منيب العباسي
:: متخصص ::
- إنضم
- 17 يناير 2010
- المشاركات
- 1,204
- التخصص
- ----
- المدينة
- ---
- المذهب الفقهي
- ---
يعرف كل من له حظ من النظر أن قوة الحجة ليست ملازمة للحق فقد يغلب صاحب القول المرجوح أو الشاذ صاحب القول الصحيح بما معه من قوة تحكم بإدارة الحوار والإمساك بزمام البيان الجدلي بالعارضة المتوقدة بل ولا سعة العلم تقضي بظهور أحد الطرفين على الآخر بل قد يظهر بدعيّ أو كافر على مسلم في أعين الناظرين بسبب براعة هذا الضال في التلاعب والجدال
قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة؟ قال : (نعم رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا لقام بحجته) ,هذا والسارية مصنوعة من خشب!
وقد رأيت طائفة من طلبة العلم أخذت قوة حجة ابن حزم رحمه الله تعالى بنواصيهم حتى ألغوا عقولهم على ما أوتوه من ذكاء أشهد به, وسأضرب مثالاً ليس هو أجود ما يكون في تقرير المراد وإنما العبرة بإيصال الفكرة :-
في معرض حديثه عن رواية الحديث عن رسول الله اجتهد في تضعيف ما جاء عن أمير المؤمنين عمر في النهي عن الإكثار من الرواية عن رسول الله ورد ذلك بالحجة العقلية فقال: ((
يقال لمن ذم الإكثار من الرواية أخبرنا عن الرواية لحديث رسول الله r أخير هي أم شر ولا سبيل إلى وجه ثالث فإن قال هي خير فالإكثار من الخير خير وإن قال هي شر فالقليل من الشر شر وهم قد أخذوا منه بنصيب فيلزمهم أن يعترفوا بأنهم يتعلمون الشر..إلخ)) بهذا الحسم التجريدي الصارم قضى الإمام علي بن حزم -رحمه الله تعالى- في عين الناظر لأول وهلة على المخالف ونسفه ونكّل به مع ما يضع فيه القاري من جو نفسي مشحون بالحدة البالغة وإن كانت تحمد له في مواطن من جهة الغيرة على الملة الحنيفية..وبصرف النظر عن صحة ما ورد عن عمر في ذلك فليس من غرضي الانتصار لهذا ولا الترجيح وإنما الشأن كما هو مبين في العنوان, فلو خرج المطالع من الزواية الحزمية التي حصر نفسه فيها لرأى معالم أخرى في الأفق :
-فنهي عمر كان عن الإكثار من الرواية لا عن مطلق الرواية والأثر أنه قال : (فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم) وفرق بين مطلق المنع والإكثار لأنه قد يكون للقدر الزائد حكمه الخاص المنوط بظروف تناسب حالا معينة فلا يقاس على الأصل
-وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تكتبوا عني ,ومن كتب عني غير القران فليمحه) هذا مرسوم عام يتعلق بمصلحة تقديم حفظ القران كتابةً والمبالغة في العناية به في المقام الأول ثم إنه سمح في حالات أخر لمن سأله من الصحابة كعبدالله بن عمرو وقال أيضاً :اكتبوا لأبي شاة.. رضي الله عنهم
-وقد دل هديُ عمر رضي الله عنه العام أنه كان يشدد في الرواية ويحذر مخافة تساهل الناس في التحديث عن رسول الله فيدخل من ينفق بضاعته بالكذب أو يقع الخطأ إذا فتح الباب على مصراعيه فيلجه من ليس أهلاً لذلك وقد ثبت أنه قال لأبي موسى الأشعري -وهو من هو- : فقال في حديث الاستئذان : ( أما إني لم أتهمك ، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وله نظائر
-وهذا التجريد الذي صنعه ابن حزم وإن كان في الجملة صحيحا من جهة الاستدلال المنطقي لو استوعبت أطراف القضية إلا أنه يمكن رد كثير من الحق بواسطته لو لم تجمع أبواب النظر في المسألة ..مثال ذلك أن يقال :هل الجهاد في سبيل الله خير أم شر ؟ الجواب القطعي :خير بل قل إن شئت :ذروة سنام الخير! وغزو البحر من الجهاد بل أعظم من جهاد البر رتبة لما يحتفه من مخاطر ولأن الغريق شهيد ولو لم يقاتل عدواً..وقد عرض معاوية رضي الله عنه على عمر غزو البحر فأبى..إذن الرواية عنه في هذا باطلة! وهذا مجرد مثال
-وعمر رضي الله عنه من اول من يعلم يقينا حفظ الله لدينه ممثلا في مصدريه :الكتاب والسنة,(فصح أن كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كله في الدين وحي من عند الله عز وجل لا شك في ذلك.ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند اللَّه تعالى فهو ذكر منزل، فالوحي كله محفوظ بحفظ اللَّه تعالى له بيقين، وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون أن لا يضيع منه، وأن لا يحرف منه شيء أبدًا تحريفًا لا يأتي البيان ببطلانه) كما يقول ابن حزم نفسه في نفس كتابه النفيس الإحكام ,فكونه يشدد في الرواية ويأمر بعدم الإكثار ليس هو من كتمان العلم لأنه يعلم أن الصحابة ماكانوا ليكتموا حقاً علموه من رسول الله اقتضى المقام بيانه ,فمراده ألا يكون التحديث لكل من هب ودرج وأن يحسب الشخص المبلغ عن الرسول ألف حساب قبل ذلك حتى تكون الرواية محققة مسلمة من التحريف
-وهذا الصديق الأكبر أبو بكر يتوقف في أول الأمر في جمع القران نفسه ويتردد عمر في قتال المرتدين ..إلخ ,لأن نظرهم كان يراعي النظرة الشمولية والأناة في تحري سياسة الأمة بالدين ,كيف لا..؟ وهم ورثة النبوة وأمناء الله في أرضه ..
وبعد, فاعلم أني أبجل هذا الإمام وأحبه ولا شك ولا أبالغ إن ادعيت أن حبي إياه يفوق حب الظاهرية , وللناس في الحب مذاهب ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله..
قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة؟ قال : (نعم رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا لقام بحجته) ,هذا والسارية مصنوعة من خشب!
وقد رأيت طائفة من طلبة العلم أخذت قوة حجة ابن حزم رحمه الله تعالى بنواصيهم حتى ألغوا عقولهم على ما أوتوه من ذكاء أشهد به, وسأضرب مثالاً ليس هو أجود ما يكون في تقرير المراد وإنما العبرة بإيصال الفكرة :-
في معرض حديثه عن رواية الحديث عن رسول الله اجتهد في تضعيف ما جاء عن أمير المؤمنين عمر في النهي عن الإكثار من الرواية عن رسول الله ورد ذلك بالحجة العقلية فقال: ((
يقال لمن ذم الإكثار من الرواية أخبرنا عن الرواية لحديث رسول الله r أخير هي أم شر ولا سبيل إلى وجه ثالث فإن قال هي خير فالإكثار من الخير خير وإن قال هي شر فالقليل من الشر شر وهم قد أخذوا منه بنصيب فيلزمهم أن يعترفوا بأنهم يتعلمون الشر..إلخ)) بهذا الحسم التجريدي الصارم قضى الإمام علي بن حزم -رحمه الله تعالى- في عين الناظر لأول وهلة على المخالف ونسفه ونكّل به مع ما يضع فيه القاري من جو نفسي مشحون بالحدة البالغة وإن كانت تحمد له في مواطن من جهة الغيرة على الملة الحنيفية..وبصرف النظر عن صحة ما ورد عن عمر في ذلك فليس من غرضي الانتصار لهذا ولا الترجيح وإنما الشأن كما هو مبين في العنوان, فلو خرج المطالع من الزواية الحزمية التي حصر نفسه فيها لرأى معالم أخرى في الأفق :
-فنهي عمر كان عن الإكثار من الرواية لا عن مطلق الرواية والأثر أنه قال : (فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم) وفرق بين مطلق المنع والإكثار لأنه قد يكون للقدر الزائد حكمه الخاص المنوط بظروف تناسب حالا معينة فلا يقاس على الأصل
-وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تكتبوا عني ,ومن كتب عني غير القران فليمحه) هذا مرسوم عام يتعلق بمصلحة تقديم حفظ القران كتابةً والمبالغة في العناية به في المقام الأول ثم إنه سمح في حالات أخر لمن سأله من الصحابة كعبدالله بن عمرو وقال أيضاً :اكتبوا لأبي شاة.. رضي الله عنهم
-وقد دل هديُ عمر رضي الله عنه العام أنه كان يشدد في الرواية ويحذر مخافة تساهل الناس في التحديث عن رسول الله فيدخل من ينفق بضاعته بالكذب أو يقع الخطأ إذا فتح الباب على مصراعيه فيلجه من ليس أهلاً لذلك وقد ثبت أنه قال لأبي موسى الأشعري -وهو من هو- : فقال في حديث الاستئذان : ( أما إني لم أتهمك ، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وله نظائر
-وهذا التجريد الذي صنعه ابن حزم وإن كان في الجملة صحيحا من جهة الاستدلال المنطقي لو استوعبت أطراف القضية إلا أنه يمكن رد كثير من الحق بواسطته لو لم تجمع أبواب النظر في المسألة ..مثال ذلك أن يقال :هل الجهاد في سبيل الله خير أم شر ؟ الجواب القطعي :خير بل قل إن شئت :ذروة سنام الخير! وغزو البحر من الجهاد بل أعظم من جهاد البر رتبة لما يحتفه من مخاطر ولأن الغريق شهيد ولو لم يقاتل عدواً..وقد عرض معاوية رضي الله عنه على عمر غزو البحر فأبى..إذن الرواية عنه في هذا باطلة! وهذا مجرد مثال
-وعمر رضي الله عنه من اول من يعلم يقينا حفظ الله لدينه ممثلا في مصدريه :الكتاب والسنة,(فصح أن كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كله في الدين وحي من عند الله عز وجل لا شك في ذلك.ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند اللَّه تعالى فهو ذكر منزل، فالوحي كله محفوظ بحفظ اللَّه تعالى له بيقين، وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون أن لا يضيع منه، وأن لا يحرف منه شيء أبدًا تحريفًا لا يأتي البيان ببطلانه) كما يقول ابن حزم نفسه في نفس كتابه النفيس الإحكام ,فكونه يشدد في الرواية ويأمر بعدم الإكثار ليس هو من كتمان العلم لأنه يعلم أن الصحابة ماكانوا ليكتموا حقاً علموه من رسول الله اقتضى المقام بيانه ,فمراده ألا يكون التحديث لكل من هب ودرج وأن يحسب الشخص المبلغ عن الرسول ألف حساب قبل ذلك حتى تكون الرواية محققة مسلمة من التحريف
-وهذا الصديق الأكبر أبو بكر يتوقف في أول الأمر في جمع القران نفسه ويتردد عمر في قتال المرتدين ..إلخ ,لأن نظرهم كان يراعي النظرة الشمولية والأناة في تحري سياسة الأمة بالدين ,كيف لا..؟ وهم ورثة النبوة وأمناء الله في أرضه ..
وبعد, فاعلم أني أبجل هذا الإمام وأحبه ولا شك ولا أبالغ إن ادعيت أن حبي إياه يفوق حب الظاهرية , وللناس في الحب مذاهب ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله..