محمد بن فائد السعيدي
:: متخصص ::
- إنضم
- 23 مارس 2008
- المشاركات
- 677
- التخصص
- الحديث وعلومه
- المدينة
- برمنجهام
- المذهب الفقهي
- شافعي
هذا بحث أحببت أن أنقله إلى الإخوان هنا لينظر فيه الإخوان وفقهم الله.
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينا ونصب لنا الدلالة على صحته برهانا مبينا وأوضح السبيل إلى معرفته واعتقاده حقا يقينا ووعد من قام بأحكامه وحفظ حدوده أجرا جسيما وذخر لمن وافاه به ثوابا جزيلا وفوزا عظيما وفرض علينا الانقياد له والتمسك بدعائمه وأركانه والاعتصام بعراه وأسبابه فهو دينه الذي ارتضاه لنفسه ولأنبيائه ورسله وملائكة قدسه فبه اهتدى المهتدون وإليه دعا الأنبياء والمرسلون أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون فلا يقبل من أحد دينا سواه من الأولين والآخرين ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين ورفع درجتهم في علين أما بعد!
أن الإشارة بين السجدتين سنة ثابتة لكن يعتري عليها أوهام الناس و إشكالات العلماء وشبهات المحققين فالآن أبين لكم كيف الذب عن هذه السنة من حيث يبطل حجج المانعين
روي الإمام أحمد في مسنده فقال: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه حين كبر يعني استفتح الصلاة ورفع يديه حين كبر ورفع يديه حين ركع ورفع يديه حين قال سمع الله لمن حمده وسجد فوضع يديه حذو أذنيه ثم جلس فافترش رجله اليسرى ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى وقبض سائر أصابعه ثم سجد فكانت يداه حذاء أذنيه { مسند أحمد 4/317 (حـ 183798) }
فقال بعضهم: رواه سفيان الثوري عن عاصم بن كليب معنعنا وهو مدلس فهذا الحديث لا يصلح للإحتجاج
فأجاب البعض : بأن هذا السفيان ليس بالثوري بل هو ابن عيينة لأنه رواه الحميدي في مسنده فقال : ثنا سفيان قال ثنا عاصم بن كليب الجرمي قال سمعت أبي يقول سمعت وائل بن حجر الحضرمي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ........ الحديث. {2/392 (885) }
وأخرجه أيضا الشافعي في مسنده وقال : أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب قال سمعت أبي يقول حدثني وائل بن حجر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ...... الحديث { 1/176 }
والثوري ليس من شيوخ الحميدي و الشافعي بل سفيان الذي أخذ عنه الحميدي وكل من كان في الطبقة العاشرة هو ابن عيينة و أما عبد الرزاق ومعاصروه من الطبقة التاسعة رووا عن الثوري وابن عيينة كما في التهذيب وغيره ( تهذيب الكمال 18/53 ) وأما الشافعي فإن كان من التاسعة لم يرو عن الثوري إنما روى عن ابن عيينة فقط .
وأخرجه أيضا البيهقي فقال في آخره : وكذلك رواه الحميدي وغيره عن ابن عيينة {سنن الكبرى للبيهقي 2/24 }
وهكذا يتبين أن سفيان هذا ليس بالثوري بل هو ابن عيينة
قلت : هذا قول باطل جدا لأن عبد الرزاق وروى عن السفيانين كما في تهذيب الكمال و طبقات الحفاظ وغيره {طبقات الحفاظ 1/158(337) , تهذيب الكمال 18/56 }
لكن عبد الرزاق ومعاصروه من الطبقة التاسعة والذين فوقهم من الطبقة الثامنة و السابعة - الذين أدركوا الثوري ورووا عنه - إذا رووا عن سفيان وأطلقوا ولم ينسبوا فالمراد منه الثوري لا ابن عيينة
قال الذهبي : فأصحاب سفيان الثوري كبار قدماء وأصحاب ابن عيينة صغار لم يدركوا الثوري وذلك أبين فمتى رأيت القديم قد روى فقال حدثنا سفيان وأبهم فهو الثوري وهم كوكيع وابن مهدي والفريابي وأبي نعيم فإن روى واحد منهم عن ابن عيينة بينه فأما الذي لم يحلق الثوري وأدرك ابن عيينة فلا يحتاج أن ينسب لعدم الإلباس فعليك بمعرفة طبقات الناس [سير أعلام النبلاء 7/466]
ويتضح من كلام الذهبي أن سفيان الذي روى عنه عبد الرزاق وأبونعيم فضل بن دكين و محمد بن يوسف الفريابي مبهما هو الثوري وإن رووا عن ابن عيينة بينوا و نسبوا
ومن العجب أن عبد الرزاق أخرجه في مصنفه ما لفظه : عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رمقت النبي صلى الله عليه وسلم ..... الحديث . { مصنف عبد الرزاق 2/68 (2522) } وهذا ابن حنبل يرويه عن عبد الرزاق و عبد الرزاق يقول عن الثوري وهؤلاء يقولون: لا, لا, ليس الثوري بل ابن عيينة فالعجب كل العجب..............!!!!
فالحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده وعبد الرزاق في مصنفه هو عن أبي عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي , قال عنه ابن حجر : ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة ، و كان ربما دلس وهويروي هذا الحديث معنعنا وعنعنة المدلس ليس بحجة .
فأجبت عنه : صرح الثوري بالسماع لهذا الحديث عن عاصم بن كليب وهو أيضا في المسند ما لفظه : حدثنا يحيى بن آدم وأبو نعيم قالا ثنا سفيان حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جعل يديه حذاء أذنيه { مسند أحمد 4/318 (18388) }
وفي هذا السند صرح الثوري بالتحديث فرفعت مظنة التدليس . فالحديث صحيح صالح للاحتجاج . -كما لايخفى على من كان له أدنى خبرة بعلم أصول الحديث والتخريج ودراسة الأسانيد ومعرفة الرجال- والله تعالى أعلم .
شبهة ثانية : زعم بعض الناس أن عبد الرزاق خالف فيه الفريابي بأن الفريابي لم يذكر كلمة ’’ ثم سجد ‘‘عن الثوري وذكره عبد الرزاق عن الثوري , وكان الفريابي ملازما للثوري من عبد الرزاق ومنهم الألباني فإنه قال في الصحيحة : قد روى عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم بن كليب بإسناده المتقدم عن وائل .. فذكر الحديث و الافتراش في جلوسه قال : " ثم أشار بسبابته و وضع الإبهام على الوسطى حلق بها و قبض سائر أصابعه , ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه " . فهذا بظاهره يدل على أن الإشارة كانت في الجلوس بين السجدتين , لقوله بعد أن حكى الإشارة : " ثم سجد .. " . فأقول : نعم قد روى ذلك عبد الرزاق في " مصنفه ", و رواه عنه الإمام أحمد ( 4 / 317 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " و زعم الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه عليه : " أنه أخرجه الأربعة إلا الترمذي و البيهقي مفرقا في أبواب شتى " . و هو زعم باطل يدل على غفلته عن موجب التحقيق فإن أحد منهم ليس عنده قوله بعد الإشارة : " ثم سجد " , بل هذا مما تفرد به عبد الرزاق عن الثوري , و خالف به محمد بن يوسف الفريابي و كان ملازماللثوري , فلم يذكر السجود المذكور . رواه عنه الطبراني. و قد تابعه عبد الله بن الوليد حدثني سفيان ... به . أخرجه أحمد ( 4 / 318 ) . و ابن الوليد صدوق ربما أخطأ , فروايته بمتابعة الفريابي له أرجح من رواية عبد الرزاق , و لاسيما و قد ذكروا في ترجمته أن له أحاديث استنكرت عليه , أحدها من روايته عن الثوري , فانظر " تهذيب ابن حجر " و " ميزان الذهبي " , فهذه الزيادة من أوهامه {السلسلة الصحيحة 5 / 309 }
فأجبت : أولا ننظر ما هو الحديث الشاذ عند المحدثين , ثانيا هل يطابق عليه تعريف الشاذ فإن وافقت فقولنا سمعنا وأطعنا وإلا فالحديث صحيح صالح للعمل والإحتجاج , وثالثا حكم زيادة الثقة .
أولاً : الحديث الشاذ :
قال النواوي في التقريب : الشاذ هو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز : ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس لا أن يروي ما لا يروي غيره ، قال الخليلي : والذي عليه حفاظ الحديث ،أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة ، أو غيره ، فما كان عن غير ثقة فمتروك ، وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به ، وقال الحاكم : هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع . وما ذكراه مشكل بأفراد العدل الضابط كحديث « إنما الأعمال بالنيات » والنهي عن بيع الولاء وغير ذلك مما في الصحيح ، فالصحيح التفصيل : فان كان بتفرده مخالفا أحفظ منه وأضبط ، كان شاذا مردودا وإن لم يخالف الراوي ، فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا ، وإن لم يوثق بضبطه ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسنا ، وإن بعد كان شاذا منكرا مردودا ، والحاصل أن الشاذ المردود : هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده .
فالشاذ : هو مارواه الثقة مخالفا لما رواه الثقات أو أوثق منه . وهو المردود لايصلح للإحتجاج به.
ثانياً : إطلاق تعريف الشاذ على هذا الحديث : اعلم أن الفرق بين رواية الفريابي وعبد الرزاق بأن الفريابي إما ذكر أمر التشهد ولم يذكر أمر الجلوس بين السجدتين وإما ذكر أمر الجلوس بين السجدتين وأبهم ما لفظه : ثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى وإذا جلس افترش رجله اليسرى ووضع ذراعيه على فخذيه وأشار بالسبابة . { المعجم الكبير للطبراني 22/33 (78) }
و أما عبد الرزاق فذكر أمر الجلوس بين السجدتين وأوضح ما لفظه : أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه حين كبر يعني استفتح الصلاة ورفع يديه حين كبر ورفع يديه حين ركع ورفع يديه حين قال سمع الله لمن حمده وسجد فوضع يديه حذو أذنيه ثم جلس فافترش رجله اليسرى ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى وقبض سائر أصابعه ثم سجد فكانت يداه حذاء أذنيه { مسند أحمد 4/317 (18379) , مصنف عبد الرزاق 2/68 (2522) }
وفي كلا الأمرين لايخالف عبد الرزاق الثوري ولا الثوري عبد الرزاق إما ذكر الفريابي أمرا وعبد الرزاق أمرا أخر وإما ذكرا أمرا واحدا فنقص الفريابي و أتم عبد الرزاق
قال المزى:قال أبو بكر بن أبى خيثمة : سمعت يحيى بن معين و سئل عن أصحاب الثورى ، فقال : أما عبد الرزاق ، و الفريابى ، و عبيد الله بن موسى ، و أبو أحمد الزبيرى ، و أبو عاصم ، و قبيصة و طبقتهم فهم كلهم فى سفيان قريب بعضهم من بعض ، و هم دون يحيى بن سعيد و عبد الرحمن بن مهدى ، و وكيع ، و ابن المبارك ، و أبى نعيم . [تهذيب الكمال 18 / 56]
فدرجة الفريابي قريب من درجة عبد الرزاق لكن الفريابي أولى من عبد الرزاق في حديث الثوري كما ذكره ابن حجر فقال : ثقة فاضل ، يقال أخطأ فى شىء من حديث سفيان ، و هو مقدم فيه مع ذلك عندهم على عبد الرزاق { تقريب التهذيب 1/515 (6415) }
لكن لايقتضي هذه الأولوية أن ما لم يذكر الفريابي وذكره عبد الرزاق فهو شاذ كما زعمه بعضهم لأن الفريابي إن كان مقدم من عبد الرزاق – وهذا التقديم ليس من كل الوجوه- لكنه أخطأ في حديث سفيان وإن كان له طول الملازمة معه فيحتمل أن يكون الفريابي قد أخطأ في هذا الحديث أيضا وذكره عبد الرزاق لأن عبد الرزاق إن كان تغير في آخره بعد ما عمي لكن كان قبل ذلك أحفظ من الفريابي ومن المعلوم أن سماع أحمد بن حنبل منه قبل هذه العارضة قبل تمام المائتين من الهجرية كما ذكره السيوطي في الطبقات { طبقات الحفاظ 1/158 ,159 (337) }
ويتضح من هذا البحث أن إطلاق تعريف الشاذ على هذا الحديث لايصلح . والله تعالى أعلم .
ثالثاً : حكم زيادة الثقة : يتبين مما سبق أن عبدالرزاق أحد الأعلام , ثقة حافظ مصنف شهير عمى فى آخر عمره فتغير ، نقل منه زيادة في حالة صحته مالم يذكره غيره فعلينا أن نعلم ما حكمه
قال ابن جماعة: زيادة الثقة وهي أقسام:
أحدها زيادة تخالف ما رواه الثقات وحكم هذه الرد كما سبق في الشاذ
الثاني زيادة حديث يخالف فيه غيره بشيء أصلا فهذا مقبول ونقل الخطيب اتفاق العلماء عليه
الثالث زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من رواه ويمثله بزيادة مالك في حديث الفطرة لفظ من المسلمين ذكر الترمذي أن مالكا تفرد بزيادة قوله من المسلمين وأخذ بهذه غير واحد من الأئمة واحتجوا بها منهم الشافعي وأحمد الترمذي قد وافق مالكا على هذه الزيادة عن ناف عمرو بن نافع والضحاك بن عثمان خرج الأول البخاري والثاني مسلم قال الخطيب مذهب الجمهور من الفقهاء وأهل الحديث أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا انفرد بها سواء أكانت من شخص واحد بأن رواه مرة ناقضا ومرة بالزيادة أم كانت من رواه ناقصا خلافا لمن رد ذلك مطلقا من أهل الحديث ولمن ردها منه وقبلها من غيره { المنهل الروي 1/58 }
فالحاصل أن عبد الرزاق زاد كلمة ’’ ثم سجد ‘‘ وهو ثقة حافظ وزيادة الثقة مقبولة عند المحدثين وأن الثوري سمع من عاصم بن كليب هذا الحديث فكلتا الشبهتين مردودة والحديث صحيح ثابت صالح للعمل قابل للاحتجاج به .
هذا ماعندي والله أعلم بالصواب وهو الموفق وإليه مآب
الراجي إلى مغفرة ربه القاهر
أبوعبد الرحمن محمد رفيق الطاهر
أستاذ كلية الحديث و علومه بمركز ابن القاسم الإسلامي