العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

لا تسمح للإمام ابن حزم أن يطوق بحبل حجته حول عنقك

منيب العباسي

:: متخصص ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
1,204
التخصص
----
المدينة
---
المذهب الفقهي
---
يعرف كل من له حظ من النظر أن قوة الحجة ليست ملازمة للحق فقد يغلب صاحب القول المرجوح أو الشاذ صاحب القول الصحيح بما معه من قوة تحكم بإدارة الحوار والإمساك بزمام البيان الجدلي بالعارضة المتوقدة بل ولا سعة العلم تقضي بظهور أحد الطرفين على الآخر بل قد يظهر بدعيّ أو كافر على مسلم في أعين الناظرين بسبب براعة هذا الضال في التلاعب والجدال
قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة؟ قال : (نعم رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا لقام بحجته) ,هذا والسارية مصنوعة من خشب!
وقد رأيت طائفة من طلبة العلم أخذت قوة حجة ابن حزم رحمه الله تعالى بنواصيهم حتى ألغوا عقولهم على ما أوتوه من ذكاء أشهد به, وسأضرب مثالاً ليس هو أجود ما يكون في تقرير المراد وإنما العبرة بإيصال الفكرة :-
في معرض حديثه عن رواية الحديث عن رسول الله اجتهد في تضعيف ما جاء عن أمير المؤمنين عمر في النهي عن الإكثار من الرواية عن رسول الله ورد ذلك بالحجة العقلية فقال: ((
يقال لمن ذم الإكثار من الرواية أخبرنا عن الرواية لحديث رسول الله r أخير هي أم شر ولا سبيل إلى وجه ثالث فإن قال هي خير فالإكثار من الخير خير وإن قال هي شر فالقليل من الشر شر وهم قد أخذوا منه بنصيب فيلزمهم أن يعترفوا بأنهم يتعلمون الشر..إلخ)) بهذا الحسم التجريدي الصارم قضى الإمام علي بن حزم -رحمه الله تعالى- في عين الناظر لأول وهلة على المخالف ونسفه ونكّل به مع ما يضع فيه القاري من جو نفسي مشحون بالحدة البالغة وإن كانت تحمد له في مواطن من جهة الغيرة على الملة الحنيفية..وبصرف النظر عن صحة ما ورد عن عمر في ذلك فليس من غرضي الانتصار لهذا ولا الترجيح وإنما الشأن كما هو مبين في العنوان, فلو خرج المطالع من الزواية الحزمية التي حصر نفسه فيها لرأى معالم أخرى في الأفق :
-فنهي عمر كان عن الإكثار من الرواية لا عن مطلق الرواية والأثر أنه قال : (فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم) وفرق بين مطلق المنع والإكثار لأنه قد يكون للقدر الزائد حكمه الخاص المنوط بظروف تناسب حالا معينة فلا يقاس على الأصل
-وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تكتبوا عني ,ومن كتب عني غير القران فليمحه) هذا مرسوم عام يتعلق بمصلحة تقديم حفظ القران كتابةً والمبالغة في العناية به في المقام الأول ثم إنه سمح في حالات أخر لمن سأله من الصحابة كعبدالله بن عمرو وقال أيضاً :اكتبوا لأبي شاة.. رضي الله عنهم
-وقد دل هديُ عمر رضي الله عنه العام أنه كان يشدد في الرواية ويحذر مخافة تساهل الناس في التحديث عن رسول الله فيدخل من ينفق بضاعته بالكذب أو يقع الخطأ إذا فتح الباب على مصراعيه فيلجه من ليس أهلاً لذلك وقد ثبت أنه قال لأبي موسى الأشعري -وهو من هو- : فقال في حديث الاستئذان : ( أما إني لم أتهمك ، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وله نظائر
-وهذا التجريد الذي صنعه ابن حزم وإن كان في الجملة صحيحا من جهة الاستدلال المنطقي لو استوعبت أطراف القضية إلا أنه يمكن رد كثير من الحق بواسطته لو لم تجمع أبواب النظر في المسألة ..مثال ذلك أن يقال :هل الجهاد في سبيل الله خير أم شر ؟ الجواب القطعي :خير بل قل إن شئت :ذروة سنام الخير! وغزو البحر من الجهاد بل أعظم من جهاد البر رتبة لما يحتفه من مخاطر ولأن الغريق شهيد ولو لم يقاتل عدواً..وقد عرض معاوية رضي الله عنه على عمر غزو البحر فأبى..إذن الرواية عنه في هذا باطلة! وهذا مجرد مثال
-وعمر رضي الله عنه من اول من يعلم يقينا حفظ الله لدينه ممثلا في مصدريه :الكتاب والسنة,(فصح أن كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كله في الدين وحي من عند الله عز وجل لا شك في ذلك.ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند اللَّه تعالى فهو ذكر منزل، فالوحي كله محفوظ بحفظ اللَّه تعالى له بيقين، وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون أن لا يضيع منه، وأن لا يحرف منه شيء أبدًا تحريفًا لا يأتي البيان ببطلانه) كما يقول ابن حزم نفسه في نفس كتابه النفيس الإحكام ,فكونه يشدد في الرواية ويأمر بعدم الإكثار ليس هو من كتمان العلم لأنه يعلم أن الصحابة ماكانوا ليكتموا حقاً علموه من رسول الله اقتضى المقام بيانه ,فمراده ألا يكون التحديث لكل من هب ودرج وأن يحسب الشخص المبلغ عن الرسول ألف حساب قبل ذلك حتى تكون الرواية محققة مسلمة من التحريف
-وهذا الصديق الأكبر أبو بكر يتوقف في أول الأمر في جمع القران نفسه ويتردد عمر في قتال المرتدين ..إلخ ,لأن نظرهم كان يراعي النظرة الشمولية والأناة في تحري سياسة الأمة بالدين ,كيف لا..؟ وهم ورثة النبوة وأمناء الله في أرضه ..
وبعد, فاعلم أني أبجل هذا الإمام وأحبه ولا شك ولا أبالغ إن ادعيت أن حبي إياه يفوق حب الظاهرية , وللناس في الحب مذاهب ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله..
 
إنضم
3 يناير 2009
المشاركات
94
الجنس
ذكر
الكنية
أبو الحسن
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الهند
المدينة
لكناو
المذهب الفقهي
لم يتحدد بعد
رد: لا تسمح للإمام ابن حزم أن يطوق بحبل حجته حول عنقك

قال :
وتحريم التقليد مطلقاً مع إيجاب الاجتهاد على كل أحد جنايةٌ على الشرع، فالبليد العامي على هذا القول يجتهد ويصبح الشرع كلأ مباحاً لا حرمة له.

ورد عليه
قائلا:
بالنسبة للإجتهاد فأنا قيدتها في كلامي حسب مقدرة كل إنسان في ذلك ويكون بالنسبة للعامي الذي ليس عنده قدرة على البحث في الكتب أو الأمي أو كذا، فالإجتهاد الذي يكون واجب عليه هو الإجتهاد في البحث عن أعلم وأتقى أهل المكان ويسأله عن مسألة كذا وكذا
أقول: أليس هذا الاجتهاد مما يدعو إليه أهل العلم قاطبة، وهذا لا ينافي التقليد للمجتهد في حق من ليس بأهل.

ثم قال
:
فالإجتهاد الذي يكون واجب عليه هو الإجتهاد في البحث عن أعلم وأتقى أهل المكان ويسأله عن مسألة كذا وكذا فيجب عليه أن يقول له أهذا حكم الله ورسوله في المسألة أم لا ؟ فإن قال له العالم نعم فيلزمه الأخذ وإن قال هذا رأيي أو رأي فلان أو الإمام كذا فلا يلزمه لأن الطاعة في شرع الله لا تكون إلا بقال الله أو قال رسوله أو أجمعت الأمة على كذا والنوازل تدخل في عمومات القرآن والسنة .
أقول: وهل العالم (من علماء الحق) الذي يفتي في دين الله يكون قد قال بقوله برأيه دون حجة أو برهان، وبدون دليل ؟ أو بما هو خلاف كتاب الله وسنة رسوله ؟
هل يتصور هذا إلا من أمثال المتعالمين في هذا العصر. بل ولا يمكن أن يصدر من أمثال ابن حزم وغيره ممن لم يجعل الله له قبولا كقبول الأئمة الأربعة.


ثم قال
:وإن زاد علم الرجل وزاد فهمه زاد الإجتهاد عليه فيسأل أصح هذا الدليل أم لا ؟ وهكذا ...
أقول : يعني يقلد العالم في المسألة وفي دليلها، فهذا لا ينافي التقليد .
فكم من طلاب العلم يحتجون عليك بأن الدليل فإذا سألته عن الدليل لم يزد على قوله: سمعت الدليل من شيخي ونسيت، فهذا قلد شيخه في المسألة مجردة عن الدليل، وهو يظن أنه قلده بدليل.
ومنهم من يجيب : الدليل هو قوله صلى الله عليه وسلم كذا، فإذا سألته من أخرجه وكيف عرفت بصحة سنده ، بهت ولم يجب، فهذا كذلك قلده في المسألة وفي دليلها دون علمه بصحته ومصدره ... الخ.
ومنهم يرتفع فيقول خرجه فلان وفلان، فلإذا سألته عن وججه الصحة بهت، فهذا أيضا مقلد.
ومنهم من يرتفع فيقول صححه فلان وفلان ، فهذا أعلى من وجدته من طلاب العلم، وهذا لا ينكره متبعو المذاهب الأربعة وفضله ، ولكنه أيضا إما مقلد لشيخه في ذلك العلم الذي سجله في دفتره وحفظه من شيخه، وإما بحث في المسألة ومن صححه أدلتها، وهو ايضا مقلد لمن صحح الحديث في تصحيحه. وربما حفظ أيضا أدلة المخالفين وكيف يرد عليهم. لكن إذا أوردت عليه أدلة المخالف وقوته، وبينت عوار أدلته بهت.
فما من محطة إلا وتجده لا يخرج عن التقليد، بل يدور فيه، والتقليد كما يعلمه المتخصصون مراتب: مرتبة التقليد المحض، ثم لمن تعلم علوم الشريعة والآلة بحيث تأهل لفهم الأدلة، ثم من تعمق وأصبح معروفا من أهل العلم، ثم من يدخل في دائرة المجتهد الجزئي، ثم المجتهد الكلي.
والمرتبة الأعلى أفضل مما دونها بلا خلاف.
ومن هؤلاء من يظن أنه تأهل وأصبح مجتهد ويتعالم وهو جاهل لا يدري أنه جاهل ، من أمثلة ذلك ما جاء أحد يناقشني في بعض القضايا، ويشكو من أتباع المذاهب الأربعة وجهلهم وتركهم للكتاب والسنة ... فما استفسرته عما يشكو وما دليله فما رأيته إلا أجهل الناس، لا يعرف قواعد اللغة فضلا عما بعدها.
وللأسف قد كثر أمثال هؤلاء المتعالمون الجهال في هذه الفترة، نسأل الله السلامة.

ثم قال
:والله قال في كتابه ( فأسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون * بالبينات والزبر ) فالسؤال لأهل العلم عن مسألة يكون بطلب الدليل عليها إما لفظا أو معنى .
أقول: كأنني وجدت مثالا حيا لبعض ما كنت أذكر من الأصناف، ولم احتج لإتيانه من ذاكرتي وواقع تجربتي،
فأخونا المعتز حرف كتاب الله وتقول على الله بلا علم، واجتهد وهو ليس بأهل، فوقع في الكبائر وهو يظن أنه يرد الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله، وأعتذر مسبقا إن كنت قلدت ابن حزم في حكاية ما أراه تجاه الغير .
بيان ذلك أن {قوله تعالى: بالبينات والزبر} متعلق ببداية الآية: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا} فأرسلهم الله بالبينات والزبر.
لكنْ أخونا الظاهري استدل بالآية على أنه يجب على المفتي أن يبين الدليل، وجمهور أهل العلم يقولون بأنه لا يجب عليه بيان الدليل إلا لعارض طارئ على خلاف الأصل.
فإذا كان هذا حال المتعلم من طلاب العلم أو من أهل العلم الداعين إلى منهجهم، فكيف بحال الجهال المحض المدّعون الذين كثروا في هذا الزمان
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك
حتى صغار طلاب العلم يخرجون بكتب ويجيبون على الأسئلة وينكرون التقليد ثم تجدهم في إجاباتهم مقلدين لشيوخهم.
والفرق بينهم وبين أتباع المذاهب الأربعة : أنهم يعترفون بالتقليد لأئمتهم في المسألة وفي دليلها كل بحسب مرتبته، وهؤلاء ينكرون التقليد مع إنكارهم على من يقلد غيرهم وغير مشايخهم، بل بعضهم يحكم على المقلد بالشرك، وهم أشد شركا منهم.
والفرق بينهم وبين الأئمة والأربعة: أن الأئمة اتفقت الأمة على جلاتهم وإمامتهم ، وأنهم كانوا متواضعين جدا فحذروا الأمة من تقليدهم
وهؤلاء الأدعياء مجهولون في الأمة إلا في حيهم أو منطقتهم، وأنهم على قلة علمهم يدعون الناس إلى اتباعهم بدعوى أن ما يقولونه ليس برأي يحتمل الرد، بل هو كتاب الله وسنة رسوله، فلا يحتمل الرد. فزعموا من حيث لا يشعرون أن اجتهادهم موافق لمراد الله قطعا، لا يحتمل الرد،
وأن اجتهاد الأئمة راي ارتأوه فهو رأي مردود.

وفي النهاية أنا لا أنكر على من شهد له أهل العلم ببلوغ مرتبة الاجتهاد ولو جزئيا أن يفصح عن رأيه، لكن ليتواضع وليقل كما قال الأئمة : لا تأخذوا بقولي وقول فلان ، ولكن خذوا من حيث أخذنا ، حتى إذا كان من اجتهد فتوصل إلى غير قوله يكون معذورا عنده، وإلا يجعلونه مأزورا مستحقا للعقاب، ويتهمونه بترك الكتاب والسنة، وليس إلا أنه ترك قوله، وفي هذا وقع ابن حزم وأمثاله.
والله أعلم . وصلى الله على نبينا محمد.
 
أعلى