العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
#للوصول إلى الفهرس اضغط#
هنا
# ولتحميل الكتاب كاملا اضغط #
هنا
تم الفراغ من شرح الكتاب كاملا بتاريخ 30-1-2012


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد...
فقد بدأت أكتب شرحا ميسرا في علم المنطق على متن إيساغوجي للشيخ أثير الدين الأبهري رحمه الله.
وسأضع ما أكتبه على شكل فقرات صغيرة بحسب ما يتيسر لي كتابته ثم يكون المجال مفتوحا للمناقشة والمباحثة بعد كل فقرة.
فإذا فرغت من الدرس الأول جمعته في ملف وأضفت عليه المخططات وهكذا أفعل إلى النهاية.
راجيا من الإخوة أن يساعدوني على تذليل هذا العلم بمناقشاتهم وإضافاتهم.
والله أسأل أن يعيننا على الإتمام على خير إنه هو السميع العليم.

( الفقرة الأولى )

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة

المنطق: مسائل يبحث فيها عن أحوال التعريف والدليل.
وفائدته: صون الذهن عن الخطأ في أثناء صياغة التعريف أو الدليل.

بمعنى أن التعريف والدليل لا غنى عنهما للإنسان إذْ هما الطريق للكشف عن أي مجهول ذلك أنه تارة يجهل الإنسان معنى شيء من الأشياء فيطلب العلم به وذلك بتعريفه كأن يجهل ما هو الغاز أو الماس أو الفيزياء أو الفقه أو المتواتر أو المنطق فيقال له هو كذا وكذا فهذا الجواب يسمى تعريفا لأنه يعَرِّفك بالشيء الذي تجهله. وتارة لا يجهل معنى شيء من الأشياء ولكن يريد أن يعرف أهو صحيح أو لا كأن يجهل هل أن الابتعاد عن الدين سبب لنهوض الأمة أو هل أن الفاعل مرفوع أو هل أن الله واحد أو هل أن لمس المرأة ينقض الوضوء فيطلب ما يثبت له صحة تلك القضايا وهذا هو الدليل وسمي دليلا لأنه يدلك ويرشدك إلى المطلوب. فعلم أنه تارة يواجه الإنسان مفردا يجهل معناه وتارة تواجهه قضية لا يعرف صحتها. فالمجهول الأول يرتفع بالتعريف والثاني يرتفع بالدليل. ثم إن التعريف والدليل كثيرا ما يتطرق إليهما الخطأ فلا يحصل معهما الإنسان على العلم فاحتيج إلى علم يبحث عن كيفية صياغة التعريف والدليل بشكل صحيح وتبيين الشروط اللازمة لذلك كي يتجنب الوقوع في الزلل فلذا وضعوا علم المنطق.

مثال: حينما تدرس المنطق فستعلم أن من مسائله هي: ( أن التعريف الصحيح للشيء لا بد أن يكون مانعا من دخول غير المعرّف في التعريف ). فإذا قيل لك ما الصلاة ؟ فقلت هي: عبادة ذات وضوء، فقد صار التعريف قاصرا وغير مانع لأن الطواف بالبيت الحرام عبادة ذات وضوء أيضا مع أنها ليست من الصلاة فحصل الخلل وهو دخول غير المعرف في التعريف أي دخول الطواف في تعريف الصلاة مما يسبب للمخاطب الخطأ وهو أنه سيفهم أن الطواف صلاة مع أنها ليست كذلك لأن القصد من التعريف هو جعله علامة على المعرّف يعرف به ما يدخل في التعريف وما لا يدخل.


مثال آخر: حينما تدرس المنطق فستعلم أن من مسائله هي: ( أنه يشترط في الدليل أن لا ينتقض ) أي لا توجد صورة ومثال يوجد فيها الدليل ولا يوجد معها المدلول.
فإذا قال النصراني: إن عيسى إله والدليل عليه هو أنه خُلق من غير أب فدل على أنه ليس مثل البشر. قلنا فيلزم على دليلك هذا أن يكون آدم إلها أيضا لأنه خلق من غير أب بل ومن غير أم ولا قائل بإلوهيته فدل على أن خلق الإنسان من غير أب لا يدل على إلوهيته. فهنا أبطلنا الدليل ببيان تخلفه وهو المسمى بالنقض.

وهنا نصل إلى نقطة مهمة وهي ما حاجتنا لدراسة المنطق؟
والجواب: إن الحاجة تكمن في وضع ضوابط علمية للتعريف والدليل تمنع الزلل فيهما.

فإن قيل: فإذا كانت حاجته بهذه الأهمية فلم استغن عنه السلف؟
والجواب: لاستقامة عقولهم وصحة فطرهم وهذا بخلاف من جاء بعدهم فقد زاغت كثير من العقول عن النهج السليم في التفكير، وذلك نظير النحو فقد استغنى الصحابة عن تدوينه لاستقامة ألسنتهم فلمّا تطرق الخلل للنطق وضِع علم النحو.

فإن قيل: فلم ذمه كثير من السلف؟ قلنا: لاختلاطه في بدايته بمسائل فلسفية مبنية على عقائد اليونان التي تخالف عقيدة المسلمين.

فإن قيل: ولكنه أيضا بعد أن صفاه المسلمون واجه نقدا قويا من قبل بعض العلماء وألفوا كتبا في الرد على المنطق؟
قلنا: لم نجد عالما طعن في المنطق إلا وهو يعترف بأن بعض مباحثه ومسائله هي حق وإنما انتقد بعض أبحاثه ورأى أنها مجانبة للصواب فحينئذ نقول لهم: لا بأس ارفعوا المبحث الفلاني من المنطق وضعوا بدله المبحث الذي ترونه صوابا فكان ماذا!!.

والخلاصة هي أننا مع نقد المنطق اليوناني ولكننا لسنا مع هدمه من أساسه بل مع منطق إسلامي لا يستطيع أن ينقده حتى الكارهين له لاستقامة أبحاثه وتوافقها التام مع النقل والعقل.

فإن قيل: لا يوجد منطق إسلامي ومنطق يوناني المنطق هو المنطق وهو ضلال.
قلنا: قد عرفت في المقدمة أن أبحاث هذا العلم تدور حول تصحيح الفكر في التعريف والدليل فهل يخالف واع حاجتنا إلى مثل هذه الأبحاث وهل يستغني عنها أحد وهل تجد علما من العلوم يستغني عن التعاريف والأدلة كل ما في الأمر أن بعض الأبحاث غير مستقيمة عندك فارفعها وضع بدلا عنها مبحثا مستقيما. فإذا تم هذا فحينئذ سيكون المنطق خادم العلوم كلها على وجه الحقيقة فتأمل يرحمك الله.

( مباحثات )

1- في ضوء ما قرأت أين تكمن أهمية المنطق؟
2- في ضوء ما مر عليك هل ترى أن الصواب في ترك دراسة هذا العلم؟وهل ترى أن المناقشة المذكورة مقنعة؟
3- اذكر بعض التعاريف البديلة للمنطق وناقشها إذا أمكن؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.


استقراء ناقص حيث الصحيح أنه لا أكثر له ولا أقل
والله أعلم

شيخنا الفاضل
واجهتُ صعوبة في فهم التمارين .. لا أعلم لمَ
؟!
لا بأس لأن أجوبتك سليمة.
حاولي أن تطبقي الاستقراء على الواقع.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.


أخي الكريم صفاء الدين العراقي سلمت يداك على هذه الدروس القيّمة والمفيدة ولكن اسمح لي ان أسجل هنا بعض الملاحظات
منها: إن قياس المساواة ليس دليلاً مستقلاً مقابل القياس المعروف المركب من صغرى و كبرى وحد أوسط بل هو قياس عادي غاية الأمر هو قياس مركب يعتمد كما أشرتم إلى ذلك على مقدمّة مضمرة
فمثلاً قولنا (أبو بكر أفضل من عمر- وعمر أفضل من عثمان والنتيجة أبو بكر أفضل من عثمان) هذا قياس مركب من قياسين
القياس الأوّل:
أبو بكر أفضل من عمر( وهذه الصغرى مذكورة)
وكل من هو أفضل من عمر أفضل من كل ما يكون عمر أفضل منه(وهذه الكبرى مضمرة)
النتيجة
أبو بكر أفضل من كل ما يكون عمر أفضل منه
وهذه النتيجة تكون صغرى لكبرى مستفادة من المقدمة الثانية
فيتشكل لدينا قياس آخر وكما يلي:
أبو بكر أفضل من كل ما يكون عمر أفضل منه(الصغرى حاصلة من القياس الاوّل)
وكل من هو أفضل من كل ما يكون عمر أفضل منه أفضل من عثمان(وهذه الكبرى مستفادة من قولنا عمر أفضل من عثمان)
والنتيجة هي:
أبو بكر أفضل من عثمان
وعلى ضوء ذلك لا يصحّ تعريف قياس المساواة بأنّه: قول مؤلف من قضايا متحدة في المحمول يكون متعلِّقُ محمولِ الأولى موضوعا للثانية.
والسبب في عدم صحته
هو أنّ هذا لتعريف سوف يدخل مثل قولنا:
الإثنان نصف الاربعة والأربعة نصف الثمانية
والحال فإنّ هذا التركيب غير منتج
و
هناك ملاحظات آخرى سنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى
حياك الله أخي، وحيا الله أهلنا في الموصل.
إشكالك قوي ويدل على معرفة بالمنطق.
والجواب عنه بحسب ما يظهر لي هو:
أولا: صرح العلامة المحقق اسماعيل كلنبوي في البرهان بما نصه: ( فالدليل أربعة أقسام: قسم مستلزم للنتيجة بالذات وهو القياس وسيجيء تفصيله، وقسم مستلزم بواسطة صدق المقدمة الأجنبية هي مقدمة خارجة عن الدليل غير لازمة لإحدى القضايا المأخوذة فيه في كل مادة كما في قياس المساواة ... إلى آخر كلامه ) وهذا نص صريح في عدّ قياس المساواة دليلا خارجا عن القياس المتعارف عليه ولهذا قال ابن القرداغي في حاشيته عليه ما نصه: ( قال أربعة أقسام ) قضيته بطلان قولهم بحصر الدليل في القياس والاستقراء والتمثيل... ) ص 291 مطبعة السعادة.
ثانيا: المناطقة في تعريفهم للقياس يقولون هو قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر، ثم يقولون احترزوا بقولهم لذاته عن دليل المساواة لأنه يستلزم النتيجة بواسطة مقدمة أجنبية، فهذا يعني أنهم يخرجون قياس المساواة عن القياس وإلا لما احترزوا عنه بكلمة لذاته كما هو ظاهر.
ثالثا: إمكان رد قياس المساواة- مع ما فيه من تكلف ظاهر- لا يعني أن قياس المساواة ليس دليلا مستقلا وإلا لما قالوا إن الأدلة ثلاثة قياس وتمثيل واستقراء ولزم الاكتفاء بالقياس لأن التمثيل والاستقراء يتأتى رده إلى القياس.
رابع: سلمنا جدلا أن قياس المساواة ليس دليلا مستقلا، فعزله في باب والتنبيه عليه مهم ولي في ذلك مقصد.
مع التقدير.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

أخي العزيز صفاء الدين العراقي تقبل خالص تحياتي واحترامي لشخصكم الكريم
والمأمول منكم ان تتقبلوا بصدر رحب بعض ما يختلج في ذهني القاصر من ملاحظات
وهي في الحقيقة قد تكون شبهات قابلة للنقاش ولا أدّعي أنّها الحقّ الذي لا ريب فيه
فمن الملاحظات بأنّكم قلتم : (( وأما الدليل الثالث فهو التمثيل )
ثم قلتم في موضع آخر نقلاً عن الإمام ابن تيمية بأنّ التمثيل: ((قد يفيد اليقين، وأن العبرة في المادة والمثال التي توضع في التمثيل فإذا كان يقينيا فالتمثيل يفيد اليقين، وإذا كان يفيد الظن فالتمثيل يفيد الظن))
ولا إشكال في صحّة عبارة الإمام ابن تيمية ولكن الإشكال فيما ذكرتموه من جعل التمثيل أحد الأدلة
فإن الدليل من الدلالة وهي عند المناطقة : ((كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر)) ولذا يطلقون على الدليل بالحجّة
والتمثيل في أي مورد أفاد اليقين رجع إلى القياس كما أنّكم تقبلون ذلك وإن أفاد الظن خرج عن كونه دليلاً وحجّة عند المناطقة لأنه لا يلزم منه في هذه الحالة العلم كما مقتضى تعريف الدليل والحجّة.
نعم قد يكون دليلاً وحجّة في الشرع وهذا بحث آخر وبحثتنا فعلاً في علم المنطق هو في الأدلة العقليّة، وطرق الإستدلال العقلي
حياك الله أخي.
أنا سعيد بإشكالاتك من كل قلبي فأكثر منها بقدر ما تستطيع.
أما إشكالك فينبغي أن يتجه على المناطقة لأنهم هم من عدوا التمثيل دليلا ولست أنا، ولا شك عندي أنه أحد الأدلة وإمكان رد التمثيل إلى القياس لا يلغي قيمة التمثيل لأنه القياس أيضا يتأتى رده إلى التمثيل فهل نلغي القياس!.
والأشكال الأربعة للقياس ترد جميعا إلى الشكل الأول بالاتفاق فهل نقول لا حاجة إلى باقي الأشكال ولنكتفي بالأول فقط.
وقد ذكرتُ أن المناطقة يهتمون بتصوير الشيء بأكثر من صورة وعرضه بأكثر من لباس فالمادة والمثال الواحد يمكن جعلة قياسا اقترانيا أو استثنائيا أو تمثيلا.
وأما عن استشكالك بعد التمثيل دليلا لأن الدليل يلزم من العلم به العلم بشيء آخر والتمثيل ظني فلا لزوم من العلم به العلم بشيء آخر فهو مدفوع بما ذكره العلامة عبد الجليل آل جميل في كتابه تنوير الأذهان لفهم علم الميزان بما نصه: ( الدليل: ما يلزم من العلم به العلم بالمدلول، وهو ثلاثة أقسام: الأول القياس، والثاني الاستقراء، والثالث التمثيل لأن المراد بالعلم هنا ما هو أعم من الإدراك تصوريا كان أو تصديقيا، وما هو أعم من الظن واليقين، وما هو أعم من العلم بالكنه والعلم بالوجه ) اهـ ص 29- 30.
دمت في حفظ الله.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

( الفقرة السابعة والأربعون )

( مواد الأدلة )

قد علمتَ أن الدليل هو المقصود الأهم في بحث التصديقات، وقد قسمناه إلى أربعة أقسام: القياس المتعارف عليه، وقياس المساواة، والتمثيل، والاستقراء.
وهذا هو التقسيم الأول للدليل وهو تقسيم بحسب الصورة.
وهناك تقسيم آخر وهو تقسيم بحسب المادة.

ونعني بصورة الدليل: طريقة صياغة الدليل وكيفية تأليفه، كأن يكون ذا حد أوسط ويكون من الشكل الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع.
ونعني بمادة الدليل هي: مقدماته التي يبتني منها، أي نفس القضايا هل هي صادقة أو لا.
فنحن نحتاج تارة للبحث في الدليل من جهة الصورة وقد تقدم البحث في ذلك، وتارة من جهة المادة.
كما أن الثوب له شكل وصورة يخاط عليه، وله مادة وهو القماش المعين الذي يخاط منه الثوب.

مثال: زيد ناهق- وكل ناهق صاهل- فزيد صاهل.
فهذا القياس لو نظرنا إليه من جهة صورته لوجدناه من الشكل الأول لأن الأوسط وهو ناهق محمول في الصغرى وموضوع في الكبرى، وصغراه موجبة، وكبراه كلية فقد توفرت فيه شروط الإنتاج.
وأما من جهة مادته فهو قد تألف من مقدمات كاذبة فالخلل هنا ليس من جهة صورة الدليل، ولكن من جهة مادته، ولكي يستقيم الدليل لا بد أن يستقيم من جهة الصورة، ومن جهة المادة.

ونحن في البحث الأول لم نكن نهتم بالمادة لأن غرضنا متعلق بالهيئة ولذا قالوا في تعريف القياس: قول مركب من مقدمات متى سلمت لزم عنها قول آخر، أي لو فرض صدقها فسينتج القياس نتيجة صادقة.
أما كون القضية صادقة في نفسها أو غير صادقة فهذا مرتبط بمادة القياس.

ومواد الأدلة ومقدماتها قد تكون يقينية، وقد تكون غير ذلك.
واليقينيات قد تكون نظرية، وقد تكون ضرورية.
فالنظري- كما سبق- هو: ما يحتاج لدليل.
مثال: سيدنا محمد رسول الله- وكل رسل الله يجب الإيمان بهم- فسيدنا محمد يجب الإيمان به.

فهذا القياس من الشكل الأول وله مقدمتان ( مادتان ):
الأولى: سيدنا محمد رسول الله وهذه قضية نظرية يقينية لأنه قد قام الدليل القاطع والبرهان الساطع على صدقها كما هو مقرر في كتب العقائد.
الثانية: كل رسل الله يجب الإيمان بهم، وهذه قضية نظرية يقينية أيضا لأنه قد أقيم عليها الدليل.
فبما أن القضيتين يقينيتين وقد صيغتا من الشكل الأول بديهي الإنتاج فالنتيجة يقينية لا ريب فيها ولا شك.

وأما الضروري فهو: ما لا يحتاج لدليل.
وللضروري أقسام هي:
أولا: الأوليات وهي: التي يحكم فيها العقل بمجرد تصور طرفيها والنسبة.
مثال: النقيضان لا يجتمعان، فمن تصور معنى النقيضين وفهم معنى الاجتماع جزم بأنهما لا يجتمعان ولا يحتاج لأي شيء آخر سوى تصور أطراف القضية.

مثال: الكل أكبر من جزئه، فمن عرف ما هو المقصود بالكل وعرف المقصود بالجزء فسيجزم أن الكل أكبر من جزئه.

ثانيا: المحسوسات وهي: التي يحكم فيها العقل بمعونة الحس.
مثال: الشمس مشرقة، فهنا لا يكفي أن تتصور معنى الشمس ومعنى مشرقة والنسبة بينهما كي تجزم بصدق القضية لأنك لا بد أن تشاهد إشراق الشمس بعينك كي تصدق بذلك.

مثال: أنا جائع، فأنت هنا تصدق بهذه القضية لأنها تحكي عن أمر تحسه بوجدانك وتعيشه واقعا.
فلا فرق في المحسوسات بين توقف الجزم بصحة القضية على الحس الظاهر أو الحس الباطن.

ثالثا: المتواترات وهي: التي يحكم فيها العقل بمعونة السماع من جمع كثير يستحيل في نظر العقل أن يتفقوا على الكذب.
مثال أبو بكر الصديق هو الخليفة الأول، فهذه لا يصدق العقل بها بمجرد تصور معناها بل يحتاج مع ذلك إلى الحس وهو السماع ولا يكفي أن يسمع من واحد أو اثنين أو ثلاثة كي يصل إلى اليقين بل لا بد أن يصله الخبر من جمع كثير يستحيل معه الاتفاق على الكذب.

مثال: أبراج أمريكا نسفت في أحداث 11 أيلول.
فهذه الوقعة من شاهدها فهي عنده من الحسيات، ومَن سمع بها مِن جمع كثير فهي متواترة عنده.

رابعا: المجربات وهي: التي يحكم فيها العقل بمعونة التكرار.
مثال: البنج مخدر، فهذه القضية حكم بصدقها العقل اعتمادا على التجربة والتكرار فلا يكفي أن يشاهد حصول الخدر به مرة أو مرتين بل لا بد من التكرار إلى أن يقطع بذلك.
مثال: السم قاتل، فهذه يحكم بها العقل بسبب التجربة والتكرار.

( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم ما الفرق بين صورة القياس ومادته؟
2- ما الفرق بين الضروريات الأربع التي مرت عليك؟
3- مثل بمثال من عندك لكل قسم من أقسام الضروريات؟
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

في الدرس طول قد قسمته وبذلت جهدي في تسهيله فإذا كان ثمة خفاء فالرجاء تحديد الموضع لأعيد صياغته.
 
إنضم
19 يوليو 2009
المشاركات
8
التخصص
قانون
المدينة
الموصل
المذهب الفقهي
حنفي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

عزيزي صفاء الدين لقد أثلجت صدري بهذه الأجوبة السديدة التي تنمّ عن دراية وخبرة بخبايا وأسرار علم المنطق ولست أبغي مجاملتك في ذلك بل هي حقيقة ساطعة يدركها كل منصف
ولكن مع ذلك يبقى في النفس شيء بل أشياء أخشى لو ذكرتها أن يتسبب ذلك في تشويش الذهن لا سيّما المبتدئ في هذا العلم ولذا فالإعراض عنها أولى وربّما أشير إليها في ملاحظات آتية ولو بنحو التلميح إن شاء الله تعالى
 
إنضم
21 نوفمبر 2010
المشاركات
298
التخصص
الفقه المالكي وأصوله
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
المالكي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

1- في ضوء ما تقدم ما الفرق بين صورة القياس ومادته؟
ـ صورة القياس هو ما تعلق بالشكل, وما يُشترَط توفره لأن يكون القياس منتجا, أو طريقة صياغة الدليل وكيفية تأليفه.
ـ مادة القياس هو ما تعلق بالمضمون من صدق المقدمتين أو كذبهما, أي مقدماته التي يبتني منها.
2- ما الفرق بين الضروريات الأربع التي مرت عليك؟
الفرق أن من الضروريات ما يعتمد على الحكم فيه على القضية ببداهة العقل, أو مجرد الحس ظاهرا كان أو باطنا, أو ما روي من جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب, أو ما اعتمد على التجربة والتكرار.
3- مثل بمثال من عندك لكل قسم من أقسام الضروريات؟
ـ الخُطى تدل على المسير, بداهة العقل.
ـ النار حارقة, بالحس.
ـ الخوارج فئة ضالة خرجت على خليفة المسلمن علي رضي الله عنه, بالتواتر.
ـ الذهب معدن قابل للتمدد بالحرارة, بالتجربة والتكرار.
 
إنضم
21 نوفمبر 2010
المشاركات
298
التخصص
الفقه المالكي وأصوله
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
المالكي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

شيخنا فاضل حياكم الله
دروسكم سلسة ومُستوعَب بإذن الله, حفظكم الله ورعاكم ونفع بكم.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

شيخنا صفاء الدين بارك الله فيكم وفي جهدكم
لقد تابعت دروسا وفوت أخرى لضيق الوقت
ولكن عزائي أنها سهلة الوصول وسوف أجتهد في استدراك ما فاتني
ولكن أستأذنكم في عمل فهرسة للدروس والعناوين ثم ربط كل عنوان بمكانه
بعد ذلك نضع رابط الفهرس في بداية الدروس كما فعلنا سابقا في دروس شرح الورقات
وبذلك يتمكن المتصفح من الوصول إلى الفقرة التي يريد الاطلاع عليها بسهولة ويسر
 

أم عبد الله السرطاوي

:: نائبة فريق طالبات العلم ::
إنضم
13 يونيو 2010
المشاركات
2,308
التخصص
شريعة/ هندسة
المدينة
***
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم ما الفرق بين صورة القياس ومادته؟
صورة القياس تعتني بالهيئة فأي شكل هو من الأشكال الأربعة الخاصة بمقدمتيه الصغرى والكبرى، وهل هو منتج أم لا وغير ذلك من التفاصيل بخصوص الهيئة
أما مادة القياس فهو الذي يعتني بصحة أو كذب النتيجة التي تترتب على صدق أو كذب القضيتين أو مقدمات القياس
فالاول يعتني بالهيئة والثاني يعتني بصدق المقدمات من عدمه

2- ما الفرق بين الضروريات الأربع التي مرت عليك؟
الأوليات يكون التصور فيها بالنظر لطرفيها والنسبة فلا تحتاج لمعونة إلا لتصور العقل لها
أما المحسوسات فتحتاج لمعونة الحسن حتى يمكن تصورها
والمتواترات تحتاج للخبر المتواتر أو المشهور الذي يصل لحد لا يمكن تكذيبه حتى يمكن تصور هذا الضروري
والأخير المجربات وهي تحتاج للتجربة والتكرار حتى يمكن تصورها

3- مثل بمثال من عندك لكل قسم من أقسام الضروريات؟
من الأولويات:
الجميل ما يروقك النظر إليه، والقبيح خلاف هذا
من المحسوسات:
الدخان من النار، ويطفيء النار الماء
من المتواترات:
أمريكا وإيران احتلتا العراق وما زالتا ولم تكن أمريكا حامية له ألبتة
من المجربات:
زيت الزيتون مفيد جدا لأوجاع القولون

والله أعلم
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

عزيزي صفاء الدين لقد أثلجت صدري بهذه الأجوبة السديدة التي تنمّ عن دراية وخبرة بخبايا وأسرار علم المنطق ولست أبغي مجاملتك في ذلك بل هي حقيقة ساطعة يدركها كل منصف
ولكن مع ذلك يبقى في النفس شيء بل أشياء أخشى لو ذكرتها أن يتسبب ذلك في تشويش الذهن لا سيّما المبتدئ في هذا العلم ولذا فالإعراض عنها أولى وربّما أشير إليها في ملاحظات آتية ولو بنحو التلميح إن شاء الله تعالى
جزاك الله خيرا.
وفي الحقيقة إن عدم الاقتناع التام أمر طبيعي لأننا نتناقش في أمور عقلية لا تقليد فيها ولا تسليم لغير الدليل والبرهان.
نحن بانتظار إشكالاتك الجديدة.
دمت في حفظ الله.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

شيخنا صفاء الدين بارك الله فيكم وفي جهدكم
لقد تابعت دروسا وفوت أخرى لضيق الوقت
ولكن عزائي أنها سهلة الوصول وسوف أجتهد في استدراك ما فاتني
ولكن أستأذنكم في عمل فهرسة للدروس والعناوين ثم ربط كل عنوان بمكانه
بعد ذلك نضع رابط الفهرس في بداية الدروس كما فعلنا سابقا في دروس شرح الورقات
وبذلك يتمكن المتصفح من الوصول إلى الفقرة التي يريد الاطلاع عليها بسهولة ويسر
بارك الله فيك.
لك الإذن في ذلك فإن شئت أن تفعلي الآن وإن شئت أن تنتظري إلى أن ننتهي من الدرس كاملا وأرجو أن يكون ذلك قريبا بإذن الله.
مع التقدير.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

( الفقرة الثامنة والأربعون )

( الضروريات )

قد علمتَ أن الدليل له صورة ومادة، وأن مادة الدليل قد تكون يقينية وقد تكون غير يقينية، وأن المادة اليقينية قد تكون أولية يحكم بها العقل بمجرد تصور أطراف القضية، وقد تكون حسية يحكم بها العقل بواسطة حس ظاهر أو باطن، وقد تكون متواترة يحكم بها العقل بواسطة السماع من كثرة يستحيل معها الاتفاق على الكذب، وقد تكون تجريبية يحكم بها العقل بواسطة مشاهدة متكررة لنفس النتيجة.
وقد بقي قسمان من أقسام الضروريات وهما:
أولا: الحَدْسِيَّات.
ثانيا: الفِطْرِيَّات.

فالحَدْسِيَّات هي: التي يحكم فيها العقل بمعونة التكرار لشيء يحصل من غير فعل من الإنسان.
فهي كالمجربات تحتاج لمشاهدات متكررة لتدل على أن هذا الشيء متسبب من شيء آخر إلا أنها خارجة عن فعل الإنسان ومقدوره.

مثال: زيد له بستان مطل على نهر وله فيه بئر، وصار يشاهد أنه كلما نزل مستوى الماء في النهر في وقت ما كلما ارتفع مستوى الماء في البئر، فانتقل ذهنه مباشرة إلى أن ( ارتفاع ماء البئر سببه انخفاض ماء النهر ).
فهنا حكم العقل بمعونة التكرار لظاهرة ارتفاع ماء البئر عند انخفاض ماء النهر أن ذلك الارتفاع حصل بسبب الانخفاض، وارتفاع وانخفاض الماء ليسا من فعل الإنسان ولا يحتاج ليتدخل ويجرب ماذا سيحصل كما في المجربات.
فالحدسيات هي عبارة عن مشاهدات لظاهرة وقعت فيربط الذهن بينها وبين أمر آخر.
مثال: أن يرى الناظر القمر والشمس ويرى أنه تارة يصير هلالا وتارة يصير قرصا كاملا فتارة يصغر وتارة يكبر من بداية الشهر إلى نهايته، ويلاحظ أن ذلك يحصل بسبب قرب القمر من الشمس فكلما اقترب منها توسع وكبر القمر وكلما ابتعد عنها كلما صغر حتى يصير كالخيط فينتقل ذهنه بسبب هذه المشاهدات إلى أن نور القمر مستفاد من الشمس وليس من ذاته.
فهنا تكررت المشاهدات لظاهرة خارجة عن فعل الإنسان وهي اختلاف ضوء القمر عند قربه وبعده من الشمس فانتقل ذهن زيد بلا حاجة إلى وقت يفكر فيه إلى أن نور القمر سببه هو الشمس.

مثال: أن يرى الناظر الأشياء العالية كالسفن يرى من بعيد أعاليها فقط وكلما اقتربت أخذت تظهر أكثر وتكررت هذه المشاهد عنده فانقدح في نفسه مباشرة أن الأرض كروية الشكل وصار هذا الشعور يقيني تسكن معه النفس وتطمئن به.

مثال: أن يرى الناظر أن ثمار الأشجار وغيرها تهبط دائما وترجع إلى الأرض مما يدل على وجود الجاذبية وأنها هي سبب السقوط إلى الأسفل.

مثال: أن يرى الناظر في صباح بعض أيام الشتاء أن زجاج النوافذ قد صار مبتلا بلا مطر يسقط وتكررت هذه المشاهد عنده فجزم بأن سببها هي الرياح الباردة الرطبة.
وعليه فقس.

وهكذا نجد أن الحدسيات هي تفسير لبعض الظواهر وأنه قد استخدم العلماء الحدس لتفسير بعض الأمور الكونية كالأمور الفلكية والحوادث الطبيعية كالزلازل.
فالحدسيات هي ربط بين ظاهرة وشيء آخر على أن تكون تلك الظاهرة قد نتجت من ذلك الشيء الآخر لوجود علامة مشعرة بذلك الربط، وتحصل الحدسيات من غير تفكير واستدلال وإلا لكانت نظرية وإنما هو أمر يهجم على النفس بسبب تلك المشاهدات المتكررة.

سادسا: الفِطْرِيَّات وهي: التي يحكم فيها العقل بمعونة دليل حاضر في الذهن.
بمعنى أنه بعد تصور طرفي القضية والنسبة سيجزم الذهن ويوقن بالقضية لوجود دليل حاضر لا يحتاج الإنسان كي يستحضره ويفكر فيه بل هو موجود دائما ولهذا لم تعد هذه من النظريات لأن الدليل لا يطلب ويبحث عنه بالفكر والتأمل بل هو دائم الحضور فمتى تصور معنى الجملة جزم بها.

مثال: الأربعة زوج، فإن من تصور الأربعة وتصور الزوجية جزم بأنها زوج ولكن لوجود دليل مقارن لهذه القضية وهو: الأربعة تنقسم إلى متساويين وكل ما ينقسم إلى متساويين فهو زوج فالأربعة زوج.
فهذا قياس من الشكل الأول، ولكن الإنسان حينما تمر عليه قضية الأربعة زوج لا يأخذ وقتا ليفكر ويستحضر ذلك القياس ليجزم حينئذ أن الأربعة زوج بل هذا الدليل حاضر في نفسه لا يحتاج ليطلبه ولرسوخه في ذهنه يجزم بالقضية من غير أن يشعر به.

مثال: الاثنان نصف الأربعة، فهذه قضية بديهية واضحة من تصورها جزم بها مباشرة.
ولكن عند التأمل يظهر أنها من الفطريات أي جزم العقل بها لا لذات القضية ولكن لدليل حاضرا دائما.
وهذا الدليل هنا هو: الاثنان عدد انقسمت الأربعة إليه وإلى قسم آخر يساويه- وكل ما ينقسم عدد إليه وإلى قسم آخر يساويه فهو نصف ذلك العدد- فالاثنان نصف ذلك العدد وهو الأربعة.
بمعنى لأن الاثنين هي أحد قسمي الأربعة المتساويين فهي نصف الأربعة.
فقولنا لأن الاثنين كذا هذا وسط ودليل ولكنه حاضر دائما ولا يطلبه الإنسان بالتفكير والتأمل لكي يجزم بأن الاثنين نصف الأربعة.
وكذلك لو قلنا الأربعة نصف الثمانية فلأن الأربعة هي أحد قسمي الثمانية المتساويين فهي نصف الثمانية.

مثال: الثلاثة فرد، فهذه القضية فطرية يجزم بها العقل مباشرة بعد تصورها ولكن عند التأمل يتضح أنه جزم بها بسبب وسط حاضر في الذهن وهو أن الثلاثة لا تنقسم إلى متساويين وكل ما لا ينقسم إلى متساويين فهو فرد، فالثلاثة فرد.

مثال: الثلاثة ثلث التسعة فلأن الثلاثة هي أحد 3 أقسام متساوية للتسعة كانت الثلاثة ثلث التسعة.
وهكذا في كل نسب الأعداد التي تكون قريبة إلى الذهن فإن احتاجت إلى فكر وتأمل فستكون نظرية وإن كانت يقينية أيضا كالسبعة عشر ربع الثمانية وستين فهذه نظرية.

مثال: انتفاء الملزوم لا يلزم منه انتفاء اللازم، فهذه القضية من الفطريات فإن من تصور ما هو المقصود بمصطلح الملزوم واللازم جزم بهذا الحكم لأن الملزوم قد يكون أخص من اللازم ولا يلزم من انتفاء الأخص انتفاء الأعم.
وعليه فقس.

( ضابط الضروريات الست )

ولو أردنا أن نذكر ضابطا يجمع الضروريات الست نقول:

إما أن يصدق العقل بالقضية بلا معونة الحس أو مع معونة الحس.
والتي يصدق العقل بها بلا معونة الحس إما أن لا يتوقف ذلك التصديق على دليل حاضر في النفس أو يتوقف على دليل حاضر.
فالتي لا يتوقف التصديق بها على دليل حاضر في النفس هي الأوليات، والتي يتوقف عليه هي الفطريات.
والتي يصدق العقل بها بمعونة الحس إما أن لا يتوقف التصديق بها على شيء آخر غير الحس، أو يتوقف على شيء آخر غير الحس.
فالتي لا يتوقف التصديق بها على شيء آخر غير الحس هي المحسوسات.
والتي يتوقف التصديق بها على شيء آخر إما أن يكون ذلك الشيء هو السماع من كثرة أو تكرار المشاهدة.
فالتي يتوقف التصديق بها على السماع من كثرة هي المتواترات.
والتي يتوقف التصديق بها على تكرار المشاهدة إما أن تحصل بفعل من الإنسان أو تحصل بغير فعل منه.
فالتي تحصل بفعل من الإنسان هي المجربات، والتي تحصل بغير فعل منه هي الحدسيات.

( الفرق بين الضروريات الست )

ولكي تضبط تلك الضروريات نسلط الضوء أكثر على الفروق التي بينها وهي:
أولا: أن الأوليات هي البديهيات الوحيدة التي لا تحتاج لشيء خارج عن تصور أطراف القضية.
فبمجرد أن تتصور الموضوع والمحمول والنسبة تجزم بالنسبة وتصدق بالقضية بشكل يقيني جازم، ولا تحتاج إلى واسطة من دليل حاضر أو حس أو سماع أو تكرار.

ثانيا: الفرق بين المحسوسات والمجربات مع أن كلا منهما يحتاج للحس هو أن الحس يفيد اليقين بقضية شخصية، بينما التجربة تعطي المدلول الكلي أي تجعل القضية كلية.
مثال: إذا قرّبت يدك من النار فستشعر وتحس أنها حارة بحاسة اللمس ، فتقول هذه النار حارة فهذه من المحسوسات، وإذا جربت ومددت يدك مع هذه النار وتلك وتكرر الأمر معك فحينئذ تقول كل نار حارة.
مثال: إذا شربتَ ماء من إناء فأحسست بالري فستقول هذا الماء يروي، فهذه قضية شخصية من المحسوسات وأنت تحس بها بوجدانك أي بحسك الباطن، وإذا تكرر معك الأمر وكلما عطشت شربت ماء فارتويت فستقول كل ماء يروي فهذه قضية كلية من المجربات.
فالحس لوحده= المحسوسات، والحس+ التكرار= المجربات.

ثالثا: الفرق بين المحسوسات والمتواترات مع أن كلا منهما يستند إلى حس، هو أن المتواترات تستند إلى سماع خاص من كثرة يحال معها الكذب، بينما هذه الصفة لا تتوفر في المسموعات العامة.
مثال: إذا سمعت صوت انفجار مدوي فستقول: هذا الصوت قوي فهذه محسوسات، وإذا سمعت صاحبك يتحدث إليك فستقول أنا أسمع صوتك فهذه محسوسات.
مثال: إذا أخبرك أشخاص كثر بالحرب العرقية الإيرانية بعد مرور أكثر من عشرين سنة عليها فستصدق وتجزم بها فهي من المتواترات.
ثم هنالك فرق بين سماع الكلام، والجزم بمضمون الكلام.
مثال: إذا حدثك شخص ثقة بأمر ولم يحدثك غيره به، فسماعك لكلامه من المحسوسات، والتصديق بمضمون الخبر الذي أخبرك به من النظريات لأنه خبر واحد.
مثال: إذا أخبرك أشخاص كثر بخبر، فسماعك لأصواتهم من المحسوسات، والتصديق بمضمون الخبر الذي أخبروك به من الضروريات لأنك تجد نفسك مضطرة لأن تصدق بشكل تام بما قالوا.
فالسماع+ الكثرة= التواتر.

رابعا: الفرق بين البديهيات والفطريات مع أن كلا منهما يصدق العقل بهما عند تصورهما هو أن نفس التصور كاف للجزم في الأوليات بلا حاجة للدليل، بينما في الفطريات هناك دليل خفي مع القضية.
ولهذا تسمى الفطريات بقضايا قياساتها معها فلا تطلب ولا يبحث عنها بالفكر بل الدليل ملازم لتلك القضايا يحصل في النفس بلا شعور.

خامسا: الفرق بين المجربات والحدسيات مع أن كلا منهما يحتاج للنظر هو أن المجربات تحصل بفعل الإنسان أي بتجاربه المتكررة بينما في الحدسيات هي أمور خارجة عن فعل الإنسان لا يحتاج أكثر من مشاهدتها دون تدخل منه في حصولها.
مثال: إعطاء الطبي الدواء الواحد لأكثر من مريض ليختبر النتيجة أو يكرر الكيميائي في معمله الأفعال على عينات مختلفة أو في ظروف مختلفة ليتحقق من النتيجة هذا من المجربات.
مثال:الظواهر الكونية والأمور الطبيعية التي تحصل ويشاهدها الإنسان هذه من الحدسيات.

( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم ما هي الحدسيات والفطريات؟
2- كيف تفرق بين الضروريات الست؟
3- مثِّل بثلاثة أمثلة من عندك للحدسيات وثلاثة أخرى للفطريات؟
 
إنضم
21 نوفمبر 2010
المشاركات
298
التخصص
الفقه المالكي وأصوله
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
المالكي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

1- في ضوء ما تقدم ما هي الحدسيات والفطريات؟
الحدسيات: هو حُكم الإنسان بعقله على تكرر ظاهرة وقعت خارجة عن فعله فيربط بينها وبين شيء آخر.
الفطريات: هو حُكم العقل على أمر بدليل حاضر في الذهن.
2- كيف تفرق بين الضروريات الست؟
هناك من الضروريات ما يكون اعتماده على:
ـ ما كان اعتماده على العقل بمجرد تصور طرفي القضية والنسبة, إما بدليل حاضر في النفس أو غير حاضر, فالأول فطري والثاني بديهي.
ـ ما كان اعتماده على مطلق الحس أو الحس مع السماع من كثرة, فالأول حسي والثاني تواتري.
ـ ما كان اعتماده على العقل والحس بالتكرار والمشاهدة, إما بفعل الإنسان وإما بغير فعله, فالأول تجريبي والثاني حدسي.
ـ يبقى أن المحسوس يقني على قضية شخصية, والتجربي يعطي مدلول على قضية كلية.
3- مثِّل بثلاثة أمثلة من عندك للحدسيات وثلاثة أخرى للفطريات؟
أمثلة الحدسيات:
ـ كلما نزل المطر إخضرّت الأرض, فما مرّ المرء على أرض مخضرة إلا جزم أن السماء أمطرت.
ـ ما شاهد الإنسان دمارا عارما في البنيات والممتلكات والأرواح إلا وانقدح في نفسه أن كارثة طبيعية ضربت في المكان.
ـ ما شاهد إنسان شخصا آخر يتصبب عرقا مع حمى مرتفعة إلا تبيّن أنه مريض.
أمثلة على الفطريات:
ـ واحد زائد واحد يساوي اثنان, لا يطلب له دليل لكثرة تلازمه في الذهن.
ـ النجوم أجسام مضيئة, لوجود دليل مقارن هو كونها ملتهبة.
ـ تنفس المولود عند ولادته, لا يطلب له دليل لحاجته لذلك.
الله أعلم, لست متأكدا من بعض الأمثلة, هناك أمور لم تتضح عندي بالشكل التام.
سؤال: بنسبة لما يسمى بالحاسة الساسة كأن يستشعر الإنسان بحدوث أمر معين, أين يصنف؟
 
إنضم
19 يوليو 2009
المشاركات
8
التخصص
قانون
المدينة
الموصل
المذهب الفقهي
حنفي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

أخي الفاضل صفاء الدين العراقي بوركت على ما تسطره أناملك الكريمة من بحوث منطقية شيقة تستأنس بها النفوس وتتقوى بها العقول فلله درّك وجزاك الله على ذلك الثواب الجزيل
واسمح لي أن أذكر بعض الملاحظات التي خطرت في ذهني القاصر غاية القصور:
قلتم : > بعدما يستقري الشخص بعض الأشياء ويعلم أن سبب اتحاد حكمها هو وجود علة ما ويعلم أن الأشياء التي لم يستقريها تتوفر فيها نفس العلة، فيقول: فتلك الأشياء التي لم تستقري مثل الأشياء التي استقريت لاتحادهما في العلة مما يجعل حكمهما واحدا فيعمم حينئذ. وهذا مما يؤكد أهمية التمثيل وخطأ التقليل من شأنه))
هل يفهم من هذا أن الاستقراء يرجع إلى التمثيل ؟
لو كان المقصود هو ذلك فيلاحظ عليه:
إنّ التمثيل كما عرفتموه : ((إثبات حكم في شيء لوجوده في شيء آخر يشترك معه في علة الحكم)) وهو يعني حركة فكريّة من الجزئيّ إلى الجزئيّ
والاستقراء هو: ((تتبع الجزئيات للوصول إلى حكم كلي)) وهو يعني أن الاستقراء حركة فكريّة من الجزئي إلى الكليّ
فأي علاقة بين التمثيل والاستقراء ؟
فبعد استقراء وتتبع عدد من الجزئيات العقل يستنتج حكم كليّ وليس جزئي
وحكم سائر الجزئيات يحصل بحركة فكريّة معاكسة وهي من الكلي إلى الجزئي أي عن طريق القياس
فلا أرى أي دور للتمثيل في الدليل الاستقرائي
وهذا يؤكد ما أشرنا إليه سابقاً من أنّ التمثيل لا موضع له في الاستدلال العقلي
أي لا يمكن للعقل أن يتحرك من الجزئي إلى الجزئي من دون واسطة
وبعبارة أخرىأن التفكير والاستدلال عبارة عن حركة ذهنيّة والمعروف انّه على ثلاثة أقسام:
1- حركة الذهن من الكلي إلى الجزئي وهذا عبارة عن القياس
2- حركة الذهن من الجزئي إلى الكلي وهو الاستقراء
3- حركة الذهن من الجزئي إلى الجزئي هو عبارة عن التمثيل كما يقال
ولكن حركة الذهن من الجزئي إلى الجزئي محال إذا لم تكن هناك حركة تسبق ذلك
بل لابد من حصول حركيتين عقليتين حتى يحصل ذلك:
الأولى: حركة الذهن من الجزئي إلى الكلي وهو الاستقراء
الثانية: حركة الذهن من الكلي الذي حصل بالاستقراء إلى الجزئي وهذا يحصل بالقياس
فأين هو التمثيل؟
والحاصل:
إنّ
الذهن يتحرك من الجزئي إلى الجزئي لكن عن طريق الاستقراء والقياس.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

أخي أمير الرجاء إعادة القراءة ثم تحديد مواضع الإشكال بدقة كي أعيد صياغته لن أرفع شيئا جديدا حتى ننتهي من مشاكل الدرس السابق.
مع التقدير.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

أخي الكريم علي.
تم قراءة الإشكال وسآخذ وقتي في تأمله ثم أكتب ما في خاطري ونتناقش فيه.
نسأل الله أن يفتح علينا.
 
إنضم
21 نوفمبر 2010
المشاركات
298
التخصص
الفقه المالكي وأصوله
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
المالكي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

حياك الله شيخنا الفاضلـ الإشكال المطروح عندي خاصة في الفطريات, لم أتمكن من نسج أمثلة أطمئن لها, وكذلك تداخلت لدي مع الأمور الجبلية والتي تدعى فطرية على حسب علمي, فكيف السبيل. ـ إضافة إلى السؤال السابق عن الحاسة الساسة, ومنهم من يسميه بالحدس, فهل من بيان يشفي الغليل. عذرا على عدم تمكني في حسن إبراز المكنون.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

حياك الله أخي.
لا بأس أخي قد وصلت إلي الفكرة.
وبعد التأمل سيكون حل إشكالك في مرحلتين:
الأولى: في الكلام على الحاسة السادسة.
ثانيا: في إعادة صياغة الدرس وتقسيمه والاقتصار على الحدسيات.
لأن عندك إشكالا في فهم الحدسيات كما هو واضح من أمثلتك فأعد القراءة ثم أعد التمثيل للحدسيات بعدما تقرأ ما كتبته حول الحدسيات وتتأمله.
هذه الدروس لا تكفي أخي أن تقرأ إذا أردت ضبطها لا بد من التأمل الصادق.
أما الفطريات فنتكلم عليها في درس آخر لأنني أنوي إعادة الصياغة ومزيد من التسهيل للمبحث أرجو الله أن يعيني على ذلك فإن هذه المباحث مشكلة في المنطق.
 

صفاء الدين العراقي

::مشرف ملتقى المذهب الشافعي::
إنضم
8 يونيو 2009
المشاركات
1,665
الجنس
ذكر
التخصص
.....
الدولة
العراق
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دروس في شرح المنطق سهلة وواضحة.

فيما يخص الحاسة السادسة أقول فيها ما يلي:
1- لا يوجد بحث علمي دقيق حولها ولا تزال هذه الظاهرة محل اهتمام العلماء.
2- قد عرفوا الحاسة السادسة بقولهم: إحساس فطري لا إرادي بعيد عن المنطق يمكن صاحبه من معرفة المجهول والتنبؤ بالمستقبل.
مثال: أن يتمكن شخص من قراءة أفكارك ويعرف ما في داخلك.
مثال: أن يخبر شخص بأمر سيحصل ثم يكون كما أخبر به.
مثال: أن يشعر الشخص بحدوث أمر في مكان ما بعيد عنه كإصابة ابنه أو حادث لزوجته.
هذا ما قالوه.
فإذا أردنا أن نقارن بينه وبين الحدسيات نجد بينهما فرقا واضحا وهو:
أن الحدسيات تستند إلى دليل مادي يدل على الظاهرة المعينة، أما الحاسة السادسة فهو إحساس بأمر غير منطقي لا يمكن تفسيره ولا الاستدلال عليه ولا إثباته بأي نوع من البراهين العقلية إطلاقا، بخلاف الحدسيات التي يتأتى إثباتها وإقامة البراهين عليها.
وقالوا كثيرا ما تحصل الحالة السادسة لضعاف العقل والأطفال، أما الحدسيات فهي ملكة تدل على شدة الذكاء وحدة الذهن.
فالحاسة السادسة أشبه ما يحصل لبعض الصالحين ولغيرهم من الكشف والإطلاع على المخفي ومثله ما حدث لسيدنا عمر في الحديث الصحيح حينما نادى يا سارية الجبل وهو على المنبر.
والله أعلم.

 
أعلى