العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

منيب العباسي

:: متخصص ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
1,204
التخصص
----
المدينة
---
المذهب الفقهي
---
المجلس الأول
وَأَمَّا مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : فَإِذَا حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ يَسْتَمِرُّ حُكْمُ الْحَدِيثِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ، غَيْرِ الْمُسْتَثْنَى بِالِاتِّفَاقِ [ وَهُوَ الْمُسْتَبْحِرُ ] مَعَ حُصُولِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ الِاغْتِسَالِ بَعْدَ تَغَيُّرِ الْمَاءِ بِالْبَوْلِ . فَهَذَا يَلْتَفِتُ إلَى حَمْلِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ إلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ . فَإِنْ جَعَلْنَا النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ : كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ . وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى مَنْعِهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا : إنَّ حَالَةَ التَّغَيُّرِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ . فَلَا يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ . وَهَذَا مُتَّجِهٌ ، إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّخْصِيصُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ . وَالْمُخَصِّصُ : الْإِجْمَاعُ عَلَى نَجَاسَةِ الْمُتَغَيِّرِ
----------------
الإمام مالك يرى كما هو معلوم أن الماء لا ينجس إلا بالتغير ,وحينئذ يجعل الماء الدائم الذي بيل فيه دون أن يتغير خليقاً بالكراهة ,فإذا جاء مالكي واستدل بهذا الحديث على تحريم التطهر بالماء الذي بيل فيه حتى تغير ,صار للحديث حقيقة ومجاز , أما الحقيقة فهو في حالة تغيره فيكون منهياً على اعتبار أن الأصل في النهي إفادة المنع الجازم الذي هو التحريم ,وأما المجاز فهو في حالة عدم تغير الماء ..فيكون النهي للكراهة والتحريم باعتبارين..فهذا قول ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: (كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ )..واللفظ الواحد هنا هو النهي فهل يجوز حمله على الكراهة في حال والتحريم في حال والحال ان السياق واحد؟ ..فهذه هي صورة المسألة الأصولية وها هنا أمور:-
# جمهور العلماء خلا أكثر الشافعية, على أنه لايجوز حمل اللفظ المشترك على معانيه في سياق واحد وهذا الخلاف كما يقول الشوكاني: إنما هو في المعاني التي يصح الجمع بينها ، وفي المعنيين اللذين يصح الجمع بينهما ، لا في المعاني المتناقضة .
,ويفرعون عليه مسألة حمله على الحقيقة والمجاز معاً وبينهما فرق فما سمي مجازاً يعرف بقرينة في السياق بخلاف ما كان مشتركا لفظيا فقد لا يدل السياق على أحد معانيه وحينئذ قد يجوز الحمل على جميعها إذا أمن التعارض ,قال الرازي -وهو شافعي- : ( ثبت في أصول الفقه أن اللفظ الواحد لا يجوز أن يستعمل دفعة واحدة في حقيقته وفي مجازه معا )

# ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية من نفي المجاز في اللغة عامة وفي القران خاصة:وجيه جداً..ولكن أي مجاز هذا الذي نفاه؟
لقد توهم عليه الغالطون في فهم كلامه أنه ينكر المجاز باعتباره من عوارض الألفاظ ,ولكن ابن تيمية ينكره باعتباره من عوارض المعاني..ما معنى هذا؟
#لا ينكر ابن تيمية ألبتة أن يكون معنى الحمار في هذا البيت مثلا:
فأرى حماراً بعد ذلك كله**رفع المضاف إليه والمفعولا(من قصيدة إبراهيم طوقان في وصف معانته معلماً وهو يعارض شوقي في قصيدته المشهورة: "قم للمعلم وفّه التبجيلا") :البليد ,فلا يعارض أن يسمى هذا مجازاً كما يظن الكثير..فهو مجرد اصطلاح ليس هو مثار ما أصّله في هذا الباب ونافح عنه..لكنه ينكر أن يقال:إن الله مثلاً في سياق واحد وضع كلمة لها معنيان متخالفان في الوقت ذاته بحيث يقال:هذه الكلمة نفسها وفي هذا السياق لها معنيان محتملان..أحدهما مجازي والآخر حقيقي, على حد ما يقوله الباطنية من أن الكلمة لها ظاهر وباطن..فينكر هذا بشدة وهو الحق, ويقول إن المعنى الذي يكشفه السياق هو المعنى الحقيقي في كل حال,ولا نقول حقيقة ومجاز
قال ابن السبكي : (وليس مراد من أنكر المجاز في اللغة أن العرب لم تنطق بمثل قولك للشجاع : إنه أسد ,فإن ذلك عناد ومكابرة..)
فلو طبقنا هذا على البيت السابق,محل إنكار ابن تيمية أن يقال:الحمار هنا يحتمل أن يكون الحيوان المعروف ويحتمل أن أن يكون شخصاً بليداً, وجواب ابن تيمية هنا وهو الحق :بل لايحتمل إلا معنى واحداً! وحق لابن تيمية أن يناضل في هذا لأن قوماً اتخذوا ذلك ذريعة لتحريف معاني أسماء الله وصفاته, ويكفي في بيان بطلان القول بجواز إرادة المجاز والحقيقة معاً-على ما يعرفون به هذين المصطلحين- أن يكون الله تعالى أشكل علينا المعاني فصارت كالمبهمة أو صارت الألفاظ ذوات ظواهر وبواطن ..فيكون الدين ألعوبة لكل دخيل
#قال الزركشي في البحر المحيط: (احتج ابن دقيق العيد في " شرح الإلمام " للجمع بين الحقيقة والمجاز بقوله صلى الله عليه وسلم "صبوا عليه ذنوبا من ماء" , من جهة أن صيغة الأمر توجهت إلى صب الذنوب ، والقدر الذي يغمر النجاسة واجب في إزالتها ، فتناول الصيغة لها استعمال للفظ في الحقيقة ، وهو الوجوب ، والزائد على ذلك مستحب ، فتناول الصيغة له استعمال في الندب ، وهو مجاز فيه ، فقد استعملت صيغة الأمر في حقيقتها ومجازها)
وفيه نظر لأن الزيادة على الواجب استحبت هنا من عمومات أدلة الشرع والاحتياط للدين لا أن اللفظ استعمل لهما معاً بدليل أنه لو اقتصر على قدر المستحب دون أن يبلغ قدر الواجب لم يجز..وتناول اللفظ لهما حقيقته :أنه وقع الواجب بالأمر..ثم كان تقدير:زد إن شئت ,وهذا يختلف عن حمل اللفظ في حديث أبي هريرة على الكراهة تارة وعلى التحريم تارة أخرى
#قد يظن أن الأمر من باب الحمل على الحقيقة والمجاز معا والحال أنه من حمل الأمر على حقيقته الكلية ومن ذلك ان المستدلين بجواز حمله على الحقيقة والمجاز استدلوا بقوله تعالى "ألم تر أن الله يسجد من في السماوات.." وجعلوا السجود من غير العقلاء مجازاً, فيقال سجود كل شيء بحسبه..
#ولكن هل يلزم إذا قال المالكي بكراهة التبول في الماء الدائم أن يكون من باب حمل اللفظ على حقيقته ومجازه؟ الحقيقة:لا..ولهذا قال المؤلف رحمه الله تعالى:وَقَدْ يُقَالُ جواباً عَلَى هَذَا : إنَّ حَالَةَ التَّغَيُّرِ بالنجاسة مَأْخُوذَةٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ الذي هو في حديث أبي هريرة . فَلَا يَلْزَمُ أن يكون القول بالكراهة في حال والتحريم في حال أن يكون من باب اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ . وَهَذَا مُتَّجِهٌ ، إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّخْصِيصُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ . وَالْمُخَصِّصُ : الْإِجْمَاعُ عَلَى نَجَاسَةِ الْمُتَغَيِّر
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
رد: السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

قل لي يا أستاذي الكريم منيب : كيف أشكرك؟
 

انبثاق

:: مخضرم ::
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,228
التخصص
الدراسات الإسلامية..
المدينة
بريدة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

جزاكم الله خيرا..
لدي بضع أسئلة من فضلكم أستاذي..
1/ كثيرا ما أقرأ (هذا من اختلاف التنوع لا التضاد ، فيمكن الجمع بين الأقوال) فهل لهذا علاقة بالجمع بين الحقيقة والمجاز ؟
2/ هل معناه أن المجاز الذي أنكره شيخ الإسلام هو ما فيه جمع بينه وبين الحقيقة فقط ؟
3/ ابن دقيق رحمه الله تعالى جعل صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب مجازا -حسب فهمي- فهل هذا الفهم صحيح؟
لأن لدي سؤالا آخر ينبني على هذا الفهم..
شكر الله لكم وجزاكم خيرا..
 

منيب العباسي

:: متخصص ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
1,204
التخصص
----
المدينة
---
المذهب الفقهي
---
رد: السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

الْوَجْهُ الثَّانِي : اعْلَمْ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الِاغْتِسَالِ لَا يَخُصُّ الْغُسْلَ ، بَلْ التَّوَضُّؤُ فِي مَعْنَاهُ . وَقَدْ وَرَدَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ { لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ } وَلَوْ لَمْ يَرِدْ لَكَانَ مَعْلُومًا قَطْعًا ، لِاسْتِوَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي هَذَا الْحُكْمِ ، لِفَهْمِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ : التَّنَزُّهُ عَنْ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالْمُسْتَقْذِرَاتِ
يعي كما سلف من أن التنصيص على البول هو من باب ذكر الشيء الأغلبي وهو ما يسميه الفقهاء "خرج مخرج الغالب" وليس مراداً به الحصر ,لأن المعنى المشترك في التنجيس مدلولٌ عليه بنصوص الشرع وهو معنى عقول أيضاً فحتى لو لم يرد رواية بلفظ "ثم يتوضأ منه" لكان هذا الحكم مستفاداً من المعنى ,وهذا اللفظ الذي أشار إليه أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وغيرهم بأسانيد صحاح..فلعله أن يكون من لحاظ المعنى المذكور ولهذا ورد في بعض روايات النسائي صيغة الشك"لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه أو يتوضأ".يقول الحافظ ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: (
الثَّالِثُ : وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ " وَفِي بَعْضِهَا " ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ " وَمَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ ، يُفِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمًا بِطَرِيقِ النَّصِّ وَآخَرَ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ ، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ لَفْظَةُ " فِيهِ " لَاسْتَوَيَا ، لِمَا ذَكَرْنَا
رواية "ثم يغتسل فيه" أخرجها البخاري والنسائي بزيادة "من الجنابة" كلاهما عن أبي هريرة, وأخرجها أبو داود بلفظ "لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه" من حديث عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عن الجميع
أ-فمنعى "ثم يغتسل منه" :النهي عن الغرف بطريق النص, ويستنبط منه أن الاغتسال فيه محرم أي بكون الماء المتقذر ظرفاً له, لأن العلة أو المعنى :واحد
ب-ورواية "ثم يغتسل فيه" تفيد بالنص النهي عن غمس نفسه بالماء المتقذر ,وبطريق الاستنباط يقتضي النهي عن الغرف منه وإلا كانت ظاهرية محضة لا تستقيم مع اعتبار المعاني المرادة من قبل الشارع..ثم قال رحمه الله تعالى:
الرَّابِعُ : مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ قَطْعًا : مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الظَّاهِرِيَّةُ الْجَامِدَةُ : مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ مَخْصُوصٌ بِالْبَوْلِ فِي الْمَاءِ حَتَّى لَوْ بَالَ فِي كُوزٍ وَصَبَّهُ فِي الْمَاءِ : لَمْ يَضُرَّ عِنْدَهُمْ . أَوْ لَوْ بَالَ خَارِجَ الْمَاءِ فَجَرَى الْبَوْلُ إلَى الْمَاءِ : لَمْ يَضُرَّ عِنْدَهُمْ أَيْضًا . وَالْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ حَاصِلٌ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ . لِاسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فِي الْحُصُولِ فِي الْمَاءِ وَأَنَّ الْمَقْصُودَ : اجْتِنَابُ مَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ مِنْ الْمَاءِ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَجَالِ الظُّنُونِ ، بَلْ هُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ
-هذا موضع صار يضرب به المثل على جمود الفقه ظاهري ومثار التشنيع والإزراء عليهم من قبل جماهير الفقهاء ,وينكر بعض الظاهرية أن يكون ابن حزم رحمه الله قال به ويعدون ذلك افتراءً لخلو المحلى منه ,أعني خلوه من التنصيص على أن من بال في وعاء ثم صبه في الماء جاز الوضوء..ولكن لا ينفع هذا بشيء فإن أبا محمد رحمه الله ذكر صورة كهذه فقال : (فلو أحدث في الماء أو بال خارجا منه ثم جرى البول فيه فهو طاهر ، يجوز الوضوء منه والغسل له ولغيره ، إلا أن يغير ذلك البول أو الحدث شيئا من أوصاف الماء )..ونقِل عن إمام المذهب الظاهري داود رحمه الله تعالى: الصورة الأولى التي ذكرها ابن دقيق هنا..قال الجويني رحمه الله في البرهان : (والأقسام الثلاثة المقدمة من المعلومات ومن أنكرها كان جاحدًا وقد استجرأ على جحد بعضها أقوام يعرفون بأصحاب الظاهر ثم إنهم تحزبوا أحزابا وتفرقوا فرقا فغلا بعضهم وتناهى في الانحصار على الألفاظ وانتهى به الكلام إلى أن قال من بال في إناء وصبه في ماء لم يدخل تحت نهى الرسول عليه السلام إذ قال لا يبولن أحدكم في الماء الدائم
وهذا عند ذوي التحقيق جحد الضرورات ولا يستحق منتحله المناظرة كالعناد في بدائه العقول ) ..

وقال الإمام ابن تيمية في المجموع: (ومن لم يلحظ المعاني من خطاب الله ورسوله , ولا يفهم تنبيه الخطاب وفحواه من أهل الظاهر كالذين يقولون إن قوله : "فلا تقل لهما أف " ,لا يفيد النهي عن الضرب , وهو إحدى الروايتين عن داود واختاره ابن حزم وهذا في غاية الضعف , بل وكذلك قياس الأولى وإن لم يدل عليه الخطاب لكن عرف أنه أولى بالحكم من المنطوق بهذا , فإنكاره من بدع الظاهرية التي لم يسبقهم بها أحد من السلف..)
فإن قلت :هذا افتيات على ابن حزم فإنه لا يقول بجواز ضرب الوالدين؟!
فالجواب:أما كونه يحرم ما كان فوق التأفيف فحق, واما كونه افتياتا من ابن تيمية فباطل ,لأن الإمام ابن حزم نص في المحلى على أنه لو لم يرد في الشرع إلا النهي عن قول "أف" لما كان هذا قاضيا بتحريم الضرب وغيره ,يقول عفا الله عنه : (فلو لم يرد غير هذه اللفظة لما كان فيها تحريم ضربهما ولا قتلهما ولما كان فيها إلا تحريم قول "أف" فقط ولكن لما قال الله تعالى في الآية نفسها:"وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبلوالدين إحسانا إما يبلغن عندك لكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما وخفض لهما جناح لذل من لرحمة وقل رب رحمهما كما ربياني صغيرا"واقتضت هذه الألفاظ من الإحسان والقول الكريم وخفض الجناح والذل والرحمة لهما والمنع من انتهارهما وأوجبت أن يؤتى إليهما كل بر وكل خير..إلخ )
 

منيب العباسي

:: متخصص ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
1,204
التخصص
----
المدينة
---
المذهب الفقهي
---
رد: السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

قل لي يا أستاذي الكريم منيب : كيف أشكرك؟
يا شيخ عبد الرحمن..هذا من لطافتك وحسن أدبك..وعذوبة منطقك..لا غير
 

منيب العباسي

:: متخصص ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
1,204
التخصص
----
المدينة
---
المذهب الفقهي
---
رد: السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

مرحبا بكم أستاذة انبثاق وأحيي فيكم بحق هذا العزم والصدق في طلب العلم..أحسبكم والله حسيبكم
1/ كثيرا ما أقرأ (هذا من اختلاف التنوع لا التضاد ، فيمكن الجمع بين الأقوال) فهل لهذا علاقة بالجمع بين الحقيقة والمجاز ؟
اختلاف التنوع أكثر ما يظهر في تفسير السلف للآي الكريمات,وذلك كأن يقول أحدهم في تفسير "الصراط المستقيم" :أي الكتاب والسنة..ويقول آخر صراط الرسول ويقول ثالث صراط أبي بكر وعمر..فهذه أقوال يظن المتوهم أنها من باب ذكر الخلاف! وحقيقتها شيء واحد..
2/ هل معناه أن المجاز الذي أنكره شيخ الإسلام هو ما فيه جمع بينه وبين الحقيقة فقط ؟
ابن تيمية لم ينكر أن يسمى :رأيت أسدا يخطب..مجازاً من باب الاصطلاح اللفظي..فيمكن تسميته بأي شيء:مجاز, تجوز,توسّع في اللغة..إلخ
ولكن ينكر أن يكون مثل هذه الجملة محتملة لمعنيين يسمى أحدهما حقيقة والآخر مجازاً ..ولو طبقنا هذا على كلام الشارع كما في قول الله تعالى"ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" ,يقول محرفة الصفات:اليد حقيقة في الجارحة, مجاز في القدرة..فهي محتملة للأمرين, أحدهما صواب والثاني غلط..فظاهر القران عندهم غلط أو يوجب الكفر كما اجترأ بعضهم!
فعدلنا عن الحقيقة إلى المجاز لأن الله منزه عن مشابهة الحوادث!!فيقول:ليس ثم إلا الحقيقة ولا مجاز..ويكشف عنها بالسياق
3/ ابن دقيق رحمه الله تعالى جعل صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب مجازا -حسب فهمي- فهل هذا الفهم صحيح؟
لأن لدي سؤالا آخر ينبني على هذا الفهم..
عده مجازاً على اعتبار أن الأصل في النهي التحريم على حد ما يقول جماهير الأصوليين..أي أن النهي موضوع للمنع الجازم ولهم في ذلك أدلة من الشرع
فحينئذ لما عدل عن الأصل إلى غيره بقرينة..كان هذا مما يدخل في المجاز وهذا يدرك بتعريف الحقيقة والمجاز عندهم
 

انبثاق

:: مخضرم ::
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,228
التخصص
الدراسات الإسلامية..
المدينة
بريدة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

جزاكم الله خيرا على حسن ظنكم ، والله المستعان .
وشكر الله لكم إجابتكم
من فضلكم أستاذي الكريم:
1/
.فلعله أن يكون من لحاظ المعنى المذكور
لم أفهم هذه المفردة المعلمة بالأحمر.


2/ بعض المفردات تختلف عما في كتابي ، فهل تودون أن أنبه على ما أتنبه لاختلافه أم لا ..
مثلا :
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَجَالِ الظُّنُونِ ، بَلْ هُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ
الكلمة التي عندي هي : مَحَالِّ .

شكر الله لكم.
 

منيب العباسي

:: متخصص ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
1,204
التخصص
----
المدينة
---
المذهب الفقهي
---
رد: السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

اللحاظ مصدر لاحظ ..:لاحظ لحاظا وملاحظة..وقاتل قتالا ومقاتلة..إلخ,وهذا معروف في العربية من صيغة فاعل
والمقصود أن الخلاف في الألفاظ راجع للرواية بالمعنى..
لا مانع من ذلك أختي الفاضلة ..فإني أعتمد نسخة إلكترونية ولاشك سيكون الخطأ فيها أكثر.فمثلا :وليس هذا من محال الظنون..بالحاء هو الصواب لكونه الأقرب للمعنى..
 

منيب العباسي

:: متخصص ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
1,204
التخصص
----
المدينة
---
المذهب الفقهي
---
رد: السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : وَهِيَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ } فَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُسْتَعْمَلِ وَأَنَّ الِاغْتِسَالَ فِي الْمَاءِ يُفْسِدُهُ . ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَارِدٌ هَهُنَا عَلَى مُجَرَّدِ الْغُسْلِ . فَدَلَّ عَلَى وُقُوعِ الْمَفْسَدَةِ بِمُجَرَّدِهِ . وَهِيَ خُرُوجُهُ عَنْ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلتَّطْهِيرِ بِهِ : إمَّا لِنَجَاسَتِهِ ، أَوْ لِعَدَمِ طَهُورِيَّتِهِ وَمَعَ هَذَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّخْصِيصِ . فَإِنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ - إمَّا الْقُلَّتَانِ فَمَا زَادَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، أَوْ الْمُسْتَبْحِرُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاسْتِعْمَالُ . وَمَالِكٌ لِمَا رَأَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَهُورٌ ، غَيْرَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ : يَحْمِلُ هَذَا النَّهْيَ عَلَى الْكَرَاهَةِ . وَقَدْ يُرَجِّحُهُ : أَنَّ وُجُوهَ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ لَا تَخْتَصُّ بِالتَّطْهِيرِ . وَالْحَدِيثُ عَامٌّ فِي النَّهْيِ . فَإِذَا حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ لِمَفْسَدَةِ خُرُوجِ الْمَاءِ عَنْ الطَّهُورِيَّةِ : لَمْ يُنَاسَبْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَصَالِحِ الْمَاءِ تَبْقَى بَعْدَ كَوْنِهِ خَارِجًا عَنْ الطَّهُورِيَّةِ ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ : كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ عَامَّةً ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَقْذَرُ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ فِيهِ . وَذَلِكَ ضَرَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ يُرِيدُ اسْتِعْمَالَهُ فِي طَهَارَةٍ أَوْ شُرْبٍ ، فَيَسْتَمِرُّ النَّهْيُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَفَاسِدِ الْمُتَوَقَّعَةِ ، إلَّا أَنَّ فِيهِ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى الْمَجَازِ ، أَعْنِي حَمْلَ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ . فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ .
---------
* حديث أبي هريرة "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" . أخرجه الإمام مسلم والنسائي وغيرهما..استدل به من يرى أن الماء المستعمل نجس كما في رواية عن أبي حنيفة وكذا استدل به من يراه طاهراً غير طهور كما في الرواية الأخرى عنه وهو قول الشافعي وأحمد لأنهم جعلوا النهي المنصب على الاغتسال دالا على تأثر الماء بما يخرجه عن الطهورية , ومعلوم أن الجنب ليس نجساً..فدل عند المستدلين به أن الماء صار فاقدا للطهورية بمجرد الاستعمال.قال ابن دقيق العيد:ومع هذا لابد فيه من التخصيص :يعني ليس الأمر على العموم المطلق..فإن هذا النهي عندهم يخرج منه مالو كان الماء كثيراً (على الاختلاف المعروف في حد الكثير بين الجمهور وأبي حنيفة). وقد تقدم تضعيف القول بعدم طهورية الماء المستعمل بجملة من الأدلة..فانظره في موضعه
*إمام دار الهجرة حمل النهي على الكراهة وفق قاعدته في المياه ..ومما قد يرجح قوله عند ابن دقيق العيد أن الانتفاع بالماء ليس محصورا في الطهارة الشرعية..لكنه رجع فأورد عليه فقال هذا يقتضي حمل النهي على المجاز وهو الكراهة..والحال أن النهي حقيقة في التحريم..وكأنه يقول:ما القرينة الصارفة هنا؟..
-والسؤال الأهم هل يلزم من النهي عن الاغتسال بالماء :خروجه من مسمى الطهورية؟ فضلا عن أن يتنجس؟
الجواب :لا..لأنه قد يكون نهى عنه من أجل عدم حرمان الناس من الانتفاع به لأجل استقذاره....مع بقاء الماء صالحاً للتطهر الشرعي به وضوءا واغتسالاً
-والقيد في الجملة الحالية "وهو جنب" يدل على ذلك ..فلو أن مجرد كونه مستعملاً مفسداً لصلاحيته في الطهارة الشرعية لما كان للقيد المذكور معنى..وكونه جنباً مظنة الاستقذار ..
-وعلى هذا يشمل الحكم الحدث الأكبر عامةً فيدخل فيه الحائض والنفساء على اعتبار أن الخطاب راعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم كون المخاطبين رجالاً
-"ثم يغتسل فيه" الراجح في ضبط "يغتسل" الرفع ..فتكون جملة يغتسل,خبر لمبتدأ محذوف والتقدير :ثم هو يغتسل فيه والمعنى:لا يبولن أحدكم لأنه قد يحتاج إليه في الاغتسال بعدُ..وجوّز بعضهم الجزم عطفاً على النهي السابق ,نقله النووي عن شيخه النحوي الكبير ابن مالك صاحب الألفية ..فيكون المعنى على هذا كما لوقال:لا يبولن أحدكم..ثم لا يغتسلنّ فيه.فنهى عن كل من الأمرين .
وبهذا تم الكلام عن الحديث الخامس ولله الحمد
 

انبثاق

:: مخضرم ::
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,228
التخصص
الدراسات الإسلامية..
المدينة
بريدة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

جزاكم الله خيرا
 

يوسف أنور يوسف

:: مطـًـلع ::
إنضم
11 مارس 2011
المشاركات
113
الإقامة
مصر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الله الجوهري
التخصص
اللغة العربية
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

يا أخي بارك الله فيك ولكني اطلعت على الموضوع مؤخرا وأريد أن أتابعه من البداية فدلني على أول الموضوع بارك الله فيك حتى نستفيد من مشاركتك الطيبة وجزاك الله خيرا
 

يوسف أنور يوسف

:: مطـًـلع ::
إنضم
11 مارس 2011
المشاركات
113
الإقامة
مصر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الله الجوهري
التخصص
اللغة العربية
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

أريد أن أعرف أين بداية السلسلة وجزاك الله خيرا
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: السلسة السادسة: (5)مجالس في تعليقات مقتضبة على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد

أخي الكريم يمكنك الوصول إلى جميع السلاسل مرتبة
هنا
 
أعلى