العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الواقعية ، والمعيارية ، في ضوء مقولة :"المقاصد" دعوة إلى اكتشاف العلاقة بينهما

إنضم
3 يوليو 2010
المشاركات
53
الكنية
أبو عمر
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
المذهب الحنبلي
الواقعية ، والمعيارية ، في ضوء مقولة :"المقاصد"


دعوة إلى اكتشاف العلاقة بينهما .

ازدحم الدرْس الإسلامي بِكَمٍ هائلٍ من الإنتاج المقاصدي ، استوعب المراكز العلمية على جغرافيا المسلمين الممتدة : من ماليزيا في جنوب شرق آسيا ، إلى المملكة المغربية في أطراف الشمال الإفريقي ، وكان هناك التحام ظاهري بين فكرتي : المقاصد ، والتجديد ([1])، لدى تيار ، ولدى تيارٍ آخر كان الالتحام الظاهري بين فكرتي : المقاصد ، والحداثة . تباينت الاستخدامات ، والفكرة واحدة ، هي : المقاصد ، وعدم اسْتِجْرار القديم بكل سلبياته .
كان الدافع لهذا الدرْس بهذا الكم الهائل من الإنتاج المقاصدي هو : أن العصر الحديث امْتَلأ ، بل ازدحم بمستجداتٍ كثيرة ، ومتنوعة ، ومتلاحقة ، بل ومتسارعة ، في مختلف شؤون الحياة ، وأنماطها المتنوعة ، فلم تعد النظم والقوانين تفي بمتطلبات ذلك : إنِ اقْتُصِر على حرفيتها ، والظاهر من ألفاظها ؛ ولذلك كان التنادي من أهل القانون بالكشف عن قصد المشرع ، وغايته ، وإرادته ، فكان ما يُسمَّى بتفسير النصوص بما لا يبتعد عن غاياتها النهائية ، فالدستور - عندهم - وثيقة ، نابضة بالحياة ، لا تصد عن التطور ، فنسيجها متناغماً مع روح العصر ([2]).
وأما الشريعة الإسلامية فهي معتمِدة على نصوص تشريعية ، في القرآن والسنة ، وهي متناهية ، والوقائع غير متناهية ، وما هو متناهي – إنِ اقْتُصِر على الحرفية والظاهرية – لا يفي بما لا يتناهى ، فكانت الحاجة لإيجاد العلل واستخدام المقاييس ، ثم مع تباعد الزمان عن زمان النبوة اشتدت الحاجة إلى ما يُسمَّى بالمصالح المرسلة ، ثم تباعد الزمان أكثر ، وكَثُرَت المستجدات ، وتشابكتْ في الحياة ، وازدحمت المصالح مع المفاسد ، وحصل التعارض فيها ، وكَثُرَت الاختلافات الفقهية ، فظهرت الحاجة إلى ما يُسمَّى بمقاصد الشريعة العامة ، حتى إن الطاهر بن عاشور ، العالم ، التونسي الأصل([3]) – أراد بتأليفه لكتابه :"مقاصد الشريعة الإسلامية" : أن تكون تلك المقاصد نبراساً للمتفقهين في الدين ، ومرجِعاً بينهم عند اختلاف الأنظار ، وتبدل الأعصار ، وتوسُّلاً إلى إقلال الاختلاف بين فقهاء الأمصار ، ودُرْبةً لأتباعهم على الإنصاف في ترجيح بعض الأقوال على بعض ، عند تطاير شَرَرِ الخلاف ؛ حتى يَسْتَتِبَّ بذلك ما أراد من نبذ التعصب ، والفَيْئة إلى الحق ([4]). وأراد أن يستنبط مقاصد شرعية قطعية ؛ لكي يَقْطَع القطعيُّ الخلاف ، فهو يرى أن سبب كثرة الخلاف الاستناد إلى الظنيات ، التي تختلف فيها الأفهام ([5]).
غير أن عناية الفقهاء بمقاصد نصوصهم التشريعية : بتأصيلها ، والبناء عليها - أكثر بكثير مما هو عند أهل القانون ؛ وذلك لأن الداعي الذي قام عند فقهاء الشريعة لم يقم عند أهل القانون ، وبيان ذلك : أن التشريع الوضعي قابلٌ للتعديل ، والتغيير بما يزعم مُشَرِّعوه : أنه يحقق مصالح الجماعة والأفراد ، فهو تشريع قابل للتغيير والتعديل باستمرار ، فليس بحاجة ماسة إلى نظرة مقاصدية ، مجالها في التعليل من أجل القياس ، وفي تفسير النصوص ، فمثل هذه النظرة ضرورية في التشريع الثابت ، الغير قابل للزيادة أو النقصان ، وهو تشريع القرآن والسنة([6])، وهذا لا يعني عدم حاجة أهل القانون لمقاصد تشريعهم ، وإلا لم يكن ما يُسَمَّى بروح القانون ، الذي يحكُم تفسير النصوص ، ثم إن الرجوع لروح القانون يَضْطَرُّ إليه مَن تكون السوابق القضائية في عُرْف بلده تشريعاً ، لا يُنْقَض .
ويمكن أن يُراد بالمقاصد في الشريعة والقانون : الحِكَم والغايات المصلحية من التشريع ، التي هي الإرادة التشريعية ([7]).
وعند جَعْل مقولة :"المقاصد" في مَحَكِّ التطبيق نجد أنها موطنٌ احتدم فيه الصراع من قبل التيارات : المحافظة ، التي قد توصَف بالظاهرية ، والمنفتحة ، التي قد توصَف باتباع الرأي . الأول يُشَدِّد في اتباع النص ، ويُظْهِر قدسيته ، ويَتَّهم الآخَر بزعزعة الثوابت باسم المقاصد ، وأنه يريد أن يجعلها متغيرة ، حتى في المقدَّرات والحدود ، والثاني يُشَدِّد في اتباع المعاني ، ويَفْهَم النصوصَ بها ، ويَتَّهم الآخر بجعل المتغيرات ثوابت ، حتى في الأمور العرفية المصلحية ، التي تتغير بتغير الزمان والمكان والشخص والحال .
وهناك تيار لا ينطلق من أرضية التسليم للنص ([8])، وإنما من الواقع الذي يَفْهَمُه العقل ، فهو يرى أن المقاصد لم تحقق الهدف منها ، وهو : الإقلال من الخلاف ، وكونها قواطع يُحْتَكم إليها ؛ إذ الخلاف – في نظره – لم يَنْحِسم ، بل ولا انْحَسَر ، فقد استمر ، وازداد ، واشتد ، وانتقل الخلاف من الفروع إلى الخلاف في مقولة المقاصد : في تكوينها ، وفي الاستدلال بها ، فما ظُنَّ أنه به يَحْسِم الخلاف إذا به سببٌ للخلاف ، وما ظُنَّ أنه قواطع يُحْتَكم إليها إذا بها ظنون ، توقع في النسبية ؛ ويذكر أن السبب في الوقوع مما أُريد الإفلات منه هو : أن العقلَ الفقهي – سواء عند المحافظين ، أو المنفتحين – معقولٌ ، أي : أنه داخل قفص النصوص ، عاجز عن الانطلاق ، وكَسْر قيود التقليد ، وأنه بذلك لا يقوى عن مجاراة الحياة الحاضرة ، ولا يستوعبها ؛ لأنه أنكر الحياة ، فأنكرته ، فانْفَصَمَتْ صلتها بالعقل الفقهي ، فلا يمكنها أن تأنس إلا بعقل يكون من طينتها ، وهو العقل النقدي الحر ، فهو سليلها بلا نزاع ، هكذا يزعم هذا التيار .
وهذا التيار – الذي ينطلق من الواقع في تكوين مبادئه – يَدْرُس النصوصَ بالسياق التاريخي ، فيُفَسِّرها بمنهج :"تفكيك النص" : مقدساً كان ، أو غير مقدس ؛ لتنتهي بذلك سلطة النص([9]).
إن الجدل في مقولة :"المقاصد" دائرٌ بين الصفة الواقعية والصفة المعيارية ، فالغاية من التشريع : معاني وحِكَم مصلحية ، تعود بالنفع على البشرية ، وهذه المنافع مبثوثة في واقع الوجود ، في هذه الدنيا ، فيرى البعض أن الفِكْر يحتكِم للنص ، فهو معيارٌ لتقويمه وتصحيحه ، يرفع الواقعَ إليه . وآخر يرى أن المقاصد لها الصفة المعيارية ، فلا يجمد على ظاهر النص ، لكنه لا يزال في دائرة تقديس النص . وآخر يرى أن الواقع هو المعيار ، ينظر إلى النص بمنظارٍ تاريخي ، وبمنهجٍ تفكيكي ، فلا النص معيارٌ ، ولا مقاصده معيارٌ ، غير أن جَعْل المقاصد معيارٌ ، وهي المنافع في واقع الوجود – يَرْتَدُّ إلى نوعٍ من كون الواقع هو المعيار ؛ ولذلك مَن لا يعتبر المقاصد معياراً يقع في التناقض ؛ لكون المقاصد منافعاً في الواقع . كأن الأمر يدور في حلَقة : واقعية ...معيارية ...واقعية ... وهكذا دواليك .
يزداد الأمر إشْكالاً عند تراجع السلطتين : السياسية والعلمية ، أو عند شغور الزمان منهما([10]) ؛ إذ تكون المقاصد حينئذٍ هي المنقِذ([11])، فالإحالة على أمور كلية مقاصدية أولى من التخَبُّط في الجهالات ، والمقاصد هي منافع في الواقع ، وقد اعْتُبِرَتْ معياراً ، فارْتَدُّ الأمر إلى نوعٍ من كون الواقع هو المعيار ، ورجعنا إلى الدوران في الحلَقة ...
وحينئذٍ تبرز الحاجة الملحة إلى اكتشاف العلاقة بين الصفتين : الواقعية ، والمعيارية في ضوء مقولة :"المقاصد" ، وأطْرَح ذلك على طاولة البحث والدراسة ، حاثَّاً المفكرين على اكتشاف هذه العلاقة ، وما كان هذا المقال إلا دعوة للبحث في اكتشاف هذه العلاقة .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
كتبه : المحاضر فيصل بن عامر الذويبي

([1])انظر : مدخل أصولي للمقاصد الشرعية ، لمحمد كمال الدين إمام : 12 ، ضمن دورة متخصصة عن :"المقاصد وقضايا العصر" ، في كلية الحقوق بجامعة الاسكندرية ، بالتعاون مع مركز الدراسات والبحوث القانونية والاقتصادية هناك ، لشهر ذي القعدة ، وذي الحجة ، لعام 1427هـ ، الموافق نوفمبر ، وديسمبر ، لعام 2006م ، ومطبوع ضمن كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ، الناشر : مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي – مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية ، بلندن ، الطبعة الأولى ، عام 2007م .

([2])انظر : فكرة المقاصد في التشريع الوضعي ، لمحمد سليم العوا : 267 ، ضمن نفس الدورة الآنفة الذكر ، ومطبوع ضمن الكتاب الآنف الذكر .

([3])هو :محمد الطاهر بن الشيخ محمد ، وعاشور من أجداده ، علامة الفقه ، وأصوله ، والتفسير ، وعلومه ، تولى منصب كبير أهل الشورى ، وكان قاضياً مالكياً ، وعميداً للجامعة الزيتونية ، وعضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق ، ومشاركاً ببحوثه في مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، توفي عام 1973م ، له : تفسير التحرير والتنوير ، وأصول النظام الاجتماعي ، وحاشية التوضيح في أصول الفقه ، والفتاوى .
انظر : محمد الطاهر بن عاشور ، لإياد خالد الطباع ، طبع : دار القلم بدمشق ، الطبعة الأولى ، عام 1426هـ ، الموافق 2005م .

([4])انظر - في سبب تأليف الطاهر بن عاشور لكتابه :"مقاصد الشريعة الإسلامية"- ما ذكره في مقدمة كتابه : 165 ، طبع : دار النفائس بالأردن ، الطبعة الثانية ، عام 1421هـ ، الموافق 2001م .

([5])انظر : مقاصد الشريعة الإسلامية ، للطاهر بن عاشور : 168-174.

([6])انظر : فكرة المقاصد في التشريع الوضعي ، لمحمد سليم العوا : 270-272.

([7])عَرَّف الطاهر بن عاشور مقاصد الشريعة العامة بأنها : المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع ، أو معظمها ، بحيث لا يختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة .
وعَرَّف علال الفاسي مقاصد الشريعة بأنها : الغاية منها – أي : من الشريعة – والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها .
انظر : مقاصد الشريعة الإسلامية ، للطاهر بن عاشور : 249 ، ومقاصد الشريعة ومكارمها ، لعلال الفاسي : 7 ، طبع : دار الغرب الإسلامي بيروت ، الطبعة الخامسة ، عام 1993م .

([8])انظر – في أدبيات هذا التيار تجاه مقاصد الشريعة - : مقاصد الشريعة ، التشريع الإسلامي المعاصر بين طموح المجتهد ، وقصور الاجتهاد ، لنور الدين بوثوري : 101، 111 ، طبع : دار الطليعة ببيروت ، الطبعة الأولى ، عام 2000م .

([9])انظر – في أدبيات هذا التيار تجاه موضوع الدلالة من النصوص - : مدخل مقاصدي للاجتهاد ، لجاسر عودة :50، ضمن دورة متخصصة عن :"المقاصد وقضايا العصر" ، في كلية الحقوق بجامعة الاسكندرية ، بالتعاون مع مركز الدراسات والبحوث القانونية والاقتصادية هناك ، لشهر ذي القعدة ، وذي الحجة ، لعام 1427هـ ، الموافق نوفمبر ، وديسمبر ، لعام 2006م ، ومطبوع ضمن كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ، الناشر : مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي – مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية ، بلندن ، الطبعة الأولى ، عام 2007م .

([10])كتب إمام الحرمين أبي المعالي الجويني في المخرَج عند شغور الزمان من الإمام ، ومن المجتهدين ، أو من نقلة المذاهب – كتاباً ، بعنوان : غياث الأمم في التياث الظلم ، المسمَّى بالغياثي ، طبع : مؤسسة الريان ببيروت ، الطبعة الأولى ، عام 1428هـ ، الموافق 2007م .

([11])انظر – في ارتباط مفهوم المقاصد بالمُشْكِل الاجتماعي والسياسي - : الفكر الأصولي وإشْكالية السلطة العلمية في الإسلام ، قراءة في نشأة علم الأصول ومقاصد الشريعة ، لعبد المجيد الصغير : 434، توزيع : المؤسسة الجامعية للدراسات ببيروت ، الطبعة الأولى ، عام 1415هـ ، الموافق 1994م .
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
أحسنتم بارك الله فيكم
أرى أنكم أدخلتم الحداثيين والقائلين بتاريخية النص وتفكيكه في دائرة مقولة المقاصد، وهم في الحقيقة، يقولون بالمغزى، كما هو الحال عند الجابري وأبي زيد، ويطردونه في النصوص كلها ما دل على العقائد والأحكام. ومغزى النص الذي يقولونه في مجال الأحكام هو قريب مما سماه الغزالي في شفاء الغليل بالتخييل أو المناسب الإقناعي الذي لا يصمد أمام السبر.
ومما لا يخفى على منصف أن هؤلاء ومقولاتهم كلها في تأويل النص ما هي إلا "قراءة مغرضة" للنص بهدف تعطيله وتجميد أحكامه وتفريغه من محتواه العقدي والتشريعي. وهؤلاء هم معطلة العصر بحق، وإلى محاصرتهم فكريا وبيان خطلهم حتى وفق مناهجهم المستوردة في القراءة، ينبغي أن يصرف بعض من لا زالوا حتى اليوم يستحضرون جهم بن صفوان في كتاباتهم وتفكيرهم ويصبون عليه اللعنات ويوجهون لأقواله الطعنات جُلَّ اهتمامهم، فجهم يعد ظاهريا مجسما إذا ما قيس بهؤلاء.
أما مقولة المقاصد عند الإسلاميين فمما هو متفق عليه بينهم أن المقاصد ما هي إلا بعد آخر من أبعاد النص تدور في فلكه ولا تكر عليه بالإبطال والتعطيل، نعم قد تصرفه عن الظاهر أحيانا لكنها لا بد أن تكون مضبوطة غير خارجة عما رسموه في شروط التعليل وإلا كانت خيالا بُني على شفا جرف هار، كتعليل إبليس، عياذا بالله منه، قوله تعالى لآدم وزوجه: {ولا تقربا هذه الشجرة} بـ {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}.
 
إنضم
17 نوفمبر 2009
المشاركات
439
التخصص
باحث إسلامي
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
مستقل

أولاً : مقال ممتازٌ .. مَرَاجِعُهُ تُنبئ عن اطلاع جيدٍ على جديدِ وحديثِ ما يُكتََب ويُنشَر (خاصةً جاسر عودة والعوا وكمال إمام؛ إذ ثلاثتهم - وخاصةً الاول منهم- لهم إضافات متميزة) .. وعنْ هضمٍ وتَمَثُّلٍ طَيِّبَيْن لما قرأه وبحث فيه

ثانياً : لا مشكلة في إدخال الحداثيين والقائلين بتاريخية النصوص في زمرة المقاصديين؛ لأن الأستاذ فيصل الذويبي إنما فعل ذلك توصيفاً للواقع الحادث - إذ يحشرون أنفسهم في زمرة المقاصديين- لا اعتماداً منه هذا التوصيفَ والتصنيف - إذ الثاني خطأ لا شك فيه- .

ثالثاً : المقاصد لها صفة "المعيارية"؛ إنها "فلسفة النصوص"؛ أليستْ مُستخلَصَةً منها بعدَ استقرائنا إياها (أي بعد استقرائنا للنصوص), ومستنبطةً بناءً على ما أرشدتْ إليه؟!

رابعاً : الحداثيون, والتغريبيون بشكل عام, يجعلون مقاصد الشريعة هي المعيار - وهذا عندنا صوابٌ في نفسه- , ثم يستنبطون هذه المقاصد من الواقع؛ من الشوارع والأَزِقَّة وما يدعي البشرُ تغييه مِن مصالح .. وهذا لَعَمْرِي حَرِيٌّ بأن نسميها "مقاصد الشوارع والأَزِقَّة والبشر" لا "مقاصد الشريعة" !

"المقاصد" مضافٌ و"الشريعةٌ" مضافٌ إليه؛ باعتراف التغريبيين - أليس يقولون "نحن نتمسك بمقاصد الشريعة ونجتهد على أساسها"- , فكيف يتفق هذا مع ما كشفتُ ؟! كيف يَدَّعُون أنها "مقاصد الشريعة" وهي "مقاصد البشر والشوارع والأزقة" !

الفارق بيننا وبينهم أنهم "ينطلقون من الواقع وفلسفه ومبادئه", ونحن "ننطلق من النصوص وفلسفتها ومبادئها وما أرشدت إليه وعولت عليه وأحالت إليه" . هذا خلاصة الأمر

 
إنضم
17 نوفمبر 2009
المشاركات
439
التخصص
باحث إسلامي
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
مستقل
ويمكن مراجعة مقالي هذا - خاصةً الخاطرة الثالثة؛ لما لها من مسيس صلة بما نحن فيه- :​

#####حرر من قبل المشرف#####
الإحالة إلى غير الملتقى لا تكون إلا في أضيق الحدود!
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
17 نوفمبر 2009
المشاركات
439
التخصص
باحث إسلامي
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
مستقل
ويمكن مراجعة مقالي هذا - خاصةً الخاطرة الثالثة؛ لما لها من مسيس صلة بما نحن فيه- :​

#####حرر من قبل المشرف#####
الإحالة إلى غير الملتقى لا تكون إلا في أضيق الحدود!

لا بأس على المشرف .. هذا رابطٌ من داخل الملتقى

https://feqhweb.com/vb/threads/5780

فانظر المشاركة رقم 11 و14
 
إنضم
7 يوليو 2010
المشاركات
42
التخصص
العقيدة
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
الدليل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك أخي فيصل
وإن أذنت لي فلي مع ما سَطَّرته أناملك وقفات

الوقفة الأولى
على الرغم من الاتساع الجغرافي لرقعة الانتاج المقاصدي في الفكر الإسلامي المعاصر والذي تجاوز الشمال الأفريقي إلى القارة الأمريكية إلا أن أعلام ذلك الإنتاج أغلبهم من بلاد المغرب العربي كأحمد الريسوني رئيس رابطة المستقبل الإسلامي بالمغرب ورئيس حركة التوحيد والإصلاح فيها والذي تبنى نشر هذا الفكر تأليفاً وإشرافاً وتبنى نشر كتاباته المركز العالمي للفكر الإسلامي أو محمد الطاهر الميساوي أستاذ الفقه والأصول في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا

وتستوقف القارئ في هذا الباب ذلك التوجه الفكري المقاصدي لدى مفكري وفقهاء المغرب العربي وأسبابه
هل هي بنية الفكر والعقل في تلك المنطقة؟
أم أنها دعوة لإحياء تراث بني قومي كما هو حال الاهتمام بتراث الشيخ محمد بن عبدالوهاب يرحمه الله في بلدي؟
أم أنها الأوضاع السياسية والاجتماعية التي مرت بتلك المنطقة؟

أعود إليكم بإذن الله بعد رؤية ما لدى إخوتي القُرَّاء من آراء
 
إنضم
17 نوفمبر 2009
المشاركات
439
التخصص
باحث إسلامي
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
مستقل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أخي فيصل
وإن أذنت لي فلي مع ما سَطَّرته أناملك وقفات
الوقفة الأولى
على الرغم من الاتساع الجغرافي لرقعة الانتاج المقاصدي في الفكر الإسلامي المعاصر والذي تجاوز الشمال الأفريقي إلى القارة الأمريكية إلا أن أعلام ذلك الإنتاج أغلبهم من بلاد المغرب العربي كأحمد الريسوني رئيس رابطة المستقبل الإسلامي بالمغرب ورئيس حركة التوحيد والإصلاح فيها والذي تبنى نشر هذا الفكر تأليفاً وإشرافاً وتبنى نشر كتاباته المركز العالمي للفكر الإسلامي أو محمد الطاهر الميساوي أستاذ الفقه والأصول في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
وتستوقف القارئ في هذا الباب ذلك التوجه الفكري المقاصدي لدى مفكري وفقهاء المغرب العربي وأسبابه
هل هي بنية الفكر والعقل في تلك المنطقة؟
أم أنها دعوة لإحياء تراث بني قومي كما هو حال الاهتمام بتراث الشيخ محمد بن عبدالوهاب يرحمه الله في بلدي؟
أم أنها الأوضاع السياسية والاجتماعية التي مرت بتلك المنطقة؟
أعود إليكم بإذن الله بعد رؤية ما لدى إخوتي القُرَّاء من آراء

نعم, للمغاربة جهد مشكور غير منكور في هذا الصدد .. وخاصةً أستاذي وشيخي د/ أحمد الريسوني

ولكن المقاصد ليست حكراص عليهم؛ فمن أعلامها في مصر - حتى قبل مولد الريسوني ومحمد طاهر وأضرابهما- الأعلام : محمد مصطفى شلبي - محمد عبد الله دراز - يوسف القرضاوي .. وغيرهم كثير يضيق على الحصر - وأنا أكتب على عجل- !

ثم إن التنبيه إلى ضرورة الالتفات إلى المقاصد إنما وقع رأساً - كما هو معلوم- من الشيخ/ محمد عبده مفتي الديار المصرية .. فاهتم بالموافقات تلميذه "عبد الله دراز - وهو والد "محمد عبد الله دراز" المذكور آنفاً- .

ثم, هناك رسالة دكتوراه لـ "عبد الرحمن يوسف القرضاوي" فيها تثوير لتظرية المقاصد ونقد متين لها؛ بغرض التطوير والتجديد .. ولكنْ لم يلتفت إليها أحد ! [هي موجودة بكلية دار العلوم بالقاهرة, وكانت تحت إشراف أحد أعلام الفقه وأصوله في العالم الإسلامي د/ محمد بلتاجي حسن - وهو غير معروف إعلامياً, وإن كان هو النجم بين العلماء إذا أتوا على ذكره (باعترافهم)- !

والله أعلم
 
إنضم
7 يوليو 2010
المشاركات
42
التخصص
العقيدة
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
الدليل
نعم, للمغاربة جهد مشكور غير منكور في هذا الصدد .. وخاصةً أستاذي وشيخي د/ أحمد الريسوني

ولكن المقاصد ليست حكراص عليهم؛ فمن أعلامها في مصر - حتى قبل مولد الريسوني ومحمد طاهر وأضرابهما- الأعلام : محمد مصطفى شلبي - محمد عبد الله دراز - يوسف القرضاوي .. وغيرهم كثير يضيق على الحصر - وأنا أكتب على عجل- !

ثم إن التنبيه إلى ضرورة الالتفات إلى المقاصد إنما وقع رأساً - كما هو معلوم- من الشيخ/ محمد عبده مفتي الديار المصرية .. فاهتم بالموافقات تلميذه "عبد الله دراز - وهو والد "محمد عبد الله دراز" المذكور آنفاً- .

ثم, هناك رسالة دكتوراه لـ "عبد الرحمن يوسف القرضاوي" فيها تثوير لتظرية المقاصد ونقد متين لها؛ بغرض التطوير والتجديد .. ولكنْ لم يلتفت إليها أحد ! [هي موجودة بكلية دار العلوم بالقاهرة, وكانت تحت إشراف أحد أعلام الفقه وأصوله في العالم الإسلامي د/ محمد بلتاجي حسن - وهو غير معروف إعلامياً, وإن كان هو النجم بين العلماء إذا أتوا على ذكره (باعترافهم)- !

والله أعلم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم ليست هذه نقطة خلاف بيننا فأنا لم أقصد حكر هذا العلم على المغاربة وإنما قلت ( أغلبهم ).
كما أنني عندما قلت ( بلاد المغرب العربي ) لم أقصد بلد المغرب وإنما قصدت الشمال الإفريقي ولكني آثرت مسمى المغرب العربي في مقابل الدعوة إلى إنكار عروبة يلك البلاد.
والأسماء للتمثيل لا للحصر وكان اختيار هذين الاسمين لبيان سبب اتساع رقعة النتاج العلمي في المقاصد من ماليزيا شرقاً إلى فيرجينيا غرباَ.

أما رسالة عبدالرحمن القرضاوي فهي لديَّ مصورة من النسخة الأصل المقدمة للجامعة ولا أعلم أنها مطبوعة فإن أمكن أن تزودني ببيانات الطبع لك مني جزيل الشكر
 
إنضم
17 نوفمبر 2009
المشاركات
439
التخصص
باحث إسلامي
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
مستقل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم ليست هذه نقطة خلاف بيننا فأنا لم أقصد حكر هذا العلم على المغاربة وإنما قلت ( أغلبهم ).
كما أنني عندما قلت ( بلاد المغرب العربي ) لم أقصد بلد المغرب وإنما قصدت الشمال الإفريقي ولكني آثرت مسمى المغرب العربي في مقابل الدعوة إلى إنكار عروبة يلك البلاد.
والأسماء للتمثيل لا للحصر وكان اختيار هذين الاسمين لبيان سبب اتساع رقعة النتاج العلمي في المقاصد من ماليزيا شرقاً إلى فيرجينيا غرباَ.

أما رسالة عبدالرحمن القرضاوي فهي لديَّ مصورة من النسخة الأصل المقدمة للجامعة ولا أعلم أنها مطبوعة فإن أمكن أن تزودني ببيانات الطبع لك مني جزيل الشكر

لا, ليست مطبوعة, إنما منها نُسخة في مكتبة كلية دار العلوم بالقاهرة.
 
إنضم
17 نوفمبر 2009
المشاركات
439
التخصص
باحث إسلامي
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
مستقل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم ليست هذه نقطة خلاف بيننا فأنا لم أقصد حكر هذا العلم على المغاربة وإنما قلت ( أغلبهم ).
كما أنني عندما قلت ( بلاد المغرب العربي ) لم أقصد بلد المغرب وإنما قصدت الشمال الإفريقي ولكني آثرت مسمى المغرب العربي في مقابل الدعوة إلى إنكار عروبة يلك البلاد.
والأسماء للتمثيل لا للحصر وكان اختيار هذين الاسمين لبيان سبب اتساع رقعة النتاج العلمي في المقاصد من ماليزيا شرقاً إلى فيرجينيا غرباَ.

ليسَ هناك خلاف .. وإنما أردتُّ مزيدَ بيانٍ وتوضيح لا أكثر .. بارك الله فيكم.
 
إنضم
3 يوليو 2010
المشاركات
53
الكنية
أبو عمر
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
المذهب الحنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله ، والصلاة والسلام على المصطفى . أما بعد :
أشكر القارئين للمقال على تفاعلهم ، وأعتز بمشاركتهم ، خصوصاً : الشيخ أحمد المالكي ، والشيخ عبدالله القرشي ، ود. أيمن علي صالح ، والشيخ يحي رضا جاد ، والشيخ الأخ العزيز عارف المالكي ؛ غير أني أود من الجميع : من ذكرتهم ومن لم أذكرهم – أن يتكرموا بإفادتي عما أنا عاجز عن درْكِهِ بجميع تفاصيله : العلاقة بين المعيارية والواقعية في ضوء مقولة المقاصد ، هل هي التكامل ، أو التقابل ؟ وما هي تفاصيل هذه العلاقة ؟
وأستأذن الجميع بالمحاولة على سؤال الشيخ أبوعبدالله المصلحي من بغداد : هل تعد العقل والفطرة من طرق كشف المقاصد ؟ في حقل سؤالِهِ .
 
إنضم
3 يوليو 2010
المشاركات
53
الكنية
أبو عمر
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
المذهب الحنبلي
شكراً لك : الأخت فدوى العود ، ولقد اطلعت على الرابط ، وأرجو منك إحالتي على مثل ذلك مما له علاقة بالموضوع .
فيصل الذويبي
 

أحلام

:: متميز ::
إنضم
23 ديسمبر 2009
المشاركات
1,046
التخصص
أصول فقه
المدينة
........
المذهب الفقهي
.......
السلام عليكم ورحمة الله
الحقيقة احياناً نجد بعض المواد العلمية , التي يكون لها ارتباط بمادتنا العلمية التي نبحث عنها , سواءً ذات ارتباط مباشر أو غير ذلك , وقد توجد هذه المادة في مواقع لمن ينتهج منهج على خلاف مسلك أهل السنة والجماعة , ولكن مادتهم رصينة يمكن أخذ بعض شيء منها , ولو عملنا على الإحالة إليها لحذفها الموقع
ولكن وفقكم الله عما تبحثون عنه.
وشكراً
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
وتستوقف القارئ في هذا الباب ذلك التوجه الفكري المقاصدي لدى مفكري وفقهاء المغرب العربي وأسبابه
هل هي بنية الفكر والعقل في تلك المنطقة؟
أم أنها دعوة لإحياء تراث بني قومي كما هو حال الاهتمام بتراث الشيخ محمد بن عبدالوهاب يرحمه الله في بلدي؟
أم أنها الأوضاع السياسية والاجتماعية التي مرت بتلك المنطقة؟

أعود إليكم بإذن الله بعد رؤية ما لدى إخوتي القُرَّاء من آراء
أسئلة رصينة وجديرة بالبحث، ولكنها تخرج عن موضوع المشاركة الأصلي وتستطرد فيه فحبذا لو طرحت في موضوع مستقل
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
غير أني أود من الجميع : من ذكرتهم ومن لم أذكرهم – أن يتكرموا بإفادتي عما أنا عاجز عن درْكِهِ بجميع تفاصيله : العلاقة بين المعيارية والواقعية في ضوء مقولة المقاصد ، هل هي التكامل ، أو التقابل ؟ وما هي تفاصيل هذه العلاقة ؟

أخي الحبيب فيصل للجواب على الإشكال الذي أوردته من أن تحكيم المقاصد وعدها معيارا في الوصول إلى الأحكام وتنظيم شئون الحياة يرتد بنا لا محالة إلى تحكيم الواقع، لأن المقاصد، في نهاية المطاف، ما هي إلا مصالح في مواقع الوجود، أود القول:
لقد ذكرت أن هناك ثلاثة تيارات في تحديد المعيار:
أحدها: أن المعيار هو النص، والنص فقط، وهو قول المحافظين والنزاعين إلى الظاهر
والثاني: أن المعيار هو المقاصد والمعاني وهو قول ما أسميتهم أهل الرأي والمنفتحين
والثالث: لا هذا ولا ذاك بل المعيار هو الواقع، وهو قول الذاهبين إلى تاريخية النص وانتهاء سلطته
فأقول: ثمة بعض الخلل و"التسطيح" في هذا التقسيم، ولربما عنه نشأ الإشكال، وبيان ذلك:
أن ما أسميتهم بأهل الرأي والمنفتحين، لا يقولون بأن المقاصد هي المعيار هكذا بإطلاق كما يوحي به ظاهر التقسيم المذكور، بل يقولون: إن النص هو المعيار الأساس فلا يعدل عنه إلى غيره إذا وجد، أما المقاصد فهي عندهم معيار ثانٍ تال لدور النص لا مواز ولا متقدم، ومجال عمله الأساس هو دائرة "غير المنصوص عليه".
وهذا القول القاضي بإعمال النص والمقاصد كلا في مجاله ـ وهو قول علماء المسلمين قاطبة ما خلا الظاهرية ـ لا يرد عليه إشكال تحكيم الواقع وكونه معيارا، وذلك لسببين:
أحدهما: أن معيارية المقاصد التي يقولون بها محكومة بأمرين:
الأول: أن لا تصتدم مع معيارية النص
والثاني: أن تستمد من معقول النص وروحه
وعليه فمعيارية المقاصد لو سلمنا بأنها ترتد إلى الواقع، فهي صادرة عن النص ـ لا الواقع ـ إنشاء وتوليدا، ومحاطة بسياج من النص حصرا وتحديدا.
والسبب الثاني: أن المقاصد ليست هي مجرد المنافع في مواقع الوجود، كما أشرت وبنيت عليه الإشكال، لأن الموجود في مواقع الوجود هو منافع مختلطة مضطربة تتعدد فيها الرؤى ووجهات النظر، وإنما المقاصد اختيارات الشارع وتفضيلاته بين هذه المنافع والمفاسد المختلطة.
والخلاصة هي أن معيار الوصول إلى الأحكام عند علماء المسلمين قاطبة هو النص لا الواقع، وهذا يدل عليه إجماعهم بأنه لا حكم إلا لله تعالى:
والنص كمعيار: إما أن يقتصر فيه على الظاهر وهو مذهب الظاهرية وغير المعللين، وهم الأقل، وإما أن ينظر إلى روحه ومعقوله وهو مذهب الجماهير من القائلين بتعليل الأحكام.
أما القائلون بتاريخية النص من علمانيي هذا الزمان فهم الذين يحكمون الواقع ويلغون النص، ولا ينبغي أن يحشر رأيهم مع آراء أهل الإسلام ومقالات الإسلاميين لأنهم لا يصدرون في رأيهم هذا عن توجه إسلامي أصلا. والأولى أن تبحث مقالاتهم في كتب أصول الدين والملل والنحل لا أصول الفقه.
وبهذا ترى، والله أعلم، أن العلاقة بين ما أسميتها معارية المقاصد والواقعية هي التقابل لا التكامل.
 
التعديل الأخير:
إنضم
3 يوليو 2010
المشاركات
53
الكنية
أبو عمر
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
المذهب الحنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العاملين . والصلاة والسلام على رسولنا الأمين . وبعد :
إن النقاش والحوار مع المتخصصين اعتقد أن فيه فائدة الوصول إلى المطلوب الذي يتشوف إليه الطالبون ، أو على الأقل الوصول إلى حقيقة المشكلة دون غموض أو إلباس ؛ لأن التشخيص إذا لم يكن دقيقاً لم يكن الدواء مفيداً ، ولقد وجدتُ هذا الملتقى المتخصِّص في فقه المقاصد - بيئة مناسبة لطرح ما يدور في فكري من خلال البحث والمطالعة ؛ لكي أفيد وأستفيد ، ويشهد لذلك التفاعل من قبل السادة القراء وأصحاب السعادة أعضاء هيئة التدريس .
ولندع جانباً التنظير ، وإليكم فرعٌ فقهيٌ ، يُجَسِّد مشكلة العلاقة بين : الواقعية والمعيارية - في ضوء مقولة المقاصد :
مسألة رعي الدواب لحشيش الحرم ؛ مع ورود النهي عن ذلك ؛ وقيل به للحاجة لذلك ، ولا تبلغ حدَّ الضرورة ؛ لإمكان حمل الحشيش من خارج الحرم ، لكن مع المشقة البالغة .
توجيه الإشكال : عُمِل بالمصلحة في الواقع وهي الحاجة للرعي ؛ تخصيصاً لعموم النص المعياري .
لا يقال : إن هذه المصلحة تشهد لها النصوص ، فهي معيارية أيضاً - لأن النصوص لم تشهد لعينها ، بل شهدت لعكس عينها ، وهذا هو حد المصلحة الملغاة ؛ وإنما النصوص شهدت للجنس الأعلى ، وكان للعقل تعريفٌ لعين المصلحة في الواقع .
ولو كان مثل هذا الاعتراض مقبولاً لكان هو حجة لكل من يُقَدِّم المصلحة التي هي في الواقع على النص الذي هو المعيار ؛ إذ لا يعْدِم أن يقول في كل مصلحة يراها في الواقع : أن النصوص شهدت لجنسها الأعلى .
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
المناقشة في الأمثلة وإن أفادت في التوضيح فإنها لا تنفع في التأصيل وبناء القواعد، وكما قالوا لا مشاحة في الاصطلاح فقد قالوا لا مشاحة في المثال.
أما وقد اخترت هذا المسلك، فإن رفع الحرج ـ كما لا يخفى عليكم ـ أصل كلي في الشريعة ثبت نصا ومعنى في عدد هائل من النصوص، وهذا أورثه قوة على تخصيص عمومات جميع النصوص الأخرى كما أوضحه الشاطبي. والقول به في المثال الذي ذكرت لا يعني تقديما للمصلحة على النص بإطلاق، بل هو من باب تعارض عمومين أو قياس وعموم.
وبيان ذلك أن رعي الدواب لحشيش الحرم لم يرد فيه نهي بعينه، كما تفضلتم، وإنما الوارد النهي عن قطع نبات الحرم على وجه العموم ( لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها) ، وهو نهي عن الاحتشاش أي قطع العشب وجمعه ثم تقديمه للدواب، أما منع الدواب من الرعي بنفسها دون احتشاش فمسألة أخرى لا يتناولها النص بظاهره وإنما قد يشملها بالقياس كما ذهب إليه أبو حنيفة ومحمد، وخالفهما أبو يوسف.
وحتى على فرض دخوله في العموم لفظا فقاعدة رفع الحرج قادرة على التخصيص، فكأن الحديث يقول: لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها إلا أن يلزم حرج (غير معتاد) من ذلك.
وهذا ينبغي أن يفهم على نفس مساق قاعدة الضرورة، فقاعدة الضرورة تَرِد قيدا على جميع النصوص حتى ما كان منها محرما بالعين كشرب الخمر مثلا، لكن الفرق بين الضرورة والحرج أن الضرورة أسهل في الضبط من الحرج لذلك لا يختلف الفقهاء في مسائل الضرورة بينما يختلفون في مسائل الحرج لاختلافهم في تحقق مناط الحرج غير المعتاد الذي تلزم معه الإباحة كما هو الحال في خلاف إبي حنيفة وأبي يوسف في المسألة التي ذكرت ما بين مجيز ومبيح.
والنتيجة هي أن ما ارتد من المصالح إلى أصل مشهود له نصا ومعنى كقاعدتي الحرج والضرورة فجعله معيارا يخص به عموم النصوص الأخرى ليس من تقديم المصلحة على النص في شيء بل هو من باب تعارض عمومين قدم أقواهما اقتضاء للحكم.
أما ما تفضلتم به من قولكم :
ولو كان مثل هذا الاعتراض مقبولاً لكان هو حجة لكل من يُقَدِّم المصلحة التي هي في الواقع على النص الذي هو المعيار ؛ إذ لا يعْدِم أن يقول في كل مصلحة يراها في الواقع : أن النصوص شهدت لجنسها الأعلى
فليس الأمر بهذه السهولة أن يقول قائل بأن النصوص شهدت لجنس هذه المصلحة أو تلك؛ لأن شهادة النصوص لمصلحة ما تحتاج إلى بيان وشروط في الاعتبار.
وحتى لو تيسر ذلك في مسألة بعينها فجنس المصلحة على درجات في البعد والقرب، وعادة ما ينظر الفقهاء إلى الجنس القريب لا البعيد، وكذلك عموم النص المتناول للواقعة محل التقاطع بين العموم والمصلحة هو على درجات في إفادة الظن وشمول الواقعة بحكمه، وفي مثل هذه المسائل يلجأ المجتهد عادة للترجيح بين مقتضى المصلحة ومقتضى ظاهر النص بحسب غلبة الظن. وقد حاولت في بحث لي مؤخرا وضع بعض موازين للترجيح بين المصلحة وظاهر النص عند التعارض، يسر الله تعالى وضعه على صفحات هذا الملتقى للنقاش والإثراء.
والحاصل هو أن تحكيم المصلحة المشهود لها قطعا (كالحرج والضرورة) في ظواهر النصوص الأخرى ليس هو من باب معيارية الواقع دون النصوص بل هو من باب معيارية المصالح الواقعية التي اعتبرتها النصوص، وشتان بين الأمرين. وإذن، فالمعيار هو النص أولا وآخرا.
أما المصالح الأخرى المشهود لنوعها أو جنسها ظنا فيمكن القول بتعارضها مع ظواهر بعض النصوص كما قالوه في تخصيص العموم بالقياس وبالمصلحة، على أن الأمر في نهاية المطاف خاضع لموازنة المجتهد بين الظن الذي يثيره كل من الدليلين ومدى تناوله محل التعارض.
وهذا أيضا ليس من باب معيارية الواقع مجردا بل معيارية المصالح المشهود لنوعها أو جنسها القريب ظنا وهذا رد لها إلى النصوص، كما قلناه في النوع الذي قبله.
 
التعديل الأخير:
إنضم
3 يوليو 2010
المشاركات
53
الكنية
أبو عمر
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
المذهب الحنبلي
اقتباس
" وهذا أيضا ليس من باب معيارية الواقع مجردا بل معيارية المصالح المشهود لنوعها أو جنسها القريب ظنا وهذا رد لها إلى النصوص "
على التسليم بكون الرعي خارجاً عن عموم النهي فقد قيل : بجواز الاحتشاش ، فما بيان الشهادة لنوع المصلحة في جنسها القريب . لم ترد الشهادة إلا للجنس الأعلى ، وهو أصل رفع الحرج .
 
أعلى