العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

قراءة "سلالة الفوائد الأصولية والشواهد والتطبيقات القرآنية والحديثية للمسائل الأصولية

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قراءة في كتاب
"سلالة الفوائد الأصولية والشواهد والتطبيقات القرآنية والحديثية للمسائل الأصولية في أضواء البيان"

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
فهذه قراءة لكتاب"سلالة الفوائد الأصولية والشواهد والتطبيقات القرآنية والحديثية للمسائل الأصولية في أضواء البيان" استله وجمع وألفه الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس.
ونطمع في هذا الموضوع أن نقرأ في هذا الكتاب بما ييسره الله ، وذلك لما حواه الكتاب من التطبيق الأصولي على النصوص، ولما فيه من الإشارات الدقيقة والتنبيهات الجليلة، وغير خاف قدر الأمين الشنقطي في علم الأصول ومدى تضلعه فيه، وقد وفقه الله سبحانه وتعالى ومنَّ عليه وأنعم بأن أعانه على إنزال القواعد الأصولية على النصوص القرآنية في كتابه في التفسير أضواء البيان.
وقد أثار هذا التطبيق الأصولي الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس فاستلها من كتابه أضواء البيان وبسطها وأضاف إليها من بقية كتب الشيخ، بل ودرس أحيانا ما أشكل عليه من كلام الشيخ.
ونسأل الله عز وجل أنه كما منَّ وأنعم على هذين الشيخين بالعلم النافع أن يمنَّ علينا بذلك إنه ولي ذلك والقادر عليه.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ضابط القراءة الشاذة وحكمها:
يرى الشيخ رحمه الله أنا ما زاد عن القراءات العشر فهو شاذ لا تجوز القراءة به.
قال رحمه الله في مقدمة كتابه:
"وقد التزمنا ، أن لا نبين القرآن إلا بقراءة سبعية، سواء كانت قراءة أخرى في الآية المبينة نفسها، أو آية أخرى غيرها، ولا نعتمد على البيان بالقراءات الشاذة، وربما ذكرنا القراءة استشهادا للبيان بقراءة سبعية، وقراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف ليست من الشاذ عندنا ولا عند المحققين من أهل العلم بالقراءات. ا.هـ."
ففهم من كلامه رحمه الله أن ما عدا العشرة فهو شاذ عنده.
2- وقد صرح بذلك في ترجمة الكتاب حين قرر أن نائب الفاعل هو (ربيون) في قوله تعالى: (وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير) حيث قال:
"ويستشهد له بقراءة قتل بالتشديد لأن التكثير المدلول عليه بالتشديد يدل على وقوع القتل على الربيين، ولأجل هذه القراءة رجح الزمخشري وابن جني والبيضاوي والآلوسي وغيرهم إن نائب الفاعل ربيون
وقد قدمنا أنا لا نعتمد في البيان على القراءة الشاذة، وإنما نذكرها استشهادا للبيان بقراءة سبعية كما هنا."
وقد جرى الشيخ على هذا المنهج في جميع الأضواء وإليك نماذج من ذلك:
1- قال عند الكلام على قوله تعالى: (وأرجلكم إلى الكعبين) ما نصه:
"في قوله { وَأَرْجُلَكُمْ } ثلاث قراآت : واحدة شاذة ، واثنتان متواترتان .
أما الشاذة : فقراءة الرفع ، وهي قراءة الحسن . وأما المتواترتان : فقراءة النصب ، وقراءة الخفض .
أما النصب : فهو قراءة نافع . وابن عامر ، والكسائي ، وعاصم في رواية حفص من السبعة ، ويعقوب من الثلاثة .
وأما الجر : فهو قراءة ابن كثير ، وحمزة ، وأبي عمرو ، وعاصم ، في رواية أبي بكر ."
فتراه حكم على قراءة الرفع بالشذوذ لكونها ليست من القراءات العشر، وقد ذكرها ابن الجني في المحتسب ورجحها فقال: "وكونها بالرفع أقوى معنى وذلك لأنه يستأنف فيرفعه على الابتداء فيصير صاحب الجملة. وإذا نصب أو جر عطفه على ما قبله فصار لحقا وتبعا فاعرفه."
ثم قال السديس بعد أن ضرب ستة أمثلة:
ويلاحظ أن جميع ما سبق ذكره من القراءات التي حكم عليها الشيخ بالشذوذ كله موافق لرسم المصحف وعليه فما خالف رسم المصحف أحرى بالشذوذ عنده وقد صرح بذلك في مواضع منها ما يلي:
1- عند قوله تعالى: "فما استمتعتم به منه فآتوهن أجورهن"
قال رحمه الله:"...فإن قيل : كان ابن عباس وأبي بن كعب ، وسعيد بن جبير ، والسدي يقرأون ، فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، وهذا يدل على أن الآية في نكاح المتعة ، فالجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : أن قولهم إلى أجل مسمى لم يثبت قرآناً لإجماع الصحابة على عدم كتبه في المصاحف العثمانية ، وأكثر الأصوليين على أن ما قرأه الصحابي على أنه قرآن ، ولم يثبت كونه قرآناً لا يستدل به على شيء لأنه باطل من أصله . لأنه لما لم ينقله إلا على أنه قرآن فبطل كونه قرآناً ظهر بطلانه من أصله ...."
ثم قال السديس بعد أن ضرب ثلاثة أمثلة:
وبعد هذا التتبع لهذه المواضع أقول:
إنه لا فرق عند الشيخ رحمه الله بين ما وافق رسم المصحف وما خالفه في الحكم عليه بالشذوذ وعدم جواز القراءة به ما دام خارجا عن القراءات العشر.
وهذا الذي جنح إليه الشيخ رحمه الله لا يظهر لي كل الظهور بل الذي يظهر هو رجحان ما ذهب إليه العلامة المقريء مكي بن أبي طالب حيث قال في الإبانة:
فإن سئل سائل فقال:
فما الذي يقبل من القراءات الآن فيقرأ به؟
وما الذي يقبل ولا يقرأ به؟
وما الذي لا يقبل ولا يقرأ به؟
فالجواب:
أن جميع ما روي من القراءات على ثلاثة أقسام:
قسم: يقرأ به اليوم وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال وهي:
أن ينقل عن الثقات إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن شائعا، ويكون موافقا لخط المصحف فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به.
وقطع على مغيبه وصحته وصدقه، لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقته لخط المصحف وكفر من جحده.
والقسم الثاني:ما صح نقله عن الآحاد وصح وجهه في العربية، فخالف خط المصحف فهذا يقبل، ولا يقرأ به لعلتين:
إحداهما: أنه لم يؤخذ بإجماع، إنما أخذ بأخبار الآحاد، ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد.
والعلة الثانية: أنه مخالف لما قد أجمع عليه، فلا يقطع على مغيبه وصحته، وما لم يقطع على صحته لا تجوز القراءة به ولا يكفر من جحده، وبئس ما صنع إذا جحده.
والقسم الثالث: هو ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية، فهذا لا يقبل وإن وافق خط المصحف.
ثم نقل مكي عن الطبري قوله:
كل ما صح عندنا من القراءات أنه علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته من الأحرف السبعة التي أذن الله له ولهم أن يقرأوا به القرآن فليس لنا أن نخطئ من قرأ به إذا كان ذلك موافقا لخط المصحف، فإن كان مخالفا لخط المصحف لم نقرأ به، ووقفنا عنه وعن الكلام فيه.
ثم قال مكي بعد أن نقل كلاما لإسماعيل القاضي:
قلت: فهذا كله من قول إسماعيل يدل على أن القراءات التي وافقت خط المصحف هي من السبعة الأحرف كما ذكرنا، وما خالف خط المصحف أيضا هو من السبعة إذا صحت روايته، ووجهه في العربية ولم يضاد معنى خط المصحف.
لكن لا يقرأ به إذ لا يأتي إلا بخبر الآحاد، ولا يثبت قرآن بخبر الآحاد وإذ هو مخالف للمصحف المجمع عليه، فهذا الذي نقوله ونعتقده وقد بيناه كله."([1])
ثم نقل السديس بعض فتوى ابن تيمية التي التي تدارسناها على هذا الرابط
http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php?goto=newpost&t=855
ثم نقل كلام ابن الجزري في النشر وإليك نصه:
"كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين.
ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم.
هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف، صرح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، ونص عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب وكذلك الإمام أبو العباس أحمد ابن عمار المهدوي وحققه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه.
قال أبو شامة رحمه الله في كتابه "المرشد الوجيز":
فلا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمة السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة وإن هكذا أنزلت إلا إذا دخلت في ذلك الضابط وحينئذٍ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره ولا يختص ذلك بنقلها عنهم بل إن نقلت عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا عمن تنسب إليه فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم."([2])
ثم قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس بعد أن أطال في النقولات:
هذا الذي قرره هؤلاء الأئمة في مختلف العصور أظهر في نظري مما جرى عليه الشيخ رحمه الله رحمة واسعة.
ثم قال:
وهل يحتج الشيخ رحمه الله بالقراءة الشاذة عنده في الأحكام؟
ظاهر صنيع الشيخ في الأضواء أنه لا يحتج بها
قال رحمه الله: "...فإن قيل : كان ابن عباس وأبي بن كعب ، وسعيد بن جبير ، والسدي يقرأون ، فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، وهذا يدل على أن الآية في نكاح المتعة ، فالجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : أن قولهم إلى أجل مسمى لم يثبت قرآناً لإجماع الصحابة على عدم كتبه في المصاحف العثمانية ، وأكثر الأصوليين على أن ما قرأه الصحابي على أنه قرآن ، ولم يثبت كونه قرآناً لا يستدل به على شيء لأنه باطل من أصله . لأنه لما لم ينقله إلا على أنه قرآن فبطل كونه قرآناً ظهر بطلانه من أصله.
الثاني : أنا لو مشينا على أنه يحتج به ، كالاحتجاج بخبر الآحاد كما قال به قوم ، أو على أنه تفسير منهم للآية بذلك ، فهو معارض بأقوى منه ...."
ثم قال السديس:
وهذا الذي ظهر لنا من الأضواء هو الذي قواه الشيخ في شرحه للمراقي متابعا في ذلك العلوي الشنقيطي مصنف المراقي حيث قال:
وليس منه ما جاء بالآحاد روي
فللقراءة به نفي قوي
كالاحتجاج.....
حيث قال الشيخ رحمه الله ما نصه:
"يعني أن المروي بالآحاد على أنه قرآن ولم يثبت كونه قرآنا.....فمثل هذا لا تجوز القراءة به على القول القوي ولا يجوز الاحتجاج به. ولذا لم يقل مالك والشافعي بوجوب التتابع في صوم كفارة اليمين وقيل: تجوز القراءة به والاحتجاج وصحح ابن السبكي جواز الاحتجاج به دون القراءة."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) الإبانة عن معاني القراءات لمكي بن أبي طالب القيسي.
([2]) النشر في القراءات العشر لابن الجزري
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المبحث الثاني:
1- القراءات يبين بعضها.
2- القراءتان المختلفتان في الآية الواحدة بمنزلة آيتين.
أي يحكم لهما بحكم الآيتين فقوله تعالى: "بل عجبت ويسخرون" على قراءة الضم يستفاد منها إثبات صفة العجب لله.
3- عند تبادر التعارض في القراءتين فيعاملان معاملة الآيتين إذا ظهر تعارضهما.
ولذا حكم الأمين الشنقيطي بأن قراءة "وأرجلكم إلى الكعبين"
بأنها على النصب صريحة في وجوب غسل الرجلين في الوضوء وهي تفهم أن قراءة الخفض إنما هي لمجاورة المخفوض مع أنها في الأصل منصوبة بدليل قراءة النصب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبحث الثالث:
صرح الشيخ رحمه الله بأن الحق الذي لا ينبغي العدول عنه هو جواز نسخ القرآن بالسنة وإن خالفه أكثر أهل الأصول.
وأجاب عن الأحناف الذين قرروا أن المتواتر لا ينسخ بالآحاد:
بأنه لا منافاة بينهما أصلا حتى يرجح المتواتر على الآحاد لأنه لا تناقض مع اختلاف زمن الدليلين فكل منهما حق في وقته فالمتواتر في وقته قطعي ولكن استمرار حكمه إلى الأبد ليس بقطعي فنسخه بالآحاد إنما نفي استمرار حكمه وقد عرفت أنه ليس بقطعي كما ترى"
وقال أيضاً:
"وإيضاح هذا أن نسخ المتواتر بالآحاد إنما رفع استمرار حكم المتواتر ودلالة المتواتر على استمرار حكمه ليست قطعية حتى يمنع نسخها بأخبار الآحاد الصحيحة"
وذكر الشيخ هذه المسألة في تفسير قوله تعالى:
(قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه...)
فالآية كما يقول الشيخ:
تدل بدلالة المطابقة دلالة صريحة على إباحة لحوم الحمر الأهلية لصراحة الحصر بالنفي والإثبات في الآية في ذلك. فإذا صرح النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يوم خيبر في حديث صحيح بأن لحوم الحمر الأهلية غير مباحة فلا معارضة البتة بين ذلك الحديث الصحيح وبين تلك الآية النازلة قبله بسنين لأن الحديث دل على تحريم جديد والآية ما نفت تجدد شيء في المستقبل كما هو واضح.
قال أبو فراس:
إذا قلنا إنه لا معارضة بين الآية والحديث وأن الآية إنما حصرت التحريم في وقت نزولها، وأن الحديث بعد ذلك بسنين أفاد تحريم ما لم تحصره الآية
فإنه لا نسخ هنا في الآية
فالآية محكمة لأنها نازلة على تحريم ما أوحي إلي النبي صلى الله عليه وسلم في وقت نزول الآية.
والحديث الذي جاء فيه التحريم إنما جاء متأخرا عن نزول الآية فهو لا ينسخ الآية لأنه لم يرفع حكمها بل حكمها ما زال محفوظا بل هو من الأخبار التي لا يدخلها النسخ
وإذا كان الأمر كذلك فإن الحديث لم ينسخ الآية ولكنه أضاف حكما عليها.
أما قول الشنقيطي رحمه الله أن الحديث نفى استمرار حكم التحريم، فالجواب أنه ليس في الآية دلالة على استمرار الحصر في التحريم
وإنما يستفاد من الحصر في التحريم في وقت نزول الآية، ويستفاد منها كذلك تحريم ما حصرته الآية من غير الدلالة على استمرار الحصر.
وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يتضح لي نسخ الحديث للآية
وهذا ما فهمه القرافي فقال:
"الآية إنما اقتضت التحريم إلى تلك الغاية فلا ينافيها ورود تحريم بعدها وإذا لم ينافها لا يكون ناسخا لأن من شرط النسخ التنافي"
يقول السديس:
وقد صرح الشيخ في "مذكرة الأصول بما صرح به القرافي من أن شرط النسخ التنافي حيث قال:
"والناسخ والمنسوخ يشترط فيهما المنافاة بحيث يكون ثبوت أحدهما يقتضي نفي الآخر ولا يمكن الجمع بينهما"
واستشكل السديس :
التعارض بين كلام الشيخ حيث جعل الشيخ في الأضواء عدم التناقض بين الدليلين دليلاً على إمكان النسخ
بينما في "المذكرة" اشترط ما اشترطه الجمهور من اشتراط المنافاة لوقوع النسخ
وحاول أن يجيب عنه:
بإنزال كل منهما على حال غير حال الآخر، فبالنظر المجرد للدليلين مع قطع النظر عن زمنهما يشترط التنافي بينهما، وعدم اشتراط التنافي إنما هو بالنظر إلى زمنهما
وما ذكره السديس ليس بدقيق إذ حاصله هو معاني محسوم اشتراطها في النسخ وهو تأخره مع عدم إمكان الجمع.
لكن الذي يظهر لي والعلم عند الله:
أن مقصود الأمين الشنقيطي حينما حاول أن يجعل عدم التناقض دليلا على النسخ
ليس هو أنه يشترط في النسخ ألا يكون ثمة تناقض، فهذا أمر بادٍ خطؤه ، بل لا يصار إلى النسخ حتى يعلم أنه لا يمكن الجمع
وإنما مقصود الشيخ قاصر على سياق المسألة التي ناقشها وهو نسخ المتواتر بالآحاد فمنعه أكثر أهل الأصول بسبب قطعية المتواتر دون الآحاد ،
فأجابهم الشنقيطي:
بأن الناسخ وهو خبر الآحاد لم يأت على المعنى القطعي الذي هو المتواتر وإنما أتى على استمرارية حكمه وهي "ليست قطعية حتى يمنع نسخها بأخبار الآحاد الصحيحة"
فالشنقيطي يحاول أن يقرر بأنه لا تعارض بين خبر الآحاد وبين المعني القطعي حتى يمنع النسخ به، وأن التعارض الذي حصل – وهو شرط النسخ – إنما كان بين خبر الآحاد وبين استمرارية حكم القطعي، وكلاهما ظنيان فآلت المسألة إلى نسخ الظني بالظني وهو غير ممنوع. هذا والله أعلم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المبحث الرابع: الزيادة على النص:

يقول الشيخ عبد الرحمن السديس:
أفرد الشيخ رحمه الله لهذا المبحث مسألة من مسائل النسخ عند كلامه على قوله تعالى: {وإذا بدلنا آية مكان آية}
حيث قال ما نصه:
"المسألة الثامنة - اعلم أن التحقيق :
أنه ما كل زيادة على النص تكون نسخاً ، وإن خالف في ذلك الإمام أبو حنيفة رحمه الله . بل الزيادة على النص قسمان :
قسم مخالف النص المذكور قبله : وهذه الزيادة تكون نسخاً على التحقيق . كزيادة تحريم الحمر الأهلية ، وكل ذي ناب من السباع مثلاً ، على المحرمات الأربعة المذكورة في آية : {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً } [ الأنعام : 145 ] الاية . لأن الحمر الأهلية وحوها لم يسكت عن حكمه في الآية ، بل مقتضى الحصر بالنفي والإثبات في قوله : { لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً } [ الأنعام : 145 ] الآية - صريح في إباحة الحمر الأهلية وما ذكر معها . فكون زيادة تحريمها نسخاً أمر ظاهر .
وقسم لا تكون الزيادة فيه مخالفة للنص: بل زيادة شيء سكت عنه النص الأول ، وهذا لا يكون نسخاً ، بل بيان حكم شيء كان مسكوتاً عنه . كتغريب الزاني البكر ، وكالحكم بالشاهد ، واليمين في الأموال . فإن القرآن في الأول أوجب الجلد وسكت عما سواه ، فزاد النَّبي حكماً كان مسكوتاً عنهن وهو التغريب . كما أن القرآن في الثاني فيه { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان } [ البقرة : 282 ] الآية . وسكت عن حكم الشاهد واليمين ، فزاد النَّبي صلى الله عليه وسلم حكماً مسكوتاً عنه .
وإلى هذا أشار في مراقي السعود بقوله:
وليس نسخاً كل ما أفاد ... فيما رسا بالنص إلا ازديادا"
1- وحين ذكر ترك أبي حنيفة العمل بحديث الشاهد واليمين وحديث تغريب الزاني البكر في ضمن كلامه عن موقفه من الأئمة في مسائل {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} من سورة محمد وبين عذره في ذلك ثم تعقبه قائلا:
" لأنه ترك العمل بذلك ونحوه احتراماً للنصوص القرآنية في ظنه .
لأنه يعتقد أن الزيادة على النص نسخ وأن القضاء بالشاهد واليمين نسخ . لقوله تعالى: { واستشهدوا شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء } [ البقرة : 282 ] .
فاحترم النص القرآني المتواتر ، فلم يرض نسخه بخبر آحاد سنده دون سنده .
لأن نسخ المتواتر بالآحاد عنده ، رفع للأقوى بالأضعف ، وذلك لا يصح .
وكذلك حديث تغريب الزاني البكر فهو عنده زيادة ناسخة لقوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين } [ النور : 2 ] والمتواتر لا ينسخ بالآحاد .
فتركه العمل بهذا النوع من الأحاديث بناه على مقدمتين :
أحداهما : أن الزيادة على النص نسخ .
والثانية : أن المتواتر لا ينسخ بالآحاد .
وخالفه في المقدمة الأولى جمهور العلماء .
ووافقوه في الثانية .
والذي يظهر لنا ونعتقده اعتقاداً جازماً أن كلتا المقدمتين ليست بصحيحة .
أما الزيادة فيجب فيها التفصيل .
فإن كانت أثبتت حكماً نفاه النص أو نفت حكماً أثبته النص فهي نسخ .
وإن كانت لم تتعرض للنص بنفي ولا إثبات بل زادت شيئاً سكت عنه النص فلا يمكن أن تكون نسخاً لأنها إنما رفعت الإباحة العقلية التي هي البراءة الأصلية .
ورفعها ليس نسخاً إجماعاً ."
قال السديس:
ثم بين عدم صحة المقدمة الثانية التي هي المتواتر لا ينسخ الآحاد وسبق الكلام عنها في المبحث الثالث.
2- ومن الأمثلة التي توضح موقفه من الزيادة على النص قوله عند الكلام على قوله تعالى: {وأذن في الناس بالحج...}الآية ما نصه:
" وإذا علمت مما ذكرنا أن جماهير العلماء منهم الأئمة الثلاثة قالوا : باشتراط الطهارة وتسر العورة للطواف ، وأن أبا حنيفة خالف الجمهور في هذه المسألة ، فلم يشترط الطهارة ، ولا ستر العورة للطواف .
فاعلم أن حجته في ذلك هي قاعدة مقررة في أصوله ترك من أجلها العمل بأحاديث صحيحة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتلك القاعدة التي ترك من أجلها العمل ببعض الأحاديث الصحيحة ، متركبة من مقدمتين :
إحداهما : أن الزيادة على النص نسخ .
والثانية : أن الأخبار المتواترة لا تنسخ بأخبار الآحاد ، فقال في المسألة التي نحن بصددها : قال الله تعالى في كتابه { وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق } [ الحج : 29 ] وهو نص متواتر ، فلو زدنا على الطواف اشتراط الطهارة ، والستر ، فإن هذه الزيادة نسخ ، وأخبارها أبخار آحاد فلا تنسخ المتواتر الذي هو الآية ، ولأجل هذا لم يقل بتغريب الزاني البكر ، لأن الأحاديث الصحيحة الدالة عليه عنده أخبار آحاد ، وزيادة التغريب على قوله { الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا } [ النور : 2 ] الآية نسخ له ، وهو متواتر ، فلا ينسخ بأخبار الآحاد . ولأجل ذلك أيضاً لم يقل بثبوت المال بالشاهد واليمين ، لأنه يرى ذلك زيادة على قوله تعالى { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء } [ البقرة : 282 ] الآية والزيادة نسخ ، والمتواتر لا ينسخ بالآحاد ا ه والتحقيق في مسألة الزيادة على النص هو التفصيل . فإن كانت الزيادة أثبتت شيئاً نفاه المتواتر ، أو نفت شيئاً أثبته ، فهي نسخ له ، وإن كان الزيادة زيد فيها شيء ، لم يتعرض له النص المتواتر ، فهي زيادة شيء مسكوت عنه لم ترفع حكماً شرعياً ، وإنما رفعت البراءة الأصلية التي هي الإباحة العقلية ، ورفعها ليس بنسخ .
مثال الزيادة التي هي نسخ على التحقيق :
زيادة تحريم الخمر بالقرآن ، وتحريم الحمر الأهلية بالنسبة الصحيحة ، على قوله تعالى {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ } [ الأنعام : 145 ] فإن هذه الآية الكريمة لم تسكت عن إباحة الخمر والحمر الأهلية وقت نزولها ، بل صرحت بإباحتهما بمقتضى الحصر الصريح بالنفي في { لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ } والإثبات في قوله { إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً } الآية .
فتحريم شيء زائد على الأربعة المذكورة في الآية زيادة ناسخة ، لأنها أثبتت تحريماً دلت الآية على نفيه .
ومثال الزيادة التي لم يتعرض لها النص بنفي ولا إثبات :
زيادة تغريب الزاني البكر عاماً بالسنة الصحيحة على آية الجلد ، وزيادة الحكم بالشاهد واليمين . على آية { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان } [ البقرة : 282 ] الآية وزيادة الطهارة ، والستر التي بينا أدلتها على آية { وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق } [ الحج : 29 ] "([1])
قال السديس:
هذا هو موقف الشيخ رحمه الله تعالى من الزيادة على النص وهو عند النظر الدقيق غاية في التحقيق والوضوح والسلام من الاعتراضات التي يوجهها بعض الأصوليين.
وقد أشبع المسألة بحثا ومناقشة العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم (أعلام الموقعين) في ثلاث وعشرين صفحة ورد على الأحناف من اثنين وخمسين وجها وصدر البحث بفرض مناظرة ذكر فيها مذهب الأحناف في الزيادة على النص قائلا :
"فإن قيل : السنن الزائدة على ما دل عليه القرآن تارة تكون بيانا له ، وتارة تكون منشئة لحكم لم يتعرض القرآن له ، وتارة تكون مغيرة لحكمه ، وليس نزاعنا في القسمين الأولين فإنهما حجة باتفاق ، ولكن النزاع في القسم الثالث وهو الذي ترجمته بمسألة الزيادة على النص...."([2])
ثم سرد ابن القيم على لسان المناظر تفصيل مذهب الأحناف منسوبا إلى أئمتهم ثم أجاب عنه باثنين وخمسين وجها وإن كان بعضها كالتكرار لما قبله أو تمثيلا له أو توضيحا له وهو مبحث نفيس من ما كتب في هذه المسألة فيما وقفت عليه
والمسألة بحثها الأصوليون وأطالوا فيها الاستدلال والاعتراض والنقاش وقد سبقت الإشارة إلى مواضع ذلك في بعض كتب الأصول
وقد عرَّض إمام الحرمين الجويني بالأحناف: حيث عملوا بما خالف رسم المصحف مما نقله الآحاد وردوا زيادة الثقة على نصوص القرآن قائلا:
"ولا يكاد يخفى على ذي بصيرة أن العمل بزيادة في القرآن بنقل الآحاد يناقض رد ما ينفرد به بعض الثقات من الزيادة في الأخبار التي لا تقتضي العادة نقلها متواترا"([3])

والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) أضواء البيان

([2]) أعلام الموقعين

([3]) البرهان للجويني 1/667
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الفصل الثاني:


المبحث الأول: الاحتجاج بالحديث المرسل


قال السديس في خاتمة الكتاب:


"لا يرى الاحتجاج بالمرسل وإن أوهم كلامه ذلك في كثير من المواضع"


ومن الفوائد المستلة من هذا البحث:


أن مراسيل الصحابة عن بعضهم لها حكم الوصل، وأن أقوال الصحابة التي لا مجال للرأي فيها فلها أحكام الرفع.


وقال ما نصه:


"مرسل التابعي الكبير يحتج به عندنا إذا اعتضد بقول الصحابة أو قول أكثر العلماء أو غير ذلك مما سبق...."

وقال أيضاً في طرق حديث ذكره:
" وهذه الطرق الموصولة والمرسلة يشد بعضها بعضا فيصلح مجموعها للاحتجاج"
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المبحث الثاني:


أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم


أقسامها


ومدى الاحتجاج بكل قسم


يقول الشيخ عبد الرحمن السديس:


يرى الشيخ رحمه الله أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى الجبلة والتشريع تنقسم إلى ثلاثة أقسام:


1- قسم جبلي محض.


2- وقسم تشريعي محض.


3- وقسم محتمل لهما.


قال رحمه الله عند كلامه عن خلاف العلماء في الأفضل في الحج هل هو الركوب أو المشي ما نصه:


"قال مقيده – عفا الله عنه وغفر له - :


اعلم أنه قد تقرر في الأصول أن منشأ الخلاف في هذه المسألة... ونظائرها كون أفعال النَّبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى الجبلة والتشريع ثلاثة أقسام :


القسم الأول :هو الفعل الجبلي المحض :


أعني الفعل الذي تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها ، كالقيام ، والقعود ، والأكل ، والشرب ، فإن هذا لم يفعل التشريع والتأسي ، فلا يقول أحد : أنا أجلس وأقوم تقرباً لله ، واقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان يقوم ويجلس لأنه لم يفعل ذلك التشريع والتأسي . وبعضهم يقول : فعله الجبلي يقتضي الجواز ، وبعضهم يقول : يقتضي الندب . والظاهر ما ذكرنا من أنه لم يفعل للتشريع ، ولكنه يدل على الجواز .


القسم الثاني :هو الفعل التشريعي المحض:


وهو الذي فعل لأجل التأسي ، والتشريع كأفعال الصلاة ، وأفعال الحج مع قوله : « صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي » وقوله : « خذوا عني مناسككم » .


القسم الثالث :وهو المقصود هنا هو الفعل المحتمل للجبلي والتشريعي .

وضابطه :
أن تكون الجبلة البشرية تقتضيه بطبيعتها ، ولكنه وقع متعلقاً بعبادة بأن وقع فيها ، أو في وسيلتها كالركوب في الحج ، فإن ركوبه صلى الله عليه وسلم في حجه محتمل للبجلة ، لأن الجبلة البشرية تقتضي الركوب ، كما كان يركب صلى الله عليه وسلم في أسفاره غير متعبد بذلك الركوب ، بل لاقتضاء الجبلة إياه : ومحتمل للشرعي لأنه صلى الله عليه وسلم فعله في حال تلبسه بالحج وقال : « خذوا عني مناسككم »
ومن فروع هذه المسألة :
جلسة الاستراحة في الصلاة والرجوع من صلاة العيد في طريق أخرى غير الذي ذهب فيها إلى صلاة العيد . والضجعة على الشق الأيمن ، بين ركعتي الفجر ، وصلاة الصبح ، ودخول مكة من كداء بالفتح والمد ، والخروج من كدى بالضم والقصر . والنزول بالمحصب بعد النفر من مِنًى ونحو ذلك .
ففي كل هذه المسائل خلاف بين أهل العلم لاحتمالها للجبلي والتشريعي .
وإلى هذه المسألة أشار في مراقي السعود بقوله :

وفعله المركوز في الجبلة ... كالأكل والشرب فليس ملة


من غير لمح الوصف والذي احتمل ... شرعاً ففيه قل تردد حصل


فالحج راكباً عليه يجري ... كضجعةٍ بعد صلاة الفجر"
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قال السديس:


ثم إن القسم الثاني: وهو التشريعي المحض إن كان بيانا لنص في كتاب الله فإنه يأخذ حكم ذلك النص المبين من وجوب أو ندب وقد نص على ذلك عند استدلاله على اشتراط الطهارة للطواف بأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثم طاف بالبيت..الحديث


حيث ذكر اعتراضا على الحديث حاصله: أنه فعل مطلق وهو لا يدل على الوجوب فضلا عن الاشتراط ثم أجاب عن الاعتراض بأمرين:


ثانيهما: "إن فعله في الطواف من الوضوء له ، ومن هيئته التي أتى به عليها كلها بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى { وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق } [ الحج : 29 ]


وقد تقرر في الأصول:


أن فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لبيان نص من كتاب الله ، فهو على اللزوم والتحتم .


ولذا أجمع العلماء على قطع يد السارق من الكوع ، لأن قطع النَّبي صلى الله عليه وسلم للسارق من الكوع بيان وتفصيل لما أجمل في قوله تعالى { فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا } [ المائدة : 38 ] لأن اليد تطلق على العضو إلى المرفق ، وإلى المنكب ."


قال السديس:


ثم نقل عن صاحب الضياء اللامع " ما يؤيد كلامه ثم قال:


وأشار في مراقي السعود :


إلى أن فعله صلى الله عليه وسلم الواقع لبيان مجمل من كتاب الله إن كان المبين بصيغة اسم المفعول واجباً فالفعل المبين له بصيغة اسم الفاعل واجب بقوله :


من غير تخصيص وبالنص يرى ... وبالبيان وامتثال ظهرا


ومحل الشاهد منه قوله :


وبالبيان يعني : أنه يعرف حكم فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم من الوجوب أو غيره بالبيان، فإذا بين أمراً واجباً : كالصلاة والحج ، وقطع السارق بالفعل ، فهذا الفعل واجب إجماعاً لوقوعه بياناً لواجب ، إلا ما أخرجه دليل خاص


وبهذا تعلم:


أن الله تعالى أوجب طواف الركن بقوله: { وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق } [ الحج : 29 ] وقد بينه صلى الله عليه وسلم بفعله وقال « خذوا عني مناسككم » ومن فعله الذي بينه به : الوضوء له كما ثبت في الصحيحين ، فعلينا أن نأخذه عنه إلا بدليل ، ولم يرد دليل يخالف ما ذكرنا."


يقول السديس حفظه الله:


وحين ذكر أن من أدلة القائلين بركنية السعي في الحج والعمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجه وعمرته بين الصفا والمروة سبعا قال: "وقد دل على أن ذلك لا بد منه دليلان:


الأول : هو ما قدمنا من أنه تقرر في الأصول أن فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم ، إذا كان لبيان نص مجمل من كتاب الله ، أن ذلك الفعل يكون لازماً ، وسعيه بين الصفا والمروة ، فعل بين به المراد من قوله تعالى : { إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَآئِرِ الله } [ البقرة : 158 ] والدليل على أنه فعله بياناً للآية هو قوله صلى الله عليه وسلم « نبدأ بما بدأ الله به » يعني الصفا لأن الله بدأ بها في قوله : { إِنَّ الصفا والمروة } [ البقرة : 158 ] الآية . وفي رواية « أبدأ » بهمزة المتكلم والفعل مضارع . وفي رواية عند النسائي « ابدَؤوا بما بدأ الله به » بصيغة الأمر ."...ا.هـ. الغرض من كلامه رحمه الله.


ثم قال السديس:

وقرر نحوا من هذا التقرير لكن باستفاضة وتوسع في النقل حين ذكر من أدلة القائلين بأنه لا يجوز ذبح دم التمتع والقران قبل يوم النحر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينحر عن نفسه –وكان قارنا- ولا عن أزواجه – وكن متمتعات إلا عائشة فإنها كانت قارنة على التحقيق- إلا يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة حيث قرر أن فعله هذا يحمل على الوجوب لأنه بيان للآيات الدالة على الحج وقد قال صلى الله عليه وسلم : "لتأخذوا عني مناسككم".
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ثم قال السديس:


وإن لم يكن فعله صلى الله عليه وسلم بيانا لمجمل ولم يعلم هل فعله على سبيل الوجوب أو على سبيل الندب فإن الشيخ رحمه الله يرى أنه يحمل على الوجوب.


قال في صدد استدلاله لعدم جواز ذبح دم التمتع والقران قبل يوم النحر بعدم نحر النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه ولا عن أزواجه إلا يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة ما نصه:


" ومما يؤيد ذلك ما اختاره بعض أهل الأصول ، من أن فعله صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن بياناً لمجمل ، ولم يعلم هل فعله على سبيل الوجوب ، أو على سبيل الندب أنه يحمل على الوجوب ، لأنه أحوط وأبعد من لحوق الإثم ، إذ على احتمال الندب ، والإباحة لا يقتضي ترك الفعل إثماً ، وعلى احتمال الوجوب يقتضي الترك الإثم ، وإلى هذا أشار في مراقي السعود في مبحث أفعاله صلى الله عليه وسلم بقوله:


وكل ما الصفة فيه تجهل فللوجوب في الأصح يجعل


قال السديس:


وقال في شرحه "نشر البنود":


يعني أنا ما كان من أفعاله صلى الله عليه وسلم مجهول الصفة أي مجهول الحكم فإنه يحمل على الوجوب.


إلى أن قال:


وكونه للوجوب هو الأصح...


واستدل أهل هذا القول بأدلة:


منها:


قوله تعالى { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر } [ الأحزاب : 21 ]


قالوا : معناه : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فله فيه أسوه أسوة حسنة ، ويستلزم أن من ليس له فيه أسوة حسنة ، فهو لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، وملزوم الحرام حرام ولازم الواجب واجب .


وقالوا أيضاً : وهو مبالغة في التهديد ، على عدم الأسوة فتكون الأسورة واجبة ، ولا شك أن من الأسوة اتباعه في أفعاله .


ومنها : قوله تعالى : { وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا } [ الحشر : 7 ] قالوا : وما فعله فقد آتاناه ، لأنه هو المشرع لنا بأقواله وأفعاله . وتقريره .


ومنها : قوله تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله } [ آل عمران : 31 ] الآية . ومن اتباعه التأسي به في فعله ، قالوا : وصيغة الأمر في قوله { فاتبعوني } للوجوب .


ومنها : أن الصحابة لما اختلفوا ، في وجوب الغسل من الوطء ، بدون إنزال سألوا عائشة ، فأخبرتهم أنها هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فعلا ذلك ، فاغتسلا فحملوا ذلك الفعل الذي هو الغسل ، من الوطء ، بدون إنزال على الوجوب .


ومنها : أنه صلى الله عليه وسلم لما خلع نعليه في الصلاة ، خلعوا نعالهم ، فلما سألهم : لم خلعوا نعالهم؟ قالوا : رأيناك خلعت نعليك ، فخلعنا نعالنا ، فحملوا مطلق فعله على الوجوب ، فخلعوا لما خلع ، وأقرهم صلى الله عليه وسلم على ذلك قالوا : فلو كان الفعل الذي لم يعلم حكمه لا يدل على الوجوب ، لبين لهم أنه لا يلزم من خلعه ، أن يخلعوا ، ولكنه أقرهم على خلع نعالهم ، وأخبرهم أن جبريل أخبره : أَن في باطنهما قذراً....


إلى أن قال الشيخ رحمه الله:


ومعلوم أن المخالفين القائلين : بأن الفعل الذي لم يكن بياناً لمجمل ، ولم يعلم حكمه من وجوب لا يحمل على الوجوب ، بل على الندب ، أو الإباحة إلى آخر أقوالهم ناقشوا الأدلة التي ذكرنا مناقشة معروفة في الأصول


قالوا :


قوله { وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ } [ الحشر : 7 ] أي ما أمركم به بدليل قوله { وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ } [ الحشر : 7 ] فهي في الأمر ، والنهي لا في مطلق الفعل ، ولا يخفى أن تخصيص : وما آتاكم ، بالأمر تخصيص لا دليل عليه ، وذكر النهي بعده لا يعينه.


وقالوا:


{إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني } [ آل عمران : 31 ] إنما يكون الاتباع واجباً فيما علم أنه واجب ، أما إذا كان فعله مندوباً فالاتباع فيه مندوب ، ولا يتعين أن الفعل واجب ، على الأمة بالاتباع إلا إذا علم أنه صلى الله عليه وسلم ، فعله على سبيل الوجوب . أما لو كان فعله على سبيل الندب وفعلته الأمة على سبيل الوجوب ، فلم يتحقق الاتباع بذلك.


قالوا : وكذلك يقال في قوله تعالى { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب : 21 ] الآية فلا تتحقق الأسوة ، إذا كان هو صلى الله عليه وسلم فعله ، على سبيل الندب ، وفعلته أمته على سبيل الوجوب ، بل لا بد في الأسوة من علم جهة الفعل ، الذي فيه التأسي.


قالوا : وخلعهم نعالهم لا دليل فيه ، لأنه فعل داخل في نفس الصلاة : وإنما أخذوه من قوله صلى الله عليه وسلم « صلوا كما رأيتموني أصلي » لأن خلع النعال كأنه في ذلك الوقت من هيئة أفعال الصلاة .


قالوا : وإنما أخذوا وجوب الغسل من الفعل ، الذي أخبرتهم به عائشة ، لأنه صح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم وجوب الغسل من التقاء الختانين ، أو لأنه فعل مبين لقوله:{ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا } [ المائدة : 6 ] والفعل المبين لإحمال النص ، لا خلاف فيه كما تقدم إيضاحه .


قالوا : والاحتياط في مثل هذا : لا يلزم ، لأن الاحتياط لا يلزم إلا فيما ثبت وجوبه أو كان وجوبه ، هو الأصل كليلة الثلاثين من رمضان ، إن حصل غيم يمنع رؤية الهلال عادة أما غير ذلك ، فلا يلزم فيه الاحتياط ، كما لو حصل الغيم المانع من رؤية هلال رمضان ليلة ثلاثين من شعبان : فلا يجوز صوم يوم الشك ، ولا يحتاط فيه ، لأنه لم يثبت له وجوب ولم يكن وجوبه هو الأصل إلى آخر أدلتهم ومناقشتها . فلم نطل بجميعها الكلام"


ثم قال الشنقيطي:


ولاشك : أن الأدلة التي ذكرها الفريق الأول كقوله { فاتبعوني } [ آل عمران : 31 ] وقوله {وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ } [ الحشر : 7 ] الآية وقوله { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] الآية وإن لم تكن مقنعة بنفسها في الموضوع ، فلا تقل عن أن تكون عاضدة لما قدمنا من وجوب الفعل الواقع به البيان


يقول السديس:


واستدل الشيخ رحمه الله بهذه القاعدة :


عند عرضه لأدلة القائلين بوجوب الأضحية مستدلين بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعلها فدل على وجوبها لعدم العلم بجهة فعله لها هل هي الوجوب أو الندب فتحمل على الوجوب كما سبق بيانه.


وحين بين :


أن التحقيق أنه يجب تقديم الصلوات الفوائت على الصلاة الحاضرة...واستدل لذلك بالحديث المتفق عليه الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى العصر قضاء بعد غروب الشمس وقدمها على المغرب يوم الخندق: ذكر هذه القاعدة في بيان أن فعله يدل على الوجوب واستدل لتقرير القاعدة بخلع الصحابة نعالهم...الحديث وقد سبق


وقال فيه:


وهو فعل مجرد من قرائن الوجوب وغيره - أقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم . فدل ذلك على لزوم التأسي به في أفعاله المجردة من القرائن . والحديث وإن ضعفه بعضهم بالإرسال فقد رجح بعضهم وصله.


والأدلة الكثيرة على وجوب التأسي به صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة شاهدة له ...


إلى أن قال:

ونحن نقول: الأظهر أن الأفعال المجردة تقتضي الوجوب كما جزم به صاحب المراقي في البيت المذكور."
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ثم قال الشيخ السديس:


ويرى الشيخ رحمه الله أن كل فعل تشريعي فعله النبي صلى الله عليه وسلم فالأصل فيه عدم الخصوص به إلا أن دلي دليل على الاختصاص.


ومن هنا :


رجح عدم وجوب الإحرام على كل داخل لمكة لغرض غير الحج والعمرة


مستدلا:


بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها يوم الفتح غير محرم.


ورد على من زعم:


أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم.


بقوله:


"لأن المقرر في علم الأصول وعلم الحديث أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يختص حكمه به إلا بدليل يجب الرجوع إليه لأنه هو المشرع لأمته بأقواله وأفعاله وتقريره كما هو معلوم."


ثم قال السديس:


ويفهم من كلامه:


أنه إن دل دليل على الاختصاص صار مختصا به:


كقوله تعالى: "وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين"


وكقوله صلى الله عليه وسلم ناهيا لهم عن الوصال: "إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقين".


ويقرر الشيخ رحمه الله :


أن الفعل قد يكون بالنظر إلى ذاته مفضولا أو مكروها ويفعله النبي صلى الله عليه وسلم أو يأمر به لبيان الجواز فيصير قربة في حقه وأفضل مما هو دونه بالنظر إلى ذاته وإليه أشار صاحب المراقي بقوله:


وربما يفعل للمكروه مبينا أنه للتنزيه


فصار في جانبه من القرب كالنهي أن يشرب من فم القرب


يقرر ذلك:

في أثناء بيانه أن أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بفسخ الحج إلى العمرة لا يدل بالضرورة على أفضلية ذلك على الإفراد بل ليبين للناس أن العمرة في أشهر الحج جائزة وما فعله صلى الله عليه وسلم أو أمر به للبيان والتشريع فهو قربة في حقه وإن كان مكروها أو مفضولاً."
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الفصل الثالث:


المبحث الأول ضابط الإجماع



يقول الشنقيطي في المذكرة:


"وفي الاصطلاح: اتفاق علماء العصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته على أمر من أمور الدين"


والتقييد بقوله "بعد وفاته" : هو مما استدركه الشيخ رحمه الله على ابن قدامة حيث لم يذكره فاستدرك عليه الشيخ بقوله:


"وبقي عليه شرط، وهو كون ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لأنه في حياته لا عبرة بقول غيره".


وقال في الأضواء:


"لا نسخ بالإجماع لأن الإجماع لا ينعقد إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لأنه ما دام حيا فالعبرة بقوله وفعله وتقريره صلى الله عليه وسلم ولا حجة معه في قول الأمة لأن اتباعه فرض على كل أحد ولذا لا بد في تعريف الإجماع من التقييد بكونه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كما قال صاحب المراقي في تعريف الإجماع:


وهو الاتفاق من مجتهدي


الأمة من بعد وفاة أحمد

وبعد وفاته ينقطع النسخ لأنه تشريع ولا تشريع البتة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم"
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
هل يعتد بخلاف الواحد والاثنين:


الذي جرى عليه الشيخ في الأضواء أنه لا يعتد بخلاف الواحد والاثنين في حكاية الإجماع إذا كان خلافهم ضعيفا أو يرده صريح القرآن


ففي المسألة السابعة من مسائل المسح على الخفين قال رحمه الله:


"أجمع العلماء على اشتراط الطهارة المائية للمسح على الخف وأن من لبسهما محدثا أو بعد تيمم لا يجوز له المسح عليهما"


ثم قال في نهاية كلامه في المسألة ما نصه:


"وما قدمنا من حكاية الإجماع على عدم الاكتفاء في المسح على الخف بالتيمم مع أن فيه بعض الخلاف كما يأتي لأنه لضعفه عندنا كالقدم."


وعند كلامه عن أحكام قوله تعالى:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ....} الآية من سورة المائدة، قال:


"واعلم أن آيات القصاص في النفس فيها إجمال بيَّنته السنة ، وحاصل تحرير المقام فيها أن الذكر الحر المسلم يقتل بالذكر الحر المسلم يقتل بالذكر الحر المسلم إجماعاً ، وأن المرأة كذلك تقتل بالمرأة كذلك إجماعاً ، وأن العبد يقتل كذلك بالعبد إجماعاً ، وإنما لم نعتبر قول عطاء باشتراط تساوي قيمة العبدين ، وهو رواية عن أحمد ، ولا قول ابن عباس : ليس بين العبيد قصاص ، لأنهم أموال .


لأن ذلك كله يرده صريح قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى الحر بِالْحُرِّ والعبد بالعبد } [ البقرة : 178 ] الآية ...."


وفي المسألة من مسائل الزكاة في أحكام قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله...} الآية، قال رحمه الله:


"أما نصاب الفضة ، فقد اجمع جميع العلماء على أنه مائتا درهم شرعي ، ووزن الدرهم الشرعي ستة دوانق ، وكل عشرة دراهم شرعية فهي سبعة مثاقيل ، والأوقية أربعون درهماً شرعياً .


وكل هذا أجمع عليه المسلمون فلا عبرة بقول المريسي ، الذي خرق به الإجماع . وهو اعتبار العدد في الدراهم لا الوزن ، ولا بما انفرد به السرخسي من الشافعية ، زاعماً أنه وجه في المذهب ، من أن الدراهم المغشوشة إذا بلغت قدراً لو ضم إليه قيمة الغش من نحاس مثلاً لبلغ نصاباً أن الزكاة تجب فيه ، كما نقل عن أبي حنيفة ، ولا بقول ابن حبيب الأندلسي ، إن أهل كل بلد يتعاملون بدراهمهم ، ولا بما ذكره ابن عبد البر . من اختلاف الوزن بالنسبة إلى دراهم الأندلس وغيرها من دراهم البلاد ، لأن النصوص الصحيحة الصريحة التي أجمع عليها المسلمون مبينة أن نصاب الفضة مائتا درهم شرعي بالوزن الذي كان معروفاً في مكة . "


وقال بعده:


"فإذا حققت النص والإجماع : على ان نصاب الفضة مائتا درهم شرعي ، وهي وزن مائة وأربعين مثقالاً من الفضة الخالصة ، فاعلم أن القدر الواجب إخراجه منها ربع العشر بإجماع المسلمين ..." إلخ.


ثم قال بعده بقليل أيضا:


"فتحصل أنه لا خلاف بين المسلمين في وجوب الزكاة في الفضة ، ولا خلاف بينهم في أن نصابها مائتا درهم شرعي ، ولا خلاف بينهم في أن اللازم فيها ربع العشر ."


فتراه لم يعتد بالخلاف في الأول لضعفه عنده فهو كالعدم وفي الثاني لمعارضته صريح القرآن، وفي الثالث لمخالفته النصوص الصحيحة الصريحة.


ولا معارضة في ما يظهر لي بين ما ذكرته عنه هنا وبين قوله رحمه الله :


" وعلى فرض أن ابن عباس لم يرجع عن ذلك ، فهل ينعقد الإجماع مع مخالفته؟ فيه خلاف معروف في الأصول ، هل يلغى الواحد والاثنان أو لا بد من اتفاق كل وهو المشهور ، وهل إذا مات وهو مخالف ثم انعقد الإجماع بعده يكون إجماعاً وهو الظاهر ، أو لا يكون إجماعاً . لأن المخالف الميت لا يسقط قوله بموته ، خلاف معروف في الأصول أيضاً ."


لأن اشتراط اتفاق الكل عنده واعتبار خلاف الواحد والاثنين في نقص الإجماع يحمل على ما إذا كان ضعيفا لخلافهما وجه من النظر


وعدم اعدم خلافهما يحمل على ما إذا كان ضعيفا لا وجه له البتة فهو كالعدم أو معارضا لنص صحيح صريح وكلامه السابق صريح في ذلك. ثم ان قوله عن – وهو المشهور – لا يدل على ترجيحه له فكم من مشهور ليس براجح عند الشيخ والله أعلم.


قال أبو فراس:

لم يظهر لي وجه تعارض بين كلام الشيخ حتى نحتاج إلى تكلف الجواب، وما ذكره هنا لا يعارض ما تقدم عنه، فإنما أشار هنا إلى الخلاف بين أهل الأصول في ثلاث مسائل منها مسألتنا وهي خلاف الواحد والاثنين، وأما وصف القول بـ "اشتراط الكل" في الإجماع بأنه هو المشهور فلا يقتضي ترجيحا كما ذكر الشيخ السديس حفظه الله.
 
أعلى