العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في فقه الجنايات والحدود 2

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
هذه المجموعة الثانية من سلسة الدروس الخاصة بفقه الجريمة والعقوبة في الإسلام بعنوان
"فقه الجنايات والحدود"
والتي استخلصتها من كتاب
(التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي)
لعبد القادر عودة
ومن مذكرات الدكتور يوسف الشبيلي
(فقه الحدود)
المنشورة على موقع فضيلته على الانترنت

وقد قمت بتخصيص المجموعة الأولى للحديث عن (فقه الجنايات)
وهذه الدروس سوف تخصص للجزء الثاني وهو (فقه الحدود) .

وكما سبق وذكرت في الجزء السابق فلن أخوض في دقائق المسائل ولا في الخلافات الفقهية، وإنما سأكتفي بأصول المسائل المتفق عليها بين أهل العلم قدر الإمكان.

أسال الله العلي العظيم أن تكون هذه الدروس واضحة وميسرة لمن يقرأها أو يطلع عليها.
وأن ينفع بها طلاب العلم والدارسين من أبناء المسلمين.

رابط الجزء الأول:
دروس في فقه الجنايات والحدود (1)
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود2

رد: دروس في فقه الجنايات والحدود2

بارك الله فيك
ونفع بهذه السلسلة كأختها من قبل.
وجزاك الله خيراً.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

وفيكم بارك الرحمن مشرفنا الفاضل
أسأل الله التيسير
والقبول
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

الفصل الأول: مدخل في التعريف بالحدود ، وحكمها ، ومراتبها :
أولاً : تعريف الحدود :
تعريفها في اللغة :
الحدود : جمع حد وهو لغة المنع ، ومنه سمي الحاجز بين الشيئين حدًا لأنه يمنع من اختلاط أحدهما بالآخر ، وحدود الله محارمه ، لقوله تعالى "تلك حدود الله فلا تقربوها " وهي ما حده وقدره فلا يجوز أن يتعدى ، والحدود العقوبات المقدرة سميت بذلك من المنع لأنها تمنع من الوقوع في مثل ذلك الذنب.
تعريفها في الشرع :
من أحسن ما قيل في تعريف الحد في الاصطلاح الفقهي أنه :
(عقوبة مقدرة شرعا في معصية لتمنع من الوقوع في مثلها ، يُغلَّب فيها حق الله ويقيمها الإمام أو نائبه ).
شرح التعريف :
عقوبة : جنس في التعريف ، يشمل العقوبة المقدرة وغير المقدرة ، فمن العقوبات المقدرة : حد الزنا وشرب الخمر ، والقصاص ، والديات ، والكفارات مثل كفارة اليمين والظهار وغيرها ، أما العقوبات غير المقدرة : فهي العقوبات التعزيرية .
وخرج بقولنا : عقوبة : الجزاءات الشرعية المقدرة التي لاتعد عقوبة مثل كفارة اليمين .
مقدرة : قيد في التعريف يخرج العقوبات غير المقدرة وهي التعزير ، فإنها لا تسمى حدودًا بالمعنى الاصطلاحي ، وإن كانت تسمى حدودًا بالمعنى الشرعي العام .

شرعًا : المقصود أن أصل تقديرها من قبل الشارع إما بكتاب أو سنة أو إجماع ، فخرج بذلك العقوبات التي يقدرها الإمام من باب السياسة الشرعية ، وهذا القيد يبين أن العقوبة في الإسلام – ولو كانت تعزيرية – لابد أن يكون لها أصل في الشرع ، وأن تحقق مقصود الشارع من حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال.
في معصية : قيد خرج به الجزاءات المقدرة شرعًا في غير معصية ، مثل كفارة اليمين ، والفدية في الحج ، وكفارة القتل الخطأ ، ونحوها .
لتمنع من الوقوع في مثلها : قيد لبيان الحكمة من مشروعية الحدود في الشريعة ، فإنها لردع اﻟﻤﺠرم وغيره من العود في الجريمه .
يغلب فيها حق الله : أي يجتمع في هذه العقوبات حق الله وحق الآدمي لكن الأغلب هو حق الله ، فلا تسقط بالعفو ، وخرج ﺑﻬذا القيد العقوبات المقدرة على الجنايات كالقصاص والديات ، إذ المغلب فيها هو حق الآدمي .
وقد يشكل على هذا القيد حد القذف عند الجمهور حيث يرون أنه اجتمع فيه الحقان حق الله وحق الآدمي ، وحق الآدمي أغلب ، ولذا فإن من شروطه عندهم مطالبة المقذوف ، فلو لم يطالب المقذوف فلا حد على القاذف ، فيكون التعريف بناءً على رأي الجمهور غير جامع .
وهذا الإشكال غير وارد عند الأحناف الذين يرون أن حق الله أغلب في القذف .
وسيأتي بحث هذه المسألة في باب القذف إن شاء الله .
ويقيمها الإمام أو نائبه : قيد خرج به العقوبات المقدرة شرعًا على معاصٍ ولايشترط لتنفيذها إذن الإمام : كفارة الظهار ، وكفارة الجماع في نهار رمضان .

============================
ثانياً: أنواع الحدود :
الحدود سبعة أنواع ، وهي تشمل المقاصد الضرورية الخمسة ، وهذه الحدود هي :
1. حد الزنا : لحفظ النسل
2. حد القذف : لحفظ العرض
3. حد الخمر : لحفظ العقل
4. حد السرقة : لحفظ المال
5. حد الحرابة : لحفظ النفس والمال والعرض
6. حد البغي : لحفظ الدين والنفس
7. حد الردة : لحفظ الدين

=========================
ثالثاً: الفروق بين الحدود وعقوبات الجنايات (القصاص / الدية ):
1- الأغلب في الحدود هو حق الله ، بينما الأغلب في القصاص والديات هو حق الآدمي.
2- لا تصح الشفاعة في الحدود بعد بلوغها الإمام ، بينما القصاص والدية تجوز فيهما الشفاعة مطلقًا .
3- الحدود لا تقبل العفو لأنها حق لله ، بينما يشرع العفو عن القصاص والدية.
4- لا تصح المصالحة عن الحدود ، بينما تصح المصالحة عن القصاص والدية.
5- الحدود لا تورث لأنها حق لله ، وحق القصاص والدية يورث لأنه حق آدمي .
6- في الحدود إذا تاب الفاعل قبل القدرة عليه فله أن يستر على نفسه ولا ينفذ عليه الحد ، ويجب عليه فقط أن يؤدي ما معه من حقوق الآدميين ،
أما في الجنايات فلا تبرأ ذمته حتى يسلم نفسه للحاكم حتى يقتص منه .
7- يشرع للحاكم في الحدود أن يعرض على المذنب الرجوع عن إقراره إذا سلم نفسه للحاكم اختياراً وظهرت منه بوادر التوبه ، ولا يشرع مثل ذلك في القصاص.
 
التعديل الأخير:

عزة

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
18 يوليو 2009
المشاركات
540
التخصص
فقه
المدينة
...........
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

جزاكم الله خيرا على هذه الدروس الممتعة والنافعة.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

جزاكم الله خيرا على هذه الدروس الممتعة والنافعة.

وجزاك أخيتي ،، ونفعك بما علمك
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

رابعاً : الحِكَم من مشروعية الحدود :

شرعت الحدود لمصالح عظيمة ، وأهداف سامية ، ولعل من أهم هذه الحكم ما يلي:
أولاً: التنكيل باﻟﻤﺠرم وردعه : فإذا شعر بألم العقوبة وما يترتب عليها من إهانة وفضيحة ، فإن ذلك يردعه عن العودة إلى مقارفة المعصية مرة أخرى ، ويحمله على المحافظة والاستقامة على طاعة الله ، والالتزام بشرعه ، وقد نص الله تعالى على هذه الحكمة في حد السرقة فقال سبحانه : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم ".

ثانياً: ردع الناس وزجرهم عن الوقوع في المعاصي : فإن الناس إذا رأوا ما حل باﻟﻤﺠرم من النكال والإهانة والعذاب اعتبروا بحاله وأيقنوا أن هذا هو جزاؤهم إن هم فعلوا مثل ما فعل ، فيكون ذلك رادعًا لكل من تحثه نفسه في الوقوع بالمعصية ، ولهذا أمر الله تعالى بإعلان الحد وإقامته أمام الناس حتى يتحقق الردع ، فقال سبحانه في عقوبة الزنى : "وليشهد عذاﺑﻬما طائفة من المؤمنين ".

ثالثًا : تكفير ذنب اﻟﻤﺠرم وتطهيره من دنس جريمته : فالحدود كما أنها تزجر المذنب ، فإنها تكفر خطيئته ، فتزكو نفسه ، ويلقى الله تعالى نقيًا من ذنبه ، قد طهر من خطيئته ، والله تعالى أكرم من أن يثني عليه العقوبة في الآخرة . يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت أنه عليه السلام قال لأصحابه { تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب منكم شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارته ، ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عز وجل عليه فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له } قال فبايعناه على ذلك. وعن عمران بن حصين: { أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا ، فقالت : يا رسول الله أصبت حدا فأقمه علي ، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها ، فقال : أحسن إليها ، فإذا وضعت فأتني ففعل فأمر ﺑﻬا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثياﺑﻬا ثم أمر ﺑﻬا فرجمت ثم صلى عليها ، فقال له عمر : نصلي عليها يا رسول الله وقد زنت ؟ قال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله ؟ } رواه مسلم

رابعاً : تحقيق الأمن في اﻟﻤﺠتمع وحمايته : إذ لو لم تشرع العقوبات لفسد نظام العالم ولاعتدى الناس بعضهم على بعض ، ولأكل القوي منهم الضعيف ، فشرع الله تلك العقوبات رحمة بالعباد ليحفظ للناس حقوقهم وليقيم العدل بينهم ، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .

خامساً : دفع الشرور والآثام والأسقام عن الأمة : فإن المعاصي إذا فشت في الأمة انتشر فيها البلاء والفساد ، وارتفعت عنها النعم والرخاء ، فما وقع بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة ، وخير سبيل لحماية الأمة من الفساد هو إقامة الحدود. ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: " لحد يقام في الأرض أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحا ".
قال ابن كثير رحمه الله : " والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت انكف الناس أو أكثرهم أو كثير منهم عن تعاطي المحرمات وإذا تركت المعاصي كان سببا في حصول البركات من السماء والأرض "
وفي مستدرك الحاكم وسنن البيهقي والمعجم الكبير للطبراني : عن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خمس بخمس قالوا يا رسول الله وما خمس بخمس قال : ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ( وفي رواية إلا ظهرت فيهم الأوجاع والأمراض التي لم تكن مضت في أسلافهم )، ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر ولولا البهائم لم يمطروا " حديث صحيح.
========================
خامساً: شروط إقامة الحدود :

لا يجب الحد إلا بثلاثة شروط :
الشرط الأول : العقل :
لما روت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن اﻟﻤﺠنون حتى يعقل" رواه أحمد ، ومثله من رواية علي له ، ولأبي داود والترمذي وقال حديث حسن.

الشرط الثاني : الالتزام:
أي أن يكون الفاعل ملتزماً أحكام المسلمين مسلماً كان أو ذمياً بخلاف الحربي والمستأمن.

الشرط الثالث : العلم بالتحريم :
لقول عمر وعثمان وعلي : " لا حد إلا على من علمه "
والمقصود بالعلم هنا هو العلم بالتحريم ، ولا يلزم العلم بالعقوبة ، فمن علم تحريم شيء وجهل ما يترتب عليه لم يدرأ عنه العقوبة جهله ﺑﻬا ، كمن علم تحريم الزنى والخمر وجهل وجوب الحد يحد بالاتفاق، وكذا لو علم تحريم القتل وجهل وجوب القصاص يجب القصاص ، أو علم تحريم الكلام في الصلاة ، وجهل كونه مبطلا
يبطل ، أو علم تحريم الطيب على المحرم وجهل وجوب الفدية تجب.
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

سادساً: ضوابط في تنفيذ الحد:
أولاً: من الذي يقيمه :
الذي يقيمه هو الإمام أو نائبه مطلقا سواء كان الحد لله كحد الزنا أو لآدمي كحد القذف لأنه يفتقر إلى اجتهاد ولا يؤمن من استيفائه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب الله تعالى في خلقه.

ثانياً: حكم إقامته في المسجد :
يحرم أن يقيمه في مسجد لحديث حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى أن يقاد في المسجد وأن تنشد فيه الأشعار وأن تقام فيه الحدود " ولأنه لايؤمن من تلويث المسجد ومن حدوث اللغط فيه .

ثالثاً : حكم الشفاعة فيه :
تحرم الشفاعة وقبولها في حد الله تعالى بعد أن يبلغ الإمام .
والأدلة على ذلك ما يلي :
1- عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد الله في أمره " رواه أحمد وأبو داود
2- وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مخاطبا لأسامة لما أراد أن يشفع في المرأة المخزومية : " أتشفع في حد من حدود الله " ثم قام فخطب فقال: " أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". متفق عليه واللفظ لمسلم.
3- وعن عروة بن الزبير قال لقي الزبير سارقا فشفع فيه فقيل له حتى يبلغ الامام فقال: إذا بلغ الامام فلعن الله الشافع والمشفع رواه مالك في الموطأ.
ولكن ينبغي أن يقيد المنع من الشفاعة بما إذا كان بعد الرفع إلى الإمام ، أما قبل بلوغ الحد للإمام فله أن يشفع إذا رأى في ذلك مصلحة للجاني بدرء الحد عنه لكونه من ذوي المروءات الذين يحسن الستر عليهم.
والأدلة على ذلك :
1- حديث صفوان بن أمية عند أحمد والأربعة وصححه الحاكم وابن الجارود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له لما أراد أن يقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه : " هلا كان قبل أن تأتيني به".
2- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا : "تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب". أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه.
====================

سابعاً: حكم تأخير الحد لسبب :
في مذهب الإمام أحمد : لا يؤخر حد لحر أو برد ونحوه ولا لمرض ولو رجي زواله لأن عمر أقام الحد على قدامة بن مظعون في مرضه ولم يؤخره ، ولأن الحد واجب على الفور ولا يؤخر ما أوجبه الله بغير حجة.
وقال القاضي وغيره من فقهاء الحنابلة : له تأخيره لحديث علي في التي هي حديثة عهد بنفاس، ولأن في تأخيره إقامة الحد على الكمال بلا إتلاف فكان أولى ، ومرض قدامة يحتمل أنه كان خفيفا لا يمنع من إقامة الحد على الكمال
، ثم إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على فعل عمر، مع أنه اختيار علي وفعله وكذا الحكم في تأخيره لحر أو برد مفرط .
======================

ثامناً: حكم من مات في الحد :
من مات في حد فهدر ولاشيء على من حده، لأنه أتى به على الوجه المشروع بأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، والقاعدة عند أهل العلم :
(أن ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون ومن زاد ولو جلدة أو في السوط بسوط لا يحتمله فتلف المحدود ضمنه بديته).

======================




تاسعاً: من يجب حضوره :
قال أهل العلم : يجب في إقامة حد الزنا حضور إمام أو نائبه ، وسن حضور من شهد وبداءﺗﻬم برجم ويجب إعلان الحد وأن يحضره طائفة من المؤمنين ، والحكمة في ذلك :
1- النكاية باﻟﻤﺠرم والتنكيل به ، فإن فضيحته امام الملأ قد يكون أبلغ في نفسه من العقوبة البدنية .
2- حصول الردع والزجر لمن تسول له نفسه مثل فعله.
========================

عاشراً: اجتماع الحدود :

اجتماع الحدود له حالات :
الحال الأولى : إن اجتمعت حدود لله تعالى من جنس واحد بأن زنى أو سرق أو شرب الخمر مرارا تداخلت فلا يحد سوى مرة حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم لأن الغرض الزجر عن إتيان مثل ذلك في المستقبل وهو حاصل بحد واحد ، وكالكفارات من جنس واحد .

الحال الثانية : وإن كانت من أجناس متعددة وليس فيها قتل فلا تتداخل بل تستوفى جميعاً بغير خلاف بين أهل العلم ، كبكر زنى وسرق وشرب الخمر ، ويبدأ بالأخف فالأخف فيحد أولا لشرب ثم لزنى ثم لقطع .

الحال الثالثة : وإن تعددت وكان فيها قتل بأن كان الزاني في المثال السابق محصنا استوفى القتل وحده وسقط سائرها لقول ابن مسعود رضي الله عنه : إذا اجتمع حدان أحدهما القتل أحاط بذلك رواه سعيد ولا يعرف له مخالف من الصحابة ، ولأن الغرض الزجر ومع القتل لا حاجة له .

الحال الرابعة : وإن كان فيها حقوق الآدميين مثل حد القذف ، والقطع قصاصًا ، فتستوفى كلها سواء كان فيها قتل أو لم يكن لأنها حقوق آدميين أمكن استيفاؤها فوجب كسائر حقوقهم، ولا يقال يكتفى بالقتل في حقوق الله تعالى لأنها مبنية على السهولة بخلاف حق الآدمي فإنه مبني على الشح والضيق ، ويبدأ بغير القتل لأن البداءة به يفوت استيفاء باقي الحقوق ، فلو قذف شخصاً وزنى وهو محصن فيجلد أولاً ثم يرجم ، ومثله لو كسر سن شخص وزنى فيقتص منه أولاً ثم يرجم ، وإن اجتمعت مع حدود الله تعالى مثل أن يفقأ عينه ويسرق ماله بدئ ﺑﻬا، أي إذا اجتمعت حقوق الله وحقوق الآدميين يبدأ بحقوق الآدميين.
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

رد: دروس في فقه الجنايات والحدود (2)

مسألة: كيفية الجلد :
قال أهل العلم :
يضرب الرجل في الحد قائماً لأنه وسيلة إلى إعطاء كل عضو حظه من الضرب وتجلد المرأة جالسة لقول علي رضي الله عنه تجلد المرأة جالسة والرجل قائما ، وتشد عليها ثياﺑﻬا ، وتمسك يداها لئلا تنكشف لأن المرأة عورة وفعل ذلك ﺑﻬا أستر لها
ويكون الجلد بسوط وسط لا جديد ولا خَلق بفتح الخاء واللام لأن الجديد يجرحه والخلق لا يؤلمه ، وإن رأى الإمام أو نائبه الضرب في حد الخمر بالجريد والنعال فله ذلك لأنه عليه السلام أتي بشارب فقال اضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب.
فإن كان جلدا وخشي عليه من السوط لكبره أو لمرضه مرضًا لا يرجى زواله لم يتعين على الأصح فيقيمه بأطراف الثياب والعثكول لما روى أبو أمامة بن سهل عن سعد بن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يأخذوا شمراخا فيضربوه ﺑﻬا رواه أحمد وابن ماجة وأبو داود والنسائي بإسناد حسن ، ولأنه لا يجوز تركه بالكلية لأنه يخالف الكتاب والسنة ولا جلده تاما لأنه يفضي إلى إتلافه فتعين ، أما إن كان مرضه يرجى زواله فيؤخر الحد كما سيأتي .
ولا يمد ولا يربط ولا يجرد اﻟﻤﺠلود من ثيابه عند جلده لقول ابن مسعود ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد بل يكون عليه قميص أو قميصان وإن كان عليه فرو أو جبة محشوة نزعت
ولا يبالغ بضربه الجلد لأن المقصود تأديبهلا إهلاكه
ولا يرفع ضارب يده بحيث يبدو إبطه
و يسن أن يفرق الضرب على بدنه ليأخذ كل عضو منه حظه ، ولأن توالي الضرب على عضو واحد يؤدي إلى القتل. ويكثر منه في مواضع اللحم كالأليتين والفخذين ويضرب من جالس ظهره وما قاربه
ويتقي وجوبا الرأس والوجه والفرج والمقاتل كالفؤاد والخصيتين لأنه ربما أدى ضربه على شيء من هذه إلى قتله أو ذهاب منفعته
وتعتبر لإقامة الحد نية لا موالاة
===================

مسألة: أشد الجلد :
أشد الجلد في الحدود :
1- جلد الزنا لأن الله تعالى خص الزنا بمزيد تأكيد بقوله ولا تأخذكم ﺑﻬما رأفة في دين الله وما دونه أخف منه في العدد فلا يجوز أن يزيد عليه في الصفة
2- ثم جلد القذف ، لأنه أكثر الحدود عددًا في الجلدات بعد الزنا ، وما زاد في عدده زاد في صفته .
3- ثم جلد الشرب ، لأن ما خف في عدده كان أخف في صفته وحد القذف حق آدمي .
4- ثم جلد التعزير ، لأن حد الشرب محض حق الله والتعزير لا يبلغ به الحد .
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

الفصل الثاني: حد الزنا

أولاً: تعريف الزنا :
الزنا في اللغة : مصدر من الفعل الثلاثي زنا يزني .
والزنا فيه ثلاث لغات :
1- اسم مقصور : الزنى
2- اسم ممدود : الزنا
3- اسم ممدود مهموز : الزناء ، وهذه لغة أهل تميم خاصة .
ومعنى الزنا في اللغة : الوطء في غير نكاح ولا ملك يمين، كما يطلق في اللغة على مقدمات الوطء ، كالتقبيل واللمس والنظر ، ونحو ذلك ، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال : " كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة ، فالعين تزني وزناها النظر ، والأذن تزني وزناها الاستماع ، واللسان يزني وزناه الكلام ، واليد تزني وزناها البطش ، والرجل تزني وزناها الخطى ، والقلب يهوى ويتمنى ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " .
وسمى ذلك زنا لأن هذه وسائل وذرائع إليه .
والزنا في الاصطلاح الشرعي هو : الوطء في القبل من غير نكاح صحيح ولاملك ولا شبهة .
شرح التعريف :
الوطء : جنس في التعريف ، خرج به ما دون الوطء من التقبيل والمباشرة ونحوه ، فهذا لا يوجب الحد وإنما فيه التعزير .
في القبل : قيد خرج به اللواط فإن عقوبته غير عقوبة الزنا ، فحده القتل مطلقًا كما سيأتي .
من غير نكاح صحيح : خرج به الوطء في النكاح فإنه مشروع ولاحرج فيه ، أما الوطء في النكاح الباطل فهو زنا ، كما لوعقد على امرأة وهي في العدة أو عقد على خامسة ، فالعقد باطل ، ولو وطئها فهما زانيان يقام عليهما الحد إذا لم يكونا جاهلين جهلاً يعذران فيه مثل أن يكونا حديثي عهد في الإسلام ونحو ذلك.
فائدة :
النكاح على ثلاثة أنواع :
1- نكاح صحيح: وهو ما توفرت شروطه .
2- ونكاح فاسد: وهو ما اختل فيه شرط من الشروط المختلف فيها بين أهل العلم المعتبرين ، أو هو ما اختلف أهل العلم في فساده ، مثل النكاح بلا ولي ، أو بلا شهود ، والنكاح بنية الطلاق ، ونحو ذلك ، فالوطء في مثل هذا العقد لايوجب الحد لوجود الشبهة ، ولكن للقاضي – إذا كان يرى فساد هذا العقد –
أن يعزرهما بما يراه مناسبًا .
3- ونكاح باطل: وهو ما اختل فيه شرط من الشروط اﻟﻤﺠمع عليها ، أو هو ما اتفق أهل العلم على بطلانه، مثل نكاح المسلمة للكافر ، ونكاح المعتدة ، ونكاح المتعة ، ونكاح الخامسة ، ونكاح المحرمات كالعمة وزوجة الابن وأخته من الرضاعة ، والجمع بين الأختين ونحو ذلك ، فالوطء في مثل هذا العقد يوجب الحد لعدم الشبهة.
ولاملك : أي ملك اليمين لأن الله أباحه بنص القرآن ، قال تعالى : " والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين "
ولاشبهة : خرج ﺑﻬذا القيد أمران :
الأول : الوطء بشبهة مثل أن يطأ أجنبية يظنها زوجته ، فهذا لايحد ، ولو قدر بينهما ولد فإنه ينسب لأبيه كولد النكاح .
الثاني : النكاح الفاسد : وقد سبق بيانه .
--------------------
ثانياً: حد الزنا :
يختلف حد الزنا بحسب حال الجاني من حيث البكارة والثيوبة :
1- حد الزاني المحصن ( الثيب ) :
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما هو حد الزاني المحصن :
حد الزاني المحصن هو الرجم بالحجارة حتى يموت بإجماع أهل السنة .
وقد دل على ذلك السنة المتواترة القطعية من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله ، وإجماع الأمة .
أولاً :الأدلة من السنة :
1- عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ". رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي.
وقوله : البكر بالبكر : ليس بشرط بل إنه خرج مخرج الغالب فلو زنى البكر بالثيب فهذا هو حده بإجماع أهل العلم .
وقوله :والثيب بالثيب : مثله كذلك ، فلو زنى الثيب بالبكر فيرجم الثيب ويجلد البكر ، وهذا الوصف خرج مخرج الغالب إذ الغالب أن البكر يزني بالبكر ، والثيب يزني بالثيب .
يدل على ذلك حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الآتي :
2- وعن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما قالا: إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال يا رسول الله: أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله وقال الخصم الآخر( وهو أفقه منه): نعم فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قل، قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى
بامرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس لرجل من أسلم إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها قال فغدا عليها فاعترفت فأمر ﺑﻬا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجمت". رواه الجماعة
3- وعن الشعبي أن عليا رضي الله عنه: "حين رجم المرأة ضرﺑﻬا يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال جلدﺗﻬا بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". رواهما أحمد والبخاري
4- وعن ابن عمر أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال: ما تجدون في كتابكم فقالوا تسخم وجوههما ويخزيان قال كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فجاؤوا بالتوراة وجاؤوا بقارىء لهم فقرأ حتى إذا انتهى إلى موضع منها وضع يده عليه فقيل له ارفع يدك فرفع يده فإذا هي تلوح فقال أو قالوا يا محمد إن فيها الرجم ولكنا كنا نتكاتمه بيننا فأمر ﺑﻬما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجما قال فلقد رأيته يجنأ عليها يقيها الحجارة بنفسه. وفي رواية أحمد بقارىء لهم أعور يقال له ابن صوريا.
ويستفاد من هذا الحديث أن الإسلام ليس شرطًا في إقامة حد الزنا ، فيقام حتى على أهل الكتاب .
5- حديث ماعز الأسلمي وقد رواه جمع من الصحابة :
فعن أبي هريرة قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ردد عليه أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبك جنون قال لا قال فهل أحصنت قال نعم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اذهبوا به فارجموه قال ابن شهاب فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله قال كنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه متفق عليه.
وعن ابن عباس قال: "لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا يا رسول الله قال أفنكتها لا يكني قال نعم فعند ذلك أمر برجمه". رواه أحمد والبخاري وأبو داود.
6- حديث الغامدية ( الجهنية ) :
فعن سليمان بن بريدة عن أبيه:" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت يا رسول الله طهرني فقال ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه فقالت أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك قال وما ذاك قالت إنها حبلى من الزنا قال أنت قالت نعم فقال لها حتى تضعي ما في بطنك قال فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت قال فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال قد وضعت الغامدية فقال إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال إلي رضاعه يا نبي الله قال فرجمها". رواه مسلم والدارقطني وقال هذا حديث صحيح

ثانياً : الإجماع :
فقد أجمعت الأمة على أن حد الزاني المحصن هو الرجم حتى الموت ، لم يخالف في ذلك سوى الخوارج ، وبعض المعتزلة ، ولاعبرة بخلافهم ، فإنه لايمنع الإجماع .
-------------------
المسألة الثانية : هل يجلد الزاني قبل رجمه :
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
القول الأول :
أن حد المحصن هو الجلد مائة جلدة والرجم . وهذا هو قول الظاهرية ورواية عند الحنابلة .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قوله تعالى : " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة "
نوقش هذا الاستدلال :
بأن الآية محمولة على الزاني البكر للأدلة الآتية في القول الثاني .
2- حديث عبادة بن الصامت المتقدم .
3- عن علي رضي الله عنه: أنه جلد شراحه يوم الخميس ثم رجمها يوم الجمعة ثم قال جلدﺗﻬا بكتاب الله تعالى ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري
القول الثاني :
أن حده هو الرجم فقط . وهذا هو قول جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ماعز والغامدية ، واليهوديين ، فلم ينقل أنه عليه الصلاة والسلام جلدهم قبل الرجم ، مع أن الصحابة رضوان الله عليهم نقلوا تفاصيل تلك القصص ، فدل ذلك على أنه لم يجلدهم .
2- قوله عليه الصلاة والسلام في حديث العسيف المتقدم : " واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " فاعترفت فرجمها ، فلم يأمره بجلدها .
قال أصحاب هذا القول : إن هذه النصوص دلت على أن جلد المحصن منسوخ ، إذ كان ذلك في أول الأمر ثم نسخ واستقر الأمر على أن حد المحصن هو الرجم فقط .
3- ولأنه لافائدة من جلده لأن روحه سوف تزهق والغرض الزجر ومع القتل لا حاجة له .
وهذا القول هو الصحيح .
-------------------
المسألة الثالثة : في كيفية الرجم :
يفرق في كيفية الرجم بين رجم الرجل ورجم المرأة :
فإذا كان الزاني رجلا : أقيم قائما ولم يوثق بشيء ويكون في وسط الناس ثم يرمونه من كل جانب .
وإن كان امرأة : فإنها تشد عليها ثياﺑﻬا كيلا تنكشف ، وقد روى أبو داود بإسناده عن عمران بن حصين قال فأمر ﺑﻬا النبي صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثياﺑﻬا ولأن ذلك أستر لها .
----------------
المسألة الرابعة : الحفر للمرجوم :
اختلفت الروايات هل حفر النبي صلى الله عليه وسلم للمرجوم أم لا :
• ففي حديث أبي سعيد قال لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نرجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكن قام لنا فرميناه بالعظام والخزف فاشتكى فخرج يشتد حتى انتصب لنا في عرض الحرة فرميناه بجلاميد الجندل حتى سكت .
• وفي حديث الغامدية: "... ثم أمر ﺑﻬا فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضخ الدم على وجه خالد فسبها فسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبه إياها فقال مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تاﺑﻬا صاحب مكس لغفر له ثم أمر ﺑﻬا فصلي عليها ودفنت". رواهما أحمد ومسلم وأبو داود
• وفي حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي: "أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله إني زنيت - الحديث وفيه - فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم". رواه مسلم وأحمد
فحديث أبي سعيد المذكور فيه أنهم لم يحفروا لماعز وحديث عبدالله بن بريدة فيه أنهم حفروا له إلى صدره.
وقد جمع بين الروايتين :
1- بأنهم لم يحفروا له أول الأمر ثم لما فر فأدركوه حفروا له حفيرة فانتصب لهم فيها حتى فرغوا منه .
2- أو أنهم حفروا له في أول الأمر ثم لما وجد مس الحجارة خرج من الحفرة فتبعوه فرموه وهو قائم .
-------------------
المسألة الخامسة : من هو المحصن ؟
قال أهل العلم :
المحصن : من وطئ امرأته المسلمة أو الذمية في نكاح صحيح ، وهما بالغان عاقلان حران ، فإن اختل شرط منها في أحد الزوجين فلا إحصان لواحد منهما .
فتلخص أن شروط الإحصان ستة:
1- الوطء في القبل : فلو عقد على امرأة ولم يطأها فليس بمحصن .
2- أن يكون الوطء في نكاح : فلو وطئ امرأة في سفاح (زنا) فليس بمحصن ، ومثله لو وطئ امرأة بملك اليمين .
3- أن يكون النكاح صحيحاً : فلو وطئ امرأة في نكاح فاسد أو باطل فليس بمحصن .
4- أن يكون الزوجان بالغين : فلو كانت زوجته صغيرة وهو بالغ ، فليس بمحصن ، فلو زنى بامرأة فإنه لا يرجم .
5- أن يكونا عاقلين : فلو كان أحدهما عاقلاً والآخر مجنونًا فلا إحصان لأي منهما .
6- أن يكونا حرين : فلو كانا رقيقين أو أحدهما حر والآخر عبد فلا إحصان لواحد منهما .
----------------
2- حد الزاني غير المحصن ( البكر ) :
إذا زنى الحر البكر جلد مائة وغرب عامًا ، ولا خلاف في وجوب الجلد على الزاني إذا لم يكن محصنا ، وقد جاء بيان ذلك في كتاب الله بقوله سبحانه " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " وجاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم موافقة لما جاء به الكتاب ، كما في حديث عبادة المتقدم ، وقصة العسيف .
واختلف أهل العلم هل يجب مع الجلد تغريبه عاما ، ولهم في ذلك ثلاثة أقوال:
القول الأول : أنه يجب الجلد والتغريب على الرجل والمرأة .
وهذا قول الشافعية والحنابلة .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة المتقدم : " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام "
2- وفي حديث العسيف المتقدم : قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل على ابنك جلد مائة وتغريب عام وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها متفق عليه ، وفي الحديث أنه قال سألت رجالا من أهل العلم فقالوا إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام وهذا يدل على أن هذا كان مشهورا عندهم من حكم الله تعالى وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قيل إن الذي قال له هذا هو أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
القول الثاني :
يغرب الرجل دون المرأة، وهذا قول مالك .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
-1 لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة
-2 ولأنها لا تخلو من التغريب إما بمحرم أو بغير محرم ، ولا يجوز التغريب بغير محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم " ولأن تغريبها بغير محرم إغراء لها وتضييع لها ، وهذا يؤدي إلى فوات حكمة الحد لأن الحد وجب زجرا عن الزنا وفي تغريبها إغراء به وتمكين منه .
وإن غربت بمحرم أفضى إلى تغريب من ليس بزان ونفي من لا ذنب له ، وإن كلفت أجرته ففي ذلك زيادة على عقوبتها بما لم يرد الشرع به .
3- قالوا : إن عموم الخبر الوارد في التغريب مخصوص بخبر النهي عن سفر المرأة بغير محرم .
القول الثالث :
لا يجب التغريب لا على الرجل ولا على المرأة .
وهذا هو قول الحنفية .
استدل أصحاب هذا القول :
1- بأن عليا رضي الله عنه قال حسبهما من الفتنة أن ينفيا.
2- وعن ابن المسيب أن عمر غرب ربيعة بن أمية بن خلف في الخمر إلى خيبر فلحق ﺑﻬرقل فتنصر فقال عمر لا أغرب مسلما بعد هذا أبدا.
3- ولأن الله تعالى أمر بالجلد دون التغريب فإيجاب التغريب زيادة على النص
نوقشت أدلة الأحناف :
بأن ما رووه عن علي لا يثبت لضعف رواته وإرساله .
وقول عمر لا أغرب بعده مسلما فيحتمل أنه يقصد تغريبه في الخمر الذي أصابت الفتنة ربيعة فيه ، وهذا من باب التعزير .
والراجح والله أعلم هو قول المالكية .
---------------
مسألة : إذا غرب فإنه لا يحبس في البلد الذي نفي إليه على الصحيح ، لأن الحبس زيادة لم يرد ﺑﻬا الشرع فلا تشرع كالزيادة على العام .
--------------------
فائدة: إذا زنى الرقيق جلد خمسين جلدة ، لقوله تعالى : " فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب " ، وهذه الآية في الإماء، ويقاس عليها العبيد الذكور بجامع الرق ، ولا يغرب لأن التغريب إضرار بسيده ، ولا يرجم لأن الرجم لا يتنصف .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

ثالثاً: شروط إقامة حد الزنا :
يشترط لإقامة حد الزنا ثلاثة شروط :
الشرط الأول : تغييب حشفته الأصلية كلها في قُبُلها من آدمي حي .
فلا يحد من قبّل أو باشر دون الفرج .
ولا من غيب بعض الحشفة .
ولا في وطء امرأة ميتة .
ولا في إتيان البهيمة ، وسيأتي حكمه .
ويجب التعزير في كل ما تقدم .
الشرط الثاني : انتفاء الشبهة :
والدليل على ذلك أمران :
الأول : الأحاديث الواردة عنه عليه الصلاة والسلام في الأمر بدرء الحدود بالشبهات ، ومن ذلك :
- حديث علي عنه صلى الله عليه وسلم : " ادرأوا الحدود بالشبهات " وهو حديث ضعيف .
- وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا " رواه ابن ماجة.
- وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطىء في العفو خير من أن يخطىء في العقوبة " رواه الترمذي
وذكر أنه قد روي موقوفا وأن الوقف أصح قال وقد روي واحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا مثل ذلك .
وهذه الأحاديث وإن كانت أسانيدها ضعيفة إلا أنه يقوي بعضها بعضًا فتقوى للاحتجاج ، ولاسيما أنه جاء نحو ذلك موقوفًا عن جمع من الصحابة .
الثاني : ولأن الأصل في المسلم الاستقامة وبراءة الذمة فلا يرتفع حكم الأصل إلا بيقين أو ظن غالب ، ومع وجود الشبهة لا يتحقق اليقين .
وبناء على هذا الشرط :
فلا حد في وطء شبهة ، أو نكاح مختلف في فساده ، ( لانكاح باطل ) ولا في إكراه ، ولا مع الجهل بتحريمه .
الشرط الثالث :ثبوت الزنا .
ولا يثبت الزنى إلا بأحد ثلاثة أمور :
الأول : الإقرار :
ويشترط فيمن يقر بالزنا أن 1) يكون بالغًا عاقلاً، لأن ماعزًا لما أقر عند النبي صلى الله عليه وسلم دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أبك جنون " قال لا . متفق عليه ، 2) وألا يكون مكرهًا ، فلا يصح الإقرار من المكره فلو ضرب الرجل ليقر بالزنا لم يجب عليه الحد ولم يثبت عليه الزنا ولا خلاف بين أهل العلم في أن إقرار المكره لا يجب به حد وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : " ليس الرجل بأمين على نفسه إذا جوعته أو ضربته أو أوثقته " ، ولأنه مع الإكراه يغلب على الظن أنه قصد بإقراره دفع ضرر الإكراه فانتفى ظن الصدق عنه فلم يقبل .
3) ولا بد أن يصرح بذكر حقيقة الوطء ، فلا تكفي الكناية ، لأنها تحتمل ما لايوجب الحد وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت" قال: لا، قال: أفنكحتها ، لا يكني قال نعم قال فعند ذلك أمر برجمه. رواه البخاري .
وفي رواية عن أبي هريرة قال : أفنكحتها ؟
قال : نعم ،
قال : حتى غاب ذاك منك في ذاك منها ؟
قال : نعم
قال : كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر ؟
قال : نعم
قال : فهل تدري ما الزنا ؟
قال : نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا " وذكر الحديث رواه أبو داود.
وفي الإقرار بالزنا اختلف أهل العلم في ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : هل يشترط في الإقرار بالزنا أن يقر به أربع مرات ؟
والمسألة الثانية : وهل يشترط أيضًا ألا يرجع عن إقراره حتى يتم عليه الحد ؟
والمسالة الثالثة : وهل يشرع للقاضي أن يعرض على المقر الرجوع عن إقراره ، ويلقنه الرجوع ؟
- فذهب جمهور أهل العلم إلى أن من شرط ثبوت حد الزنا :
1- أن يقر به أربع مرات ، فلو أقر به أقل من ذلك لم يحد .
2- وأن يبقى على إقراره إلى تمام الحد فإن رجع عن إقراره أو هرب كف عنه ، ولو كان هروبه بعد البدء بتنفيذ الحد .
قالوا : ويشرع للقاضي أن يلقنه الرجوع عن إقراره .
- وذهب بعض العلماء إلى خلاف ذلك في المسائل الثلاث ، فقالوا : يكفي إقراره ولو مرة ، ولو رجع بعد إقراره لم يدرأ عنه الحد ، ولا يشرع للحاكم أن يلقنه .
والسبب في الخلاف في المسألة هو اختلاف الأحاديث الواردة في ذلك :
فروايات حديث ماعز تؤيد القول الأول ( قول الجمهور ) فإن فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم لقنه الرجوع ، وأنه أقر على نفسه أربعًا ، وأنه لو رجع لترك :
ففي حديث ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز : "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت " قال: لا . رواه البخاري
وفي رواية أبي هريرة قال : فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبك جنون؟ قال: لا قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجموه. متفق عليه
وروى أبو برزة الأسلمي أن أبا بكر الصديق قال له عند النبي صلى الله عليه وسلم إن أقررت أربعا رجمك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفيه أيضًا :أن ماعزا هرب فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه". قال ابن عبد البر ثبت من حديث أبي هريرة وجابر ونعيم بن هزال ونصر بن داهر وغيرهم أن ماعزا لما هرب فقال لهم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه" .
وعن بريدة قال كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما أو قال لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما وإنما رجمهما بعد الرابعة رواه أبو داود.
وأما أصحاب القول الآخر فاستدلوا بالأحاديث الأخرى : قصة العسيف ، واليهوديين ، فليس فيها إلا إقرارهم مرة واحدة ، ولم يلقنهم النبي صلى الله عليه وسلم .
ففي حديث العسيف قال النبي صلى الله عليه وسلم : " واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " .ولو كان إقرارها أربعًا واجب لبينه له النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز .
وقال عمر : "إن الرجم حق واجب على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف " وكان هذا القول منه بمحضر من الصحابة فلم ينكر .
وأصح الأقوال في الجمع بين هذه النصوص:
أن يفرق بين ما إذا جاء المذنب بنفسه إلى الحاكم تائبًا وطالبًا إقامة الحد عليه، فهذا يعامل بمثل ما عامل النبي ماعزًا ، فيلقنه ، ويطلب منه الإقرار أربع مرات، ومتى رجع عن إقراره ولو بعد الرابعة ، فيدرأ عنه الحد ، لأن المقصود من الحد ردعه وتطهيره ، وظاهر حال مثل هذا الشخص أنه ليس بحاجة إلى ذلك لأن الغالب هو صدقه في توبته وندمه على ما حصل منه .
أما إذا قبض على الشخص أو وجدت قرائن على فعله ، فأخذ فاعترف ، فهنا لايلقن ويكفي إقراره مرة واحدة ، ولايقبل رجوعه عن إقراره مالم يذكر شبهة ، عملاً بحديث العسيف ، والله أعلم .

وعلى هذا فمن تاب من الذنب قبل القدرة عليه فلا يقام عليه الحد ، وهذا شامل لكل الحدود .
-------------------------------------
يقول ابن القيم رحمه الله :
" نص الشارع على اعتبار توبة المحارب قبل القدرة عليه ( يقصد في قوله تعالى في المحاربين : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ) . إما من باب التنبيه على اعتبار توبة غيره بطريق الأولى فإنه إذا دفعت توبته عنه حد حرابه مع شدة ضررها وتعديه فلأن تدفع التوبة ما دون حد الحرابة بطريق الأولى والأحرى وقد قال الله تعالى: " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له". والله تعالى جعل الحدود عقوبة لأرباب الجرائم ورفع العقوبة عن التائب شرعا وقدرا فليس في شرع الله ولا قدره عقوبة تائب البتة).
- وفي الصحيحين من حديث أنس قال: نت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي قال ولم يسأله عنه فحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قام إليه الرجل فأعاد قوله قال أليس قد صليت معنا قال نعم قال فإن الله عز وجل قد غفر لك ذنبك".
فهذا لما جاء تائبا بنفسه من غير أن يطلب غفر الله له ولم يقم عليه الحد الذي اعترف به وهو أحد القولين في المسألة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وهو الصواب.
فإن قيل : فماعز جاء تائبا والغامدية جاءت تائبة وأقام عليهما الحد ؟
قيل: لا ريب أنهما جاءا تائبين ولا ريب أن الحد أقيم عليهما ، وسألت شيخنا (يقصد ابن تيمية ) عن ذلك فأجاب بما مضمونه بأن الحد مطهر وأن التوبة مطهره وهما اختارا التطهير بالحد على التطهير بمجرد التوبة وأبيا إلا أن يطهرا بالحد فأجاﺑﻬما النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وأرشد إلى اختيار التطهير بالتوبة على التطهير بالحد فقال في حق ما عز هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه .
ولو تعين الحد بعد التوبة لما جاز تركه بل الإمام مخير بين أن يتركه كما قال لصاحب الحد الذي اعترف به اذهب فقد غفر الله لك وبين أن يقيمه كما أقامه على ماعز والغامدية لما اختارا إقامته وأبيا إلا التطهير به ولذلك رددهما النبي صلى الله عليه وسلم مرارا وهما يأبيان إلا إقامته عليهما وهذا المسلك وسط بين مسلك من يقول لا تجوز إقامته بعد التوبة البتة وبين مسلك من يقول لا أثر للتوبة في إسقاطه البتة وإذا تأملت السنة رأيتها لا تدل إلا على هذا القول الوسط " اهـ .
--------------
الأمر الثاني مما يثبت به الزنا: شهادة أربعة رجال :
ويشترط أن يكونوا عدولاً، وأن يصفوا الزنا ، فلا يكفي أن يقولوا : رأيناه فوقها ، بل لابد أن يقولوا : رأينا ذكره في فرجها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز : " أفنكتها ؟ قال : نعم قال : حتى غاب ذاك منك في ذاك منها ؟قال : نعم قال : كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر ؟ قال : نعم " . وإذا اعتبر التصريح
في الإقرار فالشهادة أولى .
والدليل على الشهادة : قوله تعالى : "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة –الآية-".
----------------
الأمر الثالث مما يثبت به الزنى : الحَبَل:
إذا وجدت المرأة حبلى ولم يكن لها زوج ولاسيد ولم تدع شبهة فى الحبل ففيها قولان فى مذهب أحمد وغيره .
قيل : لا حد عليها لأنه يجوز ان تكون حبلت مكرهة او بتحمل او بوطء شبهة .
وقيل : بل تحد ما لم تدع شبهة ، وهذا القول هو الصحيح ، قال ابن تيمية : وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين وهو الأشبه بأصول الشريعة وهو مذهب أهل المدينة فإن الاحتمالات النادرة لا يلتفت اليها كاحتمال كذﺑﻬا وكذب الشهود .
يدل على ذلك قول عمر رضي الله عنه : " فالرجم حق على ما زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف "
 
إنضم
29 مايو 2010
المشاركات
159
التخصص
مقاصد الشريعة
المدينة
حلب
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

في حال اعترفت امراة بالزنى فهل يجوز الاعتماد على المعطى العلمي في اثبات من زنى بها حال وجود حمل ؟؟

حتى لا يكون الموضوع مجرد نقل بدون الاسقاط العصري والاستفادة من معطيات العلم التي اصبحت حقائق قطعية وليست ظنون
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

في حال اعترفت امراة بالزنى فهل يجوز الاعتماد على المعطى العلمي في اثبات من زنى بها حال وجود حمل ؟؟

حتى لا يكون الموضوع مجرد نقل بدون الاسقاط العصري والاستفادة من معطيات العلم التي اصبحت حقائق قطعية وليست ظنون

أستاذ طارق بارك الله فيكم على مروركم،،
هذه مذكرة علمية تأصيلية في أحكام فقه الجنايات والحدود لطلاب العلم والمبتدئين تشمل مبادئ هذا الباب وقواعده وأحكامه كما جاءت في كتب الفقه.
أما بالنسبة لقضايا النوازل والمستجدات العلمية أو الطبية المعاصرة وحكم الشارع فيها فلها ملتقى آخر هو (ملتقى فقه النوازل) ، ولعلكم تفتتحون موضوعا جديداً بعنوان : (البصمة الوراثية ومدى الاحتجاج بها في
القضايا المستجدة التي اختلف فيها فقهاء العصر) ، ويمكننا مناقشة هذه القضية هناك ، وبيان آراء الفقهاء المعاصرين، وإن كانت المجمعات الفقهية توصلت حيالها إلى إجماع أو رأي أغلبي.
إن الموضوع مهم جدا ويحتاج إلى دراسة وتأصيل شرعي مبني على الدليل العقلي والنقلي، مع تطبيق للقواعد الفقهية والقواعد الأصولية، وعلم المقاصد وغيرها.

فهذا أحد أهداف هذا الملتقى ،،
والله ولي التوفيق،،
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

حكم اللواط

أجمع أهل العلم على تحريم اللواط ، وقد ذمه الله تعالى في كتابه وعاب من فعله ، وذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال الله تعالى : " ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم ﺑﻬا من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ".
ولم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قضى في اللواط بشيء لأن هذا لم تكن تعرفه العرب ولم يرفع إليه ، ولكن ثبت عنه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عنه أنه قال :"من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ". رواه أهل السنن الأربعة وقال الترمذي حديث حسن.
واختلف أهل العلم في حد اللواط :
1- فقيل : إن حده القتل مطلقًا بكرا كان أو ثيبا. وهذا قول علي وابن عباس وجابر بن زيد وعبد الله بن معمر والزهري وأبي حبيب وربيعة ومالك وإسحاق وأحد قولي الشافعي.
2- وقيل : إن حده كالزنا تمامًا ، وهذا هو المشهور من قولي الشافعي ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان " ، ولأنه إيلاج فرج آدمي في فرج آدمي لا ملك له فيه ولا شبهة ملك فكان زنا كالإيلاج في فرج المرأة .
3- وقيل : لا حد عليه ، وهذا هو قول أبي حنيفة ، لأنه ليس بمحل الوطء الفرج.
والقول الأول هو الأصح بلا شك ، لحديث ابن عباس المتقدم وهو حديث صحيح ، ولأن هذا هو إجماع الصحابة رضوان الله عليهم ، فإنهم أجمعوا على قتله وإنما اختلفوا في صفته ، فقد روى صفوان بن سليم عن خالد بن الوليد أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة فكتب إلى أبي بكر فاستشار أبو بكر رضي الله عنه الصحابة فيه فكان علي أشدهم قولا فيه فقال ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة وقد علمتم ما فعل الله ﺑﻬا أرى أن يحرق بالنار وقال بعضهم : يرمى من جدار ، وقال بعضهم : يرمى بالحجارة ، فكتب أبو بكر إلى خالد بذلك فحرقه .
وهذا الحكم على وفق حكم الشارع فإن المحرمات كلما تغلظت ، تغلظت عقوباﺗﻬا ووطء من لا يحل بحال أعظم جرما من وطء من يباح في بعض الأحوال فيكون حده أقل .

مسألة :
حكم من عقد على ذات محرم كحكم اللوطي على الصحيح من أقوال أهل العلم ، لما روى الإمام أحمد والنسائي وغيرهما عن البراء رضي الله عنه قال لقيت خالي أبا بردة معه الراية فقال أرسلني رسول الله إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أقتله وآخذ ماله .
--------------------

حكم من أتى بهيمة

اختلفت أهل العلم في حكم من أتى بهيمة:
فقيل : إنه يعزر ولا حد عليه
وقيل : حده حد الزاني
وقيل : يقتل هو والبهيمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أتى ﺑﻬيمة فاقتلوه واقتلوها معه " رواه أبو داود وهو حديث يرويه عمرو بن أبي عمرو ولم يثبته أحمد ، وقال الطحاوي هو ضعيف
والأقرب هو القول الأول ، ويمكن الجواب عن الحديث من وجهين :
الأول : أن قتله من باب التعزير وليس حدًا .
الثاني : وبأن فيه ضعفًا ، فهو لا ينهض للاحتجاج به في إقامة الحد ، لأن الحدود تدرأ بالشبهات ، وغاية ما يمكن أن يستدل به هو جواز تعزير من أتى ﺑﻬيمة ولو كان التعزير بالقتل .
ويستفاد من الحديث مشروعية قتل البهيمة .


  • فإن قيل : الحديث ضعيف ولم يعمل به في قتل الفاعل الجاني ففي حق حيوان لا جناية منه أولى ؟
فالجواب : إنما لم يعمل به في قتل الفاعل لوجهين :
أحدهما : أنه حد والحدود تدرأ بالشبهات وهذا إتلاف مال فلا تؤثر الشبهة فيه
والثاني : أنه إتلاف آدمي وهو أعظم المخلوقات حرمة فلم يجز التهجم على إتلافه إلا بدليل في غاية القوة ولا يلزم مثل هذا في إتلاف مال ولا حيوان سواه .
إذا ثبت هذا فإن الحيوان إن كان للفاعل ذهب هدرا وإن كان لغيره فعلى الفاعل غرامته لأنه سبب إتلافه فيضمنه .

  • ثم إن كانت مأكولة فهل يباح أكلها ؟
لأهل العلم في ذلك قولان .
واختلف في علة قتلها :
1- فقيل : إنما قتلت لئلا يعير فاعلها ويذكر برؤيتها ، وقد روى ابن بطة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من وجدتموه على ﺑﻬيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة قالوا يا رسول الله ما بال البهيمة قال لا يقال هذه وهذه
2- وقيل : لئلا تلد خلقا مشوها
3- وقيل : لئلا تؤكل ، وإليها أشار ابن عباس في تعليله .
---------------------
حكم السحاق

إذا تدالكت امرأتان فهما زانيتان ملعونتان لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان ".
ولا حد عليهما لأنه لا يتضمن إيلاجا فأشبه المباشرة دون الفرج ، وعليهما التعزير لأنه زنا لا حد فيه فأشبه مباشرة الرجل المرأة بغير جماع .
قال ابن القيم رحمه الله : (سحاق المرأتين نظير مباشرة الرجل الرجل من غير إيلاج ، على أنه قد جاء في بعض الاحاديث المرفوعة إذا أتت المرأة المرأة فهم زانيتان ، ولكن لا يجب الحد بذلك لعدم الايلاج ، وإن اطلق عليهما اسم الزنا العام كزنا العين واليد والرجل والفم ) .
---------------
مسألة : إذا باشر الرجل المرأة فاستمتع ﺑﻬا فيما دون الفرج:
فلا حد عليه، لما روي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لقيت المرأة فأصبت منها كل شيء إلا الجماع فأنزل الله تعالى أقم الصلاة هود الآية فقال الرجل ألي هذه الآية فقال : " لمن عمل ﺑﻬا من أمتي ".رواه النسائي .
وللحاكم أن يعزرهما بما يراه مناسبًا .
-------------------
في بعض المقاصد الشرعية في حد الزنا

الزنا يتعارض مع قصد الشارع في حفظ النسل والنسب ، وهو من أمهات الجرائم وكبائر المعاصي لما فيه من اختلاف الأنساب الذي يبطل معه التعارف والتناصر على إحياء الدين ، وفي هذا هلاك الحرث والنسل فشاكل في معانيه أو في أكثرها القتل الذي فيه هلاك ذلك ، فهو في الحقيقة قتل للمجتمع ، فزجر عنه بالعقوبة ارادعة
التي تشبه القصاص ، ليرتدع عن مثل فعله من يهم به ، فيعود ذلك بعمارة الدنيا وصلاح العالم الموصل إلى إقامة العبادات الموصلة إلى نعيم الآخرة .
يقول ابن القيم رحمه الله مبينًا الحكمة في حد الزنا :" وأما الزاني فإنه يزني بجميع بدنه ، والتلذذ بقضاء شهوته يعم البدن ، فعوقب بما يعم بدنه من الجلد مرة والقتل بالحجارة مرة "

  • فإن قيل : ماالحكمة في كون العقوبة على المحصن أغلظ مما هي على البكر؟
فالجواب من أوجه :
1- أن دواعي الشهوة في البكر أقوى منها في المحصن ، إذ إن المحصن قد تزوج ، فعلم ما يقع به من العفاف عن الفروج المحرمة ، واستغنى به عنها ، وأحرز نفسه عن التعرض لحد الزنا ، فزال عذره من جميع الوجوه في تخطي ذلك إلى مواقعة الحرام ، أما البكر ، فإنه لم يعلم ما علمه المحصن ولا عمل ما عمله ، فحمل له من العذر
بعض ما أوجب له التخفيف ، فحقن دمه ، وزجر بإيلام جميع بدنه بأعلى أنواع الجلد ردعا عن المعاودة للاستمتاع بالحرام .
2- ولأن زنى المحصن أبشع من البكر ، إذ إن فيه خيانة للعلاقة الزوجية ، وهدمًا للأسرة ، واختلاطًا في الأنساب ، لاسيما في حق المرأة إذ إنه يؤدي إلى أن تدخل المرأة في فراش زوجها ما ليس منه .

  • فإن قيل ما الحكمة في عدم معاقبة الزني بقطع العضو الذي باشر الجريمة كما هو الحال في السرقة ؟
فالجواب من أوجه :
أحدها : أنه عضو خفي مستور لا تراه العيون ، فلا يحصل الاعتبار المقصود من الحد بقطعه .
الثاني : أن ذلك يفضي إلى إبطال آلات التناسل وانقطاع النوع الإنساني ، وهو خلاف مقصود الشرع .
الثالث : أن لذة البدن جميعه بالزنا كلذة العضو المخصوص ، فالذي نال البدن من اللذة المحرمة مثل ما نال الفرج ، ولهذا كان حد الخمر على جميع البدن .
الرابع : أن قطع هذا العضو مفض إلى الهلاك ، وغير المحصن لا تستوجب جريمته الهلاك.

  • فإن قيل :ما الحكمة من تشديد العقوبة في الزنا بتشريع الرجم مع أن فيه إزهاقًا للنفس ؟وكيف نرد على من يتهم الإسلام بالرجعية والتخلف بهذا الحكم ؟
والجواب: أن مشروعية الرجم من أهم الوسائل لحفظ المجتمعات من فاحشة الزنا، وقد شرع الإسلام الرجم وجعل له من الضوابط ما يتم به تحقيق الغاية التي شرع من أجلها ، ويظهر ذلك في الأوجه الآتية :
أولاً: أن هذه العقوبة تتناسب مع قبح جريمة الزنا : فإن في الزنا من البشاعة والمفاسد ما يناسب تشديد العقوبة فيه ، ولهذا سمى الله هذه الجريمة فاجشة فقال : "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا" لأنها جريمة تستبشعها كل الشرائع والفطر السوية واﻟﻤﺠتمعات .

  • فمن مفاسد تلك الجريمة :
اختلاط الأنساب الذي يبطل معه التعارف والتناصر على إحياء الدين ،
وتفكك الأسر، وضياع الأولاد ، إذ يعيش ابن الزنا طيلة عمره لقيطًا مهملا ،
وانتشار الأمراض في المجتمع، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :" وما ظهرت الفاحشة في قوم قط إلا ابتلاهم الله بالأمراض والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم "،
والقضاء على النكاح الذي هو من أهم مقاصد الشريعة ،
وإدخال العار على الأسرة بل والقبيلة برمتها ، فهو في الحقيقة جريمة قتل ، ولهذا يقول سيد قطب :" كثيرًا ما يقرن الله تعالى في كتابه بين الشرك وقتل النفس والزنا ذلك أنها كلها جرائم قتل في الحقيقة : الجريمة الأولى قتل للفطرة ، والثانية جريمة قتل للجماعة ، والثالثة جريمة قتل للنفس المفردة "
ثانياً: ثم إن هذه العقوبة مقررة في الكتب السماوية الأخرى :
فعن ابن عمر أن { اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا ، - الحديث وقد سبق ذكره - } . متفق عليه
ثالثاً : وكذلك فإن الشريعة جعلت لتنفيذ الرجم قيودًا لضمان تنفيذ الرجم في أضيق نطاق :
فمن ذلك وجوب ثبوت البينة لإقامة الحد ، وإذا تأملنا البينة في الزنا فهي :
- إما شهادة أربعة رجال يشهدون أنهم رأوا الزنا بأعينهم حقيقة، ولا يكفي أن يشهدوا أنهم رأوا الرجل يعلو المرأة، وإلا حدوا حد القذف ، وهذا أشبه بالمستحيل ، ولهذا ذكر ابن تيمية أنه لم يرجم أحد بشهادة أربعة عليه مذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم وحتى عصره .
- وإما إقراره على نفسه بالزنا أربع مرات ، ويشترط في هذه الحال أن لا يكون الإقرار تحت التهديد أو الضغط أو الضرب .
والمتأمل في النصوص الواردة في مثل قصة ماعز والغامدية يلحظ أن الشرع يميل إلى الستر على الزاني ، والتروي في إقامة الحد ، وأنه متى ما رجع عن اعترافه فإن الحد يدرأ عنه ، ولا مانع في مثل هذه الحال من التعزير إذا قامت عند القاضي قرائن لاتصل إلى درجة البينة لتنفيذ حد الزنى ، ومما يؤكد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلب المرأة التي زنى ﺑﻬا ماعز ، ولم يسأله من هي ؟ بل ستر عليها درأ الحد عنها تغليبًا لجانب الستر .
رابعًا : ثم إن الغاية من إقامة الحد هي تطهير الزاني من جريمته :
وهذا في الحقيقة هو الفارق الجوهري بين المقصود من الحدود في الإسلام ، والمقصود منها في النظم الرعية ، فالخلاف حقيقة من أصل النظرة ، ولهذا فإن الجاني في الإسلام يأتي بنفسه إلى الإمام طالبًا تنفيذ حكم الله فيه حتى يطهر من ذنبه ، وهذا ما لا يمكن أن يدركه أي نظاٍم آخر .
فعن سليمان بن بريدة عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة من غامد من الأزد ، فقالت : يا رسول الله طهرني ، فقال : ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه ، فقالت : أراك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ، قال : وما ذاك قالت إنما أنا حبلى من الزنا ، قال : أنت ؟ قالت : نعم ، فقال لها : حتى تضعي ما في بطنك ..الحديث } . رواه مسلم
وعن عمران بن حصين { أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا ، فقالت : يا رسول الله أصبت حدا فأقمه علي - الحديث – وفيه : ثم أمر ﺑﻬا فرجمت ثم صلى عليها ، فقال له عمر : نصلي عليها يا رسول الله وقد زنت ؟ قال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله ؟ } رواه مسلم .
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

الفصل الثالث
حد القذف

أولاً: تعريف القذف:
القذف في اللغة : بمعنى الرمي .
وفي الشرع : هو الرمي بزنا أو لواط .
فلو رماه بما دون ذلك ، كالتقبيل ، والمباشرة ، وشرب الخمر ، والسرقة ، والكفر ، فليس بقذف ، وإنما فيه التعزير ، وكذلك لو قال: يا فاسق ياحمار يا كافر ونحو ذلك.
----------------------
ثانياً: حكم القذف :
القذف من كبائر الذنوب ، وقد جاء الوعيد الشديد عليه في الكتاب والسنة :
أما الكتاب : فقال تعالى : " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، يومئذِ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ".
وأما السنة : ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:" اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات". متفق عليه
والمحصنات في هذه الآية بمعنى العفائف
فائدة :
المحصنات في القرآن جاءت بأربعة معان :
أحدها : هذا ، أي العفيفات .
والثاني : بمعنى المزوجات كقوله تعالى : "والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم "
والثالث : بمعنى الحرائر كقوله تعالى: " ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات "
وقوله سبحانه: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "
وقوله : " فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب "
والرابع : بمعنى الإسلام كقوله : " فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة – الآية –" قال ابن مسعود إحصانها إسلامها .
-----------------------
ثالثاً: حد القذف :
حد القذف : ثمانون جلدة إذا كان القاذف حرًا ، بالغًا ، عاقلاً، غير مكره .
والدليل على ذلك من الكتاب والسنة والإجماع :
أما الكتاب : فقوله تعالى : " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولاتقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون ، إلا الذين تابوا من بعذ ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم "
فرتب الله في هذه الآيات ثلاثة أحكام على القاذف :
الأول : الجلد ثمانين جلدة .
الثاني : أن ترد شهادته .
الثالث : أنه من الفاسقين .
فإذا تاب من ذنبه ، فإن توبته ترفع حكم الفسق باتفاق الفقهاء ، ولا ترفع عنه حكم الجلد بالاتفاق أيضًا ، فلو تاب قبل جلده فإنه يحد إذا طلب المقذوف لأنه حق آدمي فلا يسقط بالتوبة .
وأما رد شهادته ، ففيها خلاف بين العلماء : فذهب الحنفية إلى أنه مردود الشهادة ولو تاب ، وذهب الجمهور إلى قبول شهادته بعد التوبة ، وسبب اختلافهم هو اختلافهم في الاستثناء المذكور في الآية هل هو عائد على جميع ما ذكر في الآية الأولى أم على الجملة الأخيرة منه ، فالأحناف يرون أنه عائد على الجملة الأخيرة فقط ، والجمهور يرون أنه عائد على جميع ما ذكر ، وإنما خرج الجلد بالإجماع .
وأما السنة : فعن عائشة رضي الله عنها – في قصة الإفك- ، قالت : "لما نزل عذري ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فذكر ذلك ، وتلا القرآن ، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم " أخرجه الخمسة
وقد أجمعت الأمة على أن حد القذف ثمانون جلدة للحر .
فإن كان القاذف عبدًا فحده أربعون جلدة ، لقوله تعالى - في الإماء- : " فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب " وحكم الرجال الأرقاء كالإماء .
--------------------
رابعاً: من هو المحصن في باب القذف :
من شروط حد القذف أن يكون المقذوف محصنًا ، فلو قذف غير محصن فلا يحد وإنما فيه التعزير .
فمن هو المحصن في باب القذف ؟
ينبغي أن يعلم أولاً أن المحصن في باب القذف غير المحصن في باب الزنا .
فالمحصن في باب القذف هو : الحر ،المسلم ، العاقل ، العفيف ، الذي يجامع مثله.
فهذه ستة شروط :
أن يكون
1- مسلمًا : فلا حد على من رمى غير المسلم لقوله تعالى : " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات " .
2- حراً : فلا حد على من رمى عبدًا .
3- عاقلاً : فلو قذف مجنونًا فلا حد لأنه لايلحقه عار بذلك .
4- عفيفًا : أي من الزنا في الظاهر ، ولو تائبًا منه ، فلو رمى فاجرًا فلا حد ، لقوله تعالى في الآية السابقة : " الغافلات " أي عن الزنا.
5- يجامع مثله : وهو يختلف بحسب حال المقذوف ، ولدًا كان أو بنتاً ، وضبطه الحنابلة بابن عشر سنين ، وبنت تسع ، والأولى عدم التحديد لأن هذا يختلف بحسب حال المقذوف وجسمه .
فلو قذف من لا يجامع مثله ، كابن خمس سنين فلا حد لأنه لا يلحقه العار بذلك.
-------------------
خامساً : هل الأغلب في حد القذف حق الله أم حق الآدمي ؟ :
اختلف أهل العلم في ذلك :
فذهب الأحناف إلى أن الأغلب هو حق الله .
وذهب الجمهور إلى أن الأغلب هو حق الآدمي .
ويترتب على هذا الخلاف مسألتان ، وهما :

  1. هل يشترط لإقامة الحد مطالبة المقذوف ؟
  2. وهل يسقص الحد بعفوه ؟
فمن غلب حق الآدمي وهم الحمهور قالوا : يشترط لإقامة الحد مطالبة المقذوف ، كما قالوا : يسقط الحد بعفوه ، كالقصاص .
أما الأحناف فقالوا : يجب إقامة الحد ولو لم يطلب المقذوف ، ولايسقط بعفوه لأنه حق الله ، فلا يسقط بالعفو كسائر الحدود .
وسبب الخلاف في هذه المسالة : أن حد القذف فيه شبه بالقصاص ، كما أن فيه شبهًا بالحدود ، فهو من جهة يشبه القصاص لأنه مشروع جزاءً لاعتداء القاذف على عرض المقذوف ، كما أن القصاص مشروع جزاءً لاعتداء الجاني على نفس اﻟﻤﺠني عليه ، ومن جهة أخرى فإن قاعدة الشريعة في الجوابر والتعويضات أن تكون بالمثل ، ولكن في هذه الحال تتعذر المعاقبة بالمثل ، فشرع الحد جلدًا فمن هذه الجهة أشبه الحدود .
والأقرب والله أعلم هو قول الجمهور ، فالأغلب فيه هو حق الآدمي فلا يستوفى إلا بطلب المقذوف ، ويسقط بعفوه ، والله أعلم.
------------------
سادساً: ألفاظ القذف :
ألفاظ القذف على ثلاثة أنواع :
1. صريح القذف : هو اللفظ الذي لايحتمل غير القذف .
مثل : يا زاني ، يا لوطي ، أو قد زنيت ، أو يا منيوك ويا منيوكة إن لم يفسره بفعل زوج أو سيد ، فإن فسر بفعل زوج أو سيد فليس بقذف .
ومن قال : يابن الزانية فهو قذف لأمه .
ومن صريح القذف كذلك : نفي نسبه ، مثل أن يقول : لست ولد فلان ، فهذا قذف قذف لأمه أي المقول له ، وكذا لو نفاه عن قبيلته لحديث الأشعث بن قيس مرفوعا : " لا أوتى برجل يقول : إن كنانة ليست من قريش إلا جلدته " ، ولأنه لايكون لغير أبيه إلا بزنى أمه .
فمثل هذه الألفاظ يحد قائلها مطلقًا سواء ادعى أنه لم يقصد القذف أم لم يدع ذلك ، وسواء كان هناك قرينة ظاهرة على أنه قصد القذف أم لم يكن .
2. وكناية القذف : هو اللفظ الذي يحتمل القذف وغيره .
مثل : يا قحبة ، يا فاجرة ،يا خبيث ، يا خبيثة ، فضحت زوجك ، نكست رأسه ، جعلت له قرونًا ، زنت يداك ،ونحو ذلك .
فهذا ينظر فيه إلى ظاهر الحال : فإن كان ظاهر الحال يدل على أنه قصد القذف فإنه يحد به ، حتى ولو ادعى أنه لم يقصد القذف ، أما إن كان ظاهر الحال لا يدل على أنه قصد القذف ، وفسره هو بغير القذف فيقبل تفسيره ولا يحد ، بل يعزر ، كأن أراد بالمخنث المتطبع بطبائع التأنيث ، وبالقحبة المتعرضة للزنى وإن لم تفعله ، وبالفاجرة الكاذبة ونحو ذلك .
3. والتعريض بالقذف : مثل أن يقول لمن يخاصمه : ما أنت بزان ، ما يعرفك الناس بالزنا ، يا حلال ابن الحلال ، أو يقول : ما أنا بزان ولا أمي بزانية إن يقصد بذلك التعريض بالآخر .
فاختلف أهل العلم في ذلك فيما إذا كان هناك قرينة تدل على قصده القذف :فذهب بعضهم إلى أنه ليس بقذف ولو وجدت قرينة ، لما يلي :
1- لما في الصحيحين أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن امرأتي ولدت غلاما أسود يعرض بنفيه فلم يلزمه بذلك حد ولا غيره .
2- ولأن الله فرق بين التعريض بالخطبة والتصريح ﺑﻬا فأباح التعريض في العدة وحرم التصريح فكذلك في القذف.
وقال بعضهم : عليه الحد ، لما يلي :
1- لأن عمر حين شاورهم في الذي قال لصاحبه ما أنا بزان ولا أمي بزانية فقالوا قد مدح أباه وأمه فقال عمر : قد عرض بصاحبه ، فجلده الحد .
2- وروى أن عثمان جلد رجلا قال لآخر يا ابن شامة الوذر يعرض له بزنا أمه والوذر قدر اللحم يعرض له بكمر الرجال.
3- ولأن الكناية مع القرينة الصارفة إلى أحد محتملاﺗﻬا كالصريح الذي لا يحتمل إلا ذلك المعنى ولذلك وقع الطلاق بالكناية.
4- ولأن هذه الألفاظ يراد ﺑﻬا القذف عرفا فجرت مجرى الصريح .
وهذا القول هو الصحيح ، وهو أن التعريض يعد قذفًا إذا وجدت قرينة تدل على أنه قصد القذف ، فإن لم يكن في حال الخصومة ولا وجدت قرينة تصرف إلى القذف فالأقرب أنه ليس بقذف .
وأما الجواب عن الحديث الذي استدل به أصحاب القول الأول فنقول : إن الرجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستفتيًا ، ولم يقصد القذف .
وبهذا يتبين أن حكم التعريض بالقذف كحكم الكناية .
فائدة هامة : المرجع في تحديد ألفاظ القذف وكونها صريحة أم كناية أم تعريضًا إلى العرف ، فما عده الناس صريحًا في القذف أو كناية فيه أو تعريضًا به فهو كذلك ، وما لا فلا .
-------------------
سابعاً: حكم من قذف جماعة :
من قذف أهل بلد ، أو جماعة لا يتصور منهم الزنا عادة ، فلا حد عليه ، لأنه لاعار عليهم بذلك ، للقطع بكذبه ، وإنما يعزر .
وإن كان يتصور الزنى منهم عادة وقذف كل واحدة بكلمة فعليه لكل واحد حد لتعدد القذف وتعدد محله كما لو قذف كلا منهم دون أن يقذف الآخر ، وإن كان إجمالا كقوله هم زناة فحد واحد لقوله تعالى : " والذين يرمون المحصنات الآية " ولم يفرق بين قذف واحد وجماعة ، ولأنه قذف واحد فلا يجب به أكثر من حد .
-----------------
ثامناً: شروط إقامة حد القذف :
يشترط لإقامة حد القذف ما يلي :
الشرط الأول : ثبوته :
ويثبت حد القذف بإقراره أي القاذف ، أو بشهادة عدلين على أنه نطق به .
الشرط الثاني : مطالبة المقذوف :
وهذه المسالة محل خلاف بين أهل العلم ، وتبين أن القول الصحيح أن حد القذف لا يقام إلا بطلب من المقذوف .
ولو مات المقذوف ولم يطالب به سقط .
ومن قذف ميتًا فلوارثه المطالبة بإقامة الحد عليه .
فائدة : قال أهل العلم : من قذف نبيًا كفر ، وقتل ، ولو تاب .
----------------
تاسعاً: مسقطات حد القذف :
يسقط حد القذف بمايلي :
1- عفو المقذوف :
فلو طالب بالحد ثم عفا سقط الحد عن القاذف ، على الصحيح من أقوال أهل العلم .
2- ثبوت الزنا على المقذوف :
إما بإكتمال أربعة شهداء ، أو بإقرار المقذوف به .
وعلى هذا فو شهد ثلاثة على شخص بالزنا فإنهم يحدون حد الفرية أي القذف .
3- اللعان :
وذلك بالنسبة للزوج في قذفه لامرأته ، فيدرأ حد القذف عن نفسه بملاعنته .
-------------------
عاشراً : إن قيل : ما الحكمة في إيجاب حد الفرية على من قذف غيره بالزنا دون الكفر ؟
الجواب من وجهين :
الأول : ما أشار إليه ابن القيم رحمه الله بقوله :" إن القاذف غيره بالزنا لا سبيل للناس إلى العلم بكذبه ، فجعل حد الفرية تكذيبا له ، وتبرئة لعرض المقذوف ، وتعظيما لشأن هذه الفاحشة التي يجلد من رمى ﺑﻬا مسلما ، وأما من رمى غيره بالكفر فإن شاهد حال المسلم واطلاع المسلمين عليها كاف في تكذيبه ، ولا
يلحقه من العار بكذبه عليه في ذلك ما يلحقه بكذبه عليه في الرمي بالفاحشة ، ولا سيما إن كان المقذوف امرأة ، فإن العار والمعرة التي تلحقها بقذفه بين أهلها وتشعب ظنون الناس وكونهم بين مصدق ومكذب لا يلحق مثله بالرمي بالكفر ".
والثاني : ولأن القذف لا يقتصر ضرره على المقذوف وحده ، بل يلحقه وزوجه وأولاده وعشيرته ، بخلاف الكفر .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

الفصل الرابع

حد المسكر


أولاً: حكم الخمر:


شرب الخمر من الكبائر وقد جاء تحريمه في الكتاب والسنة والإجماع :
فمن الكتاب: قوله تعالى :"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل
الشيطان ...الآية "
ومن السنة: فقد تواترت الأحاديث على تحريم الخمر:
فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يزني
الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو
مؤمن }.
وعنه أيضًا:{ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة : عاصرها ومعتصرها وشارﺑﻬا وحاملها
والمحمولة له وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشترى له } . رواه أبو داود وغيره
وروى مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : {كل مسكر حرام وإن على الله عهدا لمن
يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : عرق أهل النار أو عصارة
أهل النار }
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في
الآخرة" . متفق عليه
وقد استشكل أهل العلم معنى الحديث ، ذلك أن الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، والله تعالى أخبر أن في الجنة أنهاراً من خمر لذة للشاربين فلو دخلها وقد علم أن فيها خمرا أو أنه حرمها عقوبة له لزم وقوع الهم والحزن ، والجنة لا هم فيها ولا حزن .
وللعلماء في معنى الحديث عدة أقوال :
1- فقال ابن عبدالبر: يحمل الحديث عند أهل السنة على أنه لا يدخلها ولا يشرب الخمر فيها إلا إن عفا الله
عنه كما في بقية الكبائر وهو في المشيئة ، فعلى هذا معنى الحديث : جزاؤه في الآخرة أن يحرمها لحرمانه دخول الجنة إلا إن عفا الله عنه .
2- وقال القاضي عياض : المراد بحرمانه شرﺑﻬا أنه يحبس عن الجنة مدة إذا أراد الله عقوبته .
3- وقال النووي : معناه أنه يحرم شرﺑﻬا في الجنة وإن دخلها قيل ينساها وقيل لا يشتهيها وإن ذكرها ويكون
هذا نقص نعيم في حقه تمييزا بينه وبين تارك شهوﺗﻬا .
وهذا التأويل هو الأقرب ويؤيده حديث أبي سعيد مرفوعا { من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ،
وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه } وقد أخرجه الطبراني وصححه ابن حبان ، وكذلك حديث عبد
الله بن عمرو رفعه { من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شرﺑﻬا في الجنة } أخرجه أحمد بسند
حسن .
---------------------
ومما يدخل في تحريم المسكر : تحريم المخدرات :
ويدخل في ذلك الحشيشة والأفيون ، فهذه كلها مسكرة كما صرح به النووي وغيره ، وإذا ثبت أن هذه
كلها مسكرة أو مخدرة فاستعمالها كبيرة وفسق كالخمر ، فكل ما جاء في وعيد شارﺑﻬا يأتي في مستعمل شيء
من هذه المذكورات لاشتراكهما في إزالة العقل المقصود للشارع بقاؤه ، لأنه الآلة للفهم عن الله تعالى وعن
رسوله والمتميز به الإنسان عن الحيوان والوسيلة إلى إيثار الكمالات عن النقائص ، فكان في تعاطي ما يزيله
وعيد الخمر .
ويدخل في المفترات القات وقد ألف الهيتمي كتابا سماه [ تحذير الثقات عن استعمال الكفتة والقات ] في
التحذير عنهما ، والأصل في تحريم كل ذلك ما رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه : { ﻧﻬى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر } .
قال العلماء : المفتر كل ما يورث الفتور والخدر في الأطراف ، وهذه المذكورات كلها تسكر وتخدر وتفتر .
وحكى القرافي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة ، قال : ومن استحلها فقد كفر . قال : وإنما لم يتكلم فيها الأئمة الأربعة لأنها لم تكن في زمنهم ، وإنما ظهرت في آخر المائة السادسة وأول المائة السابعة حين ظهرت دولة التتار .
-------------------
ثانياً: ضابط المسكر:
ثمت ضابطان عند أهل العلم في تحديد المسكر ، وهما :
الأول : كل ما أسكر كثيره فقليله حرام
والثاني : كل مسكر خمر، وكل خمر حرام .
فلا يختص الخمر بكونه من العنب بل يكون من سائر المصعومات إذا أسكرت .
والأدلة على هذين الضابطين :
1- عموم الآية السابقة .
2- وعن ابن عمر مرفوعا : " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " رواه مسلم
3- وقال عمر نزل تحريم الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمرة ما خامر العقل متفق
عليه
4- وعن ابن عمر مرفوعا : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني
5- وعن عائشة مرفوعا: " ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام " رواه أبو داود
---------------------
ثالثاً: تحريم الخمر في الشرائع السابقة:
قال الغزالي: لم تشتمل ملة قط على تحليل المسكر وإن اشتملت على تحليل القدر الذي لا يُسكر من جنس
المسكر.
يدل على ذلك ما يلي :
1- نصوص الشريعة التي بينت أن جميع الرسل أتوا لإصلاح أقوامهم وإرشادهم لما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة : وتحريم الخمر من ذلك ، كما قال تعالى على لسان شغيب " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت " وقال موسى لأخيه هارون " اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " وقال صلى الله عليه وسلم:" إنه لم يكن نبي قبلي قط إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، ويحذرهم من شر ما يعلمه لهم" ، وإن من الشر الذي أجمع عليه أرباب العقول هو شرب الخمر.
2- وردت آثار عن الصحابة تدل على أن الخمر كانت محرمة على الأمم السابقة ، فمن ذلك :
• ما روى البيهقي عن عثمان بإسناد صحيح أنه قال: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن
قبلكم يتعبد الله فعلقته إمرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها تطلبه للشهادة، فلما جاء جعلت كلما دخل بابًا
أغلقته دونه حتى انتهى إلى امرأة وضيئة فقالت: إني ما دعوت للشهادة ولكن لتقع علي أو تشرب الخمر-
وكان عنده باطية خمر- أو تقتل هذا الغلام، فقال الخمر أهون، فشرب كأسًا ثم قال زيدوني، فوقع على
المرأة وقتل الغلام، ثم قال عثمان: فاجتنبوا الخمر فإنها أُم الخبائث.
• وكذلك ما ورد عن عبد الله ابن عمرو أنه قال:إن هذه الآية التي في القرآن يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ، قال هي في التوراة : إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل ويبطل به اللعب والمزامير والزفن والكبارات يعني البرابط والزمارات يعني به الدف والطنابير والشعر والخمر لمن طعمها مرة أقسم الله بيمينه وعزمه من شرﺑﻬا بعدما حرمتها لأعطشنه يوم القيامة ومن تركها بعد ما حرمتها لأسقينه إياها في حظيرة القدس رواه ابن أبي حاتم وقال ابن كثير : إسناده صحيح
والزفن: الرقص – والكبرات: البرابط جمع بربط وهو آلة عزف تشبه العود – والزفرات: الدفوف.
والشاهد أن هذه الآية موجودة في التوراة وفيها تحريم الخمر صراحة .
--------------------
رابعاً: حد المسكر:
لا خلاف بين العلماء على وجوب الحد على من شرب مسكراً ، واختلفوا في مقداره على قولين :
القول الأول :
أن حده ثمانون جلدة .
وهذا هو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والمشهور عند الحنابلة .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
بأن هذا هو إجماع الصحابة على عهد عمر بنا الخطاب رضي الله عنه ، حيث استشارهم في حد شارب الخمر فأشاروا عليه أن يجلده ثمانين .
يدل على ذلك ما يلي :
1- عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فجلد بجريدتين نحو أربعين قال
وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر رواه أحمد
ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه
2- وعن علي أنه قال في المشورة إذا سكر هذى وإذا هذى افترى فحدوه حد المفتري رواه الجوزجاني
والدارقطني
3- وعن السائب بن يزيد قال كنا نؤتى بالشارب في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي إمرة أبي
بكر وصدرا من إمرة عمر فنقوم إليه نضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان صدرا من إمرة عمر فجلد فيها
أربعين حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد ثمانين رواه أحمد والبخاري
نوقشت هذه الأدلة :
بأن غاية ما تفيده أن حد الخمر أربعون ، وأن ما زاد عنها إلى الثمانين إنما هو زيادة تعزيرية رآها عمر رضي
الله عنه ، يدل على ذلك ما يلي :
• أنه جاء في هذه الروايات وغيرها أن عمر رضي الله عنه كان يجلد في الخمر في صدر خلافته أربعين ، فلما عتا الناس وفسقوا زاد فيها إلى الثمانين بعدما استشار الصحابة ن فدل ذلك على أنها زيادة تعزيرية منه رضي الله عنه ، اقتضاها حال الناس في عصره ، بل قد ثبت عنه بأسانيد صحيحة أنه تدرج في جلد شارب الخمر من أربعين إلى ستين إلى ثمانين.
• أن عمر رضي الله عنه كان يعزر شارب الخمر – إضافة إلى الحد – بنفيه كما فعل مع ربيعة بن أمية بن خلف ، وأحيانًا بحلق رأسه ، فلو صح اعتبار زيادته عن الأربعين حدًا للزم مثل ذلك في النفي والتحليق ، ولا قائل بذلك .
ودعوى الإجماع هذه غير صحيحة ، فقد خالفه غيره من الصحابة كما سيأتي في أدلة القول الثاني ، إن
شاء الله .
القول الثاني :
أن حده أربعون ، وتجوز الزيادة فيه إلى الثمانين تعزيرًا .
وهذا مذهب الشافعية ، والظاهرية ، ورواية عند الحنابلة ، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- بأن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، طيلة خلافته ، وأقره الصحابة على ذلك فكان إجماعًا ، وقد سبق ذكر الأدلة على ذلك .
2- وعن حصين بن المنذر قال شهدت عثمان بن عفان أتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم
فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد آخر أنه رآه يتقيؤها فقال عثمان إنه لم يتقيأها حتى
شرﺑﻬا فقال يا علي قم فاجلده فقال علي قم يا حسن فاجلده فقال الحسن ول حارها من تولى قارها فكأنه
وجد عليه فقال يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك ثم قال جلد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي رواه مسلم
3- وعن علي قال ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت وأجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر فإنه مات
وديته وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه متفق عليه
ومعناه : لم يقدره ويوقته ، والمقصود ما زاد عن الأربعين. قال ابن القيم رحمه الله : " المراد بذلك أن رسول
الله لم يقدر فيه بقوله تقديرا لا يزاد عليه ولا ينقص الحدود وإلا فعلي رضي الله عنه قد شهد أن رسول الله قد
ضرب فيها أربعين وقوله إنما هو شيء قلناه نحن يعني التقدير بثمانين فإن عمر رضي الله عنه جمع رضي الله
عنهم واستشارهم فأشاروا بثمانين .
وهذا القول هو الصحيح .
قال ابن تيمية : " فمن العلماء من يقول يجب ضرب الثمانين ومنهم من يقول الواجب أربعون والزيادة يفعلها الإمام عند الحاجة إذا أدمن الناس الخمر أو كان الشارب ممن لا يرتدع بدونها ونحو ذلك فأما مع قلة الشاربين وقرب أمر الشارب فتكفي الأربعون وهذا اوجه القولين ، وقد كان عمر رضي الله عنه لما كثر الشرب زاد فيه النفي وحلق الراس مبالغة في الزجر عنه فلو عزر الشارب مع الأربعين بقطع خبره أو عزله عن ولايته كان حسنا "
----------------------
خامساً: في قتل شارب الخمر في الرابعة:
جاءت نصوص متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل شارب الخمر في الرابعة ، فمن ذلك :
1- عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد
فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه " قال عبدالله ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم علي أن
أقتله . رواه أحمد
2- وعن معاوية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم إذا شربوا فاجلدوهم
ثم إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم). رواه الخمسة إلا النسائي
3- عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد الرابعة فاقتلوه قال ثم أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله . رواه الترمذي
4- عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه
فإن عاد فاجلدوه فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به فجلده ثم أتي به فجلده ثم أتي به فجلده ورفع القتل وكانت رخصة). رواه أبو داود
فأخذ جمهور أهل العلم من هذه النصوص أن قتل شارب الخمر في الرابعة منسوخ .
والصحيح أنه ليس بمنسوخ ، بل هو من باب التعزير ، فللإمام ان يفعله إذا رأى المصلحة في ذلك .
قال ابن تيمية : " كذلك قد يقال في أمره يقتل شارب الخمر في الرابعة بدليل ما رواه أحمد في المسند
عن ديلم الحميري رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت :يا رسول الله إنا بأرض
نعالج ﺑﻬا عملا شديدا وإنا نتخذ شرابا من القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا ؟
فقال : هل يسكر ؟
قلت : نعم
قال : فاجتنبوه
قلت : إن الناس غير تاركيه
قال : فإن لم يتركوه فاقتلوهم "
قال ابن تيمية : وهذا لأن المفسد كالصائل فإذا لم يندفع الصائل إلا بالقتل قتل وجماع ذلك أن العقوبة نوعان :
أحدهما : على ذنب ماض جزاء بما كسب نكالا من الله كجلد الشارب والقاذف وقطع المحارب والسارق
والثاني : العقوبة لتأديب حق واجب وترك محرم في المستقبل كما يستتاب المرتد حتى يسلم فإن تاب وإلا قتل وكما يعاقب تارك الصلاة والزكاة وحقوق الآدميين حتى يؤدوها فالتعزير في هذا الضرب أشد منه في الضرب الأول ولهذا يجوز أن يضرب مرة بعد مرة حتى يؤدي الصلاة الواجبة أو يؤدي الواجب عليه "
وقال ابن القيم : " قتل شارب الخمر في الثالثة أو الرابعة ليس بحد ولا منسوخ وإنما هو تعزير يتعلق باجتهاد."
---------------------
سادساً: مسائل في شرب الخمر:
قال أهل العلم : ومن شرب مسكرا مائعا أو استعط به أو احتقن به أو أكل عجينا ملتوتا به ولو لم يسكر
حد ثمانين
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وجوب الحد بأكل الحشيشة سكر أو لم يسكر وضررها من بعض الوجوه
أعظم من ضرر الخمر وإنما حدث أكلها في آخر المائة السادسة أو قريبا منها مع ظهور سيف جنكيز
من تشبه بشراب الخمر في مجلسه وآنيته حرم وعزر لحديث من تشبه بقوم فهومنهم ، وكذا يعزر من
حضر شرب الخمر لحديث ابن عمر مرفوعا ( لعن الله الخمر وشارﺑﻬا وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها
ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه). رواه أبو داود​
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

الفصل الخامس
حد السرقة
أولاً : في حد السارق :
حد السارق هو القطع ، بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة .
أما الكتاب :فقوله تعالى : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "
ومن السنة :عن عائشة مرفوعا: " تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " متفق عليه
-------------------
ثانياً: شروط إقامة حد السرقة :
يجب بثمانية شروط :
الشرط الأول : السرقة :
وهي أخذ مال الغير من مالكه أو نائبه على وجه الإختفاء .
فلا قطع على :
1- منتهب: وهو من يأخذ المال على وجه الغنيمة لحديث جابر مرفوعا "ليس على المنتهب قطع" رواه أبو داود.
2- ومختطف: وهو الذي يختلس الشيء ويمر به.
3- وغاصب .
4- وخائن في وديعة .

والدليل : عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع " رواه الخمسة وصححه الترمذي.


مسألة: اختلف أهل العلم في حكم جاحد العارية :
فالمشهور في مذهب الإمام أحمد قطع جاحد العارية :
واستدلوا بما في الصحيح عن عائشة قالت :"كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتكون يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله عز وجل " ثم قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا فقال : " إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها " فقطع يد المخزومية" رواه أحمد ومسلم والنسائي
وفي رواية قال : "استعارت امرأة يعني حليا على ألسنة ناس يعرفون ولا تعرف هي فباعته فأخذت فأتي ﺑﻬا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمر فقطعت يدها وهي التي شفع فيها أسامة بن زيد وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال" رواه أبو داود والنسائي .
وممن رجح هذا القول الشوكاني ، فقال في نيل الأوطار : "ولا يخفى أن الظاهر من أحاديث الباب أن القطع
كان لأجل ذلك الجحد كما يشعر به قوله في حديث ابن عمر بعد وصف القصة فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقطعت يدها ، وكذلك بقية الألفاظ المذكورة ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بأنها سرقت فإنه يصدق على جاحد الوديعة بأنه سارق فالحق قطع جاحد الوديعة ويكون ذلك مخصصا للأدلة
الدالة على اعتبار الحرز ووجهه أن الحاجة ماسة بين الناس إلى العارية فلو علم المعير أن المستعير إذا جحد لا شيء عليه لجر ذلك إلى سد باب العارية وهو خلاف المشروع " .
وذهب الجمهور إلى عدم وجوب القطع لمن جحد العارية :
واستدلوا على ذلك : بأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق والجاحد للوديعة ليس بسارق .
وأجاب الجمهور عن أحاديث قطع المخزومية : بأن الجحد للعارية وإن كان مرويا فيها من طريق عائشة
وجابر وابن عمر وغيرهم لكنه ورد التصريح في الصحيحين وغيرهما بذكر السرقة ، ومما يؤيد ذلك :
1- في رواية من حديث ابن مسعود أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرجه
ابن ماجة والحاكم وصححه وأبو الشيخ وعلقه أبو داود والترمذي
2- ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليا، قالوا : والجمع ممكن بأن يكون الحلي في القطيفة فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرق فذكر جحد العارية لا يدل على أن القطع كان له فقط .
3- قالوا :ويمكن أن يكون ذكر الجحد لقصد التعريف بحالها وأنها كانت مشتهرة بذلك الوصف والقطع كان للسرقة كذا قال البيهقي والنووي وغيرهما
4- ويؤيد هذا ما في الحديث المتقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف الخ فإن ذكر هذا عقب ذكر المرأة المذكورة يدل على أنه قد وقع منها السرق .
والأقرب والله أعلم هو القول الثاني أن جاحد العارية لايقطع .
------------------
الشرط الثاني : كون السارق مكلفا مختارا عالما :
لأن غيرالمكلف مرفوع عنه القلم ، ولأن المكره معذور ، وكذا الجاهل .
الشرط الثالث : كون المسروق مالا :
لأن القطع شرع لصيانة الأموال فلا يجب في غيرها والأخبار مقيدة للآية ، فلا قطع بسرقة ماء لا يتمول عادة ، ولا بإناء فيه خمر ، ولا بكتب بدعة وتصاوير لوجوب إتلافها أشبهت المزامير ومثل ذلك سائر الكتب المحرمة ولا بآلة لهو كالطنبور والمزمار والطبل لغير الحرب ونحوها لأا معصية كالخمر ومثله نرد وشطرنج ، ولا بصليب أوصنم من ذهب أو فضة لأنه مجرم أشه الطنبور .
ويقطع بسرقة مصحف ، وماء معد للبيع .
الشرط الرابع : أن يبلغ المال المسروق النصاب في السرقة :
وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار أو ما يساوي أحدهما ، فلا قطع بسرقة ما دون ذلك :
- لحديث عائشة مرفوعا لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه ،
وهو يخصص عموم الآية
- وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم رواه الجماعة .
وأما حديث أبي هريرة مرفوعًا : " لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده " متفق عليه ، فيحمل على حبل يساوي ذلك وكذا البيضة.
ويحتمل: أن يراد ﺑﻬا بيضة السلاح وهي تساوي ذلك. جمعا بين الأخبار كما حكى البخاري عن الأعمش.

ويحتمل : أن سرقة القليل ذريعة إلى سرقة النصاب بالتدريج ذكر معناه ابن القيم في الهدى.


مسألة: تعتبر القيمة حال الإخراج من الحرز لأنه وقت الوجوب لوجود السبب فيه

الشرط الخامس: إخراجه من حرز :
في قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي والحنابلة .
والأدلة على ذلك:
1- حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا من مزينة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الثمار فقال ما أخذ أكمامه واحتمل ففيه قيمته ومثله معه وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن رواه أبو داود وابن ماجه وفي لفظ ومن سرق منه شيئا بعد أو يؤويه الجرين فبلغ ثمن اﻟﻤﺠن فعليه القطع رواه أبو داود والنسائي وزاد وما لم يبلغ ثمن اﻟﻤﺠن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال.

2-وعن رفع بن خديج مرفوعا لا قطع في ثمر ولا كثر رواه الخمسة
فلو سرق من غير حرز فلا قطع لفوات شرط

مسألة:
حرز كل مال ما يحفظ فيه عادة ، وهو يختلف باختلاف الأموال والأزمنة والأمكنة ، وجور السلطان وعدله ، لأن معناه الحفظ ولأن الشرع لما اعتبر الحرز ولم يبينه علمنا أنه رده إلى العرف كالقبض.
وذكر الفقهاء لذلك أمثلة فقالوا :
- فنعل برجل وعمامة على رأس حرز.
- ونوم على متاع أو رداء حرز ، فعن صفوان بن أمية قال كنت نائما في المسجد على خميصة لي فسرقت فأخذنا السارق فرفعناه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بقطعه ، فقلت يا رسول الله: " أفي خميصة ثمن ثلاثين درهما أنا أهبها له أو أبيعها له " قال : " فهلا كان قبل أن تأتيني به " . رواه الخمسة إلا الترمذي.


- وحرز الكفن كونه على الميت في القبر لقول عائشة رضي الله عنها سارق أمواتنا كسارق أحيائنا وروي عن ابن الزبير أنه قطع نباشا
.
- ووضع البهائم في مراحها حرز لها.
- وإغلاق باب الدكان إحراز له.
- وقفل السيارة إحراز لها أيضًا ، وهكذا .
قال أهل العلم : ويختلف الحرز بالبلدان والسلاطين لخفاء السارق بالبلد الكبير لسعة أقطاره أكثر من خفائه في البلد الصغير وكذا السلطان إن كان عدلا يقيم الحدود قل السراق قلا يحتاج الإنسان إلى زيادة حرز وإن كان جائرا يشارك من التجأ إليه ويذب عنهم قويت صولتهم فيحتاج أرباب الأموال إلى زيادة التحفظ وكذا الحال مع قوته وضعفه.

مسألة:

لو اشترك جماعة في هتك وإخراج النصاب قطعوا جميعا ، لوجود سبب القطع منهم كالقتل وكما لو
كان ثقيلا فحملوه ، ويقطع سارق نصاب لجماعة ، وإن هتك الحرز أحدهم ودخل الآخر فأخرج المال
فيقطعان معًا إذا كانا متواطئين .
--------------------

الشرط السادس : انتفاء الشبهة :
1. فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله ، أما ولده فلحديث : أنت ومالك لأبيك " ، وأما أصوله
فلوجوب نفقة أحدهم على الآخر ، ولأن بينهم قرابة تمنع شهادة بعضهم لبعض فلا يقطع به ، لأن الحدود تدرأ بالشبهات


.
2. ولا يقطع أحد الزوجين بسرقته من مال الآخر رواه سعيد عن عمر بإسناد جيد ، ولأن كل واحد منهما يرث صاحبه بغير حجب وينبسط في ماله أشبه الولد .
3. ولا بسرقة من مال له فيه شرك أو لأحد ممن ذكر كأصوله وفروعه ونحوهم لقيام الشبهة فيه بالبعض الذي لا يجب بسرقته قطع
4. ولا قطع على مسلم سرق من بيت المال لذلك ولقول عمر وابن مسعود من سرق من بيت المال فلا قطع ما من أحد إلا وله في هذا المال حق .
--------------
الشرط السابع : ثبوتها:
1. إما بشهادة عدلين يصفاﻧﻬا ، لقوله تعالى : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " والأصل عمومه لكن
خولف فيما فيه دليل خاص للدليل فبقي فيما عداه على عمومه


.
2. أو بإقرار السارق مرتين ويصفها في كل مرة ، لاحتمال ظنه وجوب القطع مع فقد بعض شروطه وحكم رجوعه عن اعترافه ، وتلقين القاضي له ، كحكم الزاني :

فإن كان قد قبض عليه وجيء به ، فلا يشرع تلقينه ، ولايقبل رجوعه ، أما إن كان قد جاء تائبًا إلى الحاكم فله تلقينه ، ويقبل رجوعه عن إقراره ، لحديث أبي أمية المخزومي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلص قد اعترف فقال ما إخالك سرقت قال بلى فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا قال بلى فأمر به فقطع رواه أحمد وأبو داود .
---------------------
الشرط الثامن مطالبة المسروق منه بماله:

أو مطالبة وكيله أو وليه إن كان محجورا عليه لحظة ، لأن المال يباح بالبذل والإباحة فيحتمل إباحة مالكه إياه ، أو إذنه له في دخول حرزه ونحوه مما يسقط القطع فاعتبر الطلب لنفي هذا الاحتمال وانتفاء الشبهة.

مسألة:


قال أهل العلم : لا قطع عام مجاعة وغلاء إن لم يجد ما يشتري به ، لقول عمر لا قطع في عام سنة
قيل

: أهو قول تقول به قال : أي لعمري لا أقطعه إذا حملته الحاجة والناس في شدة ومجاعة .
------------------------
ثالثاً: في كيفية القطع:
متى توفرت شروط السرقة في السارق قطعت يده اليمنى من مفصل كفه ، لأن في قراءة عبدالله بن مسعود: "فاقطعوا أيمانهنا"
وروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من مفصل الكوع ولا مخالف لهما في الصحابة ، وغمست وجوبا في زيت مغلي لتنسد أفواه العروق لئلا يترفه الدم فيؤدي إلى موته.
فإن عاد قطعت رجله اليسرى قياسا على القطع في المحاربة ، ولأنه أرفق به ليتمكن من المشي على خشبة ولو قطعت يمناه لم يمكنه ذلك ، وهذا الحكم باتفاق الأئمة الأربعة ، وحكاه بعضهم إجماعًا.
ويكون القطع من مفصل كعبه ويترك عقبه لما روى عن علي أنه كان يقطع من شطر القدم ويترك له عقبا
يمشي عليها.
فإن عاد فقد اختلف العلماء في حكمه على قولين:
القول الأول:
أنه في الثالثة تقطع يده اليسرى ، وفي الرابعة تقطع رجله اليمنى ، فإن سرق بعد ذلك حبس وعزر.
وهذا مذهب المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة.
استدل أصحاب هذا القول بأحاديث ضعيفة من أبرزها:
حديث أبي هريرة مرفوعا من سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ، فإن عاد فاقطعوا يده ، فإن عاد فاقطعوا رجله . " . أخرجه الدارقطني ، وهو حديث ضعيف .
القول الثاني:
أنه إن عاد في الثالثة فلا يقطع منه شيء بل يعزر ويحبس حتى يتوب أو يموت .
وهذا مذهب الحنفية والمشهور من مذهب الحنابلة.
استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1- بما روي أن عمر رضي الله عنه أتى برجل أقطع الزند والرجل قد سرق فأمر به عمر أن تقطع رجله
فقال علي


: إنما قال الله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية" وقد قطعت يد هذا ورجله فلا
ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها إما أن تعزره وإما أن تستودعه السجن فاستودعه
السجن

. رواه سعيد
2- وعن سعيد المقبري قال : إن علي بن أبي طالب أتى برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق فقال لأصحابه : ما ترون في هذا ؟
قالوا


: اقطعه يا أمير المؤمنين .
قال: قتلته إذا وما عليه القتل ، بأي شيء يأكل الطعام ؟ بأي شيء يتوضأ للصلاة ؟ بأي شيء يقوم لحاجته ؟ فرده إلى لسجن أياما ، ثم أخرجه ، فاستشار أصحابه فقالوا مثل قولهم الأول وقال لهم مثل ماقال أولا فجلده جلدا شديدا ثم أرسله . رواه عبدالرزاق في مصنفه .
وفي رواية أنه رضي الله عنه قال : "إني لأستحيي من الله ألا أدع له يدًا يأكل ﺑﻬا ويستنجي "


وهذا القول هو الصحيح ، والله أعلم.
مسألة:

قال أهل العلم : يجتمع على السارق القطع والضمان ، لأنهما حقان لمستحقين فجاز اجتماعهما كالدية والكفارة في القتل الخطأ ، فيرد ما أخذ لمالكه إن كان باقيا لأنه عين ماله وإن كان تالفا فعليه ضمانه لأنه مال آدمي تلف تحت يد عادية فوجب ضمانه ، ويعيد ما خرب من الحرز لأنه متعد .
--------------------
رابعاً : في بعض المقاصد الشرعية في حد السرقة :
المقصد الأول:
إن قيل : ما الحكمة في قطع يد السارق ؟ وهل في هذا إلا زيادة في الإتلاف وتنكيل في السارق بما لا يستحقه من العقوبه ؟ إذ يكفي لردعه ما هو أقل من ذلك ؟
فالجواب من أوجه


:
الوجه الأول : وهو جواب مجمل أشار إليه ابن القيم في الحكمة من مشروعية سائر الحدود ، ذلك أن من شرع هذه العقوبات ورتبها على أسباﺑﻬا جنسا وقدرا هو عالم الغيب والشهادة ، وأحكم الحاكمين ، وأعلم العالمين ، ومن أحاط بكل شيء علما وأحاط علمه بوجوه المصالح دقيقها وجليلها ما يمكن اطلاع البشر عليه وما لا يمكنهم ، وليست هذه التقديرات خارجة عن وجوه الحكم والغايات المحمودة ، كما أن التقديرات الواقعة في خلقه كذلك ، فهذا في خلقه وذاك في شرعه، ومصدرهما جميعا عن كمال علمه وحكمته ووضعه كل شيء في موضعه الذي لا يليق به سواه ، فشمل إتقانه وإحكامه لكل ما شمله خلقه كما قال تعالى : { صنع الله الذي أتقن كل شيء } وإذا كان سبحانه قد أتقن خلقه غاية الإتقان ، فلأن يكون تشريعه في غاية الإتقان أولى وأحرى .
وسبحان الله ما أعظم ظلم الإنسان وجهله فإنه لو اعترض على أي صاحب صناعة كانت ممن تقصر عنها معرفته وإدراكه على ذلك وسأله عما اختصت به صناعته من الأسباب والمقادير وكيف كان كل شيء من ذلك على الوجه الذي هو عليه لا أكبر ولا أصغر ولا على شكل غير ذلك يسخر منه ، ويهزأ به ، وعجب من سخف عقله وقلة معرفته ، هذا مع أن صاحب تلك الصناعة غير مدفوع عن العجز والقصور وعدم الإحاطة والجهل ثم لا يسعه إلا التسليم له ، والاعتراف بحكمته ، فهلا وسعه ذلك مع أحكم الحاكمين وأعلم العالمين ومن أتقن كل شيء فأحكمه وأوقعه على وفق الحكمة.
الوجه الثاني: أن الله شرع عقوبة السارق فكان أليق العقوبات به إبانة العضو الذي جعله وسيلة إلى أذى
الناس ، فكانت عقوبته به أبلغ وأردع من عقوبته بالجلد ، ولم تبلغ جنايته حد العقوبة بالقتل


.
ولما كان ضرر المحارب أشد من ضرر السارق وعدوانه أعظم ، ضم إلى قطع يده قطع رجله ، ليكف عدوانه ، وشر يده التي بطش ﺑﻬا ، ورجله التي سعى ﺑﻬا ، وشرع أن يكون ذلك من خلاف لئلا يفوت عليه منفعة الشق بكماله ، فكف ضرره وعدوانه ، ورحمه بأن أبقى له يدا من شق ورجلا من شق.
الوجه الثالث: أن الله شرع القطع وجعل له شروطًا لايكون إلا ﺑﻬا حتى ينحصر تطبيقه في أقبح صور الاعتداء وأشدها بشاعة ، وقد سبق الإشارة إلى هذه الشروط .
-----------------

المقصد الثاني:
إن قيل: ما الحكمة في قطع السارق وعدم قطع الغاصب والخائن والمنتهب والمختلس ؟
فالجواب


:
أن جريمةالسرقة أعظم من هذه الجرائم لما يلي :
1- أن السارق لا يمكن الاحتراز منه ، فإنه ينقب الدور ويهتك الحرز ويكسر القفل ، ولا يمكن صاحب
المتاع الاحتراز بأكثر من ذلك ، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضا ، وعظم الضرر ، واشتدت المحنة بالسراق ، بخلاف المنتهب والمختلس ، فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس ، فيمكنهم أن يأخذوا على يديه ، ويخلصوا حق المظلوم ، أو يشهدوا له عند الحاكم ، وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره ، فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه ، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الاختلاس ، فليس كالسارق

2- وكذلك فإن السرقة تتضمن الترويع والتخويف واختلال الأمن بخلاف هذه الذنوب .
3- ثم إن درء الحد عن هؤلاء لا يعني عدم معاقبتهم إذ يسوغ كف عدوانهم بالضرب والنكال والسجن
الطويل والعقوبة بأخذ المال ونحو ذلك من التعازير


.

----------------
المقصد الثالث:
فإن قيل : مالحكمة في قطع السارق في ربع دينار مع أن دية اليد إذا قطعت بمئات الدنانير ، وهل هذا إلا نوع تناقض ؟
فالجواب


:
بأن هذا من أعظم المصالح والحكمة ، فإن الله احتاط في الموضعين للأموال والأطراف، فقطعها في ربع دينار حفظا للأموال ، وجعل ديتها خمسمائة دينار حفظا لها وصيانة ، وقد أورد بعض الزنادقة هذا السؤال وضمنه بيتين ، فقال :
يد بخمسمئي من عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار

تناقض ما لنا إلا الســـــــــــكوت له وأن نعوذ بمولانـــــــــا من العار


فأجابه بعض الفقهاء بأنها كانت ثمينة لما كانت أمينة ، فلما خانت هانت ، وضمنه الناظم قوله:
حماية الدم أغلاها وأرخصها خيانة المال فانظر حكمة الباري
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

الفصل السادس
حد الحرابة ( قطاع الطريق )

أولاً : في تعريف الحرابة :
الحرابة في اللغة : مشتقة من اَلحَرَب، بالتحريك ، وهو أن يسلب الرجل ماله .
والمحاربون في الاصطلاح الشرعي : هم المكلفون الملتزمون من المسلمين وأهل الذمة ، الذين يخرجون على الناس بالسلاح فيأخذون أموالهم مجاهرة .
فقطع الطريق يشترط فيه شرطان :
الأول : أن يكون على سبيل اﻟﻤﺠاهرة والغلبة ، فإن كانوا مختفين فسراق ، وإن اختطفوا وهربوا فمنتهبون لا قطع عليهم لأن عادة قطاع الطريق القهر فاعتبر ذلك فيهم .
والثاني : إشهار السلاح ، فمن لم يكن معه سلاح ، فليس بمحارب ، لأنه لايمنع من قصده ، قال ابن قدامة :
" لا نعلم فيه خلافًا " .
والأصل في حد الحرابة قوله تعالى : " إنما جزاء الذين يحاربون لله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ، إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ".
قال ابن عباس وأكثر المفسرين : نزلت في قطاع الطريق من المسلمين
قال في الشرح الكبير : " وحكى عن ابن عمر أنها نزلت في المرتدين وقال أنس في العرنيين الذين استاقوا إبل الصدقة وارتدوا ، ولكن يرد هذا التأويل قوله تعالى إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم والكفار تقبل توبتهم بعد القدرة عليهم" . انتهى
ويعتبر ثبوته ببينة أو إقرار كالسرقة .
----------------
ثانياً: هل يشترط في الحرابة : الحرز ، والنصاب ؟
اختلف العلماء في ذلك :
فذهب بعض العلماء إلى أن من شرطه :أن يأخذوا المال من حرز ، وأن يبلغ المال المسروق نصابًا ، قياسًا على السرقة ، فلو لم ياخذه من حرز ، أو لم يبلغ المال المسروق نصابًا ، فليس بقاطع طريق .
والصحيح أن الحرز والنصاب ليسا بشرط ، لأن العلة في قطع الطريق هي الرعب ونشر الفساد ، وليس أخذ المال ، فلا يصح قياسه على السرقة ، بل إن الحد يجب في قطع الطريق ولو لم يأخذوا مالاً أصلاً.
----------------
ثالثاً : هل من شرط قطع الطريق أن يكون خارج المصر ؟
اتفق العلماء على أن الحرابة تكون خارج المصر ، واختلفوا فيمن حارب داخل المصر ، فذهب بعضهم إلى أن الحرابة لاتكون إلا في خارج المصر ، فلو قطع الطريق داخل البلد فليس بحرابة ، لوجود الغوث .
والصحيح : أن الحرابة كما تكون خارج المصر تكون داخله أيضًا ، لعموم الآية ، ولأن الرعب كما يكون خارج المصر يكون كذلك داخلها .
قال ابن حزم رحمه الله : " كل من حارب المار وأخاف السبيل بقتل نفس ، أو أخذ مال ، أو لجراحة ، أو لانتهاك فرج فهو محارب عليه وعليهم – كثروا أو قلوا- حكم المحاربين المنصوص في الآية ، لأن الله تعالى لم يخص شيئاً من هذه الوجوه "
وهذا القول هو اختيار جمع من المحققين من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، وغيرهما ، وهو رواية في مذهب أحمد ، وعليه تدل الآية الكريمة ، إذ ليس في الآية تخصيصه في الصحراء أو في حال دون حال ، فتبقى الآية على عمومها .
---------------
رابعاً : حكم المحاربين :
اختلف العلماء في عقوبة المحاربين بسبب اختلافهم في المراد ب " أو " في الآية ، هل هي للتنويع على حسب الجناية ، أم أﻧﻬا للتخيير ؟
ولهم في ذلك قولان :
القول الأول :
أن " أو " للتنويع وبيان أن لكل جناية عقوبة .
ويكون حكمهم كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية قال : " إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض "
وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة ، والأحناف على تفصيل قريب من هذا في مذهبهم .
وعلى هذا القول فللمحاربين أربعة أحكام :
1- إن قتلوا وأخذوا مالا حتم قتلهم وصلبهم حتى يشتهروا ليرتدع غيرهم ثم يغسلوا ويكفنوا ويصلى عليهم ويدفنوا .
2- وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ، وحكم الردء كالمباشر على الصحيح من أقوال أهل العلم وبه قال مالك وأحمد .
3- وإن أخذوا مالا ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف حتما ، لوجوبه لحق الله تعالى في آن
واحد فلا ينتظر لقطع أحدهما اندمال الآخر لأنه تعالى أمر بقطعهما والأمر للفور فتقطع يده اليمنى ورجله اليسرى لقوله من خلاف ، والحكهة في كون القطع من خلاف : الإرفاق به ، لئلا يفوت عليه منفعة الشق بكماله ، فيستطيع أن يمشي بعصا بد ً لا من رجله المقطوعة وتكئ عليها بيده .
4- وإن أخافوا الناس ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض فلا يتركون يأوون إلى بلد حتى تظهر توبتهم وتنفي
الجماعة متفرقة كل إلى جهة لئلا يجتمعوا على المحاربة .
استدل أصحاب هذا القول :
أ- بما روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا برزة الأسلمي فجاء ناس يريدون الإسلام فقطع عليهم أصحابه فترل جبريل عليه السلام بالحد فيهم أن من قتل وأخذ المال قتل وصلب ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف . وهذا الحديث ضعيف
ب- وبتفسير ابن عباس المتقدم .
القول الثاني :
أن " أو " في الآية للتخيير وليست للتنويع .
فيكون معنى الآية أن للإمام أن يجتهد في اختيار العقوبة المناسبة مما هو مذكور في الآية ، فمن كان منهم رئيسًا مطاعًا أو ذا شوكة أو كان معروفًا بالإجرام فله قتله إذا رأى في ذلك مصلحة وإن لم يقتل ، وله أن يقطع إذا رأى في ذلك مصلحة وإن لم يأخذ ما ً لا ، كما أن له أن يخفف العقوبة عمن لم يعهد منه الإجرام ، وليس بذي شوكة ، بأن يقتصر على نفيه ، وهكذا ، فالأمر موكول إلى اجتهاد الحاكم بأن يتخير العقوبة المناسبة مما هو مذكور في الآية .
وهذا مذهب المالكية والظاهرية ، ورواية عند الحنابلة ، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية .
أدلة هذا القول :
أ- أن التقسيم الذي ذكره أصحاب القول الأول لا دليل عليه ، والحديث المذكور ضعيف ، وتفسير ابن
عباس رضي الله عنهما اجتهاد منه .
ب- ومما يؤيد هذا القول : أنه بمقتضى القول الأول فإن المحاربين لو ارتكبوا جرائم غير أخذ المال والقتل فإن عقوبتهم لاتكون هي حد قطاع الطريق ، بل تكون عقوبات جرائم عادية ، كجريمة الاغتصاب ، وترويج المخدرات ،ونحو ذلك ، فهذه ليست من حد الحرابة عند أصحاب القول الأول ، وإنما فيها حد الزنا أو التعزير ، مع أنها أشد ضررًا وأعظم فحشًا من أخذ المال ، وهذا بلا شك مخالف للقواعد الشرعية ، فإن الحرابة في الفروج أعظم منها في الأموال .
ج- ومما يؤيد هذا القول : أن الله نعالى أوجب حد الحرابة متى ما تحقق أمران : المحاربة ، والسعي في الأرض فسادًا ، وهو أشمل من أن يكون بالقتل أو أخذ المال ، فمتى تحقق هذان الشرطان في جريمة فإنها تكون جريمة حرابة ، وعند أصحاب القول الأول لاتكون الحرابة إلا في الأنفس أو في الأموال ، وفي هذا تقييد للآية بغير دليل ، أما القول الثاني فإنه أرحب مجا ً لا وهو يعطي الإمام حرية واختيارًا وصلاحية أكثر في ردع اﻟﻤﺠرمين ، وتنفيذ حد الحرابة في كل ما يجد في حياة الناس من الجرائم التي يقصد منه الإفساد في الأرض ، ومحاربة الله ورسوله .
والقول الثاني هو الصحيح والله أعلم .
-------------------
خامساً : في الجرائم التي ألحقها أهل العلم بجريمة الحرابة :
تبين لنا مما سبق أن جريمة الحرابة يقصد منها الإفساد في الأرض ونشر الرعب في قلوب الناس ، وترويع الآمنين .
وهذا هو الفرق بين جريمة الحرابة وغيرها من الجرائم .
ففي الحرابة لا يستهدف المحارب شخصًا بعينه لينتقم منه ، بل قصده نشر الرعب في قلوب العامة ، فهو حين يقطع الطريق لايقصد شخصًا بعينه بل يقصد كل من مر .
بينما الجرائم الأخرى شخصية ، فالسارق إنما يقصد ذلك المترل ، والقاتل إنما يقصد ذلك الشخص بعينه لينتقم منه ، ولذلك كانت عقوبة الحرابة أشد وأنكى ، ولايقبل فيها عفو اﻟﻤﺠني عليه ، لأنها حق لله .
فمما ألحقه أهل العلم بالحرابة :
1- قتل الغيلة : ( عند المالكية ) : وهو القتل على حين غرة من اﻟﻤﺠني عليه ، والسبب في ذلك أنه لا يمكن التحرز منه ، لأن الجاني يخادع المقجني عليه فيقتله من حيث هو آمن ، مثل أن تقتل المرأة زوجها وهو نائم ، أو يخرج برجل خارج البنيان ثم يقتله ونحو ذلك .
وعلى هذا فإن القاتل غيلة يقتل مطلقًا ولو عفا أولياء القتيل لأن قتله حد لا قصاص .
2- ترويج المخدرات وتهريبه إلى داخل بلاد المسلمين :لأنها جريمة عامة تستهدف إفساد الأمة ، بخلاف تعاطي المخدرات فإنها جريمة خاصة .
3- تزييف عملة المسلمين : فهذه من الجرائم العامة التي يصعب التحرز منها ، وإذا انتشرت العملة المزيفة في بلاد المسلمين دب الفساد في أسواقهم ، ولم يأمن الناس في التعامل بعملتهم .
-----------------
سادساً : في مدة الصلب :
اختلف أهل العلم في مدة الصلب ، فقيل ثلاثة أيام بعد قتله ، وقيل يوم وليلة ، والصحيح أن ذلك راجع إلى اجتهاد الإمام ، فمتى رأى أن المقصود من الصلب قد تحقق بارتداع الناس واعتبارهم ، فإنه يترل المصلوب ثم إن كان مسلمًا فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين .
--------------------
سابعاً: في معنى النفي في الآية ؟
قيل : النفي : أي الطرد من بلدهم ، وقيل الحبس في بلدهم ، وقال ابن عباس : نفيهم إذا هربوا أن يطلبوا حتى يؤخذوا فتقام عليهم الحدود .
والأظهر : أنهم ينفون من بلدهم ويحبسون في البلد التي نفوا إليها ، لأن تشريدهم يقضي إلى إغرائهم في العود في جرائمهم .
------------------
ثامناً : حكم من تاب منهم قبل القدرة عليه ؟
من تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حقوق الله تعالى من : نفي وقطع يد ورجل وتحتم قتل وصلب
لقوله تعالى : " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " ، وأخذ بحقوق
الآدميين من : نفس وطرف ومال إلا أن يعفى له عنها من مستحقها لأنه حق آدمي فلا يسقط بالتوبة
كالضمان .
ومثل ذلك سائر الحدود كالزنا والسرقة وشرب الخمر فمن تاب منها قبل القدرة عليه سقط عنه حق الله فيها ، وأخذ بحق الآدميين .
---------------------
تاسعاً : أحكام دفع الصائل :
1- معنى الصيال :
الصيال : أن يعتدى على الشخص في نفسه أو ماله أو حريمه ، سواء كان المعتدي آدميًا أو حيوانًا .
2- الأدلة على مشروعية دفع الصائل :
1. قال عليه الصلاة والسلام : " من قتل دون فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد "
2. وعن أبي هريرة جاء رجل فقال : "يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال قاتله قال أرأيت إن قتلني قال فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو في النار" رواه أحمد ومسلم.
==============
3- حكم دفع الصائل :
أولاً: الدفاع عن العرض : يجب أن يدفع عن حريمه كأمه وأخته وزوجته ونحوهن إذا أريدت بفاحشة أو قتل، لأنه يؤدي بذلك حق الله من الكف عن الفاحشة والعدوان وحفظ نفسه بالمنع عن أهله فلا يسعه إضاعة الحقين .
وكذا يلزمه الدفاع عن حريم غيره لئلا تذهب الأنفس وتستباح الحرم ، ويسقط وجوب الدفع بإياسه من
فائدته .
فائدة : قال أهل العلم يشرع الخروج إلى صيحة ولو ليلا لقول أنس فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق أناس قبل الصوت فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول لم تراعوا لم تراعوا متفق عليه
ثانيًا : الدفاع عن النفس : فيه تفصيل :
ففي غير الفتنة : يجب عليه الدفاع عن نفسه ، لقوله تعالى : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " فإذا حرم قتل نفسه حرم عليه إباحة قتلها ، وكذا يجب عليه الدفاع عن نفس غيره ، لقوله صلى الله عليه وسلم :" انصر أخاك ظالما أو مظلوما" .
وإن كان ثم فتنة :لم يجب الدفع عن نفسه ولا نفس غيره ، لقصة عثمان رضي الله عنه ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الفتنة : " اجلس في بيتك فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فغط وجهك "
وفي لفظ " فكن كخير ابني آدم " وفي لفظ " فكن عبدالله المقتول ولا تكن عبدالله القاتل " .
ثالثًا : الدفاع عن المال : فيه تفصيل :
فبالنسبة لماله : يجوز له الدفاع عن مال نفسه أي ولا يجب عليه ، فله بذله لمن أراده منه ظلما ، وبذله أفضل من الدفع عنه ، لأن المال غاد ورائح بخلاف النفس فإنه لاعوض لها ، قال أحمد : أرى دفعه إليه ولا يأتي على نفسه لأنها لا عوض لها ، ولا يلزمه حفظه من الضياع والهلاك .
وأما دفاعه عن مال غيره : فقد قال جمع من أهل العلم بوجوبه إذا كان قادرًا على الدفاع عنه من غير ضرر عليه ، قال في الفروع : وأطلق الشيخ تقي الدين – يقصد ابن تيمية - لزومه عن مال غيره وقال - في جند قاتلوا عربا نهبوا أموال تجار ليردوه إليهم- : " هم مجاهدون في سبيل الله ولا ضمان عليهم بقود ولا دية ولاكفارة " .
===============
4- في كيفية دفع الصائل :
من اعتدي عليه في نفسه أو ماله أو عرضه فله دفعه بالأسهل فالأسهل ، فإن اندفع بالأسهل حرم الأصعب لعدم الحاجة إليه ، فإن لم يندفع إلا بالقتل فله قتله ولا شيء عليه وإن قتل كان شهيدًا .
وإذا ولى هاربًا فليس له أن يعتدي عليه لأنه ليس بصائل حينئذِ ، وعقوبته موكولة إلى الإمام .
قال أهل العلم : إن كان يندفع شره بالموعظة أو بالصراخ فلا يجوز ضربه ، فإن ضربه ضمن ، وإن كان
يندفع بالضرب الخفيف فلا يجوز الضرب الشديد ، وإن كان يندفع بالضرب فلا يجوز قطعه أو جرحه ، وإن كان يندفع بالقطع أو بالجرح فلا يجوز قتله .
ويستثنى من ذلك حالتان :
الأولى : إذا خشيت أن يباغتك بالقتل فلك أن تقتله ، لأن الأصل أنه معتدي ولا تؤمن غائلته .
والثانية : أن تقصد ضربه فتخطئ فتقتله .
ففي كلا الحالتين لا ضمان ولا إثم .
================
5- من قتل شخصًا في داره وادعى أنه صال عليه ، أو على حريمه ، أو على ماله فهل تقبل دعواه ؟
أما ديانة : فإن كان صادقًا فلا إثم عليه فيما بينه وبين الله .
وأما قضاءً : فالأصل أنه لايقبل قوله إلا ببينة .
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية جواز العمل بقرائن الأحوال في مثل هذه المسألة ، مثل أن يكون الرجل المقتول معروفًا بالفساد ، والقاتل معروفًا بالصلاح .
فإن لم يكن ّ ثم بينة ولا قرائن تدل على صدق دعواه ، فيجب عليه القصاص عند عامة أهل العلم ، قال ابن قدامة : " لاأعلم فيه خلافًا " ، وسواء وجد القتيل في دار القاتل أو في غيرها ، وسواء وجد بحوزته سلاح أم لم يوجد .
والأدلة على ذلك :
1- أن الأصل براءة ذمة المقتول مما يدعيه ، فلا تثبت دعواه إلا ببينة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ".
2- ولما روي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن رجل وجد مع امرأته رجلاً فقتله ، فقال : " إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته " أي ليقتص منه إن لم يقم البينة على الزنا ، والبينة في الزنا أربعة شهود .
3- ولأنه لو لم يطالب القاتل بالبينة لكان في ذلك ذريعة لكل من أراد قتل شخص أن يستدرجه إلى بيته فيقتله ، ثم يدعي أنه صال عليه.
=============
6- هل يجوز لمن رأى رجلاً يفجر بأهله أن يقتله ؟
الجواب : أما ديانة : فيجوز له ذلك ، ولا إثم عليه ، سواء كان الزاني محصنًا أم غير محصن ، على الصحيح من أقوال أهل العلم ، ولا يحتاج إلى إذن حاكم ، ولا يلزمه أن يدفعه بالأسهل فالأسهل ، لأن هذا ليس من باب دفع الصائل ، بل هو من باب عقوبة المعتدين المؤذين ، ودمه في هذه الحال هدر ، فلا قصاص ولادية ، لأنه قتل بحق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومن رأى رجلاً يفجر بأهله جاز له قتلهما فيما بينه وبين الله تعالى ، وسواء كان الفاجر محصنًا ، أو غير محصن ، معروفًا بذلك أم لا ، كما دل عليه كلام الأصحاب وفتاوى الصحابة ،..إلى أن قال : وليس هذا من باب دفع الصائل كما ظن بعضهم بل هو من باب عقوبة المعتدين " .اه
والأدلة على ذلك ما يلي :
1- أن هذا من باب عقوبة المعتدين ، فهو كقوله عليه الصلاة والسلام : " من اطلع على بيت قوم بغير إذﻧﻬم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه " متفق عليه ، فهذا لايلزمه أن يدفعه بالأسهل ، ولا يحتاج إلى إذن حاكم ، فقد ثبت في الصحيحين أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ينظر من خصاص الباب فأخذ عليه الصلاة السلام مشاقصًا وجعل يتقي بالجدار ليفقأ به عينه ، فلما وصل إليه كان الرجل قد ولى .
و يستفاد من هذا الحديث : أنه يجوز إيقاع العقوبة على المعتدي حال اعتدائه ، أما إذا ولى فلا يطلبه ، بل يستقيد له الحاكم .
2- حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه ففي الصحيحين أنه لما نزل قزله نعالى : " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة – الآية " قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح عنه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتعجبون من غيرة سعد ؟ فوالله لأنا أغير منه والله أغير منى من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا شخص أغير من الله ولا شخص أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين ولا شخص أحب إليه المدحة من الله من أجل ذلك وعد الله الجنة .
والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر مقولة سعد تلك .
3- ماورد عن عمر رضي الله عنه بينما هو يتغذى يوما إذ أقبل رجل يعدو ومعه سيف مجرد ملطخ بالدم فجاء حتى قعد مع عمر فجعل يأكل وأقبل جماعة من الناس فقالوا يا أمير المؤمنين إن هذا قتل صاحبنا مع امرأته فقال عمر ما يقول هؤلاء قال ضرب الآخر فخذي امرأته بالسيف فإن كان بينهما أحد فقد قتله فقال لهم عمر ما يقول قالوا ضرب بسيفه فقطع فخذي امرأته فأصاب وسط الرجل فقطعه باثنين فقال عمر : إن عادوا فعد .
فهذا هو حكم من وجد رجلاً يفجر بأهله ديانة .
أما قضاءً فلا يقبل قوله إلا بالبينة أو بقرينة تدل على صدق دعواه ، فلو أن رجلاً قتل آخر وادعى القاتل أنه إنما قتله لكونه وجده يفجر بأهله ، فلا تقبل دعواه في هذه الحال إلا بأحد أمرين : ( 1) ببينة أو 2) بقرينة ظاهرة ، فإن لم يأت بأحدهما قتل به .
أما البينة فالأدلة عليها ما يلي :
1- لأن الأصل براءة ذمة القتيل مما يدعيه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم "
2- ولقول علي رضي الله عنه –المتقدم – " إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته "
وأما القرينة الظاهرة :
فلقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه المتقدمة ، فإن عمر رضي الله عنه أخذ بالقرينة وهي كون السيف قد أصاب فخذي المرأة ، فهذه قرينة قوية على أن القتيل كان يفجر ﺑﻬا .
ملاحظة هامة :
في جميع ما تقدم – أي في حال دفع الصائل ، وعقوبة المعتدي – لايجوز للمعتدى عليه أن يوقع العقوبة بالمعتدي بعد الجريمة ، وإلا كان مفتاتًا على الإمام .
وبه يتبين أن مراحل الاعتداء على العرض ثلاث :
الأولى : قبل وقوع الجريمة ، فهذه من باب دفع الصائل ، فللمعتدى عليه أن يدفعه بالأسهل فالأسهل ، فإن لم يندفع إلا بالقتل قتله .
والثانية : حال وقوع الجريمة ، فللمعتدى عليه أن يقتله في الحال .
وفي كلا المرحلتين المتقدمتين يقبل قوله ديانة ، لاقضاءً ، إلا ببينة أو قرينة ظاهرة .
والثالثة : بعد وقوع الجريمة ، فلا يجوز له معاقبته لاديانة ولا قضاء ، والله أعلم.

 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
الأخت الفاضلة كنت أود أولاً معرفة المعطوف عليه في قولك :
ويدخل في المفترات القات
ثم المعروف عن القات أنه منبه، أي عكس مفتر، أما رسالة الهيتمي فقد قال فيها الشوكاني : "وقفت عليها في أيام سابقة فوجدته تكلم فيها بكلام من لا يعرف ماهية القات"
وقال قبل ذلك : "أما القات فقد أكلت منه أنواعاً مختلفة وأكثرت منها فلم أجد لذلك أثراً في تفتير ولا تخدير ولا تغيير" (الفتح الراباني) 8/4211 ضمن رسالة بعنوان : (البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر)
ثم على فرض تسليمه ، هل تعد المفترات من موجبات الحد المذكور؟
وجزاك الله خيراً على ما بذلت من جهد يشكر.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 2

ثم المعروف عن القات أنه منبه، أي عكس مفتر، أما رسالة الهيتمي فقد قال فيها الشوكاني : "وقفت عليها في أيام سابقة فوجدته تكلم فيها بكلام من لا يعرف ماهية القات"
وقال قبل ذلك : "أما القات فقد أكلت منه أنواعاً مختلفة وأكثرت منها فلم أجد لذلك أثراً في تفتير ولا تخدير ولا تغيير" (الفتح الراباني) 8/4211 ضمن رسالة بعنوان : (البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر)
أستاذ وضاح:
جزاك الله خيرا على مرورك ومراجعتك للموضوع والتعليق عليه.
بالنسبة لمسألة القات فكما هو معروف فيها خلاف كبير والمذكرة التي رجعت إليها هي للدكتور الشبيلي الذي يأخذ برأي المانعين، الذين اجتمعوا في المدينة المنورة في مؤتمر
تحت رعاية الجامعة الإسلامية المؤتمر العالمي لمحاربة المسكرات والمخدرات والتدخين، وصدر قراره بلأغلبية بإدخال القات ضمن المواد المشمولة بالمنع، وإلحاقها بالمخدرات والتدخين، رغم اعتراض كثير من مشايخ اليمن على ذلك.
وسوف أنقل لكم ما جاء في حكم القات من موقع إسلامي متخصص في الفتاوى:

السؤال:
ماهو حكم تعاطي القات؟
الفتوى الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالقات شجرة ابتلي بمضغ ورقها بعض أهل البلاد كاليمن، وجنوب الجزيرة العربية، وبلاد القرن الإفريقي وما جاورها.
حيث يظلون يلوكونها لساعات طويلة لما تجلبه لهم - كما يقولون - من راحة، وتطييب أنفسهم، وذهاب أحزانهم، وتقوية أفكارهم، وتنشيط جوارحهم، وائتلاف جمعهم، بل إن بعضهم بالغ، فادعى أنها تعينه على الطاعة، كقراءة القرآن، ومراجعة العلم، وقيام الليل.
وقد ذكر بعض من جربها، وعرف كل أمرها عن قرب أنها تسبب أضراراً كثيرة، بل إن من هؤلاء من ادعى أنها مسكرة، ومن الناس من نفى عنها كل ذلك، ولهذا اختلف العلماء في الحكم عليها، وممن ذكر اختلافهم ابن حجر الهيثمي في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر) حيث قال: (وقد ألفت كتاباً سميته "تحذير الثقات عن استعمال الكفتة والقات" لما اختلف أهل اليمن فيه، وأرسلوا إلي ثلاثة مصنفات: اثنان في تحريمه، وواحد في حله، وطلبوا مني إبانة الحق فيها، فألفت ذلك الكتاب في التحذير عنها، وإن لم أجزم بحرمتهما). انتهى.
وسبب اختلافهم في تحريمها هو الخلاف في إثبات ضررها من عدمه. قال ابن حجر الهيثمي في كتابه "تحذير الثقات": (والظاهر أن سبب اختلافهم ما أشرت إليه من اختلاف المخبرين، وإلا ففي الحقيقة لا خلاف بينهم، لأن من نظر إلى أنه مضر بالبدن أو العقل حرمه، ومن نظر إلى أنه غير مضر لم يحرمه، فهم متفقون على أنه إن تحقق فيه ضرر حرم، وإلا لم يحرم، فليسوا مختلفين في الحكم، بل في سببه، فرجع اختلافهم إلى الواقع). انتهى.
ومن خلال معرفتنا لهذه الشجرة ومخالطتنا لمتناوليها سنين عديدة، وفي أحوال ومناطق كثيرة أدركنا أنها تسبب أضراراً لا ينكرها من جربها، أو عاش في مجتمع يتناولها، ومن هذه الأضرار:
أنها تغيب العقل، حتى يتصرف صاحبها تصرف السكران أو المجنون، لكن هذا التغير في العقل لا يحدث باطراد، ولا في عموم متناوليها، وإنما يحدث نادراً وأحياناً.
ومن هذه الأضرار ما هو متحقق في عموم متناوليها، وهي أضرار في البدن والمال والوقت والدين، منها: أن تناولها يقلل شهوة الطعام، ويضعف القدرة على النكاح، ويديم نزول الودي عقب البول، ويخفف رطوبة الجسم، ويسبب القبض، وبخر الفم (تنتن رائحته)، وفساد وصفرة الأسنان، وبعد الانتهاء منها يطول السكوت، وتتراكم الهموم، وتتزاحم الغموم، ويتغير المزاج، وينعدم النوم، وبعد ذلك بساعات يكثر النوم، ويتضاعف الكسل، وبهذا تضيع أثناء تناولها وبعده كثير الأموال، وطويل الأوقات فيما لا فائدة فيه، بل جلها يضيع في القيل والقال، والخوض في أعراض الناس، إلى غير ما تسببه من منظر مزرٍ لصاحبها وهو يتناولها يترفع عنه كل ذي مروءة، هذا بالإضافة إلى ما ينشأ عن تناولها من تعطيل لرعاية الأولاد لانشغال رب أسرتهم عنهم بمجالس القات، ومن أعظم مصائبها أن تصد غالب متناوليها عن ذكر الله وعن الصلاة.
إلى غير ذلك من الأضرار الطبية والاجتماعية، والتي ألفت فيها بحوث من قبل مختصين في كل من الطب، وعلوم الاجتماع، وأكثر هذه المؤلفات والبحوث كان من المختصين في الطب، فلهذا كله وغيره نجزم بتحريم تعاطيها مهما ذكر من منافعها، فلا يقابل ضررها بحال. وقد جزم بذلك العلامة الفقيه أبوبكر بن إبراهيم المقرئ الحرازي الشافعي في مؤلفه في تحريم القات حيث قال: - وهو ممن جربها وأكلها - إني رأيت من أكلها الضرر في بدني وديني فتركتها، فقد ذكر العلماء أن المضرات من أشهر المحرمات، فمن ضررها أن آكلها يرتاح ويطرب، وتطيب نفسه، ويذهب حزنه، ثم يعتريه بعد ساعتين من أكله هموم متراكمة، وغموم متزاحمة،وسوء أخلاق.
وحدثني عبد الله بن يوسف المقري عن العلامة يوسف بن يوسف المقري أنه كان يقول: ظهر القات في زمن فقهاء لا يجسرون على تحريم، ولا تحليل، ولو ظهر في زمن الفقهاء المتقدمين لحرموه.. انتهى.
وجزم بتحريمها الشيخ محمد بن سالم البيحاني اليماني في كتابه (إصلاح المجتمع) حيث قال: وهنا أجد مناسبة وفرصة سانحة للحديث عن القات والتنباك، والابتلاء بهما عندنا كثير، وهما من المصائب والأمراض الاجتماعية الفتاكة، وإن لم يكونا من المسكر فضررهما قريب من ضرر الخمر والميسر، لما فيهما من ضياع الأموال، وذهاب الأوقات والجناية على الصحة، وبهما يقع التشاغل عن الصلاة، وكثير من الواجبات المهمة، ولقائل أن يقول هذا شيء سكت الله عنه، ولم يثبت على تحريمه والامتناع منه أي دليل، وإنما الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، وقد قال جل ذكره: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:29].
وقال تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ) [الأنعام:145].
وصواب ما يقول هذا المدافع عن القات والتنباك، ولكنه مغالط في الأدلة، ومتغافل عن العمومات على وجوب الاحتفاظ بالمصالح، وحرمة الخبائث، والوقوع في شيء من المفاسد، ومعلوم من أمر القات أنه يؤثر على الصحة البدنية، فيحطم الأضراس، ويهيج الباسور، ويفسد المعدة، ويضعف شهية الأكل، ويدر السلاس - الودي - وربما أهلك الصلب، وأضعف المني، وأظهر الهزال، وسبب القبض المزمن، ومرض الكلى، وأولاد صاحب القات غالباً يخرجون ضعاف البنية صغار الأجسام والقامة قليلاً دمهم، مصابين بعدة أمراض خبيثة، وهذا مع ما يبذل أهله من الأثمان المحتاج إليها، ولو أنهم صرفوها في الأغذية الطيبة، وتربية أولادهم، أو تصدقوا بها في سبيل الله لكان خيراً لهم... وإنهم ليجتمعون على أكله من منتصف النهار إلى غروب الشمس، وربما استمر الاجتماع إلى منتصف الليل يأكلون الشق، ويفرون أعراض الغائبين، ويخوضون في كل باطل، ويتكلمون فيما لا يعنيهم، ويزعم بعضهم أنه يستعين به على قيام الليل، وأنه قوت الصالحين.
ومن الشيوخ الذين قضى القات على أضراسهم من يدقه، ويطرب لسماع صوت المدق، ثم يلوكه، ويمص ماءه، وقد يجففونه، ثم يحملونه معهم في أسفارهم، وإذا رآهم من لا يعرف القات سخر بهم وضحك منهم. انتهى.
وقد عقد بالمدينة المنورة تحت رعاية الجامعة الإسلامية المؤتمر العالمي لمحاربة المسكرات والمخدرات والتدخين، وصدر قراره بالإجماع بإدخال القات ضمن المواد المشمولة بالمنع، وتلحق بالمخدرات والتدخين، رغم اعتراض كثير من مشايخ اليمن على ذلك.
وأقل أحوال القات أن يكون من المشتبهات التي ما يليق بالمسلم اقترافها. قال ابن حجر الهيثمي: والحاصل أني وإن لم أجزم بتحريمه على الإطلاق.. أرى أنه لا ينبغي لذى مروءة أو دين أو ورع أو زهد أو تطلع إلى كمال من الكمالات أن يستعمله، لأنه من الشبهات، لاحتماله الحل والحرمة على السواء، أو مع قرينة أو قرائن تدل لأحدهما، وما كان كذلك فهو مشتبه أي اشتباه، فيكون من الشبهات التي يتأكد اجتنابها.. وإذا تقررت لك هذه الأحاديث، وعلمت أن غاية أمر هذه الشجرة أنها من المشتبهات تعيَّن عليك - إن كنت من الثقات والمتقين - أن تجتنبها كلها، وأن تكف عنه، فإنه لا يتعاطى المشتبهات إلا من لم يتحقق بحقيقة التقوى، ولا تمسك من الكمالات بالنصيب الأقوى... انتهى.
والله أعلم.

وهذا رابط الفتوى :
http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?lang=A&Option=FatwaId&Id=13241
 
أعلى