العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
ملاحظة : هذا الموضوع قيد البحث والنقاش، وستنشر خلاصته ونتائجه بعد الانتهاء. (الفريق العلمي)


تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة



د. أيمن صالح



21-3-2011م


ملاحظة هامة: هذا بحث سريع بقصد المذاكرة والتباحث مع أهل العلم وطلابه، وليس هو فتوى أو قولا محققا.


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، وبعد:
فالسائد بين الفقهاء المعاصرين هو تحريم ما لم تدع إليه الحاجة من "جراحة التجميل". وذلك بناء على أن جراحة التجميل من "تغيير خلق الله" وهو لا يجوز إلا استثناء لعلاج أو لإزالة عيب يتسبب في ضرر مادي أو معنوي جسيم.
وضابط التغيير المحرم الذي يُستنبط من مجموع النصوص الواردة في هذا الشأن هو، كما قاله د. صالح الفوزان: "إحداث تغيير دائم في خِلْقةٍ معهودة"
ثم قال موضِّحا:
((وفيما يلي بيان أبرز قيود هذا الضابط :
"تغيير": هذا التغيير إما أن يكون بإضافة كالحقن التجميلي والترقيع ونحوهما، وإما أن يكون بإزالة بعض أنسجة الجسم كشفط الدهون، وإما أن يكون بتعديل مظهر بعض الأعضاء بتكبيرها أو تصغيرها أو شدّها.
"دائم": المراد أن أثره يمكث مدّة طويلةً كالأشهر أوالسنوات، ولا يلزم أن يدوم مدى الحياة، وهذا قيد يخرج التغيير المؤقَّت الذي لا يدوم أثره أكثر من عدّة أيام.
"خِلْقةٍ معهودةٍ": أي الخِلْقة المعتادة التي جرت السنة الكونية بمثلها، فالمعتاد مثلاً في كبار السن وجود التجاعيد في وجوههم، أما الصغار فإن وجودها بشكل مشوَّه يُعد خِلْقةً غير معتادة ولا معهودة، وتقييد التغيير بحدوثه في الخلقة (العضو) يعني أن التغيير يظهر على العضو، وليس بإضافة شيء خارجي إليه.
وهذا القيد (خِلْقة معهودة) يتناول التغيير لعدّة دوافع :
1ـ تغيير الخلقة المعهودة لطلب زيادة الحسن كالوشم والنمص والتفليج وما يُلحق بها من الجراحات التجميلية التي تُجرى لخِلقة معتادة في عرف أوساط الناس. وهذا أشهر دوافع التغيير المحرم للخِلْقة كما سيتبين في الأبواب القادمة.
2ـ تغييرها للتعذيب كفقء الأعين وقطع الآذان ونحو ذلك.
3ـ تغييرها للتنكّر والفرار من الجهات الأمنية.
ويخرج بهذا القيد تغيير الخِلْقة غير المعهودة كما في علاج الأمراض والإصابات والتشوّهات والعيوب الخَلْقية أو الطارئة التي ينشأ عنها ضرر حسي أو نفسي، كما أنه لا يتناول التغيير المأذون فيه شرعاً كالختان وإقامة العقوبات الشرعية)) انتهى من هنا.
ومن الشرح يظهر لنا أن الفوزان لا يقصد بالتغيير الدائمِ المؤبَّدَ، وكذا لا يُدْرِجُ فيه ما ورد النص بالإذن به كالحدود والوسم ونحوها؛ لذلك يمكننا تعديل الضابط ليكون أكثر دقة وإفصاحا عن مراده بالقول ضابط التغيير المحرم على رأي الفوزان هو:
"إحداث تغيير طويل البقاء نسبيا على خلقة معهودة لزيادة الحسن أو لغرض غير مشروع"
فهل يستقيم هذا الضابط على السَّبْر؟
يَرِدُ على هذا الضابط اعترضان أساسان:
أحدهما : على قيد "طول البقاء"، فقد رأى الشيخ تحريم ما يدوم أشهر وسنوات دون ما يبقى أياما. وهذا غريب؛ إذِ النمص الذي ورد النص بحرمته لا يدوم أشهر. والحناء وصبغ الشعر الذي ورد النص بجوازه قد يدوم أشهر. ووصل الشعر، وهو محرم بالنص، قد يدوم أشهر كثيرة. وبناء على هذا المعيار قد يباح نفخ الشفاه المؤقَّت، ويحرم تركيب الأسنان وتقويمها بقصد التجميل لأنه يدوم طويلا.
والثاني : على قيد "الخلقة غير المعهودة"، فبناء عليه أجاز الشيخ إزالة العيوب والتشوهات الخلقية أو الطارئة بسبب المرض والحرق ونحوه. وهذا يصتدم مباشرة مع تحريم وصل الشعر، إذ الوارد أنه في امرأة عروس مرضت فتمعط شعرها، وهو يدل على عدم الإذن حتى في حالة العيب طارئ. وبناء عليه لم ير الشيخ جواز تغيير العيوب التي تنشأ عن كبر السن وعن الولادات المتكررة لأنها معتادة.
وإذا كان هذا الضابط كذلك فهل هناك ضوابط أخرى مقترحة أو يمكن اقتراحها؟
هناك ضابط يمكن استنباطه من اجتهادات الطبري في هذه المسألة وهو:
"الأصل أن كل تغيير للخلقة لغرض التجميل محرم إلا ما ورد الشرع باستثنائه".
وبناء عليه يحرم على المرأة عند الطبري: "تغيير شي مِنْ خَلْقِهَا الَّذِي خَلَقَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، الْتِمَاسَ الْحُسْنِ لِزَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَوَاءً فَلَجَتْ أَسْنَانَهَا أَوْ وَشَرَتْهَا، أَوْ كَانَ لَهَا سِنٌّ زَائِدَةٌ فَأَزَالَتْهَا أَوْ أَسْنَانٌ طِوَالٌ فَقَطَعَتْ أَطْرَافَهَا. وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهَا حَلْقُ لِحْيَةٍ أَوْ شَارِبٍ أَوْ عَنْفَقَةٍ إِنْ نَبَتَتْ لَهَا، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَغْيِيرُ خَلْقِ اللَّهِ. قَالَ عِيَاضٌ: وَيَأْتِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّ مَنْ خُلِقَ بِأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ أَوْ عُضْوٍ زَائِدٍ لَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهُ وَلَا نَزْعُهُ، لِأَنَّهُ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الزَّوَائِدُ تُؤْلِمُهُ فَلَا بَأْسَ بِنَزْعِهَا عند أبي جعفر وغيره" أهـ من القرطبي
وأما على رأي الفقهاء الذين استثنوا نمص اللحية والشارب ونحو ذلك من التحريم، فيصلح لهم الضابط الآتي:
"الأصل أن كل تغيير للخلقة لغرض التجميل محرم إلا ما لم يكن معهودا"
وهذا نوع استثناء من عموم الأحاديث الناهية عن النمص والوشر والفلج والوصل والوشم، ولا دليل عليه إلا بالقول: إن ما أبيح هنا هو من قبيل النادر الشاذ الذي لا يستبعد استثناؤه من عموم الأدلة الناهية بضربٍ من الاستحسان كالحاجة والحرج وربما بما دون ذلك.
ولكن يرد على هذا الاستثناء حديث تحريم الوصل، فقد كان في وضع نادر طارئ غير معهود (عروس صغيرة السن تمعط شعرها نتيجة المرض)، ومع هذا فلم يأذن به النبي صلى الله عليه وسلم. واستثناء صورة سبب الورود من العموم لا يجوز لأنه يشملها قطعا كما هو مقرر في الأصول.

ومسألة التجميل لا شك مهمة جدا لعموم البلوى بها لا سيما في هذا الزمن، وفي الوقت نفسه هي مشكلة جدا، ولذلك كثرت أقوال الفقهاء فيها وخلافاتهم، وما من ضابط يذكر وعلة تورد إلا ويرد عليهما من المسائل والنصوص ما ينقضهما. قال القرطبي بعد أن أورد طرفا من أحاديث النمص والوشر والفلج والوشم:
"وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي نُهِيَ لِأَجْلِهَا، فَقِيلَ: لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ التَّدْلِيسِ. وَقِيلَ: مِنْ بَابِ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ. ثُمَّ قِيلَ: هَذَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَكُونُ بَاقِيًا، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا مالا يَكُونُ بَاقِيًا كَالْكُحْلِ وَالتَّزَيُّنِ بِهِ لِلنِّسَاءِ فَقَدْ أَجَازَ الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ"

وما أراه هنا: هو أن تغيير خلق الله تعالى لا يحرم لمجرَّد أنه تغيير، وإنما يحرم منه:



  1. ما يترتب عليه اعتقادٌ شركي لقوله تعالى:( ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) وهي البحيرة التي كانوا يقطعون أذنها ويحرمونها إذا جاءت بخمسة أبطن وكان الخامس ذكرا تقربا إلى أوثانهم،
  2. أو كان فيه ضرر لعموم الأدلة المحرمة للضرر،
  3. أو تشويه لنهيه، صلى الله عليه وسلم، عن المثلة،
  4. أو دخل في حدِّ الإسراف، لعموم الأدلة المحرمة للسرف،
  5. أو قصد به الوصول إلى غرض محرم، كتجمل المرأة لغير زوجها وذلك لأن الأعمال بالنيات والأمور بمقاصدها.
وما خلا هذه الأمور من تغيير لخلق الله تعالى في الجماد أو النبات أو الحيوان أو الإنسان يجري على أصل الإباحة.
وأما قوله تعالى: من قول الشيطان (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله)، وهو أقوى الأدلة في تحريم تغيير الخلق عموما، فليس المقصود به ما قد يتبادر إلى الذهن من تغيير الخلق الظاهر بل ـ وكما هو رأي جمهور المفسرين ـ المقصود هو تغيير الفطرة الحنفيية التي خلق الله الناس عليها إلى الشرك والكفر وعبادة غير الله تعالى. ويكون معنى هذه الآية كمعنى قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) وكما في حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ}، رواه البخاري. وكما في حديث عياض بن حمار رضي الله عنه:"َإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، [وفي رواية عند النسائي وغيره وأمرتهم أن يغيرو خلقي] وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ..." رواه مسلم.
وأما التعليل بتغيير الخِلْقة، كما في حديث علقمة عن ابن مسعود: «لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُوتَشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ، قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا. متفق عليه، فهو مشكِلٌ حقَّا، والذي يظهر لي أنه من تعليل ابن مسعود رضي الله عنه، اجتهاداً منه؛ لأنه ليس في رواية الحديث ما يدل صراحة على رفع جميع ألفاظ الحديث إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، بل المتيقن رفعه هو اللعن فحسب. ويؤيد ذلك أن الثابت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، عن غير صحابي هو اللعن أو النهي مجردا دون التعليل بالتغيير أو غيره، بل حتى في بعض روايات الحديث التي صرح فيها ابن مسعود برفع الحديث إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يذكر فيها التعليل بالتغيير، كما في رواية أحمد بسند حسنه ابن حجر وقال الأرناؤوط: إسناده قوي، عن مسروق: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَتْ: أُنْبِئْتُ أَنَّكَ تَنْهَى عَنِ الْوَاصِلَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: أَشَيْءٌ تَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللهِ، أَمْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: أَجِدُهُ فِي كِتَابِ اللهِ، وَعَنْ رَسُولِ اللهِ، فَقَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ تَصَفَّحْتُ مَا بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ الَّذِي تَقُولُ قَالَ: فَهَلْ وَجَدْتِ فِيهِ: {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ النَّامِصَةِ وَالْوَاشِرَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ إِلَّا مِنْ دَاءٍ "، قَالَتِ الْمَرْأَةُ: فَلَعَلَّهُ فِي بَعْضِ نِسَائِكَ؟ قَالَ لَهَا: ادْخُلِي، فَدَخَلَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ، فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ بَأْسًا، قَالَ: مَا حَفِظْتُ إِذًا وَصِيَّةَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}. ومن فوائد هذه الرواية أنها وردت بلفظ النهي وهو أخف من اللعن الوارد في رواية علقمة، كما أنه لا يشتمل على ذكر علة تغيير خلق الله تعالى كما في رواية علقمة، ثم فيه التصريح بالجزء المرفوع من الرواية الأخرى وهو لا يشتمل على ذكر التغيير.

فإن قيل: إذا أبطلتَ علة "تغيير الخلق" في النهي عن النمص والوشر والوصل والوشم، فما هي علة التحريم إذن؟
فالجواب قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى في تفسيره بعد أن ذكر شيئا من أصناف التغيير المحرم: "وَلَيْسَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ التَّصَرُّفُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ بِمَا أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَلَا مَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْحُسْنِ فَإِنَّ الْخِتَانَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ لِفَوَائِدَ صِحِّيَّةٍ، وَكَذَلِكَ حَلْقُ الشَّعْرِ لِفَائِدَةِ، دَفْعِ بَعْضِ الْأَضْرَارِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ لِفَائِدَةِ تَيْسِيرِ الْعَمَلِ بِالْأَيْدِي، وَكَذَلِكَ ثَقْبُ الْآذَانِ لِلنِّسَاءِ لِوَضْعِ الْأَقْرَاطِ وَالتَّزَيُّنِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ لَعْنِ الْوَاصِلَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ فَمِمَّا أَشْكَلَ تَأْوِيلُهُ. وَأَحْسَبُ تَأْوِيلَهُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ سِمَاتٍ كَانَتْ تُعَدُّ مِنْ سِمَاتِ الْعَوَاهِرِ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ، أَوْ مِنْ سِمَاتِ الْمُشْرِكَاتِ، وَإِلَّا فَلَوْ فَرَضْنَا هَذِهِ مَنْهِيًّا عَنْهَا لَمَا بَلَغَ النَّهْيُ إِلَى حَدِّ لَعْنِ فَاعِلَاتِ ذَلِكَ. وَمِلَاكُ الْأَمْرِ أَنَّ تَغْيِيرَخَلْقِ اللَّهِ إنّما يكون إِنَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ حَظٌّ مِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ، بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَامَةً لِنِحْلَةٍ شَيْطَانِيَّةٍ، كَمَا هُوَ سِيَاقُ الْآيَةِ وَاتِّصَالُ الْحَدِيثِ بِهَا. وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى: النَّظَرُ الْفَسِيحُ عَلَى مُشْكِلِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ" .
والأصح من هذا في نظري أنه ليس شرطا أن تنتظم الأفعالَ الأربعة جميعَها علِّةٌ واحدة، فنقول: النمص والوصل حُرِّم للتدليس على الناظرين، ومنهم الخُطَّاب والخاطِبات، وعليه فيحرم ذلك على غير ذات الزوج إلا أن تكون من القواعد، ويحل للمتزوجة بإذن زوجها كما هو رأي بعض الفقهاء. وأما التفليج والوشر فيحتمل التدليس كما قال النووي (لأن الفلج من سمات صغار السن)، ويحتمل الضرر لأن نحت السن يأكل طبقته التاجية فيجعله عرضة للتسوس والخراب السريع، وأما الوشم فلارتباطه بعادات شركية، أو لأضراره الكثيرة لا سيما في العصور القديمة (انظر هنا).
فإذا تقرر ما سبق فإن ما أراه ضابطا موجزا للتغيير المحرم هو:
"كل تغيير كان فيه شرك أو ضرر أو تشويهٌ أو تدليس أو إسراف أو قصدٌ محرم"
وفي ضوء هذا الضابط، يحرم على غير المزوجة أن تفعل فعلا تجميليا تدليسيا، بأن تخفي عيبا يظهر لزوجها المحتمل فيما بعد، ويدخل في هذا النمص والوصل ونحوه مما لا يتميز لدى الناظر كونه طبيعيا أو اصطناعيا، وكذا يحرم الصبغ بالسواد لنفس العلة، وكذا عدسات العيون الملونة التي يظنها الرائي طبيعية، ويجوز التجمل بما يظهر للناظر كونه إضافة غير أصلية كأحمر الشفاه والاكتحال ونحو ذلك.
وفي ضوء هذا الضابط تجوز الهندسة الوراثية (تغيير للخلق على المستوى الجيني) للنبات والحيوان والإنسان بشرط تيقن عدم وجود ضرر منها كما ذهب إليه المجمع الفقهي
وفي ضوء ذلك لا يحرم على العزباء والمتزوجة كليهما إصلاح عيب بالجراحة التجميلية إصلاحا دائما (كإزالة شامة أو بقعة داكنة في وجهها أو جسدها، أو عمل تقويم لأسنانها)، لأن الإزالة الدائمة لا تتضمن تدليسا وتغريرا.
وفي ضوء ذلك قد يفتى بإباحة عمليات التجميل التي تجريها المرأة لإزالة التجاعيد من الوجه الناتجة عن كبر السن إذا كان ذلك بإذن الزوج، قياسا على النمص والوصل بإذن الزوج كما قال به بعض الفقهاء.


أؤكد مرة أخرى أن هذا النظر السريع في المسألة إنما أردت به المذاكرة وليس هو من قبيل الفتوى بل بغرض التباحث مع أهل العلم
بانتظار تعليقاتكم
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
16 مارس 2011
المشاركات
15
الكنية
ابوعبدالله
التخصص
شريعة
المدينة
الخرطوم
المذهب الفقهي
مالكي
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

وردت روايتان عن عائشة واسماء رضي الله عنهما وهي قد صححهما الشيخ الالباني رحمه الله في غاية المرام بلفظ عن عائشة أن جارية من الانصار تزوجت وأنها مرضت فتمعط شعرها فأرادوا أن يصلوها فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لعن الله الواصلة والمستوصلة . ورواية أسماء قالت سألت إمراة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله إن ابنتي أصابتها الحصبة فأمرق شعرها واني زوجتها أفأصل فيه ؟ فقال : لعن الله الواصلة والمستوصلة.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

هل لفظ (زوجها) دال على أن العقد تم وانقضى، أم أن معناه الذي سيتزوجها؛ لأنها تزفها إليه، فهل من عادتهم إجراء العقد قبل الدخول بأيامٍ، أم أن العقد في اليوم نفسه، فتكون بعد ليست زوجا له، فلا يجوز وصلها إلا بإذن الزوج، وهي بعد ليست زوجا.

جزاكم الله خيرا
الظاهر من لفظ "زوج" أنه كان قد جرى العقد سابقا، وحمله على الخاطب تأويل سائغ لغة (اعتبار ما سيكون).
وأما ما جرت به عادتهم في وقت إمضاء العقد فلا أدري
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

أحسنتم يا شيخ وضاح بارك الله فيكم.
قد روي في تفسير قوله جل وعلا (فليغيرن خلق الله) أقوال نلخصهما في قولين الأول الدين والثاني تغيير خلق الله بالوشم والخصي وقطع الآذان وفقء العيون ونحو ذلك. ويشبه أن يكون الخلاف ليس من باب التعارض فقط بل ومن باب صلوح اللفظ لهما ، بمعنى أن ممن فسره بدين الله من لا يمنع شموله للتغير الخلقة كما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه فسر خلق الله بدين الله وبالخصاء ومثله عكرمة. وهكذا كثير من أهل العلم من رجح تفسير الآية بدين الله ثم لم يمتنع من الاستدلال بها على تغيير الخلقة على رأسهم الطبري رحمه الله.

كون التغيير يشمل الأمرين: الحسي والمعنوي محتمل لا ننكره، لكن ما يرجح في الآية بحسب سياقها (وهي مكية واردة في تقرير التوحيد) وبحسب ما ورد في الآية الأخرى "لا تبديل لخلق الله"، هو أن المقصود تغيير الدين، ويؤيده كذلك أن أكثر صور "تغيير خلق الله" على إطلاقه جائزة. فخلق الله الظاهر لنا: إما جماد وإما نبات وإما حيوان وإما إنسان، والتغيير غير الضار في الجماد والنبات والحيوان جائز، حتى الخصاء في الحيوان ذهب الجمهور إلى جوازه، لا سيما إذا انبنى عليه غرض صحيح، (ومن منع منه كابن عمر علله بوقف النماء لا بالتغيير) وقد ضحى صلى الله عليه وسلم بكبشين موجوءين وكان يسم إبل الصدقة بالميسم. أما التغيير في الإنسان فقد ورد النص بجواز (أو ندب أو إيجاب) صور كثيرة منه، كقص الشعر وحلقه والشارب وحفه وغير ذلك من الشعور، والخضاب والختان والتغيير للعلاج والمداواة والزينة (كأنف عرفجة)، وثقب الآذان. فكثرة صور التغيير الحسي الجائزة ترجِّح أنه ليس هو المقصود؛ لأنه ليس من صفة الكلام الحكيم والبليغ أن يذكر العموم بحكم ثم يستثني بعد ذلك أكثر صور هذا العموم من الحكم.
أما أن ابن عباس ورد عنه التفسيران فنعم، ولكن التفسير بالخصاء ورد من طريق عكرمة وأما الثقات الأثبات من أصحابه كمجاهد وسعيد بن جبير فذهبوا إلى أنه الدين. وقد أغلظ مجاهد القول لعكرمة بسبب روايته الإخصاء: فقال: "كذب العبد"، وقال "ماله أخزاه الله". قال الشيخ شاكر في تعليقه على الطبري: "وقول مجاهد في عكرمة: "ماله لعنه الله"، و"ماله أخزاه الله"، أراد مجاهد اضطراب عكرمة في روايته، وكان مجاهد سيئ الرأي فيه، كما كان مالك ابن أنس سيئ الرأي فيه، يقول: "لا أرى لأحد أن يقبل حديثه". وقد قيل: إنه كان مضطرب الحديث، وأنه كان قليل العقل!! روى الحافظ في التهذيب 7: 269"قال الأعمش عن إبراهيم: لقيت عكرمة فسألته عن: البطشة الكبرى. قال: يوم القيامة. فقلت: إلا عبد الله، كان يقول: يوم بدر. فأخبرني من سأله بعد ذلك فقال: يوم بدر". وهذا شبيه بهذا الخبر الذي بين أيدينا."
وأما الطبري فقد رجح أن المقصود هو الدين لكنه اعتبر أن التغيير الحسي حرام بناء على حديث ابن مسعود، فهو من الدين الذي جاء الله تعالى به. أي أن تحريم التغيير الحسي ليس مقصودا ابتداء في الآية بل ضمنا بناء على أن السنة وردت بتحريم التغيير كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وهذا لا يسلم من جهتين:
أحدهما: أن المقصود بالدين بحسب السياق وبحسب تفسيرات السلف هو فطرة التوحيد لا الأحكام الفقهية،
والثاني: على فرض دخول الأحكام الفقهية في "الدين" المقصود بالآية فإن هذا يتوقف على التسليم برفع علة "تغيير خلق الله تعالى" التي ذكرها ابن مسعود رضي الله عنه، وأنها من الدين، وهو ما ملنا إلى مرجوحيته.

ومما يرشد إليه ما رواه البخاري عن إبراهيم عن علقمة قال : "لعن عبد الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فقالت أم يعقوب ما هذا ؟ قال عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسول الله وفي كتاب الله ؟ قالت والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته قال والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } " وهذا لفظ ظاهره الرفع وأدل منه ما رواه وهب بن جرير قال ثنا أبي قال سمعت الاعمش يحدث عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والمتفلجات والمتنمصات والمغيرات خلق الله" صححه الشيخ الألباني رحمه الله. ورواه البزار من طريق وهب بن جرير بإسناده عن عبد الله ، قال : « لعن الله الواشمات والمتفلجات والمتنمصات المغيرات خلق الله » فقالت له امرأة كلاما ذكره ، فقال عبد الله : قاله رسول الله" ورواه عمر بن حفص قال ثنا أبي قال ثنا الاعمش عن إبراهيم عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لعن الله المتنمصات والمتفلجات والموتشمات والمغيرات خلق الله فأتت امرأة فقالت أنت الذي تقول كذا وكذا فقال ومالي لا أقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" وصححه الشيخ الألباني لغيره. فهذه روايات بأسانيد صحيحة وحسنة صريحة في الرفع. فقولكم حفظكم الله : "والذي يظهر لي أنه من تعليل ابن مسعود رضي الله عنه اجتهاداً منه ؛ لأنه ليس في رواية الحديث ما يدل صراحة على رفع جميع ألفاظ الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بل المتيقن رفعه هو اللعن فقط" لو لم يكن إلا الرواية التي ذكرتموها لكانت ظاهرة في الدلالة على الرفع وغاية ما ذكرتموه أن الرفع ليس بيقين ، وأن وقف التعليل محتمل.
الحديث نص في رفع اللعن أما التعليل بالتغيير فهو محتمل للرفع ومحتمل للوقف. وقد ملنا إلى الوقف لأربعة أسباب:
أحدها: رواية مسروق عن ابن مسعود لنفس الحديث ونفس الواقعة وقد صرح فيها بالجزء المرفوع من الحديث وليس فيه ذكر التغيير، كما أشرنا في أصل الموضوع.
والثاني: أن الصحابة الآخرين الذين رووا تحريم هذه الأفعال أو بعضها لم يذكروا التغيير علة فيها (جابر، عائشة، أسماء بنت أبي بكر، ابن عباس، معاوية، أبو هريرة، ابن عمر)، وفي حديث معاوية إيماء لعلة "الزور" كعلة لتحريم الوصل.
والثالث: الشبه الكبير بين الحديث وآية "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله" مما يظهر معه أن ابن مسعود كان يحمل التغيير فيها على التغيير الحسي، (ولذلك أدرج عدد من المفسرين ابن مسعود في المؤيدين للتحريم الحسي في الآية) وهو ما سبق أن رجحنا خلافه.
والرابع: أن علة التغيير منقوضة بأنواع كثيرة من التغيير أجازها الشارع وقد ذكرنا طرفا منها، والأصل في علل الشرع أن لا تكون منقوضة لأن الشرع لا يفرق بين المتشابهات ويجمع بين المختلفات.
ولا يقال هنا نخص الحديث بما عداها فنقول بأن الأصل في التغيير الحرمة إلا ما دل الشرع على جوازه، والسبب هو أن نقض العلل يختلف عن تخصيص العمومات اللفظية: ورود النقض على العلة يمنع من القول بصلاحيتها للتعليل أصلا، أما ورود الخاص على العام فيستثني ما فيه الخصوص ويبقى باقي اللفظ العام على دلالته، فالعام دلالته لفظية وعموم العلة دلالته عقلية فافترقا.

أما الضوابط المذكورة في مقالكم وصرحتم أنه ما من ضابط منها إلا وهو مدخول ، إن كان يمكن ضبطها فذاك ، وإن لم يكن كان الاحتياط إبقاء النصوص على ظاهرها وأن لا يخرج عنها إلا منصوص أو مقيس عليه.

الأفعال التغييرية إزاء النصوص ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: أفعال منصوص على حرمتها: النمص والوصل والوشم والتفليج والتمثيل ووسم الحيوان في الوجه والصبغ بالسواد عند من يحرمونه
الضرب الثاني: أفعال منصوص على جوازها أو ندبها: الختان ونتف الإبط وحلق العانة وقص الشارب وحلق الشعر خضاب الشعر والأيدي، وثقب الآذان، ووسم الحيوان في غير الوجه، الزينة بالكحل والتعطر وتصفيف الشعر وقصه، وتغيير الخلق للعلاج والمداواة ( دفع الألم أو الأذى الحسي أو تحسين وظيفة العضو).
الضرب الثالث: أفعال لم يتطرق إليها النص: منها نتف شعر الساقين واليدين للمرأة، إزالة شعر اللحية والشارب للمرأة، ثقب الأنف أو غيره للأقراط، الرموش الاصطناعية، العدسات، طلاء الأظافر، الشعر الاصطناعي من غير وصل، زراعة الشعر، زراعة الأسنان وتركيبها، وتقويمها (تقويم الأسنان يختلف عن الوشر اختلافا جوهريا)، تبيض الأسنان، لحم الشفة الأرنبية المشقوقة، بتر الإصبع الزائدة، عمليات التجميل البنائية، كتعويض الجلد المحروق وعمليات التجميل التحسينية وهي أنواع كثيرة جدا وبعضها يستلزم الحقن بمواد صناعية وبعضها الآخر يستلزم الجراحة والتخدير، وبعضها يكون ظاهريا فقط دون جراحة أو حقن كعمليات تقشير البشرة السطحية.
إذا قلنا بأن الأصل تحريم كل تغيير إلا ما ورد به نص كما هو ظاهر حديث ابن مسعود رضي الله عنه، فتحرم جميع أفعال الضرب الأول والضرب الثالث، وهو ظاهر مذهب الطبري ونصره الألباني، وهو مقتضى قولكم.
وإذا قلنا بأن الأصل تحريم كل تغيير إلا أن تدعو إليه الحاجة (رفع الحرج) دخل في ذلك الحرج النفسي كإزالة الشارب واللحية للمرأة ولحم الشفة الأرنبية، ونحو ذلك مما هو عيب واضح، ولم يدخل ما تمحض للتزين دون وجود حرج معتبر كباقي الأفعال.
وإذا قلنا بأن العلة ليست هي التغيير بل أمر وراء ذلك، من الكلفة والأذى أو الضرر أو التدليس أو القصد غير المشروع ونحو ذلك، كان لا بد من النظر في كل فعل تجميلي على حدة، وهذا مجال للخلاف والنظر في تحقيق المناط.
حكم الاحتياط الذي أشرتم إليه هو الورع ، وهو خارج عن بحثنا، ثم إنه يُستخدم عندما يدور الحكم بين الإباحة والحرمة، ولكن في كثير من الأفعال السابقة، الحكم يدور بين الإباحة والندب (ندب أن تتزين المرأة لزوجها)، ولذلك قال الشافعية بندب إزالة المرأة لحيتها أو شاربها، وقال المالكية بوجوب إزالة جميع شعر بدنها ما عدى الرأس والحاجبين.

أما ما ذكرتم من جواز تخصيص العموم بضرب من ضروب الاستحسان كالحاجة والحرج بل وما دونهما ، ففيه نظر ، وإن وافقنا على أن أصل التغيير للحاجة جائز. فإنكم حفظكم الله ذكرتم من الأمثلة التي منع منها رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارية التي تمرط شعرها والحديث عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَرَّطَ شَعْرُهَا فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهُ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ فَلَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ" وفي رواية : "إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِى شَعَرِهَا" وتصوير المسألة بحيث تظهر فيه الحاجة هكذا: بنت صغيرة مرضت ففقدت شعرها ، فأرادت أن تتجمل لزوجها بما يستر عيباً ظاهراً منفراً في العادة بإذن زوجها ، بل بطلب منه ، فمنع من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث قاضٍ على ما ذكرتم من تعليل : إذ ليس مما يترتب عليه اعتقاد شركي ولا فيه ضرر ولا تشويه ولا إسراف ولا وصول إلى غرض محرم. وقد تقدم مع فضيلتكم رأيي في معارضة ظواهر النصوص بالاحتمالات والتخمينات.
رفع الحرج أصل قطعي كلي نهضت به أدلة كثيرة، وقد أباح الشارع تغيير الخلقة للتداوي ودفع الأذى حتى لو كان يسيرا دفعا للحرج، وأباح مع ذلك كشف العورة، وفي خصوص التزيين أباح الشارع لعرفجة اتخاذ أنف ذهب بل أمره بذلك كما في نص الحديث مع أن الأصل في استعمال الذهب للرجال الحرمة، فكيف لا يقال لمن نبتت لها لحية يحرم عليك إزالتها لأنه تغيير؟!! أو من احترق وجهه لا يجوز لك أن تجري له عملية بقصد تحسين منظره؟!!. ألا تأملت أخي الكريم في حديث الأعمى والأقرع والأبرص، وكيف سألوا الملك إزالة الأذى الذي قذرهم الناس لأجله، وما يستشف من ذلك من معنى.
أما الحديث الذي تفضلت به فقد بينا سابقا أن الراجح في الروايات أنه ليس ثمة تصريح أنه بعلم الزوج أو أمره ولذلك حمله أكثر الفقهاء على إرادة التدليس ودعموه بحديث معاوية في نفس الموضوع الذي يومئ إلى هذه العلة.
أما قولكم بأنه لا تجوز معارضة الظواهر بالاحتمالات والتخمينات، فهذا صحيح عندما يستقل الظاهر دليلا في المسألة أما هنا فقد عارض الظاهر أصول كلية وجزئية في موضوع التجميل والتزيين جملة، ثم هو ظاهر وارد على واقعة عين، ووقائع الأعيان تكثر فيها الاحتمالات والتخصيصات وينبغي عدم تعميمها إلا بعد أن ينقح المناط فيها، وما قلناه وقاله الفقهاء لا يعدو ذلك.

وفي حديث ابن مسعود وعائشة فائدة في التعليل وهو أن التعليل بطلب التجمل ولو للزوج وبإذن منه لا يبيح تغيير الخلقة ولو بوصل شعر يمكن نزعه قبل النوم ، فكيف بنفخ الشفاة وتكبير الصدر وتقويم الأنف والأسنان وما شابه ذلك بدعوى الحرج أو الحاجة أو ما هو دونهما كما تفضلتم. ولو لم يصح لنا في التعليل شيء لكان ظاهر النصوص كافٍ في المنع عموماً ، ومع قولنا بجواز تخصيص عمومها ، فذلك يكون بالدليل الشرعي من نص أو إجماع أو قياس، أما الحاجة غير الملحة والحرج الذي من جنس مجرد الحياء من الناس فلا يصح عده دليلاً مع عدم المعارض فضلاً عن معارضة الأدلة به.

الحرج هو أمر يشق على النفس مشقة غير معتادة ، وهذا يدخل فيه ما كان بدنيا أو نفسيا، بل الحرج النفسي يكون في كثير من الأحيان أشد من الحرج البدني. والفقهاء عندما أطلقوا الحرج المبيح للتجميل لم يخلوه لضابط الهوى الشخصي، بل شرطوه بوجود عيب خارج عن الخلقة المعهودة في أوساط الناس.
والتخصيص بالأصل الكلي المطرد في الشريعة أقوى من التخصيص بالقياس الذي قبلتموه مخصصا في المسألة. بل أجاز جماعة من الأصوليين التخصيص بالمصلحة المرسلة فما بالك بالمصلحة الحاجية...؟
بناء على ما أصلتم هنا ما رأيكم في إزالة "حب الشباب" في الوجه؟ أو إزالة ثآليل الوجه والأطراف؟ ولحم الشفة المشقوقة (الشَّرَم)؟
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

وأرجو أن يتنازل د.ايمن عن قوله شاكرين له حسن طرق الموضوع وتواضعه في الرجوع للحق .فلانحسبه إلاباحثا عن الحق . والنتيجة أنه لاتجوز العمليات التجميلية إلا من تعرض لشئ غير معهود كحادث مثلا فاحتاج الى ذلك.حتى لايكون من باب تغيير ماخلق الله

شكرا لكم على حسن الظن أخي الفاضل، والحق أحق أن يتبع دائما وأبدا
الشيخ وضاح ذهب إلى أن كل تغيير حرام إلا ما ورد النص أو القياس باستثنائه، ولم يرد الشرع باستثناء العيب غير المعهود بدليل حديث النهي عن الوصل للمرأة التي تمرط شعرها بسبب المرض
وأرجو أن لا تفهم أني إذ أبطلت علة التغيير أني أقول بأن العمليات التجميلية جائزة فهي إن لم تحرم لأنها تغيير فتحرم لأسباب أخرى من التكلف والضرر والإسراف والتدليس ونحو ذلك.
أرجو قراءة جميع المشاركات وعدم الاكتفاء بقراءة أصل الموضوع للخروج بصورة واضحة عن رأيي في المسألة (حتى الآن).
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

أضف سادسا: التضمخ بالنجاسة، كالوشم.

جزاكم الله خيرا على التعقيبات النافعة. الوشم ليس شرطا أن يكون بنجس بل قد يكون بطاهر وهو الغالب الآن.

إلا أن يقال: ليست متزوجة بعدُ، وإنما يراد تزيينها للزواج، فلم يُؤذن لها إلا بعد العقد بأمر الزوج. ومع هذا يبقى ما ذكره الدكتور أيمن في الخلي -العزباء- من الجراحة التجميلية أو غيرها مشكلٌ، ولا أعلم أحدا من أهل العلم قال بجوازه. كما أن علة (الإزالة الدائمة لا تتضمن تدليسا وتغريرا) غير صحيحة، فتفريق الأسنان (الفلج) ومنه تقويمها كما يعمله الأطباء اليوم: هو دائمٌ، لن يتضمن تدليسا ولا تغريرا، ومع هذا ورد النهي عنه (والمتفلجات للحسن).

أشرنا سابقا إلى مرجوحية رواية أن الزوج أمرها بالوصل.
ولا أدري ما موضع الإشكال في قولي، فأنا في بحثي كله لم أخرج عن قول الجمهور من القدماء والمعاصرين
أما قياس تقويم الأسنان على الفلج فلا يصح لوجود فارق جوهري، وهو أن تقويم الأسنان عملية يقصد بها الضغط على الأسنان من أجل ردها إلى مكانها الطبيعي (المفروض والمعهود خلقة). أما الفلج فهو نحت للسن (وفي ذلك إيذاء بالغ له) وهو في مكانه الطبيعي لمجرد أن تبدو المرأة أصغر سنا بضع سنين.
إذن الفرق يتمثل في أمرين:
1. الضرر في الفلج دون التقويم
2. الفلج مخالف للأمر المعهود في الأسنان بينما التقويم رد للأسنان إلى الوضع المعهود
وهذان الفرقان مؤثران في الإلحاق بالقياس
 

محمد بن عبدالله بن محمد

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
15 مايو 2008
المشاركات
1,245
الإقامة
المملكة العربية السعودية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو منذر
التخصص
اللغة العربية
الدولة
المملكة العربية السعودية
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

الوشم ليس شرطا أن يكون بنجس بل قد يكون بطاهر وهو الغالب الآن
النجاسة المقصودة: اختلاط دمه النجس بالمادة الموضوعة عليه، قال القاضي زكريا في الأسنى: (وكذا الوشم) وهو غرز الجلد بالإبرة حتى يخرج الدم, ثم يذر عليه الصدأ الآتي بيانه (وهو حرام مطلقا) لخبر الصحيحين ... ولأنه (يتنجس فيه الصدأ), وهو ما يحشى به المحل من نيلة, أو نحوها ليزرق به, أو يخضر ( بالغرز ) أي بسبب الدم الحاصل بغرز الجلد بالإبرة ...
أما الفلج فهو نحت للسن
الفَلَج بالتَّحريك : فُرْجَة ما بين الثَّنايا والرَّبَاعيات، ويمكن عمله بالتقويم دون نحت، وبذلك لن يكون فيه ضرر
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

النجاسة المقصودة: اختلاط دمه النجس بالمادة الموضوعة عليه، قال القاضي زكريا في الأسنى: (وكذا الوشم) وهو غرز الجلد بالإبرة حتى يخرج الدم, ثم يذر عليه الصدأ الآتي بيانه (وهو حرام مطلقا) لخبر الصحيحين ... ولأنه (يتنجس فيه الصدأ), وهو ما يحشى به المحل من نيلة, أو نحوها ليزرق به, أو يخضر ( بالغرز ) أي بسبب الدم الحاصل بغرز الجلد بالإبرة ...

لكن يشكل عليه أنهم لم يعدو ما لم يسل من الجرح من الدم نجسا ولا حراما، ثم هو في حالة الوشم الصغير يسير جدا يعفى عنه عند الكافة، مع أن الوشم محرم ولو نقطة واحدة

الفَلَج بالتَّحريك : فُرْجَة ما بين الثَّنايا والرَّبَاعيات، ويمكن عمله بالتقويم دون نحت، وبذلك لن يكون فيه ضرر

الفلج إذا كان للتدليس (تصغير السن) فهو حرام أيا كانت وسيلته تقويما كان ذلك أو وشرا. أما الوشر (نحت السن) لأجل الحسن فهو ضرر محض لا مسوغ له. والتفلج في عهد النص كان عن طريق الوشر خاصة بدلالة باقي روايات الحديث التي ذكر فيها الوشر. كما أن الأصل أن العمومات اللفظية تتقيد بالعادات العملية المقارنة للنص والله أعلم.
 
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

الأصل أن العمومات اللفظية تتقيد بالعادات العملية المقارنة للنص
هذا مهم ،، ولم أر من نص عليه بوضوح وتفصيل إلا الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله في مدخله ،،،
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

كعادتك دكتورنا الفاضل رد شامل لم يترك شيئاً ذكرناه.
أما الآية فأقول : لا شك في أن دلالتها اللفظية صالحة للتغيير الحسي ، غايته أنكم لا تسلمون أنها مع صلاحها له تشمله.
وقد اعتذرتم عن حملها على جميع ما تصلح له من جهة اللفظ بالسياق من جهة وبأنه تفسير الجمهور من جهة وبخروج كثير من صور التغيير من جهة أخرى.
أما السياق فعلى فرض أنه قاطع على إرادة المعنى الأول فلم يمنع من الاستدلال به من جهة عمومه لجميع ما يصلح له، والعبرة بعموم اللفظ .وقد كنت استدللت له بأن من حمل الآية على أن المراد بها الدين قد استدل بها على النهي عن بعض التغييرات الحسية كابن عباس وعكرمة ، وأضم إليهم قتادة ، فأجبتم حفظكم الله بالنسبة لرواية ابن عباس بالكلام في عكرمة ، وليتكم لم تفعلوا ، فالكلام في عكرمة مشهور ورد المطاعن فيه أشهر ، وقد ردها البخاري واحتج به في صحيحه ، وتتابع الناس في الدفاع عن عكرمة وقد ختم المحدث أحمد شاكر تعليقه الذي نقلتم عنه بقوله : " فقد استوفى الحافظ القول في عدالته وتوثيقه ، ورواية الأئمة عنه" فأحيلك على ترجمته من (هدي الساري) لابن حجر العسقلاني .
هذا وقد روي الأثر عن ابن عباس من غير طريق عكرمة ، وهو فيما رواه حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عنه.
وروي عن حماد عن قتادة عن ابن عباس.
وهكذا رواه ابن فضيل عن مطرف قال حدثني رجل عن ابن عباس.
أما ما ذكرتموه عن الجمهور فليس في كلامهم قط نفي شموله لغير الحسي سوى ما روي عن مجاهد.
أما ما ذكرتم من الصور الخارجة عن عموم التغيير وكثرتها ، فكذلك نقول ، وهذا لا يضر لأنا نزعم أن تلك الصور خارجة عن المقصود بالآية ، لأن التغيير في الآية ليس مطلقاً بل له ضابط كما سيأتي.

أما قولكم : " ... وهذا لا يسلم من جهتين : أحدهما أن المقصود بحسب السياق وبحسب تفسيرات السلف هو فطرة التوحيد لا الأحكام الفقهية "
فهذا نفس مورد النزاع بيننا حفظكم الله ، فلا يصح الاستدلال به حتى تقيموا عليه الدليل.

ثم إنكم حفظكم الله نقلتم عني ما يلي : " ومما يرشد إليه ما رواه البخاري عن إبراهيم عن علقمة قال : "لعن عبد الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فقالت أم يعقوب ما هذا ؟ قال عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسول الله وفي كتاب الله ؟ قالت والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته قال والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } "وهذا لفظ ظاهره الرفع وأدل منه ما رواه وهب بن جرير قال ثنا أبي قال سمعت الاعمش يحدث عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والمتفلجات والمتنمصات والمغيرات خلق الله" صححه الشيخ الألباني رحمه الله.ورواه البزار من طريق وهب بن جرير بإسناده عن عبد الله ، قال : « لعن الله الواشمات والمتفلجات والمتنمصات المغيرات خلق الله » فقالت له امرأة كلاما ذكره ، فقال عبد الله : قاله رسول الله"ورواه عمر بن حفص قال ثنا أبي قال ثنا الاعمش عن إبراهيم عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لعن الله المتنمصات والمتفلجات والموتشمات والمغيرات خلق الله فأتت امرأة فقالت أنت الذي تقول كذا وكذا فقال ومالي لا أقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" وصححه الشيخ الألباني لغيره.فهذه روايات بأسانيد صحيحة وحسنة صريحة في الرفع.فقولكم حفظكم الله : "والذي يظهر لي أنه من تعليل ابن مسعود رضي الله عنه اجتهاداً منه ؛ لأنه ليس في رواية الحديث ما يدل صراحة على رفع جميع ألفاظ الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بل المتيقن رفعه هو اللعن فقط"لو لم يكن إلا الرواية التي ذكرتموها لكانت ظاهرة في الدلالة على الرفع وغاية ما ذكرتموه أن الرفع ليس بيقين ، وأن وقف التعليل محتمل"


ثم جنحتم إلى الإجابة عن كلامي دون تمعن فيه ، فإنكم لو فعلتم لرأيتم في رواية البخاري التي كنت اخترتها عن عمد قول علقمة : "لعن عبد الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" ووجه اختياري لها هو أنكم اعترضتم على حديث عبدالله باللفظ الذي ذكرتموه بأنه غير صريح في رفع التعليل ، فذكرت لكم أنه ظاهر فيه والظهور كافٍ ، ألا ترى أننا لا نقول : "أن رواية علقمة التي ذكرتها نص في رفع اللعن إلى عبدالله أما التعليل فهو محتمل في الرفع ومحتمل للوقف على علقمة"
فإن قلت : هي كذلك غير صريحة في رفع التعليل إلى عبدالله بل تحتمله وتحتمل الوقف على علقمة ، لكنا عرفنا ترجيح الرفع إلى عبدالله بالروايات الأخرى.
قلنا : الجواب من وجهين : الأول : أن نقول : لما لا تقولون في رواية ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلتموه هنا ، أي أن اللفظ محتمل لكن عرفنا ترجيح الرفع بالروايات الأخرى وهي هنا رواية الأعمش وفيها "لعن رسول الله ... " وفي الأخرى "قاله رسول الله " وفي الأخرى "ومالي لا أقول ما قال رسول الله" فهذه جميها صريحة في الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن جنس هذه الروايات الروايات التي أفردت مغيرات خلق الله باللعن ، كرواية الأعمش آنفة الذكر بلفظ : "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والمتفلجات والمتنمصات والمغيرات خلق الله" وقد نقلنا تصحيح الألباني لها وصححها أيضاً شعيب الأرنأووط على شرط الشيخين في مسند أحمد وهي في (مشيخة ابن البخاري) من غير طريق الأعمش وكذا لها طريق أخرى عن ابن مسعود في (فوائد ابن أخي ميمي الدقاق) وهذا اللفظ يفيد أن المُغَيًّرة لخلق الله ملعونة ، وابن مسعود لم يلعن من عند نفسه وقد سلمتم أن اللعن مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والرواية التي فيها " قاله رسول الله" لا مزيد عليها في إفادة رفع جميع ما تقدم ومثلها رواية "ومالي لا أقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" حيث صرح بأن ما تقدم من كلامه هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وستأتي قريباً رواية حسنة صريحة في الرفع من طريق أخرى عن ابن مسعود.
الوجه الثاني: أنه لولا ظهور اللفظ في الرفع إلى عبدالله بن مسعود ما انتقل الراوي إلى لفظ يوهم الوقف ويمنع الحكم بالرفع ، إذ الفرض أن الراوي ثقة لا يروي الحديث على وجه يحيل معناه ، فإن كانت ظاهرة في الرفع إلى عبدالله فرواية عبدالله ظاهرة في الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم ذهبتم إلى الكلام عن سبب حكمكم على قول ابن مسعود "المغيرات خلق الله" موقوف عليه مهملين عامة ما تقدم ، واعتمدتم في ذلك على محض الاحتمال كما سيأتي عند كلامنا على الأسباب الأربعة التي اعتمدتموها.
على أني كنت قلت أن رواية ابن مسعود باللفظ الذي ذكرتموه ظاهرة في الرفع ـ ولم أقل نص فيه ولا أن الرفع فيها يقيني ـ وقلت أنه كافٍ لا يكفي في رده التجويز؛ وذلك لأن ما من دليل ظني إلا والتجويز في ممكن، فيفضي إلى سقوط الشريعة جملة إذ عامة أدلته ظنية ، واليقيني فيه قليل بالنسبة إليه.
وأزيد هذا بياناً فأقول :عمدتكم في الحكم على الزيادة بالرد هي أولاً : "رواية مسروق عن ابن مسعود لنفس الحديث ونفس الواقعة وقد صرح بها بالجزء المرفوع وليس فيه ذكر التغيير"
أقول : فكان ماذا؟ لم يرو مسروق الزيادة ورواها علقمة وليس هو بدون مسروق في ابن مسعود والكل ثقة ، فما الذي استفدناه .
لكنكم حفظكم الله بنيتم على الاحتمال كما قدمت لكم يعني كان الرد على طريقة : يجوز أن يكون مسروق اقتصر على المرفوع فتكون إشارة إلى أن الزيادة التي رواها علقمة موقوفة على ابن مسعود ، أو نحو هذا.
وهذا توهيم للثقات بغير موجب حيث جعلتم علقمة يروي الحديث بلفظ يوهم الرفع وهو موقوف في نفس الأمر .كيف وهذا الاحتمال المذكور هنا منقوض بما قدمنا من روايات صحيحة وحسنة صريحة في الرفع .

وأزيد هنا فأقول : قد أخرج الطيالسي وأحمد والنسائي والطبراني وغيرهم من طرق عن عبد الملك بن عمير عن العربان بن الهيثم النخعي عن قبيصة بن جابر الأسدي عن عبد الله بن مسعود قال : "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات والمتفلجات والمستوشمات اللاتي يغيرن خلق الله"
وحسن إسناده الألباني والأرناؤوط وصححاه لغيره.
فهذه متابعة من قبيصة بن جابر لعلقمة في ذكر الزيادة ومتابعة قوية للروايات المصرحة بالرفع في حديث علقمة أيضاً ، حيث صرح هنا أن الكل سماع من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي (فوائد ابن أخي ميمي الدقاق) حدثنا داود بن رشيد قال : حدثنا أبو حفص الأبار عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والموتشمات والمتفلجات والمتنمصات والمغيرات خلق الله ... " الحديث وفيه حادثة المرأة ، وهذا إسناد رجاله ثقات.
فهذه متابعة من شقيق بن سلمة أبي وائل لكل من علقمة وقبيصة بن جابر في ذكر الزيادة ومتابعة أيضاً للروايات الدالة على الرفع.
والنقض برواية غيره من الصحابة هي من هذا الباب مجرد احتمال أن تكون الزيادة موقوفة لأنه لم يروها غير ابن مسعود من الصحابة ، وهذا أبطل من سابقه ، فإن انفراد الصحابي بالزيادة لا يضر ، ألا ترى أن الصحابة المذكورين انفرد بعضهم بزيادات لم يذكرها غيره ، فمعاوية اقتصر على الوصل ، وفي رواية عن عائشة الاقتصار على الوصل ، وفي رواية عن ابن عمر الاقتصار على الوشم والوصل وهكذا ، وليست الرواية الناقصة قادحة في الزيادة بوجه.
هذا والأصوليون ـ وأنتم منهم فيما يظهر ـ على أن زيادة الثقة مقبولة ، فكيف إذا كان الثقة هو الصحابي.
لهذا و غيره مما تقدم ذكرت أن الرواية ظاهرة في الرفع لا يصح ردها بمجرد الاحتمال.


والآن أعود إلى الكلام في فقه الآية والأحاديث الواردة في الباب فأقول :
أما الآية فقد تقدم أن ظاهرها يشمل التغيير الحسي ، فحتى لو قلنا أن المقصود الأول بها الدين أو التوحيد أو الفطرة على ما سبق فهو لا يمنع الاستدلال بها على غير ذلك مما يصلح له اللفظ ، وبخاصة على قول من قال أن العام يشمل الصور النادرة وغير المقصودة كما اختاره السبكي وغيره.
إلا أني أوافقكم حفظكم الله أن الآية ليست عامة مطلقاً وأن لها علة يدور الحكم معه ، غايته أنه عسر الضبط باللفظ.
فإن التغيير له صور منها التغيير عن أصل الخلقة الأولى إلى مخالف لها ، ومنها التغيير بالرد إلى هيئة الخلقة الأولى. فمثال الأول مثلاً نتف الحاجبين والاعتياض بالرسم ، ومن الثاني قطع الثآليل النابتة.
ثم التغيير كيف كان منه ما هو على سبيل التداوي ، ومنه ما هو على سبيل التجمل وغيره مما لا يقصد به التداوي.
كما أن نفس المغير منه ما هو من جنس المرض ومنه ما هو على خلافه.
ولا شك في أن التغيير في الآية لا يشمل ما هو من جنس التداوي أو تغيير ما هو من جنس المرض ، إذ لا غرض لإبليس في أمر الناس بفعل ذلك أو تركه، فهو غير داخل فيه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تداووا عباد الله" فيدخل في هذا القسم إزالة حب الشباب وإعادة الشفة المشقوقة إلى أصلها وما كان على هذا النحو ، ولا يخفى أن بتر اليد من أكلة أصابتها أو إعادتها إذا بترت ـ وقد صار هذا اليوم ممكناً ـ أوضح من المثالين السابقين وأولى بالجواز.
أما ما ليس من باب التداوي فمنه ما يوافق الفطرة ، كتقليم الأظافر ونتف الإبطين وحلق العانة ، وفي جميعها علة لا تخفى على الفقيه يمكنه أن يقيس عليه غيرها ، وأظهر علله في الثلاثة المذكورة النظافة.
وهذه الصور في العادة ليست بصور خارجة عن التغيير في الآية ، بل هي من الفطرة كما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون تركها تغييراً للفطرة ويكون هو الداخل في الآية لا العكس.
ومنه ما علته التجمل فقط كنحو الخضاب والحناء ، فهذه صور واضحة ومنه ما يشكل قليلاً كتغطية الأنف المقطوع بأنف من ذهب كما في حديث عرفجة.
فهذه الصور ليست من تغيير الخلقة فيما يظهر لي ، لأن الخلقة متروكة على أصلها الأول فلم تغير لا فعلاً ولا شكلاً إلا بمقدار ما يتراءى من اللون ، أما تغطية الأنف فهو في الظاهر لا يزيد على لبس الثوب والعمامة ، فهذا من اليسر بمكان بحيث لا يعد تغييراً والله أعلم.
أما الصور المنهي عنها فهي كل تغيير في أصل الخلقة ليس فيه لا جلب نفع ولا دفع ضرر إلا بمقدار التجمل ، ولم يأذن به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث التي تمرط شعرها، بل قد نص النبي صلى الله عليه وسلم على لعن المغيرة من أجل التجمل كما في حديث ابن مسعود "والمتفلجات للحسن" فلم يعتد بالتجمل علة مبيحة.
والحرج النفسي في تلك العروس الصغيرة التي أرادت أن تتأيم لزوجها مع إذنه وعلمه بالعيب أصلاً في غاية الظهور ، لا أدري لم لم تتعرضوا له حفظكم الله بالجواب المزيل لما فيه من إشكال.
ثم هناك التغيير المشكل الذي قد يختلف الفقهاء فيه كنحو إصبع زائدة ، فإنه ربما يقال أن مجرد وجودها مخالف لأصل الخلقة المعتادة فلو قطعها لم يكن ممن غير خلقة الله بل لعله أعادها إلى أصلها فيدخل من باب أولى امرأة لها لحية وشارب وهكذا من كان على ذراعيها أو ساقيها شعر كثير غير معهود للنساء بل هو من جنس ما ينمو للرجل من شعر على أطرافه ، فيجوز إزالته رداً للخلقة إلى أصلها.
وقد يعتبر الفقيه خلقة الله هي الصورة الجزئية لكل فرد على حدة ، فمن ولد بإصبع زائدة لا يجوز لها إزالتها لأنه تغيير لأصل الخلقة التي ولد عليها ـ إلا أن تؤلمه أو تسبب له ضرراً طبعاً ـ وهكذا من نمت لها لحية أو شارب أو كثر الشعر في بدنها.
وأنا إلى الأول أميل.
إني لا أجد عبارة تكون ضابطة لعامة ما تقدم ، لكن لعلكم حفظكم الله أقدر مني عليه ، لذا أنا التزم النظر في الصور الجزئية كما هي وإلحاقها بأقرب الصور التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بها قياساً عليها.
وفي ثنايا ما ذكرت الجواب على ما أوردتموه علينا حفظكم الله ونفع بكم.
والله أعلمأسأل الله أن يأجركم على أمثال هذه المواضيع المفيدة.
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

ثم هو في حالة الوشم الصغير يسير جدا يعفى عنه عند الكافة
بارك الله فيكم ، هذا مما لا يعفى عنه عند الشافعية لأن العفو كان من أجل الضرورة لا من أجل القلة فقط ، ولا ضرورة إليه في الوشم ، لإمكان التحرز عنه بعدم فعله ، فهو عندهم نجس غير معفو عنه والواشم عاص
 

محمد بن عبدالله بن محمد

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
15 مايو 2008
المشاركات
1,245
الإقامة
المملكة العربية السعودية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو منذر
التخصص
اللغة العربية
الدولة
المملكة العربية السعودية
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

لكن يشكل عليه أنهم لم يعدو ما لم يسل من الجرح من الدم نجسا ولا حراما
الدم نجسٌ، قليلٌ أم كثير، جَرَى على العضو أم لم يجر، لكنه قد يكون معفوا عنه في بعض صوره، وليست هذه منها، وفَرْقٌ بين قولنا بنجاسته مع العفو عنه، وعدم نجاسته مطلقا، وقد سبقني إلى بعض هذا أخي وضاح فأوضح بارك الله فيه

الفلج إذا كان للتدليس (تصغير السن)
الفلج ليس تصغيرا للسن، بل هو تفريق ما بين بعض الأسنان
والتفلج في عهد النص كان عن طريق الوشر خاصة بدلالة باقي روايات الحديث التي ذكر فيها الوشر. كما أن الأصل أن العمومات اللفظية تتقيد بالعادات العملية المقارنة للنص والله أعلم.
الذي فهمتُه من كلامك: أن الواشرة والمتفلجة شيء واحد، فإن كان هذا هو المراد فأقول: إن علماء اللغة التي تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقوا ففسروا الفلج بأنها تفريق الأسنان، وفسروا الوشر بأنه تحديد الأسنان، قال ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري: (قوله باب المتفلجات للحسن) والمتفلجات جمع متفلجة وهي التي تطلب الفَلَج أو تصنعه، والفلج -بالفاء واللام والجيم-: انفراج ما بين الثنيتين، والتفلج أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه، وهو مختص عادة بالثنايا والرباعيات، ويستحسن من المرأة، فربما صنعته المرأة التي تكون أسنانها متلاصقة؛ لتصير متفلجة، وقد تفعله الكبيرة توهم أنها صغيرة؛ لأن الصغيرة غالبا تكون مفلجة جديدة السن، ويذهب ذلك في الكبر. وتحديد الأسنان يسمى الوشر بالراء، وقد ثبت النهي عنه أيضا في بعض طرق حديث بن مسعود، ومن حديث غيره في السنن وغيرها، وستأتي الإشارة إليه في آخر باب الموصولة، فورد النهي عن ذلك لما فيه من تغيير الخلقة الأصلية. اهـ.

فظهر أن النهي للمفرقات أسنانَهن، ولمن نحتت أسنانَها، فمَن أرادت تقويم أسنانها تريد التفريق بين أسنانها تدخل تحت قوله: (والمتفلجات)، ولو لم يكن ثَم نحت، فالوشر ليس بقيد، بل النهي عن الاثنين إما معا، وإما كلٌّ على حدته.
ثم إن هناك قيدا في الحديث، نبه إليه النووي فقال: (وأما قوله (المتفلجات للحسن) فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس).
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

بارك الله فيك
الفلج ليس تصغيرا للسن، بل هو تفريق ما بين بعض الأسنان
الدكتور فيما يظهر لم يرد بتصغير السن ، السن من الأسنان النوابت بل أراد بالسن العمر أي [الفلج إذا كان للتدليس نحو إظهار أنها صغيرة السن (العمر)]
والله أعلم
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

بارك الله فيك

الدكتور فيما يظهر لم يرد بتصغير السن ، السن من الأسنان النوابت بل أراد بالسن العمر أي [الفلج إذا كان للتدليس نحو إظهار أنها صغيرة السن (العمر)]
والله أعلم
أصبت قصدي جزاك الله خيرا، وبسبب العجلة لم أنتبه إلى الاشتراك في اللفظ، وإن كان السياق كاشفا لما قصدته
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

أحسنتم أخي الكريم محمد بارك الله فيكم:
قولكم حفظكم الله:
الدم نجسٌ، قليلٌ أم كثير، جَرَى على العضو أم لم يجر، لكنه قد يكون معفوا عنه في بعض صوره، وليست هذه منها، وفَرْقٌ بين قولنا بنجاسته مع العفو عنه، وعدم نجاسته مطلقا، وقد سبقني إلى بعض هذا أخي وضاح فأوضح بارك الله فيه
ليس ثمة دليل على أن الدم نجس مطلقا، وآية تحريم الدم التي هي الأصل في الحكم بنجاسته محمولة على المسفوح منه في قول جماهير العلماء والمفسرين إلا في وجه عند الشافعية.
الدم ما دام في الجسم الحي فهو جزءٌ حي منه كأي جزء آخر يؤدِّي وظيفته، فإذا سُفح انتهت وظيفته وأصبح كالجزء المقطوع من الحي، ولذلك ورد الشَّرع بتحريم المسفوح منه فحسب.
وليس هو في هذا كالبول والغائط لأنهما فضلات ووجودهما داخل البدن وجود مؤقت بقصد التجميع ليتم بعد ذلك الإخراج.
ولو تأملت أدلة نجاسة الدم وتحريمه لوجدتها تختص بالمسفوح دون غيره. هذا إذا سلمنا بطريقة الشافعية في تقرير النجاسات بأن تحريم تناول الشيء لا لضرره دليل على نجاسته (أو نحو هذا الكلام)
أما قولكم بارك الله فيكم: بأن صورة الوشم ليست من الصور المعفو عنها من الدماء فهو غريب؛ لأنه يقتضي عدم صحة صلاة الواشم، ولا أظن أن أحدا قاله.

قولكم بارك الله فيكم:
الفلج ليس تصغيرا للسن، بل هو تفريق ما بين بعض الأسنان
لم نقصد بالسن هنا القواطع والأضراس وإنما العمر كما سبقني بالتنبيه إليه أخي وضاح جزاه الله خيرا

قولكم بارك الله فيكم:
الذي فهمتُه من كلامك: أن الواشرة والمتفلجة شيء واحد، فإن كان هذا هو المراد فأقول: إن علماء اللغة التي تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقوا ففسروا الفلج بأنها تفريق الأسنان، وفسروا الوشر بأنه تحديد الأسنان
أنا لم أقل بأن الفلج هو نفسه الوشر لغة، وإنما أن الفلج الذي كانت تنشده النساء في عهد النص إنما كان عن طريق برد الأسنان وتحديدها، فالوشر وسيلة للفلج، وما ورد في روايات ابن مسعود من ذكر الفلج محمول على ما كان بطريق الوشر دون سواه، لثلاثة قرائن:
أحدها: روايات الصحابة الآخرين لأحاديث تحريم هذه الأفعال حيث ذكروا الوشر ولم يذكروا الفلج، ولم يجمع أحد بين الوشر والفلج قط.
ثانيها: رواية مسروق لنفس الحديث عن ابن مسعود حيث استبدل الفلج بالوشر، فدل على أن لفظ الحديث عن النبي واحد وأن تغاير ألفاظ الرواة بين الفلج والوشر تصرف بالمعنى لا أنهما أمران مختلفان.
ثالثها: أن العادة العملية المقارنة هي أنه لم تكن وسيلة للفلج إلا الوشر، والأصل كما قلت أن تتقيد العمومات بالعادات العملية والقولية المقارنة لها، وهذا وحده كاف في تخصيص تحريم الفلج بما كان طريقه الوشر، فكيف مع ما انضاف إليه من القرائن المتقدمة، ومع ما ذكرناه من الفروق المناسبة بين التغيير عن طريق الضغط (تقويم الأسنان) والتغيير عن طريق الوشر (نحت الأسنان). والله أعلم
 
إنضم
16 مارس 2011
المشاركات
15
الكنية
ابوعبدالله
التخصص
شريعة
المدينة
الخرطوم
المذهب الفقهي
مالكي
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

في الحقيقة البحث قد طال وتشعب علينا وانا أشكر كل من شارك في البحث بدء بالدكتور أيمن واخص بالشكر كذلك وضاح الذي لاادري لماذا توجه للغة الفرنسية وهو يمتلك هذا النفس الاصولي والحديثي ؟ والتحية لشيخ أيمن ونريد ختاما طيبا للموضوع الذي طال علينا بورك في الجميع
 
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

ستأتي الخاتمة بعد انتهاء النقاش بالكلية ،،، وعلى طريقة المجمع الفقهي: من كان عنده مشروع قرار فليتحفنا به :)
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

ستأتي الخاتمة بعد انتهاء النقاش بالكلية ،،، وعلى طريقة المجمع الفقهي: من كان عنده مشروع قرار فليتحفنا به :)
لدي اقتراح :
ليتكم تحددون وقتا لتوقف النقاش بعده (يومان مثلاً)
حتى تتمكنوا بعد ذلك من صياغة القرار وإغلاق الموضوع
وأتمنى على الدكتور أيمن أن يصيغ لنا ضابطاً جديداً بناء على ما اتفق عليه من خلال هذه المناقشة
وبذلك يكون لنا نتاجا من القرارات (للنوازل الفقهية) على غرار المجمعات الفقهية
ما رأيكم؟؟
 
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

لدي اقتراح :
ليتكم تحددون وقتا لتوقف النقاش بعده (يومان مثلاً)
حتى تتمكنوا بعد ذلك من صياغة القرار وإغلاق الموضوع
وأتمنى على الدكتور أيمن أن يصيغ لنا ضابطاً جديداً بناء على ما اتفق عليه من خلال هذه المناقشة
وبذلك يكون لنا نتاجا من القرارات (للنوازل الفقهية) على غرار المجمعات الفقهية
ما رأيكم؟؟
لا داعي -في نظري- لتحديد فترة إغلاق الموضوع ،، حين نظن أن المشاركات بدأت تدور في نفس الدائرة علمنا أن النقاش قد استوى وبلغ أقصاه ،،،
وقد قمت باستخلاص جميع مشاركات الإخوة حتى الساعة في معاقد مختصرة ونقاط مركزة ،،،
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

جزاكم الله خيرا يا دكتور
ليس ثمة دليل على أن الدم نجس مطلقا، وآية تحريم الدم التي هي الأصل في الحكم بنجاسته محمولة على المسفوح منه في قول جماهير العلماء والمفسرين إلا في وجه عند الشافعية
في الحقيقة أنا أميل إلى عدم النجاسة لكن التعقيب كان على دعواكم العفو عند الكافة على مقدار ما في الوشم الصغير من الدم ، ولا اتفاق.
وجزاك الله خيرا على هذا الموضوع الطيب.
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: حوار الشهر: تغيير خلق الله وجراحة التجميل: رؤية جديدة

في الحقيقة أنا لم أطلع على الموضوع إلا مؤخراً لذا شاركت فيه متأخراً
وأنا أؤيد عدم تحديد وقت للمشاركة لكن لا بأس إذا رأى عضو من الإدارة أن يغلق موضوع ما لوصوله إلى أقصى ما يرجى منه أن يغلقه

ويبدو أن مشاركاتي مملة بالنسبة للبعض ، فأرجو المعذرة.
 
أعلى