العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في فقه الجنايات والحدود 3

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
هذه المجموعة الثالثة من سلسة الدروس الخاصة بفقه الجريمة والعقوبة في الإسلام بعنوان
"فقه الجنايات والحدود"
والتي استخلصتها من كتاب
(التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي)
لعبد القادر عودة
ومن مذكرات الدكتور يوسف الشبيلي
(فقه الحدود)
المنشورة على موقع فضيلته على الانترنت

وقد قمت بتخصيص المجموعة الأولى للحديث عن (فقه الجنايات)
وتحدثت في المجموعة الثانية عن الجزء الثاني وهو (فقه الحدود)
وسوف أخصص المجوعة الثالثة للحديث عن (فقه التعازير)
وكما سبق وذكرت في الجزأين السابقين فلن أخوض في دقائق المسائل ولا في الخلافات الفقهية، وإنما سأكتفي بأصول المسائل المتفق عليها بين أهل العلم قدر الإمكان.

أسال الله أن ينفع بهذه الدروس من يطلع عليها من طلاب العلم والدارسين من أبناء المسلمين
وأن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصاً لوجهه الكريم
إنه ولي ذلك والقادر عليه
********
رابط السلسلتين الأولى والثانية:
دروس في فقه الجنايات والحدود (1)

دروس في فقه الجنايات والحدود (2)


 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 3

الفصل الأول
تعريف التعزير ، والفرق بينه وبين الحدود والقصاص والكفارات

أولاً : تعريف التعزير :
التعزير لغة : مصدر عزر من العزر ، وهو الرد والمنع ، ويقال : عزر أخاه بمعنى : نصره ، لأنه منع عدوه من أن يؤذيه ، ويقال : عزرته بمعنى : وقرته ، وأيضا : أدبته ، فهو من أسماء الأضداد . وسميت العقوبة تعزيرا ، لأن من شأنها أن تدفع الجاني وترده عن ارتكاب الجرائم ، أو العودة إليها.
وفي الاصطلاح : هو عقوبة غير مقدرة شرعا ، تجب حقا لله ، أو لآدمي ، في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة غالبا .
-----------------
ثانياً: الفروق بين التعازير والحدود والقصاص والكفارات :
يختلف التعزير عن الحد والقصاص والكفارة من وجوه منها :
1) في الحدود والقصاص ، إذا ثبتت الجريمة الموجبة لهما لدى القاضي شرعا ، فإن عليه الحكم بالحد أو القصاص على حسب الأحوال ، وليس له اختيار في العقوبة ، بل هو يطبق العقوبة المنصوص عليها شرعا بدون زيادة أو نقص ، ولا يحكم بالقصاص إذا عفي عنه ، وله هنا التعزير .
ومرد ذلك : أن القصاص حق للأفراد ، بخلاف الحد .
وفي التعزير : يختار القاضي من العقوبات الشرعية ما يناسب الحال ، فيجب على الذين لهم سلطة التعزير الاجتهاد في اختيار الأصلح ، لاختلاف ذلك باختلاف مراتب الناس ، وباختلاف المعاصي .
2) إقامة الحد الواجب لحق الله لا عفو فيه ولا شفاعة ولا إسقاط ، إذا وصل الأمر للحاكم ، وثبت بالبينة ، وكذلك القصاص إذا لم يعف صاحب الحق فيه .
والتعزير إذا كان من حق الله تعالى تجب إقامته ، ويجوز فيه العفو والشفاعة إن كان في ذلك مصلحة ، أو انزجر الجاني بدونه ، وإذا كان من حق الفرد فله تركه العفو وبغيره ، وهو يتوقف على الدعوى ، وإذا طالب صاحبه لا يكون لولي الأمر عفو ولا شفاعة ولا إسقاط .
3) إثبات الحدود والقصاص عند الجمهور لا يثبت إلا بالبينة أو الاعتراف ، بشروط خاصة . وعلى سبيل المثال : لا يؤخذ فيه بأقوال اﻟﻤﺠني عليه كشاهد ، ولا بالشهادة السماعية ، ولا باليمين ، ولا بشهادة النساء .
أما التعزير فيثبت بذلك ، وبغيره .
4) لا خلاف بين الفقهاء أن من حده الإمام فمات من ذلك فدمه هدر ، لأن الإمام مأمور بإقامة الحد ، وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة .
أما التعزير فقد اختلفوا فيه ، فعند الحنفية والمالكية والحنابلة : الحكم كذلك في التعزير ، أما عند الشافعية :
فالتعزير موجب للضمان ، وقد استدلوا على ذلك بفعل عمر رضي الله عنه ، إذ أرهب امرأة ففزعت فزعا ، فدفعت الفزعة في رحمها ، فتحرك ولدها ، فخرجت ، فأخذها المخاض ، فألقت غلاما جنينا ، فأتي عمر رضي الله عنه بذلك ، فأرسل إلى المهاجرين فقص عليهم أمرها ، فقال : ما ترون ؟ فقالوا : ما نرى عليك شيئا يا أمير المؤمنين ، إنما أنت معلم ومؤدب ، وفي القوم علي رضي الله عنه ، وعلي ساكت . قال : فما تقول : أنت يا أبا الحسن قال : أقول : إن كانوا قاربوك في الهوى فقد أثموا ، وإن كان هذا جهد رأيهم فقد أخطئوا ، وأرى عليك الدية يا أمير المؤمنين ، قال : صدقت ، اذهب فاقسمها على قومك .
أما من يتحمل الدية في النهاية ، فقيل : إنما تكون على عاقلة ولي الأمر . وقيل : إا تكون في بيت المال .
5) إن الحدود تدرأ بالشبهات ، بخلاف التعزير ، فإنه يثبت بالشبهة .
6) يجوز الرجوع في الحدود إن ثبتت بالإقرار ، أما التعزير فلا يؤثر فيه الرجوع .
7) إن الحد لا يجب على الصغير ، ويجوز تعزيره .
8) إن الحد قد يسقط بالتقادم عند بعض الفقهاء ، بخلاف التعزير .
9) الحدود يجب على الإمام إقامتها ، أما التعازير ، قد حصل الخلاف في التعزير هل هو واجب على ولي الأمر أم لا ؟
فمالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد قالوا بوجوب التعزير فيما شرع فيه .
وقال الشافعي : إنه ليس بواجب ، استنادا إلى: ( أن رجلا قال للرسول صلى الله عليه وسلم : إني لقيت امرأة فأصبت منها دون أن أطأها . فقال صلى الله عليه وسلم: { أصليت معنا }؟ قال نعم : فتلا عليه آية : {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} . وإلى قوله صلى الله عليه وسلم في الأنصار: {اقبلوا من محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم } وإلى: {أن رجلا قال للرسول صلى الله عليه وسلم في حكم حكم به للزبير لم يرقه : إن كان ابن عمتك ، فغضب . ولم ينقل أنه عزره .
---------------
ثالثاً: حكمة التشريع :
التعزير مشروع لردع الجاني وزجره ، وإصلاحه وﺗﻬذيبه .
قال الزيلعي : إن الغرض من التعزير الزجر . وسمى التعزيرات : بالزواجر غير المقدرة .
والزجر معناه : منع الجاني من معاودة الجريمة ، ومنع غيره من ارتكاﺑﻬا ، ومن ترك الواجبات ، كترك الصلاة والمماطلة في أداء حقوق الناس .
أما الإصلاح والتهذيب : فهما من مقاصد التعزير ، وقد بين ذلك الزيلعي بقوله : التعزير للتأديب .
ومثله تصريح الماوردي وابن فرحون بأن : التعزير تأديب استصلاح وزجر .
وقال الفقهاء : إن الحبس غير المحدد المدة حده التوبة وصلاح حال الجاني .
وقالوا : إن التعزير شرع للتطهير :لأن ذلك سبيل لإصلاح الجاني .
وقالوا : الزواجر غير المقدرة محتاج إليها ، لدفع الفساد كالحدود . وليس التعزير للتعذيب ، أو إهدار الآدمية ، أو الإتلاف ، حيث لا يكون ذلك واجبا .
وفي ذلك يقول الزيلعي : التعزير للتأديب ، ولا يجوز الإتلاف ، وفعله مقيد بشرط السلامة . ويقول ابن فرحون : التعزير إنما يجوز منه ما أمنت عاقبته غالبا ، وإلا لم يجز.
ويقول البهوتي : لا يجوز قطع شيء ممن وجب عليه التعزير ، ولا جرحه ، لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك، عن أحد يقتدى به، ولأن الواجب أدب ، والأدب لا يكون بالإتلاف ، وكل ضرب يؤدي إلى الإتلاف ممنوع ، سواء أكان هذا الاحتمال ناشئا من آلة الضرب ، أم من حالة الجاني نفسه ، أم من موضع الضرب .
وتفريعا على ذلك : منع الفقهاء الضرب في المواضع التي قد يؤدي فيها إلى الإتلاف. ، ولذلك فالراجح : أن الضرب على الوجه والفرج والبطن والصدر ممنوع .
وعلى الأساس المتقدم منع جمهور الفقهاء في التعزير :
الصفع ، وحلق اللحية ، وتسويد الوجه ، وإن كان البعض قال به في شهادة الزور .
قال الأسروشني : لا يباح التعزير بالصفع لأنه من أعلى ما يكون من الاستخفاف .

 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 3

الفصل الثاني
المعاصي التي شرع فيها التعزير

أولاً : تعريف المعصية التي يشرع فيها التعزير :
المعصية : فعل ما حرم ، وترك ما فرض ، يستوي في ذلك كون العقاب دنيويا أو أخرويا.
أجمع الفقهاء على : أن ترك الواجب أو فعل المحرم معصية فيها التعزير ، إذا لم يكن هناك حد مقدر .
ومثال ترك الواجب عندهم : منع الزكاة ، وترك قضاء الدين عند القدرة على ذلك ، وعدم أداء الأمانة ،
وعدم رد المغصوب ، وكتم البائع ما يجب عليه بيانه ، كأن يدلس في المبيع عيبا خفيا ونحوه ، والشاهد والمفتي والحاكم يعزرون على ترك الواجب .
ومثال فعل المحرم : سرقة ما لا قطع فيه ، لعدم توافر شروط النصاب أو الحرز مثلا ، وتقبيل الأجنبية ،
والخلوة ﺑﻬا ، والغش في الأسواق ، والعمل بالربا ، وشهادة الزور .
وقد يكون الفعل مباحا في ذاته لكنه يؤدي لمفسدة ، وحكمه عند كثير من الفقهاء - وعلى الخصوص المالكية - أنه يصير حراما ، بناء على قاعدة سد الذرائع ، وعلى ذلك فارتكاب مثل هذا الفعل فيه التعزير ، ما دام ليست له عقوبة مقدرة . .
وقد اختلف في تعزير تارك المندوب ، وفاعل المكروه ، ففريق من الفقهاء على عدم جوازه ، لعدم التكليف، ولا تعزير بغير تكليف . وفريق أجازه ، استنادا على فعل عمر رضي الله عنه ، فقد عزر رجلا أضجع شاة لذبحها ، وأخذ يحد شفرته وهي على هذا الوضع ، وهذا الفعل ليس إلا مكروها ، ويأخذ هذا الحكم من يترك المندوب .
وقال القليوبي : قد يشرع التعزير ولا معصية ، كتأديب طفل ، وكافر ، وكمن يكتسب بآلة لهو لا معصية
فيها.
---------------
ثانياً: اجتماع التعزير مع الحد أو القصاص أو الكفارة :
قد يجتمع التعزير مع الحد أو القصاص أوالكفارة ، ومن الأمثلة على ذلك :
1. أن الحنفية لا يرون تغريب الزاني غير المحصن من حد الزنى . فعندهم أن حده مائة جلدة لا غير ، ولكنهم يجيزون تغريبه بعد الجلد ، وذلك على وجه التعزير .
2. ويجوز تعزير شارب الخمر بالقول ، بعد إقامة حد الشرب عليه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه :{ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتبكيت شارب الخمر بعد الضرب} .والتبكيت تعزير بالقول ، وممن قال
بذلك : الحنفية ، والمالكية .
3. وقال المالكية : إن الجارح عمدا يقتص منه ويؤدب . ومن ثم فالتعزير قد اجتمع مع القصاص في الاعتداء على ما دون النفس عمدا .
4. والشافعي يجيز اجتماع التعزير مع القصاص فيما دون النفس من الجنايات على البدن ، وهو أيضا يقول بجواز اجتماع التعزير مع الحد ، مثل تعليق يد السارق في عنقه بعد قطعها ساعة من نهار ، زيادة في
النكال . وقال أحمد بذلك أيضًا .
5. الزيادة عن الأربعين في حد الشرب ، لأن حد الشرب عند الشافعي أربعون .
6. وقد يجتمع التعزير مع الكفارة . فمن المعاصي ما فيه الكفارة مع الأدب ، كالجماع في حرام ، وفي نهار رمضان ، ووطء المظاهر منها قبل الكفارة إذا كان الفعل متعمدا في جميعها .
7. وعند مالك في القتل الذي لا قود فيه ، كالقتل الذي عفي عن القصاص فيه ، تجب على القاتل الدية ، وتستحب له الكفارة ، ويضرب مائة ، ويحبس سنة ، وهذا تعزير قد اجتمع مع الكفارة .
8. وقال البعض في القتل شبه العمد : بوجوب التعزير مع الكفارة .
-------------------
ثالثاً : أنواع التعزير من حيث غلبة حق لله وحق للعبد وأثر ذلك :
ينقسم التعزير إلى ما هو حق لله ، وما هو حق للعبد .
والمراد بالأول غالبا : ما تعلق به نفع العامة ، وما يندفع به ضرر عام عن الناس ، من غير اختصاص بأحد .
والتعزير هنا من حق الله ، لأن إخلاء البلاد من الفساد واجب مشروع ، وفيه دفع للضرر عن الأمة ، وتحقيق نفع عام .
ويراد بالثاني : ما تعلقت به مصلحة خاصة لأحد الأفراد .
وعلى هذا فالأقسام أربعة :
فقد يكون التعزير خالص حق الله ، كتعزير تارك الصلاة ، والمفطر عمدا في رمضان بغير عذر ، ومن
يحضر مجلس الشراب .
وقد يكون لحق الله وللفرد ، مع غلبة حق الله ، كنحو تقبيل زوجة آخر وعناقها .
وقد تكون الغلبة لحق الفرد ، كما في السب والشتم والمواثبة .
وقد قيل بحالات يكون فيها التعزير لحق الفرد وحده ، كالصبي يشتم رجلا لأنه غير مكلف بحقوق الله
تعالى فيبقى تعزيره متمحضا لحق المشتوم .
وتظهر أهمية التفرقة بين نوعي التعزير في أمور ، منها :
أن التعزير الواجب حقا للفرد أو الغالب فيه حقه - وهو يتوقف على الدعوى - إذا طلبه صاحب الحق فيه
لزمت إجابته ، ولا يجوز للقاضي فيه الإسقاط ، ولا يجوز فيه العفو أو الشفاعة من ولي الأمر .
أما التعزير الذي يجب حقا لله فإن العفو فيه من ولي الأمر جائز ، وكذلك الشفاعة إن كانت في ذلك مصلحة ، أو حصل انزجار الجاني بدونه . وقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله : " اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء".
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 3

الفصل الثالث
الأنواع الجائزة في عقوبة التعزير

أولاً: التعزير عقوبة مفوضة :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن التعزير عقوبة مفوضة إلى رأي الحاكم ، وهذا التفويض في التعزير من أهم أوجه الخلاف بينه وبين الحد الذي هو عقوبة مقدرة من الشارع .
وعلى الحاكم في تقدير عقوبة التعزير مراعاة حال الجريمة واﻟﻤﺠرم .
أما مراعاة حال الجريمة:
فللفقهاء فيه نصوص كثيرة ، منه قول الأسروشني : ينبغي أن ينظر القاضي إلى سببه ، فإن كان من جنس ما يجب به الحد ولم يجب لمانع وعارض ، يبلغ التعزير أقصى غاياته .
وإن كان من جنس ما لا يجب الحد لا يبلغ أقصى غاياته ، ولكنه مفوض إلى رأي الإمام .
وأما مراعاة حال اﻟﻤﺠرم :
فيقول الزيلعي : إنه في تقدير التعزير ينظر إلى أحوال الجانين ، فإن من الناس من يترجر باليسير . ومنهم من لا يترجر إلا بالكثير .
يقول ابن عابدين : إن التعزير يختلف باختلاف الأشخاص ، فلا معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه ،
فيكون مفوضا إلى رأي القاضي ، يقيمه بقدر ما يرى المصلحة فيه .
ونص الفقهاء : على أن التعزير يختلف من حيث المقادير ، والأجناس ، والصفات ، باختلاف الجرائم ، من حيث كبرها ، وصغرها ، وبحسب حال اﻟﻤﺠرم نفسه ، وبحسب حال القائل والمقول فيه والقول ، وهو موكول إلى اجتهاد الإمام .
قال القرافي : إن التعزير يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، وتطبيقا لذلك قال ابن فرحون : رب تعزير في بلد يكون إكراما في بلد آخر ، كقطع الطيلسان ليس تعزيرا في الشام بل إكرام ، وكشف الرأس عند الأندلسيين ليس هوانا مع أنه في مصر والعراق هوان . وقال : إنه يلاحظ في ذلك أيضا نفس الشخص ، فإن في الشام مثلا من كانت عادته الطيلسان وألفه - من المالكية وغيرهم - يعتبر قطعه تعزيرا لهم . فما ذكر ظاهر منه : أن الأمر لم يقتصر على اختلاف التعزير باختلاف الزمان والمكان والأشخاص ، مع كون الفعل محلا لذلك ، بل إن هذا الاختلاف قد يجعل الفعل نفسه غير معاقب عليه ، بل قد يكون مكرمة.
-------------------
ثانياً: الأنواع الجائزة في عقوبة التعزير :
يجوز في مجال التعزير : إيقاع عقوبات مختلفة ، يختار منها الحاكم في كل حالة ما يراه مناسبا محققا لأغراض التعزير .
وهذه العقوبات قد تنصب على البدن ، وقد تكون مقيدة للحرية ، وقد تصيب المال ، وقد تكون غير ذلك .
وفيما يلي بيان هذا الإجمال
المطلب الأول : العقوبات البدنية :
أولاً - التعزير بالقتل:
الأصل : أنه لا يبلغ بالتعزير القتل ، وذلك لقول الله تعالى : " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق "
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة . "
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معينة بشروط مخصوصة ، من ذلك:
أ- قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين ، وذهب إلى جواز تعزيره بالقتل مالك وبعض أصحاب أحمد ، ومنعه أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو يعلى من الحنابلة . وتوقف فيه أحمد .
ب- ومن ذلك : قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة كالجهمية . ذهب إلى ذلك كثير من أصحاب مالك ، وطائفة من أصحاب أحمد
ج- وأجاز أبو حنيفة التعزير بالقتل فيما تكرر من الجرائم ، إذا كان جنسه يوجب القتل ، كما يقتل من
تكرر منه اللواط أو القتل بالمثقل .
د- وقال ابن تيمية : وقد يستدل على أن المفسد إذا لم ينقطع شره إلا بقتله فإنه يقتل ، لما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه "
ثانيًا : التعزير بالجلد:
وفيه مسائل :


  • المسألة الأولى : الأدلة على مشروعية الجلد في التعزير :
أ- قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط ، إلا في حد من حدود الله تعالى. "
ب- وفي الحريسة- أي الشاة - التي تؤخذ من مراتعها غرم ثمنها مرتين ، وضرب نكال .
ج- وكذلك الحكم في سرقة التمر يؤخذ من أكمامه ، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : "
سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التمر المعلق ، فقال : من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ، ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن اﻟﻤﺠن فعليه القطع " رواه النسائي وأبو داود . وفي رواية قال : " سمعت رجلا من مزينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحريسة التي توجد في مراتعها ؟ قال : فيها ثمنها مرتين ، وضرب نكال . وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن اﻟﻤﺠن . قال : يا رسول الله ، فالثمار وما أخذ منها في أكمامها ؟ قال : من أخذ بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء ، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين ، وضرب نكال ، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع ، إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن اﻟﻤﺠن " رواه أحمد والنسائي . ولابن ماجه معناه ، وزاد النسائي في آخره : وما لم يبلغ ثمن اﻟﻤﺠن ففيه غرامة مثليه ، وجلدات نكال .
وقد سار على هذه العقوبة في التعزير الخلفاء الراشدون ومن بعدهم من الحكام ، ولم ينكر عليهم أحد .


  • المسألة الثانية : مقدار الجلد في التعزير
اختلف الفقهاء في أقصى الجلد في التعزير على أقوال :
القول الأول :
للحنفية .
مما لا خلاف فيه عند الحنفية : أن التعزير لا يبلغ الحد ، لحديث النعمان بن بشير مرفوعًا " من بلغ حدا
في غير حد فهو من المعتدين "
واختلف الحنفية في أقصى الجلد في التعزير : فيرى أبو حنيفة : أنه لا يزيد عن تسعة وثلاثين سوطا
بالقذف والشرب ، أخذا عن الشعبي ، إذ صرف كلمة الحد في الحديث إلى حد الأرقاء وهو أربعون .
وأبو يوسف قال بذلك أولا ، ثم عدل عنه إلى اعتبار أقل حدود الأحرار وهو ثمانون جلدة
القول الثاني :
وهو قول المالكية : أن الإمام له أن يزيد التعزير عن الحد ، مع مراعاة المصلحة التي لا يشوﺑﻬا الهوى .
ومما استدل به المالكية :
• فعل عمر في معن بن زياد لما زور كتابا على عمر وأخذ به من صاحب بيت المال مالا ، إذ جلده مائة
، ثم مائة أخرى ، ثم ثالثة ، ولم يخالفه أحد من الصحابة فكان إجماعا ، كما أنه ضرب صبيغ بن عسل
أكثر من الحد
• وروى أحمد بإسناده أن عليا رضي الله عنه أتي بالنجاشي قد شرب خمرا في رمضان فجلده ثمانين
( الحد ) وعشرين سوطا ، لفطره في رمضان .
القول الثالث :
للشافعية والحنابلة
أنه لا يزيد في أكثر الجلد في التعزير عن عشر جلدات أخذا بحديث أبي بردة مرفوعًا : " لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ".
القول الرابع :
وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم : وهو أن التعزير يكون بحسب المصلحة ، وعلى قدر الجريمة ، فيجتهد فيه ولي الأمر على ألا يبلغ التعزير فيما فيه حد مقدر ذلك المقدر ، فالتعزير على سرقة ما دون النصاب مثلا لا يبلغ به القطع ، وقالا : إن هذا هو أعدل الأقوال ، وإن السنة دلت عليه ، ومن ذلك :
أ- ما مر في ضرب الذي أحلت له امرأته جاريتها مائة لا الحد وهو الرجم ،
ب- كما أن عليا وعمر رضي الله عنهما ضربا رجلا وامرأة وجدا في لحاف واحد مائة مائة ،
ج- وحكم عمر رضي الله عنه فيمن قلد خاتم بيت المال بضربه ثلاثمائة على مرات ،
د- وضرب صبيغ بن عسل للبدعة ضربا كثيرا لم يعده .
وهذا القول هو الصحيح :
وأما حديث أبي بردة فالمراد بالحد فيه أي المعصية ، وليس الحد الاصطلاحي ، فهو كقوله تعالى : " تلك حدود الله فلا تعتدوها " والمعنى : لايزاد على عشرة أسواط إلا في معصية ، أما التأديب الذي لايكون على معصية مثل تأديب الرجل ابنه فلا يجوز أن يزيد على عشرة أسواط ، وأما حديث النعمان فهو ضعيف .
---------------
المطلب الثاني : التعزير بالحبس :
الحبس مشروع بالكتاب والسنة والإجماع :
أما الكتاب فقوله تعالى : " والتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا
فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا " وقوله سبحانه : " إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو
ينفوا من الأرض " .
فقد قال جمع من أهل العلم : إن المقصود بالنفي هنا الحبس .
وأما السنة فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم حبس بالمدينة أناسا في ﺗﻬمة دم ، وحكم بالضرب
والسجن ، وأنه قال فيمن أمسك رجلا لآخر حتى قتله : "اقتلوا القاتل ، واصبروا الصابر " أي بحبس حتى
الموت ، لأنه حبس المقتول للموت بإمساكه إياه .
وأما الإجماع فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم ، ومن بعدهم ، على المعاقبة بالحبس . واتفق الفقهاء على أن الحبس يصلح عقوبة في التعزير .
ومما جاء في هذا المقام : أن عمر رضي الله عنه سجن الحطيئة على الهجو ، وسجن صبيغا على سؤاله عن الذاريات ، والمرسلات ، والنازعات ، وشبهه ، وأن عثمان رضي الله عنه سجن ضابئ بن الحارث ، وكان من لصوص بني تميم وفتاكهم ، وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سجن بالكوفة . وأن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه سجن بمكة ، وسجن في " دارم " محمد بن الحنفية لما امتنع عن بيعته


  • مسألة : مدة الحبس في التعزير :
الأصل أن تقدير مدة الحبس يرجع إلى الحاكم ، مع مراعاة ظروف الشخص ، والجريمة والزمان والمكان . وقد أشار الزيلعي إلى ذلك بقوله : ليس للحبس مدة مقدرة . وقال الماوردي : إن الحبس تعزيرا يختلف باختلاف اﻟﻤﺠرم ، وباختلاف الجريمة ، فمن الجانين من يحبس يوما ، ومنهم من يحبس أكثر ، إلى غاية غير مقدرة .
---------------
المطلب الثالث : - التعزير بالنفي
التعزير بالنفي مشروع بلا خلاف بين الفقهاء .
ودليل مشروعيته : الكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب فقوله تعالى : " أو ينفوا من الأرض " ومن ثم فهو عقوبة مشروعة في الحدود .
وأما السنة : فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالنفي تعزيرا في المخنثين ، إذ نفاهم من المدينة .
وأما الإجماع : فإن عمر رضي الله عنه نفى نصر بن حجاج لافتتان النساء به ، ولم ينكر عليه أحد من
الصحابة .
ويجوز كون التغريب لأكثر من مسافة القصر ، لأن عمر غرب من المدينة نصر بن حجاج إلى البصرة ، ونفى عثمان رضي الله عنه إلى مصر ، ونفى علي رضي الله عنه إلى البصرة . ويشترط أن يكون التغريب لبلد معين ، فلا يرسل المحكوم عليه به إرسالا ، وليس له أن يختار غير البلد المعين لإبعاده
***********************

المطلب الرابع : التعزير بالمال :

  • المسألة الأولى : مشروعية التعزير بالمال :
اختلف الفقهاء في حكم التعزير بالمال على قولين :
القول الأول :
أن التعزير بأخذ المال لايجوز .
لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عمن يقتدى به .
وهذا هو رأي جمهور الفقهاء .
القول الثاني :
جواز التعزير بالمال .
وهذا هو اختيار ابن تيمية وابن القيم ، ورواية عند الحنابلة
واستدلوا لذلك بأقضية للرسول صلى الله عليه وسلم :
أ- كإباحته سلب من يصطاد في حرم المدينة لمن يجده ،
ب- وأمره بكسر دنان الخمر ، وشق ظروفها ،
ج- وأمره عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بحرق الثوبين المعصفرين ،
د- وتضعيفه الغرامة على من سرق من غير حرز ، وسارق ما لا قطع فيه من الثمر والكثر ، وكاتم الضالة .
ه- ومنها أقضية الخلفاء الراشدين ، مثل أمر عمر وعلي رضي الله عنهما بتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر ، وأخذ شطر مال مانع الزكاة ، وأمر عمر بتحريق قصر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي بناه حتى يحتجب فيه عن الناس . وقد نفذ هذا الأمر محمد بن مسلمة رضي الله عنه

  • المسألة الثانية : أنواع التعزير بالمال :
التعزير بالمال يكون بحبسه أو بإتلافه ، أو بتغيير صورته ، أو بتمليكه للغير .
أ - حبس المال عن صاحبه :
وهو أن يمسك القاضي شيئا من مال الجاني مدة زجرا له ، ثم يعيده له عندما تظهر توبته ، وليس معناه أخذه لبيت المال ، لأنه لا يجوز أخذ مال إنسان بغير سبب شرعي يقتضي ذلك .
ب – الإتلاف:
قال ابن تيمية : إن المنكرات من الأعيان والصفات يجوز إتلاف محلها تبعا لها ، فالأصنام صورها منكرة ، فيجوز إتلاف مادﺗﻬا ، وآلات اللهو يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء ، وبذلك أخذ مالك ، وهو أشهر الروايتين عن أحمد
- ومن هذا القبيل أيضا أوعية الخمر ، يجوز تكسيرها وتحريقها ، والمحل الذي يباع فيه الخمر يجوز تحريقه ، واستدل لذلك بفعل عمر رضي الله عنه في تحريق محل يباع فيه الخمر ، وقضاء علي رضي الله عنه تحريق القرية التي كان يباع فيها الخمر ، ولأن مكان البيع كالأوعية
- ومن هذا القبيل أيضا : إراقة عمر اللبن المخلوط بالماء للبيع . ومنه ما يراه بعض الفقهاء من جواز إتلاف المغشوشات في الصناعات ، كالثياب رديئة النسج ، بتمزيقها وإحراقها ،
- وتحريق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لثوبه المعصفر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن تيمية : إن هذا الإتلاف للمحل الذي قامت به المعصية نظيره إتلاف المحل من الجسم الذي وقعت به المعصية ، كقطع يد السارق . وهذا الإتلاف ليس واجبا في كل حالة ، فإذا لم يكن في المحل مفسد فإن إبقاءه جائز ، إما له أو يتصدق به . وبناء على ذلك أفتى فريق من العلماء : بأن يتصدق بالطعام المغشوش . وفي هذا إتلاف له
ج - التعزير بالتغيير :
من التعزير بالتغيير :
- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كسر سكة المسلمين الجائزة بين المسلمين ، كالدراهم والدنانير ، إلا إذا كان ﺑﻬا بأس ، فإذا كانت كذلك كسرت .
- وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في التمثال الذي كان في بيته ، والستر الذي به تماثيل ، إذ قطع رأس التمثال فصار كالشجرة ، وقطع الستر إلى وسادتين منتبذتين يوطآن .
- ومن ذلك : تفكيك آلات اللهو ، وتغيير الصور المصورة
د - التعزير بالتمليك :
من التعزير بالتمليك :
- قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم فيمن سرق من الثمر المعلق قبل أن يؤخذ إلى الجرين بجلدات نكال ،وغرم ما أخذ مرتين .
- وفيمن سرق من الماشية قبل أن تؤوي إلى المراح بجلدات نكال ، وغرم ذلك مرتين ، وقضاء عمر رضي الله عنه بتضعيف الغرم على كاتم الضالة ، وقد قال بذلك طائفة من العلماء ، منهم : أحمد ، وغيره
- ومن ذلك إضعاف عمر وغيره الغرم في ناقة أعرابي أخذها مماليك جياع ، إذ أضعف الغرم على سيدهم ، ودرأ القطع.
**************

المطلب الخامس : أنواع أخرى من التعزير :
هناك أنواع أخرى من التعزير غير ما سبق . منها : الإعلام اﻟﻤﺠرد ، والإحضار ﻟﻤﺠلس القضاء ، والتوبيخ
والهجر .
أ - الإعلام اﻟﻤﺠرد :
صورته أن يقول القاضي للجاني : بلغني أنك فعلت كذا وكذا ، أو يبعث القاضي أمينه للجاني ، ليقول له ذلك . وقد قيد البعض الإعلام ، بأن يكون مع النظر بوجه عابس.
ب- التوبيخ :
التعزير بالتوبيخ مشروع باتفاق الفقهاء :
- فقد روى أبو ذر رضي الله عنه : أنه ساب رجلا فعيره بأمه ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر ، أعيرته بأمه ، إنك امرؤ فيك جاهلية ".
- وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " . وقد فسر النيل من العرض بأن يقال له مثلا : يا ظالم ، يا معتد . وهذا نوع من التعزير بالقول .
- وقد جاء في تبصرة الحكام لابن فرحون : وأما التعزير بالقول فدليله ما ثبت في سنن أبي داود عن أبي
هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب فقال : اضربوه. فقال أبو
هريرة : فمنا الضارب بيده ، ومنا الضارب بنعله ، والضارب بثوبه . وفي رواية بإسناده ، ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأصحابه بكتوه فأقبلوا عليه يقولون : ما اتقيت الله ، ما خشيت الله ، ما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا التبكيت من التعزير بالقول .
ج- الهجر :
الهجر معناه : مقاطعة الجاني ، والامتناع عن الاتصال به ، أو معاملته بأي نوع ، أو أية طريقة كانت . وهو مشروع بدليل قوله تعالى : " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع "
وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الثلاثة الذين تخلفوا عنه في غزوة تبوك .
وعاقب عمر صبيغا بالهجر لما نفاه إلى البصرة ، وأمر ألا يجالسه أحد . وهذا منه عقوبة بالهجر.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 3

الفصل الرابع
الجرائم التي شرع فيها التعزير
الجرائم التي شرع فيها التعزير على نوعين :
النوع الأول : قد تكون من قبيل ما شرع في جنسه عقوبة مقدرة من حد أو قصاص ، لكن هذه العقوبة لا تطبق ، لعدم توافر شرائط تطبيقها ، أو لوجود مانع ، كوجود شبهة تستوجب درء الحد ، أو عفو صاحب
الحق عن طلبه .
النوع الثاني : وقد تكون الجرائم التعزيرية غير ما ذكر فيكون فيها التعزير أصلا . ويدخل في هذا القسم ما لا يدخل في سابقه من جرائم .
وفيما يلي تفصيل ذلك:
المبحث الأول :الجرائم التي يشرع فيها التعزير بديلا عن الحدود أو القصاص:
المطلب الأول : جرائم الاعتداء على النفس :
ويدخل في هذا الموضوع :
1- القتل العمد العدوان موجبه القصاص ، ويجب لذلك توافر شروط ، أهمها : كون القاتل قد تعمد تعمدا محضا ليس فيه شبهة ، وكونه مختارا ، ومباشرا للقتل ، وألا يكون المقتول جزء القاتل ، وأن يكون معصوم الدم مطلقا . وفضلا عن ذلك يجب للقصاص : أن يطلب من ولي الدم . فإذا اختل شرط من هذه الشروط امتنع القصاص ، وفيه التعزير .
2- القتل شبه العمد قال البهوتي : قد يقال بوجوب التعزير في القتل شبه العمد ، لأن الكفارة حق لله تعالى وليست لأجل الفعل ، بل بدل النفس الفائتة ، فأما نفس الفعل المحرم - الذي هو الجناية فلا كفارة فيه .
3- ومن الأصول الثابتة عند الحنفية : أن ما لا قصاص فيه عندهم كالقتل بالمثقل ( وهو القتل بمثل الحجر الكبير أو الخشبة العظيمة ) يجوز للإمام أن يعزر فيه بما يصل للقتل ، إذا تكرر ارتكابه ، ما دامت فيه مصلحة ، وبناء على هذا الأصل قالوا بالتعزير بالقتل لمن يتكرر منه الخنق ، أو التغريق ، أو الإلقاء من مكان مرتفع ،إذا لم يندفع فساده إلا بالقتل.
----------------
المطلب الثاني : جرائم الاعتداء على ما دون النفس :
إذا كانت الجناية على ما دون النفس عمدا فيشترط للقصاص فضلا عن شروطه في النفس : المماثلة ، وإمكان استيفاء المثل . ويرى جمهور الفقهاء التعزير أيضا في الجناية العمد على ما دون النفس ، إذا سقط القصاص ، أو امتنع لسبب أو لآخر ، فيكون في الجريمة التعزير مع الدية ، أو الأرش ، أو بدونه ، تبعا للأحوال .
وإذا لم يترك الاعتداء على الجسم أثرا : فأغلب الفقهاء على أن في ذلك التعزير ، لا القصاص .
------------------
المطلب الثالث : الزنى الذي لا حد فيه ، ومقدماته :
الزنى إذا توافرت الشرائط الشرعية لثبوته فإن فيه حد الزنى ، أما إذا لم يطبق الحد المقدر لوجود شبهة ، أو لعدم توافر شريطة من الشرائط الشرعية لثبوت الحد ، فإن الفعل يكون جريمة شرع الحكم فيها - أو في جنسها - لكنه لم يطبق . وكل جريمة لا حد فيها ولا قصاص ففيها التعزير . وبناء على ذلك :
_ إذا كانت هناك شبهة تدرأ الحد ، سواء كانت شبهة فعل ، أو شبهة ملك ، أو شبهة عقد ، فإن الحد لا يطبق . لكن الجاني يعزر ، لأنه ارتكب جريمة ليست فيها عقوبة مقدرة . وتعرف الشبهة بأنها : ما يشبه
الثابت وليس بثابت .
_ وإذا كانت المزني ﺑﻬا ميتة ففي هذا الفعل التعزير ، لأنه لا يعتبر زنى ، إذ حياة المزني ﺑﻬا شريطة في الحد .
_ وإذا لم يكن الفعل من رجل فلا يقام الحد ، بل التعزير ، ومن ذلك : المساحقة .
_ وإذا لم يكن الفعل في قبل امرأة فأبو حنيفة على عدم الحد ، لكن فيه التعزير.
- وإذا كان الفعل في زوجة الفاعل فلا حد فيه بالإجماع . والجمهور على أنه يستوجب التعزير .
- ومما يستوجب التعزير في هذا اﻟﻤﺠال كل ما دون الوقاع من أفعال ، كالوطء فيما دون الفرج ، ويستوي فيه المسلم ، والكافر ، والمحصن ، وغيره .
- ومنه أيضا : إصابة كل محرم من المرأة غير الجماع . وعناق الأجنبية ، أو تقبيلها .
- ومما فيه التعزير كذلك : كشف العورة لآخر ، وخداع النساء ، والقوادة ، وهي : الجمع بين الرجال
والنساء للزنى ، وبين الرجال والرجال للواط.
-----------------
المطلب الرابع : القذف الذي لا حد فيه والسب :
حد القذف لا يقام على القاذف إلا بشرائطه ، فإذا انعدم واحد منها أو اختل فإن الجاني لا يحد . ويعزر عند طلب المقذوف ، لأنه ارتكب معصية لا حد فيها .
ومن شروط القذف الذي فيه الحد : كون المقذوف محصنا . فإذا لم يكن كذلك فلا يحد القاذف ، ولكن يعزر . ومن ذلك أن يقذف مجنونا بالزنى . أو صغيرا بالزنى . أو مسلمة قد زنت . أو مسلما قد زنى ، أو من معها أولاد لا يعرف لهم أب ، وذلك لعدم العفة في هذه الثلاثة الأخيرة . ومنها كون المقذوف معلوما ، فإن لم يكن كذلك فلا حد ، بل التعزير ، لأن الفعل معصية لا حد فيها . وبناء على ذلك يعزر - ولا يحد - من قذف بالزنى جد آخر دون بيان الجد . أو أخاه كذلك ، وكان له أكثر من أخ.
- ولا حد في القذف بغير الصريح ، بدون قرينة ، وإنما فيه التعزير .
- ومن قذف آخر قذفا مقيدا بشرط أو أجل يعزر ولا يحد .
- وإذا لم يكن القول قذفا ، بل مجرد سب أو شتم فإنه يكون معصية لا حد فيها ، ففيها التعزير . ومن ذلك قوله : يا نصراني ، أو يا زنديق ، أو يا كافر ، في حين أنه مسلم . وكذلك من قال لآخر : يا مخنث ، أو يا منافق ، ما دام اﻟﻤﺠني عليه غير متصف بذلك . ويعزر كذلك في مثل : يا آكل الربا ، أو يا شارب الخمر ، أو يا خائن ، أو يا سارق ، وكله بشرط كون اﻟﻤﺠني عليه غير معروف بما نسب إليه .
- وكذلك من قال لآخر : يا بليد ، أو يا قذر ، أو يا سفيه ، أو يا ظالم ، أو يا أعور ، وهو صحيح ، أو يا مقعد ، وهو صحيح كذلك على سبيل الشتم . وعلى وجه العموم يعزر من شتم آخر ، مهما كان الشتم ، لأنه معصية ويرجع في تحديد الفعل الموجب للتعزير إلى العرف ، فإذا لم يكن الفعل المنسوب للمجني عليه مما يلحق به في العرف العار والأذى والشين ، فلا عقاب على الجاني ، إذ لا يكون ثمة جريمة.
------------------
المطلب الخامس : السرقة التي لا حد فيها :
السرقة من جرائم الحدود ما دامت قد استوفت شروطها الشرعية ، وأهمها : الخفية . وكون موضوع السرقة
مالا ، مملوكا لغير السارق ، محرزا ، نصابا . فإذا تخلف شرط من شروط الحد فلا يقام ، ولكن يعزر الفاعل ، لأنه ارتكب جريمة ليس فيها حد.
------------------
المطلب السادس : قطع الطريق الذي لا حد فيه :
قطع الطريق كغيره من جرائم الحدود ، يجب لكي يكون فيه الحد أن تتوافر شروط معينة ، وإلا فلا يقام الحد ، ويعزر الجاني ما دام قد ارتكب معصية لا حد فيها .
******************************​

المبحث الثاني : الجرائم التي موجبها الأصلي التعزير :
من الأمثلة عليها :
1- شهادة الزور :
حرم قول الزور في القرآن الكريم بقوله تعالى " واجتنبوا قول الزور"
و في السنة بما أن الرسول صلى الله عليه وسلم عد قول الزور وشهادة الزور من أكبر الكبائر ، وما دام أنه
ليس فيها عقوبة مقدرة ، ففيها التعزير
2- قتل حيوان غير مؤذ أو الإضرار به:
نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان في قوله : " إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها ، فلا هي أطعمتها وسقتها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض "
فهذا الفعل معصية ، فيعزر الفاعل ما دام الفعل ليس فيه حد مقدر .
3- انتهاك حرمة ملك الغير :
دخول بيوت الغير بدون إذن ممنوع شرعا لقوله تعالى : " لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها " وبناء على هذا الأصل قيل بتعزير من يوجد في مترل آخر بغير إذنه أو علمه ، ودون أن يتضح سبب مشروع لهذا الدخول.
ومن الأمثلة على الجرائم مضرة بالمصلحة العامة :
4- التجسس للعدو على المسلمين ،
5- الرشوة
6- تجاوز الموظفين حدودهم ، وتقصيرهم :
7- تقليد المسكوكات الزيوف والمزورة
8- التزوير ، في هذه الجريمة التعزير ، فقد روي : أن معن بن زياد عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال
فأخذ مالا ، فضربه عمر رضي الله عنه مائة جلدة ، وحبسه ، ثم ضربه مائة أخرى ، ثم ثالثة ، ثم نفاه .
9- الغش في المكاييل والموازين :


  • مسألة : سقوط التعزير بالتوبة :
اختلف الفقهاء في أثر التوبة في التعزير :
فعند الحنفية والمالكية وبعض الشافعية والحنابلة : أنه لا تسقط العقوبة بالتوبة ، لأنها كفارة عن المعصية .
وعند هؤلاء في تعليل ذلك : عموم أدلة العقوبة بلا تفرقة بين تائب وغيره عدا المحاربة . وفضلا عن ذلك
فجعل التوبة ذات أثر في إسقاط العقوبة يجعل لكل ادعاءها ، للإفلات من العقاب .
وعند فريق آخر ، منهم الشافعية والحنابلة : أن التوبة قبل القدرة تسقط العقوبة قياسا على حد المحاربة ،
استنادا إلى ما ورد في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال : يا رسول الله ، إني أصبت حدا فأقمه علي ، ولم يسأله عنه . فحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم . فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قام إليه الرجل ، فأعاد قوله ، فقال : أليس قد صليت معنا ؟ قال نعم . قال : فإن الله عز وجل قد غفر لك ذنبك.
وفي هذا دليل على أن الجاني غفر له لما تاب . وفضلا عن ذلك فإنه إذا جازت التوبة في المحاربة مع شدة ضررها وتعديه ، فأولى التوبة فيما دونها. وهؤلاء يقصرون السقوط بالتوبة على ما فيه اعتداء على حق الله ،بخلاف ما يمس الأفراد .
وقال ابن تيمية وابن القيم : إن التوبة تدفع العقوبة في التعزير وغيره ، كما تدفعها في المحاربة ، بل إن ذلك أولى من المحاربة ، لشدة ضررها ، وهذا يعتبر مسلكا وسطا بين من يقول : بعدم جواز إقامة العقوبة بعد التوبة ألبتة . وبين مسلك من يقول : إنه لا أثر للتوبة في إسقاط العقوبة ألبتة . ويترتب على هذا الرأي : أن التعزير الواجب حقا لله تعالى يسقط بالتوبة ، إلا إذا اختار الجاني العقوبة ليطهر ﺑﻬا نفسه ، فالتوبة تسقط التعزير ، على شريطة ألا يطلب الجاني إقامته ، وذلك بالنسبة لحقوق المصلحة العامة . واحتج القائلون بذلك بأن الله عز وجل جعل توبة الكفار سببا لغفران ما سلف واحتجوا بقوله تعالى : " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " وأن السنة عليه كذلك ، ففي الحديث : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " .

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
******************************
********************
***********
تمت بعون الله هذه السلسلة المباركة في "فقه الجنايات والحدود "
بأجزائها الثلاث
أسأل الله العلي العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل هذا الجهد قبولا حسنا وأن يبارك فيه
كما أسأله أن يجزي الدكتور الشبيلي خير الجزاء على مذكرته القيمة
"وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين"
 
إنضم
13 مارس 2011
المشاركات
2
التخصص
دراسات إسلاميه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 3

السلام عليكم
أختي أم طارق جزاك الله عنا كل خيييير على ماتقدمينه وجعله في ميزان حسناتك ..

أختي الله يوفقك أبغى منك طلب بفقه الجنايات أبغى أقوال ابن عثيمين وابن باز في موضوع >> حكم إخراج الديه بالقيمه ...

تكفيييييين لاترديني ..
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 3

السلام عليكم
أختي أم طارق جزاك الله عنا كل خيييير على ماتقدمينه وجعله في ميزان حسناتك ..

أختي الله يوفقك أبغى منك طلب بفقه الجنايات أبغى أقوال ابن عثيمين وابن باز في موضوع >> حكم إخراج الديه بالقيمه ...

تكفيييييين لاترديني ..
أختي الكريمة سارة:
جزانا وجزاك الرحمن ، وتقبل منا جميعاً العلم والعمل
أخيتي:
بالنسبة لسؤالك فقد رجعت لأستاذنا الفاضل أبو بكر باجنيد (مشرف الملتقى الفقهي المتخصص)
وعرضت عليه السؤال، وجاء رده - بارك الله فيه -كما يلي:
------------------

الأستاذة الفاضلة أم طارق حفظها الله وسددها
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
"أقول مستعيناً بالله تعالى: لا يعلم خلاف بين أهل العلم في أن الإبل اصل في الدية، وأن دية الحر المسلم مائة من الإبل، وهل هي الأصل لا غيره وما سواها من باب القيمة، أو معها غيرها.
الراجح عند أئمة الدعوة رحمة الله عليهم أنها هي الأصل لا غير، وما سواها من باب القيمة، وهذا اختيار الخرقي والموفق من كبار علماء الحنابلة، وهو مقتضى الأحاديث كحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إن في قتيل عمدٍ الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون خلقة في بطونها أولادها" . وفي حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه "وفي النفس مائة من الإبل" .
وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بني مخاض ذكر وعشرون بنت لبون". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.​
وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده أن عمر رضي الله عنه قام خطيباً فقال: ألا إن الإبل قد غلت قال: فقوم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، رواه أبو داود. فهذا يدل على أن الأصل في الديات الإبل. فإن إيجاب عمر رضي الله عنه لهذه المذكورات على سبيل التقويم من أجل غلاء الإبل، ولو كانت أصولاً بنفسها لم يكن إيجابها تقويماً للإبل. ولا كان لغلاء الإبل أثر في ذلك، ولا كان لذكره معنى، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية العمد والخطأ فغلظ بعضها وخفف بعضها ولا يتحقق هذا في غير الإبل، ولأنه بدل متلف حق الآدمي فكان متعيناً كعوض الأموال.
إذا عرف رجحان القول بأن الأصل الإبل خاصة، وأنه يجوز تقويمها كما فعل عمر رضي الله عنه، فليعلم أنه لما كان في القرن الثاني عشر رأى إمام المسلمين في وقته (عبد العزيز بن محمد آل سعود) رحمه الله تقدير الإبل بالفضة فقدرت المائة من الإبل بثمانمائة ريال فرانسي، واستمر العمل على ذلك بقية مدة آل سعود في الدرعية، وكذلك بقية القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر حتى استولى على الحجاز 1343هـ وضربت السكة الجديدة السعودية من الفضة فقضى القضاة - وإن كان زمناً يسيراً وعن غير مشاورة مع بعضهم - بثمانمائة ريال عربي، ثم إن بعضهم بعد مدة طويلة نشط فبلغ بها ألف ريال عربي، ثم بعد سنوات صرح من صرح من أهل القضاء والفتوى بأنه لا مناص ولا عذر عن توقيع الدية ولو باعتبار الفضة أصلاً مستقلاً على ما فيه من الضعف فحصل الترفيع إلى ثلاثة آلاف ولم يوصل بها إلى مبلغها بهذا الاعتبار، ثم تيسر رفعه إلى أربعة آلاف ريال. أهـ الغرض منه من فتاوى ورسائل سماحة الشيخ ابن ابراهيم رحمه الله تعالى.
وهذا هو المفتى به على المشهور من كلام الشيخين رحمهما الله تعالى: أن الدية تقوم نقداً. والله الموفق​
 
إنضم
13 مارس 2011
المشاركات
2
التخصص
دراسات إسلاميه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 3

يعطيكم ألف عاآآآآآآآآآآآفيه مشكوووورين ماقصرتم ..
 

د. خلود العتيبي

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
27 يونيو 2009
المشاركات
1,052
التخصص
أصول فقه
المدينة
... ... ...
المذهب الفقهي
... ... ...
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 3

أم طارق: بارك الله فيك, وشكر لك, وجزاك خير الجزاء...
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في فقه الجنايات والحدود 3

وفيك بارك الرحمن أختي خلود على تجميع الدروس على هيئة مذكرة
سوف يتم نشرها لاحقاً ضمن إصدارات الملتقى
 
أعلى