العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الصراط المستقيم

صلاح بن خميس الغامدي

قاضي بوزارة العدل السعودية
إنضم
27 أبريل 2008
المشاركات
103
الإقامة
الدمام - المنطقة الشرقية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أحمد
التخصص
الفقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام حرسها الله
المذهب الفقهي
الحنبلي
الصراط المستقيم

الناظر في أدلة الكتاب والسنة وما جاء عن السلف رضوان الله عنهم يجد أنها متوافرة ومؤكدة على الالتزام بالأمر الأول والاعتصام به ، والتمسك وعدم الحيدة عنه ، ولا شك أن الكتاب والسنة هما المصدران الوحيدان لعقيدة الإسلام وشريعته ، على فهم سلف الأمة يقول صلى الله عليه وسلم : " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم "(1) ، فأي منهج جانب هذا الطريق فغير مقبول ، فالتمسك بالسنة هو سبيل المؤمنين ، وهو الطريق الذيَ صلحت به أحوال الأمة في صدر الإسلام ، ولا فلاح إلا بالرجوع إليه .
قال الإمام مالك رحمه الله : (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) ، ومعلوم أن الذي أصلح أول الأمة هو العمل بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم .
يقول تعالى ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ).(2)
فمخالفة السنة أمرٌ عظيم ، وسبب من أسباب حرمان العبد من الورود على حوض النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : « أنا فَرَطُكم على الحوض من مرّ عليّ شرب ، ومن شرب لا يظمأ أبدًا . ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم فأقوِل إنهم من أمتي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول : سحقاَ لمن غيّر بعدي ».(3)
وعن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال (4): « خط لنا رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم خطا بيده ، ثم قال :"هذا سبيل اللَّه" ، ثم خط خطا عن يمينه وعن شماله ، وقال :"هذه سبلٌ على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ، وقرأ : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (5)
فالآية دلت على الاعتصام بالسنة وعلى ذم التفرق وبينت أن عاقبته خطيرة على الأمة ، وأنه سبب كل انحراف وقع في الناس .
ويحسن بنا أن نتوقف مع بعض الآثار والنقولات في هذا الباب .
يقول ابن مسعود رضي اللَّه عنه : قد أصبحتم على الفطرة وإنكم ستُحدِثون ويُحدَث لكم ؛ فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدي الأول "(6).
يقول ابن تيمية رحمه الله: "وعامة هذه الضلالات إنما تطرق من لم يعتصم بالكتاب والسنة كما كان الزهري يقول: كان علماؤنا يقولون الاعتصام بالسنة هو النجاة " أ.هـ
وهل يكون الاجتماع إلا بإتباع الهدي النبوي ؟
والجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك كما قال ابن مسعود .
ويقول أحد السلف وأظنه الأوزاعي : [ عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول ] .
ونقل ابن القيم في إغاثة اللهفان عن أبي شامة عن مبارك عن الحسن البصري قال: "السنة، والذي لاإله إلا هو بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقى: الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاءالله فكونوا".
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " « لقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا . . . »(7) . وروى مسلم في صحيحه من حديث جابرٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم :« أما بعد ؛ فإن خير الحديث كتاب اللَّه ، وخير الهديِ هدي محمد صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعةٍ ضلالة » .
وعنه أيضا قال : قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم : « ليأتين على أمتي كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعلِ حتى إنْ كان فيهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك ، وإن بني إسرائيل افترقت على اثِنتين وسبعين مِلة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النَّار إلا واحدة" .قالوا : من هي يا رسول اللَّه ؟ .
قال : "ما أنا عليه وأصحابي » (8).
قال الطيبي
[ « ما أنا عليه وأصحابي » : أي ما أنا عليه من العقائد الحقة والطرائق القويمة ، فالناجي من تمسك بهديهم واقتفى أثرهم ، واقتدى بسيرهم في الأصول والفروع ] أ.هـ.
ويقول ابن تيمية : [ أخبر عليه الصلاة والسلام بافتراق أمته على ثلاث وسبعين فرقة لا ريب أنهم الذين في آية ( وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ) ، ثم هذا الاختلاف المخبر عنه إما في الدين فقط ، أو في الدين والدنيا ، ثم قد يؤول إِلى الدنيا وقد يكون في الدنيا فقط ] أ.هـ .
وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه أنه قال :
« كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، وتتخذ سنة يجري الناس عليها ؛ فإذا غير منها شي قيل : تركت سنةٌ . قيل : متى ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : إذا كثر قراؤكم ، وقل فقهاؤكم ، وكثرت أموالكم ، وقل أمناؤكم ، والتمِستِ الدنيا بعمل الآخرة ، وتفقه لغير الدين »(9) .
مواقف
عن زياد بن حُدَيْر رضي اللَّه عنه قال : قال لي عمر رضي اللَّه عنه : هل تعرف ما يهدم الإسلام ؟ ، قلت : لا ، قال : يهدِمه زلة العالِم ، وجدال المنافق بالكتاب ، وحكم الأئمة المضِلين . »(10)
وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال : من كان مستنا فليستن بمن قد مات ؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمدٍ صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم كانوا أفضل هذه الأمة ؛ أبرها قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، اختارهم اللَّه لصحبةِ نبيه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم ولإقامةِ دينهِ ، فاعرفوا لهم فضلهم ، واتبِعوهم على أثرهم ، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسِيرهم ، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم .
ويقول سهل بن عبد الله التستري: (( ما أحدث أحدٌ في العلم شيئاً إلاَّ سُئل عنه يوم القيامة، فإن وافق السنَّة سلِم، وإلاَّ فلا ))(11).
وقال أبو عثمان النيسابوري: (( مَن أمَّر السنَّة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة ))(12).
قال الإمام أحمد رحمه الله: (( أصول السنة عندنا التمسُّك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة ضلالة ))(13).
وأقول أخيرا بأنه لا بد عند تبني أي اتجاه أو رأي كما ذكر العلماء لابد أن يكون موافقاً للسنة وهو الطريق الذي ارتضاه لنا من سنّه ، ولا يكفي كما ذكر العلماء حسن النية والقصد دون موافقة السنة، فلا بد من اقترانهما ببعضهما .
ففي سنن الدارمي(14) بإسناد صحيح أنَّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جاء إلى أناس متحلِّقين في المسجد، وبأيديهم حصى، وفيهم رجلٌ يقول: كبِّروا مائة، فيُكبِّرون مائة يعدُّون بالحصى، ويقول: هلِّلوا مائة، سبِّحوا مائة كذلك، فوقف عليهم فقال: (( ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعدُّ به التكبيرَ والتهليلَ والتسبيحَ، قال: فعُدوا سيِّئاتكم فأنا ضامنٌ أن لا يَضيعَ من حسناتكم شيءٌ، وَيْحَكم يا أمّة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابةُ نبيِّكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابُه لَم تَبْلَ، وآنيتُه لَم تُكسر، والذي نفسي بيده إنَّكم لَعلَى مِلَّةٍ هي أهدى من مِلَّة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة؟! قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلاَّ الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه ... )) وفي لفظ ( لم يوفق إليه).
واختم حديثي بما هو أصلٌ في ذلك وهو حديث العرباض بن سارية حيث قال رضي الله عنه : وعظنا رسول الله صلى الله عليه و سلم موعظة دمعت منها الأعين ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله موعظة مودع فيما تعهد إلينا فقال قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة ضلالة "(15).
أسال الله أن يهدينا وإياكم وجميع المسلمين الطريق المستقيم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
==============================
(1) متفق عليه
(2) النساء 115
(3) البخاري برقم (6583) ، ورقم (6584) ، ومسلم برقم (2290)
(4) أحمد (1 / 435) ، والد ارمي (1 / 60)
(5) الأنعام : 153
(6) انظر أصول الإيمان لمحمد بن عبد الوهاب 1/166
(7) أبو داود في كتاب السنة (4 / 200) رقم : 4607
(8) رواه الترمذي .
(9) الدارِمي في لمقدمة (1 / 58) برقم : 191
(10) نفس المرجع السابق
(11) فتح الباري (13/290).
(12) حلية الأولياء (10/244).
(13) شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (317).
(14) برقم (210)
(15) رواه أبو داود (4607 ) والترمذي وقال حديث حسن صحيح
 
أعلى