العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

(دروس علمية) الأعيان الحيوانية من حيث حل أكلها وحرمته

هشام بن محمد البسام

:: مشرف سابق ::
إنضم
22 مايو 2009
المشاركات
1,011
الكنية
أبو محمد
التخصص
شريعة
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
حنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم

(( الأعيان الحيوانية من حيث حل أكلها وحرمته ))

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبة ومن اتبع هداه. أما بعد:

فهذا بحث متواضع في بيان حكم الأعيان الحيوانية من حيث حل أكلها وحرمته، وقد قسمت الموضوع إلى قسمين:

القسم الأول: الحيوان البري، وفيه عشر مسائل:
المسألة الأولى: حكم أكل لحم الخنزير.
المسألة الثانية: حكم أكل لحوم الخيل.
المسألة الثالثة: حكم أكل لحوم الْحُمُر الأهلية.
المسألة الرابعة: حكم أكل ماله ناب من السباع يفرِس به.
المسألة الخامسة: حكم أكل ما له مِخْلَب من الطيْر يصيد به.
المسألة السادسة: حكم أكل ما يأكل الجيف.
المسألة السابعة: حكم أكل ما يستخبث.
المسألة الثامنة: حكم أكل ما أُمِر بقتله.
المسألة التاسعة: حكم أكل ما نُهِي عن قتله.
المسألة العاشرة: حكم أكل ما تولد من مأكول وغيره.

القسم الثاني: حيوان المائي والبرمائي.

وسيكون عرض الموضوع في عدة حلقات، حتى لا يسأم القارئ من طول الموضوع.

تمهيد:
لقد كرم الله سبحانه وتعالى بني آدم، وسخر لهم ما في السموات وما في الأرض، وأباح لهم الطيبات من الرزق، فالأصل في الأطعمة الحل، لقوله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا }، وقوله: { وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ }، وقوله: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا }.

ثم إن الله سبحانه وتعالى بحكمته حرم بعض المطاعم لما اشتملت عليه من الضرر، ووبخ على ترك الأكل مما ذُكِر اسم الله عليه، بعد أن بيَّن لنا ما حَرَّم علينا، قال تعالى: { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ }، فكل طعام لم يقم الدليل على تحريمه فهو حلال.

والمطاعم نوعان: نباتية وحيوانية، وأذكر هنا النوع الثاني. مقتصرا على بيان حكم أكل الأعيان الحيوانية من حيث هي، دون التعرض لما يعرض لهذه الأعيان من أوصاف طارئة ككونها ميتة أو جلالة أو مغصوبة، ولا لما يعرض لمتعاطيها من مخمصة واضطرار.

القسم الأول
الحيوان البري

المسألة الأولى: حكم أكل لحم الخنزير: يحرم أكله بالنص والإجماع، قال تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ }. ومن أسباب تحريم الخنزير: أنه يتغذى على القاذورات والنجاسات، ولاتصافه بالدياثة وكثير من الطباع الخبيثة، فالمتغذي به يكتسب من طباعه الخبيثة، ولما في تناوله من الضرر على الجسم.

فقد اكتشف الأطباء أن لحم الخنزير يحمل جراثيم وديدان شديدة الفتك، فإن عددا كبيرا من الجراثيم والطفيليات والبكتيريا تستوطن لحم الخنزير، وعندما يأكل الإنسان هذا اللحم فإن هذه الآفات تنتقل إليه.

يقول الدكتور ( RIZVI ): إن الخنزير أكبر حاضن للميكروبات، ويسبب أمراضا مميتة من بينها: الدزنتاريا، والتراكينوسس، ومرض الدودة الشريطية، والدودة المبرومة، ودودة الخطاف، وانسداد المرارة، واحتقان الرئة، والاختناق، وانسداد الأمعاء، ومرض البنكرياس الحاد، وتضخم الكبد، وارتفاع الحرارة، ويقلل نمو الطفل، ويسبب مرض التفوئيد، واضطرابات القلب، وحالات الإجهاض لدى النساء الحوامل، وحالات العقم عند الرجال والنساء، والموت المفاجئ. انظر كتاب أحمد صقر " الخنزير وأسباب تحريمه ".

ومن ناحية الدهن: فإن الدهن المتواجد في الخنزير غير قابل للتفكك والهضم في الأمعاء، وبالتالي فإنه يمتص على شكل دهن خنزيري ويترسب في جسم الإنسان، وبترسبه هذا، يصبح وكأنه جسم غريب، مما يترتب عليه أن جهاز المناعة في الجسم ينشط ليقاومه، فتنشأ الحساسية على شكل حكة أو ارتفاع في الحرارة أو شعور بالغثيان أو ارتفاع في ضغط الدم أو شعور بضيق في التنفس.

يقول الدكتور ( Parret ) في كتابه أمراض الأطعمة الحيوانية: إن لحم الخنزير هو أصعب لحم على الهضم، وهذا يعني بأن قيمته الغذائية متدنية. والله تعالى أعلم.
 

هشام بن محمد البسام

:: مشرف سابق ::
إنضم
22 مايو 2009
المشاركات
1,011
الكنية
أبو محمد
التخصص
شريعة
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
حنبلي
بوركتم يا شيخ هشام..
لم أرَ ذكراً للفيل هنا مع أنه مما حرم أكلَه جمع من العلماء للاستخباث.
الذي اطلعت عليه من مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة: تحريم أكل الفيل لأنه ذو ناب، لا لأنه من الخبائث.

وأما المالكية فحكمه عندهم حكم سائر السباع: وهو الجواز مع الكراهة. والله تعالى أعلم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
بارك الله فيكم
بل نص جمع منهم على التعليل بالأمرين..


قال العلامة محمد بن أحمد الفتوحي في "شرح المنتهى":
ويحرم من حيوان البر......(وفيل)؛ لقول أحمد:ليس هو من أطعمة المسلمين، وقال الحسن:هو مسخ.
وكرهه أبوحنيفة والشافعي، ورخص في أكله شعبة
ولنا :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع. وهو من أعظمها ناباً..
ولأنه مستخبث فيدخل في عموم قوله سبحانه وتعالى: ((وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ )). أهـ


وقال الإمام ابن قدامة في " المغني" : والفيل محرم . قال أحمد : ليس هو من أطعمة المسلمين ، وقال الحسن : هو مسخ وكرهه أبو حنيفة ، والشافعي ، ورخص في أكله الشعبي ، ولنا نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع ، وهو من أعظمها ناباً ، ولأنه مستخبث فيدخل في عموم الآية المحرمة للخبائث. اهـ .


وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي في شرح الزاد: ([والفيل]: فيه قولان للعلماء: الجمهور على تحريم أكل الفيل؛ وذلك لأمرين:

أولاً: وجود الناب فيه، حتى قال الإمام أحمد : لم أر أعظم منه ناباً، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم كل ذي ناب. وهو يعدو؛ فإنه إذا آذاه الإنسان يفتك به، وإن كان فتكه ليس بالناب، لكنه يعدو عليه ويقتله، ففيه الكلَب.

الوجه الثاني: خبث الفيل، ومن هنا قالوا: إنه جمع بين الوصفين).
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
جزاك الله خيراً أخي هشام ...
ومن باب المدارسة، والوصول إلى وضوح في موضوع: الحمار الوحشي، ما هو بالضبط؟.
ولي مشاركتان سابقة في موضوع متميز:
الأولى هي:
لدي تساؤل من قديم؛ ولعله جاء حينه:
هذا الحمار الوحشي المخطط لا تعرفه جزيرة العرب؛ وليست من مساكنه.

فهل هو داخل في المراد [أنه الحمار الوحشي المباح الأكل]؛ لأنه أقرب وصفاً للحمار الأهلي؛ ومعلوم أن الحمار الأهلي إذا لم يُروَّض صار وحشياً كما هو في جهاتنا الآن.
وفي ظني أن العرب لم تكن تعهده ولا تعرفه؛ وعليه فهل يكون معهوداً في خطابها؟!.
واللي استقر عليه ذهني من مدة أن حمار الوحش: إما المها أو الوضيحي!.
فهلاَّ جليتم الأمر بمزيد بحثٍ وتنقيب -رعاكم الله-؟!.


والأخرى هي:
الحمير التي أعرفها بالمشاهدة نوعان:
الأول: الأبيض المعروف عند عامة الناس(المستأنس الأهلي)
والان مع عدم الاحتياج إليها أصبحت متوحشة تنفر من الناس.
وثمة نوع آخر؛ وهو أصغر حجماً؛ ويقرب لونه من الصورة الأولى؛ ولونه رصاصي وقد يميل إلى السواد؛ إلا أنه ينفر من الناس؛ والناس تنفر منه لشدَّته.
وبعض العوام يسميه: جحش؛ والبعض يصفه: بأنه صغير الحمار الأبيض؛ ولربما كان فصيلاً آخر مقارب.

آملاً أن تجلي الأمر هنا؛ فهذا موضعه بارك الله فيكم.
https://feqhweb.com/vb/threads/1854-2
 
التعديل الأخير:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
مسألة أخرى: من سافر إلى بعض دول شرق آسيا؛ كتايلند واليابان وكوريا وغيرها ...
رأى مطاعم فيه من أنواع المآكل الشيء العجيب، فمما يحكيه المشاهد:
- أكل الثعابين، بل ولديهم أحواض لك أن تختار النوع الذي تريد ...
- طبخ الصراصير في المقلاة لتكون أكلاً مقرمشاً:eek: ونحوها ...
- ومثلها: الضفادع ... إلخ
والسؤال: إذا كان أهل تلك البلاد لا يستخبثون هذه المأكولات وما في حكمها؛ فما حكم أكل المسلمين لها هناك، أو من أسلم منهم.
لا سيما وليس لدي علم بالمسلمين هناك، هل يستخبثونها.

ثم هل قاعدة الاستخباث تحدد كالعرف، بمعنى تختص بأهل كل بلد؟.
آملاً الإثراء ... نفع الله بكم.
 

مجتهدة

:: متميز ::
إنضم
25 أبريل 2008
المشاركات
931
التخصص
فقه وأصول..
المدينة
000000
المذهب الفقهي
حنبلية على اختيارات الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-.
الحمد لله الذي جعلنا حنابلة..وبعـــد..


لدي تساؤل من قديم؛ ولعله جاء حينه:
هذا الحمار الوحشي المخطط لا تعرفه جزيرة العرب؛ وليست من مساكنه.
فهل هو داخل في المراد [أنه الحمار الوحشي المباح الأكل]؛ لأنه أقرب وصفاً للحمار الأهلي؛ ومعلوم أن الحمار الأهلي إذا لم يُروَّض صار وحشياً كما هو في جهاتنا الآن.
وفي ظني أن العرب لم تكن تعهده ولا تعرفه؛ وعليه فهل يكون معهوداً في خطابها؟!.
واللي استقر عليه ذهني من مدة أن حمار الوحش: إما المها أو الوضيحي!.

ماأشكل عليكم ياشيخ أشكل علي من قبل، من حيث أن الجزيرة العربية لاتعرفه إذ ذاك، ومن ناحية أنني قرأت لمن قال أنه المها أو الوضيحي،لكن ويال أسفي نسيت في أي الكتب قرأت، وأذكر اسم الشيخ الذي أتذكر أني قرأت ذلك له، لكني بحث في أقواله فلم أجد شيئاً..!! لذلك لا أحب ذكر اسمه..

وسألت أحد الشيوخ عن حمار الوحش وأنه لايوجد في الجزيرة! فذكر أنها لاتوجد لكنها تدخلها من منافذ حددها، أذكر أحدها الآن لكنه ماشق إلا بعد الإسلام!!؟؟
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
ومن ناحية أنني قرأت لمن قال أنه المها أو الوضيحي،لكن ويال أسفي نسيت في أي الكتب قرأت، وأذكر اسم الشيخ الذي أتذكر أني قرأت ذلك له، لكني بحث في أقواله فلم أجد شيئاً..!! لذلك لا أحب ذكر اسمه..

ممن ذكره الشيخ البسام عليه رحمة الله ...
ولست أتذكر بالتحديد في أي كتبه؛ ولربما كان في نيل المآرب، ثم تيسير العلام ...
ولكم الشكر بهذه المداخلة.
 

هشام بن محمد البسام

:: مشرف سابق ::
إنضم
22 مايو 2009
المشاركات
1,011
الكنية
أبو محمد
التخصص
شريعة
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
حنبلي
جزاك الله خيراً أخي هشام ...
ومن باب المدارسة، والوصول إلى وضوح في موضوع: الحمار الوحشي، ما هو بالضبط؟.
ولي مشاركتان سابقة في موضوع متميز:
الأولى هي:
لدي تساؤل من قديم؛ ولعله جاء حينه:
هذا الحمار الوحشي المخطط لا تعرفه جزيرة العرب؛ وليست من مساكنه.
فهل هو داخل في المراد [أنه الحمار الوحشي المباح الأكل]؛ لأنه أقرب وصفاً للحمار الأهلي؛ ومعلوم أن الحمار الأهلي إذا لم يُروَّض صار وحشياً كما هو في جهاتنا الآن.
وفي ظني أن العرب لم تكن تعهده ولا تعرفه؛ وعليه فهل يكون معهوداً في خطابها؟!.
واللي استقر عليه ذهني من مدة أن حمار الوحش: إما المها أو الوضيحي!.
فهلاَّ جليتم الأمر بمزيد بحثٍ وتنقيب -رعاكم الله-؟!.


والأخرى هي:
الحمير التي أعرفها بالمشاهدة نوعان:
الأول: الأبيض المعروف عند عامة الناس(المستأنس الأهلي)
والان مع عدم الاحتياج إليها أصبحت متوحشة تنفر من الناس.
وثمة نوع آخر؛ وهو أصغر حجماً؛ ويقرب لونه من الصورة الأولى؛ ولونه رصاصي وقد يميل إلى السواد؛ إلا أنه ينفر من الناس؛ والناس تنفر منه لشدَّته.
وبعض العوام يسميه: جحش؛ والبعض يصفه: بأنه صغير الحمار الأبيض؛ ولربما كان فصيلاً آخر مقارب.

آملاً أن تجلي الأمر هنا؛ فهذا موضعه بارك الله فيكم.
https://feqhweb.com/vb/threads/1854-2

الوحشي: ما لا يستأنس من دواب البر، وجمعه وحوش، وكل شيء يستوحش عن الناس فهو وحش ووحشي. اهـ. من المصباح المنير.

والفرق بين الحمر الوحشية والأهلية: أن الوحشية لا ينتفع بها في الركوب والحمل، بل ينتفع بلحمها خاصة، بخلاف الأهلية.

ولا فرق في الحمار الوحشي بين أن يستأنس أو يبقى على توحشه، كما أنه لا فرق في تحريم الأهلي بين الحالين. إلا عند المالكية فيقولون: تحرم الحمر الوحشية إذا تأنست، فإن عادت إلى أصلها حلت.

والحكم في الحيوان الذي لا تعرفه العرب، تقدم بينه في أثناء الكلام على المسألة السابعة، وهي حكم أكل ما تستخبثه النفوس السليمة.

وذكرتُ هناك أن الحنفية والحنابلة قالوا: وما لا يعرفه أهل الحجاز ولا ذكر في الشرع: يرد إلى أقرب ما يشبهه في الحجاز. فإن لم يشبه شيئا منها: فهو مباح، لدخوله في عموم قوله تعالى: { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } الآيَة.

وقال الشافعية: إن جُهِل اسم حيوان: سُئل العربُ عن ذلك الحيوان، وعُمِل بتسميتهم له مما هو حلال أو حرام، لأن المرجع في ذلك إلى الاسم، وهم أهل اللسان. فإن لم يكن له اسم عندهم: اعتبر بأشبه الحيوانات به في الصورة أو الطبع أو الطعم في اللحم. فإن تساوى أو فقد ما يشبهه: حل على الأصح.

فلو صح أن العرب لم تكن تعرف هذه الحمر المخططة في الزمن السابق، فإنها تعتبر بأشبه الحيوانات بها، وهي إلى الوحشية أقرب منها إلى الأهلية، لتسميتها ولصفاتها أيضا، فهي تستوحش من الناس، ولا يعرف أنها استأنست عند الأفارقة ولا غيرهم، ولا أنهم استعملوها في ركوب وحمل أثقال، ثم هي تقوم بنفسها فلا تحتاج إلى رعاية الإنسان بخلاف الأهلية، وهي أيضا سريعة الجري، وفيها من القوة ما تمتنع به من الذئب والضبع والفهد ونحوها من صغار السباع.

ثم إنه لا يلزم من عدم وجودها في بلادنا اليوم، عدم وجودها في الزمن السابق، قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع 15/18 في أثناء كلامه على الضبع: وتعتبر هذه الحيوانات الآن منقرضة، يعني نادرا أن تجدها في البلاد، وكانت قديما في الجزيرة العربية، ويقال: إن سبب انقراضها فتح قناة السويس، لأنها كانت تأتينا من أفريقيا، وذلك لما كان بين الجزيرة العربية وأفريقيا يابس متصل، ثم لما فتحت القناة امتنعت. اهـ.

وليست ( المها ) من الحمر الوحشية: فقد نص الفقهاء على أنها من بقر الوحش، وهي كذلك لمن شاهدها، لما لها من القرون وغير ذلك.

أما ( الوضيحي ) فقد ذكر الشيخ ابن بسام رحمه الله في تيسير العلام 2/428: أن الحمار الوحشي أقل خلقه من الحمار الأهلي، وأنه يسمى الآن الوضيحي. لكن ليس فيه نفي أن يكون الحمار المخطط من الحمر الوحشية. والله تعالى أعلم بالصواب.
 

هشام بن محمد البسام

:: مشرف سابق ::
إنضم
22 مايو 2009
المشاركات
1,011
الكنية
أبو محمد
التخصص
شريعة
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
حنبلي
مسألة أخرى: من سافر إلى بعض دول شرق آسيا؛ كتايلند واليابان وكوريا وغيرها ...
رأى مطاعم فيه من أنواع المآكل الشيء العجيب، فمما يحكيه المشاهد:
- أكل الثعابين، بل ولديهم أحواض لك أن تختار النوع الذي تريد ...
- طبخ الصراصير في المقلاة لتكون أكلاً مقرمشاً:eek: ونحوها ...
- ومثلها: الضفادع ... إلخ
والسؤال: إذا كان أهل تلك البلاد لا يستخبثون هذه المأكولات وما في حكمها؛ فما حكم أكل المسلمين لها هناك، أو من أسلم منهم.
لا سيما وليس لدي علم بالمسلمين هناك، هل يستخبثونها.

ثم هل قاعدة الاستخباث تحدد كالعرف، بمعنى تختص بأهل كل بلد؟.
آملاً الإثراء ... نفع الله بكم.
تقدم بيان المراد بالخبائث في قوله تعالى: { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ } (157) سورة الأعراف.

وذلك في أثناء الكلام المسألة السابعة وهي حكم أكل ما يستخبث.

وأن الحنفية والحنابلة: قالوا العبرة باستخباث أهل الحجاز من أهل القرى والأمصار دوان أهل البادية.

والشافعية اعتبروا استخباث أكثر العرب من ذوي اليسار أهل القرى والأمصار. قالوا: وعلم بالعقل أنه لم يرد ما يستطيبه كل العالم، لاستحالة اجتماعهم على ذلك عادة، لاختلاف طبائعهم، فتعين أن يكون المراد بعضهم، والعرب بذلك أولى الأمم، إذ هم المخاطبون أولا، ولأن الدين عربي.

وأما المالكية فقالوا: المراد بالخبائث ما حرمه الشرع لا ما تستخبثه النفوس، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، وبناء على ذلك أباح المالكية أكل حية أَمِن أكلُها سُمَّها وخشاش الأرض كعقرب وخنفساء وجندب ونمل ودود وغيرها.
 

هشام بن محمد البسام

:: مشرف سابق ::
إنضم
22 مايو 2009
المشاركات
1,011
الكنية
أبو محمد
التخصص
شريعة
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
حنبلي
الدرس الثامن

المسألة الثامنة: حكم أكل ما أُمِر بقتله:

كما في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يَقْتُلُهُنَّ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ. متفق عليه.

وفي رواية لمسلم: ( الْعَقْرَبُ ) بدل ( الْحَيَّةُ ).

وفي رواية له: تقييد الغراب بكونه أبقع، فقال: ( والْغُرَابُ الأَبْقَعُ ).

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: " اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك, ويقال له: غراب الزرع ". اهـ.

وقد اختلف الفقهاء هل الأمر بقتل الحيوان يدل بمجرده على تحريم أكله، على قولين:

القول الأول: تحريم أكل ما أمر بقتله، وبه قال الشافعية والحنابلة، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح قتلها في الحرم، ولا يجوز قتل صيد مأكول في الحرم، ولأن ما يؤكل لا يحل قتله إذا قُدِر عليه، وإنما يذبح ويؤكل.

القول الثاني: أن الأمر بقتل الحيوان لا يفيد بمجرده التحريم، وبه قال الحنفية والمالكية، قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أمر بقتلهنَّ لتعديهن على الناس، فالمعنى فيهنَّ كونهن مؤذيات، لا لحرمة أكلهن.

فأباح المالكية أكل فأرٍ وحية أَمِن سُمَّها وعقرب وغراب وحدأة، وكرهوا أكل الكلب تنزيها.

أما الحنفية فقالوا بتحريم أكل هذه الأشياء، لا لكونها أُمِر بقتلها، بل للاستخباث في الفأرة والحية والعقرب، ولأكل الجيف في الغراب الأبقع، وللمخلب في الحدأة، وللنَّاب في الكلب. وتقدم بيان ذلك.

فائدة: الغربان ثلاثة أنواع:

1- نوع لا يأكل إلا الجيف كالغراب الأبقع، وهو حرام عند الحنفية والشافعية والحنابلة.

2- ونوع يأكل الحب ولا يأكل الجيف كغراب الزرع، وهو حلال باتفاقهم، لاستطابته.

3- ونوع يخلط يأكل الحب مرة والجيف أخرى كالعقعق، وهو حلال عند الحنفية، حرام عند الشافعية والحنابلة. وأما المالكية: فأباحوا أكل جميع أنواع الغربان من غير كراهة.

( غراب الزرع ): أسود صغير وقد يكون محمر المنقار والرجلين. ( العقعق ): غراب نحو الحمامة حجما طويل الذنب فيه بياض وأسود.

المسألة التاسعة: حكم أكل ما نُهِي عن قتله:

وذلك في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني. ( الصرد ): طائر فوق العصفور ضخم الرأس والمنقار يصيد العصافير.

ذهب الشافعية والحنابلة: إلى تحريم أكل ما نهي عن قتله.

وذهب الحنفية والمالكية ورواية عن أحمد: إلى أن النهي عن قتل الحيوان لا يفيد التحريم، وأنه يحل أكل الهدهد والصرد لأنهما من الطيبات. وكذا تحل النملة والنحلة عند المالكية، كما تقدم من أنهم يبيحون أكل الحشرات.

المسألة العاشرة: حكم أكل ما تولد من مأكول وغيره:

ذهب الشافعية والحنابلة: إلى تحريم ما تولد من مأكول وغيره، تغليبا لجانب الحظر، سواء كان المأكول من أبوية الذكر أو الأنثى، كالبغل المتولد بين الخيل والحمر الأهلية، وكالسِّمع وهو ولد ضبع من ذئب، وكالعِسْبار وهو ولد ذئبة من ضِبْعَان ( ذكر الضباع ).

وقال الحنفية: المعتبر في الحل والحرمة الأم، فإذا كانت الأم مأكولة والأب غير مأكول: حل، وإن كان العكس: حرم. كالحمار المتولد بين حمار أهلي ووحشي، فإن كانت الأم هي الحمار الأهلي: حرم الولد، وإن كانت هي الحمار الوحشي: حل الولد. والله تعالى أعلم.

وانتهى بهذا، القسم الأول من الأعيان الحيوانية.
 

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين
مامعنى ان الثعلب من الطيبات وان بن آوى من الخبيثات ؟
وهل يقصدون بالقطط الاهلية مانعرفها بالبلدى الذى يعيش فى الشارع وبالانواع التى تباع فى المحلات ويربيها الناس فى بيوتهم ؟ والقطط الوحشية هى ماتعض وتهجم على الانسان؟ وأين تسكن ؟
ومادليل تفريق العلماء بين مانابه قوى ومانابه ضعيف ؟
 

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين
من حرم الضب كيف أجاب عن الاحاديث ؟
وكيف الببغاء والطاووس من الخبائث وهما من أجمل الطيور ؟ والببغاء يجبس فى الاقفاص ايضا
القول الثاني: يجوز أكله قبل نفخ الروح فيه لا بعده، وبه قال الحنفية، لأن اسم الميت إنما يطلق على من له روح.

كيف نميز بين الدود الميت قبل نفخ الروح فيه وبين ما مات بعد نفخ الروح فيه ؟ معضلة هذه بل ان بعض الناس لايستطيع رؤية الدود أصلا :confused:
 

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: " اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك, ويقال له: غراب الزرع ". اهـ.



فأباح المالكية أكل فأرٍ وحية أَمِن سُمَّها وعقرب وغراب وحدأة، وكرهوا أكل الكلب تنزيها.


( غراب الزرع ): أسود صغير وقد يكون محمر المنقار والرجلين. ( العقعق ): غراب نحو الحمامة حجما طويل الذنب فيه بياض وأسود.

.
يعنى اتفقوا على ان غراب الزرع لايُقتل ؟ وما رأيك فى اننى رأيت غربان فى اراضى زراعية اكثر من مئة مرة وهى اكبر جسما من الحمامة ويمشى الواحد منهم كمشية الرجل الثمين جدا والذى فى رجله عيب خلقى ورأيتهم فى مرة وأحدهم يأكل جيفة حمامة ولاأدرى أصادها حية أم وجدها ميتة ورأيت اخوانه من الغربان شاخصين أبصارهم نحوه وهو يأكل وينتظرون أى غفلة منه ليقتنصوا الجيفة
بل وسمعت من احد الفلاحين انه قال ورأى أن من يقتل أحد هذه الغربان فى الارض الزراعية سيجد جيش من اخوانه الغربان يلتفون عليه ويوجعونه ضربا بالمناقير
ولماذا استثنى المالكية اكل الكلب من الاباحة وكرهوه
 

هشام بن محمد البسام

:: مشرف سابق ::
إنضم
22 مايو 2009
المشاركات
1,011
الكنية
أبو محمد
التخصص
شريعة
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
حنبلي
مامعنى ان الثعلب من الطيبات وان بن آوى من الخبيثات ؟
الصحيح في هذا مذهب الحنابلة وهو تحريمهما، وأما من فرق بينهما: فقال الثعلب حلال لأنه لا يتقوى بنابه ولأنه من الطيبات، وابن آوى حرام لأنه يعدو بنابه ويأكل الميتة. فعلة استخباث ابن آوى عنده أنه يأكل الجيف.
والعلماء قد يختلفون في حيوان هل هو حلال أو حرام، بناء على اختلافهم هل وجدت فيه علة التحريم من كونه يصيد بنابه أو أن العرب تستخبثه أو لم توجد فيه هذه العلة.
وهل يقصدون بالقطط الاهلية مانعرفها بالبلدى الذى يعيش فى الشارع وبالانواع التى تباع فى المحلات ويربيها الناس فى بيوتهم ؟ والقطط الوحشية هى ماتعض وتهجم على الانسان؟ وأين تسكن ؟
نعم المراد بالهر الوحشي ما لا يستأنس بل يعيش في البر، وأما الأهلي أو الإنسي فهو الذي يعيش بين الناس ويطوف عليهم.
ومادليل تفريق العلماء بين مانابه قوى ومانابه ضعيف ؟
ليس كل ماله ناب من الحيوان يكون محرم الأكل، بل المحرم ما له ناب يصيد وينهش به كالأسد والنمر، وأما ما لا يصيد بنابه كالجمل فلا يحرم.
وبناء على هذا يختلف العلماء في بعض الحيوانات هل هي حلال أو حرام، بناء على اختلافهم هل تصيد وتنهش بنابه أم لا. والحيوان ذو الناب الضعيف، يكون مترددا بين ما يعدو بنابه وبين ما لا يعدو به.
من حرم الضب كيف أجاب عن الاحاديث ؟
تقدم أن القائلين بتحريم الضب وهم الحنفية حملوا الأحاديث الصحيحة المصرحة بحل أكله على ابتداء الإسلام، قبل نزول { ويحرم عليهم الخبائث }.
وكيف الببغاء والطاووس من الخبائث وهما من أجمل الطيور ؟ والببغاء يجبس فى الاقفاص ايضا
الصحيح في هذه المسألة: إباحتهما، كما هو مذهب الحنابلة، لمنع كونهما من الخبائث. والشافعية إنما حرموهما لأجل خبث لحمهما لا لخبث خلْقهما. والمرجع في الاستطابة والاستخباث إلى ذوي اليسار من أهل القرى والأمصار، من أهل الحجاز كما هو مذهب الحنفية والحنابلة أو من عامة العرب كما هو مذهب الشافعية. وتقدم توضيح هذا في المسألة السابعة.
كيف نميز بين الدود الميت قبل نفخ الروح فيه وبين ما مات بعد نفخ الروح فيه ؟
لم أجد في كتب الحنفية زيادة على ما ذكرتُه.
يعنى اتفقوا على ان غراب الزرع لايُقتل ؟ وما رأيك فى اننى رأيت غربان فى اراضى زراعية اكثر من مئة مرة وهى اكبر جسما من الحمامة ويمشى الواحد منهم كمشية الرجل الثمين جدا والذى فى رجله عيب خلقى ورأيتهم فى مرة وأحدهم يأكل جيفة حمامة ولاأدرى أصادها حية أم وجدها ميتة ورأيت اخوانه من الغربان شاخصين أبصارهم نحوه وهو يأكل وينتظرون أى غفلة منه ليقتنصوا الجيفة
بل وسمعت من احد الفلاحين انه قال ورأى أن من يقتل أحد هذه الغربان فى الارض الزراعية سيجد جيش من اخوانه الغربان يلتفون عليه ويوجعونه ضربا بالمناقير
رأيي أن هذا ليس بغراب الزرع، لأنه يأكل الجيف، ولأنه لا يشبه غراب الزرع في الخِلْقة، فغراب الزرع أسود صغير يأكل الحب فقط دون الجيف، والغراب الذي ذكرتَه كبير يأكل الجيف، وتقدم أن الغراب الذي يخلط فيكل الحب تارة والجيف تارة، يحرم أكله عند الشافعية والحنابلة. وقولي ( كالعقعق ) يدل على التمثيل لا الحصر.
ولماذا استثنى المالكية اكل الكلب من الاباحة وكرهوه
كرهوه لأنهم يقولون بكراهة كل ذي ناب من السباع، لا لأنه أمر بقتله.
 
التعديل الأخير:

هشام بن محمد البسام

:: مشرف سابق ::
إنضم
22 مايو 2009
المشاركات
1,011
الكنية
أبو محمد
التخصص
شريعة
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
حنبلي
الدرس التاسع

القسم الثاني
الحيوان المائي والبرمائي
الحيوان المائي: هو الذي لا يعيش إلا في الماء، وعيشه خارجه كعيش المذبوح.

والحيوان البرمائي: هو الذي يعيش دائما في بر وبحر، أو هو الذي مأواه البحر ويعيش في البر، ككلب الماء والتمساح والضفدع والسرطان والسُّلَحفاة البحرية.

المسألة الأولى: حكم أكل الحيوان المائي والبرمائي:

ذهب الحنفية: إلى أنه لا يحل من حيوان الماء إلا السمك خاصة، قالوا: ومن السمك: الجِرِّيت والمارماهي، ( الجريت ): سمك أسود، وقيل: نوع من السمك مدور الرأس. ( المارماهي ): سمك في صورة الحية. وأفردوهما بالذكر: لخفاء كونهما من جنس السمك، ولخلاف محمد بن الحسن. وما سوى السمك من الحيوانات المائية والبرمائية: فلا يحل أكله، كالحية والسرطان والسلحفاة والضفدع وإنسان الماء وخنزيره.

وذهب المالكية: إلى إباحة الحيوان المائي والبرمائي مطلقا، ولو ميتا أو آدميا أو خنزيرا أو كلبا أو تمساحا أو سلحفاة، قالوا: ولا يفتقر لتذكية.

وذهب الشافعية: إلى إباحة السمك، وكذا غيره من حيوان الماء في الأصح. وأما الحيوان البرمائي، فاختلفوا فيه، فقال النووي في المجموع: الصحيح المعتمد أن جميع ما في البحر تحل ميتته إلا الضفدع. اهـ. وقيل: إن أُكِل نظيره في البر كفرس البحر حل بتذكيته، وإن لم يؤكل نظيره في البر، أو لم يكن له نظير في البر، لم يحل، ككلب الماء وخنزيره والضفدع والسرطان والحية والتمساح والسلحفاة.

وذهب الحنابلة: إلى إباحة جميع الحيوانات المائية والبرمائية إلا الضفدع والحية والتمساح. وقالوا: بحل ميتة الحيوان المائي، وأما البرمائي ككلب الماء فلا يباح المقدور عليه منه إلا بالتذكية. قالوا: وذكاة السرطان أن يفعل به ما يموت به، بأن يُعقر في أي موضع كان.

الأدلة:

استدل القائلون بحل جميع الحيوانات المائية بأدلة منها:

1- قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } (96) سورة المائدة. قال ابن كثير في تفسيره: " قال ابن عباس في الرواية المشهورة عنه: ( صيده ) ما أخذ منه حيا. ( وطعامه ) ما لفظه ميتا. وهكذا روي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهم ... ". اهـ.

2- حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البحر: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ. رواه الخمسة، وصححه البخاري والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن المنذر والطحاوي والبغوي والخطابي وغيرهم كثير. انظر إرواء الغليل للألباني.

فالآية والحديث عامان، لم يفرقا بين ما يسميه الناس سمكا، وما يسمونه كلبا أو خنزيرا.

واستدل القائلون بتحريم الضفدع - وهم الشافعية والحنابلة - : بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله. فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ رضي الله عنه: أَنَّ طَبِيبًا ذَكَرَ ضِفْدَعًا فِي دَوَاءٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهِ. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الحاكم والألباني. وقد تقدم أن الشافعية والحنابلة يقولون: بتحريم أكل ما نهي عن قتله، كالهدهد والصرد.

ووجه القول بتحريم الحية: أنها من الخبائث.

ووجه القول بتحريم التمساح: أنه يأكل الناس، وأنه يتقوى بنابه، لكنهم قالوا بحل سمك القرش، قال في الموسوعة الفقهية الكويتية: " والظاهر أن التفرقة بينهما مبنية على أن القرش نوع من السمك لا يعيش إلا في البحر، بخلاف التمساح ". اهـ.

ووجه القول بتحريم الحيوان البرمائي الذي ليس له نظير في البر مأكول: الاستخباث.

واستدل القائلون بعدم حل ما سوى السمك: بقوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } (3) سورة المائدة، فلم يفصل بين البري والبحري، والأصل في الحيوان البحري أنه ميتة، لا يجوز أكلها، إلا ما استثني منها وهو السمك المشار إليه بقوله: ( أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ ) و ( الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ). قالوا: ولأن ما سوى السمك من حيوان البحر خبيث كالحية والضفدع والسرطان ونحوها.

المسألة الثانية: حكم أكل السمك الطافي:

ذهب الحنفية: إلى حل أكل جميع أنواع السمك بلا ذكاة إلا الطافي على الماء الذي مات حتف أنفه، وهو ما كان بطنه من فوق، فلو كان ظهره من فوق فليس بطافٍ فيؤكل. وأما الذي مات بآفة: فهو مباح، كالسمكة التي في جوف أخرى، فموتها بآفةِ ابتلاعها. ومن الآفة: أن يموت بسبب حر الماء أو برده، أو بسبب رَبْطه في الماء كما لو مات في شبكة لا يقدر على التخلص منها، أو بسبب إلقاء شيء في الماء يعلم أنها تموت منه، أو بسبب ضيق المكان كما لو جمعه في حظيرة لا يستطيع الخروج منها. واستدلوا بأدلة منها:

حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ، وَمَا مَاتَ فِيهِ وَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ. رواه أبو داود وابن ماجه، وضعفه الألباني.

قالوا: والحكمة من تحريم الطافي، احتمال فساده وخبثه حينما يموت حتف أنفه ويرى طافيا لا يُدرى كيف ومتى مات، بخلاف ما مات بسبب حادث.

وذهب المالكية والشافعية والحنابلة: إلى حل السمك الطافي. واستدلوا بأدلة منها:

1- قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } (96) سورة المائدة. وتقدم قول ابن عباس وغيره: ( صيده ) ما أخذ منه حيا. ( وطعامه ) ما لفظه ميتا.

2- حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البحر: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ. رواه الخمسة، وصححه البخاري والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم.

3- حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني، ونقل ابن حجر في التلخيص الحبير، تصحيح الحديث موقوفا على ابن عمر عن أبي زرعة وأبي حاتم والدارقطني، ثم قال: وهي في حكم المرفوع، لأن قول الصحابي: أحل لنا وحرم علينا كذا، مثل قوله: أمرنا بكذا ونهينا عن كذا.

فقوله:" الْحِلُّ مَيْتَتُهُ " و " أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ " عام يشمل الطافي وغيره.

4- حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ ... قَالَ: وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ، قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ، ثُمَّ قَالَ: لَا بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا، قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُ مِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا ... وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا، قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَأَكَلَهُ. متفق عليه.

المسألة الثالثة حكم أكل ميتة الحيوان البرمائي:

ذهب المالكية: إلى حل ميتة الحيوان البرمائي. وهو قول عند الشافعية صححه النووي كما تقدم.

وذهب الحنابلة: إلى عدم حل ميتته، فلا بد من تذكيته، وهو القول الثاني للشافعية. قال الحنابلة: وذكاة السرطان أن يفعل به ما يموت به، بأن يُعقر في أي موضع كان.

تنبيه: طير الماء، لا يعده الفقهاء بحريا، لأنه لا يسكن تحت سطح الماء، وإنما يكون فوقه وينغمس فيه عند الحاجة ثم يطير، ولهذا لا يحل إلا بتذكية، ويحرم صيده على المحرم.

وبهذا تم بحمد الله الكلام على الحيوان المائي والبرمائي، ويتبع إن شاء الله تعالى خاتمة أذكر فيها تلخيص لجميع ما تقدم.
 

هشام بن محمد البسام

:: مشرف سابق ::
إنضم
22 مايو 2009
المشاركات
1,011
الكنية
أبو محمد
التخصص
شريعة
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
حنبلي
خاتمة


تبين لنا مما سبق، أن أوسع المذاهب في باب الأطعمة، هو مذهب المالكية، حيث أباحوا جميع الحيوانات المائية والبرمائية، ولم يحرموا من الحيوانات البرية إلا الخنزير والحمر الأهلية والخيل، وأما ما عداها فأحلوا أكله، إما مع الكراهة وهو كل ذي ناب من السباع والخفاش، وإما من غير كراهة وهو ما عدا ذلك، فأباحوا جميع الطير حتى ذوات المخالب، وما يأكل الجيف، وما تستخبثه العرب، وما أمر بقتله أو نهي عن قتله.

في حين نرى أن الحنفية ضيقوا في حيوان البحر فقالوا بتحريم الحيوان البرمائي وكذا الحيوان المائي إلا السمك خاصة، وحرموا منه الطافي.

وأما الحنابلة فقالوا بحل جميع الحيوان المائي والبرمائي إلا الحية والضفدع والتمساح.

والشافعية اتفقوا على حل السمك، وكذا غيره من الحيوانات المائية في الأصح، واختلفوا في الحيوان البرمائي، فقيل: جميعه حلال إلا الضفدع. وقيل: يحرم إلا ما له نظير في البر مأكول.

وأما حيوان البر: فمذاهب الحنفية والشافعية والحنابلة، متقاربة في الجملة، حيث قالوا بتحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وما يأكل الجيف، وما تستخبثه العرب أو أهل الحجاز، إلا أنهم اختلفوا في بعض الأعيان الحيوانية كالضبع والثعلب السنجاب والفَنَك والسَمُّور وابن عرس والبومة والقنفذ والنيص والوبر واليربوع والضب والببغاء والطاووس.

فنجد أن الحنفية قالوا بتحريم معظم ما تقدم، فحرموا الضبع والثعلب والسنجاب والفنك والسمور وابن عرس والقنفذ والوبر واليربوع والضب.

واتفق الشافعية والحنابلة: على إباحة الضبع والوبر واليربوع والضب. وعلى تحريم ابن آوى والبومة. واختلفوا في الثعلب والسنجاب والفنك والسمور وابن عرس والقنفذ والنيص، فأباحها الشافعية وحرمها الحنابلة، واختلفوا أيضا في الببغاء والطاووس فأباحهما الحنابلة وحرمهما الشافعية.

والسنة الصحيحة دلت على إباحة الضبع والضب، وأما ما عداهما فهو محل اجتهاد هل الحيوان يدخل في القواعد السابقة أم لا. وفي بعضها أحاديث ضعيفة وآثار عن الصحابة.

واتفق الشافعية والحنابلة: على تحريم ما أمر بقتله، وما نهي عن قتله، وما تولد من مأكول وغيره.

في حين أن الحنفية: لم يروا أن الأمر بقتل الحيوان أو النهي عن قتله يفيد التحريم، فأباحوا الهدهد والصرد، وقالوا في الحيوان المتولد من مأكول وغيره: إنه تبع لأمه حلاً وحرمةً.

أسأل الله الكريم بمنه وفضله أن يهدي كاتبه وقارئه إلى الحق والصواب، وأن يرزقنا توبة قبل الموت، ويغفر لنا ويرحمنا، ويختم بالصالحات أعمالنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.

أسأل الله الكريم بمنه وفضله أن يهدي كاتبه وقارئه إلى الحق والصواب، وأن يرزقنا توبة قبل الموت، ويغفر لنا ويرحمنا، ويختم بالصالحات أعملنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


آمين، أسأل الله عز وجل الكريم المنان أن يهب لك من خير الدنيا والآخرة وأن ينفع بك وأن يجعلك مباركاً أينما كنت، وأن ينفع بدورتك هذه ، وأن يعينك على غيرها، وأن يسددك ويوفقك إلى ما يحبه ويرضى.
 
أعلى