العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
المعتمد
ليس المقصود هنا إنشاء رسالة في المعتمد ما هو وتاريخ نشوئه ووو ... بل مجرد مناقشة لدعوتين رئيستين ، أولاهما أن المعتمد هو ما اختاره الشيخان ، أو أحدهما حيث سكت الآخر وإن خالفهما من تقدم ومن تأخر عنهما ما دام المتأخرون عنهما ليسوا مجمعين على تلك المخالفة.
والثانية : أن المعتمد عند المتأخرين هو ما اختاره الإمام ابن حجر والرملي أو أحدهما حيث لم يتكلم الآخر أو اعتماد أناس مخصوصين كالشيخ زكريا الأنصاري وتلامذته والمحشين عليهم، بالترتيبات المذكورة والآتي بعضها.

الرافعي والنووي :
جمعهما لنصوص وأوجه المسائل أصولاً وفروعاً ، وترجيحهما :
أما الأول : فاعلم أنه لا خلاف في كون الإمامين الرافعي والنووي قد جمعا واطلعا على كم من الكتب لعلها لم تجتمع لمن كان قبلهما ، وبحكم تأخرهما فقد حازا من أقوال أصحاب الوجوه ما لم يجتمع لأصحاب الوجوه أنفسهم.
لكن المذهب بشكل رئيسي هو اختيارات الإمام الشافعي رحمه الله والقواعد التي سار عليها.
وهنا يطرأ سؤال : بما أن الرافعي والنووي رحمهما الله تأخرا عن الشافعي واطلعا على أقواله وأقوال من جاء بعده من الأئمة المجتهدين وأصحاب الوجوه ، فهل يصيران بذلك أعلم من إمام المذهب نفسه ، وقولهما أرجح من قوله، حتى أنه لو ظهر هناك تعارض بين قولهما وقوله فالمذهب هو قولهما؟
ثم ينسحب هذا السؤال على أصحاب الشافعي ومن جاء بعدهم من أصحاب الوجوه ، وهم الذي يرجحون بين أقواله المختلفة والذين يحكمون في المسائل المسكوت عنها تخريجاً على نظائرها وعلى القواعد التي اعتمده الشافعي في الاستنباط والتوفيق بين المختلفات وغير ذلك.
فهل يحكم للرافعي والنووي بأنهما أعلم من أولئك وأن تخريجاتهم أقوى من تخريجات أولئك وأنهما المعتمدان دونهم؟
ولا أعلم خلافاً في كون الشيخين لا يبلغان رتبة من تقدم ذكرهم في المذهب ؛ لذلك لا تعد أقوالهم وجوهاً في المذهب ، ولو كان في المسألة قول أو وجه وكان للرافعي أو النووي ترجيح مخالف ، فلا خلاف أن المذهب هو قول المتقدم دونهما.
ومع ذلك فإنهما قد بلغا من سعة الإطلاع والمعرفة بأقوال الإمام الشافعي وأصحابه وأصحاب الوجوه ما لا يكاد يجتمع لأحد تقدم عليهما.
وقد صرح النووي في مقدمته على (الروضة) بقوله : "فوفق الله سبحانه وتعالى - وله الحمد - من متأخري أصحابنا من جمع هذه الطرق المختلفات، ونقح المذهب أحسن تنقيح، وجمع منتشره بعبارات وجيزات، وحوى جميع ما وقع له من الكتب المشهورات، وهو الإمام الجليل المبرز المتضلع من علم المذهب أبو القاسم الرافعي ذو التحقيقات، فأتى في كتابه (شرح الوجيز) بما لا كبير مزيد عليه من الاستيعاب مع الإيجاز والإتقان وإيضاح العبارات"
فتصريحه بأنه لا كبير مزيد عليه مصرح بأنه لم يفته في كتابه هذا إلا القليل ، ألا تراه يمكن استيفاء هذا القليل من باقي مصنفاته كالمحرر والشرح الصغير والتذنيب شرح مسند الشافعي وغيرها ؟
ثم قال رحمه الله : "فألهمني الله سبحانه - وله الحمد - أن أختصره في قليل من المجلدات، فشرعت فيه قاصدا تسهيل الطريق إلى الانتفاع به لأولي الرغبات، أسلك فيه - إن شاء الله - طريقة متوسطة بين المبالغة في الاختصار والإيضاح فإنها من المطلوبات، وأحذف الأدلة في معظمه وأشير إلى الخفي منها إشارات، وأستوعب جميع فقه الكتاب حتى الوجوه الغربية المنكرات، وأقتصر على الأحكام دون المؤاخذات اللفظيات، وأضم إليه في أكثر المواطن تفريعات وتتمات، وأذكر مواضع يسيرة على الإمام الرافعي فيها استدراكات، منبها على ذلك - قائلا في أوله: قلت: وفي آخره: والله أعلم - في جميع الحالات. وألتزم ترتيب الكتاب - إلا نادرا - لغرض من المقاصد الصالحات، وأرجو - إن تم هذا الكتاب - أن من حصله أحاط بالمذهب وحصل له أكمل الوثوق به وأدرك حكم جميع ما يحتاج إليه من المسائل الواقعات"
فإذا كان الأصل بتصريح النووي مستوعباً للمذهب إلا قليل ، فكيف صار الأمر بعد استدراكات وتتمات النووي في (الروضة)؟
فكيف إذا ضممنا إليها سائر مصنفات النووي كالمجموع وشرح مسلم والمنهاج والفتاوى وغيرها؟
والمذهب نقل ، ولا يكاد يفوتهما من النقل شيء.
فالغالب إذاً أن ما لم يوجد في مصنفاتهما ليس مذهباً ، لأنه لو كان نصاً أو وجهاً لرأيته إما منقولاً أو معمولاً بمقتضاه عندهما.

من بعد الشيخين :
من أجل ما تقدم اهتم عامة من جاء بعدهما بمصنفاتهما لأنهما سهلا ما كان يعسر لولاهما ، فبدلاً من أن يضيع المتفقه عمره في البحث عن نوادر المصنفات في المذهب للاطلاع على الأقوال والأوجه وما احتج به كل واحد، فإنه يمكنه أن يحصيل ذلك بالإطلاع على كتبهما لاحتوائهما على جميع ذلك.
وبدلاً من تضييع سنين طويلة في تطلب الترجيح بالبحث عن وجوهه وقواعده في كتب الشافعي وكتب علماء المذهب ، مما سيضطره إلى تضييع زمن طويل في تطلبها من نوادر الكتب كما قدمناه ، فيكفيه أن ينظر في ترجيحات الرافعي والنووي ؛ لأنهما باطلاعهما على تلك الكتب فقد اطلعاً على وجوه الترجيح والتصحيح في المسائل لاطلاعهما على تلك الكتب.
ومن هنا كان جل اهتمام المتأخرين عن الشيخين هو الغوص في كتبهما وتحصيل ما فيها ، وكل ما كان الرجل بها أدرى وفيها أمكن ، كان بالمذهب أعرف.
ولما تتابع الأمر على ذلك ، وكان المبتدئون في الطلب يرون مشائخهم مكبين على كتب الشيخين .. ارتفعت مكانة كتب الشيخ في صدورهم ، وتربعت مكانة لم يلحق بها غيرها .

التعقب على الشيخين :
لكن بقي أمر ؛ وهو أن من علماء المذهب من كان اطلع على كتب الشيخين وألم بما فيها الإلمام التام ، فلم يرَ بعد بلوغه هذه الرتبة الإقتصار في تحصيله العلم على تكرير النظر فيها ، وانتقل إلى البحث عن أصولها وعما يمكن أن يكون فاتهم من الأصول ، وهؤلاء كالإمام ابن الرفعة والإسنوي مثلاً.
فظهر لهم بالتتبع والنقل أن بعض المسائل ـ وإن قلت ـ لم تنقل على وجهها في كتب الشيخين أو احدهما ، كما ظهرت لهم مسائل لم تبلغ الشيخين أصلاً فحكم بها الشيخان بمقتضى البحث الفقهي عندهما وهي منقولة عن أصحاب الوجوه ، بل ربما عن إمام المذهب نفسه، لكن النقل قد يكون في غير مظنته ، أو في كتاب لم يشتهر أو ظُنّ مفقوداً ، وربما كان ظاهراً موجوداً في مظنته لكن حصلت الغفلة عنه ذهولاً كما هو عادة البشر.
فإن الرجل قد يطلع على نص من الطريق المشهورة المعلومة في كتاب مشهور ، ثم يجزم بإنكاره ، كما وقع هذا للعماد ابن كثير رحمه الله حين تعقب ابن الصلاح في نقله تعريف الحسن عن الترمذي ، فأنكر أن الترمذي ذكره جازماً بذلك ، فتعقبه الحافظ العراقي بأنه في العلل لسنن الترمذي المقروء لابن كثير نفسه.
لكن تقدم معك أن كتب الشيخين كانتَ قد اكتسبت مكانة عليا في صدور أصحاب المذهب ومارسوها وكرروا النظر فيها ، وعملوا عليها أعمالاً شروحاً ومختصرات وحواشي وأنظام وغير ذلك. فإذا تفرد رجل بتعقبٍ عليهما ، استبعدت النفوس صوابه ، إذ كيف فاتهما ذلك مع ما قدمناه فيهما ، ولو فات ، فكيف فات علماء المذهب من بعدهما حتى جاء هذا الواحد فاستدركه؟
لكن لم يكن الأمر دوماً كذلك ، فربما اجتمع المتأخرون ، على ندور ، على أن ما قالاه خطأ ، فحينئذٍ كان يقبل النقد.
لكن بين انفراد واحدٍ بتعقيب واجتماع الكل عليه مراتب كثيرة ، اختلفوا فيها فمن قابل ومن راد.
الحكم في ما خولفا فيه :
استمر الأمر كما تقدم ، وكانت التعقبات على قلتها تزيد كلما جاء متعقب، والقائلون بها ابتداءً أو اتباعاً في ازدياد أيضاً.
وكان من أبرز المتعقبين الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي ، فإنه كان يذكر في مصنفاته ما وقع لهم مما يعتقده هو خطأً ، ثم أفرد ذلك بتصنيفين :
أولهما : (جواهر البحرين في تناقض الحبرين) جمع فيها ما خالف كل واحدٍ منهما نفسه ، ولم يشترط امتناع الجمع ، بل كل ما كان ظاهره التناقض وكان في الجواب عنه تكلف ، وإن أمكن ، فهو داخل في تصنيفه. وقد اطلعنا على (مختصر الأزرق) وتوجد رسالة جامعية له غير تامة اطلعت عليها أيضاً.
والثاني : (المهمات) وهذا الكتاب أشهر كتبه على الإطلاق ، تناول فيه أهم كتب الرافعي ، وهو (العزيز شرح الوجيز) وأهم مصنفات النووي وهو (الروضة) بالنقد، وعلى هذين الكتابين معول أصحاب المذهب ، وموقعهما في النفس جليل ، وما كان ليسكت عنه أئمة أصحاب الترجيح بيسر ، وما كان ليقابله من نزل عن هذه المرتبة إلا بالنُّكر.
واستمرت الإعتراضات بالإنتشار والظهور ، حتى جاء الإمام ابن حجر الهيتمي ، فبدأ عصرٌ جديد ـ فيما يتعلق بالشيخين خاصة ـ حيث قرر أن قولهما أو أحدهما أو النووي أو الرافعي حيث لم يكن للنووي كلام هو الصواب الواجب اعتماده ، ولا عبرة بالمخالف مطلقاً إلا أن يجتمع جميع المتأخرين عليه ، وادعى على ذلك الإجماع ، قاله في مقدمته على (الإيعاب) وعبارته رحمه الله "قد أجمع المحققون على أن المفتى به ما ذكراه ، فالنووي ، وعلى أنه لا يُغتر بمن يعترض عليهما بنص الأم ، أو كلام الأكثرين ، أو نحو ذلك ، لأنهما أعلم بالنصوص وكلام الأصحاب من المعترض عليهما ، فلم يخالفاه إلا لموجب علمه من علمه ، وجهله من جهله" انتهى من راجع مقدمة (العباب) ط دار المنهاج و(الفوائد المدنية) للكردي ص 40 ـ 41 ، لكن في الفوائد بعض تحريف.
ثم أيد دعواه الأعلمية بنصوص الشافعي بقوله : "ومما يدلك على ذلك أنهما صرحا بكراهة ارتفاع المأموم على الإمام ، وعمما ذلك ، لم يقيداه بمسجد ولا غيره ؛ فجاء بعض المتأخرين واعترضَ عليهما بأنه نص في (الأم) على أن محل كراهة ذلك في غير [ذلك] ، وتبعه كثيرون ، وملتُ إلى موافقتهم زمناً طويلاً ، حتى رأيتُ للشافعي نصاً آخر ، فإنه كره صلاة الإمام داخل الكعبة والمأموم خارجها ، وعلله بعلوه عليه ؛ فانظر كيف علما أن له نصين أخذا بأحدهما لموافقته من أن ارتفاع أحدهما على الآخر مخل بتمام المتابعة المطلوبة بين الإمام والمأموم ، وتركا النص الآخر لمخالفته للقياس المذكور لا عبثاً ، إذ مزيد ورعهما وشدة تحريهما في الدين قاضٍ بذلك ، ولو أمعن تفتيش كتب الشافعي والأصحاب ، لظهر أنهما لم يخالفا نصاً إلا لما هو أرجح منه" انتهى من (الفوائد المدنية) ص 41.
وقد بحثت عن صاحب الإعتراض في المكتبة الشاملة و(النجم الوهاج) و(البداية) لابن قاضي شهبة فلم أظفر بشيء .
بدا لي أن أتحقق المسألة المنقولة ، قبل ذكر هذه الملاحظات ، فبحثت عن المسألة ، وأصلها هو قول النووي رحمه الله في (المنهاج) : "يكره ارتفاع المأموم على إمامه وعكسه إلا لحاجة .. فيستحب"
وبحثتُ ثم عن المقصود بالمعترض المذكور ، وهو : 1. اعترض على الشيخين إطلاق الكراهة في المسجد وغيره. 2. صوب في المسألة الكراهة في المسجد. 3. اعتمد في اعتراضه على نص الشافعي .
وقول ابن حجر : "وتبعه كثيرون" ظاهره أن المسألة مشهورة ، فبحثت عنها أولاً في كتبِ ابن حجر والشيخ زكريا والرملي والمحشين، وعامة الكتب في (المكتبة الشاملة) ، فلم بأظفر بأكثر مما ذكره ابن حجر في النص المتقدم ، ولم أدرِ من هو هذا المعترض على الشيخين.
وقد كنتُ أقدر في أول الأمر أن المخالف هو الإسنوي رحمه الله ، فإنه كثير الإعتراض عليهما بنصوص الشافعي رحمه الله ، لكني لم أظفر له بخلاف في المسألة .
ثم رأيتُ في (فتاوى الشهاب الرملي) سؤالاً : "هل كراهة علو المأموم على الإمام عام في المسجد وغيره كما هو ظاهر إطلاقهم أم تختص بغير المسجد كما نقل عن فتوى العلامة ابن العراقي ومن صرح بذلك؟"
فبحثتُ عن فتوى العراقي ، فإذا هي لا تتعلق بالارتفاع حال كونه في المسجد أو في غيره ، بل حال كون الارتفاع ظاهره الدلالة على التكبر ولو لم يكن مقصوداً للمستعلي. (فتاوي العراقي) ص 169. وهو المقصود بقول ابن حجر : "وَعِنْدَ ظُهُورِ تَكَبُّرٍ مِنْ الْمُرْتَفِعِ وَعَدَمِهِ خِلَافًا لِمَنْ نَظَرَ لِذَلِكَ" (التحفة) .
كما أن العراقي لم يعترض بكلام الشافعي ، بل لم يعترض عليهما أصلاً.
فقلتُ : عساه تكلم فيه في (تحرير الفتاوى) فبحثت فإذا هو لم يتعقبهما بشيء في خصوص المسألة ، ولكن ذكر أن التعبير بعدم الإستحباب أولى ، وهو قريب من الإعتراض من حيث هو منكرٌ للكراهة فإنه قال بعد ذكر عبارة (التنبيه ) : "لا يزم منه أن يكون ارتفاعه مكروهاً ، وصرح في (المنهاج) بالكراهة ... وعبارة (التنبيه) موافقة لنص الشافعي" انتهى.
لكنه رحمه الله لم يفصل بين كون الكراهة في المسجد أو خارجه بل أطلق أن التعبير بعدم الإستحباب أولى.
فبحثتُ في الكتب الموجودة في الشاملة ، وفي (النجم الوهاج) للدميري ، و(البداية) لابن قاضي شهبة ، و(حاشية الشوبري على المنهج) وغيرها ثم مللتُ فتوقفتُ عن البحث.
فإن قيل : وما حاجتك وقد نقله ابن حجر وإن لم يصرح بقائله وهو ثقة مقبول النقل؟
قلتُ : إنما بحثتُ لأتأكد أنه ليس ثم احتمال وهم وخطأ في نقل المسألة ، فإنه قد يقرأ عبارة كعبارة السراج البلقيني : "ولا يشترط في السهل والجبل محاذاة الأسفل لأعلى جزءٍ، وإنما ذاك في البناء غير المسجد" (تدريب المبتدي) ، فيرى التفرقة بين بناء المسجد والبناء غير المسجد ، فينقل الذهن إلى المسألة السابقة ويخطئه ، بينما هو يتكلم في مسألة أخرى. وهذا ليس بالقليل النادر.
كما أردتُ أن أعرف من هو المعترض ، ومرتبته في العلم بالنسبة إلى غيره من المحققين الذين ربما اعترضوا على الشيخين.

ونعود إلى كلام ابن حجر ، فنقول : قوله ""قد أجمع المحققون على أن المفتى به ما ذكراه ، فالنووي ، وعلى أنه لا يُغتر بمن يعترض عليهما بنص الأم ، أو كلام الأكثرين ..."
هذا كلام ينقض آخره أوله ، حيث ابتدأ بذكر إجماع المحققين على اعتماد قولهما ، ثم أثبت وجود المعترض عليهما ومقتضاه أنه حيث اعترض لم يعتمد قولهما.
فإن قيل : إنما نقل إجماع المحققين.
قلنا : فهل تزعمون أن ابن الرفعة والإسنوي والنشائي والسبكي والبلقيني والولي العراقي والأذرعي والحصني ليسوا من المحققين؟ وكل هؤلاء اعترض مسائل قال بها النووي ولم يجتمع المتأخرين على صحة الاعتراض.
بل من المعترضين بعض شيوخ ابن حجر ، بل ابن حجر نفسه كما في تيمم من لم يجد طبيباً بالشرط ، فقال بالتيمم تبعاً للبغوي ، وخلافاً للنووي ، وهي مسألة لم يجتمع على المتأخرون ، لذا قال الشربيني والرملي بأنه لا يتيمم موافقة للنووي.
فأي إجماع هذا الذي لا نحفظ به قائلاً عاملا.
ومجرد أن يقول أحد المحققين أن تحقيقاتهما معتمدة معتبرة صحيحة ، لا يفيد أنه لا يعترض عليهما قط ، فإن ممن ذكر ذلك الإسنوي نفسه ، وأين ذكره ؟ في مقدمة كتابه (المهمات) !
فلا يفهم من إطلاق هذه العبارات ونحوها تأييداً لدعوى الإجماع المتقدمة.
أما المسألة المذكورة ، على فرض صحتها ، فلا نسلم إفادتها المدعى ، وهو أنهما أعلم بنصوص الشافعي من غيرهما ، كيف وقد بين الإسنوي أن الرافعي إنما كان ينقل عن بعض كتب الشافعي بواسطة الإمام الجويني ، وأنه لم يقف عليها بنفسه ، وسمى ما اطلعا عليه ، وسمى هو من الكتب التي لم يطلعا عليها (الإملاء) و(الأمالي) و(غاية الإختصار) ، كما سمى من كتب أصحاب الوجوه وغيرهم مما لم يطلعا عليه جملة وافرة.
وهو أتقى لله وأورع من أن يتخرص عليهما ذلك ، ويقدر الجهل فيهم تقديراً من رأسه ، بل بناه على تصريحهما أحياناً وعلى الأصل المعتضد بالمخالفة أحياناً أخرى ، والنقل عن غيره أحياناً.
أما الأول : فكأن يقول النووي أو الرافعي : لا أعرف فيها نقلاً عن الأصحاب ، ثم يستدركه الإسنوي عن النص الشافعي نفسه ، أو نصه بعض أصحابه وأصحاب الوجوه.
أو أن يحكم الشيخان أو أحدهما حكماً باعتماد البحث الفقهي ، وهي منقولة عن إمام المذهب أو بعض أصحابه وأصحاب الوجوه.
أو أن يحكما حكماً مخالفاً لنص الإمام من غير بيان مستند نقلي ، فيعترض عليهما المعترض بثبوت النقل ، وهو ما رده ابن حجر بأنهما أعلم بنصوص الشافعي ، وأنهما قد يكونان اطلعا عليه وعلى نص آخر للشافعي لم يطلع عليه المعترض .
وقال : "لا يقال أنهما لم يروه؟ لأن ذلك ترجٍّ لا يفيد ، على أنه شهادة نفي. بل الظاهر أنهم اطلعوا عليها ، وصرفوها عن ظاهرها بالدليل"
وهذا كلام غير مقبول ، بل الأصل عدم الإطلاع ، وهو متأيد بالمخالفة له ، ودعوى الإطلاع لو سلمنا ظهوره ـ ولا نسلمه ـ معارض للأصل المتعضد وهو خلو عن قرينة تؤيده ، سوى ما يكرره من فضلهما وسعة اطلاعهما ، وهو ما يقر به نفس المعترض عليهما الراد لقولهما ، ولا يفيد ، فإن سعة الإطلاع الجملي مسلم فيهما ، أما التفصيلي على قول قول في مسألة مسألة ، فإن هذا لا يقبل لمجرد ثبوت الإطلاع الجملي ، ولا يكفي فيه التغني بفضائلهما رحمهما الله.
وعلى كل حال لو سلمنا له الإستدلال فلا ينفعه حيث صرحا بأن لا علم لهما بنقل سابق ، أو صرحا بما يفيده ، كأن ينقلا إجماع الأصحاب على قول مع أن الخلاف موجود ، وبخاصة إن كان الخلاف عن إمام المذهب ، أو يصرحا بأن القول الفلان لم ينقله سوى فلان ، فيتعقب عليهما بأنه نقله أيضاً فلان وفلان من الناس.
وهذا في كلام المتعقبين كثير ، وقد قدمنا له أمثلة.

... يتبع ...
 
التعديل الأخير:
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

تقدم معنا أن كثير من المحققين قبل ابن حجر والرملي، بل عامة المصنفين في الفقه الشافعي ذوي المصنفات المشهورة قبلهما، لم يتحاشوا التعقيب عليهما ومخالفتهما، فلو أنا ادعينا عكس ما قاله ابن حجر لكان قريباً ، أي أن التعقب ظهر اشتهر وانتشر ، ولم نرَ أحداً رد هذه التعقبات بدعوى أن قولهما هو المعتمد فهو إجماع، بل إن تعقب متعقب ففي خصوص المسألة والنقل وفيها ومدركها من غير أن يكون لاعتماد الشيخين مدخل .
فمثلاً حين كتب الإسنوي كتابه (المهمات) تعقبه جماعة ، كابن العماد ، لكن ابن العماد نفسه خالفهما في مسائل كما تراه في كتابه (توقيف الحكام) مثلاً ، وذكر بعضها محققه في المقدمة ص 70.
وهكذا غيره ، يخالفونه في مسائل ويوافقونه في أخرى.
وهكذا تتبع التاج السبكي المسائل التي خالف فيها أباه الشيخين وأفردها بتصنيف سماه (الترشيح على التوشيح) ولم نرَ أحداً تعقبه بأن المعتمد ما قاله الشيخان.
وكذا فعل كل من اختصر (الروضة) كصاحب (الأنوار) والظاهر أنه كانت لكتابه مكانة عند فقهاء أهل اليمن الأوسط خاصة ، فهم كثيروا النقل عنه في فتاواهم، وابن المقري في (الروض) والمزجد في (العباب) وتميز المزجد بالتنصيص لا غير ، أي أنه حيث خالف الشيخين ينص على الخلاف بقوله : "خلافاً للشيخين" أو "خلافاً للنووي" أو "خلافاً للرافعي" ولم يتميز بنفس الاختلاف معهما ، وهو من طبقة شيوخ ابن حجر.
وممن فعل ذلك من شيوخه الشيخ زكريا والبكري في الإقرار بلفظ (قِبَلِي) فذهبا إلى أنه إقرار بالدين دون العين، والكناية مع نية البيع ، حيث اختارا عدم الصحة إن شُرِطَ الإشهاد ولو توفرت القرائن.
فإذا هذا أولى بأن يكون إجماعاً من عكسه كما قدمناه.

... يتبع ...
 

د. محمد بن عمر الكاف

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
20 مايو 2009
المشاركات
326
التخصص
فقه
المدينة
المدينة المنورة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

أخي الكريم وضاح..
أثلجت صدري جدا ببحثك في هذه النقطة المهمة التي توقفت عندها في بحثي ولم أستطع مناقشة ابن حجر في دعواه أعلمية الشيخين وإجماع المحققين..
أحسنت جدا في تتبع الموضوع .. وهكذا يكون البحث .. تتبع المسألة من جذورها ..
والذي منعني من مناقشة قول ابن حجر وهو المشهور عند المتأخرين، هو الخوف من الدخول في متاهة بحثية تطيل علي أمد البحث وأنا ملزم بوقت محدد لإنجازه.. وهذا عيب البحوث الأكاديمة..
لذلك لم أنشر رسالتي لأني لم أكمل مناقشة ابن حجر في هذه الدعوى.. وهناك قضايا أخرى عالقة أيضا..
وعرضت بحثي على مجموعة من المتخصصين فلم يفدني أحدهم.. وانشغلت ببحث الدكتوراة وأعمال أخرى ..
لذا أرى أن ترتب أفكارك وتعزوها .. وأنا سأفيد منك وأنقل في رسالتي خلاصة ما توصلت إليه ..
بوركت ..
لو تعطيني إيميلك على الخاص لأتواصل معك..
 

أشرف سهيل صيقلي

:: متابع ::
إنضم
20 يونيو 2008
المشاركات
65
الجنس
ذكر
التخصص
فقه
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

بارك الله فيكم:
عندي بعض النقاط أظنها تكون مفيدة في الموضوع:
ما هي دعوى ابن حجر وغيره ؟
أليست: أن بعد التتبع والتحقيق ظهر أن أكثر ما اتفق عليه الشيخان إلخ ... هو المعتمد ، وأن الذي اعترض به عليهما أجيب عن أكثره ، وسلم بالباقي ؟

ألا يفهم منها - بل ومن صنيعه في مخالفته لما اتفق عليه الشيخين - أن الكلام أغلبي ؟
أي أن الأصل أنه بعد التتبع والنظر في كلام الشيخين ، ثم في المعترضين عليهما ، ظهر للمحققين أن كلامهما أكثر تحقيقا من كلام المعترضين في الكثير من الاعتراضات التي وجهت لهما

وأنه هو ومن سبق لم يمنعوا أحدا - بلغ رتبة الاجتهاد والترجيح - من مخالفة الشيخين ، كما ظهر من صنيعهم هم انفسهم ؟


أليس قول التاج - وهو ممن له كلام في تقديم قول النووي لكونه متأخرا على من سبقه من الأئمة ، ومن المهتمين بكلام الشيخين تحديدا إلخ - :
وأما ما عقدنا له هذا الفصل مما خالف فيه الشيخين جميعا أو النووي وحده ، فلا يخفى أنه ينبغي تلقيه بكلتا اليدين ، فإني لا أشك في أنه لا يجوز لأحد من نقلة زماننا مخالفته ؛ لأنه إمام مطلع على مآخذ الرافعي والنووي ونصوص الشافعي وكلام الأصحاب ، وكانت له القدرة التامة على الترجيح ، فمن لم ينته إلى رتبته وحسبه من الفتيا النقل المحض ، حُقَّ عليه أن يتقيَّد بما قاله ، وأما من هو من أهل للنظر والترجيح فذاك محال عن نظره لا على فتيا الرافعي والنووي والشيخ الإمام اهـ

صريحا فيما أقول ، ؟


ثم قول الشيخ زين الدين ، الذي هو مذهبه هو وغيره:
اعلم أن المعتمد في المذهب للحكم والفتوى ما اتفق عليه الشيخان ، فما جزم به النووي فالرافعي ، فما رجَّحه الأكثر فالأعلم فالأورع ، قال شيخنا : هذا ما أطبق عليه محققو المتأخرين ، والذي أوصى باعتماده مشايخنا .
وقال السمهودي : ما زال مشايخنا يوصوننا بالإفتاء بما عليه الشيخان وأن نعرض عن أكثر ما خولفا به
وقال شيخنا ابن زياد : يجب علينا في الغالب ما رجَّحه الشيخان ، وإن نقل عن الأكثرين خلافه اهـ


هذا فيمن قصر عن الترجيح

فيقولون له : قد تتبعنا الأقوال ونظرنا في الاعتراضات ... ووجدنا كلام الشيخين سالما مما اعترض عليهما به .. وقد أجيب على الاعتراضات .. فإن كنت أهلا للترجيح فانظر بنفسك ، وإلا فلا تغتر بما اعترض عليهما ، بل ثق أنها في الأعم الأغلب على الأصح والأقرب والأكثر تحقيقا ، إلا ما نذكره لك ..


فالكلام أغلبي ، والقصد منه الدفاع عن القاعدة ، ولا ينفي الاستثناء ، ولا يخاطب به أصلا من هو أهل للنظر ، ولم يتقيد بظاهره لا ابن حجر ولا شيخ الإسلام ، ولا ابن زياد ، ولا الدميري ، ولا ابن النقيب ، وكلهم مصرح بأن الشيخين كلامهما المعتمد على التفصيل المشهور ، ولكلهم مخالفات لهما ..

ثم إننا ما اطلعنا على الردود على الإسنوي ومن تبعه من أمثال البلقيني والزركشي ... وإن كان لشيخ الإسلام زكريا وتلامذته توجيهات لشيء من ذلك ، إلا أن النقاشات التي دارت فيما بعد الإسنوي المكتبة الشافعية المعاصرة فقيرة عنها
 

محمد بن عبدالله بن محمد

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
15 مايو 2008
المشاركات
1,245
الإقامة
المملكة العربية السعودية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو منذر
التخصص
اللغة العربية
الدولة
المملكة العربية السعودية
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

أحسنت أخي كلام رائع، ثم ما هي الأسباب التي يعترض بها عليهما، وما وقفت عليه هو أمران:
1) الاعتراض عليهما بنص الشافعي.
يقول ابن حجر: (وَبَيَّنْت فُرُوعًا اعْتَرَضُوا فِيهَا عَلَيْهِمَا بِالنَّصِّ ثُمَّ لَمَّا أَمْعَنْت التَّفْتِيشَ رَأَيْتهمَا اسْتَنَدَا لِنَصٍّ آخَرَ).
2) الاعتراض عليهما بقول الأكثرين.
وأجاب عنه ابن حجر بجوابين:
أ) يقول: (إنَّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ فَإِنَّ مَنْ يَعْتَرِضُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ رُبَّمَا عَدَّدَ جُمَلًا تَرْجِعُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَوْ اثْنَيْنِ مَثَلًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ شَيْخَ الطَّرِيقَيْنِ قَدْ بَلَغُوا مِنْ الْكَثْرَةِ مَبْلَغًا عَظِيمًا . فَمَنْ رَأَى كُتُبَهُمْ وَفَتَاوِيَهُمْ مُتَّفِقَةً عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ يَظُنُّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ رَأْيُ رَجُلٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ الْأَصْحَابِ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ طَرِيقَةٍ لَا يُخَالِفُونَ إمَامَ طَرِيقِهِمْ بَلْ يَكُونُونَ تَابِعِينَ لَهُ فِي تَفْرِيعِهِ وَتَأْصِيلِهِ فَتَفَطَّنْ لِهَذَا فَإِنَّهُ رَاجَ عَلَى كَثِيرِينَ اعْتَرَضُوا عَلَى الشَّيْخَيْنِ بِمُخَالَفَتِهِمَا لِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُخَالِفَا ذَلِكَ).
ب) يقول ابن حجر: (أَنَّهُمَا صَرَّحَا فِي مَوَاضِعَ بِأَنَّهُمَا لَا يَتَقَيَّدَانِ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ بَلْ بِمَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُمَا: مِنْ قُوَّةِ الْمُدْرَكِ ... فَقَدْ بَانَ أَنَّهُمَا لَا يَتَقَيَّدَانِ إلَّا بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ)

وقد ذكر ابن حجر مميزات الإمامين، وهي:
قال: (فَوَجَبَ اتِّبَاعُ تَرْجِيحِهِمَا لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ أَجْمَعَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا مُبَالِغَانِ فِي التَّحَرِّي وَالِاحْتِيَاطِ وَالْحِفْظِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْوِلَايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْرِيرِ وَالتَّنْقِيرِ مَبْلَغًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا فَكَانَ اعْتِمَادُ قَوْلِهِمَا هُوَ الْأَحْرَى وَالْأَحَقُّ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ مُخَالِفِيهِ هُوَ الْأَوْلَى بِكُلِّ شَافِعِيٍّ لَمْ يَصِلْ لِمَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الِاجْتِهَادِ).

أما من بلغ مرتبة من مراتب الاجتهاد كابن الرفعة والسُّبكي والبُلقيني، فلا حرج عليهم.
أما من لم يلتزم بهذه القاعدة وهو لم يبلغ هذه المرتبة: فلا يجوز تقليده.

وأتمنى أن تضرب الأمثلة، ولو في مشاركات جديدة يعنون لها مثلا: (
مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها مثال: 1
)، وهكذا، حتى يتلخص لنا هل الاعتراض لغوي أ لفظي، أو هو تقديم لكتاب من كتب النووي على آخر منها، أو أن النووي صححه اختيارا بالدليل، أو ...
ومثل هذه لا يختلف أحد ممن أطلق تقديم كلام الشيخين: عليها.

والأمثلة التي نريدها: أن يتفقا على أمرٍ، أو النووي في كتبه كلها، أو لم يذكرها وذكرها الرافعي، ثم يرجح بعض المتأخرين ممن لم يبلغ مرتبة من مراتب الاجتهاد: خلافَها، مع اطلاعه عليها في كتبهما.

فإذا ذكرت الأمثلة ونقلت آراء المتأخرين فيها، وضمنها الشيخ الفاضل محمد بن عمر الكاف
رسالته، كان إن شاء الله فتحا وتحريرا للمسألة.
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

الكلام في أن المقصود هو الأغلبية لا الكلية لا ينفع هنا ، لأنه رحمه الله قعد قاعدة عامة تشمل كل ما تكلم فيه الشيخان .
فجعل كل ما اتفقا عليه أو قاله النووي أو الرافعي حيث لا كلام للنووي .. فهو المعتمد في الفتوى . وهذا كما ترى لا يختص بغالب دون غيره.
وبيانه بأن نسأل : ما خالف فيه المحققون الشيخين ، هل هو مردود كله؟ فما فائدة الأغلبية؟ أم مقبول كله ؟ فما فائدة القاعدة؟ أم يقبل منه بعضاً دون بعض؟
إن قيل : يقبل منها بعضاً دون بعض.
قلنا : فما القاعدة المميزة للمقبول من المردود؟
إن قيل : هو ما تقدم عن ابن حجر أنه ما اجتمع عليه المتأخرون فهو مقبول ، وإلا فهو مردود .
قلنا : فعلى هذا كان جوابنا وبينا أنه لم يلتزمه أحد قط ولا حتى ابن حجر نفسه. ومثلنا له.
فإن قيل : هذه القاعدة أغلبية.
قلنا : هذا عود على بدء ، فإنه إن كانت قاعدة أغلبية فما القاعدة التي تبين الغالب من غيره؟ أم تقولون ما انتقده ابن حجر والرملي مقبول وما انتقده غيرهما فليس بمقبول. وهذا كلام من لا شم رائحة التحقيق. والكلام في اعتماد كلام ابن حجر والرملي آتٍ إن شاء الله
ونسأل الإعانة على التمام.
أما قول الشيخ الفاضل محمد عبدالله

والأمثلة التي نريدها: أن يتفقا على أمرٍ، أو النووي في كتبه كلها، أو لم يذكرها وذكرها الرافعي، ثم يرجح بعض المتأخرين ممن لم يبلغ مرتبة من مراتب الاجتهاد: خلافَها، مع اطلاعه عليها في كتبهما.
فيرد عليه سؤال ، وهو أن قاعدة ابن حجر السابقة هل هي مختصة بما أورده الشيخان أو أحدهما في سائر كتبه ، حتى لو ذكره في كتاب واحد ولم يخالفها في غيره فيجوز مخالفته عند ابن حجر؟
إن قيل : بل في الثاني حتى لو أوردها النووي أو الرافعي في بعض كتبهما جاز عند ابن حجر مخالفته .. رددناه بالنقل ، وسيأتي. فإن ابن حجر انتقد المتعقبين عليهما في مسائل لم يذكروها إلا في بعض كتبهم.
وإن قيل : لا بل يعم كل ما ذكراه ولو في بعض كتبهما .. كان أي مثال ولو ورد في بعض الكتب كافٍ في الدلالة على بطلان القاعدة.
ومع ذلك سأتحرى مسائل وردت في عامة كتبهم الرئيسية ، ولن يخلو الأمر من إيراد مسائل في نوادر كتبهم كـ (رؤوس المسائل) ـ وليس هو (الفتاوى) ـ و(التذنيب على الوجيز) وغيرها.
على أن ابن حجر رحمه الله زاد على ذلك فجاء إلى مسائل اختلف فيها رأي النووي ، إلا أنه انتقد مع ذلك من تعقبهما فيها. وسيأتي أيضاً إن شاء الله.
أما اشتراط أن يكون المخالف ممن لم يبلغ رتبة الاجتهاد؟! فما أدري ما وجهه ، فإن ابن حجر رفض مخالفات الإسنوي للشيخين وقد بلغها بلا شك.
أو تُعَرِّفَ لنا شيخنا الفاضل ما هو الاجتهاد المشترط عندكم في قبول المخالفة لهما ، حتى ننظر ، هل هناك من خالف ولم يتوفر فيه هذا النوع من الاجتهاد .. أم لا.
ثم إن هناك تنطع في الحكم على المتأخرين بعدم بلوغ رتبة الترجيح ، واعتقادي أن المزجد والطنبداوي وابن زياد الوضاحي وبامخرمة وأبا الفتح حفيد المزجد والحبيشي والشيخ عبد الرحمن بن سليمان الأهدل وابنه محمد والأشخر وغيرهم قد بلغوها ، وكل من حفظ كتاب الله أو كاد لا يغيب عنه منه شيء وطالع تفاسيره ومن كتب السنة الأمهات الست مدمناً للنظر فيها وحفظ منها جملة وافرة وحصل من كتب اللغة حتى أنهى شرح ابن هشام وشروح المفتاح وبعض كتب الصرف ومن الأصول من الورقات وشروحها حتى جاء على المحصول بتمامه ، وقرأ من كتب المذهب حتى أتى على الإرشاد ، من مشائخ الشافعية المشهورين بالفتوى فهم كذلك لا تحاشي منهم أحداً ، إلا رجلاً وصفوه مع تحصيله ما تقدم بالبلادة ـ وأن تجده؟! ـ.
فإن ما قدمته لك مما جعلوه شروطاً للاجتهاد المطلق ، فكيف لا يحصل به المرءُ القدرة على الترجيح بين قولين أو وجهين وقد مهد أصحاب المذهب له النظر فيها ووجوهها وأدلتها وغير ذلك ، حتى لم يعد عليك الإجتهاد إلا في الأصح فقط.

وعلى كلّ مادة البحث تكاد تكون منتهية إلا من الترتيب والتوثيق، وليس هو بالكثير، لأن المقصود كما تقدم ليس هو تصنيف رسالة أو كتاب في الوضوع ، بعل عرض رأي.
ونسأل الله سبحانه التوفيق
والله سبحانه أعلم
 
إنضم
28 فبراير 2011
المشاركات
170
التخصص
القراءات العشر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعى
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

أثلج الله صدركم فضيلة الشيخ وضاح
بحث رائع تضع فيه يدك على الجرح
وأنا متابع بشغف
 

د. محمد بن عمر الكاف

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
20 مايو 2009
المشاركات
326
التخصص
فقه
المدينة
المدينة المنورة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

بوركتم.. متابع لنقاشكم الماتع.. عسى أن نخلص بخلاصة تفيد طلاب الشافعية في هذا الموضوع الهام جدا..
 
إنضم
3 يونيو 2013
المشاركات
307
التخصص
الاعلام
المدينة
المنيا
المذهب الفقهي
الشافعى
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

بارك الله فى الشيخين أشرف سهيل والشيخ محمد بن عبد الله لتوضيح المسألة ..

تابعا بنشر الافادات فى الموضوع شكر الله لكما​
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

فى انتظار باقى بحث الشيخ وضاح بإذن الله
بارك الله فيه ونفع به
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

بارك الله فيه ونفع به
وفيك بارك الله وبك نفع
لا تذبحني أخي الفاضل ، رفع الله قدرك في الدارين
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

قول ابن حجر : (وقد أجمع المحققون أن المفتى به ما ذكراه فالنووي ، وأنه لا يغتر بمن يعترض عليهما بنص [الإمام] أو كلام الأكثرين أو نحو ذلك ؛ لأنهم أعلم بالنصوص وكلام الأصحاب من المعترض عليهما)
أقول : أما ما نقله من إجماع المحققين فقد تكلمنا عنه فيما تقدم ومثلنا له ـ وسيأتي ذكر أمثلة كثيرة لاحقاً ـ، ولكن هناك ما ينبغي التنبيه عليه : وهو أن من مشاهير من تعقب الشيخين الإمام ابن الرفعة والإمام التقي السبكي والإمام الإسنوي ، والإمام السراج البلقيني وغيرهم.
وهؤلاء قد اطلعوا على كتب الشيخين ومارسهوها وفاقوا من بعدهم في إتقانها ومعرفة خفاياها ، وهم في ذلك ـ وبالأخص ابن الرفعة والإسنوي ـ فوق من جاء بعدهم حتى ابن حجر والرملي.
وعليه فقول ابن حجر : " لأنهما أعلم بالنصوص وكلام الأصحاب من المعترض عليهما"
إن كان استفاده من نصوصهما فالمعترض عليهما بها أعلم ، أو من كلام أهل العلم فيهما ، فهم أهل العلم أصحاب ذاك الكلام.
فلما لم يكفوا عن الإعتراض مع اطلاعهم على هذا الملحظ ، تبين أنه ليس بحجة في نفسه.
وهذا مع أنه لا يحتاج إلى استدلال أصلاً ، لأنه ليس من جنس الحجج ، لكن لوجود من يسلم له مطلقاً نبهنا عليه.
والمتعقب عليهما مع سعة اطلاعه على حال الشيخين ومصنفاتهما إما لا يسلم بأن ما لهما من سعة الإطلاع مانع من التعقب والإعتراض ، أو غير مسلم بأن سعة الإطلاع ـ مع تسليمها ـ تفوق سعة اطلاع كل من جاء بعده.
ولِمَ لا يجوز أن يكون ابن الرفعة أوسع منهما اطلاعاً وبخاصة مع وجود من ادعاه فيه؟
أو الإسنوي وقد نص على مجموعة من كتب الشافعي والأصحاب وصرح بأن الشيخين لم يطلعا عليه ، ولم أقف على كتاب سمياه وفاته.
أو أنه مع تسليمه بأنهما أوسع اطلاعاً ، فبالإجمال لا في كل مسألة.
ويدل على الأخير أنهما ربما ذكرا المسألة وعقباها بأنه ليس فيها للإمام كلام أو للأصحاب ، فيتعقبهما المتأخر بوجوده.
وظهر لك مما قدمته أن الإعتماد على مجرد سعة الإطلاع .. لا يفيد ، وهو ما بني عليه جل كلامه رحمه الله.
بقي أن المعترضين قد يعترضون مسائل تكلم فيه الشيخان واطلعا على النقل فيها ، لكن من بعدهم تعقبهما بقول الأكثر.
فهذا رده ابن حجر بقوله : "هذا ومن أعذار المصنف ـ أي المزجد ـ في مخالفتهما أنه يرى غيره يعترض عليهما غالباً بأن الأكثرين على خلاف ما قالاه ، فيتبعه نظراً إلى أن نقل المذهب رواية فرجح بالكثرة ؛ لأن الخطأ إلى القليل أقرب. وهذه غفلة عظيمة ؛ فقد صرح النووي في (مجموعه) بأن ذلك خاص بمن ليس فيه أهلية للتخريج ، وعبارته : إذا وجد من ليس أهلاً للتخريج خلافاً للأصحاب في الراجح من قولين أو وجهين ، فليعتمد ما صححه الأكثر والأعلم والأورع، فإن تعارض الأعلم والأورع فليقدم الأعلم ، فإن لم يجد ترجيحاً عند أحد .. اعتبر صفات الناقلين القولين أو الوجهين ، فما رواه الربيع المرادي ـ أي راوي (الأم) و(البويطي) ـ والمزني ، مقدم عند أصحابنا على ما رواه الربيع الجيزي وحرملة" انتهى.
وكلام النووي رحمه الله مأخوذ من كلام ابن الصلاح في (أدب المفتي والمستفتي) ص 121 وما بعدها ط. مكتبة العلوم والحكم.
أقول : ومقتضى كلام النووي هو عكس ما ذهب إليه ابن حجر تماماً ، وذلك أن المزجد رحمه الله إن كان يرى نفسه أهلاً للترجيح ، ففرضه عند النووي الإجتهاد في الترجيح لا تقليد الشيخين. وإن لم يكن أهلاً ففرضه الترجيح بالكثرة ولو خالفه الشيخان. وهو غاية في الوضوح.
ولو استثنينا الشيخين ؛ فكلام النووي ليس بصريح : أما كون المذهب نقل .. فلا خلاف فيه ، أما كون سببه أن الخطأ عن الأكثر أبعد ، فيعتمد على مقصوده بالخطأ ، هل هو الخطأ في النقل؟ فمسلم وهذا لا خلاف فيه عند أهل المعرفة بعلوم الرواية، ولا يرجح فيها بالاجتهاد في الدليل والمدرك أصلاً ، ولا ينطبق عليه كلام الإمام النووي رحمه الله.
وإن أراد به الخطأ في الاجتهاد لمعرفة الأصوب مدركاً ، فهذا نسبي ، فالغالب أنه عن الأكثر أبعد ، لكنه ليس مطرداً ، والعمدة بالنسبة لمن بلغ رتبة الاجتهاد والترجيح النظر إلى المدرك والدليل كما قاله النووي.
ويكون الصواب بالنسبة للرافعي والنووي ما ترجح لهما لرجحان مدركه.
لكن الإشكال مع تسليم أن العبرة في تعرف الصواب في نفس الأمر هو النظر للدليل والمدرك .. فهل يُنسب ترجيحه إلى أنه المعتمد في المذهب دون ما قاله الأكثر؟ أم أن ذلك مختص بالمرجح أما المذهب فلا يُنسب إليه إلا قول الأكثر؟
ليس في كلام النووي ما يفيده ، بل ظاهره عكس ذلك كما قدمناه ، أي ؛ ولتوضيحه لو فرضنا أن زيداً المجتهد في المذهب ترجح له أحد الوجهين بدليله. ثم جاء بعد عمرو المجتهد في المذهب أيضاً ، فهل هو ملزم بترجيح زيد؟
إن قيل : نعم.
قلنا : فهذا خلاف كلام النووي المتقدم وأئمتنا فيمن بلغ رتبة الترجيح.
وإن قيل : لا ، بل فرضه أن يرجح هو أيضاً بحسب المدرك.
قلنا : لو كان ترجيح زيد هو معتمد المذهب ، لما جاز لم بعده سوى اتباعه ، وهكذا من لم يبلغ رتبة الاجتهاد يجب عليهم الأخذ بقول زيد ؛ لأنه معتمد المذهب.
فإن قيل : ليس ترجيح زيد هو معتمد المذهب إلا بالنسبة له هو فقد ، أما غيره من المجتهدين فيجتهدون ، وغير المجتهدين يقولون بقول الأكثر.
قلنا : فكذلك إن كان زيد هو النووي ، ترجيحه يفيد أن ما رجحه هو المعتمد عنده خاصة ، ومن جاء بعدهم ممن بلغ رتبة الاجتهاد والترجيح .. يعتمد على الراجح عنده ، أما من لم يبلغوا رتبة الترجيح ، ففرضهم اتباع الأكثر.
وكيفما قدرتَ الجواب فهو صنيع المزجد.
هذا ما يفيده صريح كلام النووي ، وليس في كلامه ولا حتى إشارة إلى ما ذهب إليه ابن حجر ، ومن ظن العكس فليظهره.
وبه يتضح خطأ ما نقله عن الزركشي وما اعتمده من كلام الإمام الشافعي ، فإن النظر في الدليل والمدرك عمل المجتهد ليعرف به ما هو الصواب عنده ، لا ليعرف به ما هو الصواب عند إمامه وينسبه إليه.
وقد أطلتُ مع عدم الحاجة إلى الإطالة ، لما وقع في صدور الناس لابن حجر من الجلالة. ولكن تحقيق المسائل أمر آخر ، ومن قلده لا حرج عليه ، إذ هو فرضه إن عجز ، لكنه ليس ملزماً به كما سيأتي عند الكلام على اعتماده مع الرملي.

والله سبحانه أعلم

... يتبع ...
 
التعديل الأخير:
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

أما قوله : (وتركا النص الآخر لمخالفته للقياس المذكور لا عبثاً ؛ أذ مزيد ورعهما وشدة تحريهما في الدين قاضٍ بذلك ، ولو أمعن تفتيش كتب الشافعي رضي الله عنه والأصحاب ، لظهر أنهما لم يخالفا نصاً له إلا لما هو أرجح منه.
قال الزركشي : ومن العجب أن بعضهم يبالغ حتى يجعل كل ما في (الأم) مذهب الشافعي ويحكم به على غيره ، وهذا تساهل كبير ، بل اختلف في (الأم) حتى أن بعضهم نسبها للقديم. وقد قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني : صنف الشافعي (الأم) و(الإملاء) بمكة ، وصنف بمصر كتابه الجديد ، وببغداد كتابه القديم) انتهى.
أقول : إن خالف الشيخان الأكثرين ، وكان معهم النص ، فالقول بأن الشيخين أعلم من الأكثرين بنصوصه ، وأنهم لو فتشوا كتب الشافعي لظهر لهم ما ذكر ابن حجر ، ليس من جنس الأدلة بل فيه إساءة أدب مع الأكثرين ، لأن عمدته فيما ذكر هو مزيد ورعهما وشدة تحريهما ، ومقتضاه أن غياب (ما هو أرجح) عن الأكثر كان لخلوهم عن ذلك المزيد وتلك الشدة في الورع والتحري.
فإن قيل : إنما مقصوده أنهما أشد ورعاً من المتعقب لا من الأكثرين السابقين.
قلنا : كلامه ينسحب على الجميع.
وكيف عَلِمَ هو أن شدة الورع ومزيد التحري أفادهما ما ذكر ، ولم يعلم من هم أعرف بهما منه ذلك ؟
فإن قيل : قد بالغت.
قلنا : لأنه رحمه الله اعتمد المبالغة ، وإلا فأخبرون : من أي جنس الحجج هو؟
وفي بعض ما تقدم رد عليه ، فإنهما ينصان على أن لا نص ولا كلام للأصحاب ، فيظهر عكسه ، وإنما ظهر النص والوجه على الرغم من جزمهما ؛ لأن المتعقب تورع عن النفي تقليداً ، وزاد في التحري بحثاً. فكان مزيد ورعه وشدة تحريه مع سعة إحاطته بالمسألة المعينة موجباً لوقوفه على ما لم يقفا عليه.
فهذه حجته مقلوبة عليه.
قال النووي رحمه الله في (المجموع) : " [وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُجْعَلَ التُّرَابُ فِي غَيْرِ السَّابِعَةِ لِيَرِدَ عَلَيْهِ مَا يُنَظِّفُهُ وَفِي أَيُّهَا جُعِلَ جاز لعموم الخبر]
* [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ جَعْلُ التُّرَابِ فِي الْأُولَى وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا"
أقول : فانظر كيف نقل اتفاق الأصحاب على ما ذكره الشيرازي ، وقد فاته خلاف الزبيري والمرعشي وابن جابر ، واستدركهم عليه الإسنوي في (التمهيد) ص343 .
فهل يقال : لم يكن له مزيد ورع وشدة تحرٍ حين تكلم في هذه المسألة ، أم أنه كان كذلك لكن كان ورع الإسنوي أزيد وتحريه أشد؟
فإن قيل : لا مدخل لهما هنا.
قلنا : ولا في غير هذا الموضع. ولماذا يكون.

أما قول الزركشي رحمه الله : (ومن العجب أن بعضهم يبالغ حتى يجعل كل ما في (الأم) مذهب الشافعي ويحكم به على غيره)
فإن أراد بهذا البعض محققي المذهب وأركانه التي قام عليها ممن تقدم ذكرهم كابن الرفعة والنشائي والإسنوي والأذرعي والسبكي والبلقيني والولي العراقي والدميري وابن العماد والحصني وابن المقري وابن قاضي شهبة .. فما قدرهم حق قدرهم.
وإن أراد غيرهم ممن لم يبلغ رتبتهم.
قلنا : وما عليه إن هو اتبعهم ، مؤمناً بأنهم ، مع ثقتهم ، ما اعترضوا بنص الشافعي إلا حيث كان نص الشافعي مذهباً له ، ولا يرى في مخالفة الشيخين ما يُجَرِّؤه على مخالفة إمام المذهب لمجرد رجاء أن يكونا اطلعا على ما هو أولى.
ثم نقول : نعم كل ما في (الأم) هو مذهب الشافعي إلا أن يأتي دليل بخلافه ، ومع عدم الدليل فلا يجوز لشافعي مخالفته كما هو متقرر في كتب أئمة المذهب ، ولا حتى إن خالفه الشيخان؛ فإنهم قرروا أنه إن اختلف رأيان أحدهما منصوص والآخر مخرج قُدِّمَ المنصوص ، مع أن القول المخرج أقوى من قول الشيخين بلا خلاف، فكيف لو كان الذي يخالف النص قول لشيخين؟
أما ما حاوله من أن (الأم) من كتبه القديمة والإستعانة عليه بكلام أبي حامد رحمه الله ، فمردود، ولو سُلِّمَ فقد قرروا أن القديم الذي لم يأتِ في الجديد خلافه هو مذهب الشافعي ، فيصح الإعتراض حتى بكتابه (الحجة) عليهما لو وُجدَ ما لم يعارضه الجديد ، وهو حينئذٍ مذهبه.

والله أعلم

... يتبع ...
 
التعديل الأخير:

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

الذى أراه والله أعلم

لم يقل أحد أن الإمام النووى معصوم لا يخطىء
لكن احتمالات خطأه فى تصحيح المذهب أضعف من احتمالات خطأ غيره

قال الإمام التقى السبكى فى أول تكملته للمجموع للإمام النووى:
ولا شك أن ذلك يحتاج بعد الأهلية إلى ثلاثة أشياء: أحدها: فراغ البال واتساع الزمان، وكان رحمه الله قد أوتي من ذلك الحظّ الأوفى، بحيث لم يكن له شاغل عن ذلك من تعيُّش ولا أهل.
والثاني: جمع الكتب التي يُستعان بها على النظر والاطلاع على كلام العلماء، وكان رحمه الله تعالى قد حصل له من ذلك حظ وافر، لسهولة ذلك في بلده في ذلك الوقت.
والثالث: حسن النية وكثرة الورع والزهد، والأعمال الصالحة التي أشرقت أنوارها، وكان رحمه الله تعالى قد اكتال من ذلك بالمكيال الأوفى.
فمن تكون قد اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث، أنَّى يضاهيه أو يدانيه من ليست فيه واحدة منها؟


فإذا خالف واحد من علماء الشافعية الإمام النووى فى تصحيح مسألة يوجد احتمال أن يكون مصيباً فى حقيقة الأمر (ولا يمكننا الجزم بهذا حيث لم يتفق المتأخرون عليه)
لذا فالمتقرر عند الشافعية علمائهم وطلابهم أن المعتمد للفتوى ما اتفق عليه الشيخان فما جزم به النووى فالرافعى ما لم يتفق المتأخرون على خلافه
فعندما يُسأل أحد علماء الشافعية عن حكم مسألة فقهية
فإنما يُسأل عما اعتمده الشيخان فيها
فينبغى أن يجيب على هذا الأساس (هذا هو الأصح فى نظرى)
ثم يمكنه أيضاً أن يخبره بما اعتمده هو خلافاً لهما مع التصريح بهذا (وقبول هذا من عدمه متروك للسائل) إلا إذا رأى أن إجابة السائل بقولين غير مناسب فينبغى عليه حينئذ الاقتصار على الإجابة بما اعتمده الشيخان


هذا مجرد رأيي القاصر
والله أعلم
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

الذى أراه والله أعلم

لم يقل أحد أن الإمام النووى معصوم لا يخطىء
لكن احتمالات خطأه فى تصحيح المذهب أضعف من احتمالات خطأ غيره

قال الإمام التقى السبكى فى أول تكملته للمجموع للإمام النووى:
اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد محمد عوض مشاهدة المشاركة
ولا شك أن ذلك يحتاج بعد الأهلية إلى ثلاثة أشياء: أحدها: فراغ البال واتساع الزمان، وكان رحمه الله قد أوتي من ذلك الحظّ الأوفى، بحيث لم يكن له شاغل عن ذلك من تعيُّش ولا أهل.
والثاني: جمع الكتب التي يُستعان بها على النظر والاطلاع على كلام العلماء، وكان رحمه الله تعالى قد حصل له من ذلك حظ وافر، لسهولة ذلك في بلده في ذلك الوقت.
والثالث: حسن النية وكثرة الورع والزهد، والأعمال الصالحة التي أشرقت أنوارها، وكان رحمه الله تعالى قد اكتال من ذلك بالمكيال الأوفى.
فمن تكون قد اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث، أنَّى يضاهيه أو يدانيه من ليست فيه واحدة منها؟
فإذا خالف واحد من علماء الشافعية الإمام النووى فى تصحيح مسألة يوجد احتمال أن يكون مصيباً فى حقيقة الأمر (ولا يمكننا الجزم بهذا حيث لم يتفق المتأخرون عليه)
لذا فالمتقرر عند الشافعية علمائهم وطلابهم أن المعتمد للفتوى ما اتفق عليه الشيخان فما جزم به النووى فالرافعى ما لم يتفق المتأخرون على خلافه
فعندما يُسأل أحد علماء الشافعية عن حكم مسألة فقهية
فإنما يُسأل عما اعتمده الشيخان فيها
فيينبغى أن يجيب على هذا الأساس (هذا هو الأصح فى نظرى)
ثم يمكنه أيضاً أن يخبره بما اعتمده هو خلافاً لهما مع التصريح بهذا (وقبول هذا من عدمه متروك للسائل) إلا إذا رأى أن إجابة السائل بقولين غير مناسب فينبغى عليه حينئذ الاقتصار على الإجابة بما اعتمده الشيخان


هذا مجرد رأيي القاصر
والله أعلم

إقرأ الموضوع والمشاركات أعلاه
 

أشرف سهيل صيقلي

:: متابع ::
إنضم
20 يونيو 2008
المشاركات
65
الجنس
ذكر
التخصص
فقه
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

بارك الله فيكم ،سيدي الفاضل ، عندي سؤال:
إذا سُئل مقلد في مسئلة : " ما هو مذهب الإمام الشافعي " ، فبماذا يجيب ؟

وأفرضه سؤالا في مسئلة هي مطابقة لما نص عليه الأئمة .. كأن سأل: هل يشترط في الوقف على معين القبول ، أم لا يشترط ؟
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

ابن حجر والرملي
أما بالنسبة للشيخين الإمام ابن حجر والإمام الرملي ، فسبب الرجوع إليهما واعتماد قولهما أغمض ، ولكنه لا يخرج عن ما تقدم في الكلام على الشيخين ، فإنه قد تقدم معك أنه كلما كان الرجل بكلام الشيخين أدرى كان بالمذهب أعلم ، وهو حكم أغلبي ، فتوجهت أنظار الناس إلى الأعلم بكلام الشيخين ، وكانوا يذكرون ذلك في تراجم الفقهاء ، فيذكرون أن الإسنوي مثلاً كان يستحضر (الروضة) استحضاراً عجيباً وأنه كان يتقن كتب الشيخين حتى لا تكاد تغيب عنه مسألة ولو في غير موضعها، ويذكرون حفاظها وحفاظ (المنهاج) ومن له أعمال على كتب الشيخين شرحاً أو اختصاراً أو نظماً أو تحشية أو تكملة.
وأقرب كتب الشيخين للحفظ مع الإستيعاب لمهمات المسائل هو (المنهاج) وعددته من كتب الشيخين لأنه تضمن (المحرر) للرافعي ، ويمكن التعرف على ترجيحاته وتصحيحاته في (المحرر) من (المنهاج) فإن النووي ينص على مواطن الخلاف ، و(المنهاج) من (المحرر) كالـ(الروضة) من (شرح الوجيز) . ولعله ليس في كتب الشافعية كتاب قط اهتم به الشافعية كهذين الكتابين ـ أعني (المنهاج) و(الروضة) ـ .
ولما كان هذان الكتابان مقصود الشافعية الأول ، كانت الكتب الموضوعة عليها موضع اهتمامهم بالتبع، فبرز المتناولون لها ، واختلفت مراتبهم تبعاً لهذا الإهتمام.
وكان الإمام الشيخ زكريا الإنصاري له ثلاثة أعمال لها تعلق مباشر بكتب الشيخين ، الأول (أسنى المطالب) إذ هو شرح لـ (الروض) الذي هو مختصر ابن المقري على (الروضة) وقد ميز فيه ما خالف فيه المختصر أصله بما يدلك على تمام معرفة الشيخ زكريا بـ(الروضة) ، والثاني (منهج الطلاب) مختصر (المنهاج) والثالث (فتح الوهاب شرح منهج الطلاب) الذي هو شرح لـ(المنهاج) بالتضمن، وقد ميز فيه كل ما زاده وما حذفه وما أطلقه وما قيده وما غير فيه عبارة (المنهاج) مما يدل على تمام معرفته به، كما ضمن تصانيفه ، وبخاصة المطولة ، نقولات عن كتب الشيخين واعتراضات المعترضين وموافقته لبعضها وردها لأخرى بما يفيد درايته التامة بكتب الشيخين عموماً وما يتعلق بها من كتب من جاء بعدهم.
هذا مع إلمام الشيخ زكريا بأكثر علوم الشريعة أو كلها ، حتى لا يكاد يكون فيها فناً لم يصنف فيه مصنفاً غاية في الحسن ، ولو قرأتَ مختصره على (جمع الجوامع) تعجبتَ ، وحفظه عُدة أيُّ عدة.
فاشتهر وطار سيطه في الآفاق ، وقد عاصره من اهتم بكتب الشيخين لكن لم يشتهر اشتهاره ، منهم الشيخ أبو الحسن البكري شيخ ابن حجر ، وإنما اشتهر الشيخ زكريا لاستيعابه في تصانيفه ، فإنك إن قرأتَ كتاب (هادي المحتاج) للشيخ البكري مثلاً وعسر عليك موضع منه احتجت إلى قراءة مصنفات غيره ، أما الشيخ زكريا فإنك تستغني بمصنفاته عن تطلب غيرها في الأغلب ، فإن غمُضت له مسألة في (التحرير) مثلاً، فلن تعدم لها توضيحاً في (شرح الغرر البهية) أو(أسنى المطالب) أو (فتح الوهاب) أو غيرها.
ثم برز له تلاميذ ، وأشهرهم من اشتهر له تصنيف على كتب الشيخين ويهمنا منهم هنا ابن حجر صاحب (تحفة المحتاج شرح المنهاج) والرملي صاحب (نهاية المحتاج شرح المنهاج)
[لطيفة : (بداية المحتاج) و(هادي المحتاج) و(مغني المحتاج) و(تحفة المحتاج) و(نهاية المحتاج) كلها أضافت الإسم لـ(المحتاج)، ومن اللطيف أيضاً أن أول هذه الشروح وضعاً هو (البداية) لابن قاضي شهبة وآخرها هو (النهاية) للرملي.
ثم رأيتُ أن لمحمد بن أحمد الأهدل شرح سماه (تدريب المحتاج) لم يتم كما ذكره عاكش في ترجمته ، وفي مقدمة (إفادة السادة العمد) أن له شرحاً على المنهاج سماه (إعانة المحتاج) وصل فيه إلى كتاب الطلاق، فإن كان هو الأول فاسمين لمصنف واحد، وإلا فمصنفين]
والأول ـ أي ابن حجر ـ مع تصنيفه (تحفة المحتاج) صنف (الإيعاب) وهو شرح لـ(العباب) الذي ضمنه صاحبه كتاب (الروضة) ، كما اشتهر بدعوته إلى اعتماد كلام الشيخين ودافع عن آرئهما وبخاصة النووي في كثير من المسائل الشهيرة المؤخوذة عليه.
هذا مع كثرة تصانيفه في شتى العلوم حتى دانى بذلك شيخه الشيخ زكريا بل ربما زاد .
أما الرملي فقد استفاد من شهرة أبيه أولاً ، ثم صنف مصنفات بديعة في الجملة من أهمها (غاية البيان) الذي هو طريق الطلبة المتبدئين إلى التعرف عليه ، و(نهاية المحتاج) الذي هو منتهى ما يُرشد إليه ، لكن في نظري القاصر لم تبلغ بحيث تفيده مزيد اختصاص عن غيره ممن عاصره كالشربيني الذي هو أحسن عبارة وأتبع للنقل ، بينما يجري الرملي مجرى النظار في المدارك في الجملة ، وعند التحقيق ترى تلك النظرات منقولة في الأغلب الأكثر عن أبيه وغيره ؛ لذا يذكر من يميل إلى ترجيحه على ابن حجر عدد من قرأ عليه (النهاية) دون براعته في معرفة النقول والمدارك. وعلى كلٍّ فإنه صنف (النهاية) والناس في الجملة شغوفون بـ(المنهاج) مقبلين على شروحه، كما أنه رحمه الله شرح (العباب) أو حشى عليه أيضاً فدل في الجملة على تمام اعتنائه بكتب الشيخين وما يتعلق بها من المصنفات. فكان ذلك سبب توجه أنظار الناس عموماً والطلبة خصوصاً إليهما واحتفائهم بهما.

سبب اعتماد الشيخين :
وفي هذه المرحلة كانت المصنفات على كتب الشيخين قد كثرت واشتهرت ، بحيث لم يَعد هناك ثم معنى داعٍ إلى زيادة ، إذ صار كتطلب طحن الحب فوق العادة ، فكان الكتابين كالختام ، فاقتصر من بعدهما على التنقيح والإستدراك والإتمام، وربما اختصر بعضهم الكتابين أو جمع بينهما، فكانت مصنفاتهم في الغالب حواشي ، فكأنما كملوا ما قد يعروا الكتابين من نقص.
ولما كان كتابا الشيخين على (المنهاج) من آخر ما صنف بل آخرها في تلك الفترة مما أهلهما للإستفادة مما سبق والإستدراك عليه، واستمر الأمر كذلك زمناً قبل ظهور مصنف جديد عليها ، وكان الأمر فيها ما قدمناه ، ولم يفشوا في الناس دعوى الاجتهاد كما هو حاصل اليوم ، صَعُبَ على الناس الخروج عن ما فيها ، فطال الزمان فصارت قاعدة ، وقرروها ، وصنفوا في تقريرها ، ومن أشهر ما صنف في تقرير الإعتماد على قولهما (الفوائد المدنية) للشيخ الكردي لكنه عمم فلم يخصهما ، وليس هذا موضع بسط الكلام فيه ، ومن رغب في المزيد رجع إلى الرسالة المذكورة أو رسالة الشيخ محمد الكاف (المعتمد عند الشافعية) المبحث الرابع عند كلامه على منهج الترجيح والإعتماد عند الفقهاء في مرحلة التنقيح الأخيرة.
وحاصله أن الفتوى على ما اتفق عليه الشيخان ابن حجر والرملي بل زاد الكردي فقال : "وعندي لا تجوز الفتوى بما يخالفهما ، بل بما يخالف (التحفة) و(النهاية)" وأنه متى اختلفا فالراجح في بعض البلاد كلام ابن حجر وفي غيرها كلام الرملي ، لا على طريق الإباحة كما تصوره بعض الأخوة هنا ، بل لأن كل جماعة ترجح لها قول أحدهما لدليل أبدته.
وهذا لم يكن معروفاً في حياة الشيخين كما تراه في مصنفات وفتاوى من عاصرهما كعميرة والطنبداوي وابن زياد وبامخرمة والمليباري وغيرهم ، فتراهم يخالفونهما في الترجيح والاختيار ، وترى ذلك في أصحاب الحواشي كابن القاسم العبادي ولعله أكثرهم مخالفة ، حتى كأني قرأت أن بعض بني ابن حجر صنف في الرد عليه.
وما ذكره الكردي وجد من خالفه فيه ، فقد نقل عن العلامة السيد عمر البصري قال : "إن كان المفتي من أهل الترجيح ، أفتى بما ترجح عنده ، قال : وإن لم يكن كذلك كما هو الغالب في هذه الأعصار المتأخرة ، فهوَ راوٍ لا غير، فيتخير في رواية أيهما شاء أو جميعاً ، أو بأيها من ترجيحات أجلاء المتأخرين"
وفي كلامه فائدتان : الأول أن رتبة الترجيح لم تنقطع ، كما يفيده قوله "الغالب" ، الثاني : جواز التخير من كلام أجلاء المتأخرين ، ويقصد بالمتأخرين من جاء بعد الشيخين على ما فسره ابن حجر.
وفائدة أخرى ، وهي أن من لا يقدر على الترجيح ليس بمفتٍ في الحقيقة ، بل راوٍ ، لذا جاز له التخير ، إذ المفتي فرضه الإفتاء بالمعتمد ولا يتخير. وقد نص عليه ابن الصلاح وتابعه النووي.
فظهر أن التزام قول ابن حجر والرملي ليس هو المعتمد عند السيد عمر رحمه الله.
لكن مع تطاول العهد ، فشى القول باعتمادهما عند الأكثرين ، حتى ظنه كثيرون إجماعاً ، ولا إجماع ، فقد خالف جماعة منهم من صرح ، ومنهم من لم يصرح لكن فتاواه شاهدة على عدم اعتمادهما.

وممن رد هذه الدعوى صريحاً السيد العلامة جمال الدين الأهدل في (عمدة المفتي والمستفتي) وعبارته : "... هكذا قال جماعة : إن كلام ابن حجر معتمد أهل اليمن ، وكلام الرملي معتمد أهل مصر، وهو من البعد بمكان ، فالحق خلافه ، وليس كلام واحدٍ منهما بمعتمد لأهل بلد على الإطلاق، ولا كلام كل واحد معتمد على الإطلاق ، إذ ليس بمعصومين عن الخطأ ... والمعتمد في ذلك ما وافق قواعد المذهب ونصوص الشرع سواءً كان ابن حجر أو الرملي أو غيرهما ممن جاء بعدهما ، وقد أشار إلى ذلك السيد المحقق سليمان بن يحيى الأهدل في (فتاويه)" انتهى.
وفي موضع آخر قبله: "نقل شيخنا محمد بن عبدالرحمن بن سليمان القاعدة المشهورة : أن ما في المتون والشروح مقدم على ما في الحواشي، وهذا ما صرح به غيره ، وليس بظاهر ، بل العمدة مدر المسألة بين من كان من متن أو شرح أو حاشية، ونظير هذا قولهم : اعمد كتب ابن حجر (التحفة) فـ(الفتح) ... إلخ وقولهم : المعتمد عند أهل اليمن كلام ابن حجر ، وعند المصريين كلام الرملي ، وإن كلام ابن القاسم مقدم على كلام غيره من أهل الحواشي ثم الزيادي ثم فلان ثم فلان ، كل ذلك من القول الذي لا وجه له ولا دليل يعضده ولا مستند معه ، بل المقدم والمتبع إنما هو مدرك المسألة ، فمن وفقه الله لإصابته .. فهو المقدم ، فأما مطلق التقديم ، فهو تحكم ظاهر" انتهى.
بل وشيخه محمد بن أحمد الأهدل قال في (نشر الأعلام) : "... وإذا اختلف ترجيح غير الشيخين كابن حجر والجمال الرملي وشيخ الإسلام زكريا والخطيب الشربيني وغيرهم ، كالعلامة ابن زياد ، جاز لغير العارف بالترجيح تقليد من شاء منهم ، وينفعه ذلك عند الله تعالى ، سواء ، سواءً قلده في العمل أو في القضاء والإفتاء كما قرر ذلك الكردي غيره"
أقول : فمن لم يكن من أهل الترجيح بحيث لا يستطيع فهم مدارك النصوص ولا كان قادراً على استقراء الأقوال ومعرفة مشهورها من غريبها ومحفوظها من شاذها ، فليس له أن يتكلم في هذه المسألة أصلاً ، فيقرر أن الراجح هو قول فلان وفلان ، لأن المسألة فوق إدراكه ، فإن ضم إلى ضعف المدرك قصوره عن تتبع أقوال أئمة المذهب فيها ، وجب عليه الإحجام عن إفتاء الناس ، إلا حيث كان في قرية نائية لا يوجد فيها خير منه ولا يسع أهل قريته سؤال من هو خير منه ولو بالإرسال إليه ، وكان ذا معرفة بكتب ابن حجر والرملي فلا بأس له أن يحكي أقواله لمستفتيه ولا يفتيه، وله أن يفتي بغيرها كما قدمناه عن السيد عمر البصري ، لأنه في الحقيقة لا يفتي بل يحكي كما قال ، والحاكي ليس من شرطه التقيد بل أن يحكي عن كتاب موثوق.
وممن أبطل العمل بهذه القاعدة الإمام النووي رحمه الله كما قدمناه عنه حيث قرر أن العاجز عن التخريج فرضه اتباع الأكثر .
فإن قيل : لكنه قرر أيضاً أنه حيث تعارضت الأقوال قدم الأعلم والأورع ، فإن تعارضا قدم الأورع ، ونحن نقول : نص المحققين أن الأعلم هما ابن حجر والرملي.
قلنا : هذا ليس بشيء ، إذ هو من جهة متأخر عن التقديم بالأكثر، فمهما علمنا قول الأكثر كان هو المقدم.
ومن جهة أخرى ، أن فرض المفتي أن يقدم الأعلم والأورع عند نفسه ، لا عند غيره ، إذ هذه الصفات هي دليله في التقديم ، وشرط الدليل صحته عند المستدل لا عند غيره ، كما قالوه في الاجتهاد في التعرف على القبلة لمن غاب عنها.
وأيضاً لا أظن أحداً يجرؤ على تقديم ابن حجر والرملي على ابن الرفعة والتقي السبكي والإسنوي والبلقيني والولي العراقي ، وغيرهم ممن تقدم ذكر بعضهم، فإن كان التقديم بالأعلمية .. فهؤلاء.
وعلى كل حال لم يأتي المخالف بما يُنظر فيه إلا الإكثار من ذكر عبارات الثناء ونحوه مما لا يُشْتَغَلُ به، وربما زادوا التهويل على المخالف.
وأكتفي بهذا ، إذ لم يعد يسعفني الوقت حتى لم أعد قادراً على الدخول على الملتقى.
ولم يبقَ إلا ذكر الأمثلة التي خولف فيها الشيخان الرافعي والنووي ، أو أحدهما، ثم ما خولف فيه ابن حجر والرملي أو أحدهما.
وإن كنتُ لا أرى في ذكرها كبير فائدة إلا قطع اللجاج ، إذ لا خلاف في نفس وقوع المخالفة ، كما تراه مثلاً في ماسح الخف هل يجدد الوضوء أم لا؟ وخروج المني هل ينقض الوضوء أم لا؟ النهي عن البول في الماء الراكد هل هو للتحريم أم للتنزيه ؟ وهل يتعين التتريب في الأولى والأخيرة من غسل نجاسة الكلب؟ وحكم تفريق الصفقة ، وإذا تعدد المشتري فقبل أحدهما دون الآخر ، وتقييد قبض الثمرة بكونه قبل أوان الجذاذ والتلفظ بعبارات قرآنية كالحمد لله وبسم الله من غير قصد التلاوة ولا غيرها من الجنب ، وما لا يأتي عليه الحصر إلا بتكلف.
ولكن نؤخر ذكرها حتى أنتهي من مشاغلي.
ومن لم يستطع الصبر فعليه بـ(المهمات) وأحسن منه (مختصر المهمات) للولي العراقي وقد أضاف إلى المهمات استدراكات شيخه البلقيني واستدراكاته هو، ومنه نسخة مخطوطة حسنة في موضع الألوكة ، وفي ثناية كتب الفقه الشافعي المتأخرة ما لا يحصي من الأمثلة .
والله سبحانه أعلم
 
التعديل الأخير:

أشرف سهيل صيقلي

:: متابع ::
إنضم
20 يونيو 2008
المشاركات
65
الجنس
ذكر
التخصص
فقه
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

بخصوص ما نقلتم عن الكردي رحمه الله ، هذا ليس كلامه ، بل كلام شيخه الشيخ سنبل ..
ثم رده قال " وأما ما ذكَرَه - من عدم جواز الإفتاء والحُكم بما يخالفهما - فلا يظهر وجهُه ، وأغربُ مِن ذلك حكايةُ الاتفاق عليه " ، ثم قال:
فإن سبر كلام أئمتنا يقتضي خلاف ذلك ، فإن المتأخرين عن ابن حجر والرملي من زمنهما إلى عصرنا قد يخالفونما في كثير من المسائل من غير نكير على ذلك [2] ، ثم ذكر مسائل خالف فيها المتأخرون [3]
وهذا لمن بلغ أهلية الترجيح [4]

وقال الكردي في مقدمة الحواشي المدنية[5] : " وأتعرض كثيرا فيها للخلاف بين المتأخرين كشيخ الاسلام زكريا والخطيب الشربيني والشارح [ابن حجر] والرملي[6] إذ هؤلاء الأربعة قريبو التكافؤ في مذهب الشافعي كما أوضحته في الفوائد المدنية[7] فيمن يُفتَى بقوله من متأخري الأئمة الشافعية " اهـ .[8]

وفي حاشيته الصغرى " المسلك العدل على شرح بافضل نحوه ، قال:
" وأذكر كثيرا في الحاشية وأصلَيْها الخلافَ الكائن بين الشارح [ابن حجر] وم ر وشيخيهما شيخ الإسلام والخطيب فإنهم مما اتُفق على جلالتهم ، وعُذري في عدم التصريح بالترجيح في كثيرٍ من المسائل المختلَف فيها بينهم ما تقدم في كلام السيد عمر وغيره فإن من هو من أهل الترجيح لا يتقيد بما أُرجِّحه ، ومن لا في رتبته له التخييرُ ، فأيُّ ثَمَرة له في الترجيح ؟ " اهـ .


[1] انظر الفوائد المدنية 64 ، 65

[2] الفوائد المدنية 259

[3] انظر الفوائد المدنية من 259 إلى 279

[4] انظر الفوائد المدنية 67 نقلا عن الشيخ سعيد سنبل ، وانظر كلام الكردي في ص 70

[5] وهي حاشيته الوسطى على شرح بافضل

[6] زاد عليهم العلامة باعشن كبار تلامذة الرملي كالزيادي والحلبي والقليوبي ، وغيرهم كالشبراملسي والبجيرمي ، رحمة الله على الجميع . انظر بشرى الكريم 43


[7]
قال في الحواشي المدنية:
فهؤلاء الأئمة يستمد بعضهم من بعض ويجوز الإفتاء بقول كل منهم ، سواء وافق غيره منهم أم خالفه ، لكن مع مراعاة ما قدمناه من اشتراط أن لا يكون ذلك القول سوا أو غلطا أو خارجا عن المذهب ونحو ذلك اهـ الفوائد المدنية 291
وقال في المسلك العدل: نعم وقع في كلامهم حتى التحفة والنهاية مسائل من قبيل الغلط أوالضعيف الواضح الضعف فلا يجوز الإفتاء بها مطلقا وقد أوضحتُ جملةً منها في كتابي ( الفوائد المدينة فيمن يفتى بقوله من متأخري السادة الشافعية ) بما لم أقف على من سبقني إليه فليراجعه من أراد الإحاطة بذلك فإنه جمع فأوعى اهـ

[8] الحواشي المدنية




___________________________________________________________________________________


فالتحقيق أنه لم يقع الاقتصار على الرملي وابن حجر ، لا عملا ، ولا في مقام التنظير عند أكثر المحققين ، وإن نقل عن الشيخ سنبل ما يفيد الاقتصار ، ولكن استُدرك عليه.
وأن كل ما سبق من البحث عن ما هو المعتمد وكيفية معرفته إلخ .. فمفروض فيمن قصر عن النظر .. الذي ذكرتهم أنه مقلد ناقل .. وأن غيره إن سلم له بأهلية النظر والاجتهاد فلا يحتاج إلى شيء مما ذكر ..


وكنت سألتكم عن مسئلة بعينها هي مثال على المسائل التي حصل فيها خلاف بين المحققين .. وفي مثلها يظهر حاجة المقلد القاصر ، الذي يريد العمل بأصح الأقوال في المذهب .. إلى من يخبره كيف له أن يعرفه .. وفرضت كلامي في سؤال هو عين المسئلة المذكورة ..

وفي هذا الذي سطرته - والذي يظهر من كلامكم أنه لا تنازعون فيه - يقع بحث الباحثين عن " ما هو المعتمد " ، إذ المجتهد المسلم له اجتهاده لا حاجة له إليه ، فهو كما قال الكردي :
" فإن من هو من أهل الترجيح لا يتقيد بما أُرجِّحه ، ومن لا في رتبته له التخييرُ ، فأيُّ ثَمَرة له في الترجيح ؟ " أي في الترجيح بين الرملي وابن حجر ، فتقليد أيهما أولى من تقليد الكردي عند الكردي .. وعلي أكثر المتأخرين ..

إلا لو كنتم ترون أن هناك من هم أولى بالتقليد من الرملي وابن حجر والشيخ زكريا ، ممن سبقهم .. فهل تقولون مثلا : من قصر عن النظر وأراد معرفة المذهب .. فعليه بكتب السبكي مثلا .. أم الدميري ، أم من ؟
وماذا يفعل لو وجد أن ابن حجر والخطيب زيفا مثلا قول السبكي .. هي يقلده مهما خالفه المتأخرون ، ويكون قوله هو المعتمد عنده ..

أم يقلد المحلي ، أم قاضي شهبة ، أم ابن النقيب ( أعني في أخذ قولهم بأنه المعتمد ، وإلا فله تقليد من شاء ممن يصح تقليده )
 

أشرف سهيل صيقلي

:: متابع ::
إنضم
20 يونيو 2008
المشاركات
65
الجنس
ذكر
التخصص
فقه
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

وهذه المسئلة المذكورة كما ذكرها الخطيب رحمه الله تعالى:

(و) الأصح (أن الوقف على معين يشترط فيه قبوله) متصلا بالإيجاب إن كان من أهل القبول وإلا فقبول وليه كالهبة والوصية،
وهذا هو الذي قاله الجوري والفوراني وصححه الإمام وأتباعه، وعزاه الرافعي في الشرحين للإمام وآخرين ، وصححه في المحرر ونقله في زيادة الروضة عنه مقتصرا عليه وجرى عليه في الكتاب.

والثاني: لا يشترط واستحقاقه المنفعة كاستحقاق العتيق منفعة نفسه بالإعتاق.
قال السبكي: وهذا ظاهر نصوص الشافعي في غير موضع واختاره الشيخ أبو حامد وسليم والماوردي والمصنف في الروضة في السرقة، ونقله في شرح الوسيط عن الشافعي واختاره ابن الصلاح وجرى عليه شيخنا في منهجه.
قال في المهمات: ويوافقه قول الرافعي لو قال: وقفت عليه زوجته انفسخ النكاح. قال في الوسيط: والذي رأيته في نسخ الرافعي: فلو وقف بحذف لفظة قال وهو الصواب: أي فيكون الوقف قد تم بإيجاب وقبول بخلاف الأول، فإنه ينفسخ بمجرد قول الواقف وقفت عليه زوجته فيكون مفرعا على عدم القبول.

وبالجملة فالأول هو المعتمد
وإلحاق الوقف بالعتق ممنوع؛ لأن العتق لا يرد بالرد ولا يبطل بالشروط المفسدة بخلاف الوقف في ذلك باتفاق القائلين بأنه ينتقل إلى الله تعالى، وعلى هذا يستثنى ما إذا وقف على ابنه الحائز ما يخرج من ثلثه، فإن قضية كلامهم في باب الوصية لزوم الوقف بمجرد اللفظ وبه صرح الإمام اهـ


وقال ابن حجر بعد أن حكى الخلاف :
واعترض بأن الإعتاق لا يرتد بالرد ولا يبطله الشرط الفاسد ويرد بأن التشبيه به في حكم لا يقتضي لحوقه به في غيره اهـ

ماذا يفعل من قصر عن النظر ، ولم يكن مؤهلا للترجيح ، ولكنه يفهم عبارات الفقهاء ويحسن النقل .. إذا سئل:
ما معتمد مذهب الشافعي : هل هو أنه يشترط القبول في الوقف على معين ، أم لا ؟
أي الأقوال يحكيها وينقلها على أنها المذهب ؟
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: مخالفات المحققين للشيخين والمعتمد فيها

ثم رده قال " وأما ما ذكَرَه - من عدم جواز الإفتاء والحُكم بما يخالفهما - فلا يظهر وجهُه ، وأغربُ مِن ذلك حكايةُ الاتفاق عليه " ، ثم قال:
فإن سبر كلام أئمتنا يقتضي خلاف ذلك ، فإن المتأخرين عن ابن حجر والرملي من زمنهما إلى عصرنا قد يخالفونما في كثير من المسائل من غير نكير على ذلك [2] ، ثم ذكر مسائل خالف فيها المتأخرون [3]
وهذا لمن بلغ أهلية الترجيح [4]
جزاك الله خير هذا تنبيه حسن ، وفيه فائدة جليلة ، وهو تقوية ما نقلناه عن الجمال الأهدل والسيد عمر .
أما قصره على من بلغ رتبة الترجيح ، فلا يفيد أن من لم يبلغها يتقيد بقولهما أصلاً ، إذ قد قدمنا عن ابن الصلاح وتبعه النووي أن من لم يبلغها فرضه اتباع الأكثر . وفيه تفصيل : وذلك أنه إن كان الناقل يريد الفتوى .. فلا يجوز له ما دام هناك من يقدر على الترجيح ، وعند العدم فظاهر كلام السيد عمر وصرح به غيره أن حقيقة فتواه حينئذٍ مجرد حكاية ، وحاكي الفتوى لا يلزمه التقيد بمذهب إمام أصلاً فضلاً عن التقيد ببعض أتباعه فضلاً عن أن يتقيد بقول مقلد بعينه ، بل له أن ينقل الفتوى عن أئمة المذاهب الأخرى ولو بغرض أن يعمل بها المستفتي كما بينه جلياً الشرنبلالي الحنفي رحمه الله ، وهو ظاهر كلام بعض أئمتنا ، وكلام السيد عمر السابق نقله ظاهر في أن لغير المرجح أن يفتي بأقوال غير ابن حجر والرملي من الأئمة المتأخرين.
فالحاصل ليس للإلزام بقول ابن حجر والرملي ـ لا على المرجح ولا على الناقل ـ أثارة من علم ، إذ لا مدرك ولا نقل ، بل محض المتابعة لمن لم تتعين متابعته.
وأؤكد على افتراض أنه يجب على من لم يبلغ رتبة الترجيح أن يتقيد بقولهما .. فإن هذا الناقل لا يجوز أن يفتي أصلاً إلا حيث عدم القادر على الترجيح ، وقد أطلق الكردي حصول مخالفة المتأخرين لهما بلا نكير مما يدلكم على عد انعدام هذه الرتبة إلى زمنه بل ولا قلتها ، كما يفيد ذلك كلام الجمال الأهدل رحمه الله ، ولا دليل على انعدامه اليوم.
وهذا كله على فرض تسليم أن هناك من يجب عليه التزام قول الشيخين ابن حجر والرملي ، وإلا فقد قدمنا وكررنا أن الذي بلغ رتبة الترجيح فعليه النظر في المدرك ، وأن من لم يبلغها متى تعينت عليه الفتوى ينظر في قول الأكثرين ، فإن نزل إلى درجة محض النقل ، فلينقل عن أي إمام مجتهد من غير تقيد بمذهب عند جماعة ، أو ينقل عن أئمة المذهب من غير تقييد عند آخرين.
والله سبحانه وتعالى أعلم
 
أعلى