العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

قصص الملائكة

إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلمَ تسليما كثيرا.


do.php
غلاف قصص الملائكة.jpeg


أما بعد
فقد كان من خبر هذا الكتاب أنني حين شرعت في الطلب قديما كنت أقرأ مع بعض الإخوان كتاب الإيمان لمحمد نعيم ياسين فلما وصلنا إلى مبحث الإيمان بالملائكة ذكر أنه يجب الإيمان بالملائكة الذين وردت أسماؤهم في الكتاب أو السنة بالتفصيل.
فكان قوله: "يجب ... بالتفصيل" شديد الوقع على نفسي وسألت كيف السبيل إلى ذلك؟ أعني إلى معرفة كل الملائكة الذين ذكروا في الكتاب والسنة بالتفصيل،
فكانت كل الأجوبة لا تشفي غليلي.
فسألت هل يوجد كتاب جامع في هذا الأمر؟ أعني كتاب أُفْرِدَ للحديث عن الملائكة تفصيلا،
فكان الجواب: لا يوجد،
وكم تمنيت أن لو وُجِدَ مثل هذا الكتاب لِيَتِمَّ إيماننا بهذا الركن من أركان الإيمان وهو الإيمان بالملائكة على وجهه.
ثم مضى نحو عقد من الزمان وإذا بأخي محمد يرغب إليَّ أن أضع كتابا عن الملائكة فأثار ما كان في نفسي قديما،
وقلت في نفسي: إنها أمنية قديمة ولكني لست أهلا لها،
ثم بعد أيام أعاد طلبه هذا،
وظل مدة من الزمان يسألني ذلك
وقال: إن التأليف الآن قد كثر جدا فإن لم تبدأ في صنع هذا الكتاب صنعه غيرُك،
فكنت أتمنى أن يصنعه غيري: لصعوبته، وعدم وجود تأليف سابق فيما كنت أظن، وقلة المراجع بين يدي، إلا إنني كنت أتمنى أن أصنعه أنا ولكنها كانت أمنية بعيدة إذ كنت أعلم أنني لست لها أهلا.
فلما زاد إلحاح أخي محمد على هذا الأمر وانشرح صدري له عزمت على البدء في جمع مادته ولكن لم يكن عندنا من الكتب ما يُمَكِّنُنا من ذلك،
فعزمتُ في صيف عام 1997م على البدء بما تيسر لدي فشرعت في قراءة صحيح البخاري وكان عندي الطبعة اليونينية غير كاملة، وبعض أجزاء من صحيح مسلم طبعة دار التحرير وعلى هامشها تعليقات مأخوذة من شرح الإمام النووي فبدأت باستخراج ما فيهما من الأحاديث عن الملائكة وفي أثناء ذلك إذا بأخي محمد يشتري سنن الدارمي فأخذته فقرأته كله واستخرجت ما فيه وهو قليل جدا، ثم جاءني بسنن الدارقطني فقرأتها كلها واستخرجت ما فيها،
ومشيت هكذا لا يقع تحت يدي كتاب إلا قرأته كله لاسيما إذا كان من كتب السنة
فقرأت صحيح سنن النسائي للإمام الألباني كله وبعض ضعيف النسائي
وسنن ابن ماجه تحقيق عبد الباقي قرأتها كلها أو بعضها لا أذكر الآن،
وأكثر سنن أبي داود
وبعض سنن الترمذي، والشمائل له
والزهد لابن المبارك
والزهد لأحمد
وتلبيس إبليس لابن الجوزي
والنهاية في الفتن والملاحم لابن كثير
والصحيح من التذكرة للقرطبي
وتنبيه الغافلين للسمرقندي
وكل ما وقع تحت يدي في هذا الوقت قرأته كله أو جله حتى اجتمعت لدي مادةٌ كثيرة عن الملائكة،
وفي أثناء ذلك جمعت كل أو أكثر الآيات التي تتحدث عن الملائكة
ثم وقفت وقفة هامة لتنظيم هذه المادة وترتيبها
فلما قمت بذلك وجدت أن ما اجتمع لدي عن ميكائيل يمكن تنظيمه بحيث يكون موضوعا كاملا فكتبت قصة ميكائيل كلها كما ستراها هنا إن شاء الله تعالى،
ثم سِرْتُ في باقي القصص على نهجها مِنْ ذكر الاسم والعمل المكلف به وأعوانه ...الخ
وقد استغرقتْ كتابةُ مسودةِ الكتاب نحو سنتين ونصف،
كنت في أكثرها بعيدا عن كتبي إذ كنت ما زلت طالبا في الجامعة وأسكن في المدينة الجامعية وأعود للبيت كل خميس وجمعة ففيهما كنت أنتهز الفرصة للكتابة
ولما انتهيت من مسودته في شتاء سنة 2000م لم أكن خَرَّجْتُ أحاديثه بل نقلت أحكام العلماء التي قابلتني فقط كأحكام ابن كثير وابن الجوزي وغيرهما، وذلك لعدم وجود الكتب بين يدي،
فلما يَسَّر الله تعالى لي الحصول على بعض كتب التراجم كالتقريب والتهذيب لابن حجر والجرح والتعديل وسؤالات الحاكم وغيرها شرعت في تخريج كل أحاديثه مرة أخرى معتمدا على ما وقفت عليه من أسانيد إذ لم تكن الشاملة قد ظهرت بل لم يكن عندي حاسوبا
وكان هذا من أفضل ما استفدته إذ لم أكن أعتمد على سرعة استخراج طرق الحديث بضغطة زر
بل كان بمراجعة كثيرة مني والبحث بنفسي عن مواطن الحديث وفي الأماكن التي يمكن أن يوجد فيها كأن يكون مثلا في كتاب الرقائق أو التفسير ونحو ذلك
فربما قرأت الباب كله إن لم أكن قرأته قبل ذلك وربما أعدت قراءته أكثر من مرة،
وكنت أنظر في تخريجات المحققين ولا أعتمد عليها إذ كانوا –أحيانا- يخطئون في الإحالة فكنت أرجع إلى كل الأماكن التي يحيلون عليها للاطمئنان بنفسي على صحة هذه الإحالات،
وكان أمرًا شاقًّا جدا، ولكن ما أكثر ما أفدت من ذلك ولله الحمد.
ثم لما انتهيت من ذلك أخذني أحد الأصدقاء –جزاه الله خيرا- إلى فضيلة الشيخ مصطفى العدوي لينظر في الكتاب وكان ذلك في عام 2004م ولكن لم يتيسر ذلك ولكن قابلت بعض تلامذة الشيخ فراجع معي كثيرا من أحاديثه وناقشني مناقشات جادة نافعة جزاه الله خيرا ونصحني نصائح أفدت منها كثيرا ومنها أن أحذف الضعيف فحذفت أكثره فكان نحو ثلث الكتاب حتى هممت بأن أصنع ضعيف قصص الملائكة.
ثم عرضه أخي محمد على بعض دور النشر فأراد أحدهم شراءَه بثمن بخس دراهم معدودة تقل عن ثمن مسند الإمام أحمد طبعة شاكر! وعجبا والله لهؤلاء الناشرين!
ولكني ولله الحمد لم أكن فيه من الزاهدين
فأخذته واحتفظت به سنوات كثيرة ثم عرضته مرة أخرى بعد نحو عشر سنوات على بعض دور النشر في السعودية فوافقت إحدى الدور على نشره وطلبوا مني أن أعمل له (فَسْح إعلام = تصريح نشر) فكلفني ما كلفني حتى إذا انتهيت منه، إذا بهم يقولون: إن الدار لن تستطيع نشره الآن!!
وهكذا ظل حبيس المكتب حتى وجدت هذه الدار التي تولت طباعته...
فأرسلت لصاحبها الكتاب فأخذه،
وثمنَ طباعته فأكله،
فلا تسل عما وراء ذلك،
وإنما أقول ذلك مصرحا به تبرئة للذمة لئلا ينخدع بهذه الدار أحد، لا رغبة في غيبة أحد،
ويكفي أن تعلم أن صاحب هذه الدار بعد أن أخذ الكتاب وثمنه ماطلني كثيرا في مجرد الرد على الجوال؛ إذ لم يكن هناك وسيلة للاتصال بيننا إلا الجوال، وأنا في بلد وهو في بلدة أخرى، لكنه لما علم أني أعمل طبيبا في السعودية كانت هاتان الخصلتان (طبيب + في السعودية) كافيتين عنده لأن يأخذ الكتاب لنفسه! إذ هو خالٍ عنهما؛ فليس طبيبا كما أنه لا يعمل في السعودية. وبناء على ذلك فهو أولى بهذا الكتاب مني،
فكان أن قام بإغلاق هاتفه عني إذ كان يعلم أني لا أستطيع الوصول إليه إلا من خلاله،
ثم لم يكتف بذلك بل قام بعمل (حظر) لرقمي فلا يصل إليه،

ثم في مثل هذه الأيام من العام الماضي وصلت إليه في الإجازة وذهبت إليه حيث هو ووقعت معه عقدا (على ورق فقط طبعا)
فلما عرف أنني سافرت (رجعت ريمة لعادتها القديمة)،
وتبرئة للذمة أيضا أقول إنني تحصلت منه على نحو خمسين نسخة من الكتاب وكان الاتفاق أن يرسلها لي في السعودية وقد أعطيته ثمنها بل أكثر من ثمنها زيادة على ثمن الكتاب، ولكن ...
ولأن جميع الحقوق محفوظة للمؤلف! كما كتب هو على غلاف الكتاب الداخلي،
وأيضا فقد مضى على طبع الكتاب نحو سنتين إلا قليلا، فقد استخرت الله تعالى في كتابته في المنتديات رغبة فيما عنده من ثواب وطمعا أن يغفر لي ما خالط عملي هذا من قلة الإخلاص أو عدمه، وما شَابَهُ من سوء القصد والعمل،
وأسأله سبحانه أن يغفر لي وللمسلمين ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما هو –سبحانه- أعلم به منا، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وألا يتوفنا جميعا إلا وهو راض عنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه
هذا وأُذَكِّرُ إخواني بأن هذا أول عمل حديثي لي وبعض الأحكام الموجودة فيه لا أرضاها الآن ولكن ليس لدي الوقت الكافي لمراجعتها فأنا أكتب الكتاب كما طُبِعَ وكما كتبته قديما فما كان فيه من صواب فمن الله، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
 
التعديل الأخير:
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

الحادي عشر- الناموس: فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة... الحديث وفيه فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأي فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله علي موسي[1]


قال البخاري: الناموس صاحب السر الذي يطلعه بما يستره عن غيره[2]
وقال الحافظ: والناموس صاحب السر، كما جزم به المؤلف في أحاديث الأنبياء.
وزعم ابن ظفر: أن الناموس صاحب سر الخير، والجاسوس صاحب سر الشر.
والأول الصحيح الذي عليه الجمهور.
وقد سوي بينهما رؤبة بن العجاج أحد فصحاء العرب.
والمراد بالناموس هنا: جبريل عليه السلام.[3]
فائدة:
قوله: "هذا الناموس الذي نزل الله علي موسي." ولم يذكر عيسي وإن كان متأخرا بعد موسي؛ لأنه كانت شريعته متممة ومكملة لشريعة موسي-عليهما السلام-ونسخت بعضها في الصحيح من قول العلماء، كما قال: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران:50]
وقول ورقة هذا كما قالت الجن: {يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف:30][4]
الثاني عشر: أنه ينصر أولياء الله ويقهر أعداءه :قال تعالي: {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9] وقد نزل في الحروب مع النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي إن شاء الله تعالي.
الثالث عشر: أنه معلم النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالي: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:5]
الرابع عشر: أنه ولي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه. فعن ابن عباس أن عصابة من اليهود سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء ومنها: قالوا: وأنت الآن فحدثنا من وليك من الملائكة ؟ فعندها نجامعك أو نفارقك. قال: " فَإِنَّ وَلِيِّي جِبْرِيلٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَبْعَثِ اللهُ نَبِيّا إِلَّا وَهْوَ وَلِيُّهُ[5]"



______________________
[1] صحيح: رواه البخاري (3، 3392، 4953، 4955، 4956، 4957، 6982)، ومسلم (160)
[2] فتح الباري: 6 /505
[3] فتح الباري 1 /34
[4] البداية والنهاية: 3 /8
[5] حسن: رواه أحمد (2514) وابن سعد في الطبقات 1 /83-84
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

[فصل]
[ذكر أعماله ووظائفه –عليه السلام-]
أعماله - عليه السلام - كثيرة، أهمها الوحي إلي الأنبياء-عليهم السلام - فهو رسول الله من الملائكة إلى رسله من البشر قال تعالي: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:75]
وأعماله -عليه السلام- غير الوحي عديدة منها:
- النزول بالعذاب والنقمةِ على الأمم المكذبة الكافرة.
- ومنها: الحروب مع الأنبياء،
- وغير ذلك.​
وسنتعرض لأعماله بشيء من التفصيل كما يلي:


أولا: جبريل وخلق الجنة والنار:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا. قَالَ: فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ، قَالَ فَوَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. قَالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا. فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا. فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا. فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ. فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا. فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا."[1]
فائدة:
قوله: " فحفت بالمكاره " قال السندي: أي جعلت سبل الوصول إليها المكاره والشدائد علي الأنفس؛ كالصوم والزكاة والجهاد ولعل لهذه الأعمال وجودا مثاليا ظهر بها في ذلك العالم وأحاطت الجنة من كل جانب وقد جاء الكتاب والسنة بمثله ومن جملة ذلك في قوله تعالي: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ} أي المسميات {عَلَى الْمَلَائِكَةِ} [البقرة:31] ومعلوم أن فيها المعقولات والمعدومات[2].


ثانيا:جبريل مع الأنبياء-عليهم السلام-:
**** وفيه فصول:
..................

_________________________
[1] صحيح لغيره: رواه أبو داود (4744)، والترمذي وهو لفظه (2560) وقال: حسن صحيح، والنسائي (3772)، وأحمد (8870،8656،8406)، والحاكم (72،71) وقال: صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، والبيهقي في الأسماء والصفات ص154، وفي أسانيدهم محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي قال في التقريب: صدوق له أوهام. وللحديث شاهد عند البخاري ومسلم وصححه الشيخ الألباني - رحمه الله - في صحيح النسائي وفي تعليقه علي الطحاوية /22.
[2] حاشية السندي علي النسائي3/655
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

الأمر لله؛ فقد تلف الويندوز مرة أخرى ولكن هذه المرة كنت قد احتفظت بنسخة من ملفاتي على "ون درايف" ثم أعدت تركيب الويندوز من جديد وذهبت إلى الـ"ون درايف" فوجدت ملفاتي كما رفعتها ولله الحمد، لكن لما بحثت عن "قصص الملائكة" النسخة المكتوبة على الوورد لأكتب هذه المشاركة لم أجدها، ولا أدري كيف لم أنتبه لذلك؟
وعلى كل حال الحمد لله فقد بقيت باقي الملفات كما هي

__________________________________________


ثانيا:جبريل مع الأنبياء-عليهم السلام-:
وفيه فصول:


الفصل الأول
جبريل مع آدم عليه السلام

جبريل مخلوق قبل آدم -عليهما السلام-:
وهو مقتضى عموم قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [البقرة: 34] وقد تقدم عند ذكر خلق الملائكة أن الله - عز وجل- خلق آدم في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة

جبريل يسجد لآدم عليهما السلام:
قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)} [الحجر: 28 - 30]
وظاهر الآية الكريمة العموم، ولكن حكى الرازي وغيره قولين فيها للعلماء: هل الأمر بالسجود لآدم خاص بملائكة الأرض؟! أو عامٌّ لملائكة السماوات والأرض؟ وقد رجَّحَ كلَّ قولٍ طائفة
قلت: الأظهر أن الملائكة كلهم بما فيهم رؤساؤهم؛ جبريل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش والحافون من حول العرش وملائكة السماوات وملائكة الأرض كلهم عن بكرة أبيهم سجدوا لأمر الله تعالى
و{الْمَلَآئِكَة} في قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] لفظ عامٌّ فيه احتمال الخصوص؛ لأنه جمع معرف بالألف واللام فيفيد العموم، ولكنه يحتمل التخصيص بأن يكون بعض الملائكة لم يسجد، فلما قال: {كُلُّهُمْ} انتفى احتمال الخصوص، وهذا يسمى "بيان تقرير"[1].
ولما قال: {أَجْمَعُونَ} انتفى احتمال سجودهم متفرقين، وهذا يسمى "بيان تفسير"[2]، فقد فسَّرَ كيفية سجودهم وقطع احتمال تأويل الافتراق[3].
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية: هل كان جبريل وميكائيل مع من سجد؟
فأجاب: الحمد لله، بل أسجد له جميع الملائكة، كما نطق بذلك القرآن في قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] فهذه ثلاث صيغ مقررة للعموم وللاستغراق فإنّ قوله: {الْمَلَآئِكَةُ} يقتضي جميع الملائكة؛ فإن اسم الجمع المعرف بالألف واللام يقتضي العموم؛ كقوله: "رب الملائكة والروح"[4] فهو رب جميع الملائكة.
الثاني – {كُلُّهُمْ} وهذا من أبلغ العموم
الثالث – قوله: {أَجْمَعُونَ} وهذا توكيد للعموم
فمن قال: إنه لم يسجد له جميع الملائكة بل ملائكة الأرض فقد رَدَّ القرآن بالكذب والبهتان[5].

_____________________________
[1] بيان التقرير: هو بيان يقطع احتمال تخصيص اللفظ إن كان عامًّا، واحتمال التأويل إن كان خاصًّا فيجعله مؤكَّدًا؛ مثل آية: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] فهو بيان تقرير، ومثل قول الرجل لامرأته: طلقي نفسك مرة واحدة، فقد نَفَى لفظُ "واحدة" إمكان التطليق أكثر من مرة.
[2] بيان التفسير: هو بيان يزيل الخفاء المحيط بالكلام، ويجعله واضحا؛ مثل قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30]
[3] القواعد التأصيلية 184-185.
[4] صحيح: وقد تقدم
[5] مجموع الفتاوى 4/ 345.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

ذَكَرَ بعض الإخوة الكرام أن ابن هشام رَدَّ قولَ مَنْ قال إن {أجمعون} في الآية تفيد انتفاء سجودهم متفرقين، وسأل هل مِنْ مرجح قولا على قول:
والجواب على ذلك، وبالله التوفيق:
أن المسألةَ فيها قولان:
الأول- من ذهب إلى أن {أجمعون} في قوله : {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} لا يفيد إلا زيادة التوكيد فقط، كما تجتمع إنّ مع اللام في مثل قوله : {وإنك لعلى خلق عظيم} وهذا عليه أكثر النحويين ومنهم ابن هشام وابن يعيش شارح المفصل والعكبري وغيرهم
الثاني- من ذهب إلى أن {أجمعون} في قوله : {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} فيه مع زيادة التوكيد رفع توهم أنهم سجدوا متفرقين
وممن ذهب إلى هذا: المبرد كما في الانتصار لسيبويه على المبرد لابن ولاد ت زهير سلطان (ص: 107) ط. الرسالة، والزجاج كما في اللباب في علل البناء والإعراب للعكبري ت النبهان (1/ 403) ط. دار الفكر، وأبو الحسن محمد بن عبد الله بن العباس الوراق كما في علل النحو له ت. الدرويش (ص: 259) ط. الرشد، وظاهر كلام ابن الخباز في توجيه اللمع لابن جني ت. فايز دياب (ص: 271) ط. دار السلام، وغيرهم
والظاهر أن الراجحَ المذهبُ الأولُ؛ لأنه لو أريد بقوله: {أجمعون} معنى مجتمعين لكان حالا فوجب نصبه، قال ابن يعيش في شرح المفصل (2/ 221 -222) ط. العلمية: "... واعلمْ أنّه قد ذهب قومٌ إلى أن في "أجمع" فائدةً ليست في "كُل"، وذلك أنّك إذا قلت: "جاءني القومُ كلُّهم"، جاز أن يجيئوك مجتمعِين، ومفترِقين، فإذا قلت: "أجمعون"؛ صارت حالُ القوم الاجتماعَ، لا غيرُ، وذلك ليس بسديدٍ. والصوابُ أنّ معناهما واحدٌ من قِبَل أن أصلَ التأكيد إعادةُ اللفظ، وتَكْرارُه، وإنّما كرِهوا تَواليهما بلفظ واحد، فأبدلوا من الثاني لفظًا يدل على معناه، فجاؤوا بـ "كُلّ" و"أَجْمَعَ"، لِيدلّوا بهما على معنَى الأول، ولو كان في الثاني زيادةُ فائدة، لم يكن تاكيدًا؛ لأنّ التأكيد تمكينُ معنَى المؤكَّد. ألا تراك إذا قلت: "ضربتُ ضَرْبًا"، كان المصدرُ تأكيدًا, ولو قلت: "ضربتُ ضربًا شديدًا، أو الضربَ المعروفَ"، لم يكن تأكيدًا، لأنّه قد دل على ما لم يدل عليه الفعلُ، فكذلك لو دل "أجمع" على ما لم يدل عليه الأوّل، لم يكن تأكيدًا. ومع هذا لو أريد بـ "أجمع" معنَى الاجتماع، لوَجَبَ نصبُه, لأنّه يكون حالًا, لأنّ التقدير: فَعَلَ ذلك في هذِه الحال." ا.هـ
وقال ابن هشام في شرح شذور الذهب ت الدقر (ص: 553): "مَسْأَلَة قَالَ بعض الْعلمَاء فِي قَوْله تَعَالَى: {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ}: فَائِدَةُ ذِكْرِ {كل} رفع وهم من يتَوَهَّم أَن الساجد الْبَعْض، وَفَائِدَة ذكر {أَجْمَعُونَ} رفع وهم من يتَوَهَّم أَنهم لم يسجدوا فِي وَقت وَاحِد بل سجدوا فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين وَالْأول صَحِيح وَالثَّانِي بَاطِل بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {لأغوينهم أَجْمَعِينَ} لِأَن إغواء الشَّيْطَان لَهُم لَيْسَ فِي وَقت وَاحِد فَدلَّ على أَن {أَجْمَعِينَ} لَا تعرض فِيهِ لِاتِّحَاد بِالْوَقْتِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ كمعنى كل سَوَاء وَهُوَ قَول جُمْهُور النَّحْوِيين وَإِنَّمَا ذكر فِي الْآيَة تَأْكِيدًا على تَأْكِيد كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فمهل الْكَافرين أمهلهم رويدا}" ا.هـ
والله أعلم
_______________________________


[الفصل الثاني]
[جبريل مع إبراهيم-عليهما السلام-]
نزل جبريل مع ميكائيل وإسرافيل - عليهم السلام - لبشارة إبراهيم الخليل بإسحاق ويعقوب - عليهم السلام - ( انظر ماسيأتي عند ذكر ميكائيل -عليه السلام -)
واعلم أن أكثر ما وقفت عليه من الأخبار في شأن جبريل وإبراهيم - عليهما السلام- إنما هو من الضعيف والإسرائيليات التي يتوقف فيها فلذا رأيت ألا أطيل بذكرها.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

[الفصل الثالث]
[جبريل مع لوط عليهما السلام]
قال المفسرون: لما خرج جبريل وميكائيل وإسرافيل - عليهم السلام - من عند إبراهيم الخليل - عليه السلام - توجهوا إلي قرية سدوم من أرض غور زغر، في صور شبان حسان؛
- اختبارا من الله -تعالي- لقوم لوط،
- وإقامة للحجة عليهم​
فطلبوا من لوط - عليه السلام - أن يضيفهم، فخشي إن لم يضيفهم أن يأخذهم قومه، وهم قوم سوء فاسقين: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود:77] أي هذا يوم بلاؤه شديد؛ وذلك لما يعلم من مدافعته عنهم؛ وذلك أن قومه قد اشترطوا عليه ألا يضيف أحدا.
وانطلق لوط - عليه السلام - مع الملائكة الكرام، وهو يحسبهم بشرا، فجعل يعرض لهم في الكلام؛ لعلهم ينصرفون عن هذه القرية وينزلون في غيرها.
فقال لهم: والله يا هؤلاء، ما أعلم علي وجه الأرض أهل بيت أخبث من هؤلاء.
ثم مشي قليلا، وأعاد عليهم ذلك، حتي كرره أربع مرات.
فخرجت امرأة لوط، فأخبرت قومها أن في بيت لوط رجالا لم يُرَ أجمل منهم؛ فجاءه قومه يهرعون إليه، يريدون أن يأخذوا ضيفه، فأرشدهم إلي غشيان نسائهم: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود:78] فالنبي للأمة بمنزلة الوالد، كما قال تعالي: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]
وجعل لوط - عليه السلام - يمانع قومه الدخول، ويدافعهم، والباب مغلق وهم يحاولون فتحه، وولوجه، وهو يَعِظُهُم، وينهاهم من وراء الباب: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ } [هود:78] وهذه شهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل فيه خير، بل جميعهم سفهاء وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه قبل أن يسألوه عنه.
فلما ضاق الأمر، وعسر الحال، قال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:80] أي: لأحللت بكم النكال، فقالت الملائكة: {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود:81]
فخرج جبريل - عليه السلام - فضرب وجوههم بطرف جناحه؛ فطمست أعينهم حتي قيل إنها غارت بالكلية: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:37] ولم يبق لأعينهم محل، ولا عين، ولا أثر.
فرجعوا يتحسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن، ويقولون: إذا كان من الغد، كان لنا وله شأن.
فأمرت الملائكة لوطًا - عليه السلام - أن يسري هو وأهله من آخر الليل: {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} [هود:81] عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه، وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم، وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود:81]
فلما خرج لوط - عليه السلام - بأهله وهم ابنتاه فقط، لم يتبعه منهم رجل واحد
فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب؛
- فاقتلع جبريل - عليه السلام - مدائن قوم لوط بطرف جناحه من قرارهن،
- ورفعها بمن فيها من الناس وما معهم من الحيوانات، وما يتبع تلك المدن من الأرض، والأماكن، وغير ذلك فرفع الجميع حتي بلغ بهن عنان السماء حتي سمعت الملائكة أصوات ديكتهم، ونباح كلابهم،
- ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر:74]​
والسجيل: هو الصلب الشديد القوي،
وأما منضود فمعناه: يتبع بعضها بعضا في نزولها من السماء: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} [هود:82]


هذا، وقد رويت في قصة جبريل - عليه السلام - مع قوم لوط آثار كثيرة، نذكر إحداها اكتفاءاً بما ذكرناه من سرد القصة، فعن مجاهد - رحمه الله تعالى - في قوله تعالي: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم:53] قال: يعني قوم لوط أهوي بها جبريل، ورفعها إلي السماء، ثم أهوي بها.[1]

_______________________________
[1] حسن: رواه أبو الشيخ في العظمة (372،371)
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

[الفصل الرابع]
[جبريل-عليه السلام- مع قوم يس]
وهم أصحاب القرية الذين ذكرهم الله - تعالي - في قوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس:13-29]
فأهل هذه القرية كذبوا الرسولين اللذين أرسلهما الله - عز وجل - إليهم
ثم الرسول الثالث
وقتلوا الرجل الذي جاءهم ناصحا من أقصي المدينة
فلما فعلوا ذلك لم ينزل الله – تعالي - عليهم جندا من السماء للانتقام منهم {وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} يعني: وما كنا نحتاج في الانتقام إلي هذا حين كذبوا رسلنا وقتلوا ولينا
{إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} فبعث الله-عز وجل- جبريلَ - عليه السلام - إليهم فأخذ بعضادتي الباب الذي لبلدهم ثم صاح بهم صيحة واحدة أخمدت أصواتهم، وسكنت حركاتهم، ولم يبق منهم عين تطرف.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

[الفصل الخامس]
[جبريل الأمين مع موسي الكليم عليهما السلام ]

جبريل وهلاك فرعون :
لما خرج موسي ومن معه هربا من فرعون وجنوده اتبعهم فرعون وجنوده ولم يتخلف عنه أحد ممن له دولة وسلطان في سائر مملكته فلحقوهم عند شروق الشمس {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء:60]
ورأي كل فريق صاحبه رأي العين فعند ذلك {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61]
فقال لهم: إني أمرت أن أسلك ها هنا {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62]
فلما اقترب فرعون وجنوده يحدوهم غضبهم ويسرع بهم حتفهم وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وزلزل أصحاب موسي زلزالًا شديداً، أوحي الله - عز وجل - إليه {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء:63]
فلما ضربه انفلق بإذن الله – تعالي - وصار فيه طريقا يابسا {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} [طه:77] فمرموسي ومن معه من المؤمنين
حتي إذا مر آخرهم إذا فرعون يصل هو وجنوده إلي حافته من الناحية الأخري.
فلما رأي ما صار إليه أمر البحر؛ خاف وفزع وهمّ بالرجوع
فذكر المفسرون: أن جبريل - عليه السلام - ظهر في صورة فارس راكب علي فرس حائل: غير حامل تشتهي الفحل، فمر إلي جانب حصان فرعون، فحمحم إليها، فأسرع جبريل - عليه السلام - فاقتحم البحر ودخله؛ فاقتحم وراءه حصان فرعون، وفرعون لا يريد ذلك، ولا يملك لنفسه حولا ولا قوة ولا ضرا ولا نفعا.
فلما رأي أن حصانه اقتحم البحر رغما عنه أظهر التجلد لأمرائه وجنوده، وقال لهم: ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا. فلما رأته الجنود قد سلك البحر، اقتحموه وراءه مسرعين.
وكان ميكائيل - عليه السلام - في مؤخرتهم لا يترك منهم أحداً إلا ألحقه بهم، وكان جبريل - عليه السلام - في مقدمتهم يسوقانهم نحو البحر. حتي إذا تكاملوا عن آخرهم، واقترب أولهم من الوصول إلي الناحية الأخري والخروج، أمر الله -عز وجل- موسي -عليه السلام- أن يضرب البحر بعصاه، فضربه؛
فعاد البحر كما كان،
وأخذ الموج فرعون وجنوده فرفعهم وخفضهم، وتراكمت الأمواج فوق فرعون، وغشيته سكرات الموت،
فقال وهو كذلك: {آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90]
فعند ذلك جعل جبريل - عليه السلام - يأخذ من طين البحر، وأوحاله فيدسه في فم فرعون؛ مخافة أن يقول لا إله إلا الله، فتسبق رحمة الله فيه غضبه؛ فيمهله في الدنيا، فيعود كما كان: كافرا معاندا، بل وسيشتد كفره وعناده، ولعله يوهم بعض الجاهلين، أو ضعيفي الإيمان ممن جاوز مع موسي البحر، أو غيرهم أنه إله، كما كان يزعم، وأنه لا يموت، بل إن الموت ليس له إليه سبيل. ولا عجب أن يغتر به - والحال هذه - أمثال هؤلاء. والله أعلم.


ومما ورد في ذلك:
عن ابن عباس قال: قال رسول الله ï·؛: " قَالَ لِى جِبْرِيلٌ: لَوْ رَأَيْتَنِى وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ[1] فَأَدُسُّهُ فِى فَمِ فِرْعَوْنَ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ."[2]


إشكال وجوابه:...

__________________________
[1] من حال البحر : أى من طين البحر .
[2] صحيح لغيره: رواه أبو داود الطيالسى فى مسنده (2618) ومن طريقه البيهقى فى شعب الإيمان (9393) وابن أبى حاتم فى تفسيره (11400) والضياء فى المختارة (258) قال أبو داود: حدثنا شعبة عن عدى بن ثابت وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وجاء من طرق أخرى عن شعبة فرواه عنه :
- محمد بن جعفر: عند أحمد (2144-3154) والنسائى فى الكبرى (11238) والحاكم فى المستدرك (188) وابن حبان فى صحيحه (6215) والتعليقات الحسان على صحيح ابن حبان للشيخ الألبانى (6182) وقال : صحيح لغيره. والبزار فى مسنده (5018) والضياء فى المختاره (257) وابن جرير فى التفسير (17858/شاكر).
- وخالد بن الحارث: أخرجه الترمذى (3108) وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، والحاكم (189) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبى. و(7634) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله شاهد من حديث على بن زيد. وقال الذهبى: صحيح.
- وأبو النضر: أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان (9392) قال تلاثتهم ( محمد بن جعفر وخالد بن الحارث وأبو النضر): رفعه أحدهما - يعنى عطاء بن السائب وعدى بن ثابت - إلى النبى صلى الله عليه وسلم هكذا بالشك قال البيهقى: رفعه أبو داود عن شعبة عنهما من غير شك فذكر طريق أبى داود الطيالسى السابق.
- والنضر بن شميل: رواه عنه ثلاثة من الثقات مرفوعا من طريق عدى بن ثابت وحده وهم: إسحاق بن راهويه وحميد بن زنجويه كما فى تاريخ بغداد 5/276 وسعيد بن مسعود أخرجه الحاكم (3303) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه إلا أن أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس. وقال الذهبى: على شرط البخارى ومسلم. وخالف الثلاثة محمدُ بنُ رجاء السندى فرواه عن النضر موقوفا رواه ابن أبى الدنيا فى العقوبات/245 ومن طريقه الخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد (5/276) والمرفوع أصح.
- وعمرو بن محمد العنقزى: أخرجه ابن جرير فى تفسيره (17859/ شاكر) بدون شك .
- وعمرو بن حكام: من طريق عطاء بن السائب وحده مرفوعا أخرجه ابن جرير فى التفسير (17865/ شاكر) والخطيب البغدادى فى تاريخه 2/87
- ورواه وكيع عن شعبة به موقوفا كما فى تاريخ بغداد 5/276 وهو شاذ .
وللحديث طريقان وثلاث شواهد فأما الطريقان فأحدهما: عن أبى صالح عن ابن عباس أخرجه ابن مردويه كما فى الدر المنثور 4/386
والآخر من طريق حماد بن سلمة عن على بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس مرفوعا رواه أحمد (2820) والترمذى (3107) وقال: حسن، والحاكم (7635) والطيالسى (2693) وعبد بن حميد فى مسنده (664) والطبرانى فى الكبير (12932) وابن جرير فى التفسير (17861/شاكر) وابن أبى حاتم فى التفسير (11399) والخطيب البغدادي فى تاريخه 8/101وابن عبد الحكم فى " فتوح مصر " /30
وللحديث طريق آخر رواه السرقسطى فى " غريب الحديث " كما فى " تخريج الأحاديث والآثار الواقعة فى تفسير الكشاف " للزيلعى. وابن أبى حاتم فى تفسيره (11401) كلاهما من طريق أبى خالد الأحمر عن عمر بن يعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا وهذا طريق ضعيف جدا لضعف عمر بن يعلى قال فيه ابن أبى حاتم والدارقطنى : متروك الحديث، وقال البخارى يتكلمون فيه. وقيل: إنه كان يشرب الخمر .
وأما الشواهد :
فأحدها- عن أبى هريرة رواه البيهقى فى الشعب (9390) وابن جرير فى التفسير (17860) وابن عدى فى الكامل 2/381 والجرجانى فى تاريخ جرجان (306) من طريق كثير بن زاذان عن أبى حازم عن أبى هريرة مرفوعا نحوه وتابع كثيراَ سعيدُ بنُ مسروق به رواه الطبرانى فى الأوسط (5823) وذكره الهيثمى فى " مجمع الزوائد " (11070) وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثورى وضعفه جماعة.
ثانيها- عن ابن عمر رواه الطبرانى فى مسند الشاميين (1569) وابن مردويه كما فى الدر المنثور 4/387 وابن عساكر فى تاريخ دمشق 53/124
ثالثها- عن أبى أمامة مرفوعا رواه أبو الشيخ كما فى الدر المنثور 4/387 وفتح القدير للشوكانى 2/680 نحوه.


هذا، وقد ذهب الشيخ شعيب الأرناؤوط إلى أن هذا الحديث صحح موقوفا وأما الشيخ الألبانى - رحمه الله تعالى - فصححه مرفوعا وهو الصواب إن شاء الله تعالى.


والله أعلم .
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

إشكال وجوابه:​
اعترض الفخر الرازي على هذا الحديث فقال: هل يصح أن جبريل أخذ يملأ فمه بالطين لئلا يتوب غضباً عليه ؟
والجواب الأقرب: أنه لا يصح لأن في تلك الحالة إما أن يقال: التكليف هل كان ثابتاً أم لا ؟ فإن كان ثابتاً فلا يجوز لجبريل أن يمنعه من التوبة، بل يجب عليه أن يعينه على التوبة، وعلى كل طاعة. وإن كان التكليف زائلاً عن فرعون في ذلك الوقت، فحينئذ لا يبقى لهذا الذي نسب إلى جبريل فائدة.
وأيضاً، لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر، والرضا بالكفر كفر.
وأيضاً، فكيف يليق بجلال الله أن يأمر جبريل بأن يمنعه من الإيمان؟
ولو قيل: إن جبريل فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله فهذا يبطله قول جبريل: وما نتنزل إلا بأمر ربك.
فهذا وجه الإشكال الذي أورده الفخر الرازي على هذا الحديث في كلام أكثر من هذا.
وقد أجاب الخازن فى تفسيره على هذا الاعتراض بما لا مزيد عليه؛ فرأيت نقله بنصه لأهميته.
قال: والجواب عن هذا الاعتراض أن الحديث قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا اعتراض عليه لأحد.
وأما قول الإمام: إن التكليف هل كان ثابتاً في تلك الحالة أم لا ؟ فإن كان ثابتاً لم يجز لجبريل أن يمنعه من التوبة. فإن هذا القول لا يستقيم على أصل المثبتين للقدر القائلين بخلق الأفعال لله، وأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء.
وهذا قول أهل السنة المثبتين للقدر، فإنهم يقولون: إن الله يحول بين الكافر والإيمان، ويدل على ذلك قوله تعالى: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} وقوله تعالى: {وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم} وقال تعالى: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه قَلَّب أفئدتهم؛ مثل تَرْكِهِمُ الإيمان به أول مرة.
وهكذا فَعَلَ بفرعون: مَنَعَهُ من الإيمان عند الموت جزاء على تركه الإيمان أولاً.
فَدَسُّ الطين في فم فرعون، من جنس الطبع والختم على القلب ومنع الإيمان وصون الكافر عنه وذلك جزاء على كفره السابق. وهذا قول طائفة من المثبتين للقدر القائلين بخلق الأفعال لله.
ومن المنكرين لخلق الأفعال من اعترف -أيضاً- أن الله -سبحانه وتعالى- يفعل هذا عقوبة للعبد على كفره السابق؛ فيحسن منه أن يضله ويطبع على قلبه ويمنعه من الإيمان.


فأما قصة جبريل عليه السلام مع فرعون فإنها من هذا الباب فإن غاية ما يقال فيه: إن الله سبحانه وتعالى منع فرعون من الإيمان وحال بينه وبينه عقوبة له على كفره السابق وَرَدِّهِ للإيمان لَمَّا جاءه.
وأما فِعْلُ جبريل من دس الطين في فيه فإنما فعل ذلك بأمر الله لا من تلقاء نفسه.


فأما قول الإمام: لم يجز لجبريل أن يمنعه من التوبة بل يجب عليه أن يعينه عليها وعلى كل طاعة.
هذا إذا كان تكليف جبريل كتكليفنا يجب عليه ما يجب علينا.
وأما إذا كان جبريل إنما يفعل ما أمره الله به والله - سبحانه وتعالى - هو الذي منع فرعون من الإيمان وجبريل منفذ لأمر الله فكيف لا يجوز له منعُ مَنْ مَنَعَهُ اللهُ من التوبة؟! وكيف يجب عليه إعانة من لم يُعِنْهُ اللهُ؟! بل قد حكم عليه وأخبر عنه أنه لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم حين لا ينفعه الإيمان.
وقد يقال: إن جبريل عليه السلام إما أن يتصرف بأمر الله فلا يفعل إلا ما أمر الله به، وإما أن يفعل ما يشاء من تلقاء نفسه لا بأمر الله. وعلى هذين التقديرين فلا يجب عليه إعانة فرعون على التوبة، ولا يحرم عليه منعه منها؛ لأنه إنما يجب عليه فعل ما أُمِر به، ويحرم عليه فعل ما نهي عنه. والله - سبحانه وتعالى - لم يخبر أنه أمره بإعانة فرعون، ولا حرم عليه منعه من التوبة وليست الملائكة مكلفين كتكليفنا.


وقوله: وإن كان التكليف زائلاً عن فرعون في ذلك الوقت فحينئذ لا يبقى هذا الذي نسب إلى جبريل فائدة.
فجوابه أن يقال: إن للناس في تعليل أفعال الله قولين:
أحدهما- أن أفعاله لا تعلل. وعلى هذا التقدير فلا يرد هذا السؤال أصلاً وقد زال الإشكال.
والقول الثاني- إن أفعاله تبارك وتعالى لها غاية بحسب المصالح لأجلها فَعَلها.
وكذا أوامره ونواهيه لها غاية محمودة محبوبة لأجلها أمر بها ونهى عنها.
وعلى هذا التقدير قد يقال: لما قال فرعون: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، وقد علم جبريل أنه ممن حقت عليه كلمة العذاب، وأن إيمانه لا ينفعه، دس الطين في فيه؛ لتحقق معاينته للموت؛ فلا تكون تلك الكلمة نافعة له.
وأنه وإن كان قالها في وقت لا ينفعه؛ فدس الطين في فيه تحقيقاً لهذا المنع.
والفائدة فيه تعجيل ما قد قضي عليه، وسد الباب عنه سداً محكماً بحيث لا يبقى للرحمة فيه منفذ، ولا يبقى من عمره زمن يتسع للإيمان؛ فإن موسى عليه السلام لما دعا ربه بأن فرعون لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم، والإيمان عند رؤية العذاب غير نافع، أجاب الله دعاءه.
فلما قال فرعون تلك الكلمة عند معاينة الغرق استعجل جبريل فدس الطين في فيه؛ لييأس من الحياة ولا تنفعه تلك الكلمة وتحقق إجابة الدعوة التي وعد الله موسى بقوله قد أجيبت دعوتكما، فيكون سعي جبريل في تكميل ما سبق في حكم الله أنه يفعله، فيكون سعي جبريل في مرضاة الله - سبحانه وتعالى - منفذاً لما أمره به وقدره وقضاه على فرعون .


وأما قوله: لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر والرضا بالكفر كفر. فجوابه ما تقدم من أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وجبريل إنما يتصرف بأمر الله ولا يفعل إلا ما أمره الله به، وإذا كان جبريل قد فعل ما أمره الله به ونفذه فإنما رضي بالأمر لا بالمأمور به، فأي كفر يكون هنا؟!
وأيضاً فإن الرضا بالكفر إنما يكون كفراً في حقنا؛ لأنا مأمورون بإزالته بحسب الإمكان، فإذا أقررنا الكافر على كفره ورضينا به كان كفراً في حقنا لمخالفتنا ما أمرنا به. وأما من ليس مأموراً كأمرنا، ولا مكلفاً كتكليفنا، بل يفعل ما يأمره به ربه، فإنه إذا نفذ ما أمره به لم يكن راضياً بالكفر، ولا يكون كفراً في حقه.
وعلى هذا التقدير؛ فإن جبريل لما دس الطين في فِيِّ فرعون كان ساخطاً لكفره غير راض به
والله - سبحانه وتعالى - خالق أفعال العباد خيرها وشرها وهو غير راض بالكفر، فغاية أمر جبريل مع فرعون أن يكون منفذاً لقضاء الله وقدره في فرعون من الكفر، وهو ساخط له غير راض به.


وقوله: كيف يليق بجلال الله أن يأمر جبريل بأن يمنعه من الإيمان؟
فجوابه: أن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسأل عما يفعل.


وأما قوله: وإن قيل: إن جبريل إنما فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله.
فجوابه: أنه إنما فعل ذلك بأمر الله منفذاً لأمر الله والله أعلم بمراده وأسرار كتابه .[1]


______________________
[1] تفسير الخازن المسمى " لباب التأويل فى معانى التنزيل" 3/423 (يراجع رقم الجزء والصفحة) والخازن هو: أبو الحسن على بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحى .
 
إنضم
9 نوفمبر 2017
المشاركات
1
التخصص
طباعة
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: قصص الملائكة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أتمنى من حضرتك نسخة وورد لكي انسقها على مقاس الهاتف الذكي وأقوم برفعها مره اخرى
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أتمنى من حضرتك نسخة وورد لكي انسقها على مقاس الهاتف الذكي وأقوم برفعها مره اخرى
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أما بعد
فالنسخة الموجودة الآن لا تصلح لكثرة الأخطاء فيها ولكثرة التعديل والتغيير فيها
فأرجو إن انتهينا من هذه الدروس على خير أن تكون أكثر هذه الأخطاء قد تم تلافيها
وشكر الله لكم حرصكم
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

** جبريل – عليه السلام – وخبر السامرى :
قال تعالى: -: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه:83-98]
لما ذهب موسى - عليه السلام - إلى ميقات ربه - عز وجل - عمد رجل من جيران بنى إسرائيل يقال له هارون السامرى فأخذ ما كانوا استعاروه من الحلى فصاغ منه عجلا لأنه كان من قوم يعبدون البقر وألقى فى هذا العجل قبضة من التراب كان أخذها من أثر فرس جبريل – عليه السلام- حين رآه يوم أغرق الله فرعون فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل الحقيقى – زعموا - وزعم بعضهم أنه صار عجلا حقيقيا. وقيل: بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فيه فيخور كما تخور البقرة فيرقصون حوله ويفرحون فقالوا: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} أى فنسى موسى ربه عندنا فذهب يطلبه هناك تعالى الله عما يقولون علوا كبيراَ. فلما رجع موسى إلى قومه وعلم ما فعل السامرى {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} أى ما حملك على ماصنعت {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} أى رأيت جبريل –عليه السلام- راكبا فرسا {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} أى من أثر فرس جبريل. وذكر بعضهم أنه رآه وكلما وطئت فرسه بحوافرها على موضع اخضرَّ وأعشب فأخذ من أثر حافرها فلما ألقاه فى هذا العجل المصنوع من الذهب كان من أمره ما كان. والله أعلم.


ومما ورد فى ذلك:
عن مجاهد فى قوله: {بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} [البقرة:54] قال: كان موسى أمر قومه عن أمر ربه أن يقتل بعضهم بعضا بالخناجر فجعل الرجل يقتل أباه ويقتل ولده فتاب الله عليهم. قال: والعجل حلىٌ استعاروه من آل فرعون فقال لهم هارون: احرقوه فأحرقوه وكان السامرى أخذ قبضة من أثر فرس جبريل صلى الله عليه وسلم فطرحها فيه فانسبك فكان له كالجوف فهوى فيه الريح فقال السامرى: هذا إلهكم وإله موسى.[1]



___________________________
[1] - حسن: رواه محمد بن نصر فى "تعظيم قدر الصلاة" رقم (792)
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

[الفصل السادس]
[جبريل مع شمويل النبى –عليهما السلام]
ذكر المفسرون: أنه لما غلبت العمالقة من أرض غزة وعسقلان على بنى إسرائيل، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وسبَواْ من أبنائهم جمعاً كثيرا، وانقطعت النبوة من سبط لَاوَى، ولم يبق فيهم إلا امرأة حبلى، جعلت تدعو الله – عز وجل - أن يرزقها ولدًا ذكرا، فولدت غلاما، فسمته أشمويل، ومعناه بالعبرانية: إسماعيل: أي سمع الله دعائي، فلما ترعرع بعثتْه إلى المسجد، وأسلمته إلى رجل صالح فيه يكون عنده؛ ليتعلم من خيره وعبادته، فكان عنده، فلما بلغ أَشُدَّهُ بينما هو ذات ليلة نائم إذا صوتٌ يأتيه من ناحية المسجد فانتبه مذعورا، فظن أن هذا الصوتَ هو صوتُ الشيخ وأنه يدعوه، فسأله: أدعوتنى؟ فكَرِهَ الشيخُ أن يفزعه فقال: نعم، اذهب فنم. فقام. ثم ناداه الثانية، فكذلك، ثم الثالثة، فإذا جبريل- عليه السلام- يدعوه، فقال: إن ربك قد بعثك إلى قومك. فكان من أمره معهم ما قص الله فى كتابه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة:246][1].



____________________________
[1] - انظر قصص الأنبياء لابن كثير 351-352، والبداية والنهاية 2/،5 وتفسير القرآن العظيم 1/378، وتفسير البغوى 1/253، وتفسير الخازن 1/235.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

[الفصل السابع]
[جبريل- عليه السلام- مع مريم الصِّدِّيقة العذراء البتول]
قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} إلى قوله: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم:16-26]
قالوا: كانت مريم الصديقة لا تخرج من المسجد إلا فى زمن حيضها أو لحاجة ضرورية لابد منها من استقاء ماء أو تحصيل غذاء فبينما هي يوما قد خرجت لبعض شئونها {انتبذت} أي انفردت وحدها شرقي المسجد الأقصى إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل - عليه السلام - {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} فلما رأته {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} علمتْ أن التقي ذو نهية: أي ذو عقل ينهاه ويمنعه عن الفاحشة إذا ذُكِّر بالله وهذا هو المشروع في الدفع أن يكون بالأسهل فالأسهل فخوفته بالله - عز وجل - أولاً
قال: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ} أي لست بشراً ولكنني مَلَك بعثني الله إليك {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}
فقالت: كيف يكون لي غلام أو يوجد لي ولد: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}
فأجابها الملَك عن تعجبها من وجود ولد منها والحالة هذه بأن هذا أمر يسير سهل هين على الله - عز وجل - {وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ} على كمال قدرتنا على أنواع الخلق فإنه تعالى خلق آدم -عليه السلام- من غير أب ولا أم، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى وخلق عيسى -عليه السلام- من أنثى بلا ذكر وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى
{وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} يحتمل أن يكون هذا من تمام كلام جبريل معها أي أن هذا أمر قضاه الله وحتمه وقدره.
ويحتمل أن يكون قوله: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} كناية عن نفخ جبريل فيها كما قال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم:12]
وذكر غير واحد من السلف أن جبريل - عليه السلام - نفخ في جيب درعها فنزلت النفخة إلى فرجها فحملت من فورها.
ومن زعم أنه نفخ فى فمها أو أن الذى كان يخاطبها هو روح عيسى الذى ولج فيها من فمها فقوله خلاف ما يفهم من سياقات القصة فى محالها من القرآن فإن هذا السياق يدل على أن الذي أرسل إليها ملَك من الملائكة وهو جبريل - عليه السلام - وأنه إنما نفخ فيها
ولم يواجه الملَكُ الفرجَ بل نفخ في جيبها فنزلت النفخة إلى فرجها كما قال تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} فدل على أن النفخة ولجت فيه لا فى فمها.
ولما حملت اضطرها المخاض - وهو الطلق- وألجأها إلى جذع النخلة {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا} وفي هذا دليل على جواز تمني الموت عند الفتن.
وعند ذلك ناداها جبريل - عليه السلام -: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} أى نهرا تشربين منه.[1]

_________________________________
[1] انظر قصص الأنبياء/427-431 والبداية والنهاية 1/54-55 وتفسير ابن كثير 5/135 وتفسير البغوى 3/241 وتفسير الخازن 3/241 وانظر سند هذه الرواية عند البيهقى فى الأسماء والصفات/372 من طريق السدى عن أبى مالك وعن أبى صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمدانى عن ابن مسعود . وهذا الإسناد يروى به كثير من الإسرائيليات . والله أعلم
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

[الفصل الثامن]
[جبريل-عليه السلام- مع محمد صلى الله عليه وسلم]
[أ] شق صدر النبى صلى الله عليه وسلم:
اختلفت الروايات فى عدد مرات شق صدره الكريم صلى الله عليه وسلم واختلفت أقوال العلماء تبعا لذلك.
والصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قد شُقَّ صدره الشريف مرتين:
الأولى: وهو عند حاضنته حليمة السعدية:
وقد ذهب عامة أهل السير إلى أن هذا حدث فى السنة الرابعة أو الخامسة من مولده صلى الله عليه وسلم ويقتضى سياق رواية ابن إسحاق أنه وقع فى السنة الثالثة[1]
فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم ثم لَأَمَهُ[2] ثم أعاده فى مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعنى ظئره - فقالوا: إن محمدا قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط فى صدره.[3]
الثانية: عند الإسراء به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس:
فعن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرج عن سقف بيتى وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدرى ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه فى صدرى ثم أطبقه..."[4]
وقد ذهب الحافظ ابن حجر إلى حدوث شق صدر النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: مرة منها عند الطفولة، والثانية عند البعثة، والثالثة عند الإسراء.
أما الأولى والثالثة فلا خلاف فيهما
وأما الثانية فليس عليها دليل صحيح إلا ما روي من حديث أنس بن مالك من رواية شريك عنه وقد أنكر العلماء على شريك هذه الرواية وخصوصا قوله: "قبل أن يوحى إليه".[5]
تنبيه :
قوله: " ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه " ليس فيه ما يوهم جواز استعمال إناء الذهب لنا فإن هذا فعل الملائكة واستعمالهم وليس بلازم أن يكون حكمهم حكمنا ولأنه كان أول الأمر قبل تحريم النبى صلى الله عليه وسلم أوانى الذهب والفضة.[6]

______________________________
[1] انظر الرحيق المختوم /43
[2] لأمه: ويقال لاءمه أى ضم بعضه إلى بعض.
[3] صحيح: رواه مسلم (162)
[4] صحيح: رواه البخارى (3342،1636،394) ومسلم (163)
[5] انظر الصحيح من الإسراء لعمرو عبد المنعم سليم/47
وقال البيهقى فى الأسماء والصفات/437: وقد ذكر شريك بن عبد الله بن أبى نمر فى روايته هذه ما يستدل به على أنه لم يحفظ الحديث كما ينبغى له من نسيانه ما حفظ غيره ومن مخالفته فى مقامات الأنبياء الذين رآهم فى السماء مَنْ هو أحفظ منه وقال فى آخر الحديث: "فاستيقظ وهو فى المسجد" ومعراج النبى صلى الله عليه وسلم كان رؤية عين وإنما شَقٌَ صدره كان وهو صلى الله عليه وسلم بين النائم واليقظان ثم إن هذه القصة بطولها إنما هى حكاية حكاها شريك عن أنس بن مالك رضي الله عنه من تلقاء نفسه لم يعزها إلى رسول الله صلى الله علسه وسلم ولا رواها عنه ولا أضافها إلى قوله.
وقد خالفه فيما تفرد به منها عبدُ الله بن مسعود وعائشة وأبو هريرة رضي الله عنهم وهم أحفظ وأكبر وأكثر.
[6] مسلم بشرح النووى 2/175
 
التعديل الأخير:
إنضم
25 فبراير 2011
المشاركات
11
الكنية
ابن الصديق
التخصص
محاسبه
المدينة
المنصوره
المذهب الفقهي
الشافعى
رد: قصص الملائكة

بارك الله فيك
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

[ب] رؤية النبىِّ صلى الله عليه وسلم جبريلَ - عليه السلام -:
الثابت أنه صلى الله عليه وسلم لم ير جبريل - عليه السلام - على صورته التى خلق عليها غير مرتين.
فعن مسروق قال: كنت متكئا عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة[1] ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفِرْيَة.
قلت: ما هن؟
قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية.
قال: وكنت متكئا فجلست فقلت: يا أم المؤمنين أنظرينى[2] ولا تعجلينى ألم يقل الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير:23]، {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:13]؟
فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « إنما هو جبريل لم أره على صورته التى خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض ».
فقالت: أولم تسمع أن الله يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103]؟
أولم تسمع أن الله يقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى:51]؟
قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية والله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67]
قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون فى غد فقد أعظم على الله الفرية والله يقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65][3]
وقال الإمام البيهقى فى الدلائل: قلت: فالمرة الأولى التى رآه هى المذكورة فيما كتبنا من سورة النجم وقد روينا أنها نزلت بعدما هاجر عثمان بن عفان وعثمان بن مظعون وأصحابهما إلى أرض الحبشة فى الهجرة الأولى فلما قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة وسجد وسجد المسلمون والمشركون وبلغهم الخبر رجعوا ثم هاجروا الهجرة الثانية مع جعفر بن أبى طالب وذلك كان قبل المسرى بسنتين.
ثم رآه فى المرة الثانية ليلة أسرى به عند سدرة المنتهى فى صورته التى هى وهو قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:13-18]
ويحتمل أن السورة نزلت فى الوقت الذى هو مشهور عند أهل المغازى غير هذه الآيات ثم نزلت هذه الآيات فى رؤيته إياه نزلة أخرى بعد المسرى فألحقت بالسورة والله أعلم.[4]
قلت: هذا ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى جبريل - عليه السلام - مرتين لكن وقع فى رواية عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم رأى فى منامه جبريل بأجياد[5] ولكنه من رواية ابن لهيعة وهو ضعيف عن أبى الأسود.
قال الحافظ: وبيَّن أحمد فى حديث ابن مسعود أن الأولى كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التى خلق عليها والثانية عند المعراج. وللترمذى من طريق مسروق عن عائشة: لم ير محمد جبريل فى صورته إلا مرتين:مرة عند سدرة المنتهى، ومرة فى أجياد".[6] وهذا يقوى رواية ابن لهيعة وتكون هذه المرة غير المرتين المذكورتين وإنما لم يضمها إليهما لاحتمال ألا يكون رآه فيها على تمام صورته. والعلم عند الله.[7]

______________________________


[1] أبو عائشة: هى كنية الإمام مسروق المتوفى سنة ثلاث وستين.سُمٍّى "مسروقا"لأنه سرقه إنسان فى صغره ثم وُجِد.
[2] أنظرينى : الإنظار هو التأخير والإمهال
[3] صحيح: رواه البخارى (4855) ومسلم (177) وهو لفظه
[4] دلائل النبوة للبيهقى 2/120-121
[5] أجياد : مكان مشهور بأسفل مكة قريب من الحرم.
[6] ضعيف: رواه الترمذى (3278) من طريق مجالد بن سعيد وليس بالقوى وقد تغير بأخرة
[7] فتح البارى 10/30-31 وقصة أجياد هذه ذكرها الحافظ ابن كثير فى التفسير 7/287 من طريق ابن لهيعة وهو ضعيف كما تقدم وعزاها لابن جرير وابن أبى حاتم.قلت: وروى نحوها أيضا ابن سعد فى الطبقات 1/93 من طريق محمد بن عمر الواقدى وهو متروك ورواها بنحوها أيضا أبو نعيم فى الدلائل(165) بإسناد ضعيف. والله أعلم
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

[ج] الوحي :
(أولا) معنى الوحي :

قال الإمام أبو نعيم الحافظ: ومعنى الوحي: من الوحا وهو العجلة فلما كان الرسول متعجلا لِمَا يفهم قيل لذلك التفهم وحي[1]
وقال الإمام البيهقي: والوحي ما يوحي الله به إلى النبي من أنبيائه فيُثْبِت الله – تعالى - ما أراد من وحيه فى قلب النبي فيتكلم به النبي صلى الله عليه وسلم ويبينه، وهو كلام الله ووحيه، ومنه ما يكون بين الله ورسله لا يكلم به أحدٌ من الأنبياء أحدًا من الناس ولكنه سرُّ غيبٍ بين الله ورسله، ومنه ما يتكلم به الأنبياء ولا يكتبونه لأحد ولا يأمرون بكتابته ولكنهم يحدثون به الناس حديثاً ويبينون لهم أن الله - تعالى - أمرهم أن يبينوه للناس ويبلغوهم، ومن الوحي ما يرسل الله به من يشاء فيوحون به وحيا فى قلوب من يشاء من رسله.[2]

__________________________
[1] دلائل النبوة لأبى نعيم 1/34
[2] الأسماء والصفات /226
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

(ثانيا) بدء نزول الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وأما نزول جبريل - عليه السلام - بآيات من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يوم الاثنين لإحدي وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان.
وكان نزوله ليلا
ويوافق 10 أغسطس سنة 610 م
وكان عمره صلى الله عليه وسلم إذ ذاك بالضبط أربعين سنة قمرية وستة أشهر و12 يوما.[1]
عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم
فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح
ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد[2] الليالي ذوات العدد- قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك
ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها
حتى جاءه الحق وهو في غار حراء
فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: " ما أنا بقارئ "
قال: "فأخذني فغطني[3] حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت ما أنا بقارىء.
فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء
فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق:1-3]
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده
فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: "زملوني زملوني" فزملوه[4] حتى ذهب عنه الرَّوْع[5]
فقال لخديجة وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي"
فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا: إنك لتصل الرحم وتحمل الكَّلَّ[6] وتَكْسِبُ المعدوم[7] وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة -وكان امرءًا تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي-
فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك.
فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى ؟
فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى
فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا[8] ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أومخرجي هم".
قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك[9] أنصرك نصرا مؤزرا.[10]
ثم لم ينشب[11] ورقة أن تُوُفِّي وفتر الوحي.[12]



____________________________
[1] الرحيق المختوم /50
[2] قوله: "وهو التعبد" مدرج فى الخبر وهو من تفسيرالزهرى كما جزم به الطيبى (فتح الباري 1 /31 ت. عبد القادر شيبة الحمد)
[3] غطنى: وفى رواية: غتني كأنه أراد ضمنى وعصرنى، والغط حبس النفَس ومنه غطه فى الماء أو أراد غمنى ومنه الخنق ولأبى داود الطيالسى فى مسنده بسند حسن: فأخذ بحلقى. (فتح البارى1/31)
[4] زملوه : أى لفوه
[5] الرَّوْع : بالفتح: الفزع
[6] الكلَّ : هو من لا يستقل بأمره
[7] الكسب : هو الاستفادة فكأنها قالت إذا رغب غيرك أن يستفيد مالاً موجوداً رغبت أنت أن تستفيد رجلا عاجزا فتعاونه .
[8] جذع: الجذع: هو الصغير من البهائم كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا ليكون أمكن لنصره وبهذا يتبين سر وصفه بكونه شيخا كبيرا قد عمى
[9] يومك: أى يوم إخراجك
[10] مؤزرا: أى قويا
[11] لم ينشب: أى لم يلبث
[12] صحيح: رواه البخارى (3،6982،4957،4956،4955،4953،3392) ومسلم (160)
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,456
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
رد: قصص الملائكة

(ثالثا) فترة الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال الحافظ: وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان وكان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع وليحصل له التشوق إلى العودة... وليس المراد بفترة الوحي عدم مجيء جبريل إليه بل تأخر نزول القرآن فقط.
ورجح الشيخ صفي الرحمن المباركفوري أن مدة فترة الوحي كانت أياما قال: وهذا الذى يترجح بعد إدارة النظر فى جميع الجوانب وأما ما اشتهر أنها دامت طيلة ثلاث سنين أو سنتين ونصف فلا يصح بحال.[1]


[تنبيه]:
زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتر عنه الوحي حزن حزنا شديدا حتى كاد يلقى نفسه من رؤوس الجبال ...
فروى أنه صلى الله عليه وسلم ( لما نزل عليه الوحي بـ (حراء)؛ مكث أياماً لا يرى جبريل، فحزن حزناً شديداً، حتى كان يغدو إلى ثبير مرة، وإلى حراء مرة، يريد أن يلقي نفسه منه، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك عامداً لبعض تلك الجبال؛ إلى أن سمع صوتاً من السماء، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم صعقاً للصوت، ثم رفع رأسه فإذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض متربعاً عليه يقول: يا محمد! أنت رسول الله حقاً، وأنا جبريل.
قال: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقر الله عينه، وربط جأشه. ثم تتابع الوحي بعد وحمي )[2]
وقد فَصَّل القولَ فيه العلامةُ الألبانى - رحمه الله تعالى - فى السلسلة الضعيفة ثم قال: وجملة القول أن الحديث ضعيف إسنادا، منكر متنا، لا يطمئن القلب المؤمن لتصديق هؤلاء الضعفاء فيما نسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهم بقتل نفسه بالتردي من الجبل وهو القائل فيما صح عنه : "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو فى نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا" متفق عليه "الترغيب" (3/205) لا سيما وأولئك الضعفاء قد خالفوا الثقات الذين أرسلوه.[3]

_______________________
[1] فتح البارى 1/36 والرحيق المختوم /52
[2] باطل: أخرجه ابن سعد فى الطبقات (1/196) عن ابن عباس وفيه محمد بن عمر الواقدى وهو متروك ومتهم بالوضع وفيه أيضا إبراهيم بن محمد بن أبى موسى وهو متروك كالواقدى أو أشد انظر السلسلة الضعيفة (4858)
[3] السلسلة الضعيفة (450- 458) وانظر له - أيضا - " دفاع عن الحديث النبوى والسيرة " / 50
 
أعلى