العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
قال الشيخ العلامة اللكنوي في " الفوائد البهية" ص 116 :
" إن الحنفي لو ترك في مسالة مذهب إمامه لقوة دليل خلافه لا يخرج به عن ربقة التقليد، بل هو عين التقليد في صورة ترك التقليد ، ألا ترى الى أن عصام بن يوسف ترك مذهب أبي حنيفة في عدم الرفع ، ومع ذلك هو معدود في الحنفية " .


قلت : هذه قاعدة عظيمة في مذهب السادة الحنفية ، وقد وقعت اسقاطاتها في غير مسألة من المسائل ، ومن الأمثلة على ذلك :
1- المثال الذي ضربه الشيخ ، فقد وجد عصام بن يوسف بن ميمون البلخي المتوفي سنة 215 هـ ، أن حديث رفع اليدين عند الركوع والرفع منه في الصلاة صحيح ، فكان يرفع يديه ، ولم يخرجه ذلك عن المذهب .

2- ترك الفتوى بقول الامام ابي حنيفة في مسالة ازالة الحدث عند عدم وجود غير نبيذ التمر ، فالمشهور عن الامام أن المبتلى بذلك يتوضا به ولا يتيمم ، بينما المفتى به في المذهب ، أنه يتيمم ولا يجوز له الوضوء بالنبيذ ، لعدم ثبوت الحديث الوارد في ذلك .


3- ترك الفتوى بكون القهقهة في الصلاة من نواقض الوضوء ، لعدم ثبوت الحديث .
 
إنضم
14 يناير 2010
المشاركات
545
الجنس
أنثى
التخصص
دراسات
الدولة
بريطانيا
المدينة
لندن
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

انا اعتقد اخى ياسين ان قوة الترجيح تكمن فى قوه الدليل نفسه
بارك الله بك
و كيف تعرف أن ذلك الدليل قوي؟؟؟
يحتاج إلى آلات لتبرهن على ذلك،لأن الكل سيدعي أن الدليل قوي
و الله الموفق
 
إنضم
29 مارس 2010
المشاركات
133
الجنس
ذكر
التخصص
الشريعة
الدولة
بريطانيا
المدينة
لندن
المذهب الفقهي
حنفي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

قال اللكنوي:
إن الحنفي لو ترك في مسالة مذهب إمامه لقوة دليل خلافه لا يخرج به عن ربقة التقليد

الأدق عندي والله أعلم:
إن الحنفي لو ترك في مسالة مذهب إمامه لقوة دليل خلافه لا يخرج به عن كونه حنفيا

فإن بين "كون الإنسان مقلدا" وبين "كون الإنسان حنفيا" فرقا واضحا لا يخفى. فكون الرجل حنفيا لا يستلزم أنه مقلد، وكون الرجل مقلدا يستلزم أنه ليس بحنفي (علما بأن العامي لا مذهب له عند الجمهور، إلا أن اللكنوى يرى أن للعامي مذهبا حسب قراءتي).
 

بشرى عمر الغوراني

:: فريق طالبات العلم ::
إنضم
29 مارس 2010
المشاركات
2,121
الإقامة
لبنان
الجنس
أنثى
الكنية
أم أنس
التخصص
الفقه المقارن
الدولة
لبنان
المدينة
طرابلس
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

الحمد لله
هذه المسألة من المسائل التي وقع فيها خلاف كبير.
لكن السؤال : متى يحق لأحد المنتسبين للعلم ترك مذهبه و ترجيح ما هو دليل في نظره؟؟
فهل يسوغ لكل من انتسب للعلم أن يرجح كيف شاء أم أن هناك ضوابط و قواعد؟؟
و الله الموفق

بارك الله بك
و كيف تعرف أن ذلك الدليل قوي؟؟؟
يحتاج إلى آلات لتبرهن على ذلك،لأن الكل سيدعي أن الدليل قوي
و الله الموفق

قد تساءلتُ نفس السؤال هنا:

http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php?t=7047
 
إنضم
6 ديسمبر 2009
المشاركات
36
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
لا أتبع مذهبا محددا
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

جزاكم الله خير
 
إنضم
29 مارس 2010
المشاركات
133
الجنس
ذكر
التخصص
الشريعة
الدولة
بريطانيا
المدينة
لندن
المذهب الفقهي
حنفي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

قال اللكنوي:
إن الحنفي لو ترك في مسالة مذهب إمامه لقوة دليل خلافه لا يخرج به عن ربقة التقليد

الأدق عندي والله أعلم:
إن الحنفي لو ترك في مسالة مذهب إمامه لقوة دليل خلافه لا يخرج به عن كونه حنفيا
للفرق بينهما، انظر:
http://www.mmf-4.com/vb/showpost.php?p=5009&postcount=1
 
إنضم
29 مارس 2010
المشاركات
133
الجنس
ذكر
التخصص
الشريعة
الدولة
بريطانيا
المدينة
لندن
المذهب الفقهي
حنفي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

قال اللكنوي:
إن الحنفي لو ترك في مسالة مذهب إمامه لقوة دليل خلافه لا يخرج به عن ربقة التقليد

الأدق عندي والله أعلم:
إن الحنفي لو ترك في مسالة مذهب إمامه لقوة دليل خلافه لا يخرج به عن كونه حنفيا
دل على هذا الأخير كلام الشيخ بيري زاده المتوفى سنة 1099 هـ:
http://makhtota.ksu.edu.sa/Images/Makhtotah 451/DSC00002.JPG
http://makhtota.ksu.edu.sa/Images/Makhtotah 451/DSC00006.JPG
انظروا بارك الله فيكم السطر السابع قبل الأخير في الصفحة اليمنى
 

طالبة فقه

موقوف
إنضم
7 ديسمبر 2010
المشاركات
260
التخصص
.فقه
المدينة
فــي نــجــد
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

جزيتم خيرا
 

ام عمر

:: متابع ::
إنضم
19 فبراير 2011
المشاركات
20
التخصص
شريعة
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

وفقكم الله
 
إنضم
14 يناير 2010
المشاركات
545
الجنس
أنثى
التخصص
دراسات
الدولة
بريطانيا
المدينة
لندن
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

نعم بارك الله فيك
هو كذلك والله أعلم
وإن كانت رتبة حسن الاتباع للإمام خيرا من الاكتفاء بمجرد التقليد
ومن مقتضيات حسن الاتباع، ترك المذهب اتباعا للدليل الذي يراه المتبع أقوى من دليل المذهب، من غير اتهام لعلماء المذهب بترك الدليل الأقوى، أو التعصب للمذهب، فما تراه قويا قد أراه ضعيفا، وهكذا.
الحمد لله
كيف يعلم طالب العلم أنه قد وصل إلى مرتبة يستطيع عندها الخروج عن المذهب اجتهادا،لأن النظر في الدليل و الدلالة من الاجتهاد، سواء قلنا مطلق أو غير مطلق؟
لأن الكثير ممن يتحدثون عن الخروج عن المذهب لم يصلوا إلى عشر معشار من خرج عن مذهبه, أما إذا خرجت عن مذهبك لأنك قرأت مثلا أدلة إمام آخر،و كيف عرفت أن استدلال ذلك الإمام أقوى من استدلال إمامك؟ و كيف رجحت و ما هي الأصول التي بنيت عليها ترجيحك؟
هذه أسئلة تحتاج إلى أجوبة مقنعة
و الله الموفق
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
238
التخصص
مهندس حاسب
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

هذا الأمر لا يختص بالحنفية كما هو معلوم
ففي مذهب الحنابلة مثلا قال ابن حامد في تهذيب الأجوبة:
( ... فأما الجواب عن الذي قالوه من أمر اجتهاده وأنه قد يخالف ما عنده فذلك لا يضرنا؛ إذ اجتهادنا وإن خالف اجتهاده فليس يخرجنا ذلك عن متابعته في طريقه؛ إذ الاستدلال بالكتاب والسنة إذا كنا له طالبين كما أمرنا به، وأننا قد بصرنا على ما كشفه لنا؛ بمثابة سيرنا على ما كشفه الله، وليس وإن افترقنا من حيث قوة الإصابة تخرجنا من المتابعة والمساواة ).
وفي مذهب الشافعية يُنظر كلام الإمام النووي في مقدمة المجموع على مبحث المسائل الراجحة من القديم عند الشافعي.
 

محمد مازن عبد

:: متابع ::
إنضم
15 مايو 2012
المشاركات
3
الكنية
محمد
التخصص
حاسبات
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
حنفي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

الحمد لله
كيف يعلم طالب العلم أنه قد وصل إلى مرتبة يستطيع عندها الخروج عن المذهب اجتهادا،لأن النظر في الدليل و الدلالة من الاجتهاد، سواء قلنا مطلق أو غير مطلق؟
لأن الكثير ممن يتحدثون عن الخروج عن المذهب لم يصلوا إلى عشر معشار من خرج عن مذهبه, أما إذا خرجت عن مذهبك لأنك قرأت مثلا أدلة إمام آخر،و كيف عرفت أن استدلال ذلك الإمام أقوى من استدلال إمامك؟ و كيف رجحت و ما هي الأصول التي بنيت عليها ترجيحك؟
هذه أسئلة تحتاج إلى أجوبة مقنعة
و الله الموفق

اضم صوتي لاخي ابو محمد،
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

السلام عليكم

جزاكم الله خيرًا،،

واسمحوا لي بإضافة ما يلي:
قال الشيخ حامد العلي: الفقه لا يُمكن أن يتلقاه الطالب إلا بدراسة مذهب فقهي. اهـ.
وقال ابن قدامة: يجب على من ليس له أهلية الاجتهاد تقليد أحد أئمة المذاهب الأربعة. اهـ.
وقال ابن رجب: فإن قال أحمق متكلف/ كيف يحصر الناس في أقوال علماء متعينين ويمنع من الاجتهاد أو من تقليد غير أولئك من أئمة الدين؟؛ قيل له/ كما جمع الصحابة رضي الله عنهم الناس من القراءة بغيره في سائر البلدان، لما رأوا أن المصلحة لا تتم إلا بذلك، وأن الناس إذا تركوا يقرؤون على حروف شتى وقعوا في أعظم المهالك؛ فكذلك مسائل الأحكام وفتاوى الحلال والحرام، لو لم تضبط الناس فيها بأقوال أئمة معدودين؛ لأدى ذلك إلى فساد الدين.. فلا تقضي المصلحة غير ما قدره الله وقضاه من جمع الناس على مذاهب هؤلاء الأئمة المشهورين رضي الله عنهم أجمعين. اهـ.
وقال ابن هبيرة: الإجماع انعقد على تقليد كل من المذاهب الأربعة، وأن الحق لا يخرج عنهم. اهـ.
ويُفسر هذا؛ قوه شيخ الإسلام رحمه الله: وقول القائل/ لا أتقيد بأحد هؤلاء الأئمة الأربعة؛ إن أراد أنه لا يتقيد بواحد بعينه دون الباقين: فقد أحسن، بل هو الصواب من القولين. وإن أراد أني لا أتقيد بها كلها بل أخالفها؛ فهو مخطئ في الغالب قطعاً، إذ الحق لا يخرج عن هذه الأربعة في عامة الشريعة. اهـ.
وقال الألباني فيما ينقله عنه محمد العباسي في بدعة التعصب المذهبي لمحمد العباسي (2/ 112): ومن الجدير بالذكر أن هذا هو رأي أستاذنا حفظه الله نفسه، فقد ذكر أكثر من مرة أن الواجب على الناس في زماننا هذه أن يبدأوا بتعلم الفقه على طريق احد المذاهب الأربعة، ويدرسوا الدين من كتبها، ثم يتدرجوا في طريق العلم الصحيح، بأن يختاروا كتابًا من كتب مذهبهم، ككتاب المجموع للنووي عند الشافعية، وكتاب فتح القدير لابن الهمام عند الحنفية، وغيرها من الكتب التي تبين الأدلة، وتشرح طريق الاستنباط، ثم يتركوا كل قول ظهر لهم ضعف دليله وخطأ استنباطه، ثم يتدرجوا خطوة ثالثة بأن ينظروا في كتب المذاهب الأخرى، التي تُناقش الأدلة أيضًا وتبين طريق الاحتجاج بها، ويأخذوا من هذه الكتب ما ظهر لهم صحته وصوابه، وهكذا. انتهى. فيرى شيخنا أن هذا هو السبيل الصحيح المُمكن سلوكه في هذا الزمان، لأن سلوك السبيل الواجبة التي كان عليها السلف الصالح طفرة غير مُمكن اليوم؛ لأنه لا يوجد في الناس علماء مجتهدون، يعلمونهم فقه الكتاب والسنة، ولذلك فليس أمام الناس إلا أحد سبيلين: فأما أن يُتركوا دون تعليم ولا تفقيه ويخبطوا في دينهم خبط عشواء، وإما أن يتعلموا دينهم ويتفقهوا في أحكامه عن طريق أحد المذاهب الأربعة. ولا شك أن هذا الطريق هو اخف ضررًا وأقل شرًّا من الطريق الأول، ولذلك ننصح به ونؤيده. اهـ.
ويقول محمد العباسي في بدعة التعصب المذهبي (1/ 62): والخلاصة؛ أننا لا نُمانع في الوقت الحاضر من دراسة الفقه على الطريقة المذهبية، ولكن بشرط واحد وهو عدم التعصب، فالتعصب المذهبي هو الذي نُحاربه ونكرهه. اهـ.
وقال الصاوي في الثوابت والتغيرات ص(70) معلِّقًا على القولين السابقين: لا يظهر لي وجه ما ذهب إليه الشيخان الجليلان: الألباني والعباسي، من اعتبار دراسة طلبة العلم للفقه على الطريقة المذهبية في بداية طريق التعلم مع عدم التعصب، من الأمور المباحة استثناء على سبيل الضرورة! وهل كانت بداية طلب العلم عبر التاريخ إلا على هذا الوجه؟ بل ألا يتقيد أغلب طلبة الحديث اليوم باختيارات شيخنا الألباني حفظه الله ونفع بعلومه وترجيحاته العلمية حتى توشك أن تكون عندهم مذهب خامسًا، وماهم على ذلك بملومين ماداموا متبعين وغير متعصبين؟!. اهـ.
وقال حسن البنا فيما نقله عنه محمد العباسي في بدعة التعصب المذهبي (2/ 112): ولكل مُسلم لم يبلغ درجة النظر في ادلة الأحكا الفروعية، أن يتبع إمام من أئمة الدين، ويُحسن به مع هذا الاتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف أدلته، وأن يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صلاح من أرشده وكفايته، وأن يستكمل نقصه العلمي إن كان من أهل العلم، حتى يبلغ درجة النظر. اهـ
فيُشرع دراسة الفقه على الطريقة المذهبية والأصولية بشرط عدم التعصب، وأن يترقى بعد ذلك بدراسة الفقه المُقارن، والمُقابلة بين دارك الأئمة، حتى يبلغ درجة الاستقلال بالنظر. والدليل على ذلك عمل من مضى من أهل العلم، وإجماع أهل العلم المُعاصرين، أو على الأقل لا يُعرف لذلك مُخالف من المُعاصرين. اهـ.

وجاء في كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني رحمه الله ص(41/ 50) ..
والأصل إتباع الدليل، ولذلك نهى الأئمة وحرّموا الأخذ بكلامهم مُجردًا أو إذا خالف الدليل أحياءً كانوا أو أمواتًا، ومن المُفيد أن نسوق هُنا أقوال الأئمة في إتباع السنة وترك أقوالهم المُجردة أو المُخالفة لها، فلعل فيها عظة وذكرى لمن يُقلدهم تقليدًا أعمى وهو الذي عناه الطحاوي في قوله كما نقله ابن عابدين في رسم المُفتي (1/ 32) من مجموعة رسائله: "لا يُقلد إلا عصبي أو غبي".
فأولهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله، وقد روى عنه أصحابه أقوالًا شتى وعبارات متنوعة؛ كلها تؤدي إلى شئ واحد وهو: وجوب الأخذ بالحديث وترك تقليد آراء الأئمة المُخالفة له:
1- "إذا صح الحديث فهو مذهبي" .
حاشية: [ابن عابدين في الحاشية (1/ 63)، وفي رسالته رسم المفتي (1/ 4) من مجدموعة رسائل ابن عابدين، والشيخ صالح الفلاني في إيقاظ الهمم ص(62) وغيرهم.
ونقل ابن عابدين عن شرح الهداية لابن الشحنة الكبير شيخ ابن الهمام ما نصه: "إذا صح الحديث، وكان على خلاف المذهب؛ عمل بالحديث، ويكون ذلك مذهبه، ولا يخرج مقلده عن كونه حنفيًّا بالعمل به، فقد صح عن أبي حنيفة أنه قال: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" ، وقد حكى ذلك الإمام ابن عبد البر عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة" .
قُلت: وهذا من كمال علمهم وتقواهم؛ حيث أشاروا بذلك إلى أنهم لم يحيطوا بالسنة كلها، وقد صرح بذلك الإمام الشافعي كما يأتي، فقد يقع منهم ما يُخالف السنة التي لم تبلغهم، فأمرونا بالتمسك بها، وأن نجعلها من مذهبهم رحمهم الله تعالى أجمعين] .
2- لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه" .
حاشية: [ابن عبدالبر في الانتقاء في فضائل الأئمة الفقهاء ص(145)، وابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 309)، وابن عابدين في حاشيته على البحر الرائق (6/ 293)، وفي رسم المفتي ص(29، 32)، والشعراني في الميزان (1/ 55) بالرواية الثانية، والرواية الثالثة رواها عباس الدوري في التاريخ لابن معين (6/ 77/ 1) بسند صحيح عن زفر، وورد نحوه عن أصحابه زفر ويوسف وعافية بن يزيد؛ كما في الإيقاظ ص(52)، وجزم ابن القيم (2/ 344) بصحته عن أبي يوسف، والزيادة في التعليق على الإيقاظ ص(65) نقلًا عن ابن عبد البر وابن القيم وغيرهما.
قُلت: فإذا كان هذا قولهم فيمن لم يعلم دليلهم؛ فليت شعري! ماذا يقولون فيمن علم أن الدليل خلاف قولهم، ثم أفتى بخلاف الدليل؟! فتأمل في هذه الكلمة؛ فإنها وحدها كافية في تحطيم التقليد الأعمى، ولذلك أنكر بعض المقلدة من المشايخ نسبتها إلى أبي حنيفة حين انكرت عليه إفتاءه بقول لأبي حنيفة لم يعرف دليله!] .
وفي رواية: "حرام على مَن يعرف دليلي أن يُفتي بكلامي" .
زاد في رواية: "فإننا بَشَر، نقول القول اليوم ونرجع عنه غدًا" .
وفي أخرى: "ويحك يا يعقوب! -هو أبو يوسف- لا تكتب كل ما تسمع مني، فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدًا، وأرى الرأي غدًا وأتركه بعد غد" .
حاشية: [قُلت: وذلك لأن الإمام كثيرًا ما يبني قوله على القياس، فيبدو له قياس أقوى، أو يبلغه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيأخذ به ويترك قوله السابق.
قال الشعراني في الميزان (1/ 62) ما مختصره: "واعتقادنا واعتقاد كل منصف في الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أنه لو عاش حتى دوِّنت الشريعة، وبعد رحيل الحفاظ في جمعها من البلاد والثغور وظفر بها؛ لأخذ بها وترك كل قياس كان قاسه، وكان القياس قل في مذهبه كما قل في مذهب غيره بالنسبة إليه، لكن لما كانت أدلة الشريعة مفرقة في عصره مع التابعين وتابعي التابعين في المدائن والقرى والثغور؛ كثر القياس في مذهبه بالنسبة إلى غيره من الأئمة ضرورة؛ لعدم وجود النص في تلك المسائل التي قاس فيها؛ بخلاف غيره من الأئمة، فإن الحفاظ كانوا قد رحلوا في طلب الأحاديث وجمعها في عصرهم من المدائن والقرى، ودوَّنوها، فجاوبت أحاديث بعضها بعضًا، فهذا كان سبب كثرة القياس في مذهبه، وقلته في مذاهب غيره" .
ونقل القسم الأكبر منه أبو الحسنات في النافع الكبير ص(135)، وعلَّق عليه بما يؤيده ويوضحه، فليراجعه من شاء.
قُلت: فإذا كان هذا عذر أبي حنيف فيما وقع منه من المُخالفة للأحاديث الصحيحة دون قصد -وهو عذر مقبول قطعًا؛ لأن الله تعالى لا يُكلف نفسًا إلا وسعها- فلا يجوز الطعن فيه كما قد يفعل بعض الجهلة، بل يجب التأدب معه؛ لأنه إمام من أئمة المسلمين الذين بهم حُفِظَ هذا الدين، ووصل إلينا ما وصل من فروعه، وأنه مأجور على كل حال أصاب أم أخطأ، كما أنه لا يجوز لمعظميه أن يظلوا متمسكين بأقواله المُخالفة للأحاديث؛ لأنها ليست من مذهبه؛ كما رأيت نصوصه في ذلك، فهؤلاء في وادٍ وأولئك في واد، والحق بين هؤلاء وهؤلاء. (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)] .
3- "إذا قلت قولًا يُخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فاتركوا قولي" .
حاشية: [الفلاني في الإيقاظ ص(50)، ونسبه للإمام محمد أيضًا، ثم قال: "وهذا ونحوه ليس في حق المجتهد؛ لعدم احتياجه في ذلك إلى قولهم، بل هو في حق المقلد" .
قُلت: وبناءً على هذا قال الشعراني في الميزان (1/ 26): "فإن قلت: فّما أصنع بالأحاديث التي صحت بعد موت إمامي ولم يأخذ بها؟ فالجواب: الذي ينبغي لك أن تعمل بها؛ فإن إمامك لو ظفر بها، وصحَّت عنده؛ لربما كان أمرك بها؛ فإن الأئمة كلهم أسرى في يد الشريعة، ومن فعل ذلك؛ فقد حاز الخير بكلتا يديه، ومن قال: لا أعمل بحديث إلا إن أخذ به إمامي؛ فاته خير كثير كما عليه كثير من المقلدين لأئمة المذاهب، وكان الأولى لهم العلم بكل حديث صح بعد إمامهم تنفيذًا لوصية الأئمة، فإن اعتقدنا فيهم أنهم لو عاشوا وظفروا بتلك الأحاديث التي صحت بعدهم؛ لأخذوا بها، وعملوا بما فيها، وتركوا كل قياس كانوا قاسوه، وكل قول كانوا قالوه"] .
وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال:
1- "إنما أنا بشر أُخطئ وأُصيب، فانظروا في رأيي؛ فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" .
حاشية: [ابن عبد البر في الجامع (2/ 32) ، وعنه ابن حزم في أصول الأحكام (6/ 149) ، وكذا الفلاني ص(72)] .
2- "ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويُترك؛ إلا النبي صلى الله عليه وسلم" .
حاشية: [نسبه هذا إلى مالك هو المشهور عند المتأخرين، وصححه عنه ابن عبد الهادي في إرشاد السالك (1/ 227)، وقد رواه ابن عبد البر في الجامع (2/ 91)، وابن حزم في أصول الأحكام (6/ 145، 179) من قول الحكم بن عتيبة ومجاهد، وأورده تقي الدين السبكي في الفتاوى (1/ 148) من قول ابن عباس متعجبًا من حسنه، ثم قال: "وأخذ هذه الكلمة من ابن عباسٍ مجاهدٌ، وأخذها منهما مالك رضي الله عنه واشتهرت عنه" .
قُلت: ثم أخذها عنهم الإمام أحمد، فقد قال أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص(276): "سمعت أحمد يقول: ليس أحد إلا ويؤخذ من رأيه ويُترك؛ ما خلا النبي صلى الله عليه وسلم"] .
3- قال ابن وهب: سمعت مالكًا سُئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟ فقال: ليس ذلك على الناس. قال: فتركته حتى خفَّ الناس، فقلت له: عندنا في ذلك سنة، فقال: وما هي؟ قُلت: حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمر بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه. فقال: إن هذا الحديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة. ثم سمعته بعد ذلك يُسأل، فيأمر بتخليل الأصابع.
حاشية: [مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ص(31- 32)، ورواها تامة البيهقي في السنن (1/ 81)] .
وأما الإمام الشافعي رحمه الله؛ فالنقول عنه في ذلك أكثر وأطيب..
حاشية: [قال ابن حزم (6/ 118): "إن الفقهاء الذين قلَّدوا مبطلون للتقليد، وإنهم نهوا أصحابهم عن تقليدهم، وكان أشدهم في ذلك الشافعي، فإنه رحمه الله بلغ من التأكيد في اتباع صحاح الآثار، والأخذ بما أوجبته الحجة، حيث لم يبلغ غيره، وتبرأ من أن يُقّلَّدَ جملة، وأعلن بذلك، نفع الله به وأعظم أجره، فلقد كان سببًا إلى خير كثير"].
.. وأتباعه أكثر عملًا بها وأسعد، فمنها:
1- "ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزُب عنه، فمهما قلتُ من قول، أو أصَّلتُ من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت؛ فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قولي" .
حاشية: [رواه الحاكم بسنده المتصل إلى الشافعي؛ كما في تاريخ دمشق لابن عساكر (15/ 1/ 3)، وإعلام الموقعين (2/ 363، 364) ، والإيقاظ ص(100)] .
2- "أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لم يحل له أن يدعها لقول أحد" .
حاشية: [ابن القيم (2/ 361)، والفلاني ص(68)] .
3- "إذا وجدتك في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوا ما قلت" .
وفي رواية: "فاتبعوها، ولا تلتفتوا إلى قول أحد" .
حاشية: [الهروي في ذم الكلام (3/ 47/ 1)، والخطيب في الاحتجاج بالشافعي (2/ 8)، وابن عساكر (1/ 9/ 15)، والنووي في المجموع (1/ 63)، وابن القيم (2/ 361) ، والفلاني ص(100)، والرواية الأخرى لأبي نُعيم في الحلية (9/ 107)، وابن حبان في صحيحه (3/ 284)- الإحسان، بسنده الصحيح عنه نحوه] .
4- "إذا صح الحديث فهو مذهبي" .
حاشية: [النووي في المصدر السابق، والشعراني (1/ 57) وعزاه للحاكم والبيهقي، والفلاني ص(107)، وقال الشعراني: "قال ابن حزم: أي: صح عنده أو عند غيره من الأئمة" .
قُلت: وقوله الآتي عقب هذا صريح في هذا المعنى، قال النووي رحمه الله ما مختصره: "وقد عمل بهذا أصحابنا في مسألة التثويب، واشتراط التحلل من الإحرام بعذر المرض وغيرهما مما هو معروف في كتب المذهب، وممن حُكِيَ عنه أنه أفتى بالحديث من أصحابنا: أبو يعقوب البويطي، وأبو القاسم الداركي، وممن استعمله من أصحابنا المحدثين: الإمام أبو بكر البيهقي وآخرون، وكان جماعة من متقدمي أصحابنا إذا رأوا مسألة فيها حديث، ومذهب الشافعي خلافه؛ عملوا بالحديث وأفتوا به قائلين: مذهب الشافعي ما وافق الحديث. قال الشيخ أبو عمرو: فمن وجد من الشافعية حديثًا يُخالف مذهبه نظر؛ إن كملت آلات الاجتهاد فيه مطلقًا -أو في ذلك الباب أو المسألة- كان له الاستقلال بالعمل به، وإن لم تكمل وشَقَّ عليه مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد لمخالفه عنه جوابًا شافيًا؛ فله العمل به إن كان عمل به إمام مستقل غير الشافعي، ويكون هذا عذرًا له في ترك مذهب إمامه هنا. وهذا الذي قال حسن متعين، والله أعلم" .
قُلت: وهناك صورة أخرى لم يتعرض لذكرها ابن الصلاح، وهي فيما إذا لم يجد من عمل بالحديث؛ فماذا يصنع؟ أجاب عن هذا تقي الدين السبكي في رسالة معنى قول الشافعي: إذا صح الحديث.. (3/ 102) فقال: "والأولى عندي اتباع الحديث، وليفرض الإنسان نفسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمع ذلك الحديث منه؛ أيسعه التأخر عن العمل به؟ لا والله.. وكل واحد مُكلَّفٌ بحسب فهمه" .
وتمام هذا البحث وتحقيقه تجده في إعلام الموقعين (2/ 302، 370) ، وكتاب الفلاني المسمى إيقاظ همم أولي الأبصار، للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار، وتحذيرهم عن الابتداع الشائع في القرى والأمصار، من تقليد المذاهب مع الحمية والعصبية بين فقهاء الأعصار. وهو كتاب فذ في بابه، يجب على كل محب للحق أن يرسده دراسة تفهم وتدبر] .
5- أنتم -الخطاب للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله- أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني به أي شئ يكون: كوفيًّا أو بصريًّا أو شاميًّا؛ حتى أذهب إليه إذا كان صحيحًا" .
حاشية: [رواه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ص(94- 95)، وأبو نُعيم في الحلية (9/ 106)، والخطيب في الاحتجاج بالشافعي (1/ 8)، وعنه ابن عساكر (1/ 9/ 15)، وابن عبد البر في الانتقاء ص(75)، وابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص(499)، والهروي (2/ 47/ 2) من ثلاثة طرق عن عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه أن الشافعي قال له:.. فهو صحيح عنه، ولذلك جزم بنسبته إليه ابن القيم في الإعلام (2/ 325)، والفلاني في الإيقاظ ص(152)، ثم قال: "قال البيهقي: ولهذا كثر أخذه -يعني: الشافعي- بالحديث، وهو أنه جمع علم أهل الحجاز والشام واليمن والعراق، وأخذ بجميع ما صح عنده من غير محاباة منه، ولا ميل إلى ما استحلاه من مذهب أهل بلده؛ مهما بان له الحق في غيره، وفيمن كان قبله من اقتصر على ما عهده من مذهب أهل بلده، ولم يجتهد في معرفة صحة ما خالفه، والله يغفر لنا ولهم. "] .
6- كل مسألة صح فيها خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت؛ فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي" .
حاشية: [أبو نُعيم في الحلية (9/ 107)، والهروي (1/ 47)، وابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 363)، والفلاني ص(104)] .
7- إذا رأيتموني أقول قولًا، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه؛ فاعلموا أن عقلي قد ذهب" .
حاشية: [رواه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ص(93)، وأبو القاسم السمرقندي في الأمالي كما في المنتقى منها لأبي حفص المؤدب (1/ 234)، وأبو نُعيم في الحلية (9/ 106)، وابن عساكر (1/ 10/ 15) بسند صحيح] .
8- "كل ما قلت؛ فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح؛ فحديث النبي أولى، فلا تقلدوني" .
حاشية: [ابن أبي حاتم ص(93)، وأبو نُعيم وابن عساكر (2/ 9/ 15) بسند صحيح] .
9- "كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني" .
حاشية: [ابن أبي حاتم ص(93- 94)] .
وأما الإمام أحمد؛ فهو أكثر الأئمة جمعًا للسنة وتمسكًا بها؛ حتى "كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي"؛
حاشية: [ابن الجوزي في المناقب ص(192)] .
ولذلك قال:
1- "لا تقلدني، ولا تقلد مالكًا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا" .
حاشية: [الفلاني ص(113)، وابن القيم في الإعلام (2/ 302)] .
وفي رواية: "لا تقلد دينك أحدًا من هؤلاء، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فَخُذ به، ثم التابعين بَعْدُ الرجلُ فيه مُخيَّرٌ" .
وقال مَرَّة: "الاتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، ثم هو من بعد التابعين مُخيَّرٌ" .
حاشية: [أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص(276، 277)] .
2- "رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي أبي حنيفة: كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار" .
حاشية: [ابن عبد البر في الجامع (2/ 149)] .
3- "من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو على شفا هَلَكةٍ" .
حاشية: [ابن الجوزي ص(182)] .
فتلك هي أقوال الأئمة رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث، والنهي عن تقليدهم دون بصيرة، وهي من الموضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلًا ولا تأويلًا، وعليه؛ فإن من تمسك بكل ما ثبت في السنة ولو خالف بعض أقوال الأئمة؛ لا يكون مباينًا لمذهبهم، ولا خارجًا عن طريقتهم، بل هو متبع لهم جميعًا، ومتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وليس كذلك من ترك السنة المتقدمة، والله تعالى يقول: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى? يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [سورة النساء: الآية65] ، وقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [سورة النور: الآية63] .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: "فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفه أن يبينه للأمة، وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة؛ فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدي به من رأي رأي معظَّم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ، ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل مخالف سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد..
حاشية: [قُلت: حتى ولو على آبائهم وعلمائهم؛ كما روى الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 372) وأبو يعلى في مسنده (3/ 1317)- مصورة المكتب، بإسناد جيد رجاله ثقات عن سالم بن عبدالله بن عمر قال: "إني لجالس مع ابن عمر رضي الله عنه في المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال ابن عمر: حسن جميل. فقال: فإن أباك كان ينهى عن ذلك؟ فقال: ويلك! فإن كان أبي قد نهى عن ذلك، وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به؛ فبقول أبي تأخذ أم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: فقم عني" . وروى أحمد رقم(5700) نحوه، قضى سعد بن إبراهيم (يعني: ابن عبدالرحمن بن عوف) على رجل برأي ربيعة بن أبي عبدالرحمن، فأخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما قضى به، فقال سعد لربيعة: هذا ابن أبي ذئب، وهو عندي ثقة، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ما قضى به، فقال له ربيعة: قد اجتهد ومضى حكمك. فقال سعد: واعجًا! أنفذ قضاء سعد ولا أنفذ قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! بل أرد قضاء سعد ابن أم سعد، وأنفذ قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا سعد بكتاب القضية فشقه، وقضى للمقضي عليه].
لا بغضًا له؛ بل هو محبوب عندهم معظَّم في نفوسهم، لكن رسول الله أحب إليهم، وأمره فوق أمر كل مخلوق، فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره؛ فأمر الرسول أولى أن يُقدم ويُتبع، ولا يُمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كان مغفورًا له،
حاشية: [قُلت: بل هو مأجور لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد، فأصاب؛ فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، فأخطأ؛ فله أجر واحد) . رواه الشيخان وغيرهما] .
بل ذلك المُخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بخلاف" .
حاشية: [نقله في التعليق على إيقاظ الهمم ص(93)] .
قُلت: كيف يكرهون ذلك وقد أمروا به أتباعهم كما مر، وأوجبوا عليهم أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة؟ بل إن الشافعي رحمه الله أمر أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة إليه ولو لم يأخذ بها، أو أخذ بخلافها، ولذلك لما جمع المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث الصحيح فيها انفرادًا واجتماعًا في مجلد ضخم؛ قال في أوله: "إن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام، وإنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها؛ لئلا يعزوها إليهم فيكذبوا عليهم" .
حاشية: [الفلاني ص(99)] .
اهـ.

والله أعلم.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

السلام عليكم

قلت : هذه قاعدة عظيمة في مذهب السادة الحنفية ، وقد وقعت اسقاطاتها في غير مسألة من المسائل ، ومن الأمثلة على ذلك :
أخي الكريم/ أحمد بن فخري الرفاعي

ما ذكرته من أمثلة فيه نظر وتوقف؛ فهذه القاعدة ليست على إطلاقها بل قلّ ما تجد تطبيقًا صحيحًا لها في المذهب الواحد، إذ ينبغي استحضار أصول المذهب عند مُخالفته بدليل، ولا يُخالف المذهب من أصول غيره.
فمثلًا مسألة ’’رفع اليدين في الصلاة‘‘ هذه مسألة عند الحنفية تنبني على أصل؛ وهو الترجيح بـ"فقه الراوي"
وهو أن أبا حنيفة يعتبر فقه الراوي من وجوه الترجيح بين الأحاديث المُتعارضة، فيُقدّم خبر الفقيه على غيره، ولعل هذا من وجوه الترجيح بين الأحاديث المُتعارضة، فيُقدِّم خبر الفقيه على غيره، ولعل هذا من الأسباب التي دعت البعض إلى القول بأن أبا حنيفة يشترط فقه الراوي لتقديم خبره على القياس، أو أن أبا حنيفة يرد خبر الواحد إذا خالف القياس.
اجتمع أبو حنيفة مع الأوزاعي بمكة، فقال الأوزاعي: ما بالكم لا ترفعون عن الركوع والرفع منه. فقال: لأجل أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شئ. فقال الأوزاعي: كيف لم يصح وقد حدثني الزهري عن سالم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه؟ فقال أبو حنيفة: حدثنا حمّاد عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه إلا عند افتتاح الصلاة ثم لا يعود لشئ من ذلك. فقال الأوزاعي: أُحدثك عن الزهري عن سالم عن أبيه؛ وتقول حدثني حمّاد عن إبراهيم؟ فقال أبو حنيفة: كان حماد أفقه من الزُّهري، وكان إبراهيم أفقه من سالم، وعلقمة ليس بدون من ابن عمر في الفقه، وإن كان لابن عمر صحبة وله فضل صحبة؛ فالأسود له فضل كثير، وعبدُ الله: عبدُ الله. ذكر هذه المُناظرة الكمال ابن الهمام في فتح القدير (1/ 311)، والسرخسي في المبسوط (1/ 14)، والسيد مُحمد مرتضى الزبيدي في كتابه عقود الجواهر المنيفة (1/ 58) نقلًا عن الحارثي في مُسنده.
قال الكمال ابن الهمام بعد ذكر هذه المُناظرة: فرجَّح بفقه الراوي كما رجَّح الأوزاعي بعلو الإسناد، وهذا المذهب المنصور عندنا.
وقال السرخسي: فرجَّح الأوزاعي حديثه بعلو إسناده، ورجَّح أبو حنيفة حديثه بفقه رواته وهو المذهب؛ لأن الترجيح بفقه الرواة لا علو الإسناد.
وقال الفخر البزدوي: قصرت رواية من لم يُعرف بالفقه عند مُعارضة من عُرف بالفقه في باب الترجيح، وهذا مذهبنا في الترجيح. راجع: كشف الأسرار (2/ 397)، والكافي (3/ 1272).
وقال علي القاري في شرح النُخبة ص(104): المذهب المنصور عند علمائنا الحنفية: الأفقهية دون الأكثرية.
وقال الحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأخبار ص(39): الوجه الثالث والعشرون -أي من وجوه الترجيح-/ أن يكون رواة أحد الحديثين -مع تساويهم في الحفظ والإتقان- فقهاء عارفين باجتناء الأحكام من مثمرات الألفاظ؛ فالاسترواح إلى حديث الفقهاء أَوْلَى.
وحكى علي بن خشرم قال: قال لنا وكيع: أي الإسنادين أحب إليكم؟ الأعمش عن أبي وائل عن عبدالله؟ أو سُفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة؟ فقلنا: الأعمش عن أبي وائل عن عبدالله. فقال: يا سُبحان الله؛ الأعمش شيخ وأبو وائل شيخ وسُفيان فقيه ومنصور فقيه وإبراهيم فقيه وعلقمة فقيه، وحديث تتداوله الفقهاء خير من أن تتداوله الشيوخ. رواه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص(11) وذكره ابن الأثير في جامع الأصول (1/ 62) ثم قال: فهذا من طريق الفقهاء رباعي إلى ابن مسعود وثنائي من طريق المشايخ، ومع ذلك قدّم الرباعي لأجل فقه رجاله.
وقال السيوطي في تدريب الراوي (2/ 198): ثالثًا -أي من وجوه الترجيح-/ فقه الراوي؛ سواء كان الحديث مرويًّا بالمعنى أو باللفظ؛ لأن الفقيه إذا سمع ما يمتنع حمله على ظاهره بحث عنه حتى يطلع على ما يزول به الإشكال بخلاف العامي.
وقال أبو زهرة بعد مناظرة أبي حنيفة والأوزاعي: وهذه المُناظرة تدل على أن أبا حنيفة كان يُلاحظ فقه الراوي عند الترجيح فهو يُقدِّم رواية الأفقه على من دونه فقهًا، ولذلك تقصر رواية غير الفقيه عن أن تُعارض رواية الفقيه؛ إذ الأول أشد وعيًا وأقوى ضبطًا وأكمل إدراكًا وأَوْلَى بالاتباع. وانظر: أبو حنيفة ص(245).
وكمثال آخر مسألة ’’القهقهة في الصلاة‘‘ تنبني على أصل ’’تقديم الخبر الضعيف على القياس‘‘.
وانظر: http://feqhweb.com/vb/showthread.php?t=2921&p=100854&viewfull=1#post100854
وقس على ذلك عامة ما يُذكر من مُخالفة المذهب للحديث؛ كمسألة ’’النكاح بغير ولي‘‘ انظر تفصيلها في الرابط أدناه:
https://feqhweb.com/vb/threads/.14785
ونحو ذلك من مسائل.

والله الموفق.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

السلام عليكم

وجاء في كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني رحمه الله ص(41/ 50) ..
والأصل إتباع الدليل، ولذلك نهى الأئمة وحرّموا الأخذ بكلامهم مُجردًا أو إذا خالف الدليل أحياءً كانوا أو أمواتًا، ومن المُفيد أن نسوق هُنا أقوال الأئمة في إتباع السنة وترك أقوالهم المُجردة أو المُخالفة لها، فلعل فيها عظة وذكرى لمن يُقلدهم تقليدًا أعمى وهو الذي عناه الطحاوي في قوله كما نقله ابن عابدين في رسم المُفتي (1/ 32) من مجموعة رسائله: "لا يُقلد إلا عصبي أو غبي".
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في رسالته "الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة" (2/ 628): فإن قيل: فما تقولون في نهي الإمام أحمد وغيره من الأئمة عن تقليدهم وكتابة كلامهم، وقول الإمام أحمد: لا تكتب كلامي ولا كلام فلان وفلان، وتعلم كما تعلمنا. وهذا كثير موجود في كلامهم؟ قيل: لا ريب أن الإمام أحمد رضي الله عنه كان ينهى عن آراء الفقهاء والاشتغال بها حفظًا وكتابة، ويأمر بالاشتغال بالكتاب والسنة حفظًا وفهمًا وكتابة ودراسة، وبكتابة آثار الصحابة والتابعين دون كلام مَن بعدهم، ومعرفة صحة ذلك من سقمه، والمأخوذ منه والقول الشاذ المطرح منه، ولا ريب أن هذا مما يتعين الاهتمام به والاشتغال بتعلمه أولًا قبل غيره، فمن عرف ذلك وبلغ النهاية من معرفته -كما أشار إليه الإمام أحمد- فقد صار علمه قريبًا من علم أحمد، فهذا لا حجر عليه ولا يتوجه الكلام فيه، إنما الكلام في منع من لم يبلغ هذه الغاية، ولا ارتقى إلى هذه النهاية، ولا فهم من هذا إلا النزر اليسير، كما هو حال أهل هذا الزمان، بل هو حال أكثر الناس منذ أزمان، مع دعوى كثير منهم الوصول إلى الغايات والانتهاء إلى النهايات، وأكثرهم لم يرتقوا عن درجة البدايات. اهـ.
وروى الطبراني في الأوسط (1718- مجمع البحرين) عن عروة بن الزبير أنه أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس طالما أضللت الناس. قال: وما ذاك يا عُريَّة؟ قال: الرجل يخرج محرمًا بحج أو بعمرة، فإذا طاف؛ زعمت أنه قد حل. فقد كان أبو بكر وعمر ينهيان عن ذلك. فقال: أهما -ويحك- آثر عندك؛ أم ما في كتاب الله وما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه وفي أمته؟ فقال عروة: هما كانا أعلم بكتاب الله وما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني ومنك. قال ابن أبي مليكة: فخصمه عروة. اهـ. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 234): وإسناده حسن. اهـ.

والله المستعان.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

السلام عليكم

الحمد لله
..
هذه أسئلة تحتاج إلى أجوبة مقنعة
أخي الكريم/ أبو محمد ياسين أحمد علوين المالكي

راجع المُشاركة السابقة من الرابط أدناه:
http://www.feqhweb.com/vb/showthread.php?t=3056&page=3&p=101026&viewfull=1#post101026

والله الموفق.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

الجدال في كون الخارج عن قول الإمام لدليل هل يخرجه عن المذهب أو لا، ليس ذا شأن. وهو، في نهاية المطاف، قضية شكلية اصطلاحية تتعلق بالاعتزاء إلى المذهب والنسبة إليه.
والذي عليه عمل المتمذهبين في هذا هو نسبة من اتبع إمام المذهب في أصوله إلى المذهب حتى لو خرج عن المذهب في كثير من الأحكام الجزئية. كأصحاب أبي حنيفة مع إمامهم، والمزني مع الشافعي، وباقي المذاهب لا تخلو من فقهاء خرجوا عن أقوال أئمتهم قليلا أو كثيرا، ومع ذلك هم معدودون في المذهب منسوبون إليه.
القضية الأهم في نظري هي هل يجوز شرعا الخروج عن رأي إمام المذهب اتباعا للدليل أو لا؟
وهنا قد يحسن القول بالتفريق بين من بلغ درجة النظر وغيره، فمن بلغها ولوجزئيا فله الخروج ومن لم يبلغها فليس له ذلك.
والأصوب في وجهة نظري القول بأن تقليد مذهب بعينه أصلا غير واجب، بل هو جائزٌ فحسب في قول جمهور الأصوليين.
وعليه فالخروج عن المذهب، سواء أكان ممن بلغ رتبة النظر أو لا، جائز؛ لأن الالتزام برأي إمام بعينه في المسائل جميعها لا يجب ابتداء.
والحاصل هنا: جواز الخروج عن المذهب إلى غيره من المذاهب لدليل أو شبهة دليل أو حتى استئناس. وسواء أكان الخارج من أهل النظر أو لا.
والخارج عن المذهب: إن كان ممن بلغ رتبة النظر ولم يخرج عن أصول الإمام، رغم خروجه عن بعض الفروع، فهو معدود في المذهب منسوبٌ إليه. على هذا جرى عمل الفقهاء من أصحاب المذاهب. والله أعلم.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

السلام عليكم

والأصوب في وجهة نظري القول بأن تقليد مذهب بعينه أصلا غير واجب، بل هو جائزٌ فحسب في قول جمهور الأصوليين.
وعليه فالخروج عن المذهب، سواء أكان ممن بلغ رتبة النظر أو لا، جائز؛ لأن الالتزام برأي إمام بعينه في المسائل جميعها لا يجب ابتداء.

أخي الكريم/ د. أيمن علي صالح

بارك الله فيكم ونفع بكم،،

لعل ما ذهبت إليه له حظ من النظر؛ إذ ليس بضابط، فقد يُفضي هذا إلى تخيّر العامي -ممن لم يبلغ درجة النظر- بين الأقوال بعضها البعض بالتشهي. لذلك وبالنظر إلى ما سبق من أقوال؛ يترجح التفريق في هذا ببلوغ تلك الدرجة -درجة النظر-، وبه يكون الجمع فيما سبق.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في رسالته "الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة" (2/ 628): فإن قيل: فما تقولون في نهي الإمام أحمد وغيره من الأئمة عن تقليدهم وكتابة كلامهم، وقول الإمام أحمد: لا تكتب كلامي ولا كلام فلان وفلان، وتعلم كما تعلمنا. وهذا كثير موجود في كلامهم؟ قيل: لا ريب أن الإمام أحمد رضي الله عنه كان ينهى عن آراء الفقهاء والاشتغال بها حفظًا وكتابة، ويأمر بالاشتغال بالكتاب والسنة حفظًا وفهمًا وكتابة ودراسة، وبكتابة آثار الصحابة والتابعين دون كلام مَن بعدهم، ومعرفة صحة ذلك من سقمه، والمأخوذ منه والقول الشاذ المطرح منه، ولا ريب أن هذا مما يتعين الاهتمام به والاشتغال بتعلمه أولًا قبل غيره، فمن عرف ذلك وبلغ النهاية من معرفته -كما أشار إليه الإمام أحمد- فقد صار علمه قريبًا من علم أحمد، فهذا لا حجر عليه ولا يتوجه الكلام فيه، إنما الكلام في منع من لم يبلغ هذه الغاية، ولا ارتقى إلى هذه النهاية، ولا فهم من هذا إلا النزر اليسير، كما هو حال أهل هذا الزمان، بل هو حال أكثر الناس منذ أزمان، مع دعوى كثير منهم الوصول إلى الغايات والانتهاء إلى النهايات، وأكثرهم لم يرتقوا عن درجة البدايات. اهـ.
وروى الطبراني في الأوسط (1718- مجمع البحرين) عن عروة بن الزبير أنه أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس طالما أضللت الناس. قال: وما ذاك يا عُريَّة؟ قال: الرجل يخرج محرمًا بحج أو بعمرة، فإذا طاف؛ زعمت أنه قد حل. فقد كان أبو بكر وعمر ينهيان عن ذلك. فقال: أهما -ويحك- آثر عندك؛ أم ما في كتاب الله وما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه وفي أمته؟ فقال عروة: هما كانا أعلم بكتاب الله وما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني ومنك. قال ابن أبي مليكة: فخصمه عروة. اهـ. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 234): وإسناده حسن. اهـ.

قال الشيخ حامد العلي: الفقه لا يُمكن أن يتلقاه الطالب إلا بدراسة مذهب فقهي. اهـ.
وقال ابن قدامة: يجب على من ليس له أهلية الاجتهاد تقليد أحد أئمة المذاهب الأربعة. اهـ.
وقال ابن رجب: فإن قال أحمق متكلف/ كيف يحصر الناس في أقوال علماء متعينين ويمنع من الاجتهاد أو من تقليد غير أولئك من أئمة الدين؟؛ قيل له/ كما جمع الصحابة رضي الله عنهم الناس من القراءة بغيره في سائر البلدان، لما رأوا أن المصلحة لا تتم إلا بذلك، وأن الناس إذا تركوا يقرؤون على حروف شتى وقعوا في أعظم المهالك؛ فكذلك مسائل الأحكام وفتاوى الحلال والحرام، لو لم تضبط الناس فيها بأقوال أئمة معدودين؛ لأدى ذلك إلى فساد الدين.. فلا تقضي المصلحة غير ما قدره الله وقضاه من جمع الناس على مذاهب هؤلاء الأئمة المشهورين رضي الله عنهم أجمعين. اهـ.
وقال ابن هبيرة: الإجماع انعقد على تقليد كل من المذاهب الأربعة، وأن الحق لا يخرج عنهم. اهـ.
ويُفسر هذا؛ قول شيخ الإسلام رحمه الله: وقول القائل/ لا أتقيد بأحد هؤلاء الأئمة الأربعة؛ إن أراد أنه لا يتقيد بواحد بعينه دون الباقين: فقد أحسن، بل هو الصواب من القولين. وإن أراد أني لا أتقيد بها كلها بل أخالفها؛ فهو مخطئ في الغالب قطعاً، إذ الحق لا يخرج عن هذه الأربعة في عامة الشريعة. اهـ.
وقال الألباني فيما ينقله عنه محمد العباسي في بدعة التعصب المذهبي لمحمد العباسي (2/ 112): ومن الجدير بالذكر أن هذا هو رأي أستاذنا حفظه الله نفسه، فقد ذكر أكثر من مرة أن الواجب على الناس في زماننا هذه أن يبدأوا بتعلم الفقه على طريق احد المذاهب الأربعة، ويدرسوا الدين من كتبها، ثم يتدرجوا في طريق العلم الصحيح، بأن يختاروا كتابًا من كتب مذهبهم، ككتاب المجموع للنووي عند الشافعية، وكتاب فتح القدير لابن الهمام عند الحنفية، وغيرها من الكتب التي تبين الأدلة، وتشرح طريق الاستنباط، ثم يتركوا كل قول ظهر لهم ضعف دليله وخطأ استنباطه، ثم يتدرجوا خطوة ثالثة بأن ينظروا في كتب المذاهب الأخرى، التي تُناقش الأدلة أيضًا وتبين طريق الاحتجاج بها، ويأخذوا من هذه الكتب ما ظهر لهم صحته وصوابه، وهكذا. انتهى. فيرى شيخنا أن هذا هو السبيل الصحيح المُمكن سلوكه في هذا الزمان، لأن سلوك السبيل الواجبة التي كان عليها السلف الصالح طفرة غير مُمكن اليوم؛ لأنه لا يوجد في الناس علماء مجتهدون، يعلمونهم فقه الكتاب والسنة، ولذلك فليس أمام الناس إلا أحد سبيلين: فأما أن يُتركوا دون تعليم ولا تفقيه ويخبطوا في دينهم خبط عشواء، وإما أن يتعلموا دينهم ويتفقهوا في أحكامه عن طريق أحد المذاهب الأربعة. ولا شك أن هذا الطريق هو اخف ضررًا وأقل شرًّا من الطريق الأول، ولذلك ننصح به ونؤيده. اهـ.
ويقول محمد العباسي في بدعة التعصب المذهبي (1/ 62): والخلاصة؛ أننا لا نُمانع في الوقت الحاضر من دراسة الفقه على الطريقة المذهبية، ولكن بشرط واحد وهو عدم التعصب، فالتعصب المذهبي هو الذي نُحاربه ونكرهه. اهـ.
وقال الصاوي في الثوابت والتغيرات ص(70) معلِّقًا على القولين السابقين: لا يظهر لي وجه ما ذهب إليه الشيخان الجليلان: الألباني والعباسي، من اعتبار دراسة طلبة العلم للفقه على الطريقة المذهبية في بداية طريق التعلم مع عدم التعصب، من الأمور المباحة استثناء على سبيل الضرورة! وهل كانت بداية طلب العلم عبر التاريخ إلا على هذا الوجه؟ بل ألا يتقيد أغلب طلبة الحديث اليوم باختيارات شيخنا الألباني حفظه الله ونفع بعلومه وترجيحاته العلمية حتى توشك أن تكون عندهم مذهب خامسًا، وماهم على ذلك بملومين ماداموا متبعين وغير متعصبين؟!. اهـ.
وقال حسن البنا فيما نقله عنه محمد العباسي في بدعة التعصب المذهبي (2/ 112): ولكل مُسلم لم يبلغ درجة النظر في ادلة الأحكام الفروعية، أن يتبع إمام من أئمة الدين، ويُحسن به مع هذا الاتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف أدلته، وأن يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صلاح من أرشده وكفايته، وأن يستكمل نقصه العلمي إن كان من أهل العلم، حتى يبلغ درجة النظر. اهـ
فيُشرع دراسة الفقه على الطريقة المذهبية والأصولية بشرط عدم التعصب، وأن يترقى بعد ذلك بدراسة الفقه المُقارن، والمُقابلة بين دارك الأئمة، حتى يبلغ درجة الاستقلال بالنظر. والدليل على ذلك عمل من مضى من أهل العلم، وإجماع أهل العلم المُعاصرين، أو على الأقل لا يُعرف لذلك مُخالف من المُعاصرين. اهـ.

والله أعلم.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

أخي الكريم/ د. أيمن علي صالح

بارك الله فيكم ونفع بكم،،
وبارك فيكم ونفع بكم وبعلمكم


لعل ما ذهبت إليه له حظ من النظر؛ إذ ليس بضابط، فقد يُفضي هذا إلى تخيّر العامي -ممن لم يبلغ درجة النظر- بين الأقوال بعضها البعض بالتشهي. لذلك وبالنظر إلى ما سبق من أقوال؛ يترجح التفريق في هذا ببلوغ تلك الدرجة -درجة النظر-، وبه يكون الجمع فيما سبق.
التشهي والإلزام بمذهب كلاهما طرفا نقيض، وكما قد يلزم عن عدم القول بالإلزام وجود التشهي، فكذلك قد يلزم عن الإلزام التعصب والحرج، كما هو مشاهد في كثير من مقلدة المذاهب.
فالصواب الاعتدال ونهي من اختاروا التمذهب عن التعصب ومن لم يختاروه عن التشهي، وبهذا نتجنب الإفراط والتفريط. علما بأن العامي الصرف لا مذهب له بل مذهبه مذهب من يفتيه. والله أعلم.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: ترك المذهب لقوة الدليل لا يخرج عن ربقة التقليد

السلام عليكم

.. فكذلك قد يلزم عن الإلزام التعصب والحرج،

أحسنت أخي الفاضل، ولذلك اشترطوا في التمذهب عدم التعصب، وهذا لا يمنع من كون الوصول إلى درجة النظر وامتلاك آلة الاستنباط؛ ضابط لمُخالفة المذهب في بعض المسائل، بخلاف جعل الضابط عدم وجوب التمذهب -وهو كذلك لكنه ليس بالضابط في تلك المسألة-؛ إذ قد يُفضي لتخيّر ممن ليس له الأهلية في ذلك أو تشهيًّا، وبالمُقابل اشترطوا للمتمذهب عدم التعصب كما سبق أعلاه.
فلا تعارض ولا تنافي، ولا خلاف إن شاء الله تعالى،،

والله أعلم.
 
أعلى