العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

اصطلاح (الماجريات ) عند أصحاب المذهب المالكي

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
يقول د. محمد إبراهيم أحمد علي في كتابه "اصطلاح المذهب عن المالكية([1]):


ما جرى به العمل (الماجريات):

اهتم علماء المالكية – وخاصة في هذه المرحلة – بعنصر آخر من العناصر التطبيقية في علم القضاء وهو العنصر الذي اصطلح على تسميته بما جرى عليه العمل، أو فقه العمليات (الماجريات).
فكتب الأقضية تحرص على النص على ما جرى به العمل القضائي نظرا للمبدأ الذي تبناه علماء المالكية، والذي يحتم الالتزام بما جرى به العمل القضائي، وهو مبدأ قد يعود في أساس تصوره إلى القاعدة الأساسية في مذهب مالك: الاحتجاج بعمل أهل المدينة.([2])
"ولا يعرف بالضبط التاريخ الذي بدأ فيه هذا العمل، والذي يستنتج من بعض الوقائع التاريخية أن ذلك كان حوالي القرن الرابع الهجري...."([3])
"ولا نمضي من الزمن إلا قليلا، ونصل إلى القرن الخامس الهجري، حتى نرى هذا "العمل" صار من الذيوع والانتشار، ما غطى مجموع تآليف الفقهاء.
بل إن بعضهم خصَّ بالتأليف كتاباً كل ما ذكر فيه من مسائل نص على أن العمل جرى بها، كما هو الشأن بالنسبة لأبي الوليد الباجي."([4]) في كتابه فصول الأحكام إذ هو "موضوع أساسا لبيان ما جرى عليه عمل الحكام، وما درج عليه الفقهاء في إفتائهم كما يدل على ذلك عنوانه"([5])

([1]) ص212

([2]) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي 2/405

([3]) العرف والعمل في المذهب المالكي لـ د. عمر بن عبد الكريم الجيدي ص 344

([4]) العرف والعمل في المذهب المالكي ص 346

([5]) مفتاح السعاد ومصباح السيادة 3/601، فتاوى الشاطبي لـ د. أبو الأجفان مقدمة المحقق.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ويقول د. محمد إبراهيم أحمد علي في ص 396 من مبحث "قواعد الترجيح":
ما جرى به العمل:
من أهم قواعد الترجيح عند المالكية تقديم ما جرى به العمل على غيره والمقصود بتقديم ما جرى عليه عمل: القضاة والحكم.
نشأ من "الاتجاه القضائي التوثيقي في الفقه المالكي، أن انفتحت للقضاة أبواب واسعة للاجتهاد في الأخذ بالأحكام المنصوص عليها في دواوين المذهب على وجه قد يحملهم على مخالفة المنصوص أو المشهور؛ إذ يرون ذلك أدعى إلى تحقيق مقصد الشرع من صلاح الناس، فيصبح جريان العمل القضائي مخالفا في جزئيات لما هو مأخوذ في كتب الفقه"([1])
تطورت نظرة علماء المالكية إلى المنهج التطبيقي للعمل القضائي تطوراً بلغوا فيه غاية الاهتمام به، إذ أصبح من القواعد الأساسية في الترجيح أن القول الذي يجري به العمل حتى لو كان شاذا أو ضعيفا يرجح على غيره مما لم يجر به العمل حتى لو كان مشهورا أو راجحا، إذا توافرت الشروط المقتضية لذلك، وبذلك يصبح ما جرى به العمل في الدرجة الأولى ترجيحا: قضاء ، وفتوى.([2])
"ووجه تقديم الجاري به العمل على المشهور....أن في الخروج عنه [ما جرى به العمل] تطرق التهمة إلى الحاكم، فوجب عليه اتباع العمل سدا للذريعة، هذا في المقلد الصرف."([3])
ثم قال د. محمد إبراهيم:
أقسام ما به العمل:
يقسم المالكية هذا النوع من الفقه إلى قسمين:
1- العمل المحلي:
ويطلق على الآراء القضائية التي اعتمد فيها ما هو مخالف للراجح أو المشهور نظرا لعرف وعادة خاصة ببلد أو قطر معين، فهذا العمل يختص ترجيحه بتلك المدينة أو القطر، ويلحق بها المدن أو الأقطار التي تشبهها في العرف والعادة، ويشترط للأخذ بهذا العمل وترجيحه استمرار العرف أو العادة أو المصلحة الخاصة التي بني عليها الحكم إلى زمن الأقضية، وإلا فيعود وجوب العمل بالمشهور والراجح، وهذا النوع من العمل يقال عنه جرى به العمل في بلد كذا أو قطر كذا.
2- العمل المطلق:
ويراد به الآراء القضائية التي اعتمدوا فيها ما هو مخالف للراجح أو المشهور نظرا لتحقيق مصلحة عامة أو سد ذريعة أو عرف عام.
فترجيح هذا العمل يعم كل الأمكنة والأزمنة ما دامت المصلحة المحققة والذريعة الممنوعة مستمر وجودها، وإلا عاد وجوب التزام الحكم بالمشهور أو الراجح دون غيرهما، وهذا هو الذي يطلق القول عنه أنه: جرى به العمل، واستقرت عليه الأحكام.([4])
شروط تطبيق قاعدة ما يجري به العمل:
"يشترط لتقديم (ما به العمل ) خمسة أمور:
أحدها: ثبوت جريان العمل بذلك القول.
ثانيها: معرفة محلية جريانه عاما أو خاصا بناحية من البلدان.
ثالثها: معرفة زمانه.
رابعها: معرفة كون من أجرى ذلك العمل من الأئمة المقتدى بهم في الترجيح.
خامسها: معرفة السبب الذي لأجله عدلوا عن المشهور إلى مقابله.
JJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJjj
([1]) ومضات فكر (2) ص 73
([2]) البهجة ص1/22، نشر البنود 2/333
([3]) نور البصر ص130
([4]) تبصرة الحكام 1/46، البهجة 1/22، المعيار 10/46، نور البصر ص130، تحفة الحذاق بنشر ما تضمنته لامية الزقاق لمحمد المهدي الوزاني ص111، شرح العمل الفاسي للسلجماسي 2/105، فتح الجليل الصمد في شرح التكميل والمعتمد المشتهر بكتاب العمليات العامة للسلمجماسي، جني زهر الآس في شرح نظم عمل فاس ص94، الكفر السامي 2/405
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
يقول الشيخ محمد المنتصر الريسوني رحمه الله (1360-1421هـ) في كتابه "وكل بدعة ضلالة":

حقيقة العمل

يستند العمل في الأصل عند المالكية قديما وحديثا على عمل أهل المدينة، الذي يعد أحد الأصول التي ارتكز على قوائمها المذهب المالكي.
ولقد ناقش العلماء عمل أهل المدينة مناقشة أفضت إلى انقسامهم إلى فئام: الفئة الرافضة، الفئة المؤيدة، الفئة المتوسطة بين هذه وتلك.
والجدير بالذكر حقا أن من المالكية من رفض لونا من هذا العمل خاصة ما يعتمد على الاجتهاد.([1])
مهما يكن من أمر فقد شغل عمل أهل المدينة مكانة ملحوظة في المذهب المالكي، وذلك ما شجع المالكية على التوسع فيه بصورة جد لافتة فقدموه على المشهور عندهم، قال عبد الرحمن الفاسي (ت1096هـ.) في منظومته عن عمل فاس ذاكراً هذه الحقيقة:
وما به العمل دون المشهور مقدم في الأخذ غير مهجور
ولاهتمام المالكية بذلك وضعوا شروطا لتقديم ما جرى به العمل على المشهور فقال محمد كنون:
والشرط في عملنا بالعمل صدوره عن قدوة مؤهل
معرفة الزمان والمكـان وجوده موجب إلى الأوان
وهذا الاهتمام غير المعتدل بعمل أهل المدينة دفع البعض من المالكية إلى التطرف في استعماله إلى حد تحدي النص الشرعي الصريح من الكتاب الكريم، وذلك بمخالفته إياه وتقديم ما جرى به العمل عليه، والعياذ بالله، كما سيأتي وشيكا في محله إن شاء الله تعالى.

العمل في المغرب



يمكن تلمس الملامح الأولى للعمل في القرن الرابع الهجري بالأندلس، إذ نلحظ محاولات للقاضي منذر بن سعيد البلوطي (ت 355) في الاعتماد على ما جرى به العمل في بلده.([2])
قال أبو فراس:
لعل الشيخ الريسوني يريد هذا الموضع من كتاب المقري "أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض":
"و كان القاضي منذر بن سعيد السابق ذكره، سمع بالأندلس من عبيد الله أبن يحيى بن يحيى ونظرائه، ثم رحل حاجاً سنة ثمان وثلاث مائة، فسمع من عدة أعلام، منهم محمّد بن المنذر النيسابوري، سمع عليه كتابه المؤلف في اختلاف العلماء، المسمى بالإشراف، وروى بمصر كتاب العين للخليل عن أبي العباس بن ولاد وروى عن أبي حعفر بن النحاس؛ وكان متفنناً في ضروب العلوم وغلب عليه التفقه بمذهب أبي سليمان داود بن علي الأصبهاني، المعروف بالقياسي وبالظاهري؛ فكان منذر بن سعيد يؤثر مذهبه ويجمع كتبه ويحتج لمقالته ويأخذ به في نفسه وذويه؛ فإذا جلس بحكومةقضى بمذهب الإمام مالك وأصحابه، بالذي استقر عليه العمل في بلدهم، وحمل عليه السلطان أهل مملكته."
قال أبو فراس:
وبهذا النقل استطعنا بتوفيق الله أن نحل اللغز الذي وقع في كلام الريسوني إذ كيف يكون منذرُ بن سعيد البلوطي صاحبَاللامحات الأولى في الاعتماد على ما جرى به العمل مع أنه من أهل الظاهر ومن أتباع داود بن سليمان الظاهري على ما هو معروف في ترجمته وفي كتابات أهل الظاهر.

نرجع إلى كلام الريسوني:
وبعد ذلك أخذ العمل يشق طريقه نحو الذيوع وذلك بظهور إنتاج فقهاء مالكية مشهورين أمثال ابن أبي عاصم (ت 829هـ.) في تحفته التي اعتنى فيها بالعمل وتولى شرحها غير واحد من العلماء المغاربة كشرح التاودي (ت 1209هـ.) وشرح الزقاقية لعمر الفاسي (ت11258هـ.)
قال أبو فراس:
يظهر أن هناك بونا شاسعاً جداً بين فقرات ظهور العمل حسب تتبع الريسوني السابق إذ ذكر رحمه الله أن ملامحه الأولى ظهرت مع أحكام منذر بن سعيد البلوطي الظاهري المتوفي في القرن الرابع ثم انتقل مباشرة إلى ابن عاصم المتوفى في القرن التاسع!
وأتوقع أن ثمة حلقات ناقصة تشكل عوزاً ظاهراً في هذا التتبع.
نرجع إلى كلام الريسوني:
وبظهور الزقاق (ت 912) بمنظومته اللامية التي عقد فيها فصلا عما جرى به العمل وتولى شرحها أيضا غير واحد من العلماء المغاربة، كشرح لامية الزقاق لميارة (ت1072هـ.) وشرح الزقاقية لعمر الفاسي (ت 1188).
وراح العمل يأخذ صورة في التأليف الفقهي، وكان في مقدمة من تصدى لهذا الميدان:
عبد الرحمن الفاسي الذي وضع منظومة حشاها بقضايا بما جرى به العمل الفاسي، وقد اضطلع بشرحها هو نفسه ولم يكملها، واضطلع غيره بشرحها كالسجلماسي (ت1214هـ.) والمهدي الوزاني (ت 1342هـ.)
وكان لظهور العمل في المغرب بهذه الصورة أثر كبير في ظهور ما يدعى أيضا بالعمل المطلق، أي الذي لا يتقيد ببلد معين كالعمل الفاسي، أو العمل السوسي أو العمل القيرواني.
ومع ذلك فإن بداية العمل بالمغرب غير معروفة بالضبط، وإنما ما يمكن قوله هو أن بدايته كانت قبل القرن العاشر الهجري، ويؤيد ذلك ما أورده الشيخ محمد العربي الفاسي (ت1052) في كتابه "شهادة اللفيف":
أن أبا الحسن الصغير (719هـ.) "سئل عن رسم شهد فيه أحد وثلاثون رجلا هل يكتفي فيه بمجرد العدد أو لا بد من عدل؟
فقال:
لا بد من عدلين أو ينتهي حال القاضي الذي أدوا عنده العلم إلى القطعي كالتواتر".
وما يجب الإيماء إليه أن عمل المغرب كان مرتبطا بعمل الأندلس، وذلك بمقتضى ما تفرضه ظروف الجوار وظروف المجريات السياسية، وقد كان عمل قرطبة له الحظوة في التأثير في عمل المغرب.
ثم نقل الشيخ محمد المنتصر الريسوني في مبحث صغير بعنوان "الفرق بين العادة أو العرف والعمل عن كتاب تحفة الأكياس:
أن العمل في حقيقته عند الفقهاء:
هو "حكم القضاة بالقول وتواطؤهم عليهن وليس كل ما حكم به قاض جرى به العمل، بل لا يثبت العمل بحكم قاض أو قاضيين حتى يقع الاتفاق عليه من الأئمة المعتبرين"
JJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJ
([1]) فصلت القول في هذا البحث في مدخل دراستي "ما خالفت فيه المالكية السنة في العبادة خاصة" وذلك عند الحديث عن أصول المذهب المالكي انطلاقا للحديث عن المقصود بالذات، والدراسة لا تزال في طريق الإنجاز سدد الله الخطى لإتمامها. (الريسوني)

([2]) أزهار الرياض للمقري 2/295
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ثم عقد الريسوني مبحثاً بعنوان:

مخالفة نظرية العمل نصوص الشرع القطعية

أعرب فيه عن رأيه صراحة تجاه هذا الدليل، قال فيه:
لقد قَّدس علماء المالكية خاصة المتأخرين منهم ما جرى به العمل لحد أنه أصبح عندهم بمنزلة وثن يحرقون حوله البخور ويعكفون عليه يستمدون منه رضاه، وتلك هي الغفلة المزرية التي أوقعتهم في المخالفات الصارخة وأوردتهم مهالك الضلال، وأوشكت بسبب ذلك أن تسرف بهم على مهاوي الكفر لأن نظير هذه الغفلة –ونسميها غفلة من باب حسن الظن فقط – راحت تفضي بهم حتما إلى الاستدراك على الشرع باجتهاد جديد في معرض النص القطعي، وكأن الشرع الحكيم غير قادر على احتواء هموم الإنسان في كل مكان، وعلى مدى عمر الكون، فما بالك في مكان معين من الأرض كالمغرب!!.
إنه الجهل بروح المنهج الإسلامي الذي ألجأ أولئك إلى الاعتصام بنظرية ما جرى به العمل، واستنطاقها في شؤون المعاملات بصورة بشعة لا تتمشى ومنطق الشرع الحكيم، ولقد صدق سبحانه حين قال عن كمال الشريعة السمحة:
{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}
وإن منظومة الفاسي في عمل فاس لتعد في طليعة ما يمثل نظرية ما جرى به العمل، التي تميز بها الفقهاء المالكيون المغاربة عن سواهم من الفقهاء المالكيين المشارقة.
ولقد اعتمدت المنظومة المذكورة ما جرى به عمل فاس وما تولاه الثقات من العدول من العدول والقضاة بالاعتماد، وما ضمته كتب شراح المختصر والتحفة وما ضمه المعيار من أجوبة، وما ضمه غيره من المسائل.
وإن مما يجب ذكره هنا:
أن نظرية ما جرى به العمل ترتكز على أسس واهية ولا يمكن بحال موازنته بعمل أهل المدينة – وهو نفسه محل نظر كما سلف القول – ذلك أن العمل عند الفقهاء المغاربة يحكم به القاضي أو يفتي به المفتي، ممن تثبت عدالته حتى وإن كان ضعيفا أو مهجورا وهو ما يقرره الفاسي في قوله في المنظومة:
وما به العمل دون المشهور**** مقدم في الأخذ غير مهجور
وليس من ريب عندي أن مستند الفقهاء في هذه النظرية واه جدا من جميع المناحي من حيث القواعد الحديثية وقواعد أصول الفقه؛ ذلك أن القول الضعيف والمهجور لا يمكن أن ينهض حجة بحال من الأحوال، إذ العمل بالحديث الضعيف في الأحكام لا يجوز كما هو متفق عليه عند المحدثين والأصوليين، ولا نقصد بالطبع الاستشهاد به في فضائل الأعمال فذلك يتطلب بسطا مستفيضا، ومع ذلك فإنه لا يجوز الاستشهاد به حتى في فضائل الأعمال خلافا لمن يقول بغير ذلك، لكون الاستشهاد به يستدعي قيام حكم جديد من الأحكام المتعلقة بخطاب التكليف وهو الندب، وهذا حتما ليس يسوغ أن ينهض على دليل ضعيف، وما ذلك إلا لأن الحديث الضعيف ليس يملك القوة لأن يقدم الدليل ولا يصح أن ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم، وله شروط لجبره، فراجعه في مظانه.
وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن أن تستند نظرية ما جرى به العمل على القول الضعيف أو المهجور، إن هذا لهو الباطل بعينه، بيد أننا حين نرفض هذا لا ننفي الالتجاء إلى العرف حين يستدعي الأمر لأن العرف معمول به للاستعانة به في القضايا الشرعية فيما إذا كان موافقا لأوامر الشرع.
ولا يفوتني الإيماء:
إلى أن المالكيين المتقدمين حرَّموا الفتوى بالقول الضعيف والمهجور منه، إذ عندهم أن الفتوى لا تسوغ إلا بما هو راجح أو مشهور كما أكد ذلك الحطاب (ت954هـ.).([1])
هذا وإن نظرية ما جرى به العمل عند الفقهاء المالكية المغاربة ألوان:
فمنه ما جرى على وفق القول المشهور، ومنه ما جرى على وفق الضعيف، ومنه ما جرى على غير طريق النص الشرعي القطعي ، وسوى ذلك.
ولسنا نريد وضع هذا أو ذاك تحت مجهر الفحص، ويكفي أن نقف مع لون واحد للعمل – وهو أشد خطرا من غيره – مما خالف النص الشرعي القطعي، وبذلك تتعرى نظرية ما جرى به العمل عن القدسية المصطنعة إذ تظهر بعض طاماتها الكبرى.

نموذج في المخالفة

يتبع...
JJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJJ
([1]) مواهب الجليل 1/32
 
التعديل الأخير:

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
جزاكم الله خيرا شيخنا فؤاد، ونفع بكم

واصل وصلك الله بوصله
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
نموذج في المخالفة

نصطفي نموذجا واحدا في المخالفة الصريحة للنص القرآني القطعي فقط دون التعريج على المخالفات الأخرى للسنة الصريحة حتى في مجال العقيدة كالبناء على القبور وتحليتها وزخرفتها([1])
وفي مجال المعاملات كالبيوع مثلا بيع الثنيا، وسوى هذا كثير مما يدعو إلى العمل على دراسة ذلك دراسة قائمة بالذات، تعتمد النقل العلمي النزيه لرد الضلالات التي أفرزتها أهواء العادات والأعراف، وساندتها نظرية ما جرى به العمل على غير سند علمي يخضع للنص الشرعي، وكذا العقل، والعقل تبع له مهما بلغ من الفطنة والذكاء لأنه لا يملك قوة التحسين والتقبيح خلافا لمن يؤله العقل خطأ وجهلا.
فما هي، بعد هذا، الطامة الكبرى التي اجترحتها – فيما اجترحت – نظرية: ما جرى به العمل؟.
قال عبد الرحمن الفاسي في المنظومة:
ثم المطلقة ذات الأقرا**** ثلاثة تعتد شهرا شهرا
ويريد بذلك أن المطلقة طلاقا رجعيا أو بائنا المدخول بها إذا كانت تحيض فإنها تعتد بثلاثة أشهر، أي تعدها شهرا شهرا إلى أن تستوفي الشهر الثالث، وإن حاضت ثلاث حيضات قبل هذه المدة انتظرت تمام المدة المقررة، وإن تمت الأشهر قبل أن تحيض ثلاثا انتظرت ما بقي لها.([2])
على حين أن الحكم القطعي للنص القرآني يقرر غير هذا، قال تعالى: {والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء}
النص واضح لا يقبل أي تأويل، إنه يقرر أن المرأة المطلقة ممن تحيض عدتها ثلاثة قروء، وإذا صرحت بانقضاء عدتها صُدقت بغض النظر عن كل ظرف لأنها مؤتمنة عن سرها، لكون القول قول المطلقة لقوله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} إلا أن نظرية ما جرى به العمل ترى غير ذلك، إذ تعلل الأمر بكثرة فساد الزمان، وقياسا على هذا سوف نلغي كل ما قرره الشرع في كل ميدان والشرع جاء ليعيد الناس إلى صوابهم، ومطاردة الانحراف بشتى الوسائل، فلماذا إذا نجني على الوحي لنلتجئ بنظرية ما جرى به العمل؟ إنه ارتياد للتيه فرارا من آفاق اليقين والنور، هذا بالإضافة إلى أن العدة تحتوي على وجه من التعبد كما ذكر الإمام الشافعي والقاضي ابن العربي.
ومن المقرر أن الحكم التعبدي لايجوز فيه قياس، لاستحالة إدراك العلة فيه، وعليه كيف تجرأ الفقهاء المالكيون المتأخرون على اجتراح مثل هذه الأعمال؟!!
ولقد صدق في الأخير من شنَّع على العمال الفاسي بقوله: "إنه العمل الفاسد"([3]) وذلك هو الحق.
وخير مانختم به في هذا المجال قوله تعالى فيمن يختار أمرا خلافا لما قضى الله ورسوله: {وما كان لمؤمنة ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}



([1]) كقول العمل الفاسي:
تحلية القبر وكسوة الحرير***** للصالحين ومصابيح تنير

([2]) تحفة الأكياس 1/53

([3]) هذه القولة للشيخ أحمد بن الصديق يرويها عنه: الأخ السلفي الأستاذ المطلع: محمد أبو خبزة، ومع ذلك فإن لابن الصديق أعمالا هي الأخرى فاسدة يؤيد بها ضلالات البدع ككتاب إحياء المقبور، وما ذالك في الحق إلا بحافز من أهواء الزاوية، والعياذ بالله (الريسوني)
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
نظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب في إطار المذهب المالكي
تأليف: عبدالسلام العسري
الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب- سنة الطبع:1417

خاتمة الكتاب



الخاتمةوبعد: يطيب لي في نهاية المطاف بنظرية الأخذ بما جرى به العمل في المذهب المالكي، أن أختم الكلام بخلاصة لأهم ثمرات هذه الرسالة.


لقد قسمنا البحث إلى قسمين: درسنا في القسم الأول نشأة نظرية الأخذ بما جرى به العمل وتطورها.

وفي القسم الثاني: درسنا ضوابط نظرية الأخذ بما جرى به العمل.

فخلاصة القسم الأول هي:

1- إن تعدد الأقوال أمر ضروري لابد منه في كل مذهب حي متطور، ولا يضيره ذلك التعدد، وإنما يعتبر ذلك ثروة فقهية تغني الفقه الإسلامي عموما بالاجتهادات السديدة المناسبة لجميع الحاجيات.

2 – إذا كان تعدد الأقوال في المجال النظري يدل على حيوية الفقه لإعطائه الحلول المتعددة لكن هذا التعدد في المجال التطبيقي يؤدي إلى تعارض الاجتهادات، هنا وجدنا فقهاء الأندلس والمغرب أسسوا ضوابط للترجيح بين تلك الأقوال المتعددة، فاعتمادا على تلك الضوابط استطاعوا الخروج بقول واحد، أوجبوا على القضاة والمفتين العمل به.

3 – إن ما توصل إليه فقهاء الأندلس والمغرب من قواعد لنظرية عمل الفقهاء المتأخرين، إنما يعتبر ذلك اقتداء بالإمام مالك في قاعدته (عمل أهل المدينة) التي اعتمدها على صعيد الاجتهاد المطلق.

4 – إن تطبيق نظريةالأخذ بما جرى به عمل الفقهاء المتأخرين، بدأ بالتدريج خلال قرون متعددة، وكانت البداية في قرطبة أهم مدن الأندلس، فقد اشترط أهل قرطبة على القضاة من أجل الخروج من الخلاف، أن يحكم القاضي بقول ابن القاسم وما عليه أهل الإقليم، وقد اقتدى بذلك أهل المغرب، فكانت ظهائر تولية القضاة تنص على أنه يجب الحكم بالمشهور أو المعمولبه.

وخلاصة القسم الثاني المتعلق بضوابط عمل الفقهاء المتأخرين ترتكز على ما يلي:

1 – أن يثبت جريان العمل، بأن يذكر الفقهاء في كتبهم أو في وثائقهم القول الذي جرى به العمل، مع الإشارة إلى القاضي أو المفتي الذي أجرى ذلك العمل، أوالإشارة إلى من أقر ذلك العمل وأيده.

2 – إن إجراء العمل يدخل في تكييف الوقائع ومحاولة وصفها بأوصاف تقبل الاندراج تحت الأصول الشرعية، ونظرا إلى أن الشريعة جاءت لمصالح العباد، ونظرا إلى أن هذه المصالح تختلف باختلاف البلدان والأزمان، كان لابد لإجراء العمل من مراعاة خصوصيات كل بلد وكل زمان، وكان لابد مناختلاف أحكام العمل باختلاف البلدان والأزمان.

3 – ومن أجل تحقيق المصلحة ربطت أحكام العمل بأسس وموجبات اجتماعية وكان القول الذي يستند إلى إحدى تلك الأسس والموجبات الاجتماعية قولا جديرا بأن يعمل به، ويرجح على غيره من الأقوال، وقداستفاد الفقهاء المتأخرون بعض تلك الأسس والموجبات من أسس عمل أهل المدينة، كاعتبارما اعتمده القضاء والإفتاء، والعرف، وعموم البلوى، واعتبار الاتصال والاستمرار في التطبيق، كما أضافوا إلى ذلك موجبات أخرى أخذوها من الأصول العامة للمذهب المالكي ، كاعتبار المصلحة المرسلة، وسد الذريعة وفتحها، ورعاية الضرورة والحاجة.

4 – إن باب إجراء العمل والترجيح بين الأقوال، ليس بابا مفتوحا لكل أحد، بل لابد لمنيرجح بجريان العمل من الحصول على مؤهلات فقهية، وتوصلنا إلى أن المرتبة المحتاجإليها في بناء أحكام العمل على ما سوى العرف هي مرتبة مجتهد المذهب (أي مجتهد التخريج) وعند انعدامه فيمكن أن يسد فراغه مجتهد الفتيا (أي مجتهد الترجيح).

أما أحكام العمل التي تبنى على العرف، فإنه تكتفي في إجرائها بمرتبة الفقيه المقلد الصرف لأن العرف أمر ظاهر، يشترك في إدراكه الخاص والعام.


وأختم كلامي بحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك الله فيك
حياك الله أبا عبد الله

وبارك الله فيك أنت أيضا...
---------------------------------
كتاب : طرد الضوال و الهمل على الكروع في مسائل العمل
تأليف : عبد الله بن الحاج إبراهيم بن الإمام العلوي .
ألفه في نهاية جمادي الثانية 1192هـ .
- مخطوط بالخزانة العثمانية ، بالسُّوس ، بخط واضح ، في 13 صفحة ، غير مجلد ، ناسخه : الخليل بن الحسين بن عبد الحي
. الفن : الفقه الإسلامي .

المصدر: فهرس ما لم يفهرس من المخطوطات المغربية في الخزانات الخاصة.
http://www.mktaba.org/vb/showthread.php?p=17205
 
إنضم
10 يونيو 2009
المشاركات
395
التخصص
فقه واصوله
المدينة
قرطبة الغراء
المذهب الفقهي
المالكي -اهل المدينة-
رد: اصطلاح (الماجريات ) عند أصحاب المذهب المالكي

لقد قَّدس علماء المالكية خاصة المتأخرين منهم ما جرى به العمل لحد أنه أصبح عندهم بمنزلة وثن يحرقون حوله البخور ويعكفون عليه يستمدون منه رضاه، وتلك هي الغفلة المزرية التي أوقعتهم في المخالفات الصارخة وأوردتهم مهالك الضلال، وأوشكت بسبب ذلك أن تسرف بهم على مهاوي الكفر لأن نظير هذه الغفلة –ونسميها غفلة من باب حسن الظن فقط – راحت تفضي بهم حتما إلى الاستدراك على الشرع باجتهاد جديد في معرض النص القطعي، وكأن الشرع الحكيم غير قادر على احتواء هموم الإنسان في كل مكان، وعلى مدى عمر الكون، فما بالك في مكان معين من الأرض كالمغرب!!.

هذا الكلام باطل من اصله فالدكتور قال كلمة عظيمة نحاسبه عليها وذلك ان علماء المذهب لا المغاربة فقط لا يرتضون ترك المشهور المعتمد المروي عن الامام واهل المدينة الى مايجري به العمل الا صغار الفقهاء المغاربة وبخاصة في المغرب الاقصى ، وكان عليه ان يقيد كلامه بهؤلاء الفقهاء المغربيين خاصة
ونحن لانوافقه على اطلاقه العنان لقلمه في الذم ويبقى رايا له خاضا به ننوه بخطئه
وللذي لا يفهم العمل القرطبي مثلا او العمل القيرواني -مع قولنا ان العلماء منا لايطلقون القول به -فهو بمثابة احماع فقهاء وكبار شيوخ البلد على العمل بخلاف المشهور في تلك النازلة ويستمر العمل بالفتوى ما استمرت بواعث ودوافع هذه النازلة ، والا فالمعروف عن كبار الفقهاء والعلماء المالكيين عدم الخروج عن المعتمد والمشهور الا لنازلة عمت وأرقت

واللله المستعان
 

راية المجد

:: متابع ::
إنضم
21 مارس 2012
المشاركات
76
التخصص
الفقه و أصوله
المدينة
دبي
المذهب الفقهي
أهل السنة و الجماعة
رد: اصطلاح (الماجريات ) عند أصحاب المذهب المالكي

فتح الله عليكم وبارك فيكم
 
أعلى