العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الخيل بين القرآن والشعرالجاهلي ( ما قبل الاسلام )

إنضم
29 مايو 2010
المشاركات
159
التخصص
مقاصد الشريعة
المدينة
حلب
المذهب الفقهي
شافعي
اولا : الخيل في الشعر الجاهلي ( شعر ما قبل الاسلام ) :
احتلت الخيل مكاناً متميزاً في حياة العربي فهو يصونها ويكرمها ويبيت طاوياً ليشبع فرسه ويتغنى بامتلاكه للفرس ,بل ويحرص على معرفة نسبها كما يحرص على معرفة نسبه ,ويعد بيعها نوعاً من المثلبة, ومن بين قوافل الخيل الكثيرة وقطعانها نختار حصانين: الأول حصان امرئ القيس والثاني حصان عنترة العبسي.
حصان امرئ القيس:
وهو حصان لابن ملك عربي ,ومن ثَم وجب أن يكون هذا الحصان "ملوكياً" على الطريقة العربية,وأن يتصف بكل صفة عجيبة وغريبة ,وأن يضفى له ما في بقية الحيوانات من صفات جيدة ,فهو جامع من كل حيوان أجمل وأحسن ما فيه ,ليخرج الحصان " أسطوريا " أقرب إلى فن الكاريكاتور منه إلى صحة الواقع ,فعلى طريقته أضفى امرؤ القيس كل ذلك لحصانه , وقبل ذلك وبعد ذلك لليله ونسائه ومشاهداته .
وقد أفرد للحصان من معلقته أبيات بدأها بالقول:
وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل
مكر مفر مقبل مدبر معا َ كجلمود صخر حطه السيل من عل[1] .
فأنت لا تستطيع أن تتخيل هذا الكر والفر والإقبال والإدبار "معاً" إلا في حصان أسطوري هو بالتأكيد حصان امرئ القيس الذي:
له أيطلا ظبي وساقا نعامة وإرخاء سرحان وتقريب تتفل[2]
كأن على الكتفين منه إذا انتحى مداك عروس أو صراية حنظل[3]
"فهو يصور فرسه تصويراً بارعاً رائعاً ,يصور سرعته فهو قيد لأوابد الوحش إذا انطلقت في الصحراء فإنها لا تستطيع أن تفلت منه كأنه قيد في أرجلها ,وله خاصرتان نحيلتان كالظبي النافر ,أو لكأنّه نعامة خفيفة فله ساقاها الضئيلتان الصلبتان يهوي في الأرض كأنه الذئب الفزع ويقفز كأنه الثعلب الخائف ,و إن شاهدته خيل إليك أنك تنظر إلى مداك عروس أو صراية حنظل"[4]
بكل هذا التضخيم قدم امرؤ القيس فرسه كنوع من تضخم الذات والأحلام عنده الناشئة من كونه ابن الأسرة المالكة ,ومما ضاعف ذلك زوال هذا الملك مع الأمل باسترداده.
وبالتالي يمكننا القول :إن هذا الشعر نوع من الترف الخيالي البعيد عن الواقع وعن الخيال الشعري الإبداعي ,وأنه لا وجود لهذا الحصان إلا في خيال امرئ القيس المصاب بعقدة النقص بعد زوال الملك.
وبما أن وظيفة الشعر ليس نقل الواقع نقلاً "فوتوغرافياً" قلنا إن هذا الوصف بعيد حتى عن الخيال الشعري الإبداعي وداخل في التوهمات القادمة من عقد النقص.
حصان عنترة:
وأما حصان عنترة فهو فرس للحرب ,استطاع عنترة أن يقدمه بصورة إبداعية حين ألبسه عن طريق الصور الفنية المشاعر والأحاسيس ,فارتقى به من مجرد حيوان أعجم إلى فرس يستطيع محاورة صاحبه وتكليمه بمنطقه[5] ,وقد قدم له بوصف سريع
فقال:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
إذ لا أزال على رحالة سابح نهد تعاوره الكماة مكلم[6]
طوراً يجرد للطعان وتارة يأوي إلى حصد القسي عرمرم[7]
حيث أشغله عن الوصف ساحة المعركة التي يخوضها وفرسه القوي , وساحة المعركة هي الميدان الذي يستطيع عنترة أن يثبت فيه تمام الفروسية ,وأن يظهر صور البطولة , والحصان رمز للبطولة , كما يستطيع أن يبرز إمكانياته وميزاته ليحصل على الاعتراف من ابنة مالك "الفتاة المحبوبة" .
وفي ساحة المعركة حين يشتد القتال والطعان و ينتشر الموت يبرز عنترة ومعه حصانه القوي :
يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم
ما زلت أرميهم بثغرة نحره ولبانه حتى تسربل بالدم
فازور من وقع القنا بلبانه وشكا إلي بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى و لكان لو علم الكلام مكلمي[8]
فهو هنا يقدم حصانه الذي يقاتل الأعداء ويتعرض لطعنات السيف والرمح والسهم ولهذا كرر كلمة اللبان "الصدر" ثلاث مرات , وعنترة يريد من كل هذا تقديم نفسه البطلة القوية العفيفة عن المغانم , فهو يدفعك دفعاً للتعاطف مع الحصان الذي "تسربل بالدم " وتألم حتى التفت إلى صاحبه يشكو الجراحات , وهنا عدة دلالات (الحصان القوي يخفي وراءه قوة عنترة)( الحصان تسربل بالدم فمن المؤكد أن عنترة كذلك متسربل بالدم) ( الحصان وجد من يشتكي له لكن عنترة لمن يشتكي؟)
وهكذا ومن عدة دلالات استطاع عنترة أن يجعل من الحصان معادلاً موضوعياً له فارتقى بعمله من مجرد عمل"توصيفي وثائقي" إلى "عمل فني" بخيال فني وكلمات مأنوسة .


ثانيا : الخيل في القرآن الكريم:
في الخيل تناول القرآن الموضوع بشكل مختلف قليلاً عن الإبل ,فهو لم يقف عند حكم أكلها إلا في إشارة عابرة لم تعتبر صريحة في موضوعها,ومن ثَمّ اختلف مفسرو آيات الأحكام فيها ,وهي قول الله عز وجل "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون".النحل 8. فجعلها في هذه الآية للركوب والزينة لا للأكل (إلا أن الأرجح من الأقوال أنها تؤكل)[9].
وإذ هي من أدوات الزينة والرفاهية أكثر منها أداة معيشة فقد قرنت بالمزَيّنات للناس مما تشتهيه الأنفس ,قال تعالى:"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا" آل عمران 14. وهي كذلك عند نبي الله "سليمان" "إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد"سورة ص31.ولا تزال هذه الخيول تحتفظ بقيمة جمالية وهي مظهر من مظاهر تفاخر العربي رغم إنتاج آلات زينة وتنقل وسباق وحرب أكثر تطوراً,إلا أن هذه الآلات لم تلغ الخيل ولا تزال تقاس قوتها بالخيل فيقال : عشرة أحصنة وعشرين وهكذا ,ومن هنا يمكن فهم الآية "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " الأنفال 60.إلا أن قمة الأداء القرآني في هذا الموضوع –في تقديري- يبدو في سورة سميت باسم الخيل وهي سورة "العاديات",فقد عرضت السورة لمشاهد عدة هي مشهد الخيول) (مشهد الإنسان الجاحد) (مشهد القيامة) (مشهد الختام) فعرضت السورة لمشهد الخيول من خلال التصوير الفني عرضا إبداعياً من خلال اسم الفاعل الدال على الذات والحدث بآن واحد ,فكأن لوحة مرسومة أمامك لخيل ضابحة"[10]" مغيرة على الأعداء يطّاير من أرجلها نار جرّاء احتكاكها بالصخور ,وهو مشهد يستثير في الذاكرة مشهد انتشار الموت وبالتالي القيامة ,هذا من جهة ومن جهة ثانية يثير المشهد بهذه الشاكلة صورة تكدر الجو بما تصنعه الخيل من "ضبح وقدح وغبار وإغارة" وهنا يرتبط المشهد بمشهد الإنسان الجاحد الذي يكدر الصفاء الاجتماعي بما يصنعه من"قدح في الناس وإثارة للغبار على كرامتهم وغير ذلك " وهذه المشاهد الثلاث مرجعها إلى الله عز وجل وهو المشهد الختامي الذي ختمت به السورة.
ومن هنا نستطيع التفريق بين أسلوب كل من الشعر الجاهلي والقرآن الكريم في تناول الموضوع ,حيث استطاع القرآن الكريم انتزاع الاعتراف من أهل البلاغة والفصاحة والبيان بأنه الكتاب المعجز الذي جاء غير متأثر بالبيئة التي برز أثرها في الشعر الجاهلي وما تلاه من أدب شعري أو نثري على مر القرون.
هذا وقد ذكرت الخيل في القرآن الكريم بأوصافها مفردة ومجموعة مؤنثة ومذكرة "8مرات" وإذا أضفنا كلمة "العاديات" فيصبح العدد "9مرات".








[1] - ديوان امرئ القيس -دار صادر بيروت -ص 51-52.

[2] -أيطل :خاصرة- إرخاء:عدو(جري) – سرحان :ذئب- تقريب:وضع الرجلين موضع اليدين في العدو- تتفل :ولد الثعلب. المصدر السابق ص55.

[3] -المتن :الظهر –انتحى: اعتمد –مداك عروس: الحجر الذي يسحق به الطيب- صراية حنظل:حب الحنظل البراق.المصدر السابق ص 57 .

[4] - العصر الجاهلي-شوقي ضيف- ص254 بتصرف

[5] قال تعالى على لسان داود "وعلمنا منطق الطير" النمل 16. والآن في خضم التطور العلمي يحاول العلم كشف أسرار منطق الحيوانات .

[6] -تعاوره: تداوله- نهد: ضخم - المكلم :المجروح. ديوان عنترة ص 25 دار صادر –بيروت .

[7] -القسي :ج قوس – عرمرم :كثير- المصدر السابق ص25.

[8] -أشطان: حبال- لبان :صدر- ثغرة :أعلى النحر- تحمحم: صهيل الفرس بما فيه من شبه الحنين .المصدر السابق ص 30.

[9] -الجامع لأحكام القرآن للقرطبي محمد بن أحمد ج10ص76.

[10] -الضبح :صوت الخيل إذا رأى صاحبه فاستأنس به .لغة الحيوان .د.محمد كشاش –المكتبة العصرية بيروت ط2003م. ص109.
 
أعلى