العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جلاء العينين في مسألة الإشارة بين السجدتين

إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
677
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
برمنجهام
المذهب الفقهي
شافعي


هذا بحث أحببت أن أنقله إلى الإخوان هنا لينظر فيه الإخوان وفقهم الله.

الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينا ونصب لنا الدلالة على صحته برهانا مبينا وأوضح السبيل إلى معرفته واعتقاده حقا يقينا ووعد من قام بأحكامه وحفظ حدوده أجرا جسيما وذخر لمن وافاه به ثوابا جزيلا وفوزا عظيما وفرض علينا الانقياد له والتمسك بدعائمه وأركانه والاعتصام بعراه وأسبابه فهو دينه الذي ارتضاه لنفسه ولأنبيائه ورسله وملائكة قدسه فبه اهتدى المهتدون وإليه دعا الأنبياء والمرسلون أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون فلا يقبل من أحد دينا سواه من الأولين والآخرين ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين ورفع درجتهم في علين أما بعد!

أن الإشارة بين السجدتين سنة ثابتة لكن يعتري عليها أوهام الناس و إشكالات العلماء وشبهات المحققين فالآن أبين لكم كيف الذب عن هذه السنة من حيث يبطل حجج المانعين

روي الإمام أحمد في مسنده فقال: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه حين كبر يعني استفتح الصلاة ورفع يديه حين كبر ورفع يديه حين ركع ورفع يديه حين قال سمع الله لمن حمده وسجد فوضع يديه حذو أذنيه ثم جلس فافترش رجله اليسرى ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى وقبض سائر أصابعه ثم سجد فكانت يداه حذاء أذنيه { مسند أحمد 4/317 (حـ 183798) }

فقال بعضهم: رواه سفيان الثوري عن عاصم بن كليب معنعنا وهو مدلس فهذا الحديث لا يصلح للإحتجاج

فأجاب البعض : بأن هذا السفيان ليس بالثوري بل هو ابن عيينة لأنه رواه الحميدي في مسنده فقال : ثنا سفيان قال ثنا عاصم بن كليب الجرمي قال سمعت أبي يقول سمعت وائل بن حجر الحضرمي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ........ الحديث. {2/392 (885) }

وأخرجه أيضا الشافعي في مسنده وقال : أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب قال سمعت أبي يقول حدثني وائل بن حجر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ...... الحديث { 1/176 }

والثوري ليس من شيوخ الحميدي و الشافعي بل سفيان الذي أخذ عنه الحميدي وكل من كان في الطبقة العاشرة هو ابن عيينة و أما عبد الرزاق ومعاصروه من الطبقة التاسعة رووا عن الثوري وابن عيينة كما في التهذيب وغيره ( تهذيب الكمال 18/53 ) وأما الشافعي فإن كان من التاسعة لم يرو عن الثوري إنما روى عن ابن عيينة فقط .

وأخرجه أيضا البيهقي فقال في آخره : وكذلك رواه الحميدي وغيره عن ابن عيينة {سنن الكبرى للبيهقي 2/24 }

وهكذا يتبين أن سفيان هذا ليس بالثوري بل هو ابن عيينة

قلت : هذا قول باطل جدا لأن عبد الرزاق وروى عن السفيانين كما في تهذيب الكمال و طبقات الحفاظ وغيره {طبقات الحفاظ 1/158(337) , تهذيب الكمال 18/56 }

لكن عبد الرزاق ومعاصروه من الطبقة التاسعة والذين فوقهم من الطبقة الثامنة و السابعة - الذين أدركوا الثوري ورووا عنه - إذا رووا عن سفيان وأطلقوا ولم ينسبوا فالمراد منه الثوري لا ابن عيينة

قال الذهبي : فأصحاب سفيان الثوري كبار قدماء وأصحاب ابن عيينة صغار لم يدركوا الثوري وذلك أبين فمتى رأيت القديم قد روى فقال حدثنا سفيان وأبهم فهو الثوري وهم كوكيع وابن مهدي والفريابي وأبي نعيم فإن روى واحد منهم عن ابن عيينة بينه فأما الذي لم يحلق الثوري وأدرك ابن عيينة فلا يحتاج أن ينسب لعدم الإلباس فعليك بمعرفة طبقات الناس [سير أعلام النبلاء 7/466]

ويتضح من كلام الذهبي أن سفيان الذي روى عنه عبد الرزاق وأبونعيم فضل بن دكين و محمد بن يوسف الفريابي مبهما هو الثوري وإن رووا عن ابن عيينة بينوا و نسبوا

ومن العجب أن عبد الرزاق أخرجه في مصنفه ما لفظه : عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رمقت النبي صلى الله عليه وسلم ..... الحديث . { مصنف عبد الرزاق 2/68 (2522) } وهذا ابن حنبل يرويه عن عبد الرزاق و عبد الرزاق يقول عن الثوري وهؤلاء يقولون: لا, لا, ليس الثوري بل ابن عيينة فالعجب كل العجب..............!!!!

فالحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده وعبد الرزاق في مصنفه هو عن أبي عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي , قال عنه ابن حجر : ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة ، و كان ربما دلس وهويروي هذا الحديث معنعنا وعنعنة المدلس ليس بحجة .

فأجبت عنه : صرح الثوري بالسماع لهذا الحديث عن عاصم بن كليب وهو أيضا في المسند ما لفظه : حدثنا يحيى بن آدم وأبو نعيم قالا ثنا سفيان حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جعل يديه حذاء أذنيه { مسند أحمد 4/318 (18388) }

وفي هذا السند صرح الثوري بالتحديث فرفعت مظنة التدليس . فالحديث صحيح صالح للاحتجاج . -كما لايخفى على من كان له أدنى خبرة بعلم أصول الحديث والتخريج ودراسة الأسانيد ومعرفة الرجال- والله تعالى أعلم .

شبهة ثانية : زعم بعض الناس أن عبد الرزاق خالف فيه الفريابي بأن الفريابي لم يذكر كلمة ’’ ثم سجد ‘‘عن الثوري وذكره عبد الرزاق عن الثوري , وكان الفريابي ملازما للثوري من عبد الرزاق ومنهم الألباني فإنه قال في الصحيحة : قد روى عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم بن كليب بإسناده المتقدم عن وائل .. فذكر الحديث و الافتراش في جلوسه قال : " ثم أشار بسبابته و وضع الإبهام على الوسطى حلق بها و قبض سائر أصابعه , ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه " . فهذا بظاهره يدل على أن الإشارة كانت في الجلوس بين السجدتين , لقوله بعد أن حكى الإشارة : " ثم سجد .. " . فأقول : نعم قد روى ذلك عبد الرزاق في " مصنفه ", و رواه عنه الإمام أحمد ( 4 / 317 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " و زعم الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه عليه : " أنه أخرجه الأربعة إلا الترمذي و البيهقي مفرقا في أبواب شتى " . و هو زعم باطل يدل على غفلته عن موجب التحقيق فإن أحد منهم ليس عنده قوله بعد الإشارة : " ثم سجد " , بل هذا مما تفرد به عبد الرزاق عن الثوري , و خالف به محمد بن يوسف الفريابي و كان ملازماللثوري , فلم يذكر السجود المذكور . رواه عنه الطبراني. و قد تابعه عبد الله بن الوليد حدثني سفيان ... به . أخرجه أحمد ( 4 / 318 ) . و ابن الوليد صدوق ربما أخطأ , فروايته بمتابعة الفريابي له أرجح من رواية عبد الرزاق , و لاسيما و قد ذكروا في ترجمته أن له أحاديث استنكرت عليه , أحدها من روايته عن الثوري , فانظر " تهذيب ابن حجر " و "‎ ميزان الذهبي " , فهذه الزيادة من أوهامه {السلسلة الصحيحة 5 / 309 }

فأجبت : أولا ننظر ما هو الحديث الشاذ عند المحدثين , ثانيا هل يطابق عليه تعريف الشاذ فإن وافقت فقولنا سمعنا وأطعنا وإلا فالحديث صحيح صالح للعمل والإحتجاج , وثالثا حكم زيادة الثقة .

أولاً : الحديث الشاذ :

قال النواوي في التقريب : الشاذ هو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز : ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس لا أن يروي ما لا يروي غيره ، قال الخليلي : والذي عليه حفاظ الحديث ،أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة ، أو غيره ، فما كان عن غير ثقة فمتروك ، وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به ، وقال الحاكم : هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع . وما ذكراه مشكل بأفراد العدل الضابط كحديث « إنما الأعمال بالنيات » والنهي عن بيع الولاء وغير ذلك مما في الصحيح ، فالصحيح التفصيل : فان كان بتفرده مخالفا أحفظ منه وأضبط ، كان شاذا مردودا وإن لم يخالف الراوي ، فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا ، وإن لم يوثق بضبطه ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسنا ، وإن بعد كان شاذا منكرا مردودا ، والحاصل أن الشاذ المردود : هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده .

فالشاذ : هو مارواه الثقة مخالفا لما رواه الثقات أو أوثق منه . وهو المردود لايصلح للإحتجاج به.

ثانياً : إطلاق تعريف الشاذ على هذا الحديث : اعلم أن الفرق بين رواية الفريابي وعبد الرزاق بأن الفريابي إما ذكر أمر التشهد ولم يذكر أمر الجلوس بين السجدتين وإما ذكر أمر الجلوس بين السجدتين وأبهم ما لفظه : ثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى وإذا جلس افترش رجله اليسرى ووضع ذراعيه على فخذيه وأشار بالسبابة . { المعجم الكبير للطبراني 22/33 (78) }

و أما عبد الرزاق فذكر أمر الجلوس بين السجدتين وأوضح ما لفظه : أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه حين كبر يعني استفتح الصلاة ورفع يديه حين كبر ورفع يديه حين ركع ورفع يديه حين قال سمع الله لمن حمده وسجد فوضع يديه حذو أذنيه ثم جلس فافترش رجله اليسرى ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى وقبض سائر أصابعه ثم سجد فكانت يداه حذاء أذنيه { مسند أحمد 4/317 (18379) , مصنف عبد الرزاق 2/68 (2522) }

وفي كلا الأمرين لايخالف عبد الرزاق الثوري ولا الثوري عبد الرزاق إما ذكر الفريابي أمرا وعبد الرزاق أمرا أخر وإما ذكرا أمرا واحدا فنقص الفريابي و أتم عبد الرزاق

قال المزى:قال أبو بكر بن أبى خيثمة : سمعت يحيى بن معين و سئل عن أصحاب الثورى ، فقال : أما عبد الرزاق ، و الفريابى ، و عبيد الله بن موسى ، و أبو أحمد الزبيرى ، و أبو عاصم ، و قبيصة و طبقتهم فهم كلهم فى سفيان قريب بعضهم من بعض ، و هم دون يحيى بن سعيد و عبد الرحمن بن مهدى ، و وكيع ، و ابن المبارك ، و أبى نعيم . [تهذيب الكمال 18 / 56]

فدرجة الفريابي قريب من درجة عبد الرزاق لكن الفريابي أولى من عبد الرزاق في حديث الثوري كما ذكره ابن حجر فقال : ثقة فاضل ، يقال أخطأ فى شىء من حديث سفيان ، و هو مقدم فيه مع ذلك عندهم على عبد الرزاق { تقريب التهذيب 1/515 (6415) }

لكن لايقتضي هذه الأولوية أن ما لم يذكر الفريابي وذكره عبد الرزاق فهو شاذ كما زعمه بعضهم لأن الفريابي إن كان مقدم من عبد الرزاق – وهذا التقديم ليس من كل الوجوه- لكنه أخطأ في حديث سفيان وإن كان له طول الملازمة معه فيحتمل أن يكون الفريابي قد أخطأ في هذا الحديث أيضا وذكره عبد الرزاق لأن عبد الرزاق إن كان تغير في آخره بعد ما عمي لكن كان قبل ذلك أحفظ من الفريابي ومن المعلوم أن سماع أحمد بن حنبل منه قبل هذه العارضة قبل تمام المائتين من الهجرية كما ذكره السيوطي في الطبقات { طبقات الحفاظ 1/158 ,159 (337) }

ويتضح من هذا البحث أن إطلاق تعريف الشاذ على هذا الحديث لايصلح . والله تعالى أعلم .

ثالثاً : حكم زيادة الثقة : يتبين مما سبق أن عبدالرزاق أحد الأعلام , ثقة حافظ مصنف شهير عمى فى آخر عمره فتغير ، نقل منه زيادة في حالة صحته مالم يذكره غيره فعلينا أن نعلم ما حكمه

قال ابن جماعة: زيادة الثقة وهي أقسام:

أحدها زيادة تخالف ما رواه الثقات وحكم هذه الرد كما سبق في الشاذ

الثاني زيادة حديث يخالف فيه غيره بشيء أصلا فهذا مقبول ونقل الخطيب اتفاق العلماء عليه

الثالث زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من رواه ويمثله بزيادة مالك في حديث الفطرة لفظ من المسلمين ذكر الترمذي أن مالكا تفرد بزيادة قوله من المسلمين وأخذ بهذه غير واحد من الأئمة واحتجوا بها منهم الشافعي وأحمد الترمذي قد وافق مالكا على هذه الزيادة عن ناف عمرو بن نافع والضحاك بن عثمان خرج الأول البخاري والثاني مسلم قال الخطيب مذهب الجمهور من الفقهاء وأهل الحديث أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا انفرد بها سواء أكانت من شخص واحد بأن رواه مرة ناقضا ومرة بالزيادة أم كانت من رواه ناقصا خلافا لمن رد ذلك مطلقا من أهل الحديث ولمن ردها منه وقبلها من غيره { المنهل الروي 1/58 }

فالحاصل أن عبد الرزاق زاد كلمة ’’ ثم سجد ‘‘ وهو ثقة حافظ وزيادة الثقة مقبولة عند المحدثين وأن الثوري سمع من عاصم بن كليب هذا الحديث فكلتا الشبهتين مردودة والحديث صحيح ثابت صالح للعمل قابل للاحتجاج به .

هذا ماعندي والله أعلم بالصواب وهو الموفق وإليه مآب

الراجي إلى مغفرة ربه القاهر

أبوعبد الرحمن محمد رفيق الطاهر

أستاذ كلية الحديث و علومه بمركز ابن القاسم الإسلامي
 
إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
جزاكم الله خيرا على هذا النقل المبارك والأسلوب العلمي الهاديء أسلم الطرق للوصول للحق
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
لي قصة مع هذه المسألة
أطرافها : الشيخ محمد ابن عثمين، والشيخ بكر أبو زيد والشيخ الألباني رحم الله الجميع، والشيخ عبد الله الفوزان حفظه الله.
أفرغ إن شاء الله وأقصها عليكم.
 
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
677
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
برمنجهام
المذهب الفقهي
شافعي
ننتظر على أحر من الجمر، ويعلم الله أنني قد هممت أن أكتب بعض المناقشة وأنقل طائفةً من أقوال بعض من ذكرت لكنني قررت أن أترك الآن، مادام أن لك مواقف مباشرة معهم أترك تعليقي بعد أن تكتب ماذا عندك عنهم.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
أيام وأيام
في بحث مسألة
الإشارة في الجلسة بين السجدتين:

(أعادها الله من أيام )

أولاً: أحب أن أنبه أن هذه المسائل وإن كانت من المسائل التي ليست من أركان الصلاة ولا من واجباتها...
إلا أنه بالتجربة تبين لي أن مدارسة هذه المسائل التي تناولها أهل العلم بالحث والنقاش تكشف لك الكثير من دقائق المسائل، وتبين لك بعض الفروق التي قد تخفى، كما أنها تميز لك بين أنظار الناس وطريقة تناولهم للمسألة من جهة الفقه لها
كما تكشف لك مداخل من العلم، وتبرز لك خبايا من الزوايا
وما ذلك إلا أن أهل العلم أشبعوها بحثا ومدراسة وإحكاما.
بدأت قصتي مع هذه المسألة العويصة على أقل تقدير بالنسبة لي في تلك الأيام وأنا في صحن المسجد الحرام قبل أكثر من 14 عاما وكنت وقتها في مقتبل طلب العلم، فصلينا مع إمام الحرم إحدى الصلوات وكعادتي أشرت بالسبابة في الجلسة بين السجدتين
وكان بجانبي أحد طلبة العلم، فبعد أن فرغنا من الصلاة سلم علي وكلمني بغاية اللطف، وأخبرني أن الحديث ضعيف، فأخبرتي أني رأيت بنفسي الشيخ ابن عثمين رحمه الله يشير بها في هذا الموضع، فتبسم وصدَّق كلامي، وقال: لكن شيخنا مقبل الوادعي يضعفها....
وانتهت القصة....
قصة أخرى في نفس هذه المسألة:
كنت مرة في مسجد الملك سعود عندنا بجدة حال حضوري درس شيخنا محمد بن محمد المختار الشنقيطي، فصلينا المغرب، وكان بجواري شخص يرفع يديه مع كل تكبيرة من تكبيرات الانتقال، وهذا أمر غير مألوف عندنا، وكان محل استغراب لدي طوال صلاتي، لكن الغريب أنه بعد الفراغ من الصلاة أنكر علي إشارتي بالسبابة في الجلسة بين السجدتين، وقال لي: إن الحديث منقطع.
فقلت له: بالحديث متصل.
فقال لي: الشيخ الألباني يقول: إنه حديث منقطع.
فقلت: بل الشيخ الألباني رحمه الله يقول: إنه متصل.
فلما رأيت أنه اشتد معي أخبرته: أن الشيخ الألباني رحمه الله يضعف الحديث لكن لا من جهة الانقطاع ولكن من جهة الشذوذ والمخالفة ، فالحديث متصل من رواية عبد الرزاق لكنه أخطأ في هذا الحديث وخالف.
فقال لي: نعم منقطع شاذ!
أو نحو هذه الكلمة مما يدل على عدم درايته بفقه المسألة ولا بفقه ضعف الحديث.
ثم انتقلت بعدها إلى القصيم حيث دروس الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وفي يوم من الأيام
أثيرت هذه المسألة في مجلسه رحمه الله فقرر المسألة كما هو معروف عنه.
فناقشه أحد طلابه الكبار وأخبره أن بعض المعاصرين ألف في المسألة ورد على من يقول بالإشارة، وهو يقصد كتاب الشيخ بكر أبو زيد "لا جديد في أحكام الصلاة"
وأخبره أنهم يحكمون على الحديث بالشذوذ.
فقال الشيخ رحمه الله (والنقل بالمعنى ):
كيف يكون شاذا ولا مخالفة!
الحديث في مسند أحمد وقد صححه المحشي على كتاب زاد المعاد وقال: إسناده جيد.
وقال:
إن الحديث فرد من أفراد العموم - يعني الإشارة في الجلسة بين السجدتين - ويلتقى مع الفرد الآخر وهو الإشارة في الجلوس للتشهد، وكلا الروايتين تندرجان في الرواية العامة "إذا جلس...."
قال أبو فراس:
سنناقش المسألة في نهاية الموضوع لكن المقصود هنا الإشارة إلى ما دار في مجلس الشيخ رحمه الله.
ولما قال الشيخ ما قال لم يجبه أحد من الطلبة على جوابه عن حكاية الشذوذ في هذه الرواية.
إلا أن بعض الطلبة أثار سؤالا آخر:
وهو أنه دائما يقول في دروسه: إن قال بهذا القول أحد قلنا به، وهو هنا لم يعمل بهذا الحديث أحد.
فغضب الشيخ وكان مما قاله:
هناك فرق بين القول بالحكم، وبين العمل.
فلا نجرأ على القول في مسألة ما إلا أن نجد من سبقنا به
أما العمل ، فإن الحديث إذا جاء فإننا لا ننتظر من عمل به.
ثم قال: هنا وائل ابن حجر عمل بهذا الحديث.
---------------------
ثم بعد ذلك ثارت هذه المسألة مع بعض زملائي، وأخبروني أن أهل الحديث والمعتنين بالأسانيد حكموا على هذه الرواية بالشذوذ، ومنهم الشيخ الألباني في "الصحيحة" وبكر أبو زيد في "لا جديد في أحكام الصلاة"
واتصل الإخوة على الشيخ سليمان العلوان فأخبرهم أن الحديث شاذ
وكنا قد حضرنا مجلسا له فقال: جاء هذا من رواية عبد الرزاق وله أوهام وهذا من أوهامه.
ثم رجعت إلى الكتب المذكورة لأجد جوابا على سؤال شيخي، لكن لم أجد أية جواب.
فالشيخ ابن عثمين رحمه الله يقول:
إن هذه الرواية ليست بشاذة لأن الشذوذ هو المخالفة، وهذه الرواية موافقة لرواية العموم، في الإشارة عند الجلوس.
فالشيخ ابن عثمين رحمه الله كأنه يقول:
هب أن هذه الرواية شاذة بل وضعيفة، أنا أتمسك بالعموم في الإشارة عند الجلوس، أما حديث الإشارة عند الجلوس للتشهد فهذا لا يصلح أن يكون مخصصا لأن ذكر بعض أفراد العموم بحكم لا يخالف العموم لا يقتضي التخصيص.
فهناك ثلاث روايات:
1- رواية عامة في الإشارة في الجلوس مطلقا "إذا جلس..."
2- رواية خاصة في الإشارة في الجلوس للتشهد "إذا جلس للتشهد...."
3- رواية خاصة في الإشارة في الجلوس للجلسة بين السجدتين:
فلو كانت الرواية الأخيرة ضعيفة لاعتبرنا بالعموم الأول، ولا يصلح أن يخصص ويقصر على التشهد لأن ذكر بعض أفراد العموم بحكم يوافق أحكام العموم لا يدل على التخصيص،
وحينئذ تبقى رواية عبد الرزاق محفوظة لأنه لا مخالفة في المسألة وبالتالي: لا شذوذ.
وهذه القاعدة معروفة عند أهل العلم وممن ذكرها الشنقيطي في الأضواء، أعني ذكر بعض أفراد العموم بحكم يوافق العموم....
وأذكر كذلك لما أوردت هذه القاعدة على بعض طلبة العلم ممن يحكمون على الحديث بالشذوذ لم يحر جوابا، لكن قال: ربما لا تكون هذه القاعدة صحيحة.
فانظر كيف آل به الجهل من الانتصار لأحد الأقوال الفرعية في المسألة إلى نسف قاعدة صحيحة أصولية تداولها أهل العلم بالأصول وأهل الدراية باللسان!!
فلو قال المدرس: أكرم الطلبة.
ثم قال: أكرم الطالب زيداً.
لم يكن ذلك مخصصا لحكم الإكرام، ولا هو مخرج لإكرام بقية الطلبة ، لأنه حكم يوافق الحكم العام، ولكن يدل على مزيد اهتمام.
يكون التخصيص لو جاء بحكم يخالف حكم العام :
بأن يقول مثلا:
أكرم الطلبة:
ثم يقول:
لا تكرم الطالب زيداً.
فهنا تخصيص لأنه ذكر حكما يخالف حكم العام.

وفي الحقيقة الكتب التي كتبت في المسألة لم تجب عن سؤال الشيخ رحمه الله.
وقد كنت متحمساً لقول الشيخ ابن عثمين رحمه الله لأني كنت أطرح سؤالاته ولا مجيب، حتى أني في بعض نقاشاتي مع زملائي، والذين يضعفون الحديث بالشذوذ فأقول لهم:
هب أنه شاذ، هب أنه ضعيف، هب أنه موضوع، هب أنه لم يوجد هذا الحديث.
أجيبوني عن الرواية العامة والمطلقة في الإشارة في الجلوس، فإنها تشمل الجلسة بين السجدتين....
ثم بعد ذلك أطلت النظر في المسألة وتأملتها كثيرا ورجعت في تلك الأيام إلى مخارج الأحاديث في مظانها، لكن للأسف كنت لا أسجل في تلك الأيام الخوالي ما أبحثه ولا أسجل حتى النتائج، [لذا فقسم التقارير العلمية والنتائج الفقهية في هذا الموقع ربما يكون سببه حالة نفسية أفرزها التأسف والندم ورب ضارة نافعة ]
إنما كنت أبحث هكذا ثم أخرج بنتائج معينة، ثم مع الأيام أنسى وتتبخر المعلومات، وتتبخر المسائل، وتتبخر السؤالات، ويتبخر السهر والتعب كل ذلك يتبخر أسهل ما يكون كما يتبخر الماء، ولا يبقى إلا ما شاء الله أن يبقى، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
المهم أني بعد ذلك البحث:
خرجت بنتيجة تتفق مع القول بضعف رواية عبد الرزاق لكن بغير الطريقة التي سلكها الشيخ الألباني والشيخ بكر أبو زيد رحم الله الجميع.
فكل الأحاديث التي جاءت في المسألة من رواية ابن عمر ومن رواية وائل بن حجر، ومن رواية ( نسيتها الآن ولعلها من رواية ابن الزبير )
فكلها روت الإشارة في الجلوس
وكلها أيضا عن هؤلاء الصحابة أيضا رووا الحديث بالإشارة في الجلوس للتشهد.
فعلمنا بذلك أن المقصود من هذه الأحاديث الثلاثة هو الإشارة في الجلوس للتشهد، وطريقة الجمع بين هذه الروايات هي طريقة المجمل والمبين والمبهم والمفسر.
وحينئذ لا يكون هناك عموم فيتمسك به القائل بسنية الإشارة بين الجلستين وهو الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
وليس هناك أيضا عموم حتى يتكلف الشيخ الألباني والشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في الجواب عنه بأنه من العموم المخصص، أو من المطلق المقيد.
وإنما هو حديث واحد وهو الإشارة في الجلوس للتشهد جاء عن هؤلاء الصحابة كلهم، لكن في بعض الرويات أجملت، فقيل "إذا جلس" وأهمل قيد التشهد.
ويدل على أن هذا ليس من باب العموم، ما سبق أن كل هذه الروايات المجملة جاءت عن نفس هؤلاء الصحابة مفسرة بأنها التشهد.
فعرفنا بذلك أنه ليس هناك عموم إنما هو فرد واحد وهو الإشارة عند الجلوس للتشهد.
وبهذه الطريقة تكون رواية عبد الرزاق مخالفة لهذا الفرد ، ويكون الحكم بالشذوذ عليها متجها وظاهرا.
وقد أوقفت زملائي من بعض طلاب الشيخ رحمه الله على هذه النتيجة فاستحسنوها، كما أوقفت عليها الشيخ عبد الله الفوزان بعد أحد دروسه في البلوغ، وكان قد ذكر هذه المسألة وحكم على الرواية بالشذوذ.
فأخبرته بالنتيجة فاستحسنها جدا حتى كرر معي الكلام وقال:
إذن هو فرد واحد، وليس هناك عموم.
وأنا الآن بانتظار رأيكم في مأخذ النظر إلى المسألة في ما انتهيت إليه لتقويمه ومراجعته
وأستسمحكم في السرعة التي طغت على كتابة هذه الخواطر وعلى وعدم تحرير المسألة على عادة البحوث، ولكن تورطت بمشاركتي السابقة، وإجابة لمن لا يسعني الاعتذار منه وهو أخي أبو عبد الله محمد السعيدي وفقه الله وحفظه.
هذا والله أعلم، ورحمني الله وإياكم وجميع مشايخنا ، وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا العلم النافع والعمل به، آمين.
 
التعديل الأخير:
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
677
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
برمنجهام
المذهب الفقهي
شافعي
بارك الله فيك أبا فراس فقد لخصت المسألة وجمعت أطرافها كعادتك، واجتهدت في بيان وجهة نظرك بأدبك الجم وخلقك الرفيع وليس مستغربا هذا الخلق الرفيع على من درس الفقه وأدرك الخلاف بين العلماء وأسبابه.

أرى أن أهم ما ينبغي أن يراعى في بحث الموضوع:

أولاً: هو جمع طرق حديث وائل بن حجر، المتعددة والمخارج المتباينة لمعرفة المتفق منها والمختلف فيها، وهذه إشارة لطيفة وردت في جملة كلام العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد وهي إشارة باحث محقق مدقق كما لا يخفى.
قال – غفر الله له وأغدق عليه شآبيب رحمته -: «ومما نحن فيه: حديث وائل بن حجر -رضي الله عنه- في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأقول: معلومٌ أن حديث وائل - رضي الله عنه - لم يأت جميعه في سياق واحد، بل هو كالشأن في أحاديث غيره ممن وصفوا صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، تعددت طرقه، وتنوعت مخارجه، فبعضهم اختصر وبعض طوَّل، حسب مقتضيات معلومة من أصول الرواية وطرقها، في تقطيع الحديث الواحد وتجزئته.
بل إن حديث الواحد منهم في وصف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - هو كما قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى ( إن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف صلاته - صلى الله عليه وسلم -، وإنما أخذ مجموعها عن مجموعهم ) انتهى.
ولهذا فإن الحسنات التي يسديها العالم بالحديث إلى المسلمين: تجميع طرق الحديث الواحد، وسياق متونها الثابتة مساقاً واحداً مع بيان مخرج كل لفظ منها، والتنبيه على ما لا يصح منها» ا.هـ من ( لا جديد في أحكام الصلاة )، ص44، 45.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد درسها الشيخ الألباني رحمه الله كما في تمام المنة:
قال العلامة الألباني - رحمه الله تعالى - :
(تنبيه ) : رأيت بعضهم يحرك إصبعه بين السجدتين وعمدته في ذلك أن ابن القيم ذكره في " زاد المعاد " كما ذكر التحريك في التشهد ولا أعلم له فيه مستندا سوى رواية شاذة في حديث وائل هذا فوجب تحرير القول في ذلك فأقول : اعلم أن هذا الحديث يرويه عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل
ويرويه عن عاصم جمع من الثقات وقد اتفقوا جميعا على ذكر رفع السبابة فيه لكنهم انقسموا إلى ثلاث فئات من حيث تعيين مكان الرفع
الأولى : أطلق ولم يحدد المكان منهم زائدة بن قدامة وبشر بن المفضل وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وإن كان ظاهر سياقهم يدل على أنه في التشهد
الثانية : صرحوا بأنه في جلسة التشهد منهم ابن عيينة في رواية للنسائي ( 1 / 173 ) وشعبة عند ابن خزيمة في " صحيحه " ( رقم 697 ) وأحمد ( 4 / 319 ) وأبو الأحوص عند الطحاوي ( 1 / 152 ) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 22 / 34 / 80 ) وخالد عند الطحاوي وزهير بن معاوية وموسى بن أبي كثير وأبو عوانة ثلاثتهم عند الطبراني رقم ( 84 و89 و90 )
وخالف هؤلاء جميعا عبد الرزاق في روايته عن الثوري فقال في " المصنف " ( 2 / 68 / 2522 ) وعنه أحمد ( 4 / 317 ) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 22 / 34 / 81 ) : عن الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : " رمقت النبي صلى الله عليه و سلم فرفع يديه في الصلاة حين كبر . . [ وسجد فوضع يديه حذو أذنيه) ]
ثم جلس فافترش رجله اليسرى ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى وذراعه اليمنى على فخذه اليمنى ثم أشار بسبابته . . ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه "
قلت : والسياق للمصنف والزيادة لأحمد
فذكره السجدة الثانية بعد الإشارة بالسبابة خطأ واضح لمخالفته لرواية كل من سبق ذكره من الثقات فإنهم جميعا لم يذكروا السجدة بعد الإشارة وبعضهم ذكرها قبلها وهو الصواب يقينا وإنما لم يذكروا معها السجدة الثانية اختصارا
وقد ذكرها زهير بن معاوية فقال : " . . ثم سجد فوضع يديه حذاء أذنيه ثم سجد فوضع يديه حذاء أذنيه ثم تعد فافترش رجله اليسرى . . ثم رأيته يقول هكذا ورفع زهير أصبعه المسبحة "
رواه الطبراني بالرقم المتقدم آنفا (84 )
وقد يقول قائل : لقد ظهر بهذا التحقيق خطأ ذكر التحريك بين السجدتين ظهورا لا يدع ريبا لمرتاب
ولكن ممن الخطأ ؟ أمن الثوري الذي خالف جميع الثقات أم من عبد الرزاق الذي أخطأ هو عليه ؟ فأقول : الذي أراه - والله أعلم - أن الثوري بريء من هذا الخطأ وأن العهدة فيه على عبد الرزاق وذلك لسببين :
الأول : أن عبد الرزاق وإن كان ثقة حافظا فقد تكلم فيه بعضهم ولعل ذلك لما رأوا له من الأوهام وقد قال الحافظ في آخر ترجمته من " التهذيب " : " ومما أنكر على عبد الرزاق روايته عن الثوري عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى على عمر ثوبا فقال : أجديد هذا أم غسيل ؟ الحديث
قال الطبراني في " الدعاء " : رواه ثلاثة من الحفاظ عن عبد الرزاق وهو مما وهم فيه عن الثوري "
قلت : وممن أنكر هذا على عبد الرزاق يحيى بن معين كما رواه ابن عدي في " الكامل " ( 5 / 1948 ) فليكن حديث وائل من هذا القبيل
ويؤيده السبب التالي :
والآخر : أنه خالفه عبد الله بن الوليد عند أحمد ( 4 / 318 ) ومحمد بن يوسف الفريابي فروياه عن الثوري - سماعا منه - به دون ذكر السجدة بعد الإشارة
فاتفاق هذين الثقتين على مخالفة عبد الرزاق مما يرجح أن الخطأ منه وليس من الثوري ولا سيما والفريابي كان من تلامذة الثوري الملازمين له فهو أحفظ لحديثه من عبد الرزاق وبخاصة ومعه عبد الله بن الوليد وهو صدوق.اهـ

فحكم بشذوذها الشيخ الألباني كماترى هنا، والشيخ العلامة مقبل الوادعي والشيخ المحدث عبدالله السعد والشيخ صالح بن سعد اللحيدان والشيخ سليمان العلوان والشيخ عبدالعزيز الطريفي، وهولاء طائفة من أشهر المعتنيين بدراسة الحديث بل ممن عنايتهم بارزة متميزة في عصرنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما لا أنسى أن أذكر هنا أن شيخي وأستاذي أبا محمد عبدالله بن يوسف الجديع-حفظه الله- له دراسة حديثية لحديث وائل ابن حجر أخبرني عنها ولم أعرف خلاصة رأيه لكن لعلي أتقدم إليه بسؤال حول هذا الموضوع ليلخص لأبنائه وتلامذته ومحبيه في هذا الملتقى، ويخصنا بخلاصة ما يراه من خلال بحثه فيمايتعلق بهذه المسألة.
ـــــــــــــــ
الأمر الثاني: التنبه إلى أمر مهم جدا وهو معتبر في الترجيح وهو أن القول بالإشارة بين السجدتين قول لم يقل به أئمة السلف من أهل الحديث والفقه والنظر، ولم يعرف عنهم، مع ماهم عليه من المكنة في العلم، والحرص على العمل والاتباع، بل ماعليه الأئمة من أهل الحديث كأصحاب السنن وغيرهم هو قصر الإشارة في التشهد فقط وهذا مابوب به أبودود والترمذي والنسائي في سننهم، فالقول بهذا كأنه لم يعرف عندهم وعند من قبلهم وإنما اشتهر عند الفقهاء المتأخرين فقط.
الأمر الثالث : فائدة استفدتها من فضيلة الشيخ عبدالعزيز الطريفي وهي أن الجلوس والقعود إذا أطلق المقصود به التشهد.
قال الشيخ عبدالعزيز الطريفي:
"ولا يشرع فيها الإشارة بالسبابة ، فما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، ولا أحد من الصحابة ، وقال بمشروعية ذلك من بعض الفقهاء المتأخرين ، استدلالاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير إذا جلس ، والأظهر عدم المشروعية لأن الجلوس والقعود إذا أطلق فالمراد به التشهد".

الخلاصة أن العلماء لهم قولان في هذه المسألة وإن كان القول الثاني هو قول متأخري الفقه، وأناأجد نفسي تطمئن إلى قول من حكم برد رواية الإشارة بين السجدتين لهذه الاعتبارات وغيرها

وبالنسبة لما ذكرته أيها الشيخ الفاضل من توجيه فقهي هو لا يلزم من يحكم بشذوذ الرواية وإنما يصلح أن يكون مؤيدا وظهيرا لقولهم، ولذلك كانت النتيجة التي انتهى إليها توجيهك متفقة مع قولهم، لكن القول بقولهم أولى لانه جار على قواعد المحدثين وقوانينهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-أخيرا-أكرر ماقاله أخي الفاضل الشيخ الجاد صاحب الهمة العالية أبو فراس فؤاد بن يحيى أن هذه المسألة من المسائل التي يسع فيها الأخذ والرد، وتتباين فيها أراء المجتهدين على حد قول الشاعر:
وكلهم من رسول الله مغترفُ---------غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك الله فيك أخي أبا عبد الله على الجهد المبارك في استتمام البحث بهذه الروايات والتي عالجت الخلل الواقع في مشاركتي السابقة.
---------
لكن لنمشي على ضعف رواية عبد الرزاق
يبقى الجواب عن متمسك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بالعموم الواردة في جملة من الأحاديث الصحيحة ومنها روايات صحيحة عن وائل ابن حجر:
"إذا جلس....."
من غير التقييد بالتشهد.
ولا يصح تخصيصها بـ "التشهد" إذ هو من ذكر بعض أفراد العام بما يوافق الحكم العام ، وإنما المخصص المخالف كما سبق تفصيله.
نريد جواب فقهي أو أصولي على متمسك الشيخ رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أظن أن أسلم الأجوبة:
هو أنه ليس هناك عموم أصلا وإنما أجملت بعض الرويات وفصلت أخرى فنحمل المجمل على المفصل، والمبهم على المفسر
وبهذا لا يكون هناك سوى فرد واحد وهو الإشارة في الجلوس للتشهد.
وهنا يظهر شذوذ رواية عبد الرزاق في الإشارة بين الجلستين لمخالفتها بقية الروايات في الإشارة في الجلوس للتشهد وكنا قد حملنا مجمل الروايات على مفصلها.
ويؤيد هذه الطريقة أن كل الصحابة الذين رووا الإطلاق في الإشارة كلهم رووا من نفس هذه الطرق الإشارة في الجلوس للتشهد
فعلمنا أن المقصود بالإجمال الواقع في بعض الروايات هو الإشارة في الجلوس للتشهد
ومن هنا صح ما ذكره بعض أهل العلم:
من أن الجلوس إذا أطلق فالمقصود به الجلوس للتشهد وهذا بسبب تتبعهم ما وقع من الإجمال في بعض الروايات الجلوس ثم وقعت مفسرة في روايات أخرى.
-------------------
ويبقى أن هناك رأيين في المسألة لكل وجهته ومأخذه كما ذكرت حفظك الله.
 
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
677
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
برمنجهام
المذهب الفقهي
شافعي
بارك الله فيك أخي أبا فراس.
لكن ثبوت أن الرواية شاذة يكفي في رد متمسك الشيخ ابن عثيمين غفر الله له.
فالشيخ رحمه الله لا يثبت الشذوذ للرواية لذلك انتهى لثبوت صحة الروايةعنده إلى إيراد هذا القول الذي ذكرت ، ومن يقول بشذوذها لا يلزمهم إيراد الشيخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
و شذوذها ثابت على قواعد المحدثين وقوانينهم عند جماعة وقد سميت قبل، فيكفي إقامة البرهان و الحجة على ثبوت الشذوذ في الرد على اجتهاد الشيخ غفر الله لجميع علمائنا.


والشيخ جعله دليلا مؤيدا للإثبات كما فهمت.
أما ماذكرته أنت من ورود إجمال وبيان في الرواية فهذا لابد أن يصار إليه في كل مسألة وردت في باب واحد عند الجمع بين مفرداتها.

أو صحح لي بارك الله فيك
والله أعلم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
لقد استمتعت بهذه الأبحاث القيمة أيما استمتاع ..فلله دركم من فقهاء ذوي مكنة ودربة ودراية وخلق ..لا عدمناكم ولا حُرمناكم ...
 
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
677
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
برمنجهام
المذهب الفقهي
شافعي
لقد استمتعت بهذه الأبحاث القيمة أيما استمتاع ..فلله دركم من فقهاء ذوي مكنة ودربة ودراية وخلق ..لا عدمناكم ولا حُرمناكم ...



جزاك الله خيرا على المرور والتعليق الذي فيه إحسان ظن بإخوانك.
 
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
677
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
برمنجهام
المذهب الفقهي
شافعي
سألت هذا اليوم شيخنا الشيخ أبا محمد عبدالله بن يوسف الجديع عن رأيه فيما يتعلق بهذه المسألة.

فأجابني أنه هو يرى شذوذ رواية الإشارة بين السجدتين وشذوذ تحريكها في التشهد.
( فيكون بهذا قد وافق في مسألتنا هذه من سميت من العلماء المحدثين الذين قالوا بشذوذها ....)


ولما أخبرته أن الشيخ ابن عثيمين يقول كيف الشذوذ ولا مخالف؟ فقال لي أن الشذوذ أوسع من هذا، ثم قال بل يوجد أيضا هنا مخالف وهو التفرد فالمتفرد يخالف مالم يرويه الأثبات المتقنون...

وأما عن استدلال الشيخ ابن عثيمين بالعموم" إذا جلس.."

قال الشيخ الجديع لا يصلح الاستدلال في هذا الباب بالعموم خصوصاً أنه في الصلاة وخصوصاً أنه في السنن والوجبات العملية لإن الواجبات والسنن العملية في الصلاة علمها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال لهم " صلوا كما رأيتموني أصلي..."........

هذا خلاصة جواب الشيخ لي في هذه المسألة نقلته بتصرف رجاء أن يستفيد منه إخواني في هذا الملتقى....

والله أعلم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك فيك أخي أبا عبد الله لقد أفدتنا كثيرا، كيف وقد ختمت مباحثتك لهذه المسألة بسؤال الشيخ عبد الله الجديع، ولا يخفى على أحد غور فقه الشيخ ودقة مأخذه.
نسأل الله عز وجل أن يمن علينا بالعلم النافع، وأن يوفقنا للعمل الصالح هو ولي ذلك والقادر عليه.
 

عبد الرحمن صالح الشمراني

الأستاذ المشارك بالجامعة الإسلامية
إنضم
8 أبريل 2008
المشاركات
4
أخي السعيدي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
اطلعت على ما نقلتموه وكتبتموه والقول ما ذهبتم إليه إذ من الأهمية بمكان قبل التفقه في النص المروي النظر إلى أقوال السلف رحمهم الله ولزوم غرزهم فهم كانوا بالصواب أولى وبالحق أحرى.
بارك الله فيكم وفيمن عقب والسلام عليكم ورحمة الله
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
أيام وأيام

في بحث مسألة
الإشارة في الجلسة بين السجدتين:

(أعادها الله من أيام )



ثم بعد ذلك أطلت النظر في المسألة وتأملتها كثيرا ورجعت في تلك الأيام إلى مخارج الأحاديث في مظانها، لكن للأسف كنت لا أسجل في تلك الأيام الخوالي ما أبحثه ولا أسجل حتى النتائج، [لذا فقسم التقارير العلمية والنتائج الفقهية في هذا الموقع ربما يكون سببه حالة نفسية أفرزها التأسف والندم ورب ضارة نافعة ]
إنما كنت أبحث هكذا ثم أخرج بنتائج معينة، ثم مع الأيام أنسى وتتبخر المعلومات، وتتبخر المسائل، وتتبخر السؤالات، ويتبخر السهر والتعب كل ذلك يتبخر أسهل ما يكون كما يتبخر الماء، ولا يبقى إلا ما شاء الله أن يبقى، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
.
قال ابن الجوزي في مستهل كتابه "صيد الخاطر":
لما كانت الخواطر تجول في تصفح أشياء تعرض لها ثم تعرض عنها فتذهب كان من أولى الأمور حفظ ما يخطر لكيلا ينسى .
وقد قال عليه الصلاة والسلام : قيدوا العلم بالكتابة .
وكم قد خطر لي شيء فأتشاغل عن إثباته فيذهب فأتأسف عليه .
ورأيت من نفسي أنني كلما فتحت بصر التفكر سنح له من عجائب الغيب ما لم يكن في حساب فأنثال عليه من كثيب التفهيم ما لا يجوز التفريط فيه فجعلت هذا الكتاب قيداً - لصيد الخاطر - والله ولي النفع إنه قريب مجيب .
 
إنضم
3 يناير 2009
المشاركات
94
الجنس
ذكر
الكنية
أبو الحسن
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الهند
المدينة
لكناو
المذهب الفقهي
لم يتحدد بعد
رد: جلاء العينين في مسألة الإشارة بين السجدتين

بارك الله فيكم ونفع بكم ...
لا أشك خطأ الإشارة بين السجدتين وإن قلنا بعدم شذوذ رواية عبد الرزاق ، ولو فرضنا أن لم يرو في هذا الباب إلا عبد الرزاق رحمه الله، وهو ثقة ثبت، وذلك لأمرين :
الأول: تعامل السلف، فالصحابة أخذوا الصلاة من رؤية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، لا من أحاديث وروايات المتأخرين ..
والتابعون أخذوها من الصحابة قبل أن يستدلوا لها بالروايات التي تلقوها ..
وهكذا هلم جرا ..
ولذلك اشتد اعتناء من قرب عهدهم بالصحابة كالإمامين مالك وأبي حنيفة بتعامل سلفهم في مثل هذه الأمور المتوارثة في الأمة ..
فمالك ترك أخبار الآحاد أو ترك بعض ظواهرها لما وجدها مخالفة لعمل الأمة .. وكذا أبو حنيفة لم يقل بقول يحتاج إلى نص إلا بفعل من سلفه من أئمة السلف في الكوفة من الصحابة فمن بعدهم .. وقد حج عشرات المرات والتقى بفقهاء المدينة ومكة وغيرهما من بلدان الحجاز ومن حضره من علماء المناطق المختلفة، وناقشهم .. فإذا تعارض عنده تعامل السلف أعمل مرجحات أخرى كالمعتضد بالمقاصد الشرعية أو بالاحتياط، ومن المرجحات التي يتأثر بها العلماء اتباع من سلفهم من أئمتهم ومشايخهم، لا سيما في الأمور التعبدية ,, وأبو حنيفة رحمه الله لا أظنه خرج عن هذه القاعدة العامة.
فترك الإمامين لبعض أخبار الآحاد أي ترك ظواهرها ، إنما يعود إلى رعاية عمل الأمة في مثل هذه الأمور التي توارثوها من الرسول جيلا بعد جيل.

وأما الشافعي فقد بعد زمنه عن زمن الرسالة والصحابة .. فلم يتسن له الأخذ بهذا المبدأ إلا في نطاق ضيق ..

والأمر الثاني: فهم السلف .. وهذا في المسائل الاجتهادية أكثر من المسائل المتوارثة، فهو ذو صلة بالأمر السابق .. فلو فهم السلف من نص شيئا على خلاف ظاهره ، كان مرجحا على غيره من الاستدلالات المخالفة.

وحيث لم يتأمل في ذلك طوائف من أهل الظاهر ، ومن بعض أهل الحديث المعاصرين نتجت فتاوى جديدة موافقة لظواهر بعض النصوص ، مخالفة للسنة المتوارثة وفهم السلف.
واشتد نكيرهم على من خالفهم،
ومن آثار عدم إدراك ذلك ظن الظاهرية وأمثالهم أن بعض المسائل الخلافية التي تمسك فيها بعض الأئمة بظاهر النص، وآخرون بفحواه، ظنهم قطعية الأخذ بالظاهر، وقطعية الخطأ في الطرف الآخر ..
وأن الطرف الآخر لم يصله الحديث.

هذا ما عندي .
والله أعلم.
 
أعلى