الحافظ رحمه الله: « إن إيراد الإمام البخاري له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده».اهـ. الاحتجاج أو التحجج بالانقطاع بين طاوس ومعاذ مدفوع بداهة، إذ أن معاذاً رضي الله عنه كان قاضياً على اليمن، ولولا أن هذا القضاء قد اشتهر عنه لما نقله طاوس الذي لا يحتاج إلى صلة بينه وبين معاذ الذي كان يملي على الناس أحكامه بحكم موقعه. ولذلك فهذا ما يأخذ حكم التواتر المعنوي. والله أعلم ولولا ذلك لما ذكره الإمام البخاري على سبيل التقرير والاستشهاد.


ودخول النقد بجامع (القيمة)، رآه من الصحابة: عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ومن التابعين: عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى. ومن تابع التابعين: سفيان الثوري. ومن أهل الحديث: الإمام البخاري رحمهم الله تعالى.
أما الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد ذكر الإمام ابن قُدامة المقدسي في المغني (3/65) أن سعيد بن منصور أخرج في سننه عن عطاء، قال: "كان عمر بن الخظاب يأخذ العَروض في الصدقة من الدراهم".اهـ. وهو يقوم على اعتبار القيمة بلا ريب.
وأما الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقد أخرج الحافظ ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الزكاة، باب: إعطاء الدراهم في زكاة الفطر –هكذا عنونه- عن ابن عون، قال: "سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يُقرأ إلى عَدِيٍّ بالبصرة: يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم عن كل إنسان نصف درهم".
وعن قرّة – بن خالد (154 هـ) – قال: "جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم".اهـ.
وفي مصنّف عبد الرزاق (3/316): عن معمر، قال: كتاب عمر بن عبد العزيز: "على كل اثنين درهم –يعني في زكاة الفطر- قال معمر: هذا على حساب ما يُعطى من الكيل".اهـ.

ويبدو أن إخراج القيمة النقديّة كان منتشراً في زمن التابعين، أقلُّه في الكوفة، فقد أخرج ابن أبي شيبة في الكتاب والباب السالفين عن أبي إسحاق السَّـبيْعي قوله: "أدركْتُهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام".اهـ. والسَّبيعي حافظ كبير وهو شيخ الكوفة وعالمها ومحدثها، كما قال الذهبي في السير (5/392) وكان رحمه الله من العلماء العاملين، ومن جِلَّةِ التابعين، وقد وُلِد لسنتين خلتا من خلافة عثمان، ورأى الإمام علياً يخطب. ورأى أيضاً أسامة بن زيد. وقد روى عن كبار التابعين. فعندما يقول: أدركتهم، فهذا يعني أن كبار التابعين في الكوفة كانوا على هذا المذهب، وهم بدورهم أخذوه عن الصحابة والسَّبيْعي متوفّى سنة 127 هـ.
وأما كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عماله في الأمصار فيما يتعلّق بزكاة الفطر، فقد ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد (4/436) وهذا نصُّه:
« وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عُمّاله: مُروا من كان قِبَلَكُم، فلا يبقى أحدٌ من أحرارهم ولا مماليكهم، صغيراً ولا كبيراً، وذكراً ولا أُنثى، إلا أخرج عنه صدقة فطر رمضان: مُدَين من قمح، أو صاعاً من تمر، أو قيمة ذلك نصف درهم… الخ» ومعلوم أن (أو) للتخبير.

وفي مذهب الإمام أحمد قولان نقلهما صاحب كتاب (التمام) القاضي أبو الحسين الفراء، حيث قال (1/272) نقلاً عن ابن شاقِلاّ: « وقد أخرجنا هذه المسألة عن الكوسج: أن الزكاة في الثمن. وإذا باعها –أي العين- فقال: يجيء على هذا روايتان، لأن من أصلنا لا تؤخذ القيمة في الزكاة. قال الوالد –القاضي أبو يعلى الفراء- والأمر على ما قاله أبو إسحاق، وأنه متى ثبت جواز إخراج القيمة إذا باع النِّصابَ ثبت جوازه إذا كان باقياً ولا فرق».اهـ. والكلام هذا في الزكاة عامة فتدخل فيها زكاة الفطر. وهذا يدل على أن مذهب الإمام أحمد أوسع مما ذكره صاحب البيان. ويمكن مراجعة المغني (4/171-172) والإنصاف للمرداوي (3/66). فقد نقلوا أن في مذهب الإمام قولان. وقد جمع شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- بينهما، فقال في الاختيارات الفقهية: « ويجوز إخراج القيمة في الزكاة لعدم العدول عن الحاجة والمصلحة، مثل أن يبيع ثمرة بستانه أو زرعه، فهذا إخراج عشر الدراهم يجزئه، ولا يكلف أن يشتري تمراً أو حنطة، فإنه قد ساوى الفقير بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك، ومثل أن تجب عليه شاة في الإبل، وليس عنده شاة فإخراج القيمة كاف، ولا يكلف السفر لشراء شاة، أو أن يكون المستحقون طلبوا القيمة لكونها أنفع لهم، فهذا جائز».اهـ. (يُنظر تمام المِنَّة للشيخ الألباني ص379-380) ويراجع (مجموع الفتاوى 25/82). ولا يعترض بأن هذا في الزكاة دون زكاة الفطر، لأننا سنقول: من أين جئتم بقول الأئمة: لا تجزئ القيمة؟!!.. فهذه وردت في معرض الكلام عن الزكاة مطلقاً، ولم يُذكر شيء في أبواب صدقة الفطر.
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال

المؤلف : أحمد بن الصديق الغماري -رحمه الله- .
المحقق : نظام بن محمد صالح يقوبي.

و أنصح الاخوة بقراءتها ففيها الخير الكثير.




http://www.4shared.com/file/89213826...k_al_amal
 

الزهري

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
22 ديسمبر 2007
المشاركات
3
التخصص
الفقه
المدينة
مركش
المذهب الفقهي
المالكي
جزاكم الله خيرا

جزاكم الله خيرا

جزاكم الله خيرا
 
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
871
الكنية
أبو الأمين
التخصص
أصول الفقه
المدينة
باريس
المذهب الفقهي
أصول مالكية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد.
فقد اختلف أهل العلم في حكم إخراج زكاة الفطر نقدا على قولين :-
الأول :عدم الجواز وهو مذهب الجمهور المالكية والشافعية والحنابلة ودليلهم أنه لم يرد نص بذلك والأصل الوقوف عند ما ورد وإخراج الحبوب (1).
الثاني :جواز إخراجها نقدا إما على الإطلاق وهو مذهب الأحناف(2) والبخاري(3) وقول عمر بن عبدالعزيز والحسن البصري وغيرهم(4) أو مع التقييد بالحاجة وهو رواية عند الحنابلة اختارها ابن تيمية (5).
ولهم أدلة منها حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: « فَرَضَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ : عَلَى الْعَبْدِ ، وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ ، وَالْأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ ، وَالْكَبِيرِ ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» متفق عليه(6).
وفي رواية « أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم ».
أخرج هذه الرواية ابن عدي(7) والدارقطني(8) والبيهقي(9) والحاكم(10) وابن زنجويه « في الأموال »(11) وابن حزم(12) جميعهم من طريق أبي معشر عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- بنفس حديث ابن عمر السابق وفي آخره « أغنوهم في هذا اليوم » أو « أغنوهم من طواف هذا اليوم » كما هو لفظ الحاكم والبيهقي.
والحديث مداره على أبي معشر نجيح بن عبدالرحمن السندي وقد ضعفه غير واحد؛ فقال أحمد: حديثه عندي مضطرب الإسناد ولكن أكتب حديثه أعتبر به.
وقال يحيى بن معين: كان أميًّا ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال النسائي و أبو داود: ضعيف الحديث(13).
وبالغ ابن حزم فقال: أبو معشر هذا نجيح مطّرح الحديث يحدّث بالموضوعات عن نافع وغيره »(14).
وللحديث شاهد وطريق آخر أخرجه ابن سعد في « الطبقات »(15) فقال: أخبرنا محمد بن عمر الواقدي حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن الجمحي، عن الزهري، عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها-، قال: وأخبرنا عبدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: وأخبرنا عبدالعزيز بن محمد ربيح بن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده، قالوا: « فرض ... » الحديث وفيه وأمر بإخراجها قبل الغدو إلى الصلاة، وقال « أغنوهم -يعني المساكين- عن طواف هذا اليوم ».
والواقدي متروك متهم بالوضع(16).فالحديث – بطريقيه - والحالة هذه لايرتقي إلى درجة الحسن لغيره والعلم عند الله.
هذه الرواية فيها بيان حِكْمةٍ من حكم زكاة الفطر وهي إغناء الفقراء والمحتاجين في يوم العيد فلا يسألون الناس، وهذا مظهر من مظاهر التكافل الإجتماعي الذي حثَّ عليه ديننا الحنيف.
وقد استدل بها على جواز إخراج القيمة بدلاً عن الطعام في زكاة الفطر ووجه الدلالة من الحديث -على فرض ثبوته- أن الإغناء يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالطعام وربما كانت القيمة أفضل(17).
واستدلوا ببعض الآثار منها ما أخرج ابن أبي شيبة –وعقد عليه باب إخراج الدراهم في زكاة الفطر - قال:حدثنا أبو أسامة ،عن عوف، قال: سمعت كتاب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بالبصرة:(يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم ، عن كل إنسان نصف درهم) يعني زكاة الفطر(18).
حدثنا وكيع عن قرة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبدالعزيز في زكاة الفطر: (نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته:نصف درهم )لا بأس أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر(19).
وعن أبي إسحاق قال: أدركتهم وهم يؤدّون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام(20).
فهذا عمر بن عبدالعزيز في عصر التابعين يرسل إلى عامله، وعلماء التابعين متوافرون، ولا يخفى عليهم فعل إمام المسلمين.
وهذا أبو أسحاق السبيعي –وهو من الطبقة الوسطى من التابعين أدرك عليا وبعض الصحابة رضي الله عنهم - يثبت أن ذلك كان معمولا به في عصرهم فقوله أدركتهم يعني به الصحابة.
ومن الأدلة على ذلك أيضًا أن أخذ القيمة في زكاة المال ثابتٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة ومن ذلك قول البخاري في الصحيح: باب العرْض في الزكاة وقال طاووس قال معاذ –رضي الله عنه- لأهل اليمن: ائتوني بعرْض ثيابٍ خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهونُ عليكم وخيرٌ لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم(21).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « وأما خالدٌ فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله »(22).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « تصدقن ولو من حليكنّ » (23) فلم يستثن صدقة الفطر من غيرها فجعلت المرأة تلقي خرصها و سخابها. ولم يخصّ الذهب والفضة من العروض.
حدثنا محمد بن عبدالله قال: حدثني أبي قال: حدثني ثمامة أن أنسًا -رضي الله عنه- حدّثه أن أبا بكر -رضي الله عنه- كتب له التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: « ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدِّق عشرين درهمًا أو شاتين، فإن لم يكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شيء »(24) ا.هـ.
قلت: وهذه الأحاديث والآثار دالّةٌ على اعتبار القيمة في إخراج الزكاة، فأثر معاذ ظاهر في الدلالة أما حديث خالد بن الوليد فقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم له أن يحاسب نفسه بما حبسه فيما يجب عليه فدلّ على جواز إخراج القيمة، وكذلك حديث زكاة بهيمة الأنعام هو صريح في جواز أخذ القيمة بدلاً من الواجب.
وإذا ثبت جواز أخذ القيمة في الزكاة المفروضة في الأعيان فجوازها في الزكاة المفروضة على الرقاب من باب أولى(25).
ومن الأدلة أيضًا تجويز الصحابة إخراج نصف صاع من القمح لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير وقد صح عن معاوية –رضي الله عنه- أنه فعل ذلك(26).
فهذه الآثار دالة بمجموعها على جواز دفعها نقودًا.
وأيضًا فإنه من حيث النظر، والتعليل، والحكمة التي تتفق مع مقاصد الشريعة فإن ازدياد الحاجة للمال وتقلص الحاجة للحبوب يتضح مع مرور الأيام.
وفي مقال(27) للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ذكر أن النصوص الواردة فيما يخرج في زكاة الفطر هي دالة على اعتبار الطعام المعتاد كحال البلد، ثم ذكر أن الرجل كان يفرح في السابق بهذه الحنطة وهذه الحبوب فيحملها إلى أهله حتى يصنعون منها الخبز بعد طحنها وإصلاحها، وأن هذا الأمر لم يعد معمولاً به في الوقت الحاضر بل إن الفقراء يبيعون ما يحصلون عليه من زكاة الفطر كالأرز وغيره حتى يحصلوا على النقود إلى أن يقول: إنه -أي الفقير- يحتاج إلى كثير من الأشياء الضرورية التي ترهقه، ولا يستطيع تلبيتها من دون عون من الله ثم بما يقدمه له إخوانه المسلمون من زكاتهم المفروضة، إنه يفكر في سداد فاتورة الكهرباء التي لا يقوم بها أحد سواه، وكذلك سقيا الماء لأبنائه وعائلته، ولوازمهم المدرسية التي تكلفه الكثير الكثير من المال عدا الأشياء الضرورية التي لا يستطيع التخلي عنها. هذا هو الواقع الذي يعيشه الفقير إن انفصال المقصد الشرعي من هذه الفريضة والتجاهل للواقع انحراف عن مقاصد الشرع، وتنزيل للأحكام في غير موضعها، فقد تغيّرت حاجة الفقراء في عصر الصحابة رضوان الله عليهم فلجأوا إلى ما يحقق مقاصد الشريعة، ولم يكن ثمة اعتراض على ذلك وفي الوقت الحاضر تغيرت حاجة الفقراء، وأصبح ما هو مشروع أصلاً -إلى جانب أنه لا يسد حاجة الفقير- هدفًا للتحايل والتلاعب إنّ النظر الفقهي السليم هو الذي يؤاخي بين الأحكام الشرعية، وتأمل للواقع لتحقيق المقصد الشرعي.
قال الدكتور يوسف القرضاوي(28): والذي يلوح لي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فرض زكاة الفطر من الأطعمة لسببين الأول: ندرة النقود عند العرب في ذلك الحين، فكان إعطاء الطعام أيسر على الناس.
والثاني: أن قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها الشرائية من عصر إلى عصر، بخلاف الصاع من الطعام فإنه يشبع حاجة بشرية محددة، كما أن الطعام كان في ذلك العهد أيسر على المعطي، وأنفع للأخذ. اهـ. والله أعلم بالصواب.
وقد رجح هذا القول وأفاض في ذلك الشيخ مصطفى الزرقا(29)، وفرق الشيخ أحمد الغماري بين البوادي والتي حالها مشابهُ لحال عصور الصحابة حيث لا أسواق لبيع الطعام المطبوخ مع وجود الآلات التي تمكنهم من الانتفاع بما عندهم من الحبوب، وبين الحواضر والتي المال فيها أحوج للفقير.
وهذا يتوافق مع أصل التشريع فإن الطعام كان إخراجه أيسر في عهد الصحابة ومن الطعام الذي كان موجودًا ومتعارفًا عليه عندهم ولذلك فإن الفقهاء -حتى القائلين بعدم إخراج زكاة الفطر نقدًا- لا يُلزمون بإخراجها من نفس الأصناف الواردة في أحاديث زكاة الفطر وإنما يعبرون عن ذلك بقولهم قوت البلد، وهذا يدل على مراعاة المصلحة والحاجة. فكان من أعظم المصالح وأبلغ الحكم العدول عن المال النادر العسر إخراجه في ذلك الوقت إلى الطعام المتيسر إخراجه لكل الناس آنذاك.
وأما الحال الآن فقد تغير فصارت النقود ميسرة والحاجة لها أكثر كما سبق بيانه(30)، وعندي -والله أعلم- أن الراجح هو جواز إخراجها نقدًا ولا يعني أن هذا هو الأفضل بل الأفضل إخراج ما يحتاجه من سيعطى الزكاة ولو أخرجها نقدا مع وجود الحاجة لها حبا فقد أدى فرضه ولا يؤمر بالإعادة، كما أن العكس صحيح، وعندما يوسّع الإنسان الدائرة وينظر إلى حال المسلمين في العالم وخاصة الدول الصناعية الأوروبية مثلا والتي يتعامل الناس فيها بالنقود غالبًا فإخراجها نقدا أفضل والحالة هذه والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
------------
(1) ينظر بداية المجتهد(1/64) مغني المحتاج (1/406) كشاف القناع (1/471).
(2) المبسوط (2/158).
(3) بوب البخاري (باب العرض في الزكاة)وأورد فيه جملة من الأحاديث والآثار- سيأتي ذكرها - قال ابن حجر في الفتح (3/398):قال ابن رشيد:وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل.
(4) مصنف أبي شيبة (4/37-38).
(5) الإنصاف (4/478) وعند ابن تيمية يجوز للمصلحة أيضا ينظر مجموع الفتاوى(25/79). قلت: ولا داعي للتشكيك في نسبة هذا القول لابن تيمية، فقد جاء في اختيارات ابن تيمية لبرهان الدين ابن القيم (138) ما نصه: وأنه يجوز إخراج القيمة في زكاة المال وزكاة الفطر. ا.هـ، ومما يقوي ذلك أن ابن تيمية يرى جواز إخراج نصف الصاع في القمح. الاختيارات الفقهية ص: (183) وهذا يدل على اعتبار القيمة عنده، وهو بهذا يوافق الأحناف في هذه المسألة بالذات. بدائع الصنائع (2/72).
(6) أخرجه البخاري (1504) كتاب الزكاة باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين ، ومسلم (984) (13). كتاب الزكاة باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير.
(7) الكامل لابن عدي (7/55).
(8) سنن الدارقطني (2/152).
(9) سنن البيهقي (4/175).
(10) المستدرك (1/410).
(11) الأموال لحميد بن زنجويه (2397).
(12) المحلى (6/121).
(13) ترجمته في الضعفاء الكبير (4/308)، الكامل (7/52)، التاريخ الكبير (8/114)، لسان الميزان (7/484).
(14) المحلى (6/121).
(15) الطبقات لابن سعد (1/284).
(16) ترجمته في الضعفاء (4/107)، الكامل (4/318)، المجروحين (3/290).
(17) ينظر كتاب (فقه الزكاة) للدكتور يوسف القرضاوي (2/949).
(18) أخرجه ابن أبي شيبة (6/507 رقم 10469) قال المحقق الشيخ محمد عوامة: أبوأسامة هو حماد بن أبي أسامة وفي نسخة عن عون وفي أخرى عن ابن عون وكلاهما بصريان يروي عنهما حماد بن أسامة.
قلت: حماد بن أسامة ثقة ثبت ربما دلس .التقريب(1487)وتدليسه قليل وهو يبين من دلس عنه
عوف بن أبي جميلة الأعرابي العبدي ثقة التقريب(5215) فالأثر صحيح.
(19) المرجع السابق.
(20) المرجع السابق.
(21) أخرجه يحيى بن آدم القرشي في « الخراج » ت: أحمد شاكر رقم 525 ص(147)، قال ابن حجر في «الفتح» (3/398): هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاووس لكن طاووس لم يسمع من معاذ فهو منقطع، فلا يغتر بقول من قال ذكره البخاريُّ بالتعليق الجاز فهو صحيح عنده لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا، إلا أنّ إيراده له في معرض الاحتجاج يقتضي قوته عنده وكأنه عضده عند الأحاديث التي ذكرها في الباب.
قوله خميس: هو الثوب الذي طوله خمسة أذرع. النهاية (2/75).
قوله لبيس: أي ملبوس فعيل بمعنى مفعول. الفتح (3/398).
(22) أخرجه البخاري رقم (1468) الزكاة، باب قوله تعالى: (وفي الرقاب).
(23) أخرجه البخاري رقم (977) العيدين باب العلم الذي بالمصلّى.
(24) صحيح البخاري ص(281-282) بيت الأفكار.
(25) تحقيق الآمال ص(59).
(26) صحيح البخاري (1508)، وقد ورد ما يفيد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث جمعها الغماري في « تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطربالمال » حيث ساق اثني عشر حديثًا موصولاً وذكر بعض المراسيل والموقوفات ثم قال: فهذه الروايات تثبت صحة ورود نصف الصاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق القطع والتواتر إذ يستحيل -عادة- أن يتواطأ كل هؤلاء الرواة على الكذب أو اتفاق الخلفاء الراشدين ومن ذكر معهم من الصحابة والتابعين الذين لم يفش فيهم داء التقليد على القول بما لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا ثبت ذلك، وبطل ادعاء البيهقي: ضعف أحاديث نصف الصاع من البر ثبت المطلوب وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر القيمة في زكاة الفطر » أ.هـ. تحقيق الآمال ص(83).
(27) المقال نشر في جريدة عكاظ في 17/9/1427هـ العدد 1940.
(28) فقه الزكاة (2/949).
(29) فتاوى مصطفى الزرقا ص(145).
(30) ينظر: تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ص(62، 102).


عبد الرحمن بن عوض القرني | 24/9/1430



 

السرخسي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
21 سبتمبر 2008
المشاركات
170
التخصص
عام
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
مالكي
جزاك الله خير يا شيخ فؤاد وللاخوة المشاركين

 

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
والذي له كتاب جميل ماتع موسوم بـ "تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال" لكن للأسف كتاب نفذت طبعاته وندرت ... وقد وقفت عليه في مكتبة الشيخ عبد الحميد الرافعي -حفظه الله - .

قام صديقنا الشيخ الفاضل نظام اليعقوبي بطباعته عدة طبعات ، وأهداني عدة نسخ منه جزاه الله خيرا ، فإن لم يكن الكتاب مصورا في الشبكة العنكبوتية (الانترنت) صورته لكم .
 

أحمدمحمدالرخ

:: متابع ::
إنضم
11 سبتمبر 2009
المشاركات
66
التخصص
أصول الفقه
المدينة
القليوبية
المذهب الفقهي
الحنفي
بارك الله فيكم
مشاركات طيبة
 
أعلى